logo

logo

logo

logo

logo

سد الذرائع

سد ذرايع

sadd al-dharai’ - sadd al-dharai’

 سد الذرائع

سد الذرائع

محمد هشام برهاني

الذريعة

أقسام الذرائع

موقف المذاهب الاجتهادية من سد الذرائع

 

الذريعة:

 لغة هي الوسيلة، وهي ما يتوسل به إلى غيره.

واصطلاحاً يُميز فيها بين معنيين: المعنى العام للذريعة والمعنى الخاص لها.

أما في المعنى العام لها: فتقرب من معناها اللغوي، فتشمل كل ما اتخذ وسيلة لأمر آخر، بصرف النظر عن كون الوسيلة أو المتوسل إليه مقيداً بوصف الجواز أو المنع، أي: المصلحة أو المفسدة.

فيدخل في معنى الذريعة بهذا الاعتبار أربعة وجوه:

1 ـ الانتقال من الجائز إلى الجائز.

2 ـ الانتقال من الجائز إلى المحظور.

3 ـ الانتقال من المحظور إلى الجائز.

4 ـ الانتقال من المحظور إلى المحظور.

ويتصور فيها الفتح والسد.

فيقال: سد الذرائع، أي منع الوسائل المؤدية إلى الشر والفساد والمنكر.

ويقال: فتح الذرائع، أي إجازة الوسائل المؤدية إلى الخير والبر والمعروف.

ويكون التحذير من المعاصي والمنكرات وسائر الأمور الضارة من باب سد الذرائع وتكون الدعوة إلى الطاعات والخير وسائر الأمور النافعة من باب فتح الذرائع.

يقول الإمام القرافي: «اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها وتكره وتندب، والذريعة هي الوسيلة فكما أن وسيلة المحرم محرمة فوسيلة الواجب واجبة كالسعي للجمعة والحج».

أما الذريعة بالمعنى الخاص:

وهو الذي اختلف فيه العلماء، ففريق ذهب إلى منعه وفريق اتجه إلى جوازه.

فأقرب تعريف له:

«الذريعة عبارة عن أمر غير ممنوع لنفسه، قويت التهمة في أدائه إلى فعل محظور».

وقيد:

(غير ممنوع): يفيد أنه ضمن إرادة المكلف.

و(غير ممنوع لنفسه): يفيد جوازه بالأصل، والممنوع لا يكون ذريعة بهذا المعنى.

و(قويت التهمة فيه): يخرج ما كان أداؤه إلى المفسدة نادراً.

و(إلى فعل): لإخراج الذرائع التي تنجم عنها مفاسد لا سلطان للمكلف على حصولها أو عدم حصولها.

و(محظور): قيد ضروري لإعطاء الذريعة معناها الاصطلاحي الخاص، وبه تخرج الذرائع التي توصل إلى أمر جائز أو مطلوب.

بين الذريعة والمقدمة:

الذريعة والمقدمة تشتركان في بعض المعاني وتختلفان في بعضها الآخر.

وقد سبق تعريف الذريعة بمعناها العام والخاص.

أما المقدمة:

فهي ما يتوقف عليها وجود الشيء، مثل الوضوء فإنه مقدمة يتوقف عليها وجود الصلاة. إذ يلزم من عدم الوضوء عدم الصلاة، ولا يلزم من وجودها وجود ما يتوقف عليها، فلا يشترط فيها الإفضاء حتى تكون مقدمة.

والذريعة بالمعنى العام أعم من المقدمة فهي تشاركها في أنها سابقة على المقصود في الوجود، وتشمل ما يتوقف عليه وجود الشيء وغيره وما يكون مفضياً في العادة أو غير مفضٍ.

وهي بالمعنى الخاص على عكس المقدمة.. فإن الإفضاء فيها ضروري ولا يتوقف عليها وجود المقصود، فالظاهر في المقدمة جانب العدم بمعنى أنه يلزم من عدم وجودها عدم وجود الواجب، ولا يلزم من وجودها وجوده. أما الذريعة فالظاهر فيها جانب الوجود، بمعنى أنه إذا وجدت وجد المقصود قطعاً أو احتمالاً.

وقد تنفرد الذريعة في معنى ما: كضرب المرأة برجلها ذات الخلاخيل فإنه ذريعة للافتتان، لكنه لا يتوقف على الضرب بالأرجل فلا يكون مقدمة.

وقد تنفرد المقدمة في معنى كالسفر لارتكاب معصية معينة لا تتم إلا به فإنه مقدمة، لأن المعصية في هذه الحالة تتوقف على حصوله، فيكون حراماً كحرمتها لأن مقدمة الحرام حرام.

لكن السفر في أصله لا يعد ذريعة، لأن قطع المسافات ليس من شأنه أن يفضي دائماً إلى المعاصي.

وقد يجتمع المعنيان في أمر فيكون مقدمة ويكون ذريعة.

فبين المقدمة والذريعة بالمعنى الخاص عموم وخصوص وجهي لأنهما اجتمعا في مادة وانفرد كل منهما في أخرى.

أقسام الذرائع:

بعد التتبع لأبحاث الفقهاء تبين أنها ستة:

التقسيم الأول: بحسب موقف العلماء منها سداً وفتحاً.

التقسيم الثاني: بحسب أصل الوضع الشرعي للذريعة من حيث الجواز أو المنع.

التقسيم الثالث: بحسب ما ينجم عنها من مفاسد تلحق العامل بها أو غيره.

التقسيم الرابع: بحسب وجود القصد وعدمه (فتاوى ابن تيمية 3/139).

التقسيم الخامس: بحسب قوة الإفضاء إلى المفاسد (إرشاد الفحول للشوكاني 247).

التقسيم السادس: بحسب مكانها من المصالح والمفاسد، وما تؤدي إليه من ذلك (سد الذرائع في الشريعة الإسلامية 188).

وطلباً للاختصار يُكتفى باستعراض التقسيم الأول، وهو المتعلق بموقف العلماء منها سداً أو فتحاً.

وأقسام الذرائع فيه ثلاثة:

الأول: ما أجمع العلماء على فتحه وعدم سده.

ومثلوا له بالمنع من زراعة العنب خشية الخمر، والمنع من التجاور في البيوت خشية الزنا، فلم يمنع شيء من ذلك ولو كان وسيلة وسبباً للمحرم في بعض الأحيان.

الثاني: ما أجمعوا على سده.

ومثلوا له بالمنع من سب الأصنام عند من يعلم من حاله أنه يسب الذات العلية، والمنع من حفر الآبار في طريق العامة إذا علم وقوعهم فيها أو ظن، والمنع من شهادة الخصم والظنين خشية الشهادة بالباطل.

الثالث: ما اختلفوا فيه، هل يسد أو لا يسد؟

كبيوع الآجال التي منعها مالك وأحمد رحمهما الله، للتهمة على أخذ الكثير بالقليل، وأجازها الشافعي رحمه الله لأنه نظر إلى صورة البيع الظاهرة.

وكحكم القاضي بعلمه، هل يحرم لأنه وسيلة للقضاء بالباطل من القضاة السوء أو لا يحرم؟

وكتضمين الصناع: هل يجب باعتبار أنهم يؤثرون في السلع بصنعتهم فتتغير السلع فلا يعرفها ربها إذا بيعت فيضمنون سداً للذريعة أو لا يضمنون باعتبار أنهم أجراء، وأصل الإجارة على الأمانة؟

وسبب الاختلاف يرجع إلى أمور منها:

جهة التأصيل وهل سد الذرائع أصل يعوَّل عليه في بناء الأحكام؟

هل ينظر الحاكم إلى مقاصد الناس في أفعالهم أم هل ينظر إلى مآلاتها؟

هل ورد في الوقائع المطروحة للمنع نصوص من الكتاب والسنة؟

هل هذه الأفعال تفضي إلى المفاسد بصورة قطعية أو غالبة أو نادرة؟

هل هذه المفاسد عامة أو خاصة؟

هل هي مما يقتضي الاحتياط منعها ولو لم يكن إفضاؤها كثيراً أو غالباً أو شاملاً؟

موقف المذاهب الاجتهادية من سد الذرائع:

أولاً ـ عند المالكية:

سد الذرائع: من أصول الاستنباط الفقهي المهمة عند المالكية فليس في المذاهب الفقهية المنتشرة ولا في غيرها من بلغ في أخذه بهذا الأصل مبلغ المذهب المالكي، لأنه من أوسع المذاهب الاجتهادية اعتماداً على العمل بالمصلحة المرسلة، واعتبارها أصلاً مستقلاً من أصول التشريع، وليس سد الذرائع إلا تطبيقاً عملياً من تطبيقات العمل بالمصلحة المرسلة، لذلك عدّوه ضمن أصولهم، حتى عد بعض الفقهاء سد الذرائع من خصوصيات مذهب إمام دار الهجرة، لكنهم بالغوا في ذلك.

ومما يشهد لمغالاتهم في سد الذرائع:

ما نقل عن الإمام مالك رحمه الله من كراهيته لصيام ست من شوال وقد ثبت استحبابها في الحديث الصحيح.

تركهم لقراءة سورة السجدة فجر يوم الجمعة، وقد ثبت ذلك في حديث الشيخين.

قولهم بالتفريق بين الزوجين وبتحريم المرأة على الرجل حرمة مؤبدة إذا عقد عليها في عدتها من غيره ودخل بها.

ففي هذه المسائل وأمثالها يتضح أن المالكية بين أمرين:

الأول: معارضة نص ثابت كما في مسألة صيام ست من شوال وقراءة سورة السجدة فجر الجمعة.

الثاني: اختيار حكم التغليظ مع إمكان سد الذريعة بما دونه كما في تحريم الزواج أبداً على من عقد على المرأة في عدتها من غيره إضافة إلى التفريق بينهما.

يقول ابن الرفعة في رده على المالكية: «الذريعة ثلاثة أقسام:

أحدها: ما يقطع بتوصيله إلى الحرام فهو حرام عندنا وعندهم.

الثاني: ما يقطع بأنه لا يوصل، ولكن اختلط بما يوصل، فكان من الاحتياط سد الباب وإلحاق الصورة النادرة التي قطع بأنها لا توصل إلى الحرام بالغالب منها الموصل إليه وهذا غلو في القول بسد الذرائع.

الثالث: ما يحتمل ويحتمل وفيه مراتب، ويختلف الترجيح عندهم بحسب تفاوتها... ».

ثم قال: «ونحن نخالفهم فيها، إلا القسم الأول لانضباطه وقيام الدليل عليه».

ثانياً ـ عند الحنابلة:

وافق الحنابلة المالكية في اعتمادهم على أصل سد الذرائع في كثير من الأحكام الشرعية لكنهم لم يبالغوا في ذلك، وليس ذلك غريباً على مذهب من يتبع السلف أن يعدّ سد الذرائع أصلاً صحيحاً في مجال التأصيل، وأن يعتمد عليه في ميدان التطبيق، وقد أثبتت الأصول من الكتاب والسنة وعمل السلف صحته، فإذا وجد النص أفتى بموجبه ولم يلتفت إلى ما خالفه فإن لم يكن بالمسألة نص ولا قول لصاحب ولا أثر مرسل أو ضعيف لجأ إلى الأصل الخامس وهو القياس فاستعمله للضرورة ويدخل في جملة القياس الصحيح عند الحنابلة رعاية المصالح، ومن وجوه العمل بها سد الذرائع وفتحها.

ومن أبرز تطبيقاتهم على أصل سد الذرائع:

أولاً: منعهم للعقود المؤدية إلى الربا، في المنع من بيوع الآجال وبيع العينة ومن صورها: بيع سلعة بثمن مؤجل ثم شراؤها بأقل منه نقداً، أو بيع سلعة بنقد ثم شراؤها بأكثر منه نسيئة، وقد آل العقد فيهما إلى إلغاء السلعة ودفع قليل في كثير.

ثانياً: منعهم لكل ما هو ذريعة إلى الإثم من باب التعاون عليه.

ومن ذلك: منع بيع العصير لمن يتخذه خمراً، وقد كره الإمام أحمد الشراء ممن يرخص في سلعته ليمنع الناس من الشراء من جاره.

ثالثاً: تحريمهم للحيل لمناقضتها لسد الذرائع؛ لهذا منعوا كل فعل قصد به صاحبه أمراً محظوراً، وشواهد ذلك في كتب الحنابلة أكثر من أن تحصى كنكاح التحليل، وأن يهب الرجل أمواله لزوجته قبل تمام الحول هرباً من الزكاة، وكإغلاء الثمن للدار لإسقاط حق الشريك أو الجار في الشفعة.

ثالثاً ـ عند الحنفية:

لا يعني عدم ذكر سد الذرائع ضمن أصولهم عدم اعتبارهم لصحة العمل به، بل فعلوا ذلك لأمرين:

الأول: قولهم بالاستحسان، وهو باب يلجون منه إلى العمل بالمصلحة وسد الذرائع من وجوه العمل بالمصلحة، بل إن بعض صور الاستحسان عندهم هي عين صور سد الذرائع عند المالكية.

الثاني: عملهم بسد الذرائع فعلياً في فروع كثيرة منها:

1 ـ اتفاقهم مع المالكية والحنابلة في المنع من بعض صور بيوع الآجال فقد نصوا:

على أن من اشترى سلعة بألف حالة أو نسيئة نقدها لم يجز له أن يبيعها من البائع بخمسمئة قبل أن ينقد الثمن الأول كله، أو بعضه، لأن من الشروط المعتبرة في صحة العقود الخلو عن شبهة الربا لأن الشبهة ملحقة بالحقيقة في باب المحرمات احتياطاً، فهم يمنعون بيع العينة في الجملة.

ووجه الشبهة هنا كما يقول الكاشاني: «أن الثمن الثاني يصير قصاصاً بالثمن الأول فبقي من الثمن الأول زيادة لا يقابلها عوض في عقد المعاوضة وهو تفسير الربا إلا أن الزيادة ثبتت بمجموع العقدين وكان الثابت بأحدهما شبهة الربا، والشبهة في هذا الباب ملحقة بالحقيقة بخلاف ما إذا نقد الثمن لأن المقاصة لا تتحقق بعد قبض فلا تتمكن الشبهة بالعقد ولو نقد الثمن كله إلا شيئاً قليلاً فهو على الخلاف (يقصد خلاف الشافعي)، ولو اشترى ما باع بمثل ما باع قبل نقد الثمن جاز بالإجماع لانعدام الشبهة وكذا لو اشتراه بأكثر مما باع قبل نقد الثمن».

كما استدلوا للمنع بقول عائشة رضي الله عنها في حديث العالية: «بئس ما شريت واشتريت» وحول هذه العبارة يعبر ابن الهمام عن سد الذرائع أوضح تعبير فيقول: «وإنما ذمت العقد الأول لأنه وسيلة، وذمت الثاني لأنه مقصود الفساد».

2 ـ المختار في مذهب الحنفية:

استحباب صوم المفتي بنفسه ليوم الشك، وينبغي أن يفعله سراً حتى لا يتهم بالعصيان ويفتي العامة بالتلوم والانتظار إلى وقت الزوال ثم يأمرهم بالإفطار عند الزوال حسماً لباب الزيادة على أول الشهر.

واستحباب صوم يوم الشك اقتداء بعلي وعائشة رضي الله عنهما فإنهما كانا يصومانه.

وأما طلب الإسرار بالصوم له من المفتي وأمثاله من أهل العلم فحتى لا يتهمهم العامة بمخالفة نهي النبيr عن صوم يوم الشك.

3 ـ نصوا على أن ما أدى إلى الحرام فهو حرام وأن حكم الوسيلة إلى الشيء حكم ذلك الشيء نفسه، وهذا أصل الحكم بسد الذرائع، فمن الأول: ما جاء في البدائع «ولا يباح للشواب منهن الخروج إلى الجماعات بدليل ما روي عن عمرt أنه نهى الشواب عن الخروج ولأن خروجهن إلى الجماعة سبب الفتنة، والفتنة حرام، وما أدى إلى الحرام فهو حرام».

ومن الثاني: ما جاء في البدائع أيضاً، أمان العبد المحجور عن القتال مختلف فيه، فقال أبو حنيفة و أبو يوسف رحمهما الله: لا يصح وقال محمد رحمه الله يصح وهو قول الشافعي.

وجه قوله: ما روي عن رسول اللهr: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم» أخرجه البخاري، والذمة: العهد والأمان نوع عهد. وتكافؤ الدماء: معناه التساوي في القصاص والديات.

ووجه قولهما: أن الأصل في الأمان ألا يجوز، لأن القتال فرض والأمان يحرِّم القتال إلا إذا وقع في حال ضعف المسلمين وقوة الكفرة، لأنه يكون وسيلة إلى الاستعداد للقتال، فيكون قتالاً معنى، إذ الوسيلة إلى الشيء حكمها حكم ذلك الشيء، وهذه حالة لا تعرف إلا بالتأمل، والعبد المحجور لاشتغاله بخدمة مولاه، فكان أمانه تركاً للقتال المفروض عليه صورة ومعنى فلا يجوز، فبهذا فارق المأذون لأن الأخير بالقتال يقف على هذه الحالة فيقع أمانه وسيلة إلى القتال فكان إقامة للفرض معنى فهو الفرق.

رابعاً ـ عند الشافعية:

أما الشافعية فإنهم لم يكتفوا بإهمال الحديث عن سد الذرائع ضمن أصولهم بل سارعوا إلى رده وإنكاره، مع أنهم أعملوه في جملة فروع منها:

1 ـ المعذورون في ترك الجمعة، كالمرضى والمسافرين يصلّون الظهر مكانها جماعة أو فرادى كما هو مقرر بالإجماع عندهم.. واستحب الشافعية لهم إذا أدوها جماعة أن يخفوها سداً لذريعة التهمة في تركهم لصلاة الجمعة، فقد نقل النووي عن الشافعي قوله في هذه الحالة:

«استحب لهم إخفاء الجماعة لئلا يتهموا في الدين وينسبوا إلى ترك الجماعة تهاوناً»، قالوا: «هذا إذا كان عذرهم خفياً فإن كان ظاهراً لم يستحب الإخفاء لأنهم لا يتهمون حينئذٍ، ومنهم من قال: يستحب الإخفاء مطلقاً عملاً بظاهر نصه لأنه قد لا يفطن للعذر الظاهر».

2 ـ جاء في المهذب حول ضمان الأجير المشترك قوله:

«وإن كان العمل في يد الأجير من غير حضور المستأجر نظرت، فإن كان الأجير مشتركاً وهو الذي يعمل له ولغيره كالقصّار الذي يقصُر لكل أحد والملاَّح الذي يحمل لكل أحد ففيه قولان:

أحدهما: يجب عليه الضمان.. لأنه قبض العين لمنفعته من غير استخفاف، فضمنها كالمستعير.

الثاني: لا ضمان عليه، وهو الصحيح». قال الربيع: «كان الشافعي رحمه الله يذهب إلى أنه لا ضمان على الأجير ولكنه لا يفتي به لفساد الناس» وهذا من الشافعي رحمه الله من أوضح الأدلة على سد الذرائع، حيث امتنع عن فتوى الناس بما رأى صحته حتى لا يتخذها الفجار ذريعة لا بكل الأحوال.

3 ـ ومن تطبيقات العمل بسد الذرائع عند الشافعية: منع المفطر بعذر في رمضان من الأكل عند من لم يعرف عذره سداً لذريعة التهمة بالفسوق والمعصية.

4 ـ وفي معنى تضمين الصناع: ما جاء في تضمين معلّم السباحة غرق الصبي حتى لا يفرط في الحفظ.

5 ـ ومن صور سد الذرائع عندهم:

تصحيحهم القول بحرمان القاتل من الميراث بكل حال، وذلك لما روى الدار قطني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبيr قال: «لا يرث القاتل شيئاً» أخرجه أبو داود والبيهقي وغيرهما عن عبد الله بن عمرو، وذلك حتى لا يجعل ذريعة إلى استعجال الميراث فوجب أن يحرم بكل حال سداً للباب.

6 ـ ومن ذلك: إجازة قتل ما يتترس به الكفار من أطفال ونساء وأسرى، حتى لا يكون ترك القتال ذريعة إلى ترك الجهاد أو استيلاء الكفار على بلاد الإسلام.

مراتب الأخذ بسد الذرائع في المذاهب الأربعة:

لايعني اتفاق المذاهب الاجتهادية الأربعة على الأخذ بسد الذرائع في ميدان التطبيق أن يكون على درجة واحدة من حيث الأخذ به، بل على مستويات مختلفة متدرجة في السعة وفي كثرة الفروع المندرجة تحته.

فعلى حين أن المالكية يقفون في هذا الميدان بأوسع مجال، يأخذ الشافعية منه بأدنى مستوى وبأضيق نطاق ممكن، كما أن الحنابلة أقرب إلى المالكية، والحنفية أقرب إلى الشافعية. وعلى هذا الأساس تم عرض موقف المذاهب الأربعة وشواهد ذلك في البحث السابق، فتقدم موقف المالكية وشواهدهم عليه، ثم موقف الحنابلة وشواهدهم ثم موقف الحنفية وشواهدهم وأخيراً موقف الشافعية وذلك بالنظر إلى هذه المواقف ذاتها لا إلى الوجود الزمني لهذه المذاهب.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، الجامع لأحكام القرآن (الطبعة الثالثة عن طبعة دار الكتب المصرية 1387هـ/ 1967م).

ـ أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي، أحكام القرآن (الطبعة الأولى، عيسى البابي الحلبي 1376هـ/ 1957م).

ـ أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص، أحكام القرآن (دار الكتاب العربي، بيروت مصورة عن طبعة 1335هـ / 1956م).

ـ أبو العلى محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، تحفة الأحوذي (المكتبة السلفية، المدينة المنورة 1359هـ/1940 م).

ـ محمد زكريا الكاندهلوي المدني، أوجز المسالك إلى موطأ الإمام مالك (طبعة مركز الشيخ الندوي 1424هـ/ 2003 م).

ـ أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، المستصفى من علم الأصول (المكتبة التجارية الكبرى، مصر 1365هـ/ 1937م).

ـ محمد بن علي بن محمد الشوكاني، إرشاد الفحول (مصطفى البابي الحلبي، مصر 1356هـ/1937م)

ـ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، الفروق، وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية للشيخ محمد علي بن الشيخ حسين مفتي المالكية.

ـ محمد أمين بن عابدين، رد المحتار على الدر المختار (طبعة مصورة بدمشق عن طبعة بولاق 1272هـ).

ـ علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاشاني، بدائع الصنائع (الطبعة الأولى، شركة المطبوعات العلمية، مصر 1327هـ).

ـ محمد عرفة الدسوقي، حاشيته على الشرح الكبير، وبهامشه تقريرات الشيخ محمد عليش (طبعة دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي 1319هـ).

ـ أبو زكريا محي الدين بن شرف النووي، المجموع شرح المهذب للشيرازي (دار إحياء التراث العربي، طبعة 1415هـ/ 1995م).

ـ محمد بن أبي العباس ابن شهاب الدين الرملي، نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، مع حاشيته نور الدين علي بن علي الشبراملسي (طبعة مصطفى البابي الحلبي1357هـ/ 1938م).

ـ أبو إسحاق إبراهيم بن موسى الشاطبي، الاعتصام (المكتبة التجارية الكبرى)، والموافقات في أصول الشريعة.

ـ أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، المغني على مختصر أبي القاسم (مطبعة الإمام، مصر 620هـ/ 1223م)

ـ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن القيم، إعلام الموقعين عن رب العالمين (المكتبة التجارية الكبرى، مصر 1374هـ/ 1955م)

ـ ابن تيمية، مجموع فتاواه، جمع عبد الرحمن النجدي الحنبلي وولده محمد (طبعت بأمر ملك السعودية عام 1374هـ/ 1955م).

ـ البرهاني، سد الذرائع في الشريعة الإسلامية، رسالة ماجستير (دار الفكر، دمشق 1406هـ/ 1985م).


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد الرابع: الرضاع ــ الضمان المصرفي
رقم الصفحة ضمن المجلد : 120
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 510
الكل : 31177313
اليوم : 2470