logo

logo

logo

logo

logo

الالتزام في الفقه الإسلامي

التزام في فقه اسلامي

al-iltizam in islamic jurisprudence - al-iltizam dans la jurisprudence islamique

 الالتزام في الفقه الإسلامي

الالتزام في الفقه الإسلامي

وهبة الزحيلي

 

تعريفه وعناصره:

الالتزام: هو كون الشخص مكلفاً شرعاً بعمل أو بامتناع عن عمل لمصلحة غيره، وبعبارة أخرى: هو ما يجب على الشخص الوفاء به تجاه آخر. فهو يقابل الحق الشخصي، وعناصره أو أركانه أربعة: ملتزم: وهو الشخص المكلف، وملتزم له: صاحب الحق، ومحل الالتزام: وهو الشيء الذي يتعلق به الفعل، وموضوع الالتزام: وهو الفعل المكلف به. ففي عقد البيع: البائع: ملتزم، والمشتري: ملتزم له، والمبيع: محل الالتزام للبائع، والثمن محله للمشتري، والموضوع: التسليم في كل منهما، ويقال للالتزام: التكليف أو العهدة أو الوجيبة، وقد استعمل الفقهاء المسلمون الالتزام بالمعنى القانوني الحديث.

سبب الالتزام وطبيعته: هو الحادثة المولدة للالتزام، وتشمل جميع التصرفات القولية والفعلية، والأحوال التي ينشأ عنها الحق شرعاً. ويسمى هذا السبب في القانون: مصدر الالتزام، فعقد البيع: تصرف قولي، وإتلاف مال الغير تصرف فعلي والإحجام عن عمل يحفظ المال من الضياع مع القدرة على تصرف سلبي، وموضوع الالتزام: التعويض.

وطبيعة الالتزام شرعاً أنه علاقة مادية تتعلق إما بمال المكلف كالمدين، وإما بعمله كالأجير، وليس علاقة شخصية يترتب عليها حق الدائن بإجبار المدين الموسر على تفريغ ذمته بالإكراه البدني كالحبس والتضييق، أما المعسر فيجب إنظاره إلى الميسرة بنص القرآن.

نقل الالتزام: يتم إما بطريق الحوالة وإما بطريق البيع، والحوالة نوعان:

في المذهب الحنفي:

إما حوالة حق (وهي حلول دائن محل دائن) عن طريق ما يسمى بالحوالة المقيدة، وإما حوالة دين (وهي حوالة مدين محل مدين) وهي الحوالة المطلقة(1).

أما نقل الالتزام بطريق البيع فالقاعدة عند الحنفية هي «لا يجوز تمليك الدين إلا ممن عليه الدين» فلا يجوز بيع الدين بالدين لغير المدين.

موضوع الالتزام: فعل إيجابي أو سلبي: أما الإيجابي فكالتزام أداء الدين، ورد عين معينة حينما يكون محل الالتزام عيناً معينة كتسليم المبيع للمشتري، وردّ المغصوب إلى المغصوب منه، وإعادة المأجور إلى المؤجر بانتهاء المدة، والقيام بعمل كالتزام نقل بضاعة أو إصلاح آلة، أو صنع شيء ما، وعمل الأجير، وأما الالتزام السلبي فكالتزام الوديع ألا يتعدى على الوديعة، والتزام المستأجر ألا يتجاوز المعتاد في استعمال المأجور.

وهناك تلازم في الفقه الإسلامي والقانون بين عنصري المديونية والمسؤولية في المحل، فشخص المكلف في الالتزام هو مدين ومسؤول.

شروط الالتزام: يشترط في الالتزام ثلاثة شروط:

1- تعيين طرفي الالتزام: فلا بد في كل التزام من طرفين: ملتزم وملتزم له، ويجب أن يكون الطرفان معينين، لكن الملتزم لابد من تعيينه منذ نشأة الالتزام، لأنه هو المكلف أو المدين، ولا يعقل إنشاء دين في ذمة شخص غير معين. أما الملتزم له وهو صاحب الحق فالأصل فيه أن يكون أيضاً متعيناً منذ نشأة الالتزام، لكن لا يجب دائماً أن يكون معيناً ابتداء، بل قد يكتفى بتعيينه عند استحقاق تنفيذ الالتزام، وهذا يعني أنه يمكن أن يقع الالتزام لمجهول في الابتداء، كمنح مكافأة تشجيعية لأي شخص يقدم مجهوداً حربياً متميزاً في صفوف الأعداء، أو الإعلان عن جائزة محددة لمن يجد شيئاً ضائعاً، أو يكتشف علاجاً لمرض خطر كالسرطان أو الإيدز (فقد المناعة الجنسية)، وكمن ينثر سكراً أو دراهم في العرس ونحوه لمن يلتقطه، ومثل صحة الإقرار لمجهول جهالة يسيرة، كما لو قال شخص لاثنين: لأحدكما علي مبلغ كذا. وعدم تعيين الالتزام في هذه الأمثلة هو حكم استثنائي لا عموم له على كل التزام.

2- العلم بمحل الالتزام: الغالب أنه لابد من كون محل الالتزام معلوماً منذ نشوء الالتزام، وعدم العلم بالمحل في الالتزامات العقدية يجعل العقد إما فاسداً، وإما باطلاً بحسب اختلاف المذهب الحنفي مع غيره.

لكن فقهاء الحنفية أجازوا في بعض الأحوال جهالة محل الالتزام عند الابتداء، واكتفوا بالمعلومية عند التنفيذ، مثل تصحيح الكفالة فيما إذا كفل الإنسان ما سينشأ من دين آخر بمبايعته(2). وصح بيع إنسان ما في صندوقه، وإن لم يكن مضموناً معلوماً عند العقد، وكذلك يصح عقد النكاح بمهر مجهول، ويجب حينئذٍ مهر المثل.

3- أن يكون محل الالتزام ذا قيمة مالية بالنسبة للملتزم له، إذ لا منفعة ترجى من عمل لا قيمة له، كمشي مدة من الزمان أو صوم عن طعام أو سهر ونحو ذلك.

وتتجلى القيمة المادية في الالتزامات التعاقدية الإيجابية بوضوح، كتسليم المبيع والثمن، وعمل الأجير، وأداء الأجرة، والتمكين من منافع المأجور، ونتائج أعمال الشركاء في الشركة…إلخ.

أما الالتزامات السلبية كما سبق بيانها فكذلك تظهر فيها القيمة المادية بطريق غير مباشر؛ لأن التزام عدم استعمال الوديعة المؤتمن عليها أو عدم التعدي عليها مثلاً هو مصلحة مالية لصاحبها، ليبعد عنها ما يضرها.

وصرح الفقهاء في البيع بأن يكون المعقود عليه مالاً متقوماً، والمال المتقوم: ما يباح الانتفاع به شرعاً، أما ما لا يجوز الانتفاع به شرعاً كالخمر والخنزير فلا يصح التعاقد عليه(3).

لكن قد تكون القيمة أدبية متصلة بالأخلاق ونظام الأسرة، كالتزام المرأة طاعة زوجها ومتابعته، والتزام الزوج حسن معاملتها، فهذا ما يفرضه الشرع بصفته نتيجة لعقد الزواج، وكالتزام الولي أعمال الولاية على القاصر، فهي عهدة عليه يجب القيام بأعبائها.

مصادر الالتزام: جمع مصدر وهو الأمر أو الحادث الذي نشأ عنه الالتزام، فالالتزام بين المتبايعين مصدره عقد البيع، والتزام المتلف التعويض عما أتلف مصدره الفعل الضار، والتزام الأب نفقة ولده مصدره الشرع نفسه، استناداً إلى البنوة والفقر. ومصدر الالتزام: هو سبب الالتزام المتقدم ذكره.

ومصادر الالتزام في الفقه الإسلامي والقانون هي خمسة: العقد، والإرادة المنفردة، والفعل الضار، والفعل النافع (أو الإثراء بلا سبب)، والشرع (أو القانون).

والنظرية العامة للالتزام تشمل شطرين: الأول مصادر الالتزام وهي الخمسة التي ذكرناها، والشطر الثاني أحكام الالتزام: وهي الأحوال التي تعتري الحقوق الشخصية والالتزامات بعد نشوئها، كأحكام المسؤولية العقدية والمسؤولية التقصيرية. كما تشمل آثار الالتزام، والأوصاف المعدِّلة لآثار الالتزام كالشروط التعاقدية والأجل، وانتقال الالتزام (أي بحوالة الحق وحوالة الدين) وإثبات الالتزام بالشهادة أو الإقرار أو الوثيقة الخطية، واليمين والقرائن وسائر وسائل إثبات الحق، وانقضاء الالتزام (أي أحوال سقوط الالتزام بالوفاء العيني أو بمقابل، أو من دون وفاء بالإبراء والتقادم).

والكلمة الأخيرة: أن مزية هذا الترتيب أنه جعل من نظرية الالتزام نظرية جامعة شاملة. تنتظم جميع فروع الأحكام العامة الناشئة من الحق المالي العيني أو الشخصي أو الالتزام، لذا سميت بالنظرية العامة للالتزام. لكن ظهر نظام حديث في الترتيب القانوني عند واضعي القانون الألماني وهو صياغة نظرية قانونية عامة بترتيب جديد، ينطلق من المصدر المولد للحق والالتزام لا من النظر إلى أحوالهما، ويجعل هذا المصدر قسمين أساسيين هما: التصرف القانوني والواقعة القانونية، وأيدهم في هذا الاتجاه فريق من القانونيين الفرنسيين كالأستاذ ساني وتلاميذه.

مراجع للاستزادة:

- مصطفى أحمد الزرقا، المدخل إلى نظرية الالتزام العامة في الفقه الإسلامي (دار القلم، دمشق، ط أولى، 1420هـ/ 1999م).

-  محمد وحيد الدين سوار، النظرية العامة للالتزام، ج1 - مصادر الالتزام، ط أولى (دار الكتاب، دمشق 1395هـ/1975م).

 


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 417
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1090
الكل : 45597282
اليوم : 142263