logo

logo

logo

logo

logo

الرقابة على تنفيذ الموازنة

رقابه علي تنفيذ موازنه

control over the implementation of the budget - contrôle de l'exécution du budget



الرقابة على تنفيذ الموازنة

الرقابة على تنفيذ الموازنة

محمد العموري

مفهوم الرقابة المالية

 أنواع الرقابة المالية

أجهزة الرقابة المالية في سورية

 

من أهم أسباب تطور الإدارة العلمية الحديثة في الدولة المعاصرة هو تحديد نشاطاتها بصورة مسبقة ضمن إطار برنامج مالي يسير مصالحها ويحقق أهدافها، وذلك عن طريق الاستخدام الأمثل للطاقات المادية والبشرية.

وتعد الموازنة العامة الوسيلة الأساسية التي تستطيع من خلالها الدولة تحقيق أهدافها من خلال ما ترصده من اعتمادات، وما تقدره من إيرادات، وبات للموازنة أهمية كبيرة في حياة الدولة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ولما كان المال العام هو عصب حياة الدولة كان لا بد من العمل على الحفاظ عليه، ومن هنا نشأت الرقابة على المال العام منذ بداية نشوء الدولة، حيث عرفتها المجتمعات القديمة واستخدمتها ولكن بطريقة تناسب بساطة عمل الدولة الحارسة التي كان عملها يقتصر على الدفاع والأمن والعدالة، أما اليوم فقد أدخلت عليها تعديلات حدثتها وطورت مفهومها ووظائفها لتتكيف مع دور الدولة المتدخلة، وأصبحت الرقابة تطبق على كل نشاطات الدولة ضمن خطط موضوعة وأهداف مرسومة.

وباتت الرقابة اليوم هي الركن الرابع من أركان الإدارة المالية التي تقوم بتحليل الوقائع والنتائج الفعلية وتقييمها ومقارنتها مع الخطط وما تتضمنه من أهداف وسياسات وإجراءات وبرامج، فإن عملية الرقابة اليوم تتعدى مجرد الكشف عن الانحرافات والمشكلات العلمية لتشمل جوانب تتعلق بتقييم الآثار والنتائج وتطوير الأداء الفردي والتنظيمي بطريقة تضمن حسن سير الأعمال بكفاية وفعالية.

أولاً ـ مفهوم الرقابة المالية:

يتضح مفهوم الرقابة من خلال الوقوف على تعريفها، وتحديد أهدافها، وطرق ممارستها.

1ـ تعريف الرقابة: الرقابة لغة هي "المحافظة والانتظار"، فالرقيب يعني (الحافظ أو المنتظر).

أما اصطلاحاً فقد تعددت تعاريف الباحثين للرقابة عموماً، ومنها الرقابة المالية؛ ويرجع السبب في ذلك إلى الوظيفة التي ينظر إليها من خلالها، والأهداف التي يجب تحقيقها والأجهزة التي تقوم بها.

وقد عرف المؤتمر العربي الأول للرقابة المالية الرقابة بأنها: "منهج علمي شامل يتطلب التكامل والاندماج بين المفاهيم الاقتصادية والمحاسبية والإدارية، تهدف إلى التأكد من المحافظة على الأموال العامة، ورفع كفاية استخدامها، وتحقيق الفعالية في النتائج المحققة.

وعرفت الرقابة بأنها: "التحقق بأن التنفيذ يتم وفقاً لما هو مقرر في الخطة وفي حدود التعليمات والقواعد الموضوعة، وذلك بقصد اكتشاف نواحي الضعف والأخطاء، وعلاجها، وتفادي تكرارها، على أن تتناول كافة أوجه النشاط في المشروع وإدارته".

ويرى بعضهم أن الرقابة: "هي مجموعة الإجراءات والوسائل التي تتبع لمراجعة التصرفات، وتقييم أعمال الأجهزة الخاضعة للرقابة، وقياس مستوى كفاءتها وقدرتها على تحقيق الأهداف الموضوعة، والتأكد من أن الأهداف المحققة هي ما كان يجب تحقيقه، وأن تلك الأهداف تحققت وفق الخطط الموضوعة، وخلال الأوقات المحددة لها".

ويعرفها آخرون بأنها: "الإشراف والتوجيه من جانب سلطة خارجية مستقلة عن المشروع، للتعرف على كيفية سير العمل في الجهة الخاضعة للرقابة، والتأكد من أن الموارد المتاحة المالية والبشرية والمادية قد استخدمت وفقاً لما هو مخطط لها".

مما تقدم يتبين وجود ثلاثة اتجاهات فيما يتعلق بتعريف الرقابة. يهتم أصحاب الاتجاه الأول بوظيفة الرقابة وأهدافها. وأصحاب الاتجاه الثاني بإجراءات عملية الرقابة، وأصحاب الاتجاه الثالث بأجهزة الرقابة.

2ـ أهداف الرقابة: الهدف الأساسي لكل رقابة هو حماية المصلحة العامة، والرقابة المالية ـ كنوع من أنواع الرقابة ـ تقوم بها أجهزة متعددة بغية التأكد من تحقيق النشاط المالي على حسب ما يحدد في الموازنة العامة من دون إسراف أو تبذير أو تقتير أو إخلال، حفاظاً على حسن الإدارة الحكومية مالياً وحفاظاً على الأموال العامة.

وكما أصاب التطور مفهوم الرقابة، فهو كذلك أصاب أهدافها. فبعد أن كانت الرقابة المالية تهدف إلى مراجعة السجلات والدفاتر المحاسبية وتدقيقها، والكشف عما قد يوجد فيها من تلاعب وغش، ومدى التقيد بالقوانين والأنظمة، فقد توسعت لتشمل مراقبة مدى الاقتصاد في النفقات، ومدى فعالية الأجهزة الخاضعة للرقابة. وتتحدد أهداف الرقابة المالية بما يلي:

> التحقق من أن جميع الإيرادات العامة في الدولة قد حُصِّلَت وأُدخلت في ذمتها وفقاً للقوانين واللوائح والأنظمة السارية.

> التحقق من أن جميع النفقات العامة قد تمت وفقاً لما هو مقرر لها، ومن حسن استخدامها الأموال العامة في الأغراض المخصصة لها.

> مراجعة القوانين والأنظمة واللوائح المالية، والتأكد من مدى ملاءمتها للتطورات التي تحدث، وتحليلها، واقتراح إجراء التعديلات التي تساعد على تحقيق أهداف الرقابة المالية.

> الكشف عن أي أخطاء أو انحرافات أو مخالفات تحدث من الأجهزة الحكومية، وتحليلها ودراسة أسبابها، وتوجيه تلك الأجهزة إلى الحلول المناسبة لعلاجها وتصحيحها وتجنب تكرارها.

> العمل على ترشيد الإنفاق العام، وتوجيه الأجهزة الحكومية إلى أفضل السبل لتحسين إجراءات الأعمال المالية وتطويرها، بما يساعد الأجهزة الحكومية على القيام بدورها، واقتراح الإجراءات والوسائل الكفيلة برفع كفاءة أداء الأجهزة التنفيذية، وتحسين مستوى تقديم الخدمات العامة.

> زيادة قدرة الأجهزة الحكومية وفعاليتها على تحقيق الأهداف العامة للدولة بأعلى درجة من الكفاءة والاقتصاد.

> التأكد من أن القيود والسجلات والبيانات والتقارير المالية ممسوكة ومعدة بالطريقة الصحيحة التي تحددها اللوائح والأنظمة التي تحكم ذلك.

> ضمان عدم خروج الحكومة عن الحدود التي رسمتها لها السلطة التشريعية بحسب موافقتها واعتمادها لبنود الموازنة.

> متابعة تنفيذ الخطة الموضوعة وتقييم الأداء في الوحدات، للتأكد من أن التنفيذ يسير وفقاً للسياسات الموضوعة، ولمعرفة نتائج الأعمال والتعرف إلى مدى تحقيق الأهداف المرسومة، والكشف عما يقع من انحرافات، وما قد يكون في الأداء من قصور وأسباب ذلك، لاتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة، وللتعرف إلى فرص تحسين الأداء مستقبلاً.

> التنبؤ بالأخطاء والانحرافات قبل وقوعها، وتحديد المسؤول عنها.

3ـ أساليب تنفيذ الرقابة المالية: تقوم جهات الرقابة المالية بتنفيذ مهامها بطرق مختلفة وغالباً ما تحدد الأنظمة الرقابية نوعاً أو أنواعاً من هذه الأساليب، لاتباعها من قبل الجهة المسؤولة عن القيام بالرقابة. فقد يعتمد أسلوب الرقابة الشاملة، أو يقتصر على أسلوب الرقابة الانتقائية، وقد تتم الرقابة على نحو مستمر، أو دورياً، أو على نحو مفاجئ. وفيما يلي كل من هذه الأساليب فيما يلي:

أ ـ الرقابة الشاملة: وفقاً لهذا الأسلوب تتولى جهات الرقابة إجراء رقابة عامة وتفصيلية على جميع المعاملات المالية التي تمارسها الجهات الخاضعة للرقابة. وقد تطبق الرقابة الشاملة في مجال نوعي معين من مجالات الأعمال المالية للجهة الخاضعة للرقابة.

ب ـ الرقابة الانتقائية: وفقاً لهذا الأسلوب يتم اختيار عينة من بين المعاملات المالية المراد مراقبتها، وفحص تلك العينة بوصفها نموذجاً قياسياً للأعمال المالية للجهة الخاضعة للرقابة، ويتم استخدام أسلوب الرقابة الانتقائية بطرق متعددة:

> العينة العشوائية: حيث يتم اختيار عينة أو مجموعة عينات من بين المعاملات المراد فحصها بطريقة عشوائية من قبل الشخص الذي يقوم بالرقابة.

> العينة الإحصائية: وفقاً لهذه الطريقة يتم تقسيم المعاملات المالية التي تقوم بها الجهة الخاضعة للرقابة إلى طبقات متشابهة ومتجانسة من ناحية الحجم والنوع، ثم يتم اختيار عينة مستقلة من كل طبقة على حدة.

> العينة العنقودية: يتم اختيار عينة معينة، ويمتد هذا الاختيار إلى مختلف مفردات موضوع المعاملة المالية التي تم اختيارها، بحيث تمثل العينة مجموعة من المعاملات المالية لموضوعات مترابطة ومتكاملة أو ذات صلة بموضوع العينة المختارة.

ج ـ الرقابة المستمرة: يتضح أسلوب الرقابة المستمرة في الرقابة الداخلية التي يمارسها محاسب الإدارة، حيث يتم الفحص والمراقبة على نحو دائم ومستمر للمستندات والقيود الحسابية للجهة الخاضعة للرقابة طوال العام.

د ـ الرقابة الدورية: وهنا تتم الرقابة على فترات دورية خلال السنة، كأن تقوم أجهزة الرقابة الخارجية بمراجعات دورية لبعض الوحدات الخاضعة للرقابة، أو في حالة جرد المخازن والعهد في فترات تحددها الإدارة، أو تحددها جهة الرقابة، أو في حالة إجراء الرقابة السنوية على الحسابات النهائية لكل عام وإصدار التقرير الرقابي السنوي.

هـ ـ الرقابة المفاجئة: حيث تتولى جهة الرقابة إجراء رقابة مباغتة تستهدف موضوعاً أو موضوعات معينة نتيجة أخبار مسبقة عن مخالفة مالية، أو بناء على طلب من جهات مسؤولة، وقد يتولى جهاز الرقابة هذه الطريقة بين فترات وأخرى لجعل الهيئات الخاضعة للرقابة في حالة شعور دائم بيقظة الجهاز الرقابي ومتابعة مهامه الرقابية.

ثانياً ـ أنواع الرقابة المالية:

تتعدد أنواع الرقابة عموماً، ومنها الرقابة المالية، وتختلف باختلاف الزاوية التي يُنظر إليها من خلالها، من دون أن يؤثر ذلك في طبيعة الرقابة، أو الهدف منها، وفيما يلي أهم تقسيمات الرقابة المالية:

1ـ أنواع الرقابة من حيث التوقيت الزمني: يقوم هذا التقسيم على أساس توقيت حدوث عملية الرقابة، فهي إما أن تتم قبل اتخاذ التصرفات المالية فتسمى بالرقابة السابقة، أو ترافق اتخاذها فتسمى بالرقابة الآنية أو المرافقة، أو تقع بعد ذلك فتسمى بالرقابة اللاحقة.

أ ـ الرقابة المالية السابقة: وهي الرقابة التي تتم قبل اتخاذ الإجراءات التنفيذية التي تؤدي إلى صرف الأموال العامة، حيث لا يجوز لأي وحدة تنفيذية الارتباط بالالتزام، أو دفع أي مبلغ قبل الحصول على موافقة الجهة المختصة بالرقابة قبل الصرف. ولهذا النوع من الرقابة وظيفة وقائية تتمثل في العمل على منع وقوع الأخطاء والانحرافات؛ لذلك تسمى بالرقابة المانعة أو الوقائية. وتمارس الرقابة المالية السابقة على النفقات العامة دون الإيرادات العامة، إذ لا يمكن تصور وجود رقابة سابقة على تحصل الإيرادات.

وتتخذ الرقابة السابقة على الصرف أشكالاً متعددة، فقد يُصرَّح للبنك المركزي أن يضع المبالغ التي وافقت عليها السلطة التشريعية تحت تصرف الآمرين بالصرف، وقد تتضمن ضرورة الحصول مقدماً على إقرار من الجهة المختصة بسلامة كل عملية على حدة من الوجهة القانونية، وقد تمتد الرقابة السابقة لتشمل فحص المستندات الخاصة بكل عملية، والتثبت من صحتها من جميع الوجوه، مثل وجود اعتماد لهذا النوع من النفقة، أو أن إجراءات الارتباط بالالتزام قد تمت وفقاً للقوانين واللوائح والتعليمات، وأن مستندات الصرف مطابقة للنظم المالية المعمول بها.

وللرقابة السابقة العديد من المزايا إلى جانب ما عليها من مآخذ وعيوب.

(1) ـ أما مزاياها فهي:

> تمثل الرقابة السابقة في ذاتها دافعاً عاماً للأجهزة الخاضعة للرقابة في أداء واجباتها بالدقة والعناية والحرص.

> تحد من التصرفات غير الاقتصادية، وتمنع الانحراف في تطبيق الخطط والموازنات.

> التخفيف من درجة المسؤولية التي تتحملها الوزارات والمصالح المختلفة.

> تساعد على توخي الوقوع في الأخطاء والمحاذير القانونية أو الفنية ذات الآثار المالية، وتدعو إلى التقليل من ارتكاب المخالفات المالية بوجه عام.

> تساعد على تفادي التعرض لأي خسائر أو أعباء مالية لا تدعو إليها الحاجة، وتعمل على اكتشافها أولاً بأول على مدى العمليات والإجراءات المالية المتخذة، خاصة بالنسبة إلى المشروعات العامة في مراحل الدراسة الأولية والتعاقد والتنفيذ، وما يعاصرها من عمليات صرف الأموال.

> تدريب الأجهزة المالية في الوحدات الإدارية الخاضعة للرقابة وتعويدها على عادات وتقاليد مالية حسنة تتسم بالانضباط والحرص على المال العام. ومما يساعد على ذلك توافر عناصر ذات خبرة وكفاءة واسعة لدى جهاز الرقابة في هذا المجال، تكون قادرة على إبداء النصح والمشورة.

> العمل على تدارك ضعف خبرة الإدارة وتدنيها في بعض الأجهزة الخاضعة للرقابة قبل أن يحدثا آثارهما الضارة.

(2) ـ أما عيوب الرقابة السابقة فهي:

> تؤدي أحياناً إلى الحد من الاستقلال الممنوح للجهاز الخاضع للرقابة، خاصة في المشروعات الاقتصادية التي تقتضي حرية التصرف وسرعة الحركة. وقد يفتح ذلك الباب أمام الروتين الحكومي للدخول إلى المشروع، وتضيع الفائدة من منحه الاستقلالية والشخصية المعنوية.

> قد تؤدي إلى خلق نوع من الإدارة المزدوجة من حيث إن تنفيذ قرار الجهة الخاضعة للرقابة مشروط بموافقة سلطة الرقابة السابقة، فهذا بدوره قد يؤدي إلى شيوع المسؤولية بينهما.

> لا تساعد الجهة التي تتولى الرقابة، فالرقابة على مرحلة معينة لا تعطي فكرة كاملة عن طبيعة التصرف المالي وأهميته، فغالباً ما يصعب وفقاً لهذا الأسلوب مراجعة العملية الواحدة في مجموعها، خاصة بالنسبة للارتباطات المالية الكبرى، والمشروعات الإنشائية، وإنما تتم مراجعتها كإجراءات متفرقة كلما بدئ بتنفيذ جزء منها، وبالتالي لا تتاح الفرصة لدراسة جميع أجزاء العملية الواحدة والكشف عما يكون هنالك من غش أو تلاعب.

> كما أن إحساس الجهة الخاضعة للرقابة بوجود الرقابة السابقة والاعتياد عليها قد يجعلها تركن إلى جهاز الرقابة وتعتمد عليه في توجيه الإجراء أو التصرف أو اتخاذ القرار.

> قد تتسبب الرقابة السابقة في خلق عقدة الخوف من الخطأ والتحقيق والمساءلة لدى مسؤولي الإدارة، مما قد يؤثر سلباً في أسلوب العمل ونتائجه.

> كثيراً ما يتوقف حجم الفائدة التي تجنى من الرقابة السابقة على ما يتحقق من فعالية وتعاون بين جهاز الرقابة والجهة الخاضعة للرقابة، وذلك لا يتأتى إلا إذا كانت الإدارة في تلك الجهة متقدمة وتتفهم بوعي طبيعة الدور الذي يقوم به جهاز الرقابة وأهدافه.

ويمكن التخفيف من عيوب الرقابة السابقة من خلال إيجاد جو من التفاهم والتعاون بين المسؤولين عن الرقابة، بقصد تحقيق الأهداف المحددة للوحدة الخاضعة للرقابة، وعندما يكون مسؤولو الرقابة على درجة عالية من الخبرة والكفاءة والتخصص، ومن خلال نشر الوعي الرقابي بين الأجهزة التنفيذية، والكشف دائماً عن وجه المصلحة العامة للمجتمع في العملية الرقابية، وبقصر هذه الرقابة ما أمكن على الجوانب الجوهرية من نشاط الوحدة أو المشروع الخاضع للرقابة.

ب ـ الرقابة المرافقة (الآنية): تتمثل هذه الرقابة في مختلف عمليات المتابعة التي تجريها الجهات المختصة بذلك في الدولة على ما تقوم به السلطة التنفيذية من نشاط مالي يتعلق بالنفقات العامة والإيرادات العامة الواردة بموازنة الدولة. وعادة ما يمارس الرقابةَ الآنية (المرافقة للتنفيذ) اللجانُ البرلمانية المختصة المنبثقة من السلطة التشريعية، إضافة إلى الجهات التي تتولى الرقابة الداخلية. ويتميز هذا النوع من الرقابة بالاستمرار والشمول، حيث يبدأ مع تنفيذ الأعمال ويساير ويتابع خطوات التنفيذ. ومن أهم ميزاته القدرة على اكتشاف الخطأ والإهمال فور وقوعه، فيساعد على اتخاذ ما يلزم من إجراءات تصحيحه. ولا يوجه كثيرٌ من النقد لهذا النوع من الرقابة، وإن كان يوجه النقد للقائمين به إذا انحرفوا عن الطريق الرقابي السليم وتحكمت فيهم أغراض أخرى، أو كانوا غير قادرين على القيام من الناحية الفنية بأعباء الرقابة في أثناء التنفيذ.

ج ـ الرقابة اللاحقة: وهي مراجعة وفحص الدفاتر الحسابية، ومستندات التحصيل والصرف والحساب الختامي، وكل النشاطات الاقتصادية في الهيئات والمؤسسات العامة، بعد أن تكون كل العمليات المالية الخاضعة للرقابة قد انتهت، وذلك للوقوف على كل المخالفات المالية التي وقعت.

وتتخذ الرقابة اللاحقة بدورها عدة أشكال، فقد تقتصر على المراجعة الحسابية والمستندية لجميع العمليات المالية لكشف التلاعب بالأموال العامة، وقد تمتد إلى مساءلة مرتكبي المخالفات المالية، كما قد تمضي إلى بحث مدى كفاءة الوحدات التنفيذية في استخدام الأموال العامة.

فالرقابة المالية اللاحقة تكشف الأخطاء والمخالفات المالية بعد أن تكون جميع التصرفات المالية قد انتهت، لذلك أطلق عليها اسم (الرقابة الكاشفة). وقد تتولى هذه الرقابة الوحدات الحكومية نفسها، أو إدارة تابعة لوزارة المالية، أو هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية. والرقابة اللاحقة تغطي جانب الإيرادات والنفقات العامة، بخلاف الرقابة السابقة التي تقتصر على جانب النفقات. وللرقابة اللاحقة العديد من المزايا، وعليها بعض المآخذ. وتعد مزايا الرقابة اللاحقة في مجملها عيوباً للرقابة السابقة والعكس صحيح.

(1) ـ أما مزاياها فهي:

> تأتي الرقابة اللاحقة بعد أن تكون جميع مراحل العمليات المالية قد توضحت، مما يعطي للجهة الرقابية المجال للنظر على نحو أوسع في جميع أجزاء العملية الواحدة ودراستها بدقة.

> تمكن الرقابة اللاحقة من اكتشاف الأخطاء والانحرافات بدقة.

> تمكن الرقابة من إتمام الدراسات المتعلقة بالعمليات المالية من دون تعطيل الأنشطة.

> تمكن هذه الطريقة من القيام بالمراجعة من دون تدخل في اختصاصات السلطة التنفيذية والاحتكاك معها مما قد يعقد الإجراءات.

> إن هذا النوع من أنواع الرقابة يحقق الأهداف الأساسية للرقابة، من حيث محاسبة المقصرين وتحصيل الخسائر المالية التي لحقت بالإدارة، وتضع الجهات الإدارية في صورة الأخطاء والمخالفات لمنع تكرارها مستقبلاً.

(2) ـ ويؤخذ على الرقابة اللاحقة ما يلي:

> تتم بعد تنفيذ العمليات المالية، فهي لا تساعد على منع الأخطاء والمخالفات، أو التلاعب بالأموال العامة قبل وقوعها.

> تأتي الرقابة اللاحقة بعد فترة زمنية يكون فيها مرتكبوا المخالفات قد تغيروا، فضلاً عن صعوبة تحديد المسؤولية عند تعاقب المسؤولين.

> يرى بعضهم أن هذا النوع من الرقابة لا يعدو أن يكون مجرد تسجيل تاريخي للمخالفات المالية.

2ـ أنواع الرقابة المالية من حيث موضوعها: وتمثل بما يلي:

أ ـ رقابة المشروعية: تتم بموجب هذا النوع من الرقابة مطابقة التصرف ذي الآثار المالية للقانون بمفهومه العام والواسع، وهذا يشمل المشروعية الشكلية التي تهتم بصفة العضو أو الهيئة التي تصدر عنها التصرفات المالية، والمشروعية الموضوعية التي تهتم بطبيعة التصرف ومضمونه. وبذلك يمكن القول إنه إذا كانت الرقابة تهدف إلى تحقيق المطابقة بين تصرف ما أو موقف ما، وبين قاعدة موضوعة مسبقاً فإنها (أي الرقابة) تكون مهتمة بنواحي المشروعية.

ب ـ الرقابة المحاسبية: عرف هذا النوع من الرقابة على أثر تطور المفاهيم الحسابية نتيجة لتطور مفهوم الموازنة وتقسيماتها، وقد تطور هذا النوع من مجرد رقابة حسابية على الحسابات الختامية إلى رقابة على جميع المعاملات المالية وتفاصيلها، وذلك بغرض التأكد من صحة الإجراءات التي اتبعت، ومن توفر المستندات المطلوبة واكتمالها، ومن أن الصرف تم في حدود الاعتمادات المقررة. وفيما يتعلق بالموارد تعنى بمراجعة صحة الأرقام الحسابية لما تم تحصيله، والتأكد من توريده إلى الجهة المفترض توريدها إليها.

وعلى أثر تطور علم المالية والمحاسبة، والأخذ بمبادئ تخطيط الموازنات أصبحت الرقابة تقوم على الجمع بين الرقابة المحاسبية ورقابة المشروعية.

ج ـ الرقابة الاقتصادية: عرف هذا النوع من الرقابة بعد الحرب العالمية الثانية، بهدف إصلاح ما دمرته الحرب، من خلال محاربة الكساد وتحقيق الازدهار الاقتصادي.

ويهدف من خلال هذا النوع من الرقابة إلى مراجعة نشاط السلطات العامة، من حيث المشروعات والبرامج التي تقوم بتنفيذها، للوقوف على ما تم تنفيذه من أعمال، وتكلفة إنجازها، وبيان مواطن الضعف في التنفيذ، وما قد يصاحبه من إسراف وتبذير، إضافة إلى التأكد من كفاءة السلطات المشرفة على التنفيذ، وحسن سير العمل في المواعيد المقررة، ومدى تحقيق النتائج المرجوة.

وتشمل الرقابة الاقتصادية على رقابة الكفاءة، وهي تعني تحقيق أكبر النتائج بأقل ما يمكن من التكاليف، ورقابة الفعالية، وهي الرقابة على مدى تحقيق النتائج المرجوة.

د ـ الرقابة على البرامج: يهتم هذا النوع من الرقابة بمدى تحقيق الخطط والبرامج والأهداف المحددة لكل جهة عامة.

3ـ أنواع الرقابة المالية من حيث الجهة التي تمارس مهمة القيام بالرقابة: وفقاً لهذا التقسيم يتم تحديد نوع الرقابة بالاستناد إلى الجهة التي تقوم بها ومنبع سلطاتها، وقد اختلف الكتاب في تصنيف الرقابة من حيث الجهة التي تمارسها.

ففي الوقت الذي يعتمد فيه بعض الكتاب على تقسيم الرقابة بالاستناد إلى السلطات الرئيسية في الدولة وهي السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، والرقابة عندهم إما داخلية وتمارس من السلطة التنفيذية على أجهزتها، وإما خارجية، وتمارس من السلطة التشريعية على نحو مباشر أو غير مباشر، ثم تطور هذا الاتجاه مؤخراً نحو إضافة نوع ثالث من أنواع الرقابة هو الرقابة الذاتية وهي الرقابة التي تمارسها الجهة الإدارية ذاتها على أعمالها في نطاق العملية الإدارية وتسلسلها.

وذهب بعضهم الآخر إلى أن الرقابة إما داخلية وتمارس من داخل الجهة الإدارية ذاتها وضمن نطاق التسلسل الإداري، وإما خارجية وتمارس على أعمال الجهة الإدارية.

أ ـ الرقابة الداخلية: وهي الرقابة التي تمارس من خلال السلطة التنفيذية على أجهزتها الإدارية المختلفة، وذلك بغرض التأكد من أن جميع الأعمال المناطة بالسلطة التنفيذية تسير وفق منهج سليم، ووفقاً لما خططته السلطة التنفيذية لنفسها، وأقرتها عليه السلطة التشريعية. وغالباً ما تناط هذه المهمة بوزارة المالية على غيرها من الجهات الإدارية الأخرى، وبمختلف الطرق والأساليب، أو من قبل أجهزة متخصصة. وتعرف الرقابة الداخلية على أنها: "كل الخطط والإجراءات المختلفة التي يتبعها النظام لحماية موارده، وللتحقق من دقة ومدى الاعتماد على البيانات المحاسبية، ولزيادة كفاءة الأداء بالوحدة، ولتشجيع موظفي الوحدة على الالتزام بالتشريعات".

فالرقابة الداخلية إذاً هي مجموعة الوسائل من تعليمات مالية، وقرارات إدارية، وطرق محاسبة تفرضها الإدارة الحكومية، ضماناً لحسن سير العمل بالوزارات والمصالح، ولمنع ارتكاب الأخطاء، وسد الثغرات التي يتسرب منها الاختلاس والتزوير.

ب ـ الرقابة الذاتية: تمارس هذه الرقابة داخل الجهة المنفذة ذاتها باعتبارها المسؤولة عن التنفيذ، وذلك بغرض التأكد من أن العمل يسير وفقاً لما تم التخطيط له، والكشف عن أسباب الإخفاق أو النجاح، وذلك باعتبار أنها الجهة المسؤولة عن عملها. ويساعد هذا النوع من الرقابة على خلق الشعور بالمسؤولية عند العاملين داخل الجهة الإدارية على مختلف مستوياتها.

فالرقابة الذاتية تمثل مجموع النظم والضوابط التنفيذية التي تضعها إدارة الوحدة لتنظيم سير العمل داخلها في كل وظيفة أو عمل من الأعمال، بما يكفل حسن سير العمل فيها، وفقاً للخطط الموضوعة ووفقاً لضوابط معنية. ويشمل ذلك النظم الإجرائية، والتعليمات، ونظم المعلومات والسجلات. فالرقابة الذاتية إذاً هي جزء من العملية الإدارية للوحدة، وترتبط ارتباطاً عضوياً بالتخطيط، حيث يعد كل من التخطيط والرقابة عمليتين من أعمال وظيفة الإدارة، إضافة إلى الأعمال الأخرى.

ومن أجل نجاح الرقابة الذاتية فإنها تتطلب ما يلي:

> توزيع العمل بين الموظفين، وتحديد مسؤوليات كل منهم وواجباته علي نحو يكفل الحد من الغش والأخطاء. وأهم خطوة في مجال تقسيم العمل وتوزيعه هي فصل وظيفة المحاسبة وإمساك الدفاتر عن باقي وظائف الوحدة الحكومية.

> ألا ينفرد موظف واحد بإتمام عمل ما من أوله إلى آخره، بل لا بد أن يؤخذ في الحسبان عند بناء النظام المحاسبي أن كل عملية أو بيان يتم تداوله بين أكثر من موظف أو أكثر من قسم.

> تفهم الموظفين لواجباتهم الكاملة، وإذا كانت الواجبات محددة فإنه يسهل بذلك تحديد مسؤولية الخطأ أو الغش إن وجد.

> تغيير واجبات الموظفين من حين لآخر بما لا يعارض مصلحة العمل، والحكمة من هذا هي اكتشاف أي تواطؤ قد يحصل بين الموظفين في الإدارة الواحدة.

> أن يجري جرد مفاجئ أو تفتيش دوري للخزينة والمخازن العامة.

> الالتجاء إلى وسائل الرقابة الحديثة، وبمقتضاها يعين سقف للمبالغ التي يجوز لأمين الصندوق الاحتفاظ بها في خزانته، ولا يجوز أن تزيد هذه المبالغ على الحد المسموح به.

والباحث في الرقابة الذاتية يجد أنها متضمنة في الرقابة الداخلية من خلالها أسلوبها التسلسلي، وهي تختلف في تطبيقها عن الرقابة الذاتية في الإسلام الذي ينظر إلى الرقابة الذاتية على أنها تنبع من داخل النفس البشرية لكل إنسان.

ج ـ الرقابة الخارجية: وهي الرقابة التي تتولاها جهة مستقلة لا تخضع لإشراف السلطة التنفيذية بأي شكل من الأشكال، وتتولى هذه الرقابة على نحو ما السلطة التشريعية. وقد تطورت هذه الرقابة من حيث الأسلوب والهدف والممارسة بعد صراع طويل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وقد توجهت معظم الدول إلى إنشاء أجهزة متخصصة تتولى الرقابة نيابة عن السلطة التشريعية. وتختلف مهام كل جهاز طبقاً للقوانين السائدة في الدول، فقد يعهد إليه باكتشاف الأخطاء والانحرافات المالية، أو محاكمة المسؤولين، أو وضع تقارير ترفع إلى رئيس الدولة، أو إلى المجالس النيابية أو الاثنين معاً.

وكثيراً ما تستخدم الرقابة الخارجية معياراً للحكم على درجة ديمقراطية النظام، فبمقدار ما تملك هذه الأجهزة الخارجية من سلطات وقدرات على مساءلة الجهاز الحكومي وإخضاعه للرقابة، وبمقدار ما تعبر عن تيارات الرأي العام والإرادة الشعبية، بمقدار ما يكون النظام ديمقراطياً.

4ـ أنواع الرقابة من حيث سلطات جهة الرقابة: يعتمد هذا التقسيم على طبيعة سلطات الجهات التي تتولى عملية الرقابة، حيث تقسم الرقابة المالية إلى رقابة مالية إدارية، ورقابة مالية قضائية، ورقابة برلمانية.

أ ـ الرقابة المالية الإدارية: يقصد بهذا النوع من الرقابة تلك الرقابة التي تتخذ طابعاً إدارياً، أي إنها ذات صفة إدارية، وتمارسها جهة ذات اختصاص إداري، سواء أكانت هذه الرقابة لاحقة أم سابقة، وسواء اتخذت طابعاً شكلياً أم موضوعياً. وتمارس هذه الرقابة من قبل الأجهزة التي تتولى الرقابة المالية من دون أن يكون لها اختصاص قضائي في إصدار الحكم على الحسابات أو الموظفين، وقد تمارس من قبل أجهزة الرقابة المالية العليا التي تتمتع بالصفة القضائية وبالصفة الإدارية معاً.

وأهم ما يميز هذا النوع من الرقابة أن نتائجها غير ملزمة، أي إنها ذات طبيعة استشارية حيث يتضمن تقرير الرقابة التنبيه على الأخطاء، والكشف عن المخالفات التي ارتكبت، ويتم توجيهه إلى الجهات المختصة، أو إلى الجهات الإدارية العليا من دون أن يكون لجهة الرقابة اختصاص قضائي في الحكم على الحسابات. وتختلف الرقابة المالية الإدارية عن الرقابة الإدارية التي تتعلق بالإدارة العامة، والتي أخذت مفاهيم واتجاهات إدارية مختلفة، كالرقابة التي تنصب على الناحية الإدارية، فتتعلق بفحص أنظمة العمل وتنظيمه، ومدى كفاية القوانين والقرارات واللوائح التي تحكمها، والكشف عن الثغرات التي تعتري النظم والقوانين والقرارات واللوائح الإدارية، وما قد ينجم عن تطبيقها من مخالفات إدارية، واقتراح وسائل علاجها.

أما الرقابة المالية الإدارية فهي تقتصر على الكشف عن الأخطاء والمخالفات المتعلقة بعمليات جباية الأموال العامة وإنفاقها، ومدى تنفيذ الجهات العامة للأهداف والخطط المقررة مسبقاً، ومدى الكفاءة في استخدام الأموال العامة. وترفع تقارير بشأنها إلى الجهات المعنية، سواء كانت قضائية أم سلطات إدارية عليا.

ب ـ الرقابة المالية القضائية: هي نوع من أنواع الرقابة المالية التي يقوم بها جهاز متخصص يكتسب الطابع القضائي في كل ما يتضمنه هذا الطابع من صفات، سواء من حيث الإجراءات أم الحكم أم الحسم، كما هو الحال في المحاكم العادية.

ويعد هذا النوع من الرقابة من أهم نتائج التطور الذي طرأ على مفهوم الرقابة المالية، إذ إن السلطة التشريعية، ولأسباب تتعلق بعدم إلمام أعضائها بالأصول العلمية للرقابة المالية، ولافتقارهم إلى الخبرة والوقت الكافيين للقيام بعملية الرقابة أولت هذه المهمة إلى أجهزة متخصصة، وهذه الأجهزة تطورت إلى أن اكتسبت الطابع القضائي، وأصبحت على النحو الذي ترى عليه اليوم في كثير من دول العالم، كفرنسا وإيطاليا وبلجيكا ولبنان وغيرها.

وتختلف جهة الرقابة المالية القضائية عن الرقابة القضائية على أعمال الإدارة، والتي تمارسها المحاكم الإدارية (مجلس الدولة في فرنسا ومصر وسورية) بكل مستوياتها، وهذه المستويات في سورية هي: (المحاكم الإدارية ـ محكمة القضاء الإداري ـ المحكمة الإدارية العليا)، وتستهدف رقابة مشروعية القرارات الإدارية، وحماية الأفراد من تعسف الإدارة، والتي تأخذ شكل رقابتي الإلغاء والتعويض.

أما الرقابة المالية القضائية فهي تلك التي تتولاها أجهزة إدارية ذات طابع قضائي، وهي تتبع عادة السلطة التشريعية، وينحصر عادة الاختصاص القضائي لأجهزة الرقابة المالية القضائية في الحكم على الحسابات العامة والحكم بالغرامة على المخالفين في التصرفات المالية الخاصة بالأموال العامة، ولذلك يطلق عليها اسم "محكمة الحسابات أو ديوان الحسابات".

والرقابة المالية القضائية هي رقابة لاحقة، أي إنها تحكم على الأعمال المالية بعد انتهائها، فهي لا تكون سابقة أو مرافقة. ويشمل نطاق سلطة الرقابة القضائية باعتبارها قاضي الحسابات العامة جميع الأموال التي تعد من الأموال العامة، ما لم يرد نص يستثنيها من هذا الشمول. أما في حال عدم صراحة النص أو غموضه يكون لجهة الرقابة المالية القضائية صلاحية إقرار صفة الأموال العامة التي تخضع لرقابتها القضائية.

أما موقع حكمها فهو على الحسابات العامة، وتمتد آثارها لتشمل المحاسبين العموميين الذين يتولون أعمال هذه الحسابات، وتعد المستندات والوثائق والدفاتر هي الأسس التي تصدر الأحكام بموجبها.

فالرقابة المالية القضائية التي تمارس عن طريق هيئة قضائية متخصصة تعد من أفضل أنواع الرقابة المالية؛ لكونها تمارس من قبل قضاة يتمتعون بمزايا القضاة العاديين وحصاناتهم، ويتوخون العدالة في الحكم على الحسابات العامة، أو على المتصرفين بالأموال العامة.

ج ـ الرقابة البرلمانية على الأموال (رقابة السلطة التشريعية): وهي تلك الرقابة التي تمارسها السلطة التشريعية على عمليات تحصيل الأموال العامة وإنفاقها، حيث تكفل دساتير مختلف الدول حق السلطة التشريعية في الرقابة على عمليات تنفيذ الموازنة قبل انتهاء السنة المالية وأثناءها وبعدها. وتعمل الرقابة البرلمانية على التأكد من أن تنفيذ الموازنة العامة يتم وفقاً لما أقره البرلمان (السلطة التشريعية) من إيرادات عامة ونفقات عامة.

وتعد الرقابة التي يمارسها البرلمان على عمل الجهاز الحكومي المظهر الأول والأهم من مظاهر الرقابة الخارجية، ومرد ذلك إلى أن السلطة التشريعية بوصفها الممثل الشرعي لإرادة الشعب يجب أن تؤدي الدور الرئيسي في مراقبة تنفيذ الموازنة العامة التي وضعت لتحقيق المصلحة العامة للمجتمع، وبالتالي فإن الجهاز التنفيذي لا ينبغي أن يمارس مسؤولياته من دون أن تكون هذه الممارسة خاضعة لضوابط الرقابة البرلمانية التي يمثلها المجلس التشريعي.

فالرقابة على الأموال العامة هي في الأساس من اختصاص السلطة التشريعية، كي تضمن التزام الحكومة بالجباية والإنفاق وفقاً لما قررته السلطة التشريعية بموجب الموازنة.

وتختلف رقابة السلطة التشريعية قوة وضعفاً وفقاً للنظام السياسي القائم، فهي واضحة وقوية في النظام البرلماني بخلاف الموضوع في النظام الرئاسي، وسبب وضوح الرقابة وقوتها في النظام البرلماني ترجع إلى أن هذا النظام يقوم على أساس مسؤولية الوزراء مسؤولية تضامنية، ومسؤولية كل وزير مسؤولية فردية في نطاق وزارته التي يشرف عليها.

وتمارس السلطة التشريعية كلاً من الرقابة السابقة والرقابة المرافقة والرقابة اللاحقة على التصرفات المالية للحكومة كما يلي:

تمارس السلطة التشريعية الرقابة المالية السابقة من خلال سلطاتها في إجازة ما تتضمنه الموازنة العامة المقترحة من بنود ومخصصات مالية أو تعديلها أو تخفيضها. فالمجلس التشريعي هو صاحب السلطة في إقرار الموازنة العامة، وما يرتبط بها من قوانين وتشريعات. ويمارس المجلس التشريعي من خلال هذه السلطة رقابته على الجهاز التنفيذي، وتمتد عادة لتشمل كل جوانب السياسات العامة والبرامج التي تنفذها الحكومة.

وتمارس السلطة التشريعية رقابة مرافقة لعمليات تحصيل الأموال العامة وإنفاقها في أثناء السنة المالية، حيث تشترط القوانين المالية في معظم الدول ضرورة الحصول على موافقة السلطة التشريعية على نقل الاعتمادات من باب إلى آخر، أو عند طلب اعتمادات إضافية. بالإضافة إلى ذلك فإن دساتير الدول المختلفة تحدد الوسائل التي تستعملها السلطة التشريعية في الرقابة على أعمال الحكومة، ومن هذه الوسائل:

> السؤال: وهو أسلوب يوجه بمقتضاه أعضاء السلطة التشريعية أسئلة إلى الوزراء للاستفسار عن واقعة ما، أو الاستعلام عن نية السلطة التنفيذية في أمر من الأمور، وتلقي الجواب عنه خلال مدة معينة.

> الاستجواب: وهو مطالبة السلطة التنفيذية ببيان أسباب تصرفها في أمر ما والغاية منه، ويعد الاستجواب أقوى من السؤال وأخطر منه في نتائجه لأنه قد ينتهي الأمر في حالة عدم الاقتناع بالنتيجة إلى التصويت على الثقة قي حدود إجراءات معينة.

> طلب المناقشات: لأعضاء السلطة التشريعية الحق في عرض أي موضوع للمناقشة لاستجلاء سياسة الحكومة وتبادل الرأي فيه.

> تشكيل لجان التحقيق: حيث يحق للسلطة التشريعية تشكيل لجان من بين أعضائها لإجراء تحقيقات بقصد الوصول إلى معرفة أمور معينة، والكشف عن الخلل الموجود في إحدى مصالح الإدارة العامة.

وتمارس السلطة التشريعية رقابة لاحقة على عمليات تنفيذ الموازنة العامة، من خلال اعتماد قانون قطع حسابات موازنة كل سنة مالية. فقد أوجبت دساتير مختلف دول العالم عرض قطع حساب موازنة كل سنة مالية على السلطة التشريعية، لتوافق عليه بعد أن تتثبت من احترام إرادتها في تنفيذ الموازنة.

ويمارس المجلس التشريعي هذه الصلاحيات من خلال لجان اعتماد الموازنة العامة التي يشكلها لهذه الغاية، وما تطلع عليه هذه اللجان من بيانات وتقارير عن المصروفات الفعلية للحكومة.

وقد أثبتت التجارب عدم مقدرة أعضاء السلطة التشريعية على القيام بمهام الرقابة على الأموال العامة، لعدم توافر الخبرات الكافية وعدم تفرغهم لهذه المهمة، الأمر الذي دفع معظم المجالس التشريعية في العالم إلى تبني أجهزة تتولى الرقابة على الأموال العامة نيابة عن السلطة التشريعية.

ثالثاً ـ أجهزة الرقابة المالية في سورية:

تتجلى الرقابة المالية العامة في سورية من خلال عدد من الأجهزة التي تهدف إلى إنشاء منظومة رقابية متناغمة وشاملة وفاعلة، نيستعرض أهمها فيما يلي:

1ـ رقابة وزارة المالية: تمارس وزارة المالية رقابة مالية واقتصادية دائمة، وتتحقق من مدى تنفيذ الأجهزة الحكومية للخطط المالية وذلك بهدف المحافظة على الأموال العامة وتأمين استعمالها على الوجه الأمثل. وتقوم وزارة المالية بسائر الأعمال الرقابية عن طريق محاسبي الإدارات المنتشرين في مختلف الوزارات والإدارات العامة، وعن طريق بعض مديريات الإدارة المركزية.

أ ـ رقابة محاسبي الإدارات العامة: يمارس محاسبو الإدارات العامة رقابة مالية آنية وأحياناً تكون سابقة على عمليات التصرف بالأموال العامة، ويعد هؤلاء المحاسبون عين وزير المالية الساهرة على سلامة التصرف بالأموال العامة لدى جميع الجهات العامة الإدارية.

ومن المهام الأساسية التي يقوم بها محاسب الإدارة التأكد من أن العمليات المختلفة لتنفيذ الموازنة العامة هي مطابقة للقوانين والأنظمة المرعية من جهة، وهي وفق حدود الموازنة العامة وأهدافها من جهة أخرى. حيث يقوم بالتأشير على الصكوك المتضمنة عقد النفقات قبل إصدارها وعلى أوامر الصرف قبل دفعها، كما يقوم بمراقبة استعمال الاعتمادات، وبتوريد المبالغ المترتبة قانوناً للخزانة العامة وإلى الجهاز المركزي للرقابة المالية، ويزود وزارة المالية بجميع البيانات والإحصاءات التي تساعدها على تنفيذ النفقات والإيرادات العامة.

ب ـ رقابة الإدارة المركزية: تتألف هذه الإدارة من عدد من المديريات تم توزيع الأعمال فيما بينها، فبعضها يقوم بإدارة شؤون الوزارة الداخلية، في حين أن بعضها الآخر يقوم بالرقابة على الأموال العامة. وتتولى هدة المديريات الاختصاصات الآتية:

> دراسة طلبات التفويض المالي وإعداد صكوكه وفقاً للقوانين والأنظمة النافذة من قبل مديرية الموازنة العامة.

> التأشير على أوامر الصرف الصادرة عن الوزارات أو الهيئات العامة الإدارية ـ التي لا تشكل وحدات حسابية مستقلة ـ من قبل مديرية الخزينة المركزية.

> الرقابة التي تمارسها مديرية الموازنة العامة على التنفيذ، وذلك عن طريق الإشراف على محاسبي الإدارات والمساهمة في إعداد خطة قطع حسابات المؤسسات العامة.

> رقابة مديرية الخزينة المركزية لمعظم الحسابات العامة، سواء عن طريق مسك حسابات نفقات الموازنة العامة وإيراداتها، أم عن طريق تنظيم الكشوف الحسابية للصندوق المركزي والصناديق المساعدة والحسابات المصرفية والمطابقة عليها.

> إعداد مشروع الحساب العام الإجمالي للموازنة العامة من قبل مديرية الحسابات العامة.

> دراسة مديرية التشريع والقضايا لطلبات توقيع الحجز الاحتياطي المقدمة من الجهات العامة المختلفة، وقيامها بتنفيذ الطلبات المقدمة من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش من هذا المجال.

> دراسة الميزانيات والحسابات الختامية للجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي من قبل مديرية شؤون المؤسسات، وذلك بهدف تحديد مبالغ الفوائض الاقتصادية الفعلية.

2ـ الجهاز المركزي للرقابة المالية: وهو هيئة رقابية مستقلة، ترتبط برئيس مجلس الوزراء، وتهدف أساساً إلى تحقيق رقابة فعالة على أموال الدولة، ومتابعة أداء الأجهزة التنفيذية الإدارية والاقتصادية لمسؤولياتها من الناحية المالية، ويختص بتدقيق حساباتها وتفتيشها. ويمارس الجهاز رقابة مشروعية ورقابة محاسبية ورقابة كفاية إضافة إلى التحقيق والتفتيش.

3ـ الهيئة المركزيه للرقابة والتفتيش: وهي هيئة مستقلة مركزها دمشق، وترتبط برئيس مجلس الوزراء، هدفها تطوير العمل الإداري، وحماية المال العام، وتحقيق الفعالية في الإنتاج ورفع مستوى الكفاية والأداء، وتسهيل توفير الخدمات للمواطنين.

وتمارس الهيئة رقابة إدارية ومالية ومحاسبية واقتصادية وفنية عن طريق التفتيش والتحقيق.

4ـ رقابة مجلس الشعب: يمارس مجلس الشعب السوري الرقابة التشريعية بما له من سلطة وحق دستوري يخوله سلطة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، من خلال ما يصدر عنه من قوانين منظمة للشؤون المالية، ومن أهمها قانون الموازنة العامة.

كما أن إقرار الموازنة العامة لا يسفر عن فائدة تذكر ما لم يقترن برقابة فعالة على تنفيذ الموازنة، تقوم بها السلطة التشريعية بغية حفظ الأموال العامة من الضياع والهدر بحيث تمارس هذه السلطة رقابة سابقة ومرافقة ولاحقة لتنفيذ الموازنة العامة، وذلك وفق ما يلي:

أ ـ الرقابة السابقة: تمارس السلطة التشريعية رقابة سابقة على تنفيذ الموازنة العامة من خلال إقرار هذه الموازنة، على اعتبار أنه لا يمكن صرف أي مبلغ من المال أو جبايته إلا بالاستناد للإجازة التي يقدمها مجلس الشعب وإن إقرار الموازنة العامة للدولة يعني عرض مشروعها على السلطة التشريعية لدراسته ومناقشته والمصادقة عليه.

ب ـ الرقابة المرافقة: إن مهام السلطة التشريعية على صعيد الموازنة تمتد لتشمل الرقابة المرافقة للتنفيذ للتأكد من أن السلطة التنفيذية قد التزمت بالإجازة البرلمانية من حيث إن الإيرادات قد تم تحصيلها وفقاً للقوانين المرعية، وإن النفقات تمت وفق الاعتمادات التي تم إقرارها في الموازنة، ولم تستعمل إلا في الأوجه التي خصصت لها. وتمارس هذه الرقابة أثناء السنة المالية التي يتم بها تنفيذ الموازنة.

وتستخدم السلطة التشريعية عدة وسائل للرقابة على أعمال الحكومة ووزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها العامة، وتتمثل هذه الوسائل بالسؤال وطلب المناقشة والاستجواب وإجراء التحقيق وحجب الثـقـة ومناقشة بيان الوزارة وخطط التنمية.

ج ـ الرقابة اللاحقة: تمارس هذه الرقابة عن طريق تدقيق الحساب العام الإجمالي للموازنة العامة ومراجعته من قبل السلطة التشريعية، حيث تقوم وزارة المالية بإعداد مشروع هذا الحساب وتبليغه إلى الجهاز المركزي للرقابة المالية خلال ستة أشهر من انتهاء السنة التي يعود لها ذلك الحساب… وتعرض الحسابات النهائية للسنة المالية على مجلس الشعب في مدةٍ لا تتجاوز عامين من انتهاء هذه السنة، فيقوم المجلس بتدقيقه ومقارنته مع التقديرات الأصلية للإيرادات والنفقات التي كان قد أقرها في البداية لمعرفة مدى تقيد السلطة التنفيذية بالإذن الممنوح لها في الجباية والإنفاق.

وذلك على اعتبار أن هذا الحساب يتضمن النتائج الفعلية لتنفيذ الموازنة، وبعد الانتهاء من دراسة الحساب يقوم المجلس بإصدار قانون قطع الحساب، ويعد هذا القانون آخر مرحلة من مراحل الرقابة وثمرة عمل أجهزتها المختلفة.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ عصام بشور، المالية العامة والتشريع المالي (جامعة دمشق، 1989).

ـ فهمي محمود شكري، الرقابة المالية العليا (دار مجدلاوي، عمان، بلا تاريخ).

ـ محمد العموري، الرقابة المالية العليا (منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2005).

ـ يوسف شباط، محمد خير العكام، المالية العامة (جامعة دمشق، التعليم المفتوح، 2007).


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام
رقم الصفحة ضمن المجلد : 287
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 996
الكل : 57477332
اليوم : 35603