logo

logo

logo

logo

logo

حق الانتفاع

حق انتفاع

usufruct - usufruit

 حق الانتفاع

حق الانتفاع

محمد حاتم بيات

 

التعريف بحق الانتفاع وبيان خصائصه

أسباب كسب حق الانتفاع

حقوق المنتفع والتزاماته

سقوط حق الانتفاع

   

من الحقوق العينية الأصلية التي تتفرع من حق الملكية؛ حق الانتفاع، وهو جماع حقين اثنين: حق الاستعمال وحق الاستغلال. حق الانتفاع حق عيني، يمنح صاحبه سلطة مباشرة على الشيء يستطيع بموجبها أن يستعمله أو أن يستغله من دون إذن مالك الرقبة Le nu-propriétaire أو وساطته، وحق الانتفاع قد يكون منقولاً، وقد يكون عقاراً بحسب طبيعة الشيء الذي يرد عليه، وقد يكون بعوض أو بغير عوض. ويرتكز حق الانتفاع على أي سبب من أسباب كسب الحقوق العينية باستثناء الميراث، وهذا يعني أن حق المنتفع واحد من الحقوق العينية، والذي لا ينشأ في العقارات إلا بالتسجيل في السجل العقاري وفق الأصول، وهو ينقضي بموت صاحبه.

عالج المشرع السوري حق الانتفاع في المواد (936 حتى 959) من القانون المدني السوري، وحق الانتفاع بمقتضى هذه المواد قد يتقرر على عقار وعلى منقول بآن معاً مع ملاحظة أن المشرع أشار في تلك المواد وعلى وجه خاص إلى العقار. في الواقع لم يهتم المشرع السوري في القانون المدني بحق الانتفاع على غرار اهتمام التشريعات المدنية الأخرى على الرغم من أهميته الاقتصادية والاجتماعية. وتتجسد أهمية حق الانتفاع من الناحية الاقتصادية من حيث إنه يخول صاحب حق الانتفاع استعمال الشيء المنتفع به واستغلاله كالمالك تماماً فيما عدا التصرفات بقيمة هذا الشيء، والذي يعود الحق فيه للمالك دون المنتفع. أما من الناحية الاجتماعية فحق الانتفاع يفتح الباب أمام كل مالك يود محاباة شخص آخر من أقربائه أو أصدقائه بمنحه حق المنفعة بمقابل أو من دون مقابل.

أولاً- التعريف بحق الانتفاع وبيان خصائصه

1- التعريف بحق الانتفاع

عرفت الفقرة الأولى من المادة (936) من القانون المدني السوري الانتفاع بأنه حق عيني باستعمال شيء يخص الغير واستغلاله.

أما القانون المدني الفرنسي فقد عرف حق الانتفاع في المادة (578) أنه «الحق في الانتفاع بشيء مملوك للغير كما ينتفع به المالك نفسه، ولكن مع وجوب المحافظة على ذات الشيء».

ويؤخذ على هذا التعريف أنه لا يبين كون الانتفاع حقاً عينياً، ولا يبرز صفته المؤقتة.

والفقه الفرنسي يعرف حق الانتفاع تعريفاً أقرب إلى الدقة على النحو الآتي: «حق الانتفاع هو الحق العيني في الانتفاع بشيء مملوك للغير، بشرط الاحتفاظ بذات الشيء لرده إلى صاحبه عند نهاية حق الانتفاع الذي يجب أن ينتهي حتماً بموت المنتفع».

وقد عرف الفقه الإسلامي حق الانتفاع، وأطلق عليه تسمية «ملك المنفعة» (حيث تنقسم الملكية في الفقه الإسلامي إلى ملكية تامة وملكية ناقصة).

وقد عرف الفقه حق الانتفاع بأنه «حق عيني يخول المنتفع سلطة استعمال شيء مملوك للغير واستغلاله، مع وجوب المحافظة على ذات الشيء لرده إلى صاحبه عند نهاية الانتفاع الذي ينتهي حتما بموت المنتفع».

وقد ورد تعريف آخر لحق الانتفاع مماثل، بل مطابق للتعريف الأخير على أن الانتفاع هو «الحق العيني الذي يخول صاحبه سلطة استعمال شيء مملوك للغير واستغلاله في مقابل المحافظة عليه ورده إلى صاحبه عند نهاية حق الانتفاع، والذي ينتهي حتماً بموت المنتفع».

ويُفضل تعريف الفقه الفرنسي القديم لحق الانتفاع -المذكور أعلاه - باعتباره تعريفاً أقرب إلى الدقة؛ إذ إنه يميز حق المنتفع من غيره من الحقوق الأخرى، ويرجع إلى ظروف المعاملة ونية الأطراف المتعاقدة لمعرفة حق الانتفاع من عدمه.

2- خصائص حق الانتفاع

يتبين من التعريفات سالفة الذكر أن حق الانتفاع يمتاز بالخصائص الآتية:

أ- الانتفاع حق عيني: الانتفاع حق من الحقوق المتفرعة من حق الملكية، فإذا كانت عناصر حق الملكية هي الاستعمال والاستغلال والتصرف؛ فإن حق الانتفاع ينحصر في حقي الاستعمال والاستغلال، ولا يترك للمالك سوى حق التصرف؛ وهو ما يدعى بمالك الرقبة، فحق المالك محصور في الرقبة في حين أن حق المنتفع محصور في المنفعة، وعلى اعتبار أن حق الانتفاع حق عيني فإنه يمكن الاحتجاج به تجاه الكافة، وبذلك يختلف عن حق المستأجر والمزارع والمحتكر.

واعتبار الانتفاع حقاً عينياً يقتضي تمييزه من الإيجار والملكية الشائعة.

(1)- تمييز حق المنتفع من حق المستأجر: يتفق حق المنتفع مع حق المستأجر في أن لكل منهما الانتفاع، لكن هناك فروق عديدة بينهما، أهمها:

v أن المستأجر لا يستطيع دون وساطة المالك المؤجر ممارسة حقه على اعتبار أنه حق شخصي، في حين أن المنتفع لا يحتاج إلى وساطة المؤجر - مالك الرقبة - لأن حقه حق عيني، فهو يمارس حق الانتفاع من دون وساطة أحد.

v أن صاحب حق الانتفاع يستطيع أن يرهن حقه رهناً رسمياً أو رهناً حيازياً مع ملاحظة أن ذلك يقتضي عملياً الرجوع إلى مالك الرقبة لأخذ موافقته، في حين أن المستأجر يخوله حقه الشخصي مواجهة هذه الرهون.

v يستطيع صاحب حق الانتفاع أن يتنازل عن حقه للغير دون الرجوع إلى مالك الرقبة لإعلان هذا التنازل، أما المستأجر المتنازل فهو يحيل حقاً شخصياً، وبذلك يجب إعلان المالك المؤجر لنفاذ الحوالة في مواجهته.

v أن تنازل المنتفع يجب تسجيله على الصحيفة العقارية في السجل العقاري؛ لأنه ينصب على حق عيني، أما تنازل المستأجر فلا يحتاج إلى تسجيل؛ لأنه يتعلق بحق شخصي.

(2)- تمييز الانتفاع من الملكية الشائعة: الملكية الشائعة حق ملكية كاملة تشمل العناصر الثلاث: الاستعمال والاستغلال والتصرف، أما الانتفاع فيشمل العنصرين الأولين فقط. 

من ذلك يستخلص أنه يثبت لصاحب حق الانتفاع باعتبار حقه حقاً عينياً جميع خصائص الحق العيني؛ لأنه يخوله سلطة مباشرة على الشيء تمكنه من الإفادة من منافع الشيء من دون وساطة أحد. فضلاً عن أنه يتمتع بحق الأفضلية والتتبع، وهو بهذه الخاصية يختلف عن حق المستأجر الذي يعدّ حقه شخصياً. فالمستأجر يحتاج إلى وساطة المؤجر للانتفاع بحقه في العين المؤجرة؛ إذ إنه يقع على عاتق المؤجر التزام تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة. وبناءً على ما تقدم يلاحظ أن صاحب حق الانتفاع يتمتع بسلطة الاستعمال والاستغلال دون سلطة التصرف التي يحتفظ بها مالك الرقبة أو الشريك في الشيوع، فتكون له جميع سلطات الملكية على المال الشائع، ولكن في حدود حصته.

ب- حق الانتفاع يولي صاحبه استعمال شيء مملوك للغير واستغلاله: في الواقع يرد حق الانتفاع على شيء يخص الغير، ويستوي أن يكون هذا الشيء منقولاً أو عقاراً، ونص القانون المدني السوري واضح الدلالة في هذا الصدد حيث قضت أحكام المادة (936) بأن «الانتفاع هو حق عيني باستعمال شيء يخص الغير واستغلاله» وهذا ما جرى عليه حكم التشريع الفرنسي الذي يجيز أن يكون محل حق الانتفاع منقولاً أو عقاراً (المادة 581 من القانون المدني الفرنسي). 

وبناءً على ذلك لصاحب حق الانتفاع استعمال الشيء واستغلاله، فإذا كان الشيء عقاراً سكنياً فله أن يسكنه، وله كذلك الحق في جميع ما ينتج هذا الشيء من ثمار. علاوة على أن حق المنتفع مستقل عن حق مالك الرقبة، وتبعاً لذلك لا تكون العلاقة بينهما قائمة على أساس الشيوع. فلا يجوز لأحدهما المطالبة بقسمة الشيء المنتفع به، ولا ببيعه، فيما إذا كان غير قابل للقسمة (نقض مدني سوري، القرار رقم 103 تاريخ 30/3/1958، مجلة القانون، 1958، ص 223). وبذلك يتجزأ حق الملكية عند نشوء حق الانتفاع إلى جزأين: الأول يختص به المنتفع في الاستعمال والاستغلال، وجزء آخر يظل لمالك الشيء المنتفع به، ويقتصر على حق التصرف. وهذا يعني أن حق المالك محصور في الرقبة في حين أن حق المنتفع محصور في المنفعة.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن الآن هو: هل يجوز إنشاء حق الانتفاع على أشياء قابلة للاستهلاك؟

في الواقع أن المنتفع يلتزم برد الشيء الذي ينتفع به، وذلك يقتضي أن يكون الشيء غير قابل للاستهلاك حتى يمكن أن يرده المنتفع. وعلى ذلك ينشأ أحياناً على أشياء قابلة للاستهلاك، وهذا على وجه الخصوص في الوصية حين يوصي شخص لآخر بحق انتفاع بجزء من تركته. فلو كان في التركة أشياء قابلة للاستهلاك نشأ حق الموصى له في الانتفاع بها، فيستطيع - والحالة هذه - أن يستهلكها، وعند انتهاء مدة الانتفاع يلتزم برد مثلها أو قيمتها. ومادام المنتفع يستهلك هذه الأشياء؛ فهو لا يمارس حق انتفاع فحسب، بل ويتصرف بها تصرفاً مادياً، وهذا ما يدعى بحالة شبه حق انتفاع Quasi-usufruit، وفيها يتملك المنتفع الشيء القابل للاستهلاك، ويصبح المالك السابق دائناً للمنتفع بمثل قيمة الشئ.

ومن جهة أخرى هل يجوز أن يتقرر حق الانتفاع على أشياء غير مادية؟

للإجابة عن هذا التساؤل يلاحظ أنه يجوز أن تكون الأشياء غير المادية محلاً لحق الانتفاع كالقيم المنقولة (أسهم وسندات) وحق المؤلف المخترع وكذلك الحقوق الشخصية، وهذا بطبيعته يتفق اليوم مع التطور الحديث، حيث إن هذه القيم المنقولة وغيرها من الحقوق قد اكتسبت أهمية بالغة لسبب ارتفاع أسعارها، وعلى اعتبار أن ذلك يحقق منفعة اقتصادية للمنتفع فلا يوجد ما يحول دون تقرير حق انتفاع عليها.

ج- حق الانتفاع حق مؤقت ينتهي بوفاة المنتفع: في الواقع أن حق الانتفاع باعتباره حقاً متفرعاً من حق الملكية فإن خصيصة التوقيت راجعة إلى طبيعة حق الانتفاع نفسه، بمعنى أنه ينتهي إما بحلول الأجل المحدد (أجل فاسخ) وإما بوفاة المنتفع أيهما أقرب، لذلك فإن حق الانتفاع لا يورث، وبالتالي لا ينتقل إلى الورثة. فحق الانتفاع مؤقت بخلاف حق الملكية فهو دائم، وبهذا يفترق حق الانتفاع عن حق التصرف في الأراضي الأميرية، والذي يعدّ في الأصل حقاً دائماً، إذ ينتقل بعد وفاة المتصرف إلى ورثته. ويرجع السبب في إنهاء حق الانتفاع بوفاة المنتفع دائماً إلى أن مثل هذا الحق ينشئ وضعاً استثنائياً معقداً. فالمالك يحتفظ بحق التصرف، ولكن مع ذلك لا يستطيع التصرف بملكه؛ لأنه لا أحد يرغب في العادة امتلاك شيء (ملكية الرقبة) لا يستطيع أن ينتفع به لثبوت منفعة غيره (حق الانتفاع).

وأخيراً يتعين الإشارة إلى أن حق الانتفاع يسقط بعدم الاستعمال متى سرت المدة التي يستلزمها القانون لذلك؛ وهذا تماشياً مع الوضع الطبيعي الذي يقتضي أن تجتمع للمالك عناصر ملكيته الاستعمال والاستغلال والتصرف.

ثانياً- أسباب كسب حق الانتفاع

حق الانتفاع وفق القوانين المدنية العربية قد ينشأ من التصرف القانوني أو العمل القانوني، سواء أكان هذا التصرف عقداً أم وصية، كما ينشأ حق الانتفاع عن طريق الشفعة أو بواسطة التقادم.

أما في القانون المدني السوري فقد قضت المادة (937) منه على أنه: «ينشأ حق الانتفاع بمجرد إرادة الإنسان، ويمكن إنشاؤه لأجل أو بشرط». كما أجازت المادة (826) من القانون ذاته كسب الحقوق العينية بالتقادم المكسب، فقضت أن «يكتسب حق التسجيل بالسجل العقاري بالأسباب التالية: أ- … د- بالتقادم المكسب». وبناءً على ذلك يكتسب حق الانتفاع بإحدى طريقتين اثنتين: إما بإرادة الإنسان وإما بمفعول التقادم، والمقصود بالتقادم هنا هو التقادم المكسب القصير في العقار، وكذلك التقادم المكسب الطويل في العقار والمنقول على حد سواء.

يعتقد الفقه بحق أنه عندما تكون إرادة الإنسان سبباً مكسباً لحق الانتفاع فإن ذلك ينال العقود على اختلاف أنواعها كالهبة والوصية والبيع سواء أكانت بين الأحياء أم بسبب الوفاة أم كانت بعوض أم من غير عوض.

ويلاحظ إلى أنه يخرج الميراث بوصفه سبباً من أسباب كسب حق الانتفاع؛ لأن حق الانتفاع يسقط بموت صاحبه، فلا يورث، ويخرج كذلك الاستيلاء والالتصاق، حيث إن طبيعتهما لا تأتلف والطبيعة القانونية لحق الانتفاع.

أما في القانون المدني المصري فقد قضى في المادة (985) منه على أنه «1- حق الانتفاع يكسب بعمل قانوني أو بالشفعة أو بالتقادم. 2- ويجوز أن يوصى بحق انتفاع لأشخاص متعاقبين إذا كانوا موجودين على قيد الحياة وقت الوصية، كما يجوز للحمل المستكن» يقابل هذا النص في القوانين المدنية العربية ما يلي من النصوص:

t في القانون المدني القطري: المادة (1015) غير أن المشرع القطري في هذا النص حصر أسباب كسب حق الانتفاع بالتصرف القانوني أو الشفعة أو التقادم.

t في القانون المدني الليبي: المادة (989) مطابقة غير أن الفقرة الأولى منها تضيف القانون بوصفه مصدراً لحق الانتفاع.

t في القانون العراقي: المادة (1249) تنص على أنه «يصح أن تملك منافع الأعيان دون رقبتها سواء أكانت الأعيان عقاراً أم منقولاً». والمادة (1250) من القانون ذاته تنص على ما يلي «يكسب حق المنفعة بالعقد وبالوصية، ويجوز أيضاً أن يحتج الحائز لهذا الحق بالتقادم». وهذا يعني أن المشرع العراقي لا يسمح بالشفعة في الانتفاع. وهو يتوافق بالمقابل مع المشرع السوري الذي لا يقبل بالشفعة مصدراً من مصادر حق الانتفاع.

t في القانون اللبناني: المادة (33) من قانون الملكية العقارية تنص على أن «ينشأ حق الانتفاع بمجرد إرادة الإنسان، ويمكن إنشاؤه إلى أجل أو لشرط». وهذا النص موافق للمادة (937) من القانون المدني السوري؛ المذكورة أعلاه.

وقد اعترف من جانبه المشرع الفرنسي في القانون المدني بسبب مكسب لحق الانتفاع ينشأ بإرادة المشرع يسمى بالانتفاع القانوني، ومن أمثلته انتفاع الأبوين بأموال أولادهما لحين بلوغهم سن الرشد (المادة 384) وانتفاع الزوج بكل أو بعض الأموال التي يخلفها الزوج المتوفى (المادة 767).

ويبدو أن المشرع السوري - وبسبب الاختلاف في النظم القانونية المتعلقة بشؤون الأسرة بين المجتمع السوري والمجتمع الفرنسي- لم يشأ الأخذ بمثل هذا الانتفاع.

ويستخلص من ذلك أن حق الانتفاع يكتسب في القانون السوري إما بالتصرف القانوني وإما بالتقادم المكسب.

1- التصرف القانوني بوصفه سبباً مكسباً لحق الانتفاع:

أجاز القانون للمالك أن يتعاقد مع شخص آخر ليرتب حق انتفاع على ملكه، وهو ما يسمى بالعقد المنشئ لحق الانتفاع.

وبناء على ذلك يجب أن تتوافر شروط عدة في التصرف المكسب لحق الانتفاع، وشروط أخرى في الشخص منشئ حق الانتفاع، وشروط أيضاً في الشخص الذي يمكن أن ينشأ حق الانتفاع لمصلحته.

أ- شروط التصرف القانوني المكسب لحق الانتفاع: يكتسب حق الانتفاع بالعقد أو الوصية، والعقود أو الوصايا هي أهم أسباب كسب حق الانتفاع. «إن صور كسب حق الانتفاع بالوصية هي:

¦ قد يوصي المالك بحق الانتفاع لشخص، ويترك ملكية الرقبة للورثة.

¦ قد يوصي المالك بملكية الرقبة لشخص محدد، ويترك حق الانتفاع للورثة.

¦ قد يوصي بحق الانتفاع لشخص وبملكية الرقبة لشخص آخر. وبمطلق الأحوال لا تصح الوصية إلا من المالك، أما المنتفع فلا يمكنه حق الإيصاء بحق الانتفاع لشخص ما؛ لأن الوصية هي من التصرفات المضافة إلى ما بعد الموت».

ومهما كان حق الانتفاع بعقد أو وصية فهو يكون إما بنقل حق الانتفاع من شخص إلى آخر مع احتفاظ المتصرف بملكية الرقبة؛ وإما بنقل الأخيرة إلى شخص آخر مع احتفاظ الشخص المتصرف بحق الانتفاع، وخير مثال على هذه الحالة حالة الأب الذي ينقل ملكية رقبة المنزل إلى ابنه، ويحتفظ بحق انتفاع على هذا المنزل طوال مدة حياته. وفي هذه الحالة حق الانتفاع يقع على عقار، فهو لا ينشأ إلا بالتسجيل في السجل العقاري. أما في حالة كون حق الانتفاع على منقول؛ فإن حق الانتفاع بشأنه لا يقتضي التسجيل فيما عدا السفن والطائرات والمركبات فإن أثر حق الانتفاع بشأنها لا يسري بالنسبة إلى الغير إلا من تاريخ تسجيله.

ب- شروط يجب توافرها في الشخص منشئ حق الانتفاع: يجب أن يكون المتصرف بحق الانتفاع على ملكه مالكاً ملكية تامة للشيء الذي يرد عليه حق الانتفاع وكذا متمتعاً بأهلية التصرف، فإذا كان المتصرف صبياً غير مميز، أو مجنوناً، أو معتوهاً عد تصرفه باطلاً لصدوره عن عديم التمييز. وإذا كان مميزاً أو سفيهاً أو معتلاً فإنه يجب في هذه الحالة التمييز بين ما إذا كان التصرف بعوض أم من دون عوض، كالهبة (المادة 456 مدني سوري، التي توجب أن يكون العقد محرراً بسند رسمي وموثق وإلا وقع باطلاً). فإذا كان بعوض عد من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر التي تتطلب موافقة الممثل القانوني، وهي بطبيعتها قابلة للإبطال لمصلحة من صدرت عنه، وإذا كان التصرف من دون عوض يعدّ من التصرفات الضارة ضرراً محضاً، وهي باطلة.

ج- شروط يجب أن تتوافر في الشخص الذي ينشأ حق الانتفاع لمصلحته:

(1)- ترتيب حق انتفاع لمصلحة أشخاص متعددين على التعاقب، وسواء أتم ذلك بطريق الشيوع أم عن طريق الإفراز، فيجب في هذه الحالة أن يكون المنتفعون جميعاً أحياء يوم إنشاء هذا الحق، وتحدد مدة حق الانتفاع حينئذ من حيث المآل بحياة منتفع آخر. وهذا الشرط أساس لترتيب مثل هذا النوع من الانتفاع؛ ذلك أن حق الانتفاع المقرر لمصلحة أشخاص متعاقبين يقتضي أن يستفيد كل منتفع على التعاقب وبعد انتفاع الآخر، وإذا كان بعض المنتفعين غير موجود وقت إنشاء حق الانتفاع، ففي هذه الحالة يعدّ العقد باطلاً، ولا ينفذ في حقه في سورية؛ لأن نفاذه هنا حينئذٍ ينشئ ما يشبه الوقف الذري، وهذا الأخير لم يعد مسموحاً به وفق التشريع السوري.

(2)- الانتفاع المقرر لمصلحة الشخص الاعتباري: حظر المشرع السوري إنشاء مثل هذا الحق، فقد نصت المادة (936/3) من القانون المدني على أنه «لا يجوز إنشاء حق الانتفاع لصالح الشخص الاعتباري». وبناءً على ذلك يعدّ باطلاً إنشاء المنافع لمصلحة الشخص الاعتباري؛ لأن مثل هذا الحق من شأنه أن يحبس المال المنتفع به عن التداول بصورة تشبه الوقف الذري، وهو ما لا يجوز العمل به في التشريع السوري. ويضيف الفقه إلى أن منع المشرع السوري إنشاء حق انتفاع لمصلحة شخص اعتباري إنما مرده «صون حق مالك الرقبة من الأضرار التي قد تلحق به، ودرءاً لتلاشي قيمة ملك الرقبة؛ نتيجة تحميلها بحق انتفاع مؤبد للغير، وحتى لا تحبس الأموال عن التداول بإنشاء ما يشبه الوقف عن غير الوقف». فضلاً عن أن ترتيب حق انتفاع لمصلحة شخص اعتباري يجعل هذا الحق مؤبداً، إذ لا يُعرف وقت انتهاء حياة الشخص الاعتباري؛ التي قد تستمر طويلاً وربما عدة أجيال، الأمر الذي يعرض مالك الرقبة للضرر نتيجة ترتيب حق انتفاع مؤبد على ملكه، وهو ما يتنافى مع أهم خاصية من خصائص حق الانتفاع والتي تقرر أن حق الانتفاع - وبحكم القانون - مؤقت يسقط بموت المنتفع (المادة 936/2 من القانون المدني السوري).

في الواقع أن الفقه ينتقد موقف المشرع السوري في حظر ترتيب حق الانتفاع لمصلحة الأشخاص الاعتبارية إذ يقول في ذلك: إن الباعث على هذا النص الجامد غير معلوم. «وقد يكون الشارع السوري أراد منع إنشاء الانتفاع بالعقار لمصالح جهات أجنبية تستغله، المصالح قد تتعارض مع المصلحة الوطنية العامة. ثم إنه ما الفرق بين انتفاع الشخص الطبيعي وانتفاع الشخص المعنوي؟ بل إن انتفاع الشخص المعنوي قد يكون انتفاع الشخص الطبيعي باعتباره الغاية كمستشفى يديره أو جمعية إنسانية… إلخ، وما المحذور إذا كان الانتفاع مؤقتاً بأجل لا يتعدى انتهاء الشخص المعنوي؟ ولماذا يحال بين الناس والإرادة الحرة في التصرف فيما لا يخالف النظام العام والآداب والمصلحة الوطنية؟ يؤيد هذا أن التشريع السوري - وقد أقر إنشاء الوقف لمصالح الجهات الخيرية، وهو انتفاع مؤبد- يتناقض مع نفسه حين منع إنشاء المنفعة لمصالح هذه الجهات مدة محدودة. ويرد البعض بحق على هذا الفقه أن إقرار المشرع السوري للأوقاف الذرية كان على سبيل الاستثناء لحكمة ارتآها، ولا يعدّ صنيعه من قبيل التناقض، بل من قبيل تخصيص النص العام ليس إلا».

وموقف المشرع السوري في منع ترتيب حقوق انتفاع لمصلحة الشخص الاعتباري منعاً مطلقاً هو منتقد، إذ إنه يفضل إقرار إنشاء حق انتفاع لمصالح الأشخاص الاعتبارية مقيد بمدة محدودة معقولة، وهذا عملياً ما اتجه إليه المشرع الفرنسي في ظل المادة (919) من القانون المدني التي أجازت ترتيب حق انتفاع لمصلحة الشخص الاعتباري على ألا تزيد مدة الانتفاع على ثلاثين سنة.

(3)- شروط ينظمها السند المنشئ لحق الانتفاع: في الواقع يجوز إنشاء حق انتفاع منجزاً أو مقترناً بشرط واقف أو فاسخ أو مضافاً إلى أجل واقف (المادة 937 مدني سوري). وعلى اعتبار أن عقد إنشاء حق انتفاع هو عقد مؤقت ينتهي بانتهاء مدته؛ فإنه يكون على الدوام مقترناً بأجل فاسخ. أما بالنسبة إلى الأجل الواقف فيصح قانوناً أن يتضمن هذا العقد مثل هذا الشرط؛ فيكون في محله القانوني ونافذاً وفقاً لما جرت عليه أحكام المادة (937) التي نصت على أنه يمكن إنشاؤه (أجل أو شرط)، فلو اتفق شخص مع آخر على ألا يسري ميعاد الانتفاع إلا في أول كانون الثاني 2010 وكان العقد قد تم في أول تموز من العام المنصرم؛ فإن هذا الاتفاق في محله القانوني يجاري منطوق النص القانوني أعلاه.

وإذا كان العقد المنشئ لحق الانتفاع منجزاً فإنه ينتج أثره في الحال، ويستحق المنتفع منافع الشيء من تاريخ إبرام هذا العقد. في الواقع أن حق الانتفاع يعدّ على الدوام مضافاً إلى أجل فاسخ؛ لأن من خصائص حق الانتفاع أنه مؤقت ينتهي بحلول أجله. وقد يعلق الانتفاع على شرط واقف أو شرط فاسخ. فلو اشترط مالك الرقبة في مضمون العقد المنشئ لحق الانتفاع شرطاً مفاده «أتعهد بإسلافك مبلغاً من المال إذا ما اشتريت منزلاً لسكناه» فهو شرط واقف قد يتحقق، فينعقد حق الانتفاع، وقد لا يتحقق، فيسقط ذلك الحق.

وقد يعلق أيضاً الانتفاع على شرط فاسخ كما لو أنشأ مالك الرقبة حق انتفاع لمصلحة أخيه يعمل في صناعة الخزف والموزاييك، ويعلق هذا الحق على شرط ألا يتوقف عن ممارسة هذه المهنة التقليدية. وبذلك يتعلق الأمر بحق انتفاع معلق على شرط فاسخ، قد يتحقق فيتوقف المنتفع عن ممارسة صناعة الخزف، وعندئذٍ يسقط حق الانتفاع قبل مضي مدته، وقد لا يتحقق هذا الشرط، فيبقى حق الانتفاع قائماً إلى حين انقضاء مدته المحددة في العقد المنشئ لهذا الحق. ويؤخذ بالحسبان أن الشرط - واقفاً كان أم فاسخاً - يكون له أثر رجعي خلافاً للقاعدة العامة في الشرط، ذلك أن الأثر الرجعي يتنافى مع طبيعة حق الانتفاع باعتباره عقداً زمنياً بحتاً يكون الزمن عنصراً جوهرياً فيه.

2- الواقعة القانونية (التقادم) بوصفها سبباً مكسباً لحق الانتفاع:

إن التقادم يعدّ سبباً لكسب حق الانتفاع إلا أنه يدق التمييز - من أجل اكتساب هذا الحق بمفهوم التقادم- بين المنقولات والعقارات. فالعقارات التي جرت بشأنها عمليات التحديد والتحرير وكذلك العقارات الواقعة تحت إدارة أملاك الدولة لا يمكن اكتساب حق الانتفاع بها بالتقادم، وبالمقابل يجوز أن يكتسب حق الانتفاع بالتقادم بالعقارات التي لم تجرِ فيها التسوية (معاملات التحديد والتحرير) وفي تلك التي لم يمنع القانون تملكها بالتقادم بنص خاص. أما على صعيد مدة التقادم فإنها تختلف باختلاف طبيعة العقار ملك أم أميري. فإذا كان حق الانتفاع مرتباً على عقار أميري أمكن كسبه بالتقادم بمرور عشر سنوات، أما إذا كان الانتفاع مرتب على عقار ملك أمكن كسبه في خمس سنوات بشرط أن يكون بيد صاحب حق الانتفاع سند صحيح، وكانت حيازته بحسن نية. وفيما عدا ذلك فلا يكسب هذا الحق إلا في التقادم الطويل 15 سنة. أما بالنسبة إلى المنقول فيجوز كسب حق الانتفاع عليه بمجرد حيازته متى كانت هذه الحيازة مقترنة بحسن نية وسبب صحيح وفقاً لقاعدة «الحيازة في المنقول سند الحائز»، وما عدا ذلك لا يجوز كسب حق الانتفاع على المنقول إلا بمرور تقادم طويل مدته 15 سنة.

ويُشار أخيراً إلى أن بعض التشريعات العربية أجازت اكتساب حق الانتفاع بطريق الشفعة. (ففي التشريع المصري يجوز ذلك، المادة 939، ويتوافق ذلك مع المشرع اللبناني المادة 539 ملكية عقارية، وكذا القانون المدني الليبي المادة 940، وعلى ذلك جرت أحكام المادة 1015 من القانون المدني القطري الجديد لعام 2004. أما المشرع السوري فقد ألغى حق الشفعة كلياً؛ وبالتالي لا يجيز اكتساب حق الانتفاع بطريق الشفعة).

ثالثاً- حقوق المنتفع والتزاماته

قضى المشرع المصري في المادة (918) من القانون المدني أنه «يراعى في حقوق المنتفع والتزاماته السند الذي أنشأ حق الانتفاع وكذلك الأحكام المقررة في المواد الآتية…» في الواقع لا مقابل لهذا النص في القانون المدني السوري ولا في القانون المدني اللبناني.

1- حقوق المنتفع:

قضت الفقرة الأولى من المادة (939) مدني سوري على أن حق الانتفاع حق عيني باستعمال شيء يخص الغير واستغلاله. وحق الانتفاع يخول صاحبه الحقوق الآتية:

أ- حق المنتفع في الاستعمال Droit d’usage: يراد باستعمال الشيء استخدامه في جميع وجوه الاستعمال التي أُعد لها والتي تتفق وطبيعة الشيء والحصول على منافعه.

وقد قضت المادة (943) من القانون المدني السوري على أن «للمنتفع حق الاستعمال القائم باستخدام العقار لاستمتاعه الذاتي، أو لصالحه الشخصي، ويكون هذا الحق شاملاً شمول حق مالك العقار …».

وعلى ذلك يحق للمنتفع أن يستعمل الشيء بنفسه، فإذا كان محل حق الانتفاع داراً يستطيع أن يسكنها هو وأسرته، واستعمال المنتفع يتقيد بضرورة المحافظة على الشيء، بخلاف استعمال المالك. وكذا يتقيد المنتفع بالاستعمال كما يتقيد به المالك، فلا يجوز له أن يلحق بالجوار ضرراً غير مألوف.

كذلك الأمر للمنتفع أن يستعمل ملحقات الشيء، فإذا كان ينتفع بأرض لها حق مرور على أرض أخرى أو حق مشرب كان له أن يستعمل هذه الارتفاقات، شأنه في ذلك شأن المالك. وله أن يستعمل المنقولات الملحقة سواء أكانت عقارات بالتخصيص أم بقيت محتفظة بصفتها المنقولة. وهو ما أقره الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض السورية من «أن للمنتفع من العقار حق استخدامه لاستمتاعه أو لصالحه الشخصي، ويدخل في ذلك استعمال حقوق الارتفاق ما لم يكن صاحب العقار قد أجر هذه الحقوق قبل إنشاء حق الانتفاع» (نقض مدني سوري، تاريخ 24 /10/1963، مجلة القانون 1964 ص 881).

ب- حقوق المنتفع في الاستغلال: قضت المادة (944) أن «1- للمنتفع الحق بثمار العقار أي بالحاصلات الطبيعية أو النقدية التي يغلها العقار في فترات معيّنة بدون أن تنقص تلك الثمار شيئاً من جوهر العقار. 2- ويدخل في حكم الثمار حاصلات المناجم المكشوفة والمناجم المستورة والمقالع، إذا كانت هذه الحاصلات عائدة لمالك العقار بشرط أن يكون المنجم أو المقلع قد فتح قبل بدء الانتفاع، والأشجار إذا كانت تغل بآجال منتظمة لاستهلاك حطبها أو بيعها».

وعلى ذلك للمنتفع أن يستعمل الشيء استعمالاً مباشراً أو غير مباشر، فيستطيع أن يزرع الأرض بنفسه، ويستطيع أن يؤجر الدار التي له حق انتفاع عليها. وطبقاً للنص القانوني أعلاه فإن للمنتفع حق الحصول على ثمار الشيء سواء أكانت ثماراً طبيعية مستحدثة أم مدنية، وهو ما يتجه إليه الفقه القانوني إجمالاً، أما الفقه الإسلامي فلا يعرف سوى نوعين من الثمار وهما الثمار الطبيعية والثمار المستحدثة (الغلة). والمشرع السوري في القانون المدني يدخل: في مفهوم الثمار ما لا يدعوه الفقه الإسلامي ثماراً، كالثمار المدنية التي تشمل أجرة الأشياء وفوائد النقود. ويلاحظ أن المشرع الأردني في القانون المدني أغفل تفصيل أحكام الثمار والمنتجات التي يرد عليها حق الانتفاع، وفي هذا نقص في التشريع غير محبذ. والثمار هي ما ينتج من الشيء دورياً من دون المساس بجوهره أو الانتقاص من مادته كمحصول الأرض وأجرة السكن، أما المنتجات فهي ما يتولد من الشيء في مواعيد غير دورية، ويترتب على أخذها الانتقاص من مادة الشيء.

وبالرجوع إلى النص القانوني أعلاه يتبين أنه يحق للمنتفع الحصول على ثمار الشيء بجميع أنواعها، أما المنتجات فهي من حق مالك الرقبة. ومع ذلك يلاحظ أن القانون قد ألحق بعض المنتجات بالثمار، كالمواد المستخرجة من المقالع المنتفع بها (المادة 944 من القانون المدني السوري)، وتجدر الإشارة أنه يرد على حق المنتفع بالاستغلال القيود القانونية ذاتها الواردة في قواعد خاصة على حق المالك، من ذلك تحديد مدة معيّنة للأجرة، فهو يلتزم بمراعاتها. بيد أنه يثار التساؤل التالي: ما حكم الثمار التي ظهرت قبل بدء الانتفاع ولم تنضج إلا بعد ابتدائه، أو تلك التي ظهرت في أثناء قيام الانتفاع ولم تنضج إلا بعد انتهائه؟ أهي تعود إلى المنتفع أم مالك الرقبة، أم توزع بينهما؟

تجيب عن هذا التساؤل المادة (945) من القانون المدني السوري، وظاهر من هذا النص القانوني أن الثمار توزع بين المالك والمنتفع وفقاً لقاعدة ، أي إن صاحب حق الانتفاع يقبض الثمار منذ اليوم الأول لبدء حقه في الانتفاع حتى آخر يوم يزول به هذا الحق، وهي قاعدة واجبة التطبيق بغض النظر عن طبيعة الثمار مدنية كانت أم مستحدثة أم طبيعية. فهذه القاعدة سهلة التطبيق في مجال الثمار المدنية، فلو كان الشيء المنتفع به عيناً مؤجرة فيكون للمنتفع حق قبض الأجرة عن الأيام الواقعة ما بين تاريخ بدء عقد الإيجار وتاريخ انتهائه، وفيما عدا ذلك هو من حق مالك الرقبة. ويسري هذا الحكم عند بدء الانتفاع وعند انتهائه بحيث توزع كلّ الثمار وعلى اختلاف أنواعها بين مالك الرقبة والمنتفع وفقاً للمدة التي دام خلالها حق الانتفاع.

ج- حقوق المنتفع في إدارة المال والتصرف به: لصاحب حق الانتفاع عدة حقوق في سبيل استغلال المال المنتفع به، فله أن يقوم بكل ما يلزم لإدارة الشيء المنتفع به، كما له أن يتصرف به بأن يتنازل عنه أو أن يرتب عليه حق رهن.

(1)- أعمال الإدارة: للمنتفع أن يجري ما يلزم لإدارة الشيء المنتفع به، وما يتفق مع طبيعته في الحدود التي تمكنه من ممارسة حقه في الانتفاع. ومن أهم أعمال الإدارة إيجار الشيء المنتفع به، حيث يجيز القانون للمنتفع أن يؤجر حقه في الانتفاع بقصد استثماره.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ما حكم عقود الإيجار التي يبرمها المنتفع وتكون مدتها ممتدة إلى فترة أطول من فترة حق الانتفاع نفسه؟

في الواقع أن هذه المسألة تثار عندما ينتهي حق الانتفاع بموت المنتفع. وقد قضت المادة (949) بفقرتها الثانية أن «أما عقود الإيجار التي يعقدها المنتفع فيقف مفعولها تجاه مالك العقار بعد ثلاث سنوات من انتهاء حق الانتفاع» (ومضمون هذا النص مستوحى من نص المادة (42) من القرار ذي الرقم /3339/ حيث لا مقابل لها في التقنين المدني المصري).

بيد أن هذا النص يتعارض ونص المادة (528) من القانون المدني والتي تنص على أن «الإجارة الصادرة ممن له حق المنفعة تنقضي بانقضاء هذا الحق - إذا لم يجزها مالك الرقبة - على أن تراعى المواعيد المقررة للتنبيه بالإخلاء، والمواعيد اللازمة لنقل محصول السنة». فنص المادة (946) يقضي بسريان عقود الإيجار التي يبرمها المنتفع بحق مالك الرقبة لمدة ثلاث سنوات بعد انتهاء هذا الحق، في حين أن نص المادة (528) أعلاه يقضي بانتهاء عقود الإيجار التي يبرمها المنتفع مع نهاية مدة الانتفاع ما لم يجزها مالك الرقبة.

(تجدر الإشارة إلى أن مصدر المادة 528 هو التقنين المدني المصري في حين أن مصدر المادة 946 /2 هو نص المادة 42 من القرار 3339 ولا مقابل لهذا النص الأخير في القانون المدني المصري).

(2)- تنازل المنتفع عن حقه: إذا كان حق الانتفاع يخول صاحبه سلطة الاستعمال والاستغلال للشيء؛ فإنه لا يتمتع بسلطة التصرف في هذا الشيء إذ إن هذه السلطة تثبت للمالك. بيد أنه يثار التساؤل في هذا الصدد، وهو أنه ما مدى إمكانية تصرف صاحب حق الانتفاع في حقه؛ أي في سلطته في الاستعمال والاستغلال؟

في الواقع أن المنتفع يستطيع - وبمطلق الأحوال - أن يتصرف بحقه في الانتفاع إلا أنه لا يستطيع أن يعطي أكثر مما يملك هو نفسه، فلا يكون للمتصرف إليه إلا سلطتا الاستعمال والاستغلال فقط. والمنتفع له حق التصرف بحقه بعوض أو من دون عوض. أما الوصية فلا تصح؛ لأنها تصرف مضاف إلى ما بعد الموت، والمنتفع بتنازله عن حق الانتفاع لا يحتاج إلى إعذار المالك؛ لأنه يتصرف بحق عيني. وحق الانتفاع ينتهي بموت المنتفع قانوناً. بيد أن صاحب حق الانتفاع له أن يبيع حقه أو أن يهب هذا الحق، ويؤدي ذلك إلى انتقال حق الانتفاع إلى الغير، ويبقى المنتفع الأصلي ملتزماً نحو مالك الرقبة؛ فلا تنتقل التزاماته إلى المتصرف إليه. كذلك يجوز للمنتفع أن يرهن حقه رهناً تأمينياً أو حيازياً، وإذا ما تم الحجز على حق الانتفاع دون ملك الرقبة، وبيع بالمزاد، كبيع الفروع تماماً؛ فإن البيع يقع فقط في حدود حق الانتفاع دون ملك الرقبة، وإذا انقضى حق الانتفاع، ولم ينفذ الدائن المرتهن عليه؛ انقضى الرهن لانقضاء محله.

علاوة على ذلك أن حق الانتفاع لا ينقضي إلا بموت المنتفع الأصلي المتصرف، لا بموت المنتفع الجديد المتصرف له. وعلى ذلك جرت أحكام المادة (947) من القانون المدني السوري. وأخيراً يمكن القول: إنه كما يجوز أن يتنازل المنتفع عن حقه في الانتفاع فإنه يجوز لدائنيه أن يحجزوا على حقه ما لم يشترط في العقد المنشئ لحق الانتفاع عدم جواز التنازل عنه.

2- التزامات المنتفع

يتعين على المنتفع القيام ببعض الالتزامات، منها ما يتعلق قبل بدء الانتفاع، ومنها في أثناء الانتفاع، وأخيراً التزامات عند انتهاء الانتفاع.

أ- الالتزامان المترتبان على المنتفع قبل البدء بالانتفاع: قضت المادة (939) من القانون المدني السوري أنه «1- يجب على المنتفع قبل مباشرته الانتفاع أ- أن ينظم كشفاً بالعقارات ب- أن يقدم كفيلاً قديراً على الدفع. 2- على أنه يجوز إعفاؤه من هذين الالتزامين بنص السند الذي ينشأ بموجبه حق الانتفاع». (ولا وجود لهذا النص في التقنين المدني المصري حيث إن أحكام هذا النص أخذت عن المادة 35 من القرار 3339).

من هذا النص يتبين وجود التزامين اثنين على عاتق المنتفع، وهما الكشف والكفالة:

(1)- الكشف: إن الكشف يجب أن ينظم بمعرفة موظف رسمي مكلف بخدمة عامة وفقاً لقانون البينات وعلى نفقة المنتفع وبحضور مالك الرقبة، وهذا الكشف يفيد إدراج العناصر الكافية لتحديد الشيء محل الانتفاع، ويتوافق موقف المشرع السوري مع نظيره الفرنسي في أن الأخير يتطلب الرسمية في تنظيم هذا المحرر. والمشرع الفرنسي يقتضي وجوب محرر أو ما يطلق عليه جرد؛ ولاسيما جرد المنقولات المنتفع بها.

وإذا كان نص المادة (940) من القانون المدني السوري قد قصر تنظيم هذا الكشف على العقار محل الانتفاع فإن تنظيمه أكثر وجوباً في المنقول؛ لأن الغرض من الكشف هو معرفة ما يجب رده عند انتهاء الانتفاع، وذلك لدرء ما قد يحدث من خلافات بين المنتفع ومالك الرقبة.

ويجب أن يتضمن الكشف وصف الأشياء التي يرد عليها حق الانتفاع سواء أكانت من العقارات أم المنقولات من دون بيان قيمة هذه الأشياء. ويرى بعض الفقه وجوب تقدير قيمتها؛ مما يساعد على تقدير التعويض عن الضرر الذي يلحق بمالك الرقبة في حال استحال على المنتفع أن يرد هذه الأشياء عند نهاية الانتفاع.

(2)- الكفالة: يلتزم المنتفع أيضاً بتقديم كفيل مقتدر على الدفع إلى مالك الرقبة. في الواقع أن الغرض من الكفالة هو تمكين الأخير من الحصول على قيمة الأشياء التي يرد عليها حق الانتفاع والتي قد تهلك بفعل المنتفع. وقد تكون هذه الكفالة شخصية، وهذا الأصل، وقد تكون عينية أو نقدية، ولا مانع من أن تكون ضماناً مصرفياً اليوم يقدمه المنتفع من أحد البنوك المرخصة العامة والخاصة على حد سواء، وإذا لم يتقدم المنتفع بهذه الكفالة جاز لمالك الرقبة الامتناع عن تسليم الشيء محل حق الانتفاع. بيد أنه يثار تساؤل مفاده: هل توجد إمكانية إعفاء المنتفع من تقديم هذه الكفالة أو الكشف؟

إن نص المادة (939) من القانون المدني السوري هو نص غير آمر، فالاتفاق على خلاف ذلك جائز لا يخالف أحكام النظام العام. وعلى اعتبار أن تقديم الكفالة أو محضر الكشف إنما هو لمصلحة المالك؛ فإن الأخير له التنازل عنها، وعلى ذلك جاز للمالك أن يعفي المنتفع من تقديم الكفالة أو تنظيم محضر الكشف أو من الحقين معاً.

ب- الالتزامات المترتبة على المنتفع في أثناء الانتفاع: وتتلخص هذه الالتزامات فيما يلي:

(1)- العناية بالشيء موضوع حق الانتفاع عناية المالك الحقيقي المعتني المجتهد. وبهذا قضت الفقرة الأولى من المادة (948) من القانون المدني أن «على المنتفع أن يستعمل العقارات كمالك معتنٍ مجتهد». وهذا يعني أن المشرع استلزم الحرص الشديد والتقييد بالغرض الذي أعدّ له سواء أكان منقولاً أم عقاراً. والالتزام الوارد في هذه الصفة هو التزام بعناية لا تحقيق نتيجة، فالمنتفع يلتزم بذل عناية المالك المعتني المجتهد بالشيء الذي تسلمه، فإذا ما قام بهذه العناية اللازمة لا يكون مسؤولاً عن الضرر الناجم عن تلف الشيء أو هلاكه. فضلاً عن أن العناية المطلوبة هي عناية المالك الحريص على سلامة ملكه، وليس عناية الرجل المعتاد، وهذه العناية هي أكثر درجة من عناية الرجل المعتاد المنصوص عليها في المادة (212) من القانون المدني

(2)- إخطار مالك الرقبة عن كل أمر يوجب تدخله: وبه قضت أحكام الفقرة الأولى من المادة (948) من القانون المدني إذ جاء فيها «وعليه (أي المنتفع) أن يعلم المالك بالتعديات التي يقدم عليها الغير على العقارات، وإلا كان مسؤولاً عن الضرر الذي يلحق بمالكها».

ويتبين من هذا النص القانوني أن المنتفع يتوجب عليه أن يعلم المالك بكل تعرض مادي أو قانوني يقع على الشيء المنتفع به؛ منقولاً كان أم عقاراً، فإذا اعتدى شخص بالتخريب أو التعدي ينبغي على المنتفع رده باعتباره تعرضاً مادياً لحقه في الانتفاع بالشيء، وعليه أن يخطر مالك الرقبة بهذا التعدي، وإذا ما ادعى شخص بحق على الشيء موضوع الانتفاع فإن هذا التعرض القانوني الصادر من الغير يوجب على المنتفع أن يعلم به مالك الرقبة لاتخاذ ما يلزم. كما يلتزم المنتفع بدفع الضرائب المختصة ونفقات الترميم اللازمة لصيانة الشيء محل حق الانتفاع، بوصفها التزامات مالية تتعلق بهذا الشيء.

ج- الالتزامات المترتبة على المنتفع عند انتهاء حق الانتفاع: وأهم هذه الالتزامات:

(1)- الالتزام برد العين موضوع حق الانتفاع: يلتزم المنتفع برد العين المنتفع بها إلى مالك الرقبة وفقاً لما ورد في الكشف المنظم قبل بدء الانتفاع، ما لم يكن المالك قد أعفى المنتفع من تنظيمه. وفي هذه الحالة الأخيرة يقع إثبات صفات العين المنتفع بها على عاتق المالك، وله ذلك بكل الطرق. وسواء أكان الشيء المنتفع به منقولاً أم عقاراً. وبالنسبة إلى المنقول يلتزم المنتفع برده بحسب الحالة التي يكون عليها بنهاية الانتفاع لا بالحالة التي كان عليها وقت التسليم. أما الأشياء الاستهلاكية فيلتزم المنتفع برد مثلها أو قيمتها بحسب الأحوال.

(2)- المسؤولية المدنية عن هلاك الشيء المنتفع به: ويقصد بمسؤولية المنتفع بهذا الصدد هو أن الأخير مسؤول مدنياً بالتعويض عن الضرر الناجم عن نقص أو تغيير في العين المنتفع بها عما كانت عليه وقت التسليم. وعلى هذا جرت أحكام المادة (955) من القانون المدني السوري بقولها: «عند انقضاء مدة الانتفاع يكون المنتفع مسؤولاً تجاه صاحب الرقبة عن العطل الذي لحق بالعقار بسببه».

وعليه لا بد من الأخذ بالحسبان أن التزام المنتفع في هذه الحالة هو التزام بذل عناية لا تحقيق نتيجة؛ وبناء عليه لا يسأل المنتفع عن هلاك الشيء المنتفع به إذا أثبت أنه بذل العناية المطلوبة منه، وهي عناية الرجل الحريص المعتني المجتهد لا عناية الرجل المعتاد في الحفاظ على الشيء. (وهذا ما يتفق مع موقف المشرع الفرنسي في مسألة اقتضاء حرص الشخص على شؤونه).

وأخيراً لا يسأل المنتفع عن هلاك الشيء فيما إذا أثبت أن هذا الهلاك كان بسبب أجنبي لا يد له فيه، كحريق أو زلزال، وبذلك لا يلتزم بهذه الحالة المنتفع برد الشيء موضوع الانتفاع إلى مالك الرقبة. ولكن ما الحكم في مسألة التحسينات والإنشاءات التي يقيمها المنتفع في الأرض المنتفع بها؟

للإجابة عن هذا التساؤل يجب التمييز بين موقف القانون المدني السوري والقانون المدني الفرنسي. ففي القانون المدني السوري يدق التمييز بين حالتين؛ حالة ما إذا كانت التحسينات والإنشاءات قد تمت بموافقة مالك الرقبة وحالة ما إذا تمت من دون موافقته. فإذا أحدث المنتفع تحسينات بموافقة مالك الرقبة له الحق في المطالبة عما أحدثه عملاً بالمفهوم المخالف لنص المادة (955/2) من القانون المدني السوري والقاضي بأنه «لا يحق له (أي المنتفع) أدنى تعويض عن التحسينات التي أحدثها في العقار بدون رضاء المالك». أما إذا أحدث المنتفع تحسينات من دون موافقة المالك فالأمر محل خلاف حول التحسينات والإنشاءات. فأما الأولى فهي لا تجيز للمنتفع حق المطالبة بالتعويض بما أنه لم يستحوذ على إذن المالك بشأنها. أما الثانية وهي الإنشاءات الحديدية والغراس التي غرسها فتأخذ حكم الباني سيئ النية في ملك الغير (المادة 955/4 من القانون المدني السوري).

أما موقف المشرع الفرنسي فيختلف عن نظيره السوري من حيث إنه لا يجيز للمنتفع حق الرجوع على مالك الرقبة بالتعويض عن التحسينات التي يكون قد أجراها في العين المنتفع بها حتى لو أدى ذلك إلى زيادة قيمتها (المادة 599 مدني فرنسي).

عدّ القضاء الفرنسي أن البناء والغراس يدخلان في مفهوم التحسينات لسبب وجود صعوبة واضحة لمعرفة الحد الفاصل بين التحسينات والإنشاءات، وبعبارة أخرى: ما هو الحد الذي يُعدّ بموجبه العمل من قبيل التحسينات أو من قبيل الإنشاءات الجديدة؟

ينتقد الفقه الفرنسي هذا الاجتهاد القضائي بحسبان أن عبارة التحسينات لا تشمل البناء والغراس، بل إنه من المسلم به أن الالتصاق لا يسري على أعمال التحسينات، ولكن يسري على البناء والغراس، فضلاً عن أن هذا الاجتهاد يجعل صاحب حق الانتفاع في وضع قانوني أسوأ من الباني سيئ النية في أرض الغير حيث لا يحق له المطالبة بأي تعويض عما قام به من منشآت في المال المنتفع به.

رابعاً- سقوط حق الانتفاع

تنص الفقرة الأولى من المادة (954) من القانون المدني على ما يلي: «يسقط حق الانتفاع بانتهاء أجله، وبموت المنتفع، أو بتلف الشيء المنتفع به تلفاً كاملاً، أو بتنازل المنتفع عنه، أو بإسقاطه منه لسوء الاستعمال، أو بالاتحاد أي بجمع صفتي المنتفع ومالك العقار في شخص واحد». (هذا النص مأخوذ عن أحكام المادة 50 من القرار 3339 وقارن المواد 993-994-995 من القانون المدني المصري والتي تعدّ أن حق الانتفاع ينقضي بانتهاء المدة المحددة له أو بوفاة المنتفع أو بهلاك الشيء محل الانتفاع، أو بالنزول عن حق، أو باتحاد الذمة).

وبناء على ما تقدم يسقط حق الانتفاع بأحد الأسباب الآتية:

1- سقوط حق الانتفاع بانقضاء أجله:

حق الانتفاع محدد بأجل، لذا فإن الانتفاع ينتهي بانتهاء الأجل المحدد له، وإذا سكت الأطراف عن تحديد مدة الانتفاع فإنه لا يسقط حتى بموت المنتفع، ويستفاد ذلك من التعريف الوارد في حكم المادة (936) والقاضي بسقوط حق الانتفاع بموت المنتفع حتماً.

2- سقوط حق الانتفاع بموت المنتفع:

ويسقط الحق في الانتفاع بجميع الحالات سواء أكان هذا الحق معلقاً على أجل أم لا، ونتيجة لذلك فإن حق الانتفاع لا يورث، والاتفاق خلاف ذلك باطل لمخالفته أحكام النظام العام (وقد جاء في قرار لمحكمة النقض السورية أن «حق الانتفاع يسقط بموت المنتفع» القرار رقم 894 أساس 548 تاريخ 18/6/2000). بيد أنه يمكن أن يترتب حق الانتفاع لمصلحة الموصى لهم على التعاقب إذا كانوا أحياء وقت الوصية. وعلة ذلك أن موت المنتفع الأول يؤدي إلى انتقال الحق في الانتفاع إلى الذي يليه وهكذا إلى أن يموت جميع أصحاب الحقوق، فينتهي حكماً حق الانتفاع بموت آخر منتفع.

3- سقوط حق الانتفاع بهلاك الشيء المنتفع به:

في الواقع أن هلاك الشيء المنتفع به يؤدي إلى انعدام محل حق الانتفاع على أنه يشترط لانقضاء حق الانتفاع بالهلاك الشرائط الآتية:

أ- يجب أن يكون هلاك الشيء كلياً: وهذا ما جرت عليه أحكام الفقرة الأولى من المادة (954) من القانون المدني السوري على أنه «يسقط حق الانتفاع…  بتلف الشيء المنتفع به تلفاً كاملاً». فلو كانت العين المنتفع بها بناء وانهدم، فلا ينتقل هذا الحق إلى أنقاضه (المادة 956 مدني سوري المأخوذة عن المادة 52 من القرار 3339).

ب- يجب أن يكون الهلاك ناجماً عن سبب أجنبي: كحالة استملاك العقار المنتفع به، فإن ملكية مالك الرقبة تزول حكماً بالاستملاك، أي إن حق الانتفاع لا يسقط كلياً؛ وإنما ينتقل الحق إلى التعويض الذي يتقاضاه مالك الرقبة. وقد يكون التلف بخطأ المنتفع نفسه، أو خطأ مالك الرقبة أو بخطأ الغير.

وإذا كان الهلاك بفعل مالك الرقبة فإنه يلتزم بإعادة الشيء إلى أصله على سبيل التعويض، ويعود حق الانتفاع من جديد. أما إذا كان الهلاك بسب قدم في الشيء المنتفع به أو قضاء وقدراً فإن المالك والمنتفع غير ملتزمين بإعادة الشيء إلى أصله (المادة 950 من القانون المدني).

4- سقوط حق الانتفاع بإساءة استعمال الشيء المنتفع به:

وسقوط حق الانتفاع لسوء استعمال العين لا يكون بحكم القانون، بل يجب على مالك الرقبة أن يلجأ إلى القضاء لاستصدار حكم قضائي بإسقاط المنتفع من حقه في الانتفاع، وهو ما جرت عليه أحكام المادة (957/1) من القانون المدني السوري والتي تقضي بأنه «يجوز إسقاط المنتفع من حقه بحكم قضائي بناء على طلب مالك الرقبة بسبب إساءة المنتفع في استغلال العقار، لاسيما إذا أحدث تخريباً فيه، أو إذا تركه يخرب لإهماله العناية به».

وللمحكمة سلطة تقديرية واسعة في تقدير سوء الاستعمال، وتعالج كل حالة على حدة. إضافة إلى أنه يحق لكل ذي مصلحة أن يتدخل في الدعوى كدائني المنتفع؛ ليتحاشوا صدور حكم يضر بمصالحهم، كما لهم أن يضمنوا المنتفع إزاء مالك الرقبة لتفادي وقوع أي إساءة قد تقع من المنتفع في المستقبل.

5- سقوط حق الانتفاع بتنازل المنتفع عن حقه:

وهو ما ورد صراحة في ظل الفقرة الأولى من المادة (954) بقولها: «يسقط حق الانتفاع بتنازل المنتفع» (المادة 252 من قانون الأحوال الشخصية السوري تنص على أنه «تسقط الوصية بالمنفعة…  بتنازل المنتفع عن حقه إلى ورثة الموصي بعوض أو بدون عوض»).

والتنازل قد يتم بإرادة واحدة، وهي إرادة المنتفع، وقد يتم بإرادة مشتركة من مالك الرقبة والمنتفع. والجدير بالذكر أن التنازل المسقط لحق الانتفاع هو التنازل لمصلحة مالك الرقبة لا الغير.

6- سقوط حق الانتفاع باتحاد الذمة أو الإدغام:

حق الانتفاع ينقضي باتحاد صفتي مالك الرقبة والمنتفع في شخص واحد (المادة 954 مدني سوري). كما لو انتقلت إلى المنتفع ملكية العين المنتفع بها بالإرث أو بالعقد. فيتمتع المنتفع والحالة هذه بمزية التصرف إضافة إلى مزيتي الاستعمال والاستغلال. أي جمع عناصر الملكية في يد وشخص واحد، إذ إن الإدغام في الحقوق العينية يقابل الاتحاد في الحقوق الشخصية.

وأخيراً لا يترتب على تنازل مالك الرقبة عن ملكيته سقوط حق المنتفع، فمالك الرقبة له حق التصرف بملكيته دون أن يؤثر ذلك في حق الانتفاع الذي يبقى مستمراً إلى أن يسقط بأحد أسباب السقوط. فحق مالك الرقبة مستقل عن حق المنتفع، وعلى ذلك جرت المادة (958) من القانون المدني بقولها: «إذا باع مالك الرقبة العقار الجاري عليه حق الانتفاع فلا يحدث ذلك البيع أدنى تغيير في حق المنتفع، بل يظل يستغل العقار ما لم يتنازل عن حقه تنازلاً صريحاً».

فإذا كان حق الانتفاع عقاراً فهو لا يسقط إلا بعد ترقين القيد المدون على الصحيفة العقارية (المادة 954 من القانون المدني السوري).

مراجع للاستزادة:

- عبد الرزاق السنهوري، شرح القانون المدني، أسباب كسب الملكية، الجزء التاسع (طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت).

- عبد المنعم فرج الصدة، الحقوق العينية الأصلية (دار النهضة العربية، بيروت 1982).

- نبيل إبراهيم سعد، الحقوق العينية الأصلية (دار النهضة العربية، بيروت 1995).

- محمد وحيد الدين سوار، الحقوق العينية الأصلية، الطبعة الثامنة (مطبعة الداوودي، دمشق).

- عبد الجواد السرميني وعبد السلام الترمانيني، الحقوق العينية الأصلية (منشورات جامعة حلب، 1986).

- محمد حاتم البيات وأيمن أبو العيال، النظرية العامة للالتزامات، العقد والإرادة المنفردة (منشورات جامعة دمشق، كلية الشريعة، 2003).

- كامل مرسي باشا، الحقوق العينية الأصلية (منشأة المعارف، الإسكندرية).

- Henri, Léon et Jean MAZEAUD, Droit civil, t. 2, 3ème. Éd. (Paris 1965).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 177
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 992
الكل : 57463370
اليوم : 21641