logo

logo

logo

logo

logo

الشهادة

شهاده

testimony - témoignage

 الشهادة

الشهادة

ماجد الحجار

مفهوم الشهادة

واجبات الشاهد

إثبات الالتزامات التعاقدية

استماع الشاهد بدعوى أصلية

الشروط المتعلقة بأهلية الشاهد وإجراءات الشهادة

سلطة القاضي في تقدير الشهادة

 

 أولاً: مفهوم الشهادة

يقال إن الشهود هم عيون العدالة ولهم دور هام في ساحات القضاء؛ لذلك جاءت النصوص في الشريعة والقانون لتؤكد تلك الأهمية ودورها في إثبات الحقوق.

ويتفق الفقهاء على حجية الشهادة أمام القضاء لأنها من وسائل الإثبات النصية التي يعتمدها القاضي في معرفة الحقيقة وصولاً إلى الحكم في الموضوع.

أما الشهادة في القانون الوضعي فيرى بعض الشراح أن الشهود هم عيون العدالة أمام المحاكم. وشهادة الشهود تعني قانوناً إخبار شخص من غير أطراف الخصوم أمام القضاء بواقعة حدثت من غيره ويترتب عليها حق لغيره، أو أنها الإخبار بواقعة عاينها الشاهد أو سمعها بنفسه أو أدركها على وجه العموم بحواسه.

1- تعريف الشهادة:

الأصل في الشهادة أن تكون مباشرة فيقول الشهادة ما وقع تحت بصره أو سمعه، فالذي يميز الشاهد إذن هو أنه يشهد على وقائع عرفها معرفة شخصية وهو يحصل معرفته الشخصية للواقعة إما لأنه رآها بعينه وإما لأنه سمعها بأذنه وإما لأنه رأى وسمع.

وتكون الشهادة عادة شفوية يدلي بها الشاهد في مجلس القضاء مستمداً إياها من ذاكرته، ويدلي الشاهد بشهادة أمام مجلس القضاء ويقول ما رآه أو ما سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى، والأصل في الشهادة هي الشهادة المباشرة وهي الغالبة.

ولم يعرّف المشرع السوري في قانون البينات الشاهد والشهادة. وقد عرفتها مجلة الأحكام العدلية بأنها: الإخبار بلفظ الشهادة يعني يقول أشهد بإثبات حق أحد الذي هو في ذمة الآخر في حضور الحاكم ومواجهة الخصمين، ويقال للمخبر له مشهود له وللمخبر عليه مشهود عليه وللحق مشهود به (المادة 1684 من مجلة الأحكام العدلية).

والشاهد هو الشخص الذي يوجد إما عن طريق المصادفة وإما بناء على طلب الفريقين عند إقرار عقد أو حدوث واقعة والذي يمكنه أن يؤكد للمحكمة إقرار العقد أو حدوث الواقعة، فالشهادة إذن تنصب على الوقائع التي يكون الشاهد قد اطلع عليها بصورة شخصية.

2- أنواع الشهادة:

سبق البيان أن الأصل في الشهادة (البينة الشخصية) هي الشهادة المباشرة وهي الغالبة، وأنه يوجد إلى جانبها الشهادة السماعية والشهادة بالتسامع والشهادة بالشهرة العامة.

أ- الشهادة السماعية:

أي الشهادة غير المباشرة وتسمى أيضاً بالشهادة من الدرجة الثانية. وتختلف عن الشهادة الأصلية أو الشهادة المباشرة أو الشهادة في الدرجة الأولى أن الشاهد هنا يشهد بما سمع رواية عن غيره ومن ثم كانت الشهادة سماعية. والشاهد سواء كانت شهادته أصلية أم سماعية يشهد على واقعة معينة بذاتها، ولكنه في الشهادة الأصلية يشهد أنه رأى هذه الواقعة بعينه إن كانت مما يرى أو سمعها بأذنه إذا كانت مما تسمع، أما في الشهادة السماعية فهو يشهد أنه سمع الواقعة يرويها له شاهد يكون هو الذي رآها بعينه أو سمعها بأذنه، مثال ذلك أن يشهد شخص أمام القضاء أنه سمع شخصاً آخر يروي له حادث السيارة وقد رآه بعينه أو سمع شخصاً آخر يروي له التعاقد على البيع أو على القرض وقد سمعه بأذنه، فالشهادة السماعية إذن هي شهادة على الشهادة.

ب- شهادة التسامع:

وهي أن يشهد الشاهد على واقعة معينة سمعها من قوم غير معروفين أو غير محصورين كأن يقول الشاهد سمعت من أُناس لا أعرفهم من دون أن يسمي شخصاً بعينه أو عائلة أو أهل حي معين وهي أضعف أنواع الشهادات ولا يعول عليها إلا في بعض قضايا الأحوال الشخصية كالنسب والزواج والوفاة والقضايا الجزائية وخاصة حوادث الصدم إذ يقول الشاهد حضرت بعد الحادث وسمعت من الناس المتجمهرين أن سيارة فلان قد دهست ابنة فلان.

ج- الشهادة بالشهرة العامة:

وأما الشهادة بالشهرة العامة فليست بشهادة بالمعنى الصحيح بل هي ورقة مكتوبة تحرر أمام جهة رسمية تدون فيها وقائع معينة تشهد بها شهود يعرفون هذه الوقائع عن طريق الشهرة العامة.

بمعنى تكون الشهادة بالشهرة العامة عندما يدون عدة أشخاص وقائع معينة في وثيقة خطية ويشهد عدة شهود على هذه الوقائع بأنهم يعرفونها عن طريق الشهرة العامة.

3- صفات الإثبات بالشهادة:

نصت المادة /3/ من قانون البينات على أنه: «يجب أن تكون الوقائع التي يراد إثباتها بالشهادة متعلقة بالدعوى ومنتجة في الإثبات وجائزاً قبولها».

  وعلى ضوء هذا النص القانوني وضع المشرع قاعدة عامة للوقائع التي يجوز إثباتها وهي أن تكون متعلقة بالدعوى لعدم الفائدة من إثبات ما لا صلة له بموضوع النزاع، ومنتجة في الإثبات بمعنى أن يكون لها أثر في إثبات الدعوى، وأخيراً أن تكون الوقائع المراد إثباتها غير مخالفة للنظام العام والآداب العامة.

أ- الواقعة المتعلقة بالدعوى:

يجب أن تكون الواقعة المراد إثباتها متعلقة بالدعوى أي أن تكون أساساً للدعوى ومصدراً للحق المدعى به، وأن تكون مؤثرة في أساس الدعوى. فإذا ادعى شخص أنه اشترى عقاراً من المدعى عليه فعليه أن يثبت العقد، وإذا ادعى المدعى عليه بالفسخ فعليه إثبات ذلك، وقد يدفع المدعى عليه ببطلان العقد بسبب الإكراه أو عدم الأهلية مثلاً، فإذا ادعى بذلك كان عليه الإثبات. وكل ذلك يتعلق بأساس الدعوى ومؤثر في موضوعها.

ب- الواقعة المنتجة في الإثبات:

كل واقعة منتجة في الإثبات تكون متعلقة بالدعوى، وليست كل واقعة متعلقة بالدعوى منتجة في الإثبات. والواقعة المنتجة في الإثبات هي الواقعة المؤدية إلى إثبات المطلوب. فإذا طلبت المدعية إثبات زواجها من المدعى عليه ثم تبين للقاضي أنها على عصمة رجل آخر رفض القاضي طلبها لأن الواقعة المراد إثباتها وإن كانت متعلقة بالدعوى إلا إنها ليست منتجة في الإثبات. 

ج- الواقعة الجائز قبولها:

الواقعة الجائز إثباتها بالشهادة هي تلك الواقعة التي لا تخالف النظام العام أو الآداب العامة في البلاد، فإذا كانت مخالفة للنظام العام والآداب العامة فلا يجوز للقاضي قبولها في إثبات الحق المدعى به، فليس للمدعي أن يطلب بالشهادة إثبات دين القمار مثلاً ولكن من الجائز في مثل هذه الحالة أن يقبل بهذه الوسيلة إثبات دفع المدعى عليه إذ من الجائز للمدعى عليه إثبات أن المبلغ المطالب به من قبل المدعي ناجم عن القمار ويطلب تأسيساً على هذا الدفع رد الدعوى.

هذا وقد أضاف الفقهاء إلى هذه الشروط الأساسية بعض الشروط الأخرى وهي أن تكون الواقعة المراد إثباتها بالشهادة معينة، وأن تكون ممكنة الحصول، وأن تكون الواقعة متنازعاً فيها.

ثانياً: إثبات الالتزامات التعاقدية 

أ- المبدأ العام:

أجاز المشرع إثبات الالتزامات التعاقدية بالشهادة وذلك إذا كان محل الالتزام لا يزيد على خمسمئة ليرة سورية. ونص المشرع على هذه القاعدة في الفقرة الأولى المعدلة من المادة /54/ من قانون البينات. وإن إجازة هذه الالتزامات بالشهادة نابع من قلة أهمية هذا الالتزام وضآلته، فلا يخشى فيها من رشوة الشهود مثلاً أو التأثير فيهم وهو ما يخشى في الالتزامات ذات القيمة العالية. وقد اعتد المشرع لجواز الإثبات بالشهادة هنا بقيمة الالتزام وقت تمام العقد لا وقت الوفاء ولا وقت رفع الدعوى، فإذا كان أصل الالتزام وقت تمام العقد لا يزيد على خمسمئة ليرة سورية فإن الشهادة لا تمنع لو زاد الالتزام بعد ذلك بضم الفوائد والملحقات، وكذلك إذا كانت قيمة الالتزام وقت تمام العقد أقل من خمسمئة ليرة سورية ثم مضت مدة طويلة بين تمام العقد وتاريخ الوفاء أو الادعاء ثم تضاعفت قيمة الالتزام نظراً لارتفاع الأسعار فإن العبرة هنا تبقى لقيمة الالتزام بتاريخ تمام العقد مهما زادت قيمة المعقود عليه، أما إذا كانت قيمة الالتزام أكثر من خمسمئة ليرة سورية فلا يجوز إثباته بالشهادة.

ب- الاستثناء من المبدأ العام:

أجاز المشرع الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية التي لا يجوز إثباتها إلا بالكتابة إذا وجدت حالات معينة وهذه الحالات تعدُّ من قبيل الاستثناء الوارد على القاعدة العامة، وهذه الحالات هي:

(1) مبدأ الثبوت بالكتابة:

عرف المشرع مبدأ الثبوت بالكتابة في الفقرة الثانية من المادة /56/ من قانون البينات على أنه: كل كتابة تصدر عن الخصم ويكون من شأنها أن تجعل العقد قريب الاحتمال، كما أوضحت المذكرة الإيضاحية لقانون البينات مبدأ الثبوت بالكتابة بأنه الورقة المكتوبة التي تتضمن ما يجعل وجود العقد قريب الاحتمال وتزيل المحاذير التي أدت إلى استبعاد الإثبات بالشهادة، فما لا ريب فيه أنه إذا انضمت إلى هذه الورقة شـهادات مقنعة تؤيدها ظهر من اجتماعها دليل جدير بأن يعدّ كاملاً.

وعلى هذا الأساس عدّ المشرع مبدأ الثبوت بالكتابة دليلاً ناقصاً وأجاز تكملته بالشهادة، فإذا أكمل بالشهادة أصبح دليلاً كتابياً كاملاً تدحض به الأدلة الكتابية الكاملة التي قدمها الخصم.

ويشترط في مبدأ الثبوت بالكتابة الشرطان الآتيان:

q أن تصدر الكتابة عن الخصم نفسه: ويعد كالخصم خلفه وممثله القانوني، فالكتابة الصادرة عن المورث تعدُّ مبدأ ثبوت بالكتابة ضد وريثه، والكتابة الصادرة عن الوكيل ضمن حدود وكالته تعدُّ مبدأ ثبوت بالكتابة بحق الموكل. ولا يشترط في الورقة (مبدأ الثبوت بالكتابة) أن تكون موقعة ممن صدرت عنه بل يكفي أن تكون معبرة عن إرادته.

q أن تتضمن (الورقة) ما يجعل وجود العقد قريب الاحتمال وليس من الضروري أن تتضمن العقد نفسه، فالإيصال الموقع من المؤجر بأجور الدار المؤجرة يعدُّ مبدأ ثبوت بالكتابة على عقد الإيجار، والأمثلة على ذلك كثيرة والمهم أن تتضمن الورقة ما يجعل وجود العقد ممكناً فقط، والأمر بالنتيجة عائد لتقدير القاضي.

(2) وجود مانع مادي:

أعطى المشرع أمثلة على المانع المادي بقوله: يعدُّ مانعاً مادياً إذا لم يوجد من يستطيع الكتابة أو أن يكون طالب الإثبات شخصاً ثالثاً لم يكن طرفاً بالعقد. وقد أضاف الاجتهاد القضائي والفقهي حالات أخرى إلى الحالات التي أوردها المشرع أهمها عيوب الإرادة والسبب غير المشروع، ومن أهم الحالات التي طبق عليها الاجتهاد قاعدة (المانع المادي) حالة الودائع الاضطرارية التي يجريها الإنسان عندما يفاجأ بخطر الحريق أو الغرق أو الاضطرابات فيبادر إلى إيداع بعض ما يملك لدى الغير.

(3) وجود مانع أدبي:

لم يذكر المشرع صور هذا المانع على سبيل الحصر، ولكن الفقه كان قد حدد بعض حالات المانع الأدبي على سبيل المثال كالحالة الزوجية والقرابة بين الأشخاص وعلاقة الخدمة والعرف الجاري في بعض المهن، بمعنى أكثر دقة يمكن القول إن الموانع الأدبية وردت على سبيل المثال لا الحصر، وقد أسهب الاجتهاد القضائي في معايير هذا المانع فعدّ الصداقة مانعاً أدبياً يجيز الإثبات بالشهادة.

وكذلك عد العادات المبنية على الوفاء وكرم الطبع والمروءة مانعاً أدبياً يجيز الإثبات بالشهادة، وكذلك فإن العلاقة بين الزوجين وأبوي الزوج الآخر من الموانع الأدبية وعلى هذا استقر الاجتهاد.

والمعتد به في المانع الأدبي يكون بتاريخ التصرف المنشئ للالتزام المراد إثباته.

ويزول المانع الأدبي متى تم الاعتياد بالكتابة أو في حالة وجود العداوة، ويشترط في التعامل بالكتابة أن يكون هناك اعتياد، أما الكتابة مرة واحدة بين الطرفين فإنه لا يهدر المانع الأدبي، وعلى هذا استقر الاجتهاد القضائي لمحكمة النقض حينما قضت بأن مجرد التعامل مرة واحدة بالكتابة لا يهدر المانع الأدبي بين الصهر ووالد الزوجة مما يجوز معه سماع البينة لإثبات صورية السند.

وإن اعتياد الطرفين على التعامل بالكتابة - بكتابة أكثر من سند واحد بينهما - يهدر المانع الأدبي.

وأما العداوة بين الأقارب فإنها تهدر المانع الأدبي بينهم، والعداوة هي واقعة مادية يجوز إثباتها بكل وسائل الإثبات ومنها الشهادة، هذا وقد اشترطت محكمة النقض لكي تكون العداوة سبباً لهدر المانع الأدبي أن تكون (العداوة) مستمرة أما إذا كانت غير مستمرة فإنها والحالة هذه لا تهدر المانع الأدبي.

وثمة تساؤل يطرح في هذا الصدد مفاده هل يجوز إثبات ما يخالف الدليل الكتابي بالشهادة استناداً إلى الموانع الأدبية؟ لقد أوضح الاجتهاد هذه المسألة بدقة وجلاء حينما قضى بأنه: عند قيام المانع الأدبي يجوز إثبات ما يخالف الدليل الكتابي بالشهادة.

(4) فقدان السند من يد الدائن:

يعدُّ فقدان السند من يد الدائن مانعاً يجوز معه الإثبات بالشهادة حتى لو كان المبلغ محل الالتزام تزيد قيمته على خمسمئة ليرة سورية، ويشترط لتوافر هذه الحالة أن يكون الدائن قد استحصل على سند من المدين بموضوع الالتزام، وأن يكون السند قد فقد فعلاً من يد صاحبه، وأن يكون فقدان السند لسبب لا يد للدائن فيه (كالسرقة والحريق مثلاً). أما إذا ثبت أن السند قد فقد من الدائن بسبب منه فعندئذٍ لا يجوز إثبات الالتزام والحالة هذه بالشهادة.

(5) إذا كان العقد مخالفاً للنظام العام:

أجاز المشرع إثبات العقد بالشهادة إذا كان محل الالتزام غير مشروع بمعنى إذا طعن بالعقد بأنه ممنوع بالقانون أو مخالف للنظام العام أو الآداب وهذا ما عناه المشرع في المادة (57/ج) من قانون البينات، كأن يكون سند الدَّين قد حرر لوفاء دين القمار أو أن يكون العقد قد حرر لوفاء دين ناجم عن تهريب البضائع، أو يكون السند حرر بسبب فوائد ربوية فاحشة فإثبات السبب الحقيقي لكل هذه الحالات يجوز إثباته بالشهادة وبجميع طرق الإثبات.

(6) إذا اتفق المتعاقدان على الإثبات بالشهادة:

يجوز الإثبات بالشهادة في الالتزامات التعاقدية التي تزيد قيمتها على خمسمئة ليرة سورية إذا اتفق المتعاقدان على ذلك، وقد أقر الاجتهاد هذا المبدأ لأن طرق الإثبات التي حددها القانون ليست من متعلقات النظام وبالتالي يجوز الاتفاق على خلافها.

(7) الالتزامات التجارية:

أجاز المشرع إثبات الالتزامات التجارية بالبينة الشخصية مهما كانت قيمة هذه الالتزامات حتى لو كانت تزيد قيمتها على خمسمئة ليرة سورية، وقد نص المشرع على هذه الناحية في المادة /54/ من قانون البينات وعلى هذا المبدأ استقر اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة النقض.

ثالثاً: الشروط المتعلقة بأهلية الشاهد وإجراءات الشهادة

1- الشروط الواجب توافرها في الشاهد:

الشاهد هو الشخص الطبيعي الذي يقوم بأداء الشهادة أي هو الشخص الذي يحضر إلى المحكمة ويدلي بالمعلومات التي يعرفها حول الواقعة التي دعي للسؤال عنها، ويشترط قانون البينات السوري في الشاهد العقل والبلوغ لدخولهما في الأهلية وهذا ما عناه المشرع السوري في المادة /59/ من قانون البينات.

أ- سلامة الإدراك:

يقصد بسلامة الإدراك ألا يكون الشاهد مجنوناً أو معتوهاً أو ذا غفلة أو صغيراً غير مميز، ولا شيء يمنع من شهادة السفيه ولو كان محجوراً عليه، والصغير المميز من الجائز سماع شهادته ولكن على سبيل الاستئناس. ولا يشترط أن يكون المجنون أو المعتوه أو المغفل محجوراً عليه حتى يرفض القاضي سماع شهادته، وإنما يكفي أن يتبين للقاضي علامات عدم سلامة الإدراك أثناء سؤاله عن هويته ومحل إقامته. وإذا ثار خلاف بين الخصوم والمحكمة حول سلامة الإدراك من عدمها قرر القاضي والحالة هذه عرض الشاهد على الخبرة الطبية للمعاينة وبيان الحقيقة، وإذا استمعت المحكمة لشهادة شاهد ثم تبين عدم سلامة إدراكه فإن شهادته تكون باطلة، ولا تصلح أن تكون مستنداً للحكم بأي شكل من الأشكال.

ب- سن الشاهد:

اشترط المشرع حتى يكون الشاهد أهلاً للشهادة أن يكون قد بلغ الخامسة عشرة من عمره وهذا ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة /59/ من قانون البينات، ويشترط أن يكون الشاهد قد بلغ هذه السن بتاريخ الواقعة المطلوب الشهادة عليها وليس بتاريخ أداء الشهادة، وهذا ما أكده الاجتهاد القضائي واستقر عليه عمل القضاء.

وإذا لم يكن الشاهد قد بلغ سن الخامسة عشرة من عمره فيجوز للمحكمة سماعه على سبيل الاستئناس (المادة 59/ف3 من قانون البينات)، وفي هذه الحالة لا يحلف اليمين المنصوص عنها في المادة /77/ من قانون البينات وتكون شهادته ضعيفة فلا يحكم بها القاضي وحدها وإنما يسترشد بها لتعزيز شهادة بالغ أو لتعزيز أي دليل قانوني آخر وهذا ما استقر عليه الاجتهاد القضائي.

وإذا حلفت المحكمة اليمين القانونية للشاهد الذي لم يبلغ الخامسة عشرة من عمره فإن هذا الإجراء لا يقوي الشهادة ولا يبطلها ولا يغير من أحكامها القانونية.

جـ- ألا يكون الشاهد محكوماً بأحكام جزائية تسقط عنه أهلية الشهادة:

إن تجريد الشخص من الحقوق المدنية يمنع سماع أقواله شاهداً، وإن المنع من الشهادة والحالة هذه لا يكون إلا في أثناء مدة التجريد فإذا انقضت المدة أو صدر عفو عنه فإنه تقبل عندئذٍ شهادة الشاهد. وعلى أية حال فإن المحكوم عليه وفي كل الظروف يبقى متهماً من الناحية العملية في شهادته ويعود للقاضي حق الاعتداد بها أو إسقاطها أو ترجيح بينة أخرى عليها.

2- نصاب الشهادة:

نصت المادة /68/ من قانون البينات على ما يلي: «على الخصم الذي يطلب الإثبات بشهادة الشهود أن يبين الوقائع التي يريد إثباتها… وأن يسمي شهوده على ألا يتجاوز عددهم الخمسة في الواقعة الواحدة إلا إذا أجازت له المحكمة ذلك».

وعلى ضوء هذا النص القانوني يلاحظ أن نصاب الشهادة التي حددها المشرع هو ألا يزيد على خمسة شهود في الواقعة الواحدة إلا أن هذا النص ليس من متعلقات النظام العام إذ ترك المشرع للمحكمة التقدير لسماع أكثر من خمسة شهود للواقعة الواحدة.

ما لا يجوز للشاهد البوح به:

حدد المشرع بعض الحالات القانونية التي منع الشاهد بمقتضاها من البوح بمعلومات لديه، حيث نص على أنه لا يجوز لأحد أن يشهد على معلومات أو مضمون أوراق تتعلق بشؤون الدولة إلا إذا كانت قد نشرت بالطريق القانوني أو كانت السلطة المختصة قد أذنت في إذاعتها (المادة 63 بينات)، والغرض من هذا المنع هو المحافظة على سرية الأوراق والمخابرات الرسمية، ويشمل تعبير الدولة جميع المؤسسات العامة التي تقوم بإسداء خدمة عامة.

وكذلك فإنه لا يجوز للموظفين والمستخدمين والمكلفين بخدمة عامة أن يشهدوا ولو بعد تركهم العمل عما يكون قد وصل إلى علمهم أثناء قيامهم بالعمل من معلومات لا يجوز إذاعتها إلا إذا سمحت لهم السلطة المختصة بذلك بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم (المادة 64 بينات).

مما لا يجوز أيضاً للشاهد البوح به إذا كان الشاهد من المحامين أو الوكلاء أو الأطباء أو غيرهم عن طريق مهنته أو صفته حيث لا يجوز لمن علم من هؤلاء أن يفشي معلومات كان قد استحصل عليها بسبب صفته أو مهنته وبعد انتهاء صفته أو مهنته ما لم يكن ذكرها له مقصوداً به فقط ارتكاب جناية أو جنحة (المادة 65 بينات).

هذا وقد منع الاجتهاد القضائي بعض الأشخاص من البوح بالشهادة بسبب صفته أو مهنته كالصيادلة والقابلات ورؤساء المشافي والممرضين والممرضات ووكلاء الأعمال والقضاة، وعلة هذا المنع المحافظة على سرية المعلومات التي تلقوها بسبب مهنتهم أو صفاتهم.

وإذا تم أداء الشهادة بالرغم من هذا المنع فإن الشهادة لا تعدُّ باطلة بل يعود للمحاكم أمر تقديرها فالمحكمة صاحب الصلاحية باستبعاد الشهادة أو الأخذ بها وعلى هذا استقر الاجتهاد الفرنسي.

ومن غير الجائز أيضاً لأحد الزوجين أن يفشي بغير رضا الآخر ما أبلغه إليه زوجه أثناء الزوجية ولو بعد انقضائها إلا في حالة رفع الدعوى من أحدهما على الآخر أو رفع دعوى على أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر (المادة 67 بينات).

رابعاً: واجبات الشاهد

بعد دعوة المحكمة للشاهد وفق الأصول القانونية المتبعة فإنه يتعين على الشاهد الواجبات الآتية:

1- الحضور أمام المحكمة:

يتعين على الشاهد بعد تبليغه مذكرة الدعوة وفق قواعد التبليغ وأصوله أن يحضر إلى قاعة المحكمة في الموعد المحدد لذلك ما لم يكن لديه عذر قانوني تقبله المحكمة. وليس للشاهد سلطة تقديرية في أن يحضر أو لا يحضر، وفي حال عدم حضوره فإنه من الجائز للمحكمة إحضاره جبراً بواسطة القوة العامة، وهذا هو المبدأ العام. وإذا كان للشاهد عذر يمنعه عن الحضور فللمحكمة أن تنتقل لسماع شهادته في منزله، كما يجوز للمحكمة سماع الشهود المقيمين خارج منطقة صلاحية المحكمة وذلك بإنابة المحكمة التي يقيمون في منطقتها وذلك بحسب الإجراءات والأصول المحددة في القانون.

2- حلف اليمين:

يتوجب على الشاهد قبل أداء شهادته أن يحلف اليمين بأن يقول الحق، ويعدُّ الامتناع عن حلف اليمين امتناعاً عن أداء الشهادة إلا إذا كانت شهادته على سبيل الاستئناس. ولا يعتد بالشهادة من دون تحليف اليمين، ولا يوجد نص قانوني يجبر الشاهد على وضع يده على كتاب سماوي عند أداء الشهادة.

3- أداء الشهادة:

على الشاهد أن يؤدي الشهادة بصدق وأمانة تحت طائلة ملاحقته بجرم الشهادة الكاذبة، ولا يوجد نص في التشريع السوري يجبر الشاهد على أداء شهادته، وأقصى ما تملك المحكمة أن تفعله هو الحكم عليه بصورة مبرمة بغرامة من عشر ليرات إلى خمسين ليرة (المادة 78 بينات) .

خامساً: استماع الشاهد بدعوى أصلية

أجاز القانون طلب استماع إفادة أحد الشهود بدعوى أصلية إذا كان يخشى فوات فرصة الاستشهاد بالنسبة له، وهذا ما نص عليه المشرع في المادة /86/ من قانون البينات.

ويقدم الطلب بذلك وفق الطرق المعتادة لقاضي الأمور المستعجلة وتكون نفقاته على من طلبه، والغاية من هذا النص المحافظة فقط على دليل خشية ضياعه.

ويرى بعض الفقهاء أنه يشترط في رفع هذه الدعوى توافر ثلاثة شروط وهي:

1- أن يكون الموضوع المراد الاستشهاد به بشهادة الشهود لم يعرض بعد على القضاء ولكن يحتمل عرضه عليه مستقبلاً.

2- أن تكون الواقعة المراد إثبات أقوال الشهود بشأنها مما يجوز إثباته بشهادة الشهود وفقاً لأحكام القانون.

3- أن يكون ثمة خطر فوات الفرصة للاستشهاد بالشهود لو انتظر الخصم حتى يعرض الموضوع على القضاء، كأن يكون الشاهد مريضاً مرضاً يخشى معه على حياته أو مزمعاً السفر من غير عودة، أما مجرد كون الشاهد مسناً أو مريضاً مرضاً عادياً أو محتملاً سفره فلا يكفي ويكون للقاضي تقدير ذلك.

سادساً: سلطة القاضي في تقدير الشهادة

أطلق قانون البينات حرية المحكمة في تقدير الشهادة إذ نصت المادة /62/ منه على ما يلي:

«1- تقدر المحكمة قيمة شهادة الشهود من حيث الموضوع، ولها أن تأخذ بشهادة شخص واحد إذا اقتنعت بصحتها، كما لها أن تسقط شهادة شاهد أو أكثر إذا لم تقتنع بصحتها.

2- إذا لم توافق الشهادة الدعوى أو لم تتوافق أقوال الشهود بعضها مع بعض أخذت المحكمة من الشهادة بالقدر الذي تقتنع بصحته.

3- للمحكمة أن ترجح بينة على أخرى وفقاً لما تستخلصه من ظروف الدعوى».

وقد واكب الاجتهاد القضائي ما ذهب إليه التشريع الجديد حيث استقر الاجتهاد على أن تقدير الشهادة هي من الأمور الموضوعية التي يعود أمر تقديرها لقضاة الأساس فلا معقب عليهم في ذلك إذا كان تقديرهم سائغاً وجاء منسجماً مع وقائع الدعوى وظروفها وأدلتها.

 

مراجع للاستزادة:

 

- شفيق طعمة، تقنين البينات في المواد المدنية والتجارية، الجزء الثاني (الطبعة الأولى، دار الأنوار للطباعة، دمشق 1988).

- عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد - نظرية الالتزام بوجه عام - قسم الإثبات، الجزء الثاني (دار أحياء التراث العربي، بيروت، بلا تاريخ).

- رزق الله الأنطاكي، أصول المحاكمات في المواد المدنية والتجارية (مطبعة جامعة دمشق، 1988- 1989).

- محمد واصل، شرح قانون أصول المحاكمات، الكتاب الأول، الجزء الأول (مطبعة جامعة دمشق، منشورات جامعة دمشق كلية الحقوق، 2006-2007).

- محمد فهر شقفة، الإثبات بالبينة الشخصية في القضايا المدنية والتجارية والشرعية والجزائية (الطبعة الثانية، المطبعة الجديدة، مؤسسة النوري، دمشق 1995).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 33
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1090
الكل : 45651212
اليوم : 51895