logo

logo

logo

logo

logo

التدابير الإصلاحية

تدابير اصلاحيه

educative measures - mesures éducatives

 التدابير الإصلاحية

التدابير الإصلاحية

عبد الجبار الحنيص

 المفهوم العام للتدابير الإصلاحية

أنواع التدابير الإصلاحية

 

القاعدة العامة أنه إذا ارتكب الحدث الذي أتم العاشرة ولم يتم الثامنة عشرة من عمره أي جريمة فلا تفرض عليه سوى التدابير الإصلاحية المقررة قانوناً. وثمة استثناء وحيد يتمثل في توقيع عقوبات مخففة على الحدث الذي أتم الخامسة عشرة من عمره في حال ارتكابه جناية، ويجوز أن تجمع معها بعض التدابير الإصلاحية Les mesures éducatives.

أولاً: المفهوم العام للتدابير الإصلاحية

1- مفهوم التدابير الإصلاحية: توجد في أوساط الفقه والقضاء ثلاثة آراء مختلفة بصدد تحديد مفهوم التدابير الإصلاحية المقرر للأحداث الجانحين، وهي:

أ- الرأي الأول: يرى أن التدابير التي تفرض على الحدث الجانح هي بمنزلة وسائل تربية وإصلاح وتقويم، وليست عقوبات؛ حيث إن التدبير الإصلاحي هو رد فعل المجتمع الذي لا ينطوي على معنى الإيلام المقصود.

ب- الرأي الثاني: يرى في التدابير التي يواجه بها الحدث الجانح عقوبات حقيقية؛ لأنها تهدف إلى التأديب والإصلاح وهما هدف مشترك للعقوبات والتدابير على حد سواء. وإذا كانت هذه التدابير تخلو من معنى العقاب فما الذي يمنع من فرضها على الصغار دون سن التمييز.

ج- الرأي الثالث: يرى في التدابير الإصلاحية - كإيداع الحدث معهداً إصلاحياً لتقويمه - أنها ليست عقوبات وإنما هي من إجراءات التحفظ الإداري.  

وقد تبنت محكمة النقض السورية الرأي الأول، حيث استقر قضاؤها على أن التدابير المقررة للأحداث الجانحين ليست من نوع العقوبة لأنها لم تشرع للعقاب والزجر. ورتبت على هذا الرأي بعض النتائج القانونية الهامة.

فالتدابير المقررة في المادة الرابعة من قانون الأحداث رقم 18 لسنة 1974 وتعديلاته ليست عقوبات بالمفهوم التقليدي، لاختلاف كل منها عن الآخر من حيث الطبيعة والهدف.

فالتدبير الإصلاحي يختلف عن العقوبة من حيث الطبيعة، فتقوم العقوبة في جوهرها على الإيلام المقصود للمجرم عن طريق مساسها حريته أو اعتباره أو ماله. وهذا يتطلب أن تكون العقوبة متناسبة مع مدى جسامة الجريمة. في حين يقوم التدبير الإصلاحي في جوهره على مد يد العون إلى الحدث الجانح لتقويمه وإعادة تأهيله اجتماعياً. وإذا ترتب على تنفيذ التدبير الإصلاحي إيلام شخص الحدث كإيداعه معهداً للإصلاح أو مأوى احترازياً فإن ذلك يكون عرضاً وغير مقصود.

ويختلف أيضاً التدبير الإصلاحي عن العقوبة من حيث الهدف، فالعقوبة مازالت محتفظة بوظيفتها التقليدية المتمثلة بتحقيق الردع العام، أي تخويف الآخرين من غير المجرم وتهديدهم ومنعهم من محاكاة هذا الأخير. أما التدبير الإصلاحي فإنه يهدف أساساً إلى تحقيق الردع الخاص عن طريق إصلاح الحدث فعلاً وليس التضييق عليه كما هو الحال بالنسبة للعقوبات التي تفرض على غير الأحداث.  

هذا وإن عدم تشميل الحدث الذي لم يتم العاشرة من عمره بأحكام التدابير الإصلاحية لا يعني أنها عقوبات تستوجب الأهلية للمسؤولية الجزائية. والتوجه الحديث يميل إلى ضرورة شمول ولاية محاكم الأحداث للطفل منذ ولادته لأن وظيفتها تختلف جذرياً عن وظيفة المحاكم الجزائية العادية. 

2- النتائج المترتبة على الاختلاف بين التدابير الإصلاحية والعقوبات: التدابير التي يواجه بها الحدث الجانح ليست عقوبات، وإنما هي وسائل علاجية تقويمية غايتها إصلاحه وإعادته معافى من الانحراف. ويترتب على ذلك النتائج الآتية:

أ- تدابير الإصلاح تفرض تبعاً لحالة الحدث: فلا ينظر القاضي إلى جريمة الحدث إلا من ناحية أنها تدل على انحرافه ومدى سوء حالته، وهذا ما أكدته المادة الخامسة من قانون الأحداث لسنة 1974 وتعديلاته حيث جاء فيها أن: «للمحكمة أن تحكم بتطبيق التدابير الإصلاحية التي تراها كفيلة بإصلاح حال الحدث في ضوء المعلومات المتوفرة لديها عن حالة الحدث النفسية والاجتماعية».

ب- عدم تطبيق قوة القضية المقضية: ومفاد ذلك أنه يجوز للمحكمة مباشرة -أو بناء على طلب الحدث أو وليّه أو وصيّه أو محاميه أو مراقب السلوك- تبديل التدبير الإصلاحي المحكوم به على الحدث أو تعديله وذلك بعد مرور ستة أشهر على الأقل على البدء بتنفيذه.

ج- عدم تطبيق أحكام الإعفاء والتخفيف والتشديد على التدابير الإصلاحية: نصت المادة 240 من قانون العقوبات على أن العذر المحل يعفي المجرم من كل عقاب، ولكن يمكن للمحكمة مع ذلك أن تفرض تدابير إصلاحية.

وكذلك رأت محكمة النقض السورية أن الأحكام المتعلقة بالأعذار المخففة القانونية والأسباب المخففة التقديرية والأسباب المشددة بما في ذلك التكرار واعتياد الإجرام المنصوص عليها في المواد 241-259 من قانون العقوبات تنحصر في الجرائم التي تنتهي بفرض العقوبة على الفاعل، ويستوي أن يكون الجرم المرتكب من نوع الجناية أو الجنحة أو المخالفة (نقض سوري، جنحة قرار 436 تاريخ 12/5/1970)؛ ولأن التدابير الإصلاحية ليست من نوع العقوبة فلا تشملها هذه الأحكام. 

د- عدم جواز تعليق تنفيذ التدابير الإصلاحية: ويقصد بذلك أن التدابير الإصلاحية لا تخضع لمؤسستي الحكم مع وقف التنفيذ ووقف الحكم النافذ المنصوص عليهما في المواد 168-177 من قانون العقوبات.

للقاضي عند القضاء بعقوبة جنحية أو تكديرية أن يأمر بوقف تنفيذها إذا لم يسبق أن قضي على المحكوم عليه بعقوبة من نوعها أو أشد. و باعتبار أن التدابير الإصلاحية لم تشرع للعقاب والزجر فأنه لا يجوز قانوناً وقف تنفيذها (نقض سوري، جناية قرار 540 تاريخ 26/10/1959، جنحة قرار 430 تاريخ 10/ 3/ 1963، جنحة قرار 1156 تاريخ 27/4/1964).

وكذلك للقاضي أن يفرج عن كل محكوم عليه بعقوبة مانعة أو مقيدة للحرية، جنائية كانت أو جنحية، بعد أن ينفذ ثلاثة أرباع عقوبته إذا ثبت أنه صلح فعلاً. والتدابير الإصلاحية لا تخضع لأحكام وقف الحكم النافذ لأنها ليست من هذه العقوبات.

هـ- القاعدة العامة أن التدابير الإصلاحية لا تسقط بالعفو: يصدر العفو العام عن السلطة التشريعية، وهو يسقط كل عقوبة أصلية كانت أو فرعية أو إضافية، ولكنه لا يشمل التدابير الإصلاحية إلا إذا نص قانون العفو صراحة على ذلك (المادة 150 من قانون العقوبات).

ولم تشر المواد 151-155 من قانون العقوبات المتضمنة أحكام العفو الخاص إلى التدابير الإصلاحية المقررة للأحداث الجانحين، وهذا يُفسر على أنه لا يجوز تطبيق مؤسسة العفو على من يحكم عليه بتدابير إصلاحية. 

و- لا مفعول لصفح المجني عليه على التدابير الإصلاحية: نصت المادة 156 من قانون العقوبات على أن: «صفح المجني عليه في الأحوال التي يعلق فيها القانون إقامة الدعوى العامة على تقديم الشكوى أو الدعوى الشخصية يسقط دعوى الحق العام ويوقف تنفيذ العقوبات إلا إذا نص القانون على خلاف ذلك. ولا مفعول لهذا الصفح على التدابير الإصلاحية». 

ولكن محكمة النقض في تطبيقها لهذا النص فرقت بين حالتين  (نقض سوري، جنحة قرار 1573 تاريخ 5/4/1963، جنحة قرار 2264 تاريخ 4/10/1965):

الحالة الأولى: الدعاوى التي صدرت بها أحكام تقرر تدابير إصلاحية بمواجهة الأحداث، وهذه لا يؤثر فيها صفح المجني عليه تطبيقاً لنص المادة المذكور.

الحالة الثانية: الدعاوى التي لم تصدر بها أحكام بعد، فإن الصفح يُسقط دعوى الحق العام عن الحدث الملاحق تبعاً لإسقاط المشتكي دعواه.

ز- تخضع التدابير الإصلاحية لتقادم خاص بها: فقد خص المشرع التدابير الإصلاحية بأحكام خاصة تختلف عن تلك المتعلقة بالعقوبات، حيث نصت المادة 166 من قانون العقوبات على أنه: «لا ينفذ تدبير إصلاحي أغفل تنفيذه سنة كاملة إلا بقرار يصدر عن محكمة الأحداث بناءً على طلب النيابة العامة».  

ح- لا موجب لإعادة الاعتبار للحدث المحكوم بتدبير إصلاحي: كل محكوم عليه بعقوبة جنائية أو جنحية يمكن منحه إعادة الاعتبار بقرار قضائي إذا توافرت فيه الشروط المنصوص عليها في المادة 156 من قانون العقوبات. ولأن التدابير الإصلاحية ليست من نوع العقوبات وإنما وسائل تربية وتقويم فلا معنى لإعادة اعتبار من يحكم بها.

3- تطبيق التدابير الإصلاحية: منح المشرع محكمة الأحداث سلطة واسعة فيما يتعلق باختيار التدبير المناسب لحالة الحدث، أو جواز الجمع بين أكثر من تدبير واحد، أو مدة التدبير، أو الرقابة على تنفيذه.

أ- اختيار التدبير الإصلاحي: نصت المادة الخامسة من قانون الأحداث رقم 18 لسنة 1974 على أنه: «للمحكمة أن تحكم بتطبيق التدابير الإصلاحية التي تراها كفيلة بإصلاح الحدث في ضوء المعلومات المتوفرة لديها عن حالة الحدث النفسية والاجتماعية». ومفاد ذلك أنه للمحكمة مطلق الحرية في اختيار أي تدبير لفرضه على الحدث، وأنها غير مقيدة بأي قيد سوى صلاحه لحالة الحدث وظروفه الخاصة. وإذا اشترك في جريمة واحدة عدد من الأحداث فيمكنها أن تحكم عليهم بتدابير إصلاحية مختلفة، أو بمدد مختلفة إذا فرضت التدبير عليهم ذاته.

ب- الجمع بين التدابير الإصلاحية: أجاز المشرع لمحكمة الأحداث أن تحكم بأكثر من تدبير إصلاحي على الحدث الجانح، لأن تدبيراً إصلاحياً بمفرده ربما لا يفي بالغرض المطلوب لتقويمه وإعادة تأهيله اجتماعياً (المادة 3 من قانون الأحداث).

وباستعراض التدابير الإصلاحية التي عددتها المادة الرابعة من قانون الأحداث يتضح أن بعضها يأبى أن يجمع مع غيره بسبب طبيعته الخاصة. والتدابير التي لا يمكن أن تجمع مع غيرها هي: الوضع في مركز الملاحظة، والوضع في معهد إصلاحي، والحجز في مأوى احترازي، والرعاية. 

أما التدابير الإصلاحية القابلة للجمع فيما بينها فهي: تدبير التسليم، والحرية المراقبة، ومنع الإقامة، ومنع ارتياد المحلات المفسدة، والمنع من مزاولة عمل ما.

ج- مدة التدبير الإصلاحي: لم يضع المشرع نصاً عاماً يحدد فيه مدة للتدابير الإصلاحية، ويمكن لمحكمة الأحداث أن تفرض على الحدث الجانح أي تدبير كان من دون تحديد مدة في حكمها، على أن تقرر فيما بعد تبديله أو تعديله بشرط أن تمضي مدة ستة أشهر على الأقل من البدء بتنفيذه.

د- الرقابة اللاحقة على الحكم: لا ينتهي دور قاضي الأحداث عند حد إصداره للحكم القاضي بفرض التدبير الإصلاحي، وإنما يمتد هذا الدور إلى ما بعد صدور الحكم، ويتجلى ذلك من خلال تعديله والرقابة على تنفيذه.

(1) تعديل الحكم: أجازت المادة 53 من قانون الأحداث لمحكمة الأحداث تبديل التدابير الإصلاحية المفروضة على الحدث الجانح أو تعديلها، وذلك بعد مرور ستة أشهر على الأقل من البدء بتنفيذها، ويمكنها أن تقوم بذلك من تلقاء ذاتها ومن دون طلب من أحد، أو بناء على طلب مقدم من الحدث أو وليّه أو وصيه أو محاميه أو مراقب السلوك.

كما أجازت المادة 11/ج -من القانون ذاته- لمحكمة الأحداث إعفاء الحدث المحكوم عليه بتدبير الوضع في معهد إصلاحي من باقي المدة أو أن تستبدل به تدبيراً إصلاحياً آخر. وفي حال عدم تقيد الحدث المفروض عليه أحد التدابير الإصلاحية بجميع الأحكام التي تفرضها المحكمة، أو تمرده على شيء منها يجوز لها أن تفرض عليه تدبيراً إصلاحياً آخر يتفق مع حالته ومصلحته، وذلك طبقاً لما نصت عليه المادة 15من قانون الأحداث.

وإذا منع الحدث من ارتياد الخمارات والمقامر فإن مخالفته لهذا المنع توجب على محكمة الأحداث أن تفرض عليه أحد التدابير الإصلاحية الواردة في الفقرات (أ- ب- ج) من المادة الرابعة بدلالة المادة 18/أ من قانون الأحداث.

وكذلك يجوز لمحكمة الأحداث وفقاً لأحكام المادة 24 من قانون الأحداث أن تحكم بإنهاء تدبير الحرية المراقبة بعد انقضاء ستة أشهر على البدء بتنفيذها. 

وأخيراً تجيز المادة 26/ج لمحكمة الأحداث أن تقرر إنهاء تدبير الرعاية المفروض على الحدث المتسول أو المتشرد من دون التقيد بمرور مدة معينة على البدء بتنفيذه، إذا وجدت أن مصلحته تقتضي ذلك. 

(2) الرقابة على تنفيذ التدابير الإصلاحية: نصت المادة 38 من قانون الأحداث على أن: «على قاضي محكمة الأحداث أن يقوم ضمن دائرة اختصاصه بمراقبة تنفيذ القرارات والأحكام الصادرة بحق الأحداث، وعليه زيارة معاهد الإصلاح ومراكز الملاحظة والمؤسسات والجهات التي تتعاون مع محكمة الأحداث مرة كل ثلاثة أشهر، وأن يقدم تقريراً بملاحظاته إلى كل من وزيري العدل والشؤون الاجتماعية والعمل».

وهذا النص يجسد رغبة المشرع بتأمين الرعاية والحماية الفضلى للحدث في أثناء تنفيذ الحكم الصادر بحقه، حيث إنه أسند مهمة الرقابة على التنفيذ إلى القاضي ذاته الذي درس حالة الحدث وحكم عليه بالتدبير الإصلاحي الذي اعتقد أنه يناسب حالته، فهو الأجدر بمتابعة هذا الحدث والوقوف على مدى تجاوبه مع التدبير المفروض عليه.

هـ- نفقات التدبير الإصلاحي: إذا ترتب على الحكم بالتدبير الإصلاحي وتنفيذه نفقات مقابل  تقديم بعض الخدمات للحدث فإن محكمة الأحداث تلزم الشخص الذي تجب عليه نفقة الحدث وتربيته بدفعها إذا كان قادراً على ذلك (المادة 13 من قانون الأحداث).

و- وقف الولاية (المادة 12 من قانون الأحداث): إن تنفيذ التدابير الإصلاحية المحكوم بها على الأحداث، كتسليم الحدث إلى غير وليّه الشرعي أو وضعه في مركز للملاحظة أو في معهد للإصلاح أو في مأوى احترازي يتعارض مع أحكام الولاية على النفس المقررة قانوناً لولي الحدث الشرعي؛ لذلك يعلق حق الولي الشرعي في حراسة الحدث ورعايته وتربيته ضمن الحدود التي يتعارض فيها هذا الحق مع تنفيذ التدبير الإصلاحي المفروض. وينتقل واجب رعاية الحدث وتربيته إلى محكمة الأحداث، حيث يمارسه باسمها من يوضع الحدث في عهدته، كرب الأسرة أو مدير المؤسسة أو الجمعية أو المعهد الإصلاحي. ويشرف على حسن ممارسة هذا الواجب مراقب السلوك في الحالات التي لا يكون فيها الحدث موضوعاً في معهد الإصلاح. 

ثانياً: أنواع التدابير الإصلاحية

بينت المادة الرابعة من قانون الأحداث لسنة 1974 أنواع التدابير الإصلاحية، وهي:

1- تدابير التسليم: وهي من تدابير الحماية والإصلاح مقررة لمن يرتكب أي جريمة -جناية أم جنحة أم مخالفة- في مرحلة الحداثة بين العاشرة والخامسة عشرة، وهي جائزة أيضاً للأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة في الجنح والمخالفات فحسب. وهذه التدابير غير محددة المدة (المادة 3 من قانون الأحداث).

أ- لمن يسلم الحدث:

(1) التسليم للأبوين أو للولي الشرعي: للمحكمة أن تحكم بتسليم الحدث إلى أبويه أو إلى أحدهما، أو إلى وليّه الشرعي كالجد أو الأخ أو العم. ويشترط لتسليم الحدث إلى هؤلاء أو إلى أحدهم أن تتوافر فيهم الضمانات الأخلاقية، وأن يكون باستطاعتهم القيام بتربيته وفق إرشادات المحكمة أو مراقب السلوك (المادة 6 من قانون الأحداث). ولم يعلق القانون تسليم الحدث إلى أبويه أو وليّه الشرعي على قبولهم تسلمه، أو تعهدهم باتباع إرشادات المحكمة أو مراقب السلوك؛ ويعود السبب في ذلك إلى كونهم ملزمين شرعاً وقانوناً برعاية الحدث وتربيته.

(2) التسليم إلى أحد أفراد أسرته: إذا لم تتوافر في أبوي الحدث أو في وليّه الشرعي الضمانات الأخلاقية، أو لم يكن باستطاعتهم القيام بتربيته سلم إلى أحد أفراد أسرته؛ ويتوجب على الشخص الذي يسلَّم إليه الحدث أن يتعهد باتباع إرشادات المحكمة ومراقب السلوك (المادة 7 من قانون الأحداث).

(3) تسليم الحدث إلى غير ذويه: إذا لم يكن من بين ذوي الحدث من أهل لتربيته أمكن تسليمه إلى مؤسسة أو جمعية صالحة لتربية الحدث؛ وينبغي على مراقب السلوك أن يقدم له وللقائمين على تربيته الإرشادات اللازمة (المادة 8 من قانون الأحداث).

ب- مسؤولية من يتسلم الحدث: ينبغي على من يتسلم الحدث القيام بواجباته نحوه، وأن يقوم بتربيته بحسب إرشادات محكمة الأحداث ومراقب السلوك؛ ويعد ذلك واجباً قانونياً يمارسه باسم محكمة الأحداث. فإذا أهمل هذا الواجب يعاقب بغرامة من مئة إلى خمسمئة ليرة سورية. وتفرض محكمة الأحداث هذه العقوبة مباشرة من دون حاجة إلى ادعاء النيابة العامة، وبناء على تقرير مراقب السلوك، ولا يحق لها استعمال الظروف المخففة أو وقف تنفيذها (المادة 9 من قانون الأحداث).   

2- وضع الحدث في مركز للملاحظة: أجازت المادة 47 من قانون الأحداث لقاضي الأحداث أن يقرر في أثناء النظر في الدعوى وقبل إصدار حكمه النهائي وضع الحدث مؤقتاً في مركز للملاحظة مدة لا تتجاوز ستة أشهر إذا رأى أن حالته الجسمية أو النفسية تستلزم دراسة وملاحظة واسعة من تقرير التدبير الإصلاحي الملائم. وينبغي على القاضي في هذه الحالة إرجاء البت بالدعوى إلى ما بعد انتهاء مدة الملاحظة والدراسة؛ ويجوز له إلغاؤه إذا اقتضت مصلحة الحدث ذلك. 

3- وضع الحدث في معهد إصلاحي: يمكن فرض هذا التدبير على الأحداث الذين أتموا العاشرة ولم يتموا الثامنة عشرة من العمر في جميع الجرائم، وعلى الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة في الجنح والمخالفات فحسب (المادة 3 من قانون الأحداث).

إن الغرض من فرض هذا التدبير ليس سلب حرية الحدث، وإنما هو إعادة تأهيله تربوياً واجتماعياً ومهنياً ليتمكن بعد ذلك من العمل الشريف.  

وللمحكمة أن تحكم بوضع الحدث في معهد للإصلاح مدة لا تقل عن ستة أشهر إذا تبين لها أن حالته تستدعي ذلك. ويجب على مدير المعهد الإصلاحي أن يقدم تقريراً للمحكمة بعد انقضاء ستة أشهر على وضع الحدث في المعهد يبين فيه حالة الحدث، وله أن يقترح في التقرير إعفاءه من باقي المدة أو فرض تدبير إصلاحي آخر يراه ضرورياً. كما عليه أن يقدم تقارير دورية إلى المحكمة كل ثلاثة أشهر حتى يتم إخلاء سبيل الحدث. وللمحكمة وحدها الحكم بإعفاء الحدث من باقي المدة أو أن تستبدل بالتدبير تدبيراً آخر، وذلك بعد انقضاء ستة أشهر على الأقل من البدء بتنفيذه. وتنتهي حكماً مدة تدبير وضع الحدث في معهد إصلاحي بإتمامه السنة الحادية والعشرين من عمره (المادة 11 من قانون الأحداث).

4- تدبير الحجز في مأوى احترازي: نصت المادة 16/ب من قانون الأحداث على أنه: «إذا تبين أن جنوح الحدث ناشئ عن مرض عقلي يحجز في مصح ملائم حتى شفاؤه».

والحجز في مأوى احترازي من التدابير الإصلاحية التي عددتها المادة الرابعة من القانون ذاته. 

فيوضع الحدث في مصح ملائم إذا تبين لمحكمة الأحداث أن جنوحه ناجم عن مرض عقلي، كالجنون والعته. ومدة حجز الحدث في هذا المصح غير محددة، حيث يستمر حتى شفائه.

وهذا التدبير يجد أصله مع بعض التعديل في التدبير الاحترازي المقرر للبالغين في المادة 74 وما يليها من قانون العقوبات.

5- الحرية المراقبة: الحرية المراقبة هي تدبير يهدف إلى مراقبة سلوك الحدث والعمل على إصلاحه بإسداء النصح له ومساعدته على تجنب السلوك السيئ وتسهيل امتزاجه بالمجتمع (المادة 19 من قانون الأحداث).

ويمكن للمحكمة أن تفرض هذا التدبير على الأحداث الذين أتموا العاشرة ولم يتموا الخامسة عشرة من عمرهم في الجنايات والجنح والمخالفات، وعلى الأحداث الذين أتموا الخامسة عشرة ولم يتموا الثامنة عشرة في الجنح والمخالفات فحسب، وذلك بوصفه تدبيراً أصلياً (المادة 3 من قانون الأحداث). كما يجوز لها فرضه بوصفه تدبيراً تكميلياً إلى جانب العقوبات المخففة المقررة للأحداث من الفئة الأخيرة في حال ارتكابهم جناية (المادة 29/ج من قانون الأحداث).

ويجوز فرض تدبير الحرية المراقبة وحده أو إلى جانب تدبير آخر من التدابير المنصوص عليها في الفقرات (أ – ب – ج – و – ح – ط - ى) من المادة الرابعة من قانون الأحداث.

وللمحكمة أن تمنع الحدث المفروض عليه تدبير الحرية المراقبة من ارتياد كل محل ترى فيه خطراً على سلوكه، ولها أن تفرض عليه الحضور في أوقات معينة أمام أشخاص أو هيئات تعينهم، وأن تأمره بالدوام على بعض الاجتماعات التوجيهية المفيدة أو أي أمر آخر تراه  ضرورياً لإصلاحه (المادة 20 من قانون الأحداث).

ومدة تدبير الحرية المراقبة من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، ولا يحول إتمام الحدث الثامنة عشرة من عمره دون الاستمرار في تنفيذ هذا التدبير إذا لم تكن المدة التي حددتها المحكمة قد انتهت ببلوغه سن الرشد (المادة 21 من قانون الأحداث).

ويقوم مراقب السلوك بمراقبة سلوك الحدث وتوجيهه خلال فترة تنفيذ هذا التدبير، ويتوجب عليه أن يرفع تقريراً دورياً في كل شهر عن حالة الحدث الموضوع تحت رقابته وعن سلوكه وتأثير المراقبة فيه. وعليه أيضاً أن يرفع تقريراً عن كل حالة تدل على سوء سلوك الحدث أو يرى من المفيد إطلاع المحكمة عليها. كما له أن يقترح على محكمة الأحداث اتخاذ التدابير التي يرى في فرضها فائدة للحدث (المادة 23 من قانون الأحداث).   

وللمحكمة أن تحكم بإنهاء حالة الحرية المراقبة بعد انقضاء ستة أشهر عليها، بناء على تقرير مفصل يقدم من مراقب السلوك أو بناء على طلب ذوي الحدث وتعهدهم القيام بواجباتهم نحوه (المادة 24 من قانون الأحداث). وإذا حكمت برفض طلب إنهاء حالة الحرية المراقبة فإن هذا الحكم يكون مبرماً، ولا يجوز تجديد الطلب إلا بعد مرور ثلاثة أشهر على صدوره (المادة 25 من قانون الأحداث). 

6- منع الإقامة: ويقصد بمنع الإقامة الحظر على المحكوم عليه أن يكون في الأمكنة التي عينها الحكم (المادة 81 من قانون العقوبات). والأماكن التي يمكن منع المحكوم عليه من أن يكون فيها هي المنطقة التي ارتكب فيها الجريمة والمنطقة التي يسكن فيها المجني عليه أو أنسباؤه حتى الدرجة الرابعة.  وقد أجازت المادة 17 من قانون الأحداث للمحكمة أن تفرض هذا التدبير على الأحداث، حيث جاء فيها أنه: «للمحكمة أن تمنع إقامة الحدث في أماكن معينة، على أن يكون قد تجاوز عند الحكم بهذا التدبير الخامسة عشرة من عمره».

إن تدبير منع الإقامة لا يشمل جميع الأحداث، وإنما يقتصر فرضه على فئة الأحداث الذين تجاوزوا سن الخامسة عشرة عند الحكم عليهم به. وكذلك لم يحدد المشرع مدة معينة لهذا التدبير، فيجوز للمحكمة في هذه الحالة الحكم به مدة غير محددة، ويحق لها تبديله أو تعديله بعد مرور ستة أشهر عل الأقل من البدء بتنفيذه إذا اقتضت مصلحة الحدث ذلك (المادة 53/أ من قانون الأحداث). 

7- منع ارتياد المحلات المفسدة: يمنع الحدث من ارتياد الخمارات والمقامر، وفي حال مخالفته يفرض عليه أحد التدابير الإصلاحية التالية: تسليمه إلى أبويه أو إلى أحدهما أو إلى وليّه الشرعي، أو تسليمه إلى أحد أفراد أسرته، أو تسليمه إلى مؤسسة أو جمعية مرخصة صالحة لتربيته. وإذا ارتكب الحدث جرماً بسبب ارتياد الملاهي أو سواها من الأماكن العامة والخاصة جاز للمحكمة أن تمنعه من ارتياد هذه الأماكن وكل مكان آخر ترى المنع من ارتياده مفيداً (المادة 18 من قانون الأحداث).   

8- المنع من مزاولة عمل ما: للمحكمة منع الحدث من مزاولة أي عمل يعد خطراً عليه، ويعد منعه من ممارسته مفيداً له ويسهم في إصلاحه. فهذا التدبير هو من التدابير الإصلاحية التي نصت عليها المادة الرابعة من قانون الأحداث، ويهدف إلى حماية الحدث نفسه؛ فهو يختلف عن تدبير المنع من مزاولة أحد الأعمال المطبق على البالغين بوصفه تدبيراً احترازياً، حيث يقصد بهذا الأخير حماية المجتمع، لذلك لا يفرض إلا إذا ارتكب البالغ جريمته خرقاً لواجبات المهنة أو الفروض الملازمة للعمل (المادة 49 من قانون العقوبات). في حين لا يشترط لمنع الحدث من مزاولة عمل ما أن يكون قد ارتكب جريمته خرقاً لمثل هذه الواجبات أو الفروض. ولم يحدد المشرع مدة معينة لمنع الحدث من مزاولة عمل ما، مما يعني أنه ترك ذلك لتقدير المحكمة على حسب ظروف الحدث ومستلزمات إصلاحه؛ ولا يحق لها تبديله أو تعديله قبل مرور ستة أشهر على الأقل من البدء بتنفيذه وفقاً الأحكام المادة 53 من قانون الأحداث.

9- تدبير الرعاية (المادتان 27 و28 من قانون الأحداث): يعهد بالرعاية إلى معاهد إصلاحية معترف بها من الدولة، وعلى المعهد الذي عهد إليه واجب رعاية الحدث أن يوفر له التعليم والتدريب المهني والعمل المناسب، وتقديم النصح والإرشاد اللازم، ليباشر حياته أو يكسب عيشه بطريقة شريفة. كما يتوجب على المعهد تقديم تقرير إلى المحكمة عن حالة الحدث كل ثلاثة أشهر، وله أن يقترح فيه إخلاء سبيل الحدث. وللمحكمة وحدها حق تقرير سبيله.

ويفرض تدبير الرعاية على حدث وجد متشرداً أو متسولاً لا معيل له ولا يملك مورداً للعيش، أو يعمل في أماكن أو يمارس أعمالاً منافية للأخلاق والآداب العامة. كما يمكن فرضه على حدث تستدعي حالته ذلك.

وإذا تعذر وضع الحدث المفروض عليه تدبير الرعاية في إحدى مؤسسات الرعاية جاز لمحكمة الأحداث أن توفر له عملاً في إحدى المهن الصناعية أو التجارية أو الزراعية، حيث يتولى رقابته فيها مراقب السلوك تحت إشراف المحكمة. ويجوز أيضاً للمحكمة اتخاذ ما يناسب الحدث من التدابير الإصلاحية المنصوص عليها في المادة الرابعة من قانون الأحداث، وذلك إضافة إلى تدبير الرعاية.

ولم يحدد المشرع مدة معينة لتدبير الرعاية، مما يعني أنه ترك ذلك لتقدير المحكمة بحسب حالة الحدث وقابليته للتعلم والتأهيل المهني.

مراجع للاستزادة:

 

- أحمد كريز، التدابير الإصلاحية للأحداث الجانحين «دراسة مقارنة»، رسالة دكتوراه (جامعة دمشق، كلية الحقوق 1994).

- حسن جوخدار، قانون الأحداث الجانحين، (منشورات جامعة دمشق، 1993-1994).

- رياض الميداني، «التدابير الإصلاحية، الفرق بينها وبين العقوبات»، مجلة القانون، السنة السادسة، العدد الثالث، 1955، الصفحة 15 وما بعدها.

- عبود السراج، شرح قانون العقوبات- القسم العام (منشورات جامعة دمشق، 2006-2007).

- على محمد جعفر، حماية الأحداث المخالفين للقانون والمعرضين لخطر الانحراف، دراسة مقارنة (المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت 2004).

- محمد الفاضل، «إصلاح الأحداث الجانحين»، مجلة القانون، السنة السادسة، العدد السادس، 1955، الصفحة 57 وما بعدها.

- مصطفى العوجي، الحدث المنحرف أو المهدد بخطر الانحراف في التشريعات العربية (مؤسسة نوفل، 1984).


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 141
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 586
الكل : 29609235
اليوم : 64151