logo

logo

logo

logo

logo

نفاذ القرار ات الإدارية وتنفيذها

نفاذ قرار ات اداريه وتنفيذها

coming into force of administrative decisions and implementation - entrée en vigueur des décisions administratives et les mettre en application

 نفاذ القرارات الإدارية وتنفيذها

نفاذ القرارات الإدارية وتنفيذها

محمد يوسف الحسين

نفاذ القرارات الإدارية

التنفيذ المباشر للقرارات الإدارية

 

يعد النفاذ صيغة ملازمة للقرار الإداري منذ صدوره بحيث يجعله قابلاً للتنفيذ. فالنفاذ خطوة أولية وسابقة لتنفيذ القرار الإداري. لذلك لا بد من معالجة كل مفهوم بصورة منفردة لتوضيح المراد منهما.

أولاً ـ نفاذ القرارات الإدارية:

يعرف القرار الإداري كما يلي: "تصريح وحيد الطرف صادر عن سلطة إدارية مختصة بصيغة النفاذ، بقصد إحداث أثر قانوني"، وهذا يعني أن يكون القرار الإداري قد مرَّ بمراحل متعددة: إعداده والتصديق عليه وإصداره وإعلام المخاطبين به حتى يصبح نافذاً بحقهم، ثم تأتي مرحلة تنفيذ القرار الإداري. كونه صدر بصيغة نهائية تؤدي إلى التنفيذ المباشر.

إذا كان صدور القرار صحيحاً ومستوفياً شروطه وعناصره القانونية، يصبح نافذاً وحجة على الإدارة وملزماً لها منذ تاريخ صدوره، ويحق لكل ذي مصلحة الاحتجاج به في مواجهة الإدارة مصدرة القرار. ولكن نفاذ القرار الإداري لا يكون حجة على الأفراد إلاَّ بعد أن يصل إلى علمهم عن طريق النشر، أو الإعلان، أو العلم اليقيني. إضافة إلى أن آثار القرار لا تسري كقاعدة عامة إلاَّ للمستقبل استناداً إلى قاعدة عدم رجعية القرارات الإدارية.

1ـ سريان القرارات الإدارية في حق الإدارة:

يبدأ نفاذ القرارات الإدارية من تاريخ صدورها عن الجهة الإدارية المختصة، ويعد سارياً في حقها منذ هذا التاريخ، ولكل ذي مصلحة أن يحتج به في مواجهة الجهة الإدارية المصدرة له. ولهذا فإن تاريخ صدور القرار الإداري يحوز على أهمية كبيرة، ويتم الإصدار بمجرد التوقيع على القرار من مصدره، وتلتزم الإدارة المصدرة للقرار بتنفيذه، ولها أن تتخذ الإجراءات اللازمة للتنفيذ، لكن تطبيقه على الأفراد لا يكون جائزاً إلا بعد شهره.

لذا ومن خلال هذا المنطلق، لا بد من تحديد اختصاصات أعضاء السلطة الإدارية تحديداً دقيقاً، والأسس اللازمة لممارسة هذه الاختصاصات بغية تحميلهم مسؤولية اتخاذ هذه القرارات وفقاً لقواعد سليمة وواضحة، حتى لا يتم إصدار هذه القرارات عشوائياً.

2ـ سريان القرارات الإدارية في حق الأفراد:

يعدّ القرار الإداري نافذاً في حق الإدارة بمجرد صدوره من الجهة الإدارية المختصة مستكملاً شروط صحته القانونية. لكن لا تترتب عليه آثاره القانونية، ولا يسري في حق الأفراد إلا إذا علموا به بإحدى الطرق التي حددها القانون لهذا العلم وهي ثلاث:

أ ـ النشر: وهذا يكون للقرارات الإدارية التنظيمية. ويتم النشر في الجريدة الرسمية، أو في صحيفة خاصة، أو بلصقها في أمكنة معينة في المدينة، أو بأي طريقة أخرى يحددها القانون. وبناء عل ذلك فإن المبادئ العامة تقضي بأن أثر هذه القرارات لا يبدأ إلاَّ من تاريخ العلم بها، وهذا العلم لا يكون إلاَّ من تاريخ النشر شروط أن تكون هذه القرارات شاملة لعناصرها ومضامينها بصورة واضحة لكي تتيح لصاحب المصلحة الاطلاع عليها بكل تفاصيلها.

علماً بأن إثبات النشر يقع على عاتق الجهة الإدارية المصدرة للقرار.

ب ـ الإعلان: وهذا يكون للقرارات الإدارية الفردية، إذ يتم تبليغ الأفراد بمضمون القرار الإداري الفردي الصادر بحقهم، أو المخاطبين به عن طريق الإدارة. بشرط أن يكون هذا الإعلان شاملاً لعناصر القرار الإداري وأن يتحقق فيه الإعلان الصحيح مؤدياً إلى العلم التام بمحتويات القرار وأسبابه، إن كان ذكر الأسباب ضرورياً، وذلك من أجل تمكين أصحاب الشأن من الإلمام بالقرار إلماماً كافياً يسمح بتحديد موقفهم إزاءه. ومن الجدير بالذكر أن على الإدارة تبليغ القرار الإداري الفردي لذوي الشأن بأي وسيلة من وسائل الإعلان إلاَّ إذا ورد نص خاص على وسيلة معينة، فعلى الإدارة أن تتقيد بهذه الوسيلة. فقد يكون الإعلان عن طريق محضر أو خطاب بريدي أو عن طريق موظف إداري آخر، أو بتسليم القرار الإداري إلى صاحب الشأن على أن يؤخذ منه إقرار أو إيصالٌ بالتسلم.

فإذا كان الإعلان موجهاً إلى شخص كامل الأهلية فإنه يوجه إليه شخصياً في موطنه الحقيقي أو الموطن المختار له، وعند تعدد الأشخاص يجب أن يبلغوا جميعاً بمضمون القرار. أما إذ تعلق القرار الإداري بشخص معنوي، كالشركات، يجب أن يوجه الإعلان إلى ممثل هذا الشخص المعنوي أو من ينوب عنه قانوناً. وإذا كان القرار الإداري قد صدر بمواجهة شخص ناقص الأهلية أو عديمها فيجب أن يوجه الإعلان إلى الولي أو الوصي أو القيِّم عليه. وتسري المدة بحق الأفراد من تاريخ تبليغ القرار قانوناً، لا من تاريخ إرساله حتى لا يتحمل الشخص الموجه إليه التبليغ ما يحدث من تأخير في وصول الإعلان.

ج ـ العلم اليقيني: يقصد بالعلم اليقيني، وصول القرار الإداري إلى علم الأفراد أصحاب الشأن بطريقة مؤكدة وعن طريق الإدارة. وهذا العلم يكون نافذاً في القرارات الإدارية ويقوم مقام النشر أو التبليغ هذا في مصر. في حين أن هذا الأمر يقتصر عل القرارات الفردية في سورية إذا كان هذا العلم مؤكداً وسمح لصاحب الشأن الإلمام التام بمحتويات القرار والمعلومات التفصيلية التي يجب معرفتها لتحديد مركزه القانوني من القرار الإداري ففي هذه الحالة يعد العلم اليقيني بمنزلة التبليغ.

3ـ سريان القرارات الإدارية من حيث الزمان:

مرّ آنفاً أن تاريخ نفاذ القرارات الإدارية يكون مرتبطاًً بتاريخ صدورها من جهة إدارية مختصة ومستكملة لشروطها القانونية. لكن قد تقوم الإدارة، لغاية في نفسها، بإعطاء القرار الإداري أثراً رجعياً سابقاً على تاريخ صدوره، أو على العكس من ذلك قد تعطي القرار الإداري أثراً لاحقاً لتاريخ صدوره. فما هو الجواب القانوني عن هاتين الحالتين.

أ ـ مبدأ عدم رجعية القرارات الإدارية: لا تسري أحكام القرارات الإدارية واللوائح التنظيمية من حيث المبدأ إلاَّ من تاريخ صدورها؛ لأن ذلك سيهدد الحقوق المكتسبة والمراكز القانونية التي اكتسبها الغير ولا يؤثر فيها. إضافة إلى أنه من غير المقبول أن يطبق القرار على وقائع وأعمال قانونية كانت قد تمت في فترة سابقة لصدوره، لأن ذلك سيؤدي إلى فقدان ثقة الناس واحترامهم لعدم الاطمئنان على استقرار حقوقهم، وهذا الأمر يضر بالمصلحة العامة ويخرق مبدأ الصلاحية الزمانية، لأن رجل الإدارة اللاحق سيعتدي على ما أخذه سلفه من قرارات. وهذا يعني إن عدم رجعية القرارات الإدارية تضمن احترام الحقوق المكتسبة للأفراد في ظل نظام قانوني معين من ناحية، وضمان استقرار المعاملات الإدارية من ناحية أخرى، وأخيراً احترام قواعد الاختصاص حتى لا يفتح الباب أمام الاعتداء على اختصاصات الموظفين السابقين من قبل الموظفين اللاحقين لو أبيحت الرجعية.

ولكن هذا المبدأ عرف عدة استثناءات هي:

(1) ـ إباحة الرجعية بنص تشريعي: إذ يجوز للمشرع أن يخوِّل الإدارة بنص صريح إصدار قرارات إدارية بأثر رجعي، أو قد يكون هذا التفويض صريحاً، بحيث ينص القانون صراحة على تخويل الإدارة تضمين قرارات معينة أثراً رجعياً حتى تاريخ معيَّن يحدده القانون. وغنيٌّ عن البيان إذا استصدرت قرارات لتنفيذ قانون ذي أثر رجعي، فإنها تملك أن تضمن تلك القرارات أثراً رجعياً بشرط ألا يمتد ذلك الأثر إلى أكثر من التاريخ المحدد في القانون الرجعي.

(2) ـ إباحة الرجعية في تنفيذ الأحكام: وهذا يعني إذا صدر حكم قضائي بالإلغاء فإن هذه القاعدة تستوجب بالضرورة بعض الآثار في الماضي، ولاسيما إذا كان القرار الإداري معدوماً من تاريخ صدوره. فلا بد هنا من الاعتراف بالرجعية تنفيذاً للحكم القضائي.

(3) ـ القرارات التي تصدر من هيئة إدارية خولها القانون سلطة إصدار قرارات إدارية خلال فترة معينة، فإن صدورها في تاريخ لاحق خلال تلك الفترة لا يجعلها باطلة، وتسري من تاريخ بداية الفترة حتى نهايتها.

(4) ـ سحب القرارات الإدارية التي لم يتولد عنها حق مكتسب سليمة كانت أم معيبة من دون التقيُّد بميعاد معيَّن ما دامت لم تمس حقاً مكتسباً أو مركزاً قانونياً شخصياً.

(5) ـ جواز رجعية القرارات الأصلح للمتهم.

ب ـ إرجاء آثار القرار الإداري إلى المستقبل:

تلاحظ في هذا المجال قلة في الأحكام القضائية ولا يمكن الجزم بوجود قانون يمنع الإدارة من إرجاء آثار قراراتها الإدارية إذا ما قامت دواعٍ تدفع إلى ذلك. ولكن مع ندرة الأحكام القضائية يستنتج منها التفريق بين القرارات التنظيمية والقرارات الإدارية الفردية.

(1) ـ إرجاء آثار القرار الإداري التنظيمي إلى المستقبل:

معلوم أن القرار التنظيمي يتميَّز بصفتي العمومية والتجريد، ومن ثم يتسم بطابع الثبات النسبي فهو لا يستنفد موضوعه بمجرد تطبيقه على حالة معينة أو فرد من الأفراد، بل يظل قابلاً للتطبيق كلما توافرت الشروط المحددة لهذا التطبيق. إضافة إلى أن هذه القرارات التنظيمية لا يتولد عنها إلاَّ مراكز نظامية عامة ومن ثم فلا يمكن مواجهة الإدارة بفكرة الحقوق المكتسبة أو المراكز الخاصة، وللإدارة الحق المطلق في تعديلها في كل وقت، فلا يمكن للسلطة الإدارية إرجاء آثار قراراتها التنظيمية إلى أي تاريخ مستقبلي لأن ذلك لا يتضمن أي اعتداء على اختصاصات السلطة الإدارية القادمة، إذ يكون لهذه السلطة حق تعديل اللائحة وسحبها والاستبدال بها ما يتفق ومقتضيات سير المرافق العامة والحياة الإدارية.

(2) ـ إرجاء آثار القرار الإداري الفردي إلى المستقبل:

إن إصدار قرار فردي مع إرجاء آثاره إلى تاريخ مستقبلي يتضمن اعتداء على اختصاص الخلف؛ لأنه يقيد اختصاصه إلى حد كبير، فقد يكون الخلف سلطة غير السلطة مصدرة القرار، قد تقدِّر الأمر بصورة مختلفة عن السلطة التي أصدرته. وأكثرية الفقهاء يرون أن الحالات التي يجوز فيها تأجيل آثار القرار الفردي إلى المستقبل، يعد استثناء من الأصل العام، وهو بطلان تأجيل القرارات الفردية.

ثانيا ًـ التنفيذ المباشر للقرارات الإدارية

إن هذا الامتياز في غاية الخطورة. لذلك حددت الحالات الحصرية التي يجوز فيها للإدارة اللجوء إلى ممارسة هذا الامتياز. ومن أجل توضيح هذه الفكرة لا بد من توضيح القواعد العامة لهذا الامتياز، ثم تعرف الحالات الحصرية التي أجيز فيها للإدارة اللجوء إليه.

1ـ القواعد العامة لامتياز التنفيذ المباشر:

بداية لا بد من تحديد ماهية التنفيذ المباشر الذي تمتلكه الإدارة بمواجهة الأفراد لصون القرارات الصادرة عنها، وبيان الطبيعة القانونية له والشروط الواجب توافرها حتى تكون ممارسة هذا الامتياز من قبل الإدارة مشروعةً.

أ ـ ماهية التنفيذ المباشر: تتمتع الإدارة بتنفيذ قراراتها بصورة مباشرة بمواجهة الأفراد من دون أن تلجأ إلى القضاء، سواء كان التزاماً بالقيام بعمل أو بالامتناع عنه، وذلك ضمن حدود مبدأ الشرعية. وهذا يعني أن ممارسة هذا الامتياز لا يجيز للإدارة أن تعتدي على حقوق الأفراد التي يحميها القانون، وفي حال المخالفة من قبل الإدارة في اتخاذ قرارها يحق للفرد المتضرر أن يطعن فيه أمام القضاء، وأن يطالب برد الحقوق التي تكون الإدارة قد استولت عليها بدون وجه حق، وعلى هذا فإن حق التنفيذ المباشر لا يكسب الإدارة حقاً ليس لها، ولكن يضعها في مركز ممتاز إزاء الأفراد ويخضع أعمالها لرقابة القضاء، بمعنى أن تدخل القضاء يكون بعد التنفيذ لا قبله، ولا بد من الإشارة إلى أنه قبل التنفيذ المادي للقرار يترتب على مجرد وجوده أثر قانوني هو ما يحدثه هذا القرار من تعديل في التنظيم القانوني، أي في مجموعة القواعد والمراكز القانونية القائمة في وقت ما، وذلك بقطع النظر عن أي تنفيذ مادي له، علماً بأن بعض القرارات الإدارية لا تتطلب أي تنفيذ مادي لها، من قبيل ذلك عقوبة الإنذار التي توقع تأديباً على الموظف فإنها تقتصر على مجرد إخطاره بالجزاء ولا تقتضي أي تنفيذ مادي لها، كما أن هناك بعض القرارات الإدارية التي يمكن أن تكون تنفيذية من دون أن تعرض تنفيذها عن طريق الجبر أو الإكراه، بل تكتفي الإدارة بإجراء عمل أو الامتناع عن إجرائه، مثال ذلك توقيع عقوبة تأديبية بحق الموظف (حرمانه من علاوة أو فصله) فإن قرار الإدارة في هذه الأحوال لا يعني استعمال القوة الجبرية. وللتوضيح يمكن أن يسمي هذا الأمر (بالتنفيذ التلقائي)، فالإدارة مصدرة القرار تستطيع دائماً أن تتخذ تلقائياً الإجراءات التي يتطلبها تنفيذ هذا التصرف، لأن هذا الأمر يتوقف على إرادة الإدارة التي لا تحتاج إلى تنفيذ جبري. وبالمقابل إذ انعكس الأمر وكانت الإجراءات في يد من يوجه إليه القرار، أي متوقفة على إرادته، وهو ما يحدث في كل مرة يتطلب فيها التنفيذ عملاً شخصياً سواء كان امتناعاً أو أداءً، في هذه الحالة، يمكن اللجوء إلى إجراء التنفيذ الجبري. والنتيجة يمكن القول إن جميع القرارات الإدارية تتسم بطابع تنفيذي بغض النظر عن كل تنفيذ مادي لها، إذ تعدِّل في المراكز القانونية للأفراد من دون حاجة إلى موافقة من جانبهم، هذا الامتياز يطلق عليه اسم القوة التنفيذية للقرار الإداري المباشر وهو يختلف عن التنفيذ، فهذا الامتياز الثاني مقتضاه أن الإدارة تملك تنفيذ قراراتها تنفيذاً مادياً عن طريق استعمال القوة، ولا يشترط في ذلك الاتجاه إلى القضاء مقدماً.

ب ـ الطبيعة القانونية للتنفيذ المباشر: ثمة رأيان فقهيان متضادان حول هذا الأمر:

(1) ـ رأي يؤكد أن الإدارة تستطيع أن تنفذ قراراتها من تلقاء نفسها من دون حاجة إلى تدخل القاضي للحصول على حكم قابل للتنفيذ حتى لو كان ذلك التنفيذ يتعلق بالغير ويمس حقوقه، وعلى الأفراد إطاعة الأمر ولهم الحق في رفع الدعاوى أمام القضاء ضد التنفيذ المباشر الذي لا يوقفه كقاعدة عامة إلاَّ في حالات استثنائية، ومن نتائج ذلك التنفيذ أن تكون الإدارة دائماً في وضع المدافع والفرد في وضع المدعي. وهنا يتبين أن أصحاب هذا الرأي اهتموا بضرورة تمكين الإدارة من أداء مهمتها من خلال الاعتراف لها بالتنفيذ المباشر، وهذا الامتياز يعتمد على فكرة السلطة التي تتمتع بها الإدارة باعتبارها جزءاً من السلطة التنفيذية.

(2) ـ الرأي الآخر ينكر على الإدارة التمتع بأي سلطة مقرراً أن السلطة للمشرع فقط وهو صاحب الحق في ممارستها، فإن تدخل القضاء مسبقاً في التنفيذ المباشر هو أكبر ضمانة للأفراد، وهو طريق السلام والأمن، لأن الحصول على حق بالقوة والإكراه من طرف واحد قوي يجرح الشعور القانوني، والإدارة لا تتصرف إلا لتنفيذ القوانين وفي حدود ما ترسمه لها، فالسلطة الإدارية لا تستطيع الخروج على حدود القانون بأن تحمله غير معناه أو تقرر له جزاءً لم ينص عليه المشرع، ويسوِّغ هذا الرأي الخوف من استبداد الإدارة إذا ما تركت لها حرية التصرف.

إن هذا الامتياز الممنوح للإدارة لا يمارس من دون قيد أو شرط، بل منح القانون هذه الوسيلة للإدارة بصورة استثنائية وفي حالات حصرية، بعد أن أحاطها بعدد من الشروط والقيود التي تضمن حريات الأفراد وحقوقهم وتجعلها في مأمن من الخطورة.

ج ـ شروط التنفيذ المباشر: صحيح أن الإدارة تتمتع بحق ممارسة التنفيذ المباشر، لكن ضمن شروط وقيود معينة يجب على الإدارة مراعاتها واتباعها قبل استخدامها لهذا الامتياز:

(1) ـ فلا بد أن يكون القرار الإداري الذي يجب تنفيذه قد اتخذ تطبيقاً لنص قانوني واضح، لأن التنفيذ المباشر سلاح خطر لا يسوِّغ استعماله إلاَّ ضرورة احترام القانون أو على الأقل قرار إداري متخذ تطبيقاً للقانون.

(2) ـ يجب أن يكون هناك محل للتنفيذ الجبري، أي امتناع من جانب الأفراد عن تنفيذ القانون أو القرار الإداري، فالشرطي لا يحق له أن يمنع تظاهرة أو اجتماعاً بالقوة إلاَّ إذا رفض الأفراد التفرق طوعاً. ولهذا السبب يجب على الإدارة منح مهلة كافية للتنفيذ الطوعي من قبل الأفراد قبل أن تلجأ إلى التنفيذ الجبري، وإلاَّ أصبح التنفيذ الجبري غير مشروع، لكن إذا رفض الأفراد أو قاوموا التنفيذ يجوز للإدارة أن تستعمل السلاح الذي زودها به القانون ألا وهو التنفيذ المباشر.

(3) ـ انتفاء أي وسيلة قانونية أخرى لدى الإدارة لتنفيذ القرار: يعد هذا الشرط أساسياً لمشروعية التنفيذ المباشر لضرورة تأمين احترام القانون واستحالة تأمينها بطريقة حقوقية أخرى، ففي كل مرة تتوافر فيها للإدارة وسيلة قانونية تمكنها من القضاء على مقاومة الأفراد أو ردعها فإن استعمال القوة يكون غير لازم ومن ثم غير قانوني.

ومن ذلك يظهر أن لجوء الإدارة إلى التنفيذ المباشر من دون توافر شروطه كلها يرتب عليه نتائج مهمة، ويعد عملاً غير مشروع يجيز للأفراد الطعن فيه أمام القضاء الإداري، الذي يستطيع أن يحكم بإيقاف تنفيذ القرار إذا ما طلب منه ذلك قبل الفصل في موضوع طلب الإلغاء.

إذا نفذت الإدارة ضمن شروط مشروعة قراراً لا يستند إلى أي نص قانوني. أو إذا هي نفذت قراراً مشروعاً أو غير مشروع، ولكن تنفيذها إياه كان غير مشروع فإن هذا التنفيذ من قبلها يشكل عملاً من أعمال الاعتداء المادي، وتخضع الدعاوى الناشئة منه لاختصاص المحاكم العادية، لإدانة الإدارة وإعادة الحقوق للفرد المتضرر.

2ـ حالات التنفيذ المباشر: إن ممارسة التنفيذ المباشر قد يمس أو يقيد الحريات العامة، لذلك يجب أن يحاط هذا التنفيذ بسياج من الضمانات التي تحقق حماية الأفراد، وبالمقابل لا يجوز تحت أي حجة كانت ترك الإدارة عاجزة أمام إصرار الأفراد على عدم الرضوخ لمقتضيات المصلحة العامة، إذ تقتضي المصلحة العامة أن تطاع الإدارة وأن تنفذ أوامرها ضمن حدود القانون، وما القرارات الإدارية إلاَّ وسيلة لتنفيذ القوانين. لذا ومن هذا المنطلق لا بد من وجود توازن حقيقي يضمن تحقيق المصلحة العامة وضمان حرية الأفراد.

أ ـ الحالات المتعلقة بالنصوص القانونية: يقوم التنفيذ الجبري على فكرة المشروعية، ومن ثم فلا يحق للإدارة أن تستخدم هذا الإجراء إلاَّ في تنفيذ الالتزام الواقع على الأفراد المستند إلى نص قانوني محدد. فالمشرع يخول الإدارة في حالات معينة سلطة تنفيذ قراراتها تنفيذاً جبرياً، بأن تلجأ إلى القضاء مقدماً وذلك بالنظر إلى خطورة بعض الموضوعات، وضرورة الإسراع بشأنها. وقد أراد المشرع من ذلك تقييد الإدارة وضمان حرية الأفراد؛ لأن القضاء في هذه الحالة، يمكنه مراقبة عمل الإدارة، ويجب على الإدارة أن تراعي الحدود التي رسمها القانون حتى لا تعرَّض نفسها للمسؤولية.

ينص المشرع صراحة في بعض الأحيان على حق الإدارة في اللجوء إلى التنفيذ المباشر، فإنه في حالات أخرى (على العكس من ذلك) ينص صراحة أو ضمناً على استبعاد هذه الوسيلة، وذلك إذا ما رسم طريقاً معيناً على الإدارة أن تسلكه. وفي هذه الحالة يمتنع على الإدارة أن تلجأ إلى التنفيذ المباشر.

ب ـ وجود نص قانوني ليس له جزاء: تلجأ الإدارة إلى أسلوب التنفيذ المباشر إذ ما رفض الأفراد تنفيذ قانون لم ينص فيه على جزاء لمن يخالفه، وذلك على أساس أن الإدارة هي المكلفة أصلاً بالسهر على تنفيذ القانون، فإذا لم ينص هذا الأخير على جزاء لمن يخالف أحكامه، ولم يكن للإدارة في شأنه حق التنفيذ المباشر يترتب على ذلك بلا شك تعطيل تنفيذ هذا القانون وإهدار قيمته كلياً. ولا يمكنها اللجوء إلى استخدام القوة المادية في التنفيذ إلاَّ إذا توافرت الشروط التالية:

(1) ـ أن يكون الإجراء التنفيذي الذي تقوم به الإدارة مستنداً في أساسه إلى نص قانوني.

(2) ـ أن يكون الغرض الوحيد من الإجراء الذي تتخذه الإدارة تحقيق مضمون النص القانوني، فلا يجوز أن تستخدم الإدارة إجراء التنفيذ الجبري لتحقيق أغراض خاصة تخالف الأغراض العامة التي قصد إليها القانون المراد تنفيذه.

(3) ـ أن توجد معارضة من الأفراد في تنفيذ القانون، فيجب أن تكون هناك مقاومة حتى يكون للإدارة حق التنفيذ المباشر، ولا يهم أن تكون المقاومة مشروعة ومبررة أم لا، وإنما يكفي فقط أن توجد مقاومة من جانب الأفراد.

(4) ـ أن لا ينص القانون المراد تنفيذه على جزاء لمخالفة أحكامه، وعلى هذا إذا نص القانون على الجزاء كان من الواجب تطبيق النص الخاص بذلك، ويسقط حق الإدارة في اتخاذ إجراءات التنفيذ المادية من تلقاء نفسها.

ج ـ حالة الضرورة والاستعجال: إن مقتضى حالة الضرورة هو أن تجد الإدارة نفسها أمام خطر داهم يقتضي منها التدخل فوراً للمحافظة على الأمن أو السكينة أو الصحة العامة بحيث لو انتظرت حكم القضاء لترتب على ذلك أخطار جسيمة، وللإدارة في هذه الحالة، الحق في استخدام القوة المادية لدفع الخطر ولو لم يوجد نص يبيح هذا الإجراء؛ لأن حالة الضرورة تسوغ اتخاذ إجراءات التنفيذ المادي من دون نص، وليس هذا فقط بل أن وجود جزاء لمخالفة أحكام القانون لا يمنع الإدارة في حالة الضرورة، من التدخل بوسائلها المباشرة لمنع هذه المخالفات دون أن تكون ملزمة بانتظار حكم القضاء إذا كان من شأن هذا الانتظار أن يعرض الأفراد لخطر جسيم. ومن الجدير بالذكر أن نظرية الضرورة ليست مقصورة على القانون الإداري فقط لكنها عامة وشاملة تمتد إلى جميع فروع القانون.

ولحالة الضرورة شروط لا بد من توافرها:

(1) ـ وجود خطر جسيم مفاجئ يهدد النظام العام بمدلولاته الثلاثة (الصحة، الأمن، السكينة) ويتطلب من الإدارة سرعة التدخل لتلافيه.

(2) ـ تعذر درء هذا الخطر بالوسائل القانونية العادية، لأن الأصل ألاَّ تستعمل الإدارة في أداء واجبها إلاَّ الوسائل التي وضعها القانون بين يديها، وليس لها أن تستبدل بها غيرها إلاَّ إذا تأكدت من أن الوسائل العادية غير مجدية في المحافظة على النظام العام، إضافة إلى أن هذا الأمر يتطلب أن يمانع الأفراد في النزول على إرادة الإدارة.

(3) ـ أن تكون الغاية من التدخل تحقيق المصلحة العامة وحدها، فإذا ما اتخذت من التنفيذ المباشر وسيلة لتحقيق مآرب خاصة كان عملها مشوباً بعيب الانحراف، وهذا شرط عام يهيمن على جميع تصرفات الإدارة حتى لو لم ينص عليه المشرع صراحة.

(4) ـ يجب ألاَّ تضحي الإدارة بمصلحة الأفراد في سبيل المصلحة العامة إلا بمقدار ما تقتضي الضرورة، ومقتضى هذا الشرط هو أنه إذا كان أمام الإدارة عدة وسائل لتحقيق الغاية ذاتها فعليها أن تختار أقلها ضرراً للأفراد،لأن القاعدة العامة أن الضرورة تقدر بقدرها، وعلى أي حال فإن هذا الشرط مرن يقدره القاضي بحسب الأحوال، وأثره يتركز في الحكم بتعويض في حالة تعسف الإدارة أو عدم تبصرها.

 

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ سليمان الطماوي، النظرية العامة للقرارات الإدارية (دار الفكر العربي، القاهرة 1991).

ـ سليمان الطماوي، الوجيز في القانون الإداري (دار الفكر العربي، القاهرة 1991).

ـ فؤاد العطار، القانون الإداري (دار النهضة العربية، القاهرة 1977).

ـ عادل سيد فهيم القوة التنفيذية للقرار الإداري (الدار القومية للنشر، القاهرة، بلا تاريخ).

ـ محمد فؤاد عبد الباسط، وقف تنفيذ القرار الإداري (دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 1997).


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد السادس: علم الفقه ــ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان
رقم الصفحة ضمن المجلد : 312
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 630
الكل : 31236249
اليوم : 61406