logo

logo

logo

logo

logo

التكييف القانوني

تكييف قانوني

legal adaptation - adaptation légale

 

 

التكييف القانوني
أحمد حداد

تعريف التكييف القانوني وأهميته

القواعد الأساسية في تكييف الدعوى

ضوابط التكييف

التكييف في مجال القانون الدولي الخاص

التكييف القانوني في القضاء الجزائي

 

أولاً- تعريف التكييف القانوني وأهميته:

1- تعريف التكييف القانوني

يمكن تعريف التكييف القانوني - عامة- بأنه تحديد موضوع النزاع لربطه بمسألة قانونية معيّنة تمهيداً لتحديد القانون الذي يخضع له النزاع.

ويفرض التكييف نفسه في مختلف فروع القانون (المدني، الجزائي، الإداري، الدولي، الخاص…) فهو المفتاح الحقيقي لتلمس الأسس الصحيحة التي تقوم عليها الدعوى، وساحة النزاع دوماً هي الدعوى، وسيد التكييف هو القاضي.

2- أهمية التكييف القانوني

تنص المادة (25) من قانون السلطة القضائية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم (98) تاريخ 15/11/1961 على أن المحاكم على اختلاف درجاتها وأنواعها تفصل في الدعاوى والمعاملات المعروضة عليها في حدود اختصاصها إلا ما استثني بنص خاص.

هذا النص يبين بوضوح أن القضاء المدني العادي هو القضاء المختص، إلا ما يخرج عن اختصاصه بنص. لذا فقد كان لزاماً على المدعي قبل مباشرة الدعوى التحقق من بعض المسائل المهمة التي تشكل مفاصلَ لجهة التكييف، وقد يؤدي تجاهلها إلى العصف بالدعوى، ويُذكر منها:

أ- الصفة والمصلحة والحق في رفع الدعوى باعتبارها حقاً مستقلاً عن ذات الحق الذي ترفع به، كانعدام الحق في مباشرة الدعوى أو سقوطه لسبق الفصل فيه أو لانقضاء المدة المحددة في القانون لمباشرتها، ونحو ذلك مما لا يختلط بالدفع المتعلق بشكل الإجراءات من جهة ولا بالدفع بأصل الحق المتنازع عليه من جهة أخرى.

ب- الاختصاص النوعي (المادة 62) وما يليها من قانون الأصول، وكذلك الاختصاص القيمي الذي لابد من دراسته جيداً لمعرفة قابلية الحكم الصادر عن مرحلة الدرجة الأولى للاستئناف وكذلك قابليته للطعن بالنقض.

ج- التقادم: الذي قيل فيه منذ القدم أنه منافٍ للعدالة والأخلاق، فهو إن كان تقادماً مكسباً جعل الغاصب مالكاً بعد حيازته للشيء مدة معينة، وإن كان مسقطاً يبرئ ذمة المدين إذا تقاعس الدائن عن المطالبة، مع أن مضي الزمن ليس من شأنه أن يخلق حقاً أو يسقط ديناً.

وبما أن المشرع قد أورد التقادم المسقط بين أسباب انقضاء الالتزام والتقادم المكسب بين أسباب كسب الحقوق، فقد كان لمراعاة أحكام التقادم أهمية كبيرة في مباشرة الدعوى، وذلك لاختلاف مهل التقادم بحسب الحق المدعى به.

د- مراعاة أحكام صحة الخصومة والتمثيل لتعلقها بالنظام العام.

هـ- تحديد أحكام المسؤولية التي يبنى عليها، وهل هي مسؤولية عقدية أم تقصيرية.

وبالرغم من أهمية استعراض العناصر المذكورة إلا أنها ليست كل العناصر التي يجب مراعاتها حين التكييف القانوني للدعوى.

وقد يحدث خلل في التكييف يؤدي إلى الالتباس في تحديد الاختصاص بين القضاء العادي والإداري مثلاً، فيؤدي إلى المساس بالاختصاص الولائي الذي يعدّ من النظام العام، مع أن المشرع حدد ضوابط وفواصل للتمييز بينهما.

فقد أوجب في حالةٍ لابد من اعتماد اختصاص القضاء الإداري فيها:

(1) أن تكون الإدارة (أحد أشخاص القانون العام) طرفاً في العقد.

(2) أن يكون للعقد صلة بتسيير مرفق عام أو تنظيمه.

(3) أن يؤخذ في العقد بوسائل القانون العام، بمعنى أن يتضمن شروطاً استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص. وإنه وإن يكن القانون الإداري يعدّ قانوناً له استقلاليته وخصوصيته التي يستقل بها عن القانون المدني؛ إلا أنه لا يعدّ قانوناً استثنائياً عن القانون الخاص بل يعدّ قانوناً متميزاً.

ولاستقلالية القانون الإداري في مجال التكييف القانوني لابد من توضيح النقاط التالية:

Ÿ لا يكون القاضي الإداري ملزماً بتطبيق قواعد القانون المدني على المنازعات الإدارية ما لم يكن هناك نص ملزم.

Ÿ للقاضي الإداري حرية الاجتهاد في حال غياب النص تبعاً لكل حالة؛ لأن أغلب قواعد القانون الإداري هي من إبداع القاضي.

Ÿ تنظم قواعد القانون الإداري علاقات وروابط تكون الإدارة طرفاً فيها باعتبارها تمثل المصلحة العامة، ومن هذا المنطلق تفرض إرادتها على الأطراف.

Ÿ إن القانون الإداري - إلى جانب ترجيح سلطة الإدارة - يتضمن قواعد من شأنها حماية حقوق الأفراد تجاه الإدارة، كنظرية الظروف الطارئة في العقود الإدارية.

Ÿ إن الإدارة بموجب القانون الإداري تملك النزول – مختارة - عن وسائل القانون العام إلى وسائل القانون الخاص.

وتطبيقاً لهذا المبدأ أقر مجلس الشورى اللبناني عدم اختصاصه للنظر في عقود الإدارة المبرمة في سبيل مرفق عام إذا كان طابعها غير إداري؛ لأن مجلس الشورى لا يصلح للنظر في عقود الإدارة المنطبعة بالطابع المدني المحض كعقد استئجار سيارة شحن لاستعمالها في نقل لوازم الورشة، ولا للنظر في تطبيق أحكام القانون المدني المتعلقة بواجبات المستأجر تجاه المؤجر؛ لأن الإدارة بإجرائها مثل هذه العقود تمارس أعمالاً اعتيادية يتعاطاها الأفراد.

ثانياً- القواعد الأساسية في تكييف الدعوى:

وضع المشرع ضوابط وقواعد من أجل تكييف الدعوى التكييف القانوني الصحيح ويمكن تلخيصها بما يلي:

1- تكيف الدعوى وفق ما قرر لها القانون من وصف، ولا عبرة لتكييف الخصوم إن لم يكن موافقاً لأحكام القانون. لذلك فإن القاضي غير مقيد بتكييف الخصوم للدعوى لأنه وحده الملزم بتطبيق القانون التطبيق السليم، وله في سبيل ذلك وصف العقد بأنه عقد وكالة أو هبة… أو رهن حيازة أو بيع وفاء… وفق ما يتبين له.

2- يجب تكييف الدعوى في حدود طلبات الخصوم ودفوعهم، ويبحث القاضي في سبيل ذلك حقيقة المقصود بهذه الطلبات وتلك الدفوع من دون اعتبار للألفاظ التي صيغت بها. لذلك يمكن له اعتبار الدعوى من دعاوى استرداد الحيازة ولو كان المطلوب لفظاً منع التعرض، والعكس صحيح.

ومن آثار ذلك أن الخصم ذاته قد يكون مخطئاً في تكييفه لطبيعة النزاع فيقع على القاضي واجب تقويم هذا التكييف بما يتلاءم مع الوقائع، لكن بشرط تنبيه الخصوم لذلك احتراماً لحقوق الدفاع.

3- المحكمة ملزمة بإعمال أحكام القانون حتى لو لم يثر المدعي أي طلب يتعلق بالقانون الواجب التطبيق؛ لأن الأسباب القائمة والقواعد القانونية الصرفة تعدّ قائمة في الدعوى ومن عناصرها.

4- العبرة بصدور الحكم موافقاً للقانون ولو لم تذكر القاعدة القانونية التي يبنى عليها.

5- العبرة في التكييف بمعاني القانون والربط بينها وبين معاني فهم الواقع.

6- إن إغفال ذكر مواد القانون أو القواعد القانونية التي يبنى عليها الحكم لا يعيبه متى كانت النصوص المطبقة واضحة من خلال الوقائع الواردة في الحيثيات. لكن ما يعيب الحكم ألا يكون هناك اتساق بين الأسباب والمنطوق، كما يعيبه أن يكون هناك تناقض في أسبابه.

ثالثاً- ضوابط التكييف:

ومع ذلك فإن هناك ضوابط فيما يتعلق بتكييف الأحكام من أجل تحديد الوصف الدقيق لكل حكم (حضوري، غيابي، ابتدائي، نهائي، قطعي) وما إذا كان حائزاً على الحجية أم لا؟ ويمكن الإشارة إلى هذه الضوابط بما يلي:

1- التكييف وفقاً لنص القانون لا بحسب المحكمة إذا لم يكن تكييفها صحيحاً، كما لو صدر حكم عن المحكمة على أنه قطعي وبحكم القانون هو غير قطعي والعكس صحيح، حتى إن المحكمة ذاتها لا تتقيد بالتكييف الخاطئ حتى لو كان صادراً عنها.

2- التكييف بحسب نص القانون لا بحسب ما يريد المدعي، فالمدعي يكيف دعواه بالتوصيف الذي يريد، والمدعى عليه يكشف خطأ التكييف من وجهة نظره، والقاضي هو المهيمن على هذا وذاك في سبيل تطبيق التكييف الصحيح.

3- ليس مطلوباً من القاضي أن يمر على جميع الوقائع، فقد يمر على بعضها على نحو صريح، وعلى بعضها الآخر ضمنياً، فيكون للقضاء الضمني حجية الشيء المحكوم به كما القضاء الصريح.

فقد قضت محكمة النقض المصرية بأن إلغاء الحكم الابتدائي الصادر بصحة عقد البيع ونفاذه يتضمن ضرورة رفض هذه الدعوى من دون حاجة إلى التصريح بذلك.

4- لا يعتد بما يرد في الحكم على سبيل غير سبيل القضاء، كما لو تزيدت المحكمة في أسباب حكمها وتطرقت إلى مسألة تخرج عن حدود النزاع المطروح.

ومن المتوجب الإشارة إلى أن تعليل الأحكام مفترض حكماً تحت طائلة البطلان. وقد قصد المشرع من ذلك ضمان عناية القاضي في تقدير ادعاءات الخصوم وما يحيط بها من مسائل قانونية، وتمكين محكمة النقض من ممارسة رقابتها على إصدار الأحكام، وبعث الاطمئنان في نفوس المتقاضين، والتدليل على عدم تحيز القاضي وتنزيهاً له عن مظنة التحكم والاستبداد ودفعاً للشك والريبة؛ ذلك لأن قناعة القاضي ليست كافية بذاتها بقدر ما يجب أن تكون مقنعة لكل مطَّلعٍ على الحكم.

رابعاً- التكييف في مجال القانون الدولي الخاص:

عرَّف الفقهاء القانون الدولي الخاص بأنه «مجموعة القواعد الوضعية التي تنظم مراكز الأفراد القانونية سواء ما تعلق منها بأحوالهم الشخصية أو بتصرفاتهم المالية؛ عندما يكون في هذه المراكز بالنسبة لدولة معينة عنصر أجنبي أو طرف أجنبي».

وهذا يعني أنه يعنى بمنازعات الأفراد ذات الطابع الدولي. والمعروف أن كل دولة تطبق قانونها على رعاياها وداخل إقليمها، إلا أن توسع انتقال الأشخاص والأموال وانتشار العلاقات والنشاطات التجارية الدولية أوجد إمكانية تطبيق الدولة قوانينها على رعاياها في الخارج وكذلك على الرعايا الأجانب المقيمين على إقليمها.

وقامت بناءً على ذلك نظريتان:

الأولى: تبنت مبدأ إقليمية القوانين.

والثانية: تبنت مبدأ شخصية القوانين.

والواضح أنه بالنسبة إلى النظرية الأولى يُطبّق قانون الدولة على كل ما يقع على إقليمها، وعلى كل الأشخاص المقيمين على الإقليم من مواطنين وأجانب.

أما بالنسبة إلى النظرية الثانية فإنها تستهدف تطبيق قانون الدولة على رعاياها سواء كانوا داخل الإقليم أم خارجه، ولا تطبق على الأجانب المقيمين في الداخل. وترد على كل منهما استثناءات.

1- تعريف التكييف القانوني في القانون الدولي الخاص:

يعَّرف التكييف القانوني بأنه تحديد طبيعة موضوع النزاع من أجل ربطه بإحدى مجموعات الإسناد لمعرفة قاعدة الإسناد واجبة التطبيق، ومن ثم القانون الذي يحكم النزاع.

وتطبيقاً لهذا التعريف فإنه يتحتم على القاضي الناظر في منازعات الأفراد ذات الطابع الدولي تحديد طبيعة موضوع النزاع لربطه بإحدى المجموعات التي يجمعها ذات النسيج القانوني بهدف التوصل إلى قواعد الإسناد المعنية، فالقانون واجب التطبيق. ولهذا يحتل التكييف القانوني الأهمية الكبيرة فيما يتعلق بتحديد طبيعة موضوع النزاع وكأثر مباشر لها.

فعلى فرض أن نزاعاً يتعلق بصحة وصية (مثلاً) فإن الأمر يستلزم من القاضي تلمس ما إذا كان النزاع منصباً على شكل الوصية أم موضوعها؛ لأنه قد يكون القانون الذي يحكم هذه غير القانون الذي يحكم تلك.

وبصدد مسألة تتعلق بخلاف بين زوجين (مثلاً) يستلزم الأمر من القاضي البحث فيما إذا كان النزاع منصباً على صحة الزواج أم على أسباب الطلاق؛ لأن كلاً من الحالتين قد يحكمها قانون مختلف لذلك يتوجب التكييف الصحيح لطبيعة النزاع بهدف تحديد المجموعة القانونية التي يجب الاعتماد عليها لتحديد قواعد الإسناد.

2- مذهب القانون السوري:

أخضع القانون المدني السوري التكييف لقانون القاضي حين نص في المادة (11) منه على ما يلي:

«القانون السوري هو المرجع في تكييف العلاقات عندما يطلب تحديد هذه العلاقات في قضية تتنازع فيها القوانين لمعرفة القانون الواجب تطبيقه من بينها».

وإذا كان من اليسير تطبيق القانون السوري على تكييف المنازعات الفردية فيما يتعلق بالأموال والالتزامات التعاقدية وغير التعاقدية؛ إلا أن الأمر يدق فيما يتعلق بالأحوال الشخصية كما سيرد ذكره فيما بعد.

ولما كان لقواعد الإسناد التي يتوجب الرجوع إليها أهمية كبيرة في تحديد القانون واجب التطبيق فلا بد من التعريف بمصادرها.

3- مصادر قواعد الإسناد:

أ - يُعدّ القانون المدني السوري المصدر الرئيسي لهذه القواعد.

ب - المعاهدات والاتفاقيات الدولية: يُعدّ من مصادر هذه القواعد ما نصت عليه المادة (25) مدني، إذ ورد فيها: «لا تسري أحكام المواد السابقة إلا حيث لا يوجد نص على خلاف ذلك في قانون خاص أو معاهدة دولية نافذة في سورية».

وهذا يعني بطبيعة الحال أن المشرع أعطى المعاهدات والاتفاقيات الدولية ترجيحاً على غيرها من المصادر.

ج - مبادئ القانون الدولي الخاص التي جاءت على ذكرها المادة (26) مدني والتي جاء نصها كما يلي: «تتبع فيما لم يرد في شأنه نص في المواد السابقة من أحوال تنازع القوانين مبادئ القانون الدولي الخاص».

لذلك فإن هذه المصادر الثلاثة تعدّ رئيسيةً وتشتق منها قواعد الإسناد التي يجب تبنيها للوصول إلى القانون واجب التطبيق على الحالة المعروضة.

4- قواعد الإسناد في القانون السوري:

ذكر فيما سلف أن القانون المدني السوري يعدّ المصدر الرئيسي لقواعد الإسناد، ولذلك فإنه جاء على ذكرها في الفصل الأول من الباب التمهيدي فتحدث في المــــــــــــــــــواد (7-10) عن تنازع القوانين من حيث الزمان، وفي المواد من (11-30) عن تنازع القوانين من حيث المكان.

ويمكن إرجاع هذه القواعد إلى الفئات التالية:

أ- القانون الواجب التطبيق فيما يتعلق بالمسائل المتعلقة بالأشخاص: فقد نصت المادة (12) مدني على أنه بالنسبة إلى الحالة المدنية للأشخاص يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون إليها بجنسيتهم.

أما بالنسبة إلى الأشخاص الاعتبارية فإن القانون أخضعها لقانون مركز الإدارة الرئيسي والفعلي. (المادة 12/2 مدني).

كما أخضعها للقانون السوري فيما إذا باشرت نشاطها الرئيسي في سورية.

أما فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق على الأهلية فلا بد من تطبيق قانون جنسية الشخص إنفاذاً لنص المادة (12) من القانون. ولهذا المبدأ استثناء يرد عليه؛ وهو أنه على فرض ارتباط مواطن سوري بتصرف مالي عقد في سورية وتترتب آثاره فيها كما لو كان الشخص الآخر هولندياً لا يبلغ سن الرشد إلا بإتمام الثالثة والعشرين، في حين أن تصرفه المالي المعقود مع السوري كان في سن التاسعة عشرة؛ فإن القاضي السوري في مثل هذه الحالة لا يعتد بنقص أهليته ويلزمه بعقده فيما لو توافرت الشروط الأخرى المنصوص عنها في الفقرة (1) من المادة (12) من القانون.

ب- القانون الواجب التطبيق على الأموال: أما بالنسبة إلى الأموال فقد كانت عبارة المشرع واضحة في المادة (19) من القانون. فالحقوق العينية كالحيازة والملكية وغيرها يسري عليها قانون الموقع فيما يختص بالعقار. أما في المنقول فيسري قانون الجهة التي يوجد فيها وقت تحقق السبب الذي ترتب عليه كسب الحيازة أو الملكية أو الحقوق العينية الأخرى أو فقدها.

أما بالنسبة إلى الأموال غير المادية كالملكية الأدبية والفنية وغيرها مما يصعب تحديد موقعها باعتبارها منقولات غير حسية فقد تعددت فيها المذاهب لجهة القانون واجب التطبيق ونظمتها بعض الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، إلا أن هذه القواعد الاتفاقية - من ناحية عملية - لا تسري إلا بين الدول المتعاقدة.

وبالنسبة إلى الحقوق الشخصية الناجمة عن العقود أو الوقائع القانونية فقد صنفها الفقهاء في حقل المال المعنوي وأخضع انتقال الدين لقانون المصدر كما في حوالة الحق… كما أنه يرد على هذا المبدأ استثناءات تتعدد بتعدد آراء الفقهاء.

ج- القانون الواجب التطبيق على العقود: الأساس احترام سلطان الإرادة بإخضاع العقد للقانون الذي اختاره المتعاقدان. أما إذا لم يكن هناك اتفاق واتحدا موطناً فيطبق قانون الموطن المشترك، فإن اختلفا موطناً فقانون مكان إبرام العقد (المادة 20) من القانون.

وفي الفقرة الثانية من المادة (20) يخرج المشرع العقارات عن المبدأ الذي أقره في الفقرة الأولى بإخضاع العقار لقانون الموقع فيما يتعلق بالعقود التي أبرمت بشأنه.

د- القانون الواجب التطبيق على الالتزامات غير التعاقدية: يقصد بهذا النوع من الالتزامات تلك الناجمة عن أفعال ضارة (غير مشروعة) أو نافعة (مشروعة). هنا أيضاً تتعدد الآراء في موضوع القانون واجب التطبيق، لكن المادة (22) مدني أخضعتها لقانون البلد الذي وقع فيه الفعل المنشئ للالتزام، وذلك عدا ما يتعلق بالالتزامات الناشئة من الفعل الضار فقد أخرجها المشرع من مظلة أحكام الفقرة الأولى من المادة المذكورة بالنسبة إلى الوقائع التي تحدث في الخارج وتكون مشروعة في سورية وإن كانت غير مشروعة في البلد الذي وقعت فيه.

خامساً- التكييف القانوني في القضاء الجزائي:

إن الدعوى الجزائية بطبيعتها تختلف عن الدعوى المدنية؛ لأن الدعوى المدنية تتكون في نزاع بين شخصين على مصالح، في حين تقوم الدعوى الجزائية بين المجتمع من جهة والفرد من جهة أخرى. وهي تدور حول إزالة الاضطراب ورأب الصدع الذي أحدثته الجريمة في المجتمع ولذلك فهي تختلف عن الدعوى المدنية من حيث الموضوع والخصوم والهدف، وإضافة إلى ذلك فهي تعنى بدراسة شخصية المتهم بمقدار ما تعنى بدراسة الجريمة بل أكثر.

كما أن الفقهاء اتفقوا على أن القوانين الجزائية الموضوعية أي المتعلقة بالتجريم يجب أن تفسر في أضيق الحدود وخاصة إذا كانت في غير مصلحة المتهم، لكنها من حيث الشكل يجوز أن تفسر تفسيراً واسعاً، كما يجوز فيها اللجوء إلى القياس والاستنتاج بخلاف القوانين الموضوعية.

ويعدّ أمر مباشرة الدعوى الجزائية منوطاً بالنيابة العامة، إما من لدنها، وإما جبراً في حال تنصيب الشاكي نفسه مدعياً شخصياً (المادة 1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وتضع المحاكم الجزائية يدها على الدعوى بإحدى الطرق التالية:

في الجنح: إما بالادعاء المباشر، وإما بقرار الظن الصادر عن قاضي التحقيق أو قاضي الإحالة، وإما بناءً على إحالة النيابة العامة في حالات الجنح المشهودة والجنح والمخالفات المرتكبة في أثناء المحاكمة.

في الجنايات: من خلال قرار الاتهام الصادر عن قاضي الإحالة.

q مدى سلطة القاضي الجزائي في التكييف القانوني:

يقصد بالتكييف القانوني في القضايا الجزائية تحديد نوع الجريمة ووصفها وطبيعتها الحقيقية.

وإذا كان المشرع هو الذي يحدد أوصاف كل جريمة كما يحدد أركانها وعناصرها فإن دور القاضي الجزائي يتعين:

Ÿ باستخلاص أوصاف الجريمة من خلال تحليل الوقائع المعروضة عليه في الدعوى.

Ÿ والتثبت من أن أركان الجريمة وعناصرها كما يحددها النص القانوني متوافرة في ملف الدعوى.

ويمكن الإطلال على سلطة القاضي الجزائي في الدعوى وفقاً لما يلي:

1- مرحلة التحقيق الابتدائي:

أ - النيابة العامة: وهي الجهة الموكل إليها أمر استقصاء الجرائم وجمع أدلتها، فإذا توافرت عناصر جرم منصوص عليه في قانون العقوبات أو القوانين الخاصة قامت بتحريك الدعوى العامة وفقاً لأحكام القانون.

ب- قضاة التحقيق: ويعدّ من أهم مهامهم تولي التحقيق في الجنايات التي تحال أمامهم، وكذلك في بعض الجنح المهمة، وذلك بالبحث عن الفاعل والكشف عن الأدلة وجمعها؛ والتوثق من توافق مواصفات الجرم وطبيعته مع معطيات النص القانوني وأركانه.

ولقاضي التحقيق أن يضفي على الواقعة وصفاً قانونياً مختلفاً عن الوصف الذي اعتمدته النيابة العامة في ادعائها أو المدعي الشخصي في استدعائه. فله – مثلاً - أن يحول وصف الجرم من سرقة إلى احتيال أو إساءة ائتمان؛ إذا تبين له ذلك من خلال وقائع الدعوى ومجريات التحقيق. وتبعاً لذلك يمكن أن يحيل الظنين إلى قضاء الحكم (صلح، بداية) إذا كان التوصيف جنحياً، أو أن يتهم المدعى عليه محيلاً الملف إلى قاضي الإحالة إذا كان الجرم يشكل جناية.

ج- قضاة الإحالة: يضع قاضي الإحالة يده على الملف الجزائي بوصفه بوابة القضايا التي تحال من قبله إلى محكمة الجنايات. فله وحده إحالة الدعوى الجنائية إلى المحكمة المذكورة، كما أن له إحالة الملف إلى محكمة الصلح أو البداية حسب الاختصاص إذا تبين له أن الجرم يشكل جنحة.

وهو إلى جانب ذلك يعد مرجعاً استئنافياً للقرارات التي تصدر عن قاضي التحقيق، كما أن له تقرير منع محاكمة المتهم أو تقرير عدم مسؤوليته وإطلاق سراحه إذا تبين له أن الفعل لا يشكل جرماً أو أن الأدلة غير كافية لاتهام المدعى عليه.

وهذا يعني - بطبيعة الحال - أنه هو الآخر لا يتقيد بالوصف القانوني الذي تبناه قاضي التحقيق، وله في سبيل ذلك أن يوَّصف الفعل أنه جنحة بدلاً من جناية، والعكس.

ويدخل ضمن ولايته التوسع في التحقيق إذا اقتضى الأمر ذلك، كما أن له أن يأمر بإجراء تحقيق جديد في وقائع لم ترد إطلاقاً في قرار قاضي التحقيق، وذلك وفقاً للمادتين (146،147) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

2- مرحلة الحكم:

يبسط قاضي الحكم يده على الدعوى الجزائية، ويتولى تكييفها التكييف القانوني السليم من خلال وقائعها ووفق نصوص القانون وقناعته الوجدانية فيصدر حكمه بالإدانة أو بالبراءة.

ومن نافلة القول أن المحكمة التي ترفع إليها الدعوى الجزائية غير مقيدة بالوصف أو التكييف الذي تعتمده النيابة العامة أو قضاء التحقيق أو الإحالة، ولها الحق في اعتماد التوصيف الذي تراه منطبقاً على الجرم.

إلا أن سلطان المحاكم فيما يتعلق بالتكييف القانوني يقل عن سلطان القاضي في مرحلة التحقيق الابتدائي، وهي إذا ارتأت تعديل الوصف القانوني للجريمة لا تخرج عن الحالات التالية:

أ - حالة تعديل الوصف مع بقاء الجرم ضمن اختصاص المحكمة: كما لو كانت محكمة بداية الجزاء تنظر في جرم سرقة جنحي الوصف، وتبين أنه إساءة ائتمان، فتلجأ المحكمة إلى تعديل الوصف وتبت في موضوع الدعوى.

ب - حالة تعديل الوصف بما يخرج الجرم من اختصاص المحكمة: كما لو كان الجرم منظوراً أمام محكمة بداية الجزاء على أنه (احتيال) فتبين بنتيجة المحاكمة أنه (جناية سرقة)، فعلى محكمة البداية في هذه الحالة إعلان عدم اختصاصها حيث تحال الدعوى إلى محكمة الجنايات.

ج- حالة تعديل الوصف من قبل محكمة الجنايات من جنائي إلى جنحوي: في هذه الحالة تتولى محكمة الجنايات الحكم في الجرم ولو خرج عن اختصاصها النوعي، انسجاماً مع قاعدة (من يملك الأكثر يملك الأقل). ومع نص المادة (320) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

وإذا كان ما سبق الحديث عنه هو سلطة التكييف القانوني للقضاء الجزائي وأثره في الاختصاص النوعي، إلا أن للقضاء الجزائي أيضاً سلطة التكييف في معرض تحديد القانون الجزائي الواجب التطبيق من حيث المكان فيما يطلق عليه قانون العقوبات السوري تعبير الصلاحية الإقليمية والصلاحية الذاتية والصلاحية الشخصية والصلاحية الشاملة المنصوص عنها في المواد (15-23) من قانون العقوبات السوري.

يتبين مما سلف مدى اتساع سلطة القضاء الجزائي في التكييف القانوني عنها في مجال القضاء المدني، ففي حين يتقيد القاضي في المجال المدني بالنص القانوني وبإرادة المتعاقدين في الالتزامات العقدية؛ فإن القناعة الوجدانية إضافة إلى نص القانون ذات أثر كبير في التكييف فيما يتعلق بالقضاء الجزائي.

مراجع للاستزادة:

 

- فؤاد ديب، القانون الدولي الخاص (تنازع القوانين) (مطبعة جامعة دمشق، الطبعة السادسة 1997- 1998).

- أحمد أبو الوفا، أصول المحاكمات المدنية (الدار الجامعية للطباعة والنشر، طبعة 1983)

- المستشار أنور طلبة، موسوعة المرافعات المدنية والتجارية، الجزء الأول (منشأة المعارف).

- إدوار عيد، موسوعة أصول المحاكمات والإثبات والتنفيذ، الجزء الثالث، نظرية المحاكمة (طبعة 1985).

- هدى محمد مجدي، مقال منشور في مجلة التحكيم العربي بعنوان «طبيعة وآثار الدفع بعدم قبول الدعوى لوجــــــــــــــــــود شرط تحيكم»، العدد العاشر، سبتمبر 2007 (ص 73).

- عبد الحميد الشواربي والمستشار المساعد أسامة عثمان، أحكام التقادم في ضوء القضاء والفقه (منشأة المعارف، الاسكندرية، جلال حزي وشركاه).

- إبراهيم عبد العزيز شيحا، الوسيط في القانون الإداري (منشورات الدار الجامعية).

- أحمد أبو الوفا، نظرية الأحكام في قانون المرافعات (منشأة المعارف، الإسكندرية، جلال حزي وشركاه، الطبعة السادسة 1989).

- قرار نقض 11 نوڤمبر 1954، القضية رقم 96 سنة 21، منشور في نظرية الأحكام في قانون المرافعات، المرجع السابق، (ص 365).

- ماجد حلواني، الوجيز في الحقوق الدولية الخاصة، الجزء الأول (مطبعة الآداب والعلوم 1385هـ/ 1965م).

- محمد حسين منصور، المدخل إلى القانون، الكتاب الأول، القاعدة القانونية (دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت) (ص 263).

- محمد الفاضل، الوجيز في أصول المحاكمات الجزائية، الجزء الأول (ص15) الطبعة الثانية (مطبعة جامعة دمشق، 1963).

 

 


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 245
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 505
الكل : 31175819
اليوم : 976