logo

logo

logo

logo

logo

الجرم المشهود

جرم مشهود

flagrante delicto - flagrant délit

 الجرم المشهود

الجرم المشهود

عبد الجبار الحنيص

تعريف الجرم المشهود وخصائصه 

حالات الجرم المشهود

شروط الجرم المشهود

آثار الجرم المشهود

   

إن الوظيفة الأصلية لموظفي الضابطة العدلية تنحصر في أعمال البحث الأولي المتعلقة باستقصاء الجرائم وجمع أدلتها، ولا تمتد إلى أعمال التحقيق التي يختص بها القضاء. ولكن وقوع الجريمة تحت سمع وبصر موظف الضابطة العدلية، أو ضبطه لها بعد وقوعها بفترة زمنية قصيرة وأدلتها ظاهرة للعيان يبرر الخروج على هذا الأصل في قانون أصول المحاكمات الجزائية؛ بمنح هذا الموظف القيام ببعض أعمال التحقيق؛ ليتمكن من التدخل المباشر والسريع لضبط أدلة الإثبات قبل ضياعها أو طمسها أو تحريفها، ومنعاً للمجرم من الفرار، وبعثاً للاطمئنان في نفوس المواطنين الذين اضطربوا لوقوع الجريمة أمامهم. بيد أن المشرع السوري لم يجز لجميع رجال الضابطة العدلية القيام بهذه الأعمال، وإنما حصرها بأعضاء النيابة العامة، وقضاة التحقيق، وقضاة الصلح في المراكز التي لايوجد فيها نيابة عامة، وضباط الشرطة ورؤساء المخافر، دون سواهم. وسوف يتم البحث تباعاً في:

أولاً- تعريف الجرم المشهود وخصائصه:

1- تعريف الجرم المشهود: عرَّف المشرع السوري الجرم المشهود في نص المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بقوله: «1- الجرم المشهود هو الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه أو عند الانتهاء من ارتكابه. 2- ويلحق به أيضاً الجرائم التي يقبض على مرتكبيها بناء على صراخ الناس أو يضبط معهم أشياء أو أسلحة وأوراق يستدل منها أنهم فاعلو الجرم، وذلك في الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم».

كما ورد أيضاً تعريف الجرم المشهود في المادة (67) من قانون نظام خدمة الشرطة التي نصها: «الجرم المشهود هو: الجناية أو الجنحة التي ترتكب حالياً، أو الجناية أو الجنحة التي ترتكب حديثاً، أو إذا كان المظنون يعقبه صياح الناس، أو إذا وجد المظنون بعيد الجرم (أي بعد حين قريب منه) ومعه آلات أو أسلحة أو أشياء أو أوراق تبعث على الظن أنه فاعل للجرم أو شريك لفاعله».

يتضح من النصين السابقين أن الجرم المشهود (أو المتلبَّس به في اصطلاح بعض التشريعات العربية) هو الذي يشاهد أثناء وقوعه أو تشاهد آثاره بعد وقوعه بفترة زمنية يسيرة، فيقصد به تقارباً زمنياً بين لحظة ارتكاب الجريمة ولحظة اكتشافها.

2- خصائص الجرم المشهود: الجرم المشهود لا يتعلق بالقواعد الموضوعية المنصوص عليها في قانون العقوبات، فهو لا يفترض تعديلاً في أركان الجريمة أو العقاب عليها، وإنما يقتصر على العنصر الزمني السابق. فالجرم - مشهوداً كان أو غير مشهود - لايختلف من حيث تكوينه وأركانه أو العقاب عليه. إذ ينحصر الفرق بين الجرم المشهود والجرم غير المشهود في كيفية ضبط الجريمة، وتطبيق قواعد أصول المحاكمات الجزائية. ويترتب على هذا أن الجرم المشهود هو حالة أو وصف يلحق الفعل الجرمي من حيث طريقة اكتشافه أثناء وقوعه أو بعد وقوعه بفترة زمنية يسيرة، ويقود ذلك إلى إعطاء أعضاء الضابطة العدلية صلاحية القيام ببعض أعمال التحقيق الابتدائي إضافة إلى وظيفتهم الأساسية في البحث الأولي عن الجرائم ومقترفيها. أما إذا كان الجرم غير مشهود فليس لهم صلاحية القيام ببعض أعمال التحقيق التي تنحصر بالقضاء فحسب. 

وينتج عما سبق أن الجرم المشهود يتصف بالخصائص الآتية:

أ- الجرم المشهود يتعلق بالفعل: يعد الجرم مشهوداً إذا ضبط في إحدى الحالات الواردة في المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، ولا يشترط لاعتباره كذلك معرفة فاعله وهو يقترف الجريمة. فالجرم المشهود هو وصف ينصب على الواقعة الجرمية، ولاينصرف إلى فاعلها. فقد أفاد المشرع في نص المادة المشار إليها بأن الجرم المشهود هو: «الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه الفعل أو عند الانتهاء من ارتكابه»، ولم يقل هو الجرم الذي يشاهد فاعله حين اقترافه أو عند الانتهاء من اقترافه. وهذا يعني أن المقصود بالمشاهدة الواقعة الجرمية، لافاعلها، وتباشر الضابطة العدلية صلاحياتها الاستثنائية في التحقيق لمجرد مشاهدة الفعل وإن لم تشاهد الفاعل: كسماع طلقات نارية في جريمة قتل أو شروع فيها، أو رؤية حريق يشتعل، أو مشاهدة جثة القتيل وهي تنزف دماً، أو أسلاك يبيت متصلة بشبكة مؤسسة الكهرباء دون أن يكون صاحبه متعاقداً معها. ففي هذه الأمثلة تعد الجرائم مشهوده بصرف النظر عن معرفة الفاعل أو مشاهدته أثناء اقتراف الفعل أو عند الانتهاء من اقترافه.    

ب- الجرم المشهود حالة محسوسة: يعد الجرم مشهوداً استناداً إلى مظاهر مادية محسوسة يشاهدها ويلاحظها الشخص الذي ضبط الواقعة الجرمية. ويترتب على ذلك أنه لا يعد الجرم مشهوداً استناداً إلى رواية الأشخاص الذين شاهدوا أو سمعوا بالواقعة الجرمية، وقاموا بعد ذلك بنقل مشاهداتهم إلى موظف الضابطة العدلية المختص مادام هذا الموظف لم يشاهد بنفسه المظاهر المادية للواقعة الجرمية، ولا تعدو هذه الرواية أكثر من دليل على وجود جريمة مقترفة.

ولكن، إذا أُخبر موظف الضابطة العدلية نبأ وقوع الجريمة وانتقل إلى مكانها في الحال فشاهد بنفسه آثاراً ودلائل مادية تفيد بوقوعها منذ فترة قصيرة، فإن الجريمة تعد مشهودة في هذه الحال، استناداً إلى تلك المظاهر المادية التي شاهدها الموظف، لاعلى أساس الإخبار الذي تلقاه.

ج- لا يعد الجرم مشهوداً إلا لمن شاهده: إن الجرم لا يعد مشهوداً إلا لموظف الضابطة العدلية الذي شاهده بنفسه في إحدى حالاته المنصوص عليها في المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية. ويترتب على ذلك أن الجرم يعد مشهوداً  لبعض أعضاء الضابطة العدلية ممن شاهده ولا يعد كذلك لمن لم يشاهده منهم، والصلاحيات الاستثنائية في التحقيق تمنح للبعض الأول دون الثاني، إذ أعطى المشرع ثقته لمن شاهد الجرم وحجبها عن غيره.

ثانياً- حالات الجرم المشهود:

يستفاد من نص المادة (28) من قانون أصول المحاكمات الجزائية أن الجرم يعد مشهوداً في حالات أربع هي:

1- الجرم الذي يشاهد حال ارتكابه،

2- الجرم الذي يشاهد عند الانتهاء من ارتكابه،

3- حالة القبض على مرتكب الجرم بناءً على صراخ الناس،

4- حالة ضبط مرتكب الجرم ومعه أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها أنه فاعله، وذلك خلال الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم. والملاحظ أن المشرع السوري قد حدّد هذه الحالات الأربع على سبيل الحصر، فلا يجوز إضافة حالة جديدة لم يرد ذكرها بنص القانون، أو القياس عليها في حالة مشابهة لها. وفيما يلي شرح حالات الجرم المشهود:

1- مشاهدة الجرم حال ارتكابه: تنصب هذه الحالة على مشاهدة الواقعة الجرمية أثناء وقوعها، أي أثناء مقارفة الفعل أو الأفعال التي يتكون منها ركنها المادي، أو الشروع فيها. ويستوي لاعتبار الجرم مشهوداً أن تتم مشاهدة وقوع الجريمة في وقت ارتكاب السلوك الإجرامي أو حصول النتيجة الجرمية. ومثال ذلك مشاهدة الجاني وهو يطلق الرصاص على المجني عليه أو وهو يطعنه بأداة حادة، أو يشاهده وهو يضع يده في جيب المجني عليه لسرقة ما فيه… إلخ. والمشاهدة المقصودة في هذه الحالة يمكن أن تحصل بأي حاسة من الحواس، كحاسة البصر أو السمع أو الشم. كسماع أصوات طلقات نارية في جريمة قتل أو شروع فيها، أو ضبط شخص ورائحة المخدر تنبعث من فمه. فالرؤية ليست شرطاً لإثبات حالة الجرم المشهود، بل يمكن إدراكها بالحواس الأخرى، وإن كانت غالباً ما تحصل هذه المشاهدة بواسطة الرؤية.

2- مشاهدة الجرم عند الانتهاء من ارتكابه: تفترض هذه الحالة مشاهدة الواقعة الجرمية عند الانتهاء من ارتكابها، لا في أثناء اقتراف الفعل المكون لركنها المادي. ومثالها مشاهدة المجني عليه ودمه ينزف، أو مشاهدة النار مشتعلة في المبنى الذي وضع الجاني النار فيه ثم انصرف، أو مشاهدته يخرج مسرعاً من مكان وقوع الجريمة وعليه آثار الاضطراب. وتطبيقاً لذلك فقد قضت محكمة النقض بأنه: «لا يشترط  في جريمة التلبس بالزنا أن يشاهد الزاني أثناء ارتكاب الفعل بل يكفي لقيامه أن يثبت الزوجة وشريكها قد شوهدا في ظروف تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالاً للشك في أن جريمة الزنا قد ارتكبت فعلاً» ( نقض سوري:أحداث 1209 قرار 69 تاريخ 27/1/1981؛ نقض سوري: جنحة 529 قرار 1584 تاريخ 28/8/1982، مجموعة قانون العقوبات تنسيق الأستاذ أديب استانبولي، رقم 1084 و 1086).

ويتضح من قول المشرع «عند الانتهاء من ارتكاب الجرم»، أن المشاهدة المعتبرة يجب حصولها مباشرة عقب وقوع الجريمة بوقت يسير. ولكن ما هو الضابط في اعتبار هذا الوقت يسيراً ؟ الواقع  يمكن القول بأنه الوقت اللازم لانتقال عضو الضابطة العدلية إلى مكان الجريمة حيث آثارها ما تزال واضحة. وتطبيقاً لذلك، فإنه إذا انتقل عضو الضابطة العدلية إلى مكان وقوع الجريمة عقب علمه بها مباشرة حيث عاينها كانت حالة الجرم المشهود متحققة، وإن استغرق الانتقال زمناً، مادام لم يُضيع فيه وقتاً.   

3- القبض على مرتكب الجرم بناءً على صراخ الناس: إذ يفترض في هذه الحالة أن موظف الضابطة العدلية لم يشاهد الواقعة الجرمية أثناء وقوعها أو عند الانتهاء من ذلك بل شاهد فاعلها يتبعه الناس بالصراخ. ويشترط لقيام هذه الحالة أن يتم القبض على الجاني على أثر تتبع الناس له بالصراخ عقب ارتكاب الجريمة مباشرة. أما إذا وقعت الجريمة وفي اليوم التالي شوهد الجاني والناس يتتبعونه بالصياح، فلا تتوافر في ذلك حالة الجرم المشهود.

4- مشاهدة أدلة الجريمة: عبّر المشرع عن هذه الحالة بقوله أنه: «يلحق بالجرم المشهود أيضاً الجرائم التي يضبط مع مرتكبيها أشياء أو أسلحة أو أوراق يستدل منها على أنهم فاعلوا الجرم، وذلك في الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم». وعبارة «أشياء أو أسلحة أو أوراق» وردت على سبيل المثال لا الحصر، إذ تقوم هذه الحالة إذا ضبط شخص ومعه أو به ما يدل على اقترافه الجريمة، كما لو وجد وفي جسمه خدوش أو إصابات، أو على ملابسه بقع دم… إلخ.

وسبب اعتبار هذه الحالة من حالات الجرم المشهود أن حيازة مثل هذه الأشياء، أو وجود هذه العلامات أو الآثار قرينة قوية على أن من يحوز الأشياء أو توجد به العلامات أو الآثار هو مرتكب الجريمة. أما علة اشتراط أن يتم مشاهدة ذلك خلال الأربع والعشرين ساعة من وقوع الجرم هي حرص المشرع على الاطمئنان إلى أن الأشياء أو الآثار المشاهدة لها صلة مباشرة بالجريمة المقترفة، مما يستخلص منها الاحتمال الغالب بإسناد الجريمة إلى المشتبه به.

ثالثاً- شروط الجرم المشهود:

يشترط المشرع، لاعتبار الواقعة الجرمية مشهودة ومن ثم اتساع صلاحيات الضابطة العدلية لتشمل إجراء بعض أعمال التحقيق؛ توافر شروط هدف بها إلى حصر نطاق الجرم المشهود في المجال الذي تتحقق فيه مصلحة المجتمع المتمثلة في التوفيق بين اعتبارين: أولهما، الحرص على مباشرة بعض الإجراءات الضرورية في الوقت المناسب، أي قبل أن تضيع معالم الجريمة. وثانيهما، الحرص على حماية الحريات الفردية، بحيث لا تباشر الصلاحيات الواسعة التي أجازها المشرع لأعضاء الضابطة العدلية في غير المجال الذي ترسم معالمه حالة الجرم المشهود. وهذه الشروط هي:

1- مشاهدة الواقعة الجرمية في إحدى حالات الجرم المشهود المنصوص عليها قانوناً: كما سبق بيانه أن للجرم المشهود حالات أربع حددها المشرع على سبيل الحصر، ينبغي التقيد بها ولا يجوز تجاوزها بخلق حالات جديدة أو القياس عليها. وينتج من ذلك أنه إذا لم تتوافر حالة من هذه الحالات الأربع لن يكون الجرم مشهوداً، ومن ثم، لن يعود للضابطة العدلية صلاحية القيام بأعمال التحقيق الضرورية.

2- أن تتم المشاهدة من موظف الضابطة العدلية بنفسه: كما سبقت الإشارة إليه أن القيام ببعض أعمال التحقيق لا يكون إلا لموظف الضابطة العدلية الذي ضبط الواقعة الجرمية في إحدى حالات الجرم المشهود. وهذا يعني أن الجرم لا يكون مشهوداً استناداً إلى علم موظف الضابطة العدلية من غيره نبأ وقوعه دون أن يشاهده بنفسه في إحدى الحالات المحددة قانوناً. ولكن يعد الجرم مشهوداً في حال علم هذا الموظف من أي مصدر كان بوقوع الجريمة، وانتقل إلى مكانها مباشرة، وشاهد مظاهر خارجية ملموسة تنبئ بذاتها وبطريقة لا تدع مجالاً للشك بوقوع الجريمة منذ فترة يسيرة.

3- أن تحصل المشاهدة بصورة مشروعة: ينبغي، لاعتبار الجرم مشهوداً، أن تتم المشاهدة من قبل موظف الضابطة العدلية بصورة مشروعة ومطابقة للقانون. أما إذا استعمل موظف الضابطة العدلية وسيلة غير مشروعة نتج منها ضبط الواقعة الجرمية في إحدى حالات الجرم المشهود، فإن هذه الواقعة لاتعد مشهودة، ولايباح لهذا الموظف إجراء أي عمل من أعمال التحقيق، وفي حال قام بذلك وتوصل على أثره إلى دليل فإنه لا يعتد به لاستناده إلى إجراءات غير قانونية. وتعد المشاهدة غير مشروعة إذا حصلت عن طريق النظر من ثقوب الأبواب لما في ذلك من مساس بحرمة المساكن، أو على أثر دخول منزل بطريق غير قانوني. ولكن إذا تظاهر موظف الضابطة العدلية لتاجر بأنه يريد شراء سلعة منه فباعه هذه السلعة بأكثر من سعرها المحدد رسمياً، فذلك ليس فيه ما يفيد أن موظف الضابطة العدلية هو الذي حرض على الجريمة أو خلقها، أي إن عمله يعد مشروعاً ويمكن للمحكمة أن تستند إلى ذلك بإدانة التاجر. وكذلك إذا تم استيقاف المشتبه به من قبل عضو الضابطة العدلية، فعثر معه على قطعة مخدر بصورة عرضية فان من واجبه أن يضبطها، وذلك لتوافر حالة الجرم المشهود بجريمة إحراز المخدر. 

رابعاً- آثار الجرم المشهود:

إذا قامت حالة من حالات الجرم المشهود الأربع وتوافرت شروطها على النحو السابق بيانه، ترتب على ذلك، من الناحية القانونية، اتساع صلاحيات الضابطة العدلية بحيث تشمل القيام ببعض أعمال التحقيق التي لا تعطى لها في الأحوال العادية. وهذه الصلاحيات الاستثنائية لأعضاء الضابطة العدلية في حالات الجرم المشهود تختلف في مداها حسب أن يكون الجرم جناية أو جنحة.

1- صلاحيات الضابطة العدلية في الجنايات المشهودة: يستفاد من نصوص المواد (29-41 والمادة 46) من قانون أصول المحكمات أن الجناية المشهودة تمنح الضابطة العدلية صلاحية إجراء أعمال التحقيق الآتية:

أ- الانتقال إلى موقع الجريمة للمعاينة وتثبيت حالة الأشخاص والأماكن،

ب- منع الحاضرين من الابتعاد،

ج- القبض على فاعل الجريمة وتفتيش شخصه ومسكنه،

د- ضبط الأشياء،

هـ- تنظيم محضر تدون فيه جميع الإجراءات التي قامت بها الضابطة العدلية.

أ- الانتقال إلى موقع الجريمة: يتوجب على عضو الضابطة العدلية الانتقال حالاً إلى موقع الجريمة عند تبلغه نبأ وقوعها ليقوم بإجراءات البحث الأولي والتحقيق اللازمة. وهذا الواجب ملقى على عاتق جميع أعضاء الضابطة العدلية ممن شاهد حالة من حالات الجناية المشهودة، سواء أكان من أعضاء النيابة أو غيرها (المادتان 29 و46 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وإذا اجتمع في مكان التحقيق أحد أعضاء النيابة العامة وأحد موظفي الضابطة العدلية، يقوم عضو النيابة العامة بأعمال الضابطة العدلية لكونه يرأس الضابطة العدلية في منطقته، وإذا كان من حضر من موظفي الضابطة العدلية قد بدأ بالعمل فلعضو النيابة العامة حينئذ أن يتولى التحقيق بنفسه أو أن يأمر من باشره بإتمامه (المادتان 14 و47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والمادة 76 من نظام خدمة الشرطة). وينبغي على النائب العام الذي  انتقل إلى مكان وقوع الجريمة أن يحيط قاضي التحقيق علماً بانتقاله ولا يكون ملزماً بانتظار حضوره لمباشرة عمله (المادة 29/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ويتوجب على موظف الضابطة العدلية تنظيم محضر بالحادثة وبكيفية وقوعها ومكانه، ويدون أقوال من شاهدها ومن كانت لديه معلومات عنها أو أي معلومات تفيد التحقيق. وعلى أصحاب الإفادات المستمع إليها المصادقة على إفاداتهم بتوقيعها، وعند تمنعهم عن التوقيع يصرح بذلك في المحضر (المادة 30 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وإذا توقفت معرفة ماهية الجرم وأحواله على معرفة بعض الفنون والصنائع فعلى عضو النيابة العامة، أو موظف الضابطة العدلية، أن يصطحب معه عند انتقاله إلى موقع الجريمة واحداً أو أكثر من أرباب الفن والصنعة. وإذا مات شخص قتلاً أو بأسباب مجهولة باعثة على الشبهة، فيجب الاستعانة بطبيب أو أكثر لتنظيم تقرير بأسباب الوفاة وبحالة جثة الميت. وعلى الأطباء والخبراء أن يقسموا قبل مباشرتهم العمل يميناً بأن يقوموا بالمهمة الموكولة إليهم بشرف وأمانة (المواد 39 و40 و41 من قانون أصول المحاكمات الجزائية والمادة 108 من نظام خدمة الشرطة).

ب- منع الحاضرين من الابتعاد: أجاز المشرع لعضو النيابة العامة أو موظف الضابطة العدلية، في حالة الجناية المشهودة أن يمنع أي شخص موجود في البيت أو في المكان الذي وقعت فيه الجريمة من الخروج منه أو الابتعاد عنه (المادة 31/1 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ويستمر هذا المنع حتى يتم تنظيم المحضر بتثبيت حالة المكان والجريمة والأشخاص، ويُرفع هذا المنع بمجرد الانتهاء من تنظيم ذلك المحضر، ولا يجوز إبقاؤهم على هذا الوضع بعد ذلك (المادة 69 من نظام خدمة الشرطة). ومن يخالف هذا المنع يوضع في محل التوقيف، ثم يحضر لدى قاضي التحقيق لمحاكمته والحكم عيه بعد سماع دفاعه ومطالبة النائب العام. وإذا لم يمكن القبض عليه ولم يحضر بعد تبليغه مذكرة الدعوة يحكم عليه غيابياً، ولا يقبل الحكم أي طريق من طرق المراجعة، وينفذ في الحال. والعقوبة التي يمكن لقاضي التحقيق أن يحكم بها هي الحبس التكديري والغرامة  من 25 إلى 100 ليرة سورية (المادة 31/2-4 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

ومما تجدر الإشارة إليه أن الإجراءات السابق ذكرها تعتبر من إجراءات البحث الأولي الجائزة قانوناً لموظف الضابطة العدلية في الجرائم المشهودة وغير المشهودة. 

ج- القبض على فاعل الجناية المشهودة: يعتبر القبض على فاعل الجريمة من أعمال التحقيق التي يختص بها في الأصل قاضي التحقيق نظراً لخطورته باعتباره يشكل مساساً بحرية الأفراد. ولكنْ، أجاز المشرع للنائب العام في حالة الجناية المشهودة أن يأمر بالقبض على كل شخص من الحضور يستدل بالقرائن القوية على أنه فاعل الجرم. وإذا لم يكن حاضراً أصدر النائب العام أمراً بإحضاره، وذلك بموجب مذكرة إحضار، وعلى النائب العام استجواب الشخص المحضر لديه في الحال (المادة  37 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ويختلف القبض عن التوقيف مع أن كلاهما ينطويان على حجز حرية الفرد: فالقبض هو إجراء مؤقت يهدف إلى جمع أدلة إثبات الجريمة، ويضمن حجز حرية الشخص الذي قامت به قرائن قوية على أنه فاعلها، ولا يجوز أن تتجاوز مدته الأربع والعشرين ساعة، وينتهي حكماً بتسليم المقبوض عليه إلى القضاء صاحب القرار إما بتوقيفه إذا وجد لزوماً لذلك، وإما بتركه؛ أي يبقى طليقاً، لأن حرية الأفراد هي الأصل وحجز الحرية لا يكون إلا بقرار صادر من مرجعه المختص (نقض سوري في 18/3/1950، مجموعة القواعد القانونية، رقم 1188، ص 632). ومما يؤكد ذلك أن المشرع أوجب على النائب العام أن يستجوب في الحال الشخص المحضر لدية بموجب مذكرة إحضار، وعليه بعد ذلك أن يقرر إما إحالته على القضاء وإما إطلاق سراحه في الحال (المادة 37/3 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). أما التوقيف فهو إجراء لم يجزه القانون لأي عضو من أعضاء الضابطة العدلية سواء أكان من النيابة العامة أم من غيرها، وإنما يكون بقرار من قاضي التحقيق أو قاضي الصلح في المراكز التي لا يوجد فيها قضاة تحقيق.

ولكن المشرع أعطى النائب العام العسكري حق إصدار مذكرات الإحضار والتوقيف بموجب المادة (55) من قانون العقوبات العسكري وأصول المحاكمات العسكرية.

وكذلك نصت المادة (112) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن: «من وجد في حال الجرم المشهود وكان الفعل جناية فلا يحتاج القبض عليه إلى مذكرة إحضار، وعلى كل شخص من موظفي الحكومة وعامة الناس أياً كان أن يقبض عليه وأن يحضره أمام النائب العام». ويستفاد من هذا النص أن هذا القبض المادي يختلف عن القبض بمفهومه القانون الجائز لموظفي الضابطة العدلية والذي يعطيهم الحق في تفتيش المقبوض عليه واستجوابه، في حين لا يرتب القبض المادي أي شيء من هذا القبيل.

د- تفتيش شخص المقبوض عليه: لم يتضمن قانون أصول المحاكمات السوري نصاً يعطي موظف الضابطة العدلية الحق في تفتيش شخص المقبوض عليه. ولكن باعتبار أن هذا التفتيش من مستلزمات القبض، وهو أقل خطورة من هذا الأخير، جاز لموظف الضابطة العدلية إجراؤه. فإذا كان القبض قانونياً فإن تفتيش ملابسه يكون عملاً مشروعاً ولا يشكل انتهاكاً لحرية الفرد ولااعتداء عليه؛ إذ يعتبر ضرورة لازمة خشية من شر المقبوض عليه، ووسيلة من وسائل التوقي منه إذا حدثته نفسه بأن يعتدي على من ألقى القبض عليه بما لديه من سلاح بغية استرجاع حريته، حينئذ يعتبر التفتيش نتيجة طبيعية لكل قبض يقع على المجرمين. ويشمل تفتيش شخص المقبوض عليه كل ما يحمله معه من حقائب وأشياء وأوراق، على أن يراعى في ذلك قواعد القانون والآداب والأخلاق، ومن هذا القبيل إن تفتيش الأنثى يجب أن يتم من قبل أنثى تنتدب لذلك (انظر المادة 94/2 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وإذا جاز قانوناً تفتيش شخص المقبوض عليه، فان ما يكشف معه من أشياء تعد حيازتها جريمة، كحيازة سلاح غير مرخص أو مخدرات، أو تشكل أدلة إثبات في جريمة أخرى، كان لموظف الضابطة العدلية أن يضبطها. وهذا ما أكدته محكمة النقض في حكم لها عندما قالت: «إن مشاهدة المدعى عليه في حالة جرم مشهود… فلا مانع من القبض عليه وتحري ثيابه وكل ما ينشأ عن ذلك  يعتبر نتيجة صحيحة موافقة للقانون. وكان العثور على الحشيش المخدر قد تم من قبل رجال قائمين بوظيفتهم وضمن حدود اختصاصهم ولم يتعسفوا في أعمالهم ولا خالفوا الأصول والقانون فلا يسوغ اعتبار ما قاموا به وكأنه لم يكن…»(نقض، الغرفة الجنائية، قرار623 تاريخ 14/11/1963، مجموعة القواعد القانونية، رقم 1186، ص 630).

هـ- تفتيش مسكن المدعى عليه: إن المساكن مصونة؛ ولا يجوز دخولها أو تفتيشها إلا في الأحوال المبينة في القانون (المادة 31 من الدستور الدائم لسنة 1973). ويعاقب كل موظف يدخل بصفة كونه موظفاً منزل أحد الناس أو ملحقات المنزل، في غير الحالات التي ينص عليها القانون ودون مراعاة الأصول التي يفرضها، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، ولا تنقص العقوبة عن ستة أشهر إذا رافق الدخول تحري المكان أو أي عمل تحكمي آخر أتاه الفاعل (المادة 360 من قانون العقوبات). والقاعدة العامة المقررة قانوناً تقضي بأن دخول المنازل وتفتيشها هو إجراء من إجراءات التحقيق الابتدائي التي ينفرد بها قاضي التحقيق (انظر المادة 89 وما بعدها من قانون أصول المحاكمات الجزائية). بيد أن المشرع أجاز لعضو الضابطة العدلية في الجناية المشهودة الانتقال حالاً إلى مسكن المدعى عليه للتفتيش عن الأشياء التي يراها مؤدية إلى ظهور الحقيقة، وذلك إذا تبين له من ماهية الجريمة أن الأوراق والأشياء الموجودة لدى المدعى عليه يمكن أن تكون مدار استدلال على ارتكاب الجريمة (المادة 33 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). ويشمل مسكن المدعى عليه المنزل الذي يقيم فيه وملحقاته، كالحديقة والمكان الذي توضع فيه السيارة. وتجري معاملات التفتيش بحضور المدعى عليه موقوفاً كان أو غير موقوف. فإن رفض الحضور أو تعذر حضوره لسبب من الأسباب جرت المعاملة أمام وكيله أو أمام أثنين من أفراد عائلته وإلا فبحضور شاهدين يستدعيهما عضو الضابطة العدلية (المادة 36 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

ن- ضبط الأشياء: إن الغاية من تفتيش شخص المقبوض عليه أو تفتيش مسكنه هي ضبط الأشياء التي تمكن الضابطة العدلية من وضع يدها على أدلة الجريمة المقترفة. لهذا فقد أجاز المشرع لعضو الضابطة العدلية أن يضبط الأسلحة وكل ما يظهر أنه استعمل في ارتكاب الجريمة أو أُعد لهذا الغرض، كما يضبط كل ما يرى من آثار الجريمة وسائر الأشياء التي تساعد على إظهار الحقيقة. وإذا وجد في مسكن المدعى عليه أوراقاً أو أشياء تؤيد التهمة أو البراءة فعليه أيضاً أن يضبطها. ويتوجب على عضو الضابطة العدلية أن يعرض الأشياء والأوراق المضبوطة على المدعى عليه أو من ينوب عنه ويستجوبه عنها، ثم ينظم محضراً يوقعه مع المدعى عليه، أو من ينوب عنه، وإذا تمنع عن التوقيع صرح بذلك في المحضر وينبغي أن يُعنى بحفظ الأشياء المضبوطة بالحالة التي كانت عليها، فتحزم أو توضع في وعاء إذا اقتضت ماهيتها ذلك، وتختم في الحالتين بخاتم رسمي. وإذا وجدت أوراق نقدية لا يستوجب الأمر الاحتفاظ بها ذاتها لاستظهار الحقيقة أو لحفظ حقوق الطرفين أو حقوق الغير جاز لعضو الضابطة العدلية أن يأذن بإيداعها صندوق الخزينة (انظر المواد 32 و34 و35 و36 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

ومما تجدر الإشارة إليه أن الأعمال والإجراءات السابق بيانها في حالة الجناية المشهودة لا تعد جميعها من معاملات التحقيق الابتدائي التي أجاز المشرع لأعضاء الضابطة العدلية مباشرتها استثناء، إذ لا يعد من أعمال التحقيق سوى القبض على المشتبه به، إن كان حاضراً أو إحضاره بمذكرة إن كان غائباً، وتفتيش شخصه ومسكنه، منع الحاضرين من مغادرة المكان الذي وقعت فيه الجريمة أو الابتعاد عنه، وتوقيف كل من يخالف هذا الأمر. أما الأعمال والإجراءات الأخرى فتعد من أعمال البحث الأولي الجائزة لهم في غير الجرم المشهود.

ولا يجوز لأعضاء الضابطة العدلية في حالة الجناية المشهودة إصدار مذكرة توقيف أو القيام بتفتيش غير المقبوض عليه أو تفتيش مساكن غيره، كما لا يحق لهم ضبط الخطابات والرسائل البرقية والجرائد والمطبوعات والطرود لدى مكاتب البريد، أو الرسائل البرقية لدى مكاتب البرق، أو مراقبة  المحادثات الهاتفية، فهذه الأمور حصرها المشرع بقاضي التحقيق دون سواه (انظر المواد 93، 94، 96، 106 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

2- صلاحيات الضابطة العدلية في الجنح المشهودة: نصت المادة (231) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن:  «من قبض عليه بجنحة مشهودة أحضر أمام النائب العام فيستجوبه ويحيله موقوفا عند الاقتضاء على المحكمة الصلحية أو البدائية المختصة ليحاكم لديها في الحال». يستفاد من هذا النص أن للضابطة العدلية الحق في القبض على فاعل الجنحة المشهودة وتفتيش شخصه والاستماع إلى أقواله، ثم إحضاره أمام النائب العام لاستجوابه وإحالته إلى محاكم الدرجة الأولى المختصة لمحاكمته. ولكن لايجوز لها تفتيش مسكن فاعل هذه الجنحة المشهودة إلا إذا وافق على هذا الإجراء. وفي المراكز التي لا يوجد فيها نيابة عامة يقوم قاضي الصلح بالمعاملات السابقة (237 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

مراجع للاستزادة:

- حسن جوخدار، أصول المحاكمات الجزائية، الجزء الثاني (منشورات جامعة دمشق، 1996-1997).

- رؤوف عبيد، مبادئ الإجراءات الجنائية في القانون المصري (دار الفكر العربي، القاهرة 2006).

- عبد الوهاب حومد، أصول المحاكمات الجزائية، الطبعة الرابعة،المطبعة الجديدة، دمشق 1987).

- محمد سالم عياد الحلبي، الوسيط في شرح قانون أصول المحاكمات الجزائية، الجزء الأول (مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمّان 1996).

- محمود محمود مصطفى، شرح قانون الإجراءات الجنائية (القاهرة 1976).

- محمود نجيب حسني، شرح قانون الإجراءات الجنائية (دار الطباعة الحديثة، القاهرة 1988).

 


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 9
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 971
الكل : 57471671
اليوم : 29942