logo

logo

logo

logo

logo

الجهاد

جهاد

al-jihad - al-jihad

 الجهاد

الجهاد

وهبة الزحيلي

تعريفه وفضله 

نوع الفرضية

دوافع الجهاد أو بواعثه

الأصل العام في علاقة المسلمين بغيرهم

شروط الجهاد

   

تعريفه وفضله:

الجهاد لغة: مصدر جاهد، وهو بذل الجهد واستفراغ ما في الوسع والطاقة بالقول والفعل، ومعناه اللغوي: بذل المجهود في حصول المقصود، والقتال من جنس الجهاد لكن الجهاد أعم، فكل قتال في سبيل إعلاء كلمة الله (كلمة التوحيد والحق والقيم العليا) جهاد، وليس كل جهاد قتالاً.

ويدرسه الفقهاء غالباً تحت عنوان (كتاب السِّير) جمع سيرة، وهي السنة والطريقة، أي سيرة النبي r في معاركه مع الأعداء المعتدين.

وهو في الاصطلاح الفقهي: مقاومة العدو لإحقاق الحق وإبطال الباطل ودفع العدوان بمختلف الوسائل، وعبَّر عنه الحنفية بقولهم: هو الدعاء إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله بالمال والنفس. وعبَّر عنه الشافعية بقولهم: هو قتال الكفار لنصرة الإسلام. ويكون إما باللسان (الحرب الإعلامية)؛ وإما بالمال لشراء السلاح؛ وإما بالنفس باستعمال السلاح. بوسائل أربع: جهاد بالقلب، وجهاد بالمال، وجهاد باللسان، وجهاد باليد.

وأنواعه أربعة: جهاد النفس (تزكيتها) وجهاد الشيطان (لطرد وساوسه) وجهاد المنافقين (الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر) وجهاد غير المسلمين المعتدين.

وقد شرع الجهاد في الإسلام في السنة الثانية من الهجرة (أي بعد نحو 15 سنة من البعثة النبوية) مع بيان أسبابه ودوافعه وحكمته في قول الله تعالى: ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ٭ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[[الحج 39-40].

وفضل الجهاد عظيم؛ لأنه وسيلة للحفاظ على عزة البلاد والأوطان والكرامة الإنسانية وسيادة الدولة واستقلالها، والدفاع عنها، ورد غارات العدوان أو محاولة التسلط على الثروات المعدنية السائلة كالنفط، والجامدة كالذهب والفضة والبلاتين والأحجار الكريمة وغيرها، واسترداد الأجزاء والأقاليم المحتلة.

ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية ما يدل على مكانة الجهاد وأنه فريضة دائمة غير قابلة للنسخ والإبطال إذا توافرت مقتضياته أو مسوغاته، قال الله تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ[[التوبة 111]. ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ٭ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[[الصف10-11].

وبيّن النبي r أن الجهاد أفضل الأعمال عند الله تعالى بعد الإيمان حين سئل: أي العمل أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا؟ قال: الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور»، وقال u أيضاً: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها».

ويكون للمجاهد في سبيل الله إحدى الحسنيين: إما الشهادة، وإما النصر. ويغفر كل ذنب للشهيد إلا الدين. وتكون درجة الشهيد في سبيل الله في الآخرة مع الأنبياء والمرسلين والصِّديقين المقربين.

نوع الفرضية:

الجهاد بالنفس والمال وإعداد السلاح فرض على القادر عليه غير المعذور، ونوع الفرضية: إما فرض عين، وإما فرض كفاية:

أ- فإن لم يكن النفير عاماً: فالجهاد فرض كفاية، أي إنه يفترض على جميع من كان أهلاً للجهاد، لكن إذا قام به بعضهم؛ سقط الإثم عن الباقين لقول الله عز وجل: ]فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى[[النساء 95]. أي إن الله سبحانه وعد الحسنى (الجنة) كلاًّ من المجاهدين والقاعدين عن الجهاد، فلو كان الجهاد فرض عين لما وعد القاعدين الحسنى؛ لأن القعود يكون حراماً.

يوضح هذا المعنى آية أخرى، هي: ]وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ[[التوبة 122].

فإن عجز المشاركون في الجهاد عن مقاومة الأعداء؛ وجب على من يجاورهم من المسلمين - الأقرب فالأقرب - أن يشاركوا في الجهاد لتحقيق الغاية، وأن يمدوا غيرهم بالأموال والأسلحة إن استطاعوا، أو من ميزانية الدولة.

ب- وأما إن كان النفير عاماً: كما لو هجم العدو على بلد إسلامي، فالجهاد حينئذ يصبح فرض عين على كل قادر من المسلمين على حمل السلاح لقوله تعالى: ]انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُم[[التوبة 41]، قال المفسرون: نزلت في النفير العام، يؤكد ذلك آية أخرى: ]ما كانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَن رَسُولِ اللَّهِ وَلا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ[[التوبة120].

وإذا عمَّ النفير؛ جاز للمرأة أن تجاهد بغير إذن زوجها، وللولد غير البالغ أن يجاهد من دون إذن وليه.

دوافع الجهاد أو بواعثه:

إن مناط قتال الأعداء أو سببه في رأي أكثر الفقهاء هو الاعتداء على الحرمات والمقدسات، وليس السبب كونهم مخالفين في الدين، فيقاتل العدو لاعتدائه، ويقتصر القتل على المقاتلين والمساندين لهم، ولا يقاتل غير المقاتلين من المدنيين المسالمين كالفلاحين والحرفيين والرهبان والنساء والأطفال ونحوهم؛ بدليل مشروعية عقد معاهدة، هي عقد الذمة (أي العهد والميثاق الدائم) من أجل العيش مع المسلمين في بلاد الإسلام مع بقائهم على دينهم أو مذهبهم، فلا يفرض عليهم الدخول في الإسلام لقوله تعالى: ]لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ[، أي إن غاية الجهاد هي الوصول إلى السلام القائم على الميثاق أو المعاهدة، فلو كان الكفر هو الموجب للقتل، أو المبيح له؛ لم يحرم قتل المدنيين من النساء ونحوهم.

وذهب الشافعية إلى أن المبيح للقتل هو الكفر (المخالفة في الدين)، وهذا محل نظر ونقاش؛ بدليل جواز عقد الذمة مع أهل الكتاب (اليهود والنصارى) وغيرهم، ومشروعية إنهاء القتال بالتحكيم، كما حدث في تحكيم سعد بن معاذ في شأن يهود بني قريظة.

الأصل العام في علاقة المسلمين بغيرهم:

المشهور لدى المذاهب الإسلامية في القرن الثاني الهجري وما بعده أن الأصل العام (القاعدة العامة) في علاقة المسلمين بغيرهم هو الحرب؛ لتقسيمهم الدنيا إلى دارين: دار إسلام ودار حرب، وعملاً بظواهر بعض النصوص القرآنية الموجبة لقتال المشركين وغيرهم وإطلاقاتها، مثل قوله تعالى: ]وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً[[التوبة 36]، وقوله عز وجل: ]قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ[[التوبة 29]. وكل هذا تأثر بواقع قائم في الماضي فرضه الأعداء باعتدائهم على المسلمين.

واتجه فقهاء آخرون - كسفيان الثوري وابن شُبرمة، وروي عن ابن عمر، وعطاء بن رباح التابعي، وعمرو بن دينار، وابن تيمية وابن القيم؛ وعملت به مدرسة الشيخ محمد عبده وأغلب أساتذة الجامعات المعاصرين - إلى القول إن الأصل هو السلم وليس الحرب، لاتفاق ذلك مع صريح الآيات الداعية إلى السلم، وقتال من قاتلنا، لقوله تعالى: ]وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[[البقرة 190]، وقوله تعالى: ]وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ[[الأنفال 61]، ]يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كافَّةً[[البقرة 208]، ]فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً[[النساء 90]، ]لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[[الممتحنة 8].

ووفق أصحاب هذا الاتجاه بين الآيات القرآنية مفسرين إطلاق الآيات الآمرة بالقتال أو عمومها بما قيدت به آيات السلم والدفاع؛ وذلك بالقاعدة المعروفة في علم أصول الفقه؛ وهي حمل المطلق على المقيد من غير تصور وجود تعارض بينها ولا نسخ لبعضها ببعض آخر، فيكون إطلاق الآيات مراداً به حالة الدفاع، أو المعاملة بالمثل، أو في أثناء نشوب المعارك، وأن آية: ]فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُمُوهُمْ[[التوبة 5] لتأكيد حال جزئية خاصة من القاعدة العامة في آية ]الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ[[البقرة 190] أي «إنما القتال لمن قاتلنا» كما قال ابن تيمية وأتباعه؛ لأن المشركين يقاتلونكم كافة، فقاتلوهم بمثل صنيعهم.

وأما حديث «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»؛ فليس المراد به جميع الناس، وإنما المراد بالناس في الحديث بالإجماع: هم مشركو مكة، أي إنه من قبيل العام الذي أريد به الخاص.

ويظل جهاد الطلب معمولاً به حسبما يرى إمام المسلمين من المصلحة في فتح معركة عسكرية في أماكن غير أماكن وجود معارك مباشرة مع العدو، وإنما في بلاد تابعة لنفوذه، وكذلك في حال صيانة مفعول حرية الاعتقاد، أو نصرة المظلوم، أو الدفاع عن النفس والبلاد، وكل ذلك استعمال لحق طبيعي من حقوق الدولة الطبيعية قانوناً، وهي حق البقاء والدفاع الشرعي، وحق المساواة، وحق الحرية، وحق الاحترام المتبادل.

فليس الجهاد منسوخاً، وليس هجوماً ظالماً؛ لأن الهجوم البحت اعتداء، وهو ظلم، وليس مجرد دفاع يترقب الاعتداء، فيرده المسلمون، وإنما هو منهج بيد ولي الأمر يستعمله فيما يراه مصلحة، وليست الحروب دائمة مع غير المسلمين إذا قبلوا المصالحة أو المعاهدة الدائمة، وكذلك ليست الحروب لإكراه الناس على الإسلام، فلم يكره المسلمون أحداً أو جماعة على الإسلام في مختلف العصور، وإنما يلجأ إلى القتال - ولو بفتح معركة جديدة - عند توافر مقتضياته، أو ممارسة حق الحرية بالتدخل لحماية الحقوق، أو رعاية مصالح الأمة، أو الدفاع عن حقوق الإنسان، كما يُشاهد اليوم القيام بشن حروب جديدة على المسلمين بقيادة أمريكا وحلفائها الغربيين، أي إن جهاد الطلب وجهاد الدفاع كلاهما مشروع، ويستعمل كل منهما في مجال يختلف عن مجال الآخر بحسب المصلحة المشروعة ومقتضيات المقاومة.

شروط الجهاد:

يشترط لأداء فريضة الجهاد ما يأتي:

1- أن يقتصر على المكلفين به؛ وهم الرجال المسلمون القادرون على حمل السلاح، فلا يكلف به الإناث، ولا غير المسلمين ولو كانوا من مواطني الدولة الإسلامية، ولا الأطفال الصغار دون البلوغ، ولا أصحاب الأعذار كالأعمى والأعرج والمريض،  والشيخ الهرم، والمقعد (الذي أقعده الداء عن الحركة) ولا العاجز عن الإنفاق؛ إذ كان الجهاد في الماضي تطوعاً، ويتحمل المجاهد نفقات نفسه من مال وسلاح لقوله تعالى: ]لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ[[النور 61] نزلت هذه الآية في أصحاب الأعذار بالتخلف عن الجهاد.

2- أن يسبقه إنذار للعدو يحدد له خيارات ثلاثة: إما الإسلام، وإما المعاهدة السلمية، وإما القتال، سواء بلغت الدعوة الإسلامية العدو أم لا، وهو قول الإمام مالك والزيدية؛ لقوله تعالى: ]سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ[[الفتح 16]، ولقول ابن عباس رضي الله عنهما: «ما قاتل رسول الله r قوماً قط إلا دعاهم»، ويؤكده حديث سليمان بن بريدة عن أبيه بأمر النبي r كل من أمَّره أميراً على جيش أو سرية بأن يدعو المشركين إلى ثلاث خصال، أو خلال: هي قبول الإسلام، أو معاهدة الذمة، أو القتال، فلا تجوز مباغتة العدو من غير إنذار حربي.

وفصل جمهور الفقهاء في حكم هذا الإنذار، فهو مستحب، وليس بواجب لمن بلغتهم الدعوة الإسلامية، وواجب لمن لم تبلغهم، فيجوز بناء على هذا التفصيل مباغتة العدو، لما رواه عبد الرحمن بن عوف من مشروعية الإغارة على بني المُصْطلِق وما رواه أسامة بن زيد من الإغارة على أُبْنى صباحاً. وأُبْنى: موضع بفلسطين بين عسقلان والرملة. والمعلوم أن هاتين الحالتين وقعتا بسبب قيام حالة اعتداء على حرمة من حرمات المسلمين.

3- قصر الأعمال الحربية على المقاتلين برأي أو تدبير أو مشاركة فعلية بالقتال: فلا يجوز قتل المدنيين المسالمين كالنساء والصبيان والمجانين والشيوخ الهرمى، والمرضى، والمشلولين، والعميان، ومقطوعي بعض الأطراف العلوية أو السفلية أو كلها، أو المعتوهين، أو الرهبان في صوامعهم ، أو كنائسهم، أو القاعدين في دورهم، أو العجزة عن القتال، أو الفلاحين في أراضيهم إلا إن قاتلوا بقول أو فعل أو رأي أو إمداد بمال، وكل هؤلاء وردت أحاديث ثابتة في حمايتهم وتجنب الإساءة إليهم، مثل حديث: «لا تقتلوا امرأة ولا وليداً»، «لاتقتلوا أصحاب الصوامع»، «انطلقوا باسم الله وبالله على ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولا صغيراً، ولا امرأة، ولا تغلّوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا إن الله يحب المحسنين».

هذا في حال الحرب، وكذلك ما بعد الحرب، فكل من لا يجوز قتله في حال القتال لا يحل قتله بعد الفراغ من القتال، وهو رأي أغلب الفقهاء غير الشافعية والشيعة الإمامية والظاهرية حيث أجازوا قتل ما عدا النساء والصبيان؛ لأن النبي r نهى عن قتل النساء والصبيان.

ولا يحل الغدر (أي نقض العهد قبل انتهاء مدته) ولا التمثيل بالأعداء بشق البطن ورضخ الرأس وقطع الأذن وجدع الأنف وفقء العين؛ لأنه عبث ينافي الكرامة الإنسانية.

4- أن تتوافر القوة أو المقدرة لدى المسلمين لمواجهة العدو، سواء في جهاد الطلب أم جهاد الدفع؛ حفاظاً عليهم ومنعاً من تعرضهم للهلاك، فإن لم تتوافر هذه القوة لم يجب الصمود أمام الأعداء، ولم يجب الجهاد، فقد كان المسلم في بادئ الأمر حين كان المسلمون قلة مطالباً بأن يقف في المعركة أمام عشرة من الأعداء، ثم خفف الله عنهم بالإلزام فقط بالوقوف أو الصمود أمام اثنين من الأعداء بسبب كثرة المسلمين؛ للآيات الكريمة الواردة في ذلك، وهي: ]يَا أَيُّها النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِنكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ٭ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُن مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[[الأنفال 66].

- ألا يلجأ إلى التدمير والتخريب وإتلاف الزرع وقطع الأشجار والحرق والتغريق إلا لضرورة حربية بأن يتعذر تقدم الجيش إلا بذلك، والضرورة تقدر بقدرها، فحينئذ يجوز للآية: ]يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ[[الحشر 2].

6- ألا تستعمل أدوات القتال ذات الضرر العام: فكل ما يكون تأثيره مقصوراً على مقاتلي العدو فهو جائز، ولو بالأدوات الثقيلة، كالمجانيق في الماضي، والدبابات والمصفحات والصواريخ، سواء بالقصف المدفعي، والجوي، والبري، والبحري، أم بالسلاح الأبيض والناري، وأما كل ما يتجاوز المقاتلين وساحات الحرب مما فيه تدمير شامل فلا يجوز، كالقنابل الذرية بأنواعها، والحرب البكترلوجية أو الجرثومية، والفسفور الأبيض، والقنابل الانشطارية ورصاص دمدم والنابالم ونحوها مما اخترع حديثا؛ لما فيها من تعذيب وتقطيع وتبديد من غير مسوغ ولا حاجة.

ويجوز ضرب ما يعرف بالدروع البشرية أو المتترس بهم من المسلمين الأسارى، إذا تعذر تقدم الجيش إلا بذلك للضرورة الحربية، ويقصد بذلك ضرب العدو لا ضرب الأسرى المسلمين.

ولا يستعان في الجيوش الإسلامية بالأعداء في قتال غير المسلمين إلا لضرورة قصوى، وبشرط كون القيادة للمسلمين، وبأن يكون المستعان بهم حسني الرأي بالمسلمين في رأي الشافعي؛ لقوله r لرجل تبعه يوم بدر: «ارجع فلن أستعين بمشرك». ودليل حالات الاستثناء أن النبي r استعان بصفوان بن أمية، واستعار منه دروعاً يوم حُنين.

ويجوز كل ما يعرف بعمليات الإنزال الجوي بالمظلات، أو استعمال الغواصات البحرية، والحيل الحربية للحديث: «الحرب خدعة».

واجب المجاهدين في أثناء القتال:

على المقاتل الاتصاف بالقوة، والجرأة والشجاعة، والصبر، والتضحية، والثبات أمام العدو، والحرص على دحر العدو وتحقيق النصر؛ لقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[[الأنفال 45]، وقوله عز وجل: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبار٭ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ[[الأنفال15-16]، أي يجوز اللجوء إلى الانسحاب أحياناً لإعادة نشر القوات، والاستعانة بالآخرين، والالتفاف على بعض قوات الجيش (التحرف لقتال)، والاستنصار بفئة أخرى من المسلمين المجاهدين (التحيز إلى فئة).

مشروعية الجهاد والفرق بينه وبين الحروب المعروفة والإرهاب:

يتميز الجهاد بأنه ذو غايات رفيعة سامية، وإنسانية، وإصلاحية، وإنقاذ، ومن أجل الحاجة العامة؛ لقوله تعالى: ]كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[[البقرة 216].

ولا يقصد به إطلاقاً اللجوء إليه لنشر الإسلام، أو الإكراه على الدين؛ لقوله تعالى: ]لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ[[البقرة 256].

ولا يطلب لذاته رغبة في سفك الدماء بغير حق، أو لهوى وشهوة، أو لمطمع مادي؛ لقوله r: «لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتموهم فاصبروا».

ولا يوصف الجهاد بما هو معروف في الاصطلاح الدولي الإقليمي الحاضر بأنه مجرد عمل دفاعي محض لرد العدوان، ولا هو هجومي عدواني؛ لأن هذا التقسيم نابع من طبيعة النظام الإقليمي للدول، بل لم يعد لهذا التقسيم مسوغ؛ لأن دعاة الحرب الحاليين كثيراً ما يتحرشون بخصومهم لدفعهم إلى ممارسة نوع من أعمال القتال ، فيبادر العدو الأقوى إلى شن الحرب بذريعة الدفاع عن النفس والوجود والوطن والمصلحة القومية.

وإنما قد يكون الجهاد جهاد طلب بفتح معركة مع العدو في مكان آخر غير مكان تفجر الصراع واحتدام المعارك، وقد يكون مجرد جهاد دفع أو دفاع عن الكرامة، ومن أجل صون الوطن واستقلاله، وقد يكون لحماية الدعاة إلى الإسلام من مصادرة الحرية بفعل حكامهم، وفتنة المسلمين عن دينهم؛ لقوله تعالى: ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِير[[الحج 39]، وقوله سبحانه: ]وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ[[البقرة  193].

وقد يكون لنصرة المظلومين والمستضعفين المسلمين في أنحاء العالم؛ لقوله تعالى: ]وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظّالِمِ أَهْلُها[[النساء 75]. وقد يكون نصرة لقوم بيننا وبينهم حلف دفاعي؛ لقوله تعالى: ]وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ[[الأنفال 72].

وقد يكون دفاعاً عن النفس ودفع الاعتداء عن الوطن والأهل والأموال والأعراض؛ لقوله تعالى: ]وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[[البقرة 190].

وقد يكون لاسترداد ما اغتصبه العدو، كحال الصهاينة في فلسطين؛ لقوله تعالى: ]وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا[[آل عمران 167]، فقوله: ]ادْفَعُوا[ معناه الدفاع عن البلاد والأوطان، واسترداد ما اغتصبه الأعداء.

وبه يتبين الفرق بين الجهاد العادل والحرب العادية، فإن الجهاد وسيلة شريفة واضطرارية، وإنقاذ ومن أجل خير الإنسان والإنسانية، وليس لشهوة أو غلبة سياسية أو سيطرة اقتصادية أو استعمارية، وأما الحرب العادية التي يشنها الأعداء: فهي إما لأطماع مادية، وإما لنزوة وشهوة ذاتية، وإما لتسلط وقهر، وبسط نفوذ، وإما لإرواء نزعة الاستكبار والتفوق، أو لغير ذلك من الغايات الدنيئة والأغراض المشبوهة.

ولا يستخدم الجهاد ضد أحد من المسالمين، وإنما هو مقصور على المحاربين المعتدين، وقد يكون لمنع الحرب، وقمع المعتدي وتأديبه، ودفع الضرر والشر والفساد في الأرض، أو لاسترداد الحرية المسلوبة، ودحر تسلط الأعداء (أعداء السلام والأمن) وإنهاء النزاع، والوصول إلى سلم مستقرة.

وهناك فرق واضح بين الجهاد والإرهاب، فالجهاد حق وعدل، ومن أجل مقاومة المعتدين، والإرهاب اعتداء وظلم وتدمير وشر، وتعريفه الذي اتفق عليه وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي في معاهدتهم لمكافحة الإرهاب هو:

الإرهاب هو: «كل فعل من أفعال العنف أو التهديد، أياً كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو أعراضهم أو حريتهم أو أمنهم، أو حقوقهم للخطر، أو إلحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو المرافق الدولية للخطر، أو تهديد الاستقرار أو السلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية أو سيادة الدول المستقلة».

أي إن الحرب على الإرهاب حرب مشروعة، والإرهاب في حد ذاته عدوان وشر مستطير تجب مقاومته. وهناك فرق كبير بين حق المقاومة المشروعة للاحتلال الإسرائيلي ونحوه مما تمارسه أمريكا وحلفاؤها في العراق وأفغانستان وغيرهما، وبين الإرهاب، فالإرهاب ضرر محض وشر.

بل إن فعل الغزاة المحتلين الصهاينة والأمريكان وحلفائهم هو إرهاب دولي، وذريعة للاستعمار ونهب الثروات، وتدمير البلاد، فهو إذن غير مشروع، والإرهاب الدولي أخطر وأشنع من الإرهاب الفردي؛ لأنه يدمر بنية الدولة وحريتها واستقلالها.

مراجع للاستزادة:

- محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، شرح السير الكبير  (4 أجزاء، الطبعة الأولى، 1335هـ).

- وهبة الزحيلي، آثار الحرب في الفقه الإسلامي، دراسة مقارنة، ط أولى (دار الفكر، دمشق 1963).

- وهبة الزحيلي، العلاقات الدولية في الإسلام (مؤسسة الرسالة، دمشق 1972).

 


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 99
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 976
الكل : 57467283
اليوم : 25554