logo

logo

logo

logo

logo

الدفاتر التجارية

دفاتر تجاريه

business books - livres d'affaires

 الدفاتر التجارية

الدفاتر التجارية

محمد سامر عاشور

 الالتزام بمسك الدفاتر التجارية

أنواع الدفاتر التجارية

قواعد تنظيم الدفاتر التجارية وحفظها

التبعات الناجمة عن الإخلال بقواعد تنظيم الدفاتر التجارية

حجية الدفاتر التجارية في الإثبات

   

نظم القانون السوري القواعد القانونية للدفاتر التجارية بالمواد من 16 حتى22 من قانون التجارة رقم 33 لعام 2007  وبين نطاق الالتزام بمسكها وأصول مسكها وتنظيمها وحفظها وتقديمها للقضاء للاطلاع الجزئي عليها، كما جاء القانون بنص جديد في هذا المجال؛ إذ أجاز للتجار مسك حساباتهم إلكترونياً وفقاً للتعليمات التنفيذية التي تصدر عن وزارة الاقتصاد والتجارة.

أولاً- الالتزام بمسك الدفاتر التجارية:

أوجبت المادة (16) من قانون التجارة الالتزام بمسك الدفاتر التجارية على كل تاجر. سواء أكان شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً (شركة)، وسواء أكان سورياً أو أجنبياً.

أما المادة العاشرة من قانون التجارة فإنها تعفي الأفراد الذين يتعاطون تجارة صغيرة أو حرفة بسيطة ذات نفقات زهيدة بحيث يعتمدون في الغالب على مساعيهم البدنية للحصول على أرباح قليلة لتأمين معيشتهم أكثر من استنادهم إلى رأس مالهم النقدي، كالبائع الطواف أو البائع بالمياومة أو الذين يقومون بنقليات صغيرة على البر أو على سطح الماء، ذلك أن تكاليف مسك الدفاتر التجارية يعدّ عبئاً كبيراً على عاتق  هؤلاء الأفراد.

وحدد القانون الدفاتر التجارية التي يُلزم التاجر بمسكها، وهي دفتر اليومية ودفتر الجرد والميزانية وفرض عليه أن يحفظ ويرتب المراسلات التي يتلقاها وصور المراسلات التي يرسلها. وترك للتاجر حرية اختيار الدفاتر التجارية الأخرى التي تستلزمها طبيعة نشاطه التجاري. كما ترك المشرع للتجار حرية مسك حساباتهم إلكترونياً، وفق الضوابط التي تضعها وزارة الاقتصاد والتجارة من خلال تعليمات تنفيذية تصدرها لهذا الغرض. وتتجلى أهمية مسك الدفاتر التجارية في النواحي الآتية:

1- تعرف التاجر على وضعه المالي:

يحتاج التاجر دفاتر تجارية تمكنه من الوقوف على مركزه المالي بصورة منتظمة، لمعرفة وضعه المالي من حيث موجوداته من النقد والبضائع وما له وما عليه من ديون.

2- استخدام الدفاتر وسيلةً في الإثبات:

مسك الدفاتر التجارية يحقق مصلحة التاجر ويعود عليه وعلى دائنيه بالفائدة على حد سواء من حيث الإثبات.

3- اعتبارات تتعلق بمصلحة الخزينة:

تعد الدفاتر التجارية الوسيلة الأساسية التي تتحقق من خلالها وزارة المالية ممثلة بمديرياتها عندما تكلف التجار بضرائب الدخل. فتحدد الضرائب المستحقة من واقع البيانات الواردة فيها دونما إجحاف بدلاً من اللجوء إلى التقدير الجزافي الذي كثيراً ما يكون مثاراً للعديد من الإشكالات.

ثانياً- أنواع الدفاتر التجارية:

1- الدفاتر الإلزامية (الإجبارية):

ألزم قانون التجارة رقم /33/ التاجر بمسك دفترين إجباريين على الأقل وهما دفتر اليومية ودفتر الجرد والميزانية، وفرض على التاجر أن يحفظ ويرتب المراسلات التي يتلقاها وصور المراسلات التي يرسلها (مادة 16/2 من قانون التجارة).

أ- دفتر اليومية: يعد من أهم الدفاتر التجارية، وقد أوجب القانون على التاجر أن يقيد فيه بالتفصيل يوماً فيوماً جميع الأعمال التي تعود بوجه من الوجوه إلى مؤسسته التجارية وتجارته من بيع أو شراء أو قبض أو دفع أو اقتراض وغير ذلك من المعاملات اليومية، وأن يقيد بالجملة شهراً فشهراً النفقات التي أنفقها على نفسه وأسرته، وإذا كان التاجر يتبع الأسلوب الآلي في محاسبته أو مسك دفاتر يومية مساعدة وفق أحكام المادتين (17 و18) من هذا القانون، فله أن يقيد في دفتر اليومية شهراً فشهراً، على أن يحتفظ بجميع الوثائق التي تتيح التدقيق في الأعمال المذكورة.

ويتم القيد في دفتر اليومية وغيره بالاستناد إلى إشعارات قيد أو مذكرات صرف تنظم بالنفقات ويرفق بكل مذكرة مستندها، كالفواتير والإيصالات والعقود والأسناد التجارية والكشوف المصرفية والأحكام القضائية وغيرها من المستندات التي تبين سبب كل قيد ومقداره. وبالرجوع إلى تلك المستندات يمكن التأكد من صحة القيد أو عدمها.

وبالعودة إلى نص المادة (16) من قانون التجارة يتبين أنه ألزم التاجر بأن يقيد بالجملة شهراً فشهراً النفقات التي أنفقها على نفسه وأسرته. ولهذا الإلزام ضرورته وما يبرره، وذلك لمعرفة جميع النفقات التي أنفقها التاجر عند توقفه عن الدفع ومعرفة ما إذا كان تاجراً مقصراً عند شهر إفلاسه وعند حصوله على الصلح الواقي أو الصلح البسيط من دائنيه تجنباً لتعرضه لآثار شهر الإفلاس.

ب- دفتر الجرد والميزانية: يلتزم التاجر بمقتضى الفقرة (2) من المادة (16) من قانون التجارة رقم /33/ بأن يجري كل سنة جرداً لجميع عناصر مؤسسته وحصر ما له من حقوق وما عليه من ديون.

أما الميزانية فهي جدول مؤلف من جانبين أحدهما للموجودات (الجانب الإيجابي) والآخر للديون (الجانب السلبي). والميزانية صورة عن وضع المؤسسة بتاريخ تنظيمها، وغالباً ما تتم أعمال الميزانية في نهاية الدورة المالية. وبمقارنة العجز أو الوفر الظاهر في ميزانيات الدورات المتعاقبة يمكن الوقوف على مدى ما تحقق من الربح والخسارة خلال فترة معينة.

2- الدفاتر التجارية الاختيارية:

تعارف التجار على مسك عدد من الدفاتر التجارية لغاية تنظيم عملهم التجاري وهي:

أ- دفتر المسودة أو الخرطوش: وهو مسودة يدون التاجر فيه العمليات التجارية بمجرد وقوعها ثم تنقل بعناية ودقة إلى دفتر اليومية أو الدفاتر الأخرى حسب نوع العملية إن كان لها دفتر مخصص لدى التاجر.

ب - دفتر الأستاذ: ويطلق عليه دفتر اليومية النوعي وتقيد فيه العمليات التي يراعى فيها وحدة العملية أو وحدة العميل، فيقوم التاجر بقيد البيانات إما بحسب موضوعها، أي التي تتكون من نوع واحد من العمليات بحيث تكون في مجموعة واحدة أو تبعاً للأشخاص العائدة لهم.

ويعد الحساب بصورة جدول يتألف من جزأين: دائن ومدين: ففي الجزء الأيمن من الحساب تقيد العمليات الخاصة بجانب المطلوب من التاجر وهي العمليات التي تجعل الحساب مديناً، وتقيد في الجانب الأيسر العمليات الخاصة بجانب المطلوب للتاجر وهي العمليات التي تجعل الحساب دائناً.

ج- دفتر الصندوق: تقيد في هذا الدفتر كل المبالغ التي تدخل الصندوق والتي تخرج منه.

د- دفتر المستودع: وتقيد في هذا الدفتر البضائع التي تدخل المستودع وتلك التي تخرج منه.

هـ - دفتر الأسناد التجارية: وتقيد في هذا الدفتر تواريخ استحقاق الأسناد التجارية التي يجب تحصيلها من الغير، كما تدون تواريخ استحقاق تلك الأسناد التي يتعين على التاجر الوفاء بقيمتها للغير.

ولا بد من الإشارة إلى أن القانون لم يضع قواعد معينة تحكم مسك الدفاتر الاختيارية أو حفظها، وجعل لها في ذلك قوة محدودة في الإثبات بخلاف الدفاتر الإلزامية.

ثالثاً- قواعد تنظيم الدفاتر التجارية وحفظها:

يخضع مسك الدفاتر التجارية الإجبارية لأحكام خاصة بقواعد تنظيمها بما يضمن صحة بياناتها لإضفاء القوة الثبوتية لها.

أ- تنظيم الدفاتر التجارية:

بينت المواد (16/3 و17 و18و19) من قانون التجارة رقم /33/ قواعد تنظيم الدفاتر التجارية، وتتعلق بالتأشير عليها وأسلوب القيد فيها واللغة التي يجب أن تحرر بها ومدة حفظها.

(1)- واجب التأشير على الدفاتر التجارية: أوجب القانون على التاجر قبل استعمال دفتر اليومية ودفتر الجرد والميزانية أن يتقدم بدفاتره التجارية بعد أن يرقم  كل صفحة من صفحاتها بأرقام متسلسلة، إلى ديوان محكمة البداية المدنية للتأشير عليها ثم ختمها وتوقيعها من قبل رئيس محكمة البداية المدنية، ويتولى مهمة التأشير والتوقيع عليها في المدن أو المناطق التي لا توجد فيها محكمة بداية مدنية قاضي الصلح فيها (مادة 18 من قانون التجارة). والغاية من ذلك حماية الدفتر التجاري.

(2)- طرق القيد في الدفاتر التجارية: ألزم القانون أن تقيد العمليات في الدفاتر التجارية بحسب تاريخ وقوعها دون ترك بياض أو فراغ، ودون نقل إلى الهامش أو تحشية بين السطور أو محو (مادة 17 من قانون التجارة). والغاية من ذلك منع تغيير بيانات الدفتر ومنعاً لأي غش من التاجر. وللسبب نفسه لا يجوز الشطب في الدفاتر كذلك مع أن النص لم يشر إليه. وإذا أراد التاجر تصحيح بيان قيد خطأً أعاد قيد البيان المدون خطأً في الجدول المقابل في تاريخ اكتشاف الخطأ، وهذا ما يطلق عليه «القيد المعاكس أو عكس القيد».

ولا يشترط القانون أن يكون تدوين البيانات بخط التاجر، وغالباً ما يعهد التاجر لأحد المحاسبين تحرير الدفاتر التجارية.

وقد أوجبت المادة (16) فقرة (3) من قانون التجارة تنظيم دفتري اليومية والجرد والميزانية باللغة العربية. وأجاز القانون لوزير الاقتصاد والتجارة أن يعفي المؤسسات الأجنبية التي يحددها الوزير بقرار منه، من وجوب تحرير دفاترها باللغة العربية.

ب - مدة حفظ الدفاتر التجارية:

ألزمت المادة (19) من قانون التجارة التاجر بأن يحفظ الدفاتر التجارية الإجبارية مدة عشر سنوات تبدأ من تاريخ اختتامها.

وأجازت الفقرة الثانية من المادة ذاتها للمؤسسات التجارية التي يعينها وزير الاقتصاد والتجارة، أن تحتفظ لمدة عشر سنوات بالصورة بدلاً من الأصل وبأي وسيلة إلكترونية تعتمدها وزارة الاقتصاد والتجارة، وتكون للصورة حجية الأصل في الإثبات وهذا استثناء من القواعد العامة في الإثبات التي لا تعطي للصورة حجية الأصل نفسها ما لم تكن صورة مصدقة عنه.

ولا يلزم التاجر بتقديم دفاتره للقضاء بعد انقضاء السنوات العشر لقيام قرينة قانونية على إتلافها وهذه القرينة تسمح لصاحبها أن يدعي أنه قد أتلفها. وبالإمكان دحض هذه القرينة بإقامة الدليل على أن الدفاتر لا تزال موجودة في حوزة التاجر، وحينئذ يلتزم  التاجر بتقديمها للقضاء.

رابعاً- التبعات الناجمة عن الإخلال بقواعد تنظيم الدفاتر التجارية:

أوجد القانون تبعات قانونية مدنية وجزائية تفرض في حال إخلال التاجر بالتزامه بمسك الدفاتر التجارية أو تنظيمها.

1- التبعات الجزائية المترتبة على الإخلال بقواعد تنظيم الدفاتر التجارية:

أورد القانون عدداً من المؤيدات الجزائية تفرض في حال إخلال التاجر بالالتزام بمسك الدفاتر التجارية الإجبارية أو عدم تنظيمها، وهي:

أ- إيراد وقائع غير صحيحة في الدفاتر التجارية الإجبارية قد يشكل جنحة تزوير الأوراق الخاصة المعاقب عليها في المادة 460 من قانون العقوبات.

ب- يعاقب التاجر المفلس بعقوبة الإفلاس الاحتيالي، وهي الأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى سبع سنوات، في حال أخفى دفاتره… أو اعترف بديون غير متوجبة عليه سواء في دفاتر أو صكوك رسمية أو عادية أو بموازنة (المادة 675 من قانون العقوبات).

ج- يعاقب التاجر المفلس بعقوبة الإفلاس التقصيري، وهي الحبس من شهر إلى سنة، في حال تبين أنه لم يمسك دفاتر تجارية إجبارية أو لم ينظم الجردة بالضبط أو كانت دفاتره أو جردته ناقصة أو غير أصولية أو لا تبين حقيقة ما له وما عليه ولم يكن مع ذلك ثمة غش (المادة 677/د من قانون العقوبات).

2- التبعات المدنية المترتبة على الإخلال بقواعد تنظيم الدفاتر التجارية:

يترتب على عدم مسك التاجر الدفاتر التجارية وفق أحكام القانون بعض الآثار المدنية يمكن إيجازها فيما يأتي:

أ- عدم التزام التاجر بمسك دفاتر تجارية إجبارية، أو أنها لم تكن منتظمة سيخضعه عند تكليفه بضريبة الدخل إلى التكليف المباشر على أساس تقدير مديرية المالية لأرباحه.

ب- عدم تنظيم الدفاتر التجارية يحرم صاحبها من وسيلة من وسائل الإثبات لحقوقه.

ج- عدم التزام التاجر بمسك الدفاتر التجارية، أو كانت دفاتره غير منتظمة يحرمه من الصلح الواقي من الإفلاس. وهذا الحكم مستخلص من نص المادتين (414 و 415) من قانون التجارة واللتين تقضيان بأنه على المحكمة رد طلب الصلح الواقي في غرفة المذاكرة إذا لم يقدم التاجر تأييداً لطلبه بالصلح الواقي دفاتره التجارية الإجبارية المنظمة وفقاً للأصول منذ ثلاث سنوات على الأقل، أو من بدء احترافه التجارة إذا كانت تقل عن ثلاث سنوات.

خامساً- حجية الدفاتر التجارية في الإثبات:

تعد الدفاتر التجارية من وسائل الإثبات الأساسية في المعاملات التجارية، وقد وضع المشرع أسس وكيفية تنظيم تلك الدفاتر وطرق تقديمها للقضاء لإثبات علاقة تجارية معينة. وتعد قواعد الإثبات بالدفاتر التجارية خروجاً عن القواعد العامة في الإثبات في قانون البينات.

1- مبدأ حرية الإثبات:

إن حرية الإثبات بالدفاتر التجارية ليست مطلقة، بل هي مقيدة ببعض القواعد التي لا يجوز الخروج عنها، وهذه القواعد مقررة في المعاملات المدنية ومن أهمها:

أ- لا يجوز إجبار شخص أن يقدم دليلاً ضد نفسه.

ب- لا يجوز لشخص أن يخلق دليلاً لنفسه ضد غيره.

ولكن السرعة في المعاملات التجارية وطبيعتها الخاصة وما رافقها من تطور قد اضطرت المشرع إلى التضحية ببعض تلك القواعد في سبيل تأمين الحماية للمعاملات التجارية.

2- قواعد الإثبات بالدفاتر التجارية:

وردت قواعد الإثبات بالدفاتر التجارية ضمن القواعد العامة للإثبات في قانون البينات وكذلك وردت على وجه الخصوص في قانون التجارة.

أ- قواعد الإثبات في قانون التجارة: نص قانون التجارة السوري رقم /33/ لعام 2007 في المادتين (20 و21) منه على تسليم الدفاتر التجارية إلى القضاء. وعلى عرضها والمطالبة بها من أجل إثبات المعاملات التجارية. فقد نصت (المادة 20) من قانون التجارة على أنه: «لا تسلم الدفاتر بكاملها إلى القضاء إلا في أحوال الإرث وقسمة الأموال المشتركة والشركة والصلح الواقي والإفلاس». كما نصت المادة (21) منه على أنه: «1- فيما عدا الأحوال المذكورة في المادة السابقة يمكن على الدوام عرض الدفاتر التجارية أو المطالبة بإبرازها لاستخلاص ما يتعلق منها بالنزاع. 2- وللقاضي أن يأمر من تلقاء ذاته تقديم الدفاتر المذكورة للغاية ذاتها». ويلاحظ من هاتين المادتين أن المشرع السوري لم ينص صراحة على جواز قبول الدفاتر التجارية كدليل إثبات أمام القضاء ولكن يمكن أن يُستخلص منهما أنه أقر ضمناً جواز قبولها دليلاً في الإثبات.

ب- قواعد الإثبات في قانون البينات: حدد قانون البينات السوري لعام 1947 وتعديلاته الخطوط العريضة لتطبيق القواعد التي وردت في قانون التجارة فيما يتعلق بالإثبات بالدفاتر التجارية، إلا أنه أضاف قاعدة أخرى وهي أن الدفاتر التجارية الإلزامية إذا كانت منتظمة تكون حجة ملزمة للقاضي في الدعاوى القائمة بين التجار، إذ نصت المادة (14) من قانون البينات السوري على أن: «دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار إلا أن البيانات الواردة فيها عما ورده التجار تصلح أساساً يجيز للمحكمة أن توجه اليمين المتممة لأي من الطرفين».

وفي الواقع إن قوة الدفاتر التجارية تختلف باختلاف أنوعها. فالدفاتر التجارية الإلزامية تعد حجة على صاحبها سواء أكانت دفاتر تجارية منتظمة أم لم تكن كذلك وسواء أكانت تتعلق بتجارته أم بغيرها من المعاملات التي يجريها مع الغير، فيجوز لخصمه سواء أكان تاجراً أم غير تاجر أن يستند في إثبات دعواه على دفاتر المدعى عليه التجارية سواء أكان النزاع متعلقاً بأمور تجارية أم مدنية.

أما الدفاتر التجارية الاختيارية، وهي التي لا يلزم القانون استخدامها وغير منصوص عنها في قانون التجارة، فيجوز للقاضي أن يقبل أو يرد البينة التي تستخلص منها في الدعاوى القائمة بين التجار، فليس لها قوة ثبوتية كالدفاتر الإلزامية، ذلك لأن القانون لا يلزم التاجر بمسكها وتعد قرائنَ قضائية يترك أمر تقديرها لقاضي الموضوع.

ولا بد من الإشارة إلى أن القوة الثبوتية للدفاتر التجارية تختلف أيضاً اختلافاً كبيراً عن القوة الثبوتية للدفاتر والأوراق المنزلية التي يمسكها عادة غير التجار لقيد حساباتهم الخاصة، كرب الأسرة أو التاجر عندما يقيد فيها حسابات لا تتعلق بتجارته. وهذه الدفاتر نصت عليها المادة (18) من قانون البينات.

3- حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر:

المبدأ العام في الإثبات يقضي أنه لا يجوز لشخص أن يوجد دليلاً ضد غيره فالإنسان قد يحتج على غيره بناءً على مجرد أوراق صادرة عنه، والقاضي لا يمكنه أن يقضي له بناءً عليها. غير أن المشرع في قانون التجارة خرج على هذه القاعدة وأجاز للتاجر أن يستند إلى البيانات الواردة في دفاتره التجارية في الإثبات لمصلحته ضد خصمه.

وقوة الدفاتر في الإثبات لمصلحة التاجر تختلف باختلاف صفة خصمه فيما إذا كان تاجراً أو غير تاجر.

أ- حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة تاجر ضد تاجر آخر:

(1)- شروط الإثبات بالدفاتر التجارية: نصت المادة (15) من قانون البينات على أن: «دفاتر التجار الإجبارية تكون حجة: أ-… ب- لصاحبها في المعاملات المختصة بتجارته إذا كانت منتظمة وكان الخلاف بينه وبين تاجر آخر».

يتضح من نص هذه المادة أنه لكي يستطيع التاجر الاستناد إلى البيانات المقيدة في دفاتره التجارية في إثبات حقه ضد خصمه التاجر لابد من توافر الشروط الآتية:

الشرط الأول: أن يكون النزاع بين تاجرين: وذلك لأن التاجر الذي يستند إلى دفاتره ضد خصمه التاجر إنما يواجه في الواقع خصماً يتمتع بالمزايا ذاتها التي يتمتع بها هو أي إنه يملك السلاح نفسه الذي يواجهه به. فكل من الطرفين ملزم قانوناً بمسك دفاتر، واتباع شروط معينة في تنظيمها، وفي ذلك أيضاً تيسير على القاضي إذ يمكنه من مقارنة البيانات الواردة في دفاتر كلا الخصمين فيما يتعلق بموضوع الدعوى المطروحة أمامه.

الشرط الثاني: أن يكون موضوع النزاع متعلقاً بعمل تجاري: في المواد التجارية يمكن الإثبات بجميع وسائل الإثبات بما فيها الدفاتر التجارية، أما إذا كان العمل مدنياً فإنه يخضع لقاعدة الإثبات بالكتابة فيما تزيد قيمته على 500 ل.س سنداً للمادة (54) من قانون البينات. ومن البديهي والمسلم به أنه إذا كان موضوع النزاع مدنياً فلا يجوز للتاجر الاحتجاج بدفاتره التجارية ضد خصمه حتى لو كان تاجراً.

الشرط الثالث: أن تكون دفاتر التاجر منتظمة: يجب أن يكون التاجر قد راعى في مسك الدفاتر التجارية الشروط التي نصت عليها المواد (16و17و18) من قانون التجارة، وذلك حتى يركن القاضي إلى صحة ما جاء فيها من قيود. أي أن تكون الدفاتر التجارية منتظمة، والمراد بالدفاتر المنتظمة هي الدفاتر الإلزامية كدفتر اليومية ودفتر الجرد والميزانية اللذين روعيت في تنظيمهما القواعد القانونية وهو المقصود من صريح المادة 15 من قانون البينات.

وهكذا فإن توافر الشروط الثلاثة السابقة تجيز للتاجر أن يستند إلى البيانات المثبتة في دفاتره كدليل لإثبات الحق الذي يدعيه. على أن هذه الحجية لا تعد دليلاً قاطعاً في الإثبات لمصلحة التاجر فيجوز لخصمه الإثبات بعكس ما جاء فيها بجميع وسائل الإثبات ومنها البينة الشخصية والقرائن عملاً بحرية الإثبات في المعاملات التجارية.

(2)- حالات الاحتجاج بالدفاتر التجارية:

q دفاتر كلا التاجرين منتظمة: إذا كان النزاع بين تاجرين وكانت دفاترهما منتظمة وكان موضوع النزاع متعلقاً بعمل تجاري فإن لهذه الدفاتر حجية كاملة إذا كانت القيود في كل منها متوافقة مع الأخرى.

أما إذا تباينت القيود فإن للقاضي - بمقتضى السلطة التقديرية الممنوحة له بموجب نص المادة (16) من قانون البينات - حرية أن يأخذ بإحداهما على ما يظهر له من ظروف القضية فيرجحها على الأخرى بالاستناد إلى أدلة وقرائن أخرى، أو أن يهمل هذه القيود جميعها ويأخذ بأدلة وقرائن أخرى.

q دفاتر أحد التاجرين منتظمة: عندما تكون دفاتر أحد التاجرين منتظمة ودفاتر الآخر غير منتظمة فإنه من الطبيعي أن يأخذ القاضي بقيود الأول ويرجحها على الدفاتر غير المنتظمة، وذلك بنص المادة (15) من قانون البينات.

q دفاتر الطرفين غير منتظمة: في حال كانت الدفاتر التجارية للتاجرين غير منتظمة فإن للقاضي - وفقاً للمادة (17) من قانون البينات - أن يقرر الأخذ بإحداها كدليل في الإثبات أو يرفضها كلها. ويستند إلى أدلة وقرائن أخرى في ضوء القضية ووقائعها المادية، ويستوي في ذلك أن تكون الدفاتر إلزامية أو اختيارية.

إلا أن ذلك لا يمنع أياً من الطرفين من الاستناد إلى دفاتره كمستند خطي لإثبات دعواه والخصم يستطيع أن يدحض ذلك بجميع وسائل الإثبات المقبولة في المواد التجارية.

ب- حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر ضد غير التاجر:

(1)- النزاع بين التاجر وشخص عادي (غير تاجر): تنص المادة (14) من قانون البينات على أن «دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار إلا أن البيانات الواردة فيها عما أورده التجار تصلح أساساً يجيز للمحكمة أن توجه اليمين المتممة لأي من الطرفين».

كما نصت الفقرة الثانية من المادة (15) من قانون البينات أنه: «…لصاحبها في المعاملات المختصة بتجارته إذا كانت منتظمة وكان الخلاف بينه وبين تاجر». ويتضح من هذه المادة بمفهوم المخالفة أن التاجر لا يستطيع الاستناد إلى دفاتره التجارية المنتظمة إذا كان الخلاف بينه وبين غير التاجر.

فالأصل أن الدفاتر التجارية لا تكون حجة على غير التاجر، إذ المبدأ أن الشخص لا يستطيع أن يستخلص لنفسه دليلاً ضد الغير، ومن ثم فإن جواز استناد التاجر إلى قيوده لإثبات حقه ضد شخص غير تاجر يؤدي إلى عدم تكافؤ القدرة على الدفاع، لأن غير التاجر هو شخص غير مكلف بمسك دفاتر ولا يمتلك السلاح ذاته. ومن ثم فليس من العدل إعطاء التاجر مركزاً قانونياً ما تبعاً لصفته، أي لكونه تاجر ضد شخص آخر غير تاجر.

إلا أن المادة (14) استثناءً خولت القاضي وأعطته سلطة بتوجيه اليمين المتممة بشأن الواقعة المراد إثباتها ولكن بشروط معينة وهي:

1- أن تكون القيود الواردة في الدفاتر تتعلق بما ورده التاجر لغير التاجر من مستلزمات منزلية. أما إذا تعلق الأمر بأمور أخرى - كتسديد قرض مثلاً- فإن هذا الاستثناء لا محل له.

2- للاحتجاج بتلك القيود اشترط المشرع وجوب تكملتها بتوجيه اليمين المتممة من قبل القاضي لأحد طرفي النزاع وليس غيرها من الأدلة. وهذا واضح من نص المادة (14) من قانون البينات.

وبخصوص توجيه اليمين المتممة فقد نصت المادة (121) من قانون البينات على أنه:

«1- اليمين المتممة هي التي توجهها المحكمة من تلقاء نفسها لأي من الخصمين لتبني على ذلك حكمها في موضوع الدعوى، أو في قيمة ما تحكم به. 2- ويشترط لتوجيه هذه اليمين ألا يكون في الدعوى دليل كامل وألا تكون الدعوى خالية من أي دليل».

كما أن المادة (124) من قانون البينات نصت على أنه: «لا يجوز للخصم الذي وجهت له المحكمة اليمين المتممة أن يردها إلى الخصم الآخر». وبذلك يكون من نكل عنها خسر دعواه سواء أكان التاجر أم غير التاجر.

(2)- النزاع بين التاجر والدوائر المالية: تعمد الدوائر المالية عن طريق اللجان المكلفة بجباية الضرائب لتحديد ضريبة الدخل المتوجب فرضها على التاجر إلى الاستعانة في أغلب الأحيان بالدفاتر التي يمسكها التاجر. فهذه الدفاتر تعد حجة على التاجر في مطلق الأحوال فهي إقرار خطي من قبل التاجر بصحة ما ورد فيها.

كما أنها تقبل بينةً لمصلحته إذا كانت منتظمة، وللدوائر المالية الحق في استبعاد هذه الدفاتر إذا وجدت فيها ثغرات لا تسمح بتقدير حقيقة الدخل، فتلجأ إلى تكليف التاجر تكليفاً جزئياً أو تكليفاً كلياً أو تكلفه تكليفاً مباشراً. وإذا كانت دفاتر التاجر منتظمة فإنه ليس لها هذا الحق.

وفي حال توفي التاجر فإن الورثة بإمكانهم الاحتجاج بقيود هذه الدفاتر إذا كانت منتظمة. والدوائر المالية تستطيع أن تفتش بواسطة مفتشيها في هذه الدفاتر مهما كانت صفتها إذا ما حاول الورثة تغيير البيانات الواردة فيها.

وقد ألزم القانون الضريبي التاجر أن يقدم جميع المستندات (كفواتير الشراء، أو قوائم الجرد، أو وثائق صرف… إلخ). التي من شأنها التثبت من صحة البيانات الواردة فيها.

وهكذا، إذا كانت دفاتر التاجر منتظمة ومؤيدة بالوثائق فهي حجة كاملة لمصلحته ضد دوائر المالية.

4- حجية الدفاتر التجارية في الإثبات ضد مصلحة التاجر:

ما يقيده التاجر في دفاتره التجارية يعد حجة عليه سواء أكانت هذه الدفاتر منتظمة أم لا، وما يبرر ذلك قانوناً أن ما دون فيها يعد بمنزلة إقرار خطي صادر عنه بصحة ما ورد فيها، وهذا الإقرار يؤخذ عليه بكماله دونما تجزئة. وهذا ما نصت عليه المادة (15) من قانون البينات، فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص من الدفاتر التجارية دليلاً لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد ما كان مناقضاً لدعواه.

وبذلك تكون الدفاتر التجارية تحمل إقراراً من التاجر وهي حجة عليه بكامل الإقرار من دون تجزئة، وذلك لأن المادة (101) من قانون البينات التي تنص على إمكانية تجزئة الإقرار إذا نص على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يقتضي حتماً وجود الوقائع الأخرى. وقد جاء في تلك المادة: «لا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يقتضي حتماً وجود الوقائع الأخرى».

مثلاً، إذا قيد التاجر في دفاتره ثمن بضاعة اشتراها بالدين من دون سداد ثمنها فوراً ثم قيد وفاء ذلك الثمن فليس لخصمه إثبات دينه بالقيد الأول واستبعاد القيد الثاني عملاً بنص المادة (101) من قانون البينات مدعياً في ذلك بأن ترتيب الدين لا يقتضي الوفاء حتماً. وعليه في هذه الحالة الأخذ بما جاء فيها جملة دون تجزئة وذلك بصريح المادة (15) من قانون البينات ذلك أن هذا النص هو نص خاص ورد بخصوص الدفاتر التجارية استثناءً على القاعدة العامة والنص الخاص يرجح على النص العام.

لكن إذا وقع التاجر في خطأ في أثناء القيد في الدفاتر التجارية فهذا الخطأ يعد واقعة مادية تجيز الإثبات بجميع وسائل الإثبات.

وباعتبار أن إقرار التاجر بدفاتره التجارية يعد إقراراً غير قضائي والمادة (102) من قانون البينات نصت على أن: «الإقرار غير القضائي واقعة يعود تقديرها للقاضي…» فبناء عليه يخضع هذا الإقرار في مدى حجيته وقوته الثبوتية إلى تقدير القاضي، وبإمكان القاضي عد ذلك دليلاً كاملاً ضد مصلحة التاجر أو أن لا يأخذ به أصلاً.

ولم يميز المشرع السوري بين الدفاتر التجارية المنتظمة وغير المنتظمة فيما يخص قاعدة عدم تجزئة الإقرار. وقد أصاب في منحاه هذا، وذلك لأن القيود المدونة في الدفاتر التجارية سواء أكانت منتظمة أم لا ما هي إلا من إعداد التاجر، والمشرع أعطى الغير التمسك بدفاتر التاجر سواء كانت منتظمة أم غير منتظمة، وذلك كي يدفع التاجر إلى الاهتمام بمسك الدفاتر وانتظامها كي يفوت على الغير التمسك بإهماله وجعلها دليلاً عليه.

5- تقديم الدفاتر التجارية للقضاء:

تقضي القواعد العامة بأن الشخص يستطيع أن يتقدم بدليل في الدعوى من تلقاء نفسه لإثبات الحق الذي يدعيه، ويمكن لخصمه أن يتخذ من هذا الدليل أيضاً سنداً لإثبات ما يدعيه إذ يجوز للمحكمة أن تستخلص من المستند الذي يقدمه أحد الأشخاص دليلاً ضده. وهذا الشخص إذا ما رأى أن الاحتفاظ بهذا المستند وعدم تقديمه للقضاء في مصلحته فلا يستطيع خصمه إلزامه بذلك؛ لأنه وفق المبادئ العامة لا يجبر شخص على تقديم دليل ضد نفسه.

غير أن المشرع السوري خرج على هذه القواعد العامة في المادتين (20 و21) من قانون التجارة المشار إليهما. والمشرع السوري خير ما فعل، لأنه عند حصول نزاع بين تاجرين يكون من المفيد توصلاً إلى الحقيقة أن يطلع على الدفاتر التجارية وعلى قيودها موضوع النزاع. غير أن الاستدلال بالدفاتر التجارية ليس حقاً مقرراً للتاجر بحيث تلتزم المحكمة بإجابته إليه. بل هو أمر جوازي للقاضي. والمشرع نظم طريقة تقديم الدفاتر التجارية وهي على طريقتين:

الطريقة الأولى: تسليم الدفاتر بكاملها مباشرة إلى القاضي أو الخبير المنتدب من قبلها (وهذا ما يطلق عليه التسليم للاطلاع الكلي).

الطريقة الثانية: عرض الدفاتر بناء على أمر القاضي على المحكمة أو الخبير المنتدب لاستخلاص ما يتعلق منها بالنزاع.

أ- تسليم الدفاتر التجارية للقضاء (الاطلاع الكلي): لقد نصت المادة (20) من قانون التجارة السوري على تسليم الدفاتر التجارية للقضاء وحددت أحوال التسليم. إلا أنها لم تحدد معنى التسليم ومعيار التسليم وكيفيته.

(1)- مفهوم التسليم: اختلف الفقه والاجتهاد في تعريف التسليم للاطلاع الكلي فمنهم من يرى بأن التسليم: هو تسليم التاجر دفاتره سواء لخصمه أو للمحكمة وجواز تحري مضمونها بكامله.

وبعضهم الآخر يرى، بحق، أن المقصود بالتسليم للاطلاع الكلي هو تسليم الدفاتر للقضاء وحده، لا للخصم. والقضاء هو الذي يحدد الطريقة التي يمكن الاطلاع بها على هذه الدفاتر. وذلك لأن نص المادة (20) من قانون التجارة قد جاء واضحاً وصريحاً، بأن التسليم يكون إلى القضاء وحده، وهذا النص لا يحتمل أي اجتهاد أو تأويل.

والتسليم يعني تخلي التاجر عن حيازة دفاتره. ونظراً لخطورة الاطلاع الكلي (التسليم) على التاجر فإن المشرع السوري قد عمد إلى عدم إجازته (الاطلاع الكلي) إلا في حالات محددة في نص المادة (20) من قانون التجارة وهي:

Ÿ حالة الإرث.

Ÿ قسمة الأموال المشركة.

Ÿ الشركة.

Ÿ الصلح الواقي.

Ÿ الإفلاس.

والحالات التي حددتها المادة (20) تنتفي فيها ضرورة المحافظة على أسرار التاجر، وهي على سبيل الحصر. ويجب عدم الخلط بين الاطلاع على الدفاتر التجارية وفقاً لما هو محدد آنفاً والذي يكون بمناسبة منازعات قضائية، وبين حالات الاطلاع الأخرى المقررة بنص القانون أو الاتفاق، كحق موظفي المالية في الاطلاع على الدفاتر التجارية بمناسبة تحقق الضريبة على أرباح التاجر.

(2)- الدفاتر المتوجب تسليمها: الدفاتر التي يتوجب تسليمها هي الدفاتر المنتظمة التي لم يمر عليها عشر سنوات، أي تلك الدفاتر التي ألزم القانون التاجر مسكها؛ لأن وصف الانتظام لا يرد بالأساس إلا على الدفاتر الإلزامية.

وقد أقر الفقه والاجتهاد بأن للقاضي السلطة بأن يأمر بتسليم الدفاتر التجارية الإلزامية ولو كانت غير منتظمة في الحالات التي حددتها المادة (20) تجارة. وهذا ما نصت عليه المادة (15) من قانون البينات، إذ جاء فيها أن: «دفاتر التجار الإجبارية حجة على صاحبها سواء كانت منتظمة أم لم تكن».  ومن أجل الوصول إلى الحقيقة لا بد من الاطلاع على هذه الدفاتر ولو كانت غير منتظمة، وهذا ما استقر عليه اجتهاد محكمة النقض السورية «الدفاتر التجارية غير المنتظمة أمرها متروك لمطلق تقدير محكمة الموضوع» (نقض سوري قرار رقم 804 تاريخ 22/9/1975).

(3)- طرق التسليم ومكانه: الغاية من التسليم حل النزاع القائم وصولاً إلى الحقيقة وإحقاق الحق. ومن الطبيعي أن يكون طلب التسليم أثناء سير الدعوى.

ويجوز أن يكون التسليم موضوع طلب مستقل تكون الغاية منه حسم نزاع مستقل أو محتمل الحدوث. ومن ثم يجوز اللجوء إلى القضاء المستعجل لتلافي ضياع الوقت وفوات الفرصة، عملاً بنص المادة (78) من قانون أصول المحاكمات المدنية حيث نصت الفقرة الرابعة من هذه المادة أنه: «يقصد بالأمور المستعجلة المسائل التي يخشى عليها من فوات الوقت». وطريقة تسليم الدفاتر تكون بالتخلي عن حيازتها ووضعها تحت تصرف المحكمة. لكن القانون لم يحدد طرقاً خاصة لتسليم الدفاتر. ومن ثم من حق المحكمة المختصة تحديد طريقة التسليم ومهلته ومكانه ومن يحق له تسلمه.

(4)- أحوال التسليم للاطلاع الكلي:

- الإرث: قد يحصل نزاع بين ورثة التاجر إذا ما توفي وأصبحت دفاتره في حوزة أحد الورثة فيقتضي عندئذ الاطلاع على دفاتر التاجر بكاملها لحصر أموال التركة، وتحديد حصة كل ذي حق فيها ويحق لكل وارث وقتها الاطلاع على هذه الدفاتر.

- قسمة الأموال المشتركة: قد يحصل الخلاف بين الشركاء على أموال يملكونها بطريقة الشيوع. كما لو اختلف شركاء في محل تجاري يملكونه على الشيوع، فيجوز للشريك أن يطلب من المحكمة الاطلاع على الدفاتر التجارية.

وأما الذمة المالية للزوج والزوجة فلكل منهما ذمة مستقلة باعتبار أن الزواج في الشريعة الإسلامية لا يعطي الزوج أي حق على أموال زوجته. ومن ثم فإنه لا مجال لإعمال الاطلاع الكلي في حال انقضاء الزوجية. بعكس معظم الدول الأوربية التي يقوم الزواج فيها على وحدة الأموال بين الزوجين وأن الأموال المنقولة تصبح مالاً مشتركاً بين الزوجين فإذا انقضت الحياة الزوجية وجب قسمة الأموال وكان لكل منهما الحق في الاطلاع على الدفاتر والوثائق.

- قسمة الشركات: لم تحدد المادة (20) من قانون التجارة الوقت الذي يحق فيه للشريك الاطلاع على دفاتر الشركة؛ مما يعني أن حق الشريك في الاطلاع على دفاتر الشركة لا يكون وقت التصفية فقط بل يحق للشريك ذلك قبل حلها وأثناء تصفيتها. وهذا ما نصت عليه المادة (487) قانون مدني «الشركاء غير المديرين ممنوعون من الإدارة ولكن يجوز لهم أن يطلعوا بأنفسهم على دفاتر الشركة ومستنداتها وكل اتفاق على غير ذلك باطل».

ولكن حق الاطلاع يختلف باختلاف نوع الشركة فهو يقتصر على الشركاء المتضامنين في شركات التضامن والتوصية. أما في شركة الأموال المساهمة فالقاعدة أنه ليس للشريك المساهم الحق في الاطلاع على دفاتر الشركة وإنما ينوب عنه في ذلك مفتش الحسابات الذي تعينه الهيئة العامة للشركة لهذا الغرض. فيحق لمفتشي الحسابات أن يطلعوا في كل وقت على دفاتر الشركة وحساباتها وأوراقها ويجب أن يضعوا تقريراً خطياً يقدمونه للهيئة العامة عن حالة الشركة وميزانيتها.

- الصلح الواقي والإفلاس: نصت المادة (20) من قانون التجارة على حق طلب تسليم الدفاتر التجارية في حالة الإفلاس والسبب في ذلك يعود إلى أنه عندما يتوقف التاجر المفلس عن أعماله التجارية فلا يعود هناك من فائدة لحفظ أسراره التجارية. أما في حالة الصلح الواقي فإن التاجر يستمر في أعماله التجارية ومن ثم لا يجوز السماح لجميع الدائنين بالاطلاع على دفاتره التجارية حماية لأسراره، وحق الاطلاع يقتصر هنا على القاضي المنتدب والمفوض اللذين يشرفان على التاجر في إدارة أمواله.

والتاجر ملزم بمقتضى قانون التجارة بتقديم دفاتره التجارية الإلزامية المنتظمة وفقاً للأصول منذ ثلاث سنوات على الأقل أو منذ بدء احترافه للتجارة إذا كانت تقل عن ثلاث سنوات تحت طائلة رد طلبه بعرض الصلح الواقي على دائنيه. ويبقى لكل ذي مصلحة أو للقاضي من تلقاء نفسه الحق في طلب تقديم الدفاتر المذكورة في قانون التجارة.

ب- تقديم الدفاتر التجارية للقضاء للاطلاع الجزئي: الاطلاع على الدفاتر التجارية هو أمر حساس لما فيه من احتمال إفشاء أسرار التاجر، لذا عمد المشرع إلى تحديد الحالات التي يجوز للمحاكم أن تقررها في هذا الشأن.

فالمادة (21) من قانون التجارة تقضي بأنه فيما عدا الأحوال المذكورة في سابقتها، (المادة 20 السابق شرحها) يمكن على الدوام عرض الدفاتر التجارية أو المطالبة بإبرازها لاستخلاص ما يتعلق منها بالنزاع، وللقاضي أن يأمر من تلقاء نفسه عرض الدفاتر المذكورة للغاية ذاتها. ويتضح من خلال نص هذه المادة أن المشرع ترك للمحاكم مطلق الصلاحية في إعطاء القرار بالاطلاع الجزئي على الدفاتر التجارية، بمعنى أنها ليست مقيدة في حالات محددة كما هو الحال في موضوع الاطلاع الكلي.

(1)- ماهية العرض: يقصد بالعرض تقديم الدفاتر التجارية للمحكمة للاطلاع فقط على الجزء المتعلق بالنزاع مع بقاء هذه الدفاتر في حيازة التاجر، ويكون هذا الاطلاع إما بناء على طلب الخصم أو عفواً من قبل المحكمة على اعتبار أن للمحكمة مطلق الصلاحية في إعطاء القرار بالاطلاع الجزئي على هذه الدفاتر للوقوف على حقيقة النزاع. ويجب أن يكون هذا الاطلاع جزئياً وبإشراف المحكمة والخبير الذي تنتدبه المحكمة لذلك. فلا يجوز تجاوز هذا الاطلاع إلى الاطلاع الكلي بحجة أن المحكمة سمحت بالاطلاع الجزئي، كما لا يجوز للخبير أن يتجاوز مهمته فيتحرى عن أمور لا تتعلق بالموضوع المدعى به.

(2)- الفرق بين التسليم والعرض: يختلف التسليم عن العرض في أن التسليم يقصد به تقديم جميع الدفاتر بكل محتوياتها للاطلاع عليها، ويجوز طلبها بصورة مستقلة حتى في حالة عدم وجود نزاع، وذلك لأن التسليم تدبير استثنائي نص عليه قانون التجارة في المادة (20) منه، وحدد حالاته الحصرية وهي الإرث وقسمة الأموال المشتركة والشركة والصلح الواقي والإفلاس كما أسلفنا.

أما العرض فهو إجراء قضائي غير استثنائي يمكن أن يطلب في أية دعوى تتعلق بالتاجر بغض النظر عن صفة الخصم أو طبيعة الخلاف الناشئ بينه وبين الآخرين، الأمر الذي يتضح معه بأن الاطلاع الجزئي يتطلب دوماً وجود نزاع أمام القضاء بين التاجر وبين غيره من الخصوم سواء أكانوا تجاراً أم غير تجار.

(3)- طرق وأحوال العرض: لم يحدد المشرع حالات معينة لطلب الدفاتر للاطلاع عليها من قبل المحكمة وإنما قرر مبدأ عاماً، وفق مقتضيات نص المادة (21) من قانون التجارة، مفاده أنه يجوز على الدوام عرض الدفاتر التجارية أو المطالبة بإبرازها لاستخلاص ما يتعلق منها بالنزاع وهذا الاطلاع قد يقرره القاضي من تلقاء نفسه وقد يقرره بناء على طلب التاجر نفسه لمصلحته أو بناء على طلب الخصم.

(4)- النظام القانوني لعرض الدفاتر التجارية:

- الدفاتر المتوجب عرضها: في الواقع، إن قانون التجارة لم ينص صراحة على نوع الدفاتر المتوجب عرضها على المحكمة للنظر في النزاع القائم بشأنها، إلا أنه من المنطق أن الدفاتر الاختيارية والدفاتر الإلزامية غير المنتظمة لا تصلح أن تكون دليلاً كاملاً؛ لأن الدفاتر الاختيارية لا تخضع لقيود وإجراءات قانونية محددة، وصاحبها غير ملزم بمسكها، إلا أنه يجوز الاستئناس بها ضد صاحبها أو لمصلحته ويجب أن يكون قرار القاضي في هذه الحال معللاً. وذلك على خلاف الدفاتر التجارية الإلزامية فهي حجة على صاحبها سواء كانت دفاتر منتظمة أم لم تكن كذلك. وسواء أكانت تتعلق بتجارته أم بغيرها من المعاملات التي يجريها مع الغير فيجوز لخصمه سواء أكان تاجراً أم غير تاجر أن يستند في إثبات دعواه على دفاتر المدعى عليه التجارية سواء أكان النزاع في أمور تجارية أم مدنية. وقد ذهبت محكمة النقض السورية إلى عد الدفاتر التجارية غير المنتظمة أمرها متروك لمطلق تقدير محكمة الموضوع.

- آثار رفض عرض الدفاتر التجارية: ألزم المشرع السوري الخصم بتقديم الدفاتر إلى القضاء وفي ذلك مصلحة للعدالة. وقد نص قانون البينات في المادة (20) منه على الحالات التي يجوز فيها إلزام الخصم بتقديم الأسناد والأوراق التي تحت يده ومن ضمنها الحالة التي تقضي بأنه إذا كان القانون المدني أو التجاري يجيز مطالبته بتقديمها أو بتسليمها، وهذا ينطبق على الاطلاع الجزئي على الدفاتر التجارية وفق ما نصت عليه المادة (21) من قانون التجارة. إذ يتوجب على التاجر تقديم هذه الدفاتر إلى المحكمة للاطلاع على الجزء المتنازع عليه، فإذا أنكر التاجر ولم يقم الطالب بتقديم إثباتٍ كافٍ لصحة الطلب وجب أن يحلف المنكر يميناً «بأن الورقة أو السند لا وجود له وأنه لا يعلم وجوده ولا مكانه وأنه لم يخفه أو لم يهمل البحث عنه ليحرم خصمه من الاستشهاد به».

فإذا لم يقدم التاجر الدفاتر التجارية التي في حوزته في الحال أو في الموعد المحدد من قبل المحكمة، وامتنع عن حلف اليمين وجب على المحكمة في هذه الحالة اعتبار الصورة التي قدمها الطالب عن الوثيقة المتنازع عليها صحيحة ومطابقة للأصل.

وإذا لم يقدم الطالب صورة عن الوثيقة المتنازع عليها ولكنه اكتفى بالإدلاء ببعض البيانات عنها فيما يتعلق بشكلها أو موضوعها، ففي هذه الحالة يجوز للمحكمة أن تأخذ بقوله فيما يتعلق بشكلها وموضوعها وفقاً للبيانات الواردة في الطلب. والأخذ بهذا الطلب هو أمر جوازي للمحكمة، وفي كلتا الحالتين يجوز للمحكمة أن تلجأ إلى الحكم بالغرامة التهديدية، وفق أحكام المادتين (214 و215) من القانون المدني السوري؛ لإجبار التاجر على تنفيذ أوامر المحكمة بتقديمه دفاتره التجارية إليها.

مراجع للاستزادة:

- إلياس حداد ومحمد سامر عاشور، القانون التجاري، بري، بحري، جوي (منشورات جامعة دمشق، 2006ـــ 2007).

- جاك الحكيم، الحقوق التجارية، الأعمال التجارية والتاجر والمتجر، الجزء الأول (منشورات جامعة دمشق، 2006ــــ 2007).

- محمد فاروق أبو الشامات وجمال مكناس، الحقوق التجارية، الأعمال التجارية والتاجر والمتجر (منشورات جامعة دمشق، 2008).

- محمد فريد العريني ومحمد السيد الفقي، القانون التجاري (الأعمال التجارية، التجار، الشركات التجارية) (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2003).

- محمد السيد الفقي، مبادئ القانون التجاري (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2002).

- قانون التجارة رقم 33 لعام 2007.

 


التصنيف : القانون التجاري
النوع : القانون التجاري
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 485
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 554
الكل : 29590704
اليوم : 45620