logo

logo

logo

logo

logo

قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

قانون مكافحه غسل اموال وتمويل ارهاب

anti-money laundering law and financing of terrorism - droit contre le blanchiment d'argent et le financement du terrorisme

 قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب

 

سماح الآغا

مفهوم غسل الأموال وتمويل الإرهاب  
مراحل غسل الأموال أركان جريمة تمويل الإرهاب
أركان جريمة غسل الأموال هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
ماهية الأموال غير المشروعة مسؤوليات المؤسسات المصرفية والمالية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب
مصادر الأموال غير المشروعة العقوبات المقررة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب
 

أولاً ـ مفهوم غسل الأموال وتمويل الإرهاب:

غسل الأموال هو اصطلاح عصري وتعبير مجازي للتعبير القانوني «التصرف في النقود غير المشروعة بطريقة تخفي مصدرها وأصلها الحقيقي». وقد كانت الفكرة السائدة في الجمهورية العربية السورية قبل عام 2002 أن الإجراءات والسياسات المطبقة في القطر في إطار نظام الرقابة على القطع، إضافة إلى قانون الجرائم الاقتصادية كفيلة بمكافحة غسل الأموال وجرائم الأموال الأخرى وعمليات تمويل الأنشطة غير المشروعة. غير أن الحكومة السورية، أدركت أن عملية تحديث وتطوير القطاع المالي والمصرفي، وتخفيف نظام الرقابة على القطع، قد يعرض سورية لجرائم غسل الأموال ولجرائم مالية لم تكن معروفة من قبل، ولا سيما أن التجربة كشفت عن أن النظم الاقتصادية التي هي في طور الانفتاح تكون عادة عرضة لمثل هذه الجرائم، كما أن العولمة والتكنولوجيا المتقدمة التي جعلت أنظمة الاتصالات والمواصلات متطورة جداً، أسهمت في تعزيز غسل الأموال ورواجه.

ونتيجة لشيوع جريمة غسل الأموال فقد ظهرت إلى الوجود قوانين مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تتسم بالصرامة والجدية، إذ تحتوي على تقنين الحلول لمكافحة هذا النوع من الجرائم، وكان من باكورة الجهود المبذولة في هذا الصدد إصدار المرسوم التشريعي رقم 59 لعام 2003 بقصد مكافحة غسل الأموال في القطر، والذي تم تعديله بالمرسوم التشريعي رقم 33 الصادر بتاريخ 1/5/2005.

ثانياً ـ مراحل غسل الأموال:

بات غسل الأموال ظاهرة عالمية منتشرة، وهو العملية التي يتم بموجبها تبييض الأموال المتحصّلة من مصدر غير مشروع ومن ثم إضفاء الشرعية على هذا المال عن طريق توظيفه في قنوات شرعية. وغسل الأموال يمر في ثلاث مراحل هي:

1ـ مرحلة الإيداع: وهي وضع الأموال المتحصّلة من أنشطة إجرامية في بنوك ومؤسسات مالية.

2ـ مرحلة التفريق أو التغطية: أي وضع الأموال في حسابات مالية متعددة من خلال عمليات مالية متشعّبة ومعقدة بحيث تستحيل معرفة مصادرها غير المشروعة.

3ـ مرحلة الإدماج: وفي هذه المرحلة تدخل الأموال الملوثة في النظام المالي الشرعي وتصبح جزءاً لا يتجزأ من الأموال المشروعة.

ثالثاً ـ أركان جريمة غسل الأموال:

على الرغم من أن جريمة غسل الأموال هي جريمة تبعية لأنها تفترض وقوع جريمة أصلية سابقة عليها والتي تُعدّ مصدراً للأموال الملوثة، إلاّ أنها (غسل الأموال) تُعدّ جريمة مستقلة عن الجريمة الأصلية. فجريمة غسل الأموال بعد أن كانت ترتكب ببساطة من قبل مرتكب الجريمة الأصلية التي تدرّ الأموال محل الغسل، أصبح هناك أشخاص طبيعيون ومعنويون (كالبنوك) متخصصون بتبييض الأموال، إذ يتلقون الأموال غير المشروعة من المجرمين، ويتولون غسلها، وإعادتها إليهم بحلة جديدة مشروعة مقابل الحصول على أجر مادي محدد. وبذلك أصبحت جريمة غسل الأموال تدخل في عداد الجريمة المنظمة. وهذا بالطبع يقود إلى القول إنه يمكن معاقبة الفاعل (غاسل الأموال) ولو كان فاعل الجريمة الأصلية غير معاقب لتوافر أحد موانع المسؤولية الجزائية مثلاً.

1ـ الركن المادي: من استعراض المادة الأولى والثانية من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يلاحظ وجود توسع في الركن المادي، أذ هناك عدة صوّر للسلوك الجرمي، مثل:

 أ ـ تمويه المصدر الأصلي للأموال الملوثة بالتعتيم عليه ومحاولة منع اكتشافه أو تبريره بإعطائه مظهراً كاذباً بأي وسيلة كانت.

ب ـ تحويل الأموال غير المشروعة أو استبدالها مع علم الفاعل الذي يقوم بهذا التحويل أو الاستبدال بأنها متحصّلة من أنشطة إجرامية. ويكون هذا التحويل بتغيير شكل الأموال من شكلها الحالي إلى شكل آخر مثل استبدال النقود السائلة بمصوغات ذهبية. كما يُعدّ  من صوّر الركن المادي أيضاً مساعدة شخص ضالع في القيام بهذا التحويل للإفلات من المساءلة القانونية.

ج ـ حيازة أو تملك أو إدارة أو استخدام الأموال الناتجة من جريمة ما لشراء أموال منقولة أو غير منقولة، أو استثمارها سواء كان هذا الاستثمار مشروعاً أو غير مشروع أو القيام بعمليات مالية مع علم الفاعل بالمصدر غير المشروع لهذه الأموال.

وإن النتيجة الجرمية للسلوك الإجرامي هي نجاح غسل هذه الأموال الملوثة وظهورها بمظهر الأموال النظيفة المتحصّلة من مصادر مشروعة، وذلك بعد مرورها بعمليات متشعّبة بهدف إزالة صفة عدم المشروعية عن هذه الأموال وإعطائها ستاراً شرعياً. علماً أنه ليس من الضروري، كما ذُكر آنفاً، أن يكون فاعل الجريمة الناجمة عنها أموال ملوثة هو نفسه فاعل جريمة غسل هذه الأموال. إذ إن غاسل الأموال غير المشروعة قد يكون شخصاً آخر طبيعياً أو معنوياً.

2ـ الركن المعنوي: نصت الفقرة /أ/ من المادة الأولى من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على أنه: «يقصد بغسل الأموال كل فعل يهدف إلى إخفاء أو تغيير هوية الأموال التي لها علاقة بعمليات غير مشروعة …». يتبين من هذا النص أن جريمة غسل الأموال لا يمكن أن تكون إلاّ جريمة قصدية، إذ لا يمكن قيامها على أساس الخطأ عند وقوع إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة الشرائع والأنظمة.

أ ـ القصد العام في جريمة غسل الأموال: يجب أن يتوافر لدى غاسل الأموال العلم بأن المصدر الحقيقي للأموال التي يقوم بغسلها هو مصدر غير مشروع، وأن تتوافر إرادة القيام بسلوك تبييض تلك الأموال الملوثة.

ب ـ القصد الخاص في جريمة غسل الأموال: وهو انصراف النية إلى تحقيق غاية معينة وهي إخفاء أو تغيير هوية الأموال غير المشروعة، ومن ثم، فالقصد الخاص يتحقق عند التثبّت من إرادة إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال المنقولة أو غير المنقولة أي الموارد الناتجة من أنشطة إجرامية.

و قد عرفت المادة (1/أ) من القانون غسلَ الأموال بأنه: «كل سلوك يقصد به إخفاء أو تغيير هوية الأموال التي لها علاقة بعمليات غير مشروعة، وذلك تمويهاً لمصادرها الحقيقية ولكي تظهر على أنها ناجمة عن عمليات مشروعة». وعليه يُعدّ  من قبيل غسل الأموال كل فعل يُقصد منه إخفاء المصدر الحقيقي للأموال غير المشروعة بأي وسيلة كانت أو إعطاء تبرير كاذب لهذا المصدر، وتحويل الأموال أو استبدالها مع علم الفاعل بأنها أموال غير مشروعة لغرض إخفاء أو تمويه مصدرها أو مساعدة شخص ضالع في ارتكاب الجرم على الإفلات من المسؤولية.  ويدخل ضمن الأفعال المجرمة بموجب هذا القانون تملّك الأموال غير المشروعة أو حيازتها أو إدارتها أو استثمارها أو استخدامها لشراء أموال منقولة أو غير منقولة، أو للقيام بعمليات مالية مع علم الفاعل بأنها أموال غير مشروعة (المادة 2 / أ من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب).

ويُعدّ من قبيل ارتكاب جرم تمويل الإرهاب كل فعل يقصد منه تقديم أو جمع أموال بأي وسيلة مباشرة أو غير مباشرة من مصادر مشروعة أو غير مشروعة بقصد استخدامها في عمل إرهابي في أراضي الجمهورية العربية السورية أو خارجها، وفقاً للقانون والأنظمة السورية النافذة والاتفاقيات الدولية أو الإقليمية أو الثنائية التي تكون سورية طرفاً فيها (المادة 2 / ب من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب).

لقد كان حرص المشرع السوري كبيراً على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، إذ نص على ملاحقة غسل الأموال الناجمة عن جرائم مرتكبة لا في سورية فقط بل خارجها أيضاً.

رابعاً ـ ماهية الأموال غير المشروعة:

يُعدُّ من قبيل الأموال غير المشروعة وفقاً للفقرة /ب/ من المادة الأولى من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب جميع أنواع الأصول سواء كانت مادية أم غير مادية منقولة، أم غير منقولة، أياً كانت كيفية اقتنائها والوثائق أياً كان شكلها بما فيها الإلكترونية أو الرقمية الدالة على حق ملكية هذه الأصول، أو حصة فيها، وكل ما ينتج من هذه الملكية، أو أي حق متعلق بها بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر العملة الوطنية والعملات الأجنبية والتسهيلات المصرفية والشيكات السياحية والشيكات المصرفية والحوالات النقدية والأسهم والأوراق المالية والسندات والكمبيالات والاعتمادات المستندية.

خامساً ـ مصادر الأموال غير المشروعة:

إن عمليات غسل الأموال ترتبط بأنشطة غير مشروعة، كالاتجار بالمخدرات، الجريمة المنظمة، الفساد المالي والإداري والسياسي … الخ.

وقد اتبع المشرع السوري أسلوب التعداد الحصري في تحديده للأنشطة المولدة للأموال غير المشروعة التي تطبق عليها أحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وذلك بأن أورد تعداداً للجرائم التي تُعدّ متحصلاتها أموالاً غير مشروعة. فقد عرفت المادة (1/ج) من القانون المشار إليه الأموال غير المشروعة بأنها الأموال المتحصّلة أو الناتجة من ارتكاب إحدى الجرائم الآتية سواء وقعت هذه الجرائم في أراضي الجمهورية العربية السورية أو في خارجها: 

زراعة أو تصنيع أو تهريب أو نقل المخدرات أو المؤثرات العقلية أو الاتجار غير المشروع بها. 

الأفعال التي ترتكبها جمعيات الأشرار المنصوص عليها في المادتين (325 و326) من قانون العقوبات وجميع الجرائم المعتبرة دولياً جرائم منظمة.

جرائم الإرهاب المنصوص عليها في المادتين (304 و305) من قانون العقوبات وفي الاتفاقيات الدولية والإقليمية والثنائية التي تكون سورية طرفاً فيها. 

تهريب الأسلحة النارية وأجزائها والذخائر والمتفجرات أو صنعها أو الاتجار بها بصورة غير مشروعة. 

نقل المهاجرين بصورة غير مشروعة والقرصنة والخطف. 

عمليات الدعارة المنظمة والاتجار بالأشخاص والأطفال والاتجار غير المشروع بالأعضاء البشرية.

سرقة المواد النووية أو الكيميائية أو الجرثومية أو السامة أو تهريبها أو الاتجار غير المشروع بها.

سرقة واختلاس الأموال العامة أو الخاصة أو الاستيلاء عليها بطرق السطو أو السلب أو بوسائل احتيالية أو تحويلها غير المشروع عن طريق النظم الحاسوبية. 

تزوير العملة أو وسائل الدفع الأخرى أو الإسناد العامة أو الأوراق ذات القيمة أو الوثائق والصكوك الرسمية. 

10ـ سرقة الآثار أو الممتلكات الثقافية أو الاتجار غير المشروع بها. 

11ـ جرائم الرشوة والابتزاز. 

12ـ جرائم التهريب. 

13ـ استخدام العلامات التجارية المسجلة من قبل غير أصحابها أو تزوير حقوق الملكية الفكرية.

ومن استعراض نص هذه المادة يلاحظ أنه على الرغم من التعداد الحصري للجرائم والأنشطة غير المشروعة التي تكون مصدراً للأموال غير المشروعة إلاّ أن المشرع السوري مع ذلك قد أخذ بالمفهوم الموسع لجريمة غسل الأموال، فلم يُقصر مفهوم الأموال غير المشروعة على تلك الناجمة عن الإتجار بالمخدرات بل الناتجة من الجرائم والأنشطة غير المشروعة المذكورة في هذه المادة، وذلك بخلاف بعض التشريعات التي أخذت بالمفهوم الضيق عندما قصرت مفهوم الأموال القذرة على تلك الناتجة من تجارة المخدرات فقط والمقصود بالأفعال التي ترتكبها جمعيات الأشرار المنصوص عليها في المادتين (325 و326) من قانون العقوبات المشار إليها في البند الثاني أعلاه تلك الجنايات التي ترتكبها جمعيات الأشرار المكونة من شخصين أو أكثر والعصابات المسلحة المكونة من ثلاثة أشخاص أو أكثر على الأموال. أما الجرائم المعتبرة دولياً جرائم منظمة فهي الجرائم التي تُعدّ بموجب اتفاقيات دولية جرائم منظمة، ومن أمثلتها القرصنة والاتجار بالبشر وتهريب وبيع السلاح. وقد كان المشرع السوري واضحاً عندما أوجب ملاحقة غسل الأموال الناتجة من اقتراف الجرائم الآنفة الذكر سواء تم ارتكابها على الأراضي السورية أو خارجها ولو لم يكن معاقباً عليها في الخارج وإن دلَّ هذا على شيء إنما يدل على الحرص الشديد على مكافحة غسل الأموال.

من استعراض نص الفقرة /ج/ من المادة الأولى من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب يمكن تقسيم مصادر غسل الأموال إلى مصدرين:

1ـ المصادر التقليدية:

أ ـ تجارة المخدرات: إن الاتجار غير المشروع بالمخدرات كان وما يزال المثال التقليدي الأهم للأموال القذرة محل جريمة غسل الأموال، وذلك بسبب الأرباح الضخمة الناجمة عن هذه التجارة غير المشروعة. فإن إتفاقية الأمم المتحدة لعام 1988 المتعلقة بالاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية قد ركزت على تجارة المخدرات كمصدر رئيسي للأموال غير المشروعة التي تشكل محلاً لجريمة غسل الأموال.

ب ـ الإتجار بالأشخاص: تشمل هذه التجارة جميع الأنشطة غير المشروعة التي يشكل الإنسان محلاً لها، من تهريب الأشخاص ولا سيما الأطفال والنساء سواء بهدف الدعارة أو من أجل الحصول على العمالة الرخيصة، إلى بيع الأعضاء البشرية. وهذه التجارة غير المشروعة أضحت من أكثر الأنشطة انتشاراً وتحقيقاً للأرباح.

ج ـ تجارة الأسلحة: يُعدّ هذا النوع من الاتجار غير مشروع عندما يتم بعيداً عن رقابة وإشراف السلطات الرسمية المختصة في الدولة، وتعدُّ هذه التجارة أحد أهم أنشطة الجريمة المنظمة التي تدرّ أرباحاً طائلة.

د ـ الاتجار بالوظيفة العامة: هذا النوع من التجارة بات شائعاً في البلدان المتقدمة والنامية ولكن بنسبة أكبر في هذه الأخيرة. يشمل جميع أنواع استغلال المنصب الوظيفي، بهدف الحصول على مكاسب شخصية ومالية، مثل الرشوة أو الاختلاس … الخ. ومن ثم تُعدّ هذه المكاسب مصدراً لجريمة غسل الأموال.

2ـ المصادر الحديثة: تنجم الأموال غير المشروعة أيضاً عن الجرائم المستحدثة التي تؤدي العولمة والتكنولوجيا المتقدمة دوراً مهماً في إتمامها، مثل الاحتيال عبر الإنترنت، تقليد الماركات العالمية، التجسس الصناعي، سرقة برامج المعلوماتية ومنتجات الإبداع الفكري. كما تُعدّ من الجرائم المستحدثة أيضاً بعض الجرائم البيئية التي تدرُّ أرباحاً كبيرة مثل الاتجار بالنفايات السامة وتهريب المواد النووية والكيميائية والجرثومية.

سادساً ـ أركان جريمة تمويل الإرهاب:

إنّ تمويل الإرهاب ذاته جريمة بحسب نص الفقرة /ب/ من المادة الثانية من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب فإن أركانه هي:

1ـ الركن المادي: يتجلّى في القيام بأي فعل من شأنه جمع أموال وتقديمها إلى الجماعات الإرهابية بهدف تمويل عملياتها الإرهابية في سورية أو خارجها، وسواء أكان مصدر هذه الأموال مشروعاً (كالأعمال التجارية والصناعية والمالية المشروعة، وكالتبرع مباشرةً أو على نحو غير مباشر للمؤسسات الخيرية التي تسهم في تمويل الإرهاب)، أم غير مشروع كتمويل الإرهاب من أنشطة إجرامية كتجارة المخدرات، التهريب، الدعارة … الخ.

2ـ الركن المعنوي: إن تمويل الإرهاب جريمة قصدية، أي ينبغي أن يعلم الجاني أن نشاطه ينصبّ على المساهمة في تمويل الإرهاب وانصراف إرادته إلى هذا التمويل بهدف تحقيق أهداف سياسية أو دينية معينة ناجمة عن جريمة الإرهاب. وهنا تجدر التفرقة بين مرحلتين مهمتين من مراحل تمويل الإرهاب: المرحلة الأولى وهي مرحلة جمع الأموال، وفيها يتم جمع الأموال من خلال قنوات عديدة ولأسباب تتسم غالبيتها بالبراءة أو لأسباب إنسانية، مثل مساعدة اللاجئين أو إغاثة المنكوبين أو إعانة الفقراء، ومن ثم لا يمكن عد الشخص العادي الذي يقوم بإعطاء تبرع مشاركاً في تمويل الإرهاب نظراً لغياب ركن العلم لديه بالهدف النهائي من وراء جمع المال. أما المرحلة الثانية فيتم فيها توجيه تلك الأموال لتمويل أنشطة وعمليات إرهابية ويتمتع القائمون على هذا النشاط بتوافر ركن العلم لديهم. والغرض النهائي من التمويل هو ارتكاب جريمة على النقيض من غسل الأموال، والتي يكون غرضها النهائي إخفاء معالم جريمة.

سابعاً ـ هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب:

لما كانت عمليات غسل الأموال من أخطر الأنشطة الإجرامية التي يرتكبها المجرمون على المستوى الوطني والدولي، فإنه من الضروري البحث عن الوسائل التي تستخدم في غسل الأموال. وهذه الوسائل تُعدّ القناة التي تمرُّ من خلالها الأموال غير المشروعة لتصل إلى نطاق الدورة المالية للجهاز الاقتصادي في البلد. وإذا ما تمَّ البحث عن هذه الوسائل فهي توجد في المؤسسات المالية والمصرفية الخاضعة لقانون السرية المصرفية وغير الخاضعة له، إضافة إلى بعض المهن الحرة التي يكون لها دور كبير في إخفاء مصدر الأموال غير المشروعة. وهذا يدعو إلى اتخاذ العديد من الإجراءات الواجبة التنفيذ في سبيل فرض رقابة على تلك المؤسسات. وهذا ما فعله المشرع السوري في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب عندما نصَّ على مجموعة من الالتزامات على المصارف والمؤسسات المالية العاملة في سورية إضافة إلى إخضاع المصارف الخاصة لإشراف ورقابة المصرف المركزي حتى لا يتم استغلال هذه المصارف لغير الغرض الذي أنشئت لأجله. وتطبيقاً لذلك فقد أحدث هذا القانون هيئة مستقلة ذات صفة قضائية لدى مصرف سورية المركزي تسمى «هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب» أناط بها مهمة تعقّب وملاحقة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب (المادتين 1/د و7). ويكون للهيئة المشار إليها لجنة إدارة تشكل برئاسة حاكم مصرف سورية المركزي رئيساً  وينوب عنه نائبه الأول في حال غيابه، إلى جانب خمسة أعضاء، هم: النائب الثاني لحاكم مصرف سورية المركزي المشرف على مفوضية الحكومة لدى المصارف وينوب عنه مدير مفوضية الحكومة لدى المصارف حال غيابه،  وقاض يعينه مجلس القضاء الأعلى أو من ينتدبه حال غيابه، ومعاون وزير المالية، ورئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، وأخيراً خبير بالشؤون القانونية والمالية والمصرفية المادة (8/أ). واستناداً إلى المادة (8/ب) من القانون المشار إليه أصدر السيد رئيس الوزراء القرار رقم (4096) بتاريخ 31/7/2005 الذي تم بموجبه تشكيل اللجنة.

وتتمثّل مهام هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وفقا للمادتين (7 و8) من قانون غسل الأموال ومكافحة الإرهاب في الأتي:

أ ـ تلقي إبلاغات العمليات المشبوهة وغيرها من المعلومات المتعلقة بعمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب وتحليلها.

ب ـ إجراء التحقيقات المالية في العمليات التي يشتبه بأنها تنطوي على عمليات غسل أموال أو تمويل الإرهاب

 ج ـ تزويد السلطات القضائية وغيرها من الجهات المختصة بتطبيق أحكام قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالمعلومات التي تطلبها.

د ـ وضع الإجراءات والنماذج الخاصة لتنفيذ أحكام قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب والإشراف على تنفيذها.

هـ ـ اعتماد قواعد تبادل المعلومات المتوافرة لوحدة جمع المعلومات المالية مع الوحدات النظيرة في الدول الأخرى.

و ـ لها حصراً حق تقرير رفع السرية المصرفية لتزويد السلطات القضائية المختصة بالمعلومات عن الحسابات المفتوحة لدى المؤسسات المصرفية والمالية التي يشتبه بأنها استخدمت لغسل الأموال وتمويل الإرهاب.

ز ـ الدخول في اتفاقيات أو توقيع مذكرات تفاهم مع الجهات الأجنبية النظيرة لتبادل المعلومات والمساعدة المتعلقة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

وقد قامت الهيئة منذ تشكيلها بالدور الذي خوله لها القانون في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فأصدرت عدة تعاميم تضمنت نماذج التحقق من هوية العملاء ونماذج تقارير العمليات المشبوهة. وقد أصدرت الهيئة القرار رقم (6) الخاص بمراقبة العمليات في المصارف، والقرار رقم (8) الخاص بمراقبة انتقال الأموال عبر الحدود والقرار رقم (9) الخاص بنظام مراقبة العمليات لدى شركات الصرافة وتحويل الأموال. عملت الهيئة أيضاً على عقد عدة اجتماعات تنسيقية مع الجهات المعنية. وقامت خلال مسيرتها القصيرة، بمعالجة عدد كبير من الحالات المشبوهة، وحولت العديد منها إلى القضاء. كما قدمت مساعدتها للعديد من الوحدات النظيرة والجهات المختلفة سواء على الصعيد المحلي أو الدولي.

ثامناً ـ مسؤوليات المؤسسات المصرفية والمالية في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب:

تختلف مسؤولية المؤسسة باختلاف نوع المؤسسة وما إذا كانت خاضعة لقانون السرية المصرفية أم غير خاضعة لهذا القانون.

1ـ المؤسسات المالية والمصرفية الخاضعة لقانون السرية المصرفية: تلتزم المؤسسات المصرفية والمالية المسجلة لدى مصرف  سورية المركزي بما في ذلك فروعها الخارجية والمؤسسات المصرفية الأجنبية التابعة لها بمراقبة العمليات التي تجريها مع المتعاملين معها لتلافي تورطها في عمليات يمكن لها أن تخفي غسلاً للأموال غير المشروعة أو تمويلاً للإرهاب المادة (5/أ).  وقد نص القانون على أن أصول هذه الرقابة تُحدّد بموجب نظام يصدر بقرار من هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على أن يتضمن الأمور الآتية: 

التحقق من الهوية الحقيقية للمتعاملين الدائمين مع المؤسسات المصرفية والمالية، وتحديد هوية صاحب الحق الاقتصادي في حال تم التعامل بوساطة وكلاء أو عن طريق حسابات مرقّمة أو حسابات لا يكون فيها صاحب الحساب هو صاحب الحق الاقتصادي فيها. 

تطبيق إجراءات التحقق المبيّنة في البند السابق فيما يتعلق بهوية المتعاملين العابرين إذا كانت العملية تفوق مبلغاً معيناً من المال يحدد بقرار من الهيئة.

تطبيق إجراءات التحقق المبينة أعلاه أيضاً إذا نشأ شك حول محاولة أحد العملاء القيام بعمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، أو في حالة الشك في صحة المعلومات المصرّح بها قبلاً، أو في حال حدوث تغييرات لاحقة في هوية المتعامل أو هوية صاحب الحق الاقتصادي. 

يجب عند إجراء التحويلات المصرفية المحلية والدولية تحديد مصدر الحوالة والمستفيد منها في جميع الحوالات الصادرة والواردة، كما يجب تحديد المبرّر الاقتصادي للحوالة في حال تجاوزت مبلغاً معيناً من المال يحدد بقرار من الهيئة. 

الاحتفاظ بصور المستندات المتعلقة بالعمليات كافة وبصور الوثائق الرسمية المتعلقة بهوية المتعاملين لمدة خمس سنوات على الأقل بعد إنجاز العمليات، أو إقفال الحسابات على نحو يسمح لهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب باستخدام هذه الوثائق والمستندات عند حاجتها إليها. 

تحديد المؤشرات التي تدل على احتمال وجود عمليات غسل أموال ومبادئ الحيطة والحذر لكشف العمليات المشبوهة. 

التزام المؤسسات المصرفية والمالية بعدم إعطاء إفادات مغايرة للحقيقة بغية تضليل السلطات الإدارية والقضائية. 

التزام المؤسسات المصرفية والمالية بتدريب عامليها على طرق مراقبة العمليات المالية والمصرفية لمكافحة عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب. 

التزام المؤسسات المصرفية والمالية بتعيين مسؤول أو تشكيل لجنة مسؤولة عن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على مستوى وظيفي عال (المادة 5/ب).

2ـ المؤسسات المالية غير الخاضعة لقانون السرية المصرفية: إن أنشطة غسل الأموال وتمويل الإرهاب قد تتم أيضاً بواسطة مؤسسات مالية غير مسجلة لدى مصرف سورية المركزي أو حتى من خلال مؤسسات فردية، لذلك فقد مدّ المشرّع دائرة الحماية من عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب التي تتم بواسطة تلك المؤسسات ولم يقصرها على المؤسسات المسجلة لدى المصرف المركزي. فالمادة (4/أ) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تلزم المؤسسات غير الخاضعة للمرسوم التشريعي الخاص بالسرية المصرفية والصادر بتاريخ 1/5/2005 بما فيها المؤسسات الفردية ولاسيما مؤسسات الصرافة ومؤسسات تحويل الأموال ومؤسسات إصدار أدوات الدفع، مثل بطاقات الائتمان والدفع والشيكات السياحية والنقد الالكتروني وصناديق الاستثمار وإداراتها، ومؤسسات الوساطة المالية ومؤسسات الإيجار التمويلي والمجموعات الاستثمارية أو المالية وشركات التأمين والمؤسسات المالية الأخرى التي تحددها الهيئة، وشركات بناء العقارات وترويجها وبيعها ومكاتب الوساطة العقارية، وتجار السلع ذات القيمة المرتفعة، كالحلي والأحجار الكريمة والذهب والتحف الفنية والتحف النادرة، والمؤسسات غير المالية الأخرى التي تحددها الهيئة، أن تمسك سجلات خاصة بالعمليات التي تفوق قيمتها المبلغ الذي يحدد بقرار من هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب؛ وكذلك عند نشوء علاقة العمل للمتعاملين الدائمين وفي العمليات التي ينشأ فيها شك حول محاولة أحد العملاء القيام بعمليات غسل الأموال أو تمويل الإرهاب، أو في حالة الشك في صحة المعلومات المصرّح عنها سابقاً، أو في حال حدوث تغييرات لاحقة في هوية المتعامل أو هوية صاحب الحق الاقتصادي. 

فيجب على هذه المؤسسات التحقّق من هوية المتعاملين وعناوينهم بالاستناد إلى وثائق رسمية وأن تحتفظ بصورة عنها وعن المستندات المتعلقة بالعمليات والحالات المشار إليها أعلاه لمدة لا تقل عن خمس سنوات من انتهاء العملية أو انتهاء العلاقة مع العميل أيهما أطول على نحو يسمح لهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب باستخدام هذه الوثائق والمستندات عند حاجتها إلى ذلك.

والمؤسسات التي عددتها المادة السابقة هي أمثلة للجهات التي يمكن أن يتم من خلالها النشاط المجرّم، بيد أن نشاط غسل الأموال وتمويل الإرهاب قد يُرتكب من خلال جهات أخرى لم ترد إشارة إليها في نص المادة المذكورة، وعليه فقد أجاز المشرع لهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تحديد مؤسسات أخرى لم يرد ذكرها في نص المادة وإلزامها بالالتزامات ذاتها المشار إليها.

3ـ مسؤولية أصحاب المهن غير المالية: إن أنشطة بعض أصحاب المهن الحرة قد يكون لها دور كبير في إخفاء مصدر الأموال غير المشروعة، ومن هنا فقد تنبّه المشرع إلى ذلك بأن ألزم المحامين ومحرري الوثائق القانونية والمحاسبين المستقلين بالالتزامات ذاتها الملقاة على عاتق المؤسسات المالية غير الخاضعة لقانون السرية المصرفية وذلك عند إعدادهم أو قيامهم بإجراء معاملات لمصلحة عملائهم تتعلق بالأنشطة التالية: 

أ ـ بيع وشراء العقارات. 

ب ـ إدارة أموال العملاء أو أوراقهم المالية أو أية أصول أخرى. 

ج ـ إدارة الحسابات المصرفية أو حسابات الادّخار أو حسابات الاستثمار في الأسواق المالية المحلية والدولية. 

د ـ تنظيم المساهمات الخاصة بإنشاء شركات أو تشغيلها أو إدارتها. 

هـ ـ إنشاء أو تشغيل أو إدارة أشخاص اعتبارية أو ترتيبات قانونية وبيع وشراء كيانات تجارية. 

فلدى قيام المحامين ومحرري الوثائق القانونية والمحاسبين المستقلين بأي من الأنشطة المشار إليها يتوجب عليهم إمساك سجلات خاصة بهذه الأنشطة إذا كانت قيمة النشاط تفوق المبلغ الذي يحدّد بقرار من هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويجب عليهم أيضا التحقق من هوية المتعاملين وعناوينهم بالاستناد إلى وثائق رسمية وأن يحتفظوا بصورة عنها وعن المستندات المتعلقة بالعمليات لمدة لا تقل عن خمس سنوات من انتهاء العملية أو انتهاء العلاقة مع العميل أيهما أطول على نحو يسمح لهيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب باستخدام هذه الوثائق والمستندات عند حاجتها إلى ذلك.

تاسعاً ـ العقوبات المقررة لغسل الأموال وتمويل الإرهاب:

تنص المادة (14/أ) من قانون مكافحة غسل الأموال على أن يعاقب بالاعتقال المؤقت من ثلاث سنوات إلى ست سنوات وبغرامة تعادل قيمة الأموال المضبوطة أو بغرامة تعادل قيمتها في حال تعذر ضبطها على أن لا تقل عن مليون ليرة سورية كل من قام أو تدخل أو اشترك بعمليات غسل أموال غير مشروعة ناجمة عن إحدى الجرائم المذكورة في المادة الأولى من هذا القانون وهو يعلم أنها ناجمة عن أعمال غير مشروعة، ما لم يقع الفعل تحت طائلة عقوبة أشد؛ وتشدد هذه العقوبة وفقاً لأحكام المادة (247) من قانون العقوبات العام (يبدل الإعدام من الأشغال الشاقة المؤبدة وتزداد كل عقوبة مؤقتة من الثلث إلى النصف وتضاعف الغرامة) إذا ارتكب الجرم في إطار عصابة إجرامية منظمة ويعاقب أيضاً وفق ما سبق من قام أو تدخل أو اشترك بعمليات تمويل الإرهاب. وتُعدُّ العقوبة جنائية الوصف المادة (14/ج من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب).

يلاحظ من نص هذه المادة أن المشرع السوري شدّد العقوبة فقط في حالة واحدة وهي ارتكاب جريمة غسل الأموال في إطار عصابة إجرامية منظمة، إذ تُزاد عقوبة الاعتقال من الثلث إلى النصف وتضاعف الغرامة.

ويعاقب على الشروع في جريمة غسل الأموال غير المشروعة وجريمة تمويل الإرهاب كما يعاقب الشريك والمتدخل والمحرض والمخبئ بعقوبة الفاعل الأصلي المادة (14/ب من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب). 

إن الشروع في جريمة غسل الأموال وجريمة تمويل الإرهاب ينمُّ على خطورة إجرامية لا تقل عن خطورة ارتكاب الجريمة نفسها. ولذلك فقد سوّى المشرع السوري بين عقوبة الشروع وعقوبة الجريمة التامة إفصاحاً عن نهجه المتشدد في مكافحة غسل الأموال. وللسبب نفسه فقد سوى المشرع، خروجاً عن القواعد العامة، بين عقوبة الشريك والمتدخل والمخبئ والمحرِّض وعقوبة الفاعل الأصلي في هذه الجرائم.

وتقضي المحكمة المختصة بمصادرة الأموال الناجمة عن جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب المشار إليهما في المادة السابقة أو المحصلة بنتيجتها (المادة 15/أ من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب).  فإذا حولت الأموال أو بدلت إلى أموال من نوع آخر فإن الأموال بشكلها البديل تخضع أيضا للمصادرة وإذا اختلطت الأموال غير المشروعة بأموال أخرى مشروعة فإنها تخضع للمصادرة، في حدود القيمة المقدرة للأموال غير المشروعة من دون الإخلال بحق الهيئة في تجميدها ريثما يتم التحقيق بشأنها (المادة 15/ب من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب). 

وتخضع للتجميد والمصادرة الإيرادات والمستحقات المستمدة من الأموال غير المشروعة أو الأموال البديلة التي حولت إليها، وكذلك الأموال التي اختلطت بها الأموال غير المشروعة بالقدر نفسه الذي تخضع له الأموال غير المشروعة للتجميد والمصادرة (المادة 15/ج من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب). 

ويجوز للسلطات القضائية السورية أن تأمر بتنفيذ الأحكام الجنائية النهائية الصادرة عن الجهات القضائية الأجنبية المختصة بمصادرة الأموال المتحصّلة من جرائم غسل الأموال وعائداتها وجرائم تمويل الإرهاب وفق القواعد والإجراءات التي تحددها القوانين والأنظمة السورية النافذة والاتفاقيات الدولية أو الإقليمية أو الثنائية التي تكون سورية طرفاً فيها أو مبدأ المعاملة بالمثل، كما يجوز إبرام اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف تنظم التصرف في حصيلة الأموال المحكوم نهائياً بمصادرتها في جرائم غسل الأموال أو تمويل الإرهاب من جهات قضائية سورية أو أجنبية تتضمن قواعد توزيع تلك الحصيلة بين أطراف الاتفاقية وفقاً للأحكام التي تنص عليها (المادة 15/د من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب). وتنطبق هذه الأحكام على الأشخاص الاعتباريين كما تنطبق على الأشخاص الطبيعيين.

من استعراض نص المادة (15) المذكورة يتضح أن المشرع جعل عقوبة المصادرة عقوبة أصلية إلى جانب عقوبة الاعتقال، إذ يجب على القاضي الحكم بها في جريمة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ومن ثم لا يرجع أمر الحكم بها إلى تقدير المحكمة. كما تُعدّ المصادرة العقوبة الأساسية التي يجب تطبيقها على الشخص الاعتباري، إذ لا يمكن تطبيق عقوبة الإعتقال نظراً لاستحالتها. لقد تصدَّى المشرع السوري ـ فيما يتعلّق بالمصادرة ـ إلى أمر مهم يفرزه الواقع العملي وهو اختلاط الأموال الملوثة ذات المصدر غير المشروع بالأموال النظيفة ذات المصدر المشروع، فأخضع للمصادرة ما هو في حدود القيمة التقديرية للأموال المتحصّلة من الجرائم الواردة في المادة الأولى من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. والحكمة من هذه المصادرة الوجوبية هي وصد الأبواب أمام مرتكبي جرائم غسل الأموال من الإفلات بالأموال الناجمة عن أنشطتهم غير المشروعة سواء كانت هذه الأموال نقدية أو عينية أو على شكل عوائد.

المادة (16) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تتضمن الأحكام القضائية إضافة إلى العقوبات المشار إليها في المادتين (13) و(14) من القانون ذاته نصاً يقضي بلصق الحكم ونشره وطرد غير السوري ومن في حكم السوري من الأراضي السورية، أو تسليمه إلى سلطات بلاده، وكذلك إقفال المحل ووقف الشخصية الاعتبارية عن العمل، وحل الشخصية الاعتبارية في حال التكرار، ولا تطبق التدابير الثلاثة الأخيرة على الجهات العامة، كما أنها لا تخل بالمسؤولية الجنائية للأشخاص الطبيعيين. 

وتعاقب المادة (17) من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة وبالغرامة من مئتين وخمسين ألف ليرة إلى مليون ليرة سورية كل من يخالف أحكام المواد ( 4و5 و6 و9 / أ/ و11/ أ/ و11 /ج/ و12) من هذا القانون. 

من استقراء المواد المتعلقة بالعقوبات المفروضة على جريمة غسل الأموال يلاحظ خلوّ هذه المواد من أي نصّ يُعفي من العقاب الجاني الذي يقوم بإبلاغ السلطات المختصة عن جريمة غسل الأموال. وهذا الإغفال يُعد مأخذاً على المشرع السوري إذ كان من الأحرى به أن ينص على الإعفاء من العقاب لتشجيع مبادرة الإبلاغ عن جريمة غسل الأموال على غرار ما فعل المشرع المصري في المادة (17) من قانون غسل الأموال، والمشرع الإنكليزي في المادة (24/4) من قانون مكافحة الاتجار بالمخدرات لسنة 1986، خاصةً أن الأموال القذرة ليس لها رائحة خاصة تدل على حقيقة مصدرها إذ تدخل القنوات المصرفية نفسها التي تدخلها الأموال النظيفة، وهذا يشكّل صعوبة التحقق من مصدر المال محل جريمة الغسل. ومن ثم فالمُبَلّغ الذي يقوم بالإبلاغ عن جريمة غسل الأموال يستحق إعفاءه من العقاب.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ حسين عيسى المحمد، المواجهة الأمنية لجرائم تهريب المخدرات «دراسة مقارنة»، رسالة دكتوراه (كلية الدراسات العليا، أكاديمية الشرطة، القاهرة 2009).

ـ حمدي عبد العظيم، غسيل الأموال في مصر والعالم، الطبعة الأولى (مصر 1997).

ـ طارق سرور، الجماعة الإجرامية المنظمة «دراسة مقارنة» (دار النهضة العربية، القاهرة 2000).

ـ سماح علي الآغا، جرائم الأعمال العابرة للحدود، الشركة كضحية/ جانيـ الرد القانوني، رسالة دكتوراه (كلية الدراسات القانونية المتقدمة، جامعة لندن، لندن  2008).

ـ محمود شريف بسيوني، غسل الأموال «الاستجابات الدولية وجهود المكافحة الإقليمية والوطنية، الطبعة الأولى (دار الشروق، القاهرة 2004).


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد السادس: علم الفقه ــ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان
رقم الصفحة ضمن المجلد : 286
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 527
الكل : 31200940
اليوم : 26097