logo

logo

logo

logo

logo

التقادم في المواد الجزائية

تقادم في مواد جزاييه

prescription in penal articles - prescription en articles pénales

 التقادم في المواد الجزائية

التقادم في المواد الجزائية

عبد الجبار الحنيص

التقادم على الدعوى العامة

التقادم على الأحكام الجزائية

 

يقصد بالتقادم في المواد الجزائية انقضاء دعوى الحق العام بمضي مدة محددة من تاريخ ارتكاب الجريمة أو من تاريخ آخر إجراء من إجراءات هذه الدعوى، حيث ينقضي بعدها حق الدولة في إقامة الدعوى العامة واستعمالها. وهناك أيضاً نوع آخر من التقادم الذي تنقضي به العقوبات، ويعني مضي مدة من الزمن من تاريخ صدور الحكم المبرم من دون أن يتخذ خلالها أي إجراء لتنفيذها؛ وينقضي باستكمال هذه المدة حق الدولة في تنفيذ العقوبة.

هذا ولم يقر المشرع التقادم في المواد الجزائية لتأمين مصلحة الجاني الخاصة، بل أقره خدمة للمصلحة الاجتماعية العامة، وحرصاً على سير العدالة الجزائية. ويختلف التقادم على الدعوى العامة والتقادم على العقوبة من حيث الآثار القانونية التي تترتب على كل منهما، ومن حيث المدد الواجب انقضاؤها، ومن حيث الهدف الذي يرمي إلى تحقيقه كل منهما، والأساس الذي يبنى عليه وجوده.

أولاً- التقادم على الدعوى العامة:

عالج المشرع السوري أحكام التقادم على الدعوى العامة في المواد (437-443) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، وهو يعد سبباً من أسباب سقوط الدعوى العامة وانقضائها.

1- مدة التقادم على الدعوى العامة: راعى المشرع في تحديد المدة التي تنقضي بها الدعوى العامة في جميع الجرائم مدى جسامة الواقعة الإجرامية وطبيعتها، فجعل مدة التقادم على الدعوى العامة عشر سنوات في الجنايات، وثلاث سنوات في الجنح، وسنة واحدة في المخالفات. وهذه المدد المقررة قانوناً لسقوط الدعوى العامة هي أقصر من تلك المقررة لسقوط العقوبات.

هذا وإن مدد التقادم على الدعوى العامة المشار إليها سابقاً هي مدد التقادم العام بالنسبة لجميع الجرائم، وقد يلجأ المشرع إلى تحديد مدد خاصة للتقادم على الدعوى العامة في بعض الجرائم. ومثال ذلك ما نصت عليه المادة (475/4) من قانون العقوبات بخصوص جريمة الزنى، حيث جاء فيها أنه لا تقبل الشكوى بانقضاء ثلاثة أشهر على اليوم الذي اتصل فيه الجرم بعلم الزوج أو الولي. والمادة (723/4) من القانون ذاته تجعل مدة التقادم المسقط للدعوى العامة بالنسبة لجريمة غصب عقار سنة واحدة من وضع اليد، وذلك في المحلات التي لم يجرِ فيها التحديد والتحرير.

وما جاء في المادة (55) من قانون الأحداث رقم 18 لسنة 1974، حيث قضت بأن مدد التقادم المنصوص عليها في قانون العقوبات وأصول المحاكمات الجزائية، والمتعلقة بالجرائم والعقوبات والتدابير الإصلاحية والإلزامات المدنية، وسقوط دعوى الحق العام والحق الشخصي تخفض إلى نصفها في جميع الجرائم التي يرتكبها الأحداث.

وإذا نص القانون الخاص على تحديد بدء آخر لسريان التقادم وجب العمل به. ومن أمثلته المادة (39) من قانون العقوبات الاقتصادي، حيث نصت على أن: «تبدأ مرحلة التقادم - إذا أخفى نشاطاً أو مستندات أو غيرها، أو قدم بيانات غير صحيحة - من تاريخ العلم بالعناصر المخفاة». والمادة (105) من قانون العقوبات العسكري وأصول المحكمات العسكرية، التي تقول: «لا يجوز حساب مدة التقادم إلا ابتداء من بلوغ الفار السن القانونية المحددة لرتبته بموجب أنظمة الجيش…». وتشمل أحكام هذه المادة العسكريين من مختلف الرتب، ومنهم المجندون الفارون.

وتبدأ مدة التقادم المسقط للدعوى العامة من يوم وقوع الجريمة، أي انتهائها تماماً ما لم تجرِ ملاحقة بشأنها خلال تلك المدة، سواء كانت الجريمة معروفة أم مجهولة، وليس من يوم معرفتها أو إثباتها. أما إذا جرت ملاحقة ولم يصدر حكم في الدعوى العامة فتبدأ المدة من يوم حصول آخر إجراء انقطعت به. ويحسب اليوم الذي وقعت فيه الجريمة يوماً كاملاً من دون النظر إلى ساعة وقوعها، لأن اليوم كل لا يتجزأ.

ويقصد بتعبير انتهاء الجريمة تماماً تحقق جميع أركانها وشروطها كما نص عليها القانون، فالتقادم يبدأ من يوم إتمام الجريمة.

ويختلف بدء سريان التقادم باختلاف طبيعة الجرائم ونوعها. ففي الجرائم الآنية (الفورية) يبدأ التقادم -كقاعدة عامة- منذ وقوعها (أي اكتمالها)، والعبرة للفعل التنفيذي وليس لحصول النتيجة. ولكن هناك بعض الجرائم الآنية يثير تحديد وقوعها خلافاً في الفقه والقضاء، ومثالها إساءة الائتمان، والاحتيال، والإخبار الكاذب، والتزوير. أما في الجرائم المستمرة والمتعاقبة فتبدأ مدة سريان التقادم من يوم انتهاء حالة الاستمرار أو انتهاء آخر فعل في الجريمة المتعاقبة. وفي جرائم العادة فإن التقادم عليها لا يبدأ إلا منذ ارتكاب الفعل الذي يحقق قيام الجريمة، أي آخر فعل مكون لها.

ويعد تحديد تاريخ وقوع الجريمة من المسائل الموضوعية التي تدخل في سلطة محكمة الموضوع ولا رقابة عليها من محكمة النقض. وينبغي على المحكمة بيان هذا التاريخ في حكمها، وخاصة إذا دُفع أمامها بانقضاء الدعوى بالتقادم، وإلا كان حكمها باطلاً.

2- عوارض تقادم الدعوى العامة: تبدأ مدة التقادم المسقط للدعوى العامة من يوم وقوع الجريمة، وذلك ما لم يقم عارض يؤدي إلى قطع التقادم أو إيقافه.

أ- انقطاع التقادم: يقصد به أن يقوم سبب يمحو أثر ما مضى من مدة التقادم، وذلك بإسقاط المدة التي انقضت واعتبارها كأن لم تكن، بحيث لا تنقضي الدعوى العامة إلا بمضي مدة جديدة وكاملة يبدأ سريانها من يوم الانقطاع.

(1) الإجراءات القاطعة للتقادم: ومن استعراض نصوص المواد (437-439) من قانون أصول المحاكمات الجزائية يتضح أن أسباب انقطاع مدة التقادم المسقطة للدعوى العامة في الجنايات والجنح والمخالفات تتعلق بأي إجراء من إجراءات الملاحقة والتحقيق والمحاكمة.

q إجراءات الملاحقة: وهي الإجراءات التي تتعلق بإقامة الدعوى العامة، ومفاد ذلك أن الإجراءات التي تتخذ قبل إقامة الدعوى العامة ليست من قبيل الإجراءات القاطعة للتقادم المسقط لهذه الدعوى. ويترتب على ذلك أن تقديم الإخبار أو الشكوى إلى النيابة العامة لا يقطع مدة التقادم. وكذلك فإن الإجراءات التي تقوم بها الضابطة العدلية في مرحلة البحث الأولي لا تعد تحريكاً للدعوى العامة وبالتالي لا تقطع التقادم.

وينقطع التقادم بإجراءات إقامة الدعوى العامة من النيابة العامة صاحبة الاختصاص الأصيل أو من أي جهة أخرى خولها القانون هذا الاختصاص على سبيل الاستثناء كالإدارات العامة والمدعي الشخصي.

q إجراءات التحقيق الابتدائي: ويقصد بها الإجراءات المتعلقة بجمع الأدلة لإثبات وقوع الجريمة أو لإثبات نسبتها إلى المدعى عليه، كاستجواب المدعى عليه وسماع الشهود والتفتيش وضبط الأشياء والتوقيف والمعاينة وندب الخبراء، والدعوة (التكليف بالحضور). ويستوي أن يقوم بهذه الإجراءات قضاء التحقيق (قاضي التحقيق أو قاضي الإحالة)، أو من ينتدبه من موظفي الضابطة العدلية. وتعد إجراءات التحقيق التي يقوم بها موظفو الضابطة العدلية على سبيل الاستثناء في حالة الجرم المشهود قاطعة للتقادم المسقط للدعوى العامة (انظر المواد 28، 42، 46، 48 من قانون أصول المحاكمات الجزائية). وكذلك قرارات التصرف في التحقيق الصادرة عن قضاء التحقيق بإحالة الدعوى إلى المحكمة الجزائية المختصة أو بمنع المحاكمة.

q إجراءات المحاكمة: كإجراءات التحقيق النهائي، وجميع القرارات والأحكام التي تصدرها محكمة الموضوع، سواء كانت غيابية أم وجاهية أم بمنزلة الوجاهية، فاصلة في الموضوع أم غير فاصلة فيه. وإذا أصبح الحكم باتاً انقضت به الدعوى العامة، ويسري عليه التقادم المسقط للعقوبة.

(2) شروط الإجراءات القاطعة للتقادم: يشترط في الإجراء الذي يقطع مدة التقادم المسقطة للدعوى العامة أن يكون صادراً ممن يملك قانوناً سلطة الادعاء أو التحقيق أو المحاكمة، وينبغي أن يكون قضائياً لا إدارياً. فيعد قرار تأجيل المحاكمة إلى جلسة قادمة قضائياً وبالتالي قاطعاً للتقادم إذا صدر بحضور الخصوم أو بناء على طلب بعضهم، أو صدر في جلسة تغيب عنها المدعى عليه بالرغم من تبلغه موعدها. أما إذا صدر في غير هذه الأحوال فإنه يعد قراراً إدارياً وليس قضائياً، ولا يقطع التقادم. ويجب أيضاً أن يكون الإجراء صحيحاً في ذاته من حيث الشكل والموضوع، فإذا كان باطلاً يعد كأن لم يكن، ولا يترتب عليه أي أثر. ومن هذا القبيل تحريك الدعوى العامة قبل تقديم الشكوى أو الطلب أو الإذن في الأحوال التي تتطلب ذلك.

ولكن إقامة الدعوى العامة أمام محكمة جزائية غير مختصة، وقرار المحكمة بعدم الاختصاص يقطع مدة التقادم المسقطة للدعوى. وإذا استمرت المحكمة غير المختصة في النظر إلى الدعوى فإن إجراءاتها لا تقطع التقادم.

وأما إذا كان بطلان الإجراء مما يستلزم التمسك به من قبل الخصوم فعدم الدفع به أمام القضاء الجزائي يجعله إجراءً قاطعاً للتقادم؛ ومثال ذلك ما جاء في نص المادة 292 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، حيث نصت على عدم قبول شهادة الأشخاص الآتي ذكرهم: أصول المتهم وفروعه، إخوته وأخواته، ذوو القرابة الصهرية الذين هم في هذه الدرجة، الزوج والزوجة ولو بعد الطلاق. فإذا سمعت شهاداتهم ولم يعترض عليها النائب العام أو المدعي الشخصي أو المتهم فلا تكون باطلة.

(3) آثار انقطاع التقادم: يترتب على انقطاع التقادم -كما سبق بيانه- سقوط ما فات من مدة التقادم ويجب احتساب مدة جديدة كاملة تبدأ من تاريخ الإجراء القاطع للتقادم. وفي حال تعددت الإجراءات القاطعة للتقادم وتتابعت ينبغي احتساب المدة الجديدة من تاريخ آخر إجراء انقطعت به. ولكن هل يعني ذلك أن يقطع التقادم باستمرار وإلى الأبد؟

ذهب جانب من الفقه إلى الإجابة عن هذا السؤال بالإيجاب، فمدة التقادم على الدعوى العامة تتجدد إلى ما لا نهاية، كلما انقطعت بإجراء قاطع لها من إجراءات الملاحقة أو التحقيق أو المحاكمة. وهذا يتناقض مع الفلسفة التي يقوم عليها التقادم وهي نسيان الماضي وعدم ايقاظه المرة بعد المرة، فلا يصح تكرار قطع التقادم إلى الأبد.

لانقطاع التقادم أثر عيني يتعلق بالجريمة وليس بمقترفيها، فينصرف انقطاع مدة التقادم إلى كل من أسهم في اقتراف الجريمة سواء كان فاعلاً أم شريكاً أم متدخلاً، معلوماً كان أم مجهولاً، تناوله الإجراء القاطع للتقادم أم لم يتناول أحد بحيث اتخذت إجراءات الملاحقة أو التحقيق ضد مجهول. والسبب في ذلك أن الجريمة في باب التقادم تعد وحدة لا تقبل التجزئة من حيث بداية مدة التقادم، ومن حيث حكم ما يقطع التقادم من إجراءات. أما بالنسبة للجريمة ذاتها فالأصل أن الانقطاع لا ينصرف أثره إلا إلى الواقعة الإجرامية التي جرت بصددها الملاحقة الجزائية، أو جرى فيها التحقيق، وحصل بشأنها الانقطاع. ولكن يرد على هذا الأصل استثناء مفاده أنه إذا ارتبطت جريمة بأخرى ارتباطاً لا يقبل التجزئة فإن انقطاع التقادم بالنسبة لواحدة منهما ينسحب أثره على الجريمة الأخرى، وذلك شريطة أن يحصل الانقطاع بالنسبة للجريمة الأشد وليس العكس.

ب- وقف التقادم: ويقصد به أن يعترض الدعوى العامة سبب يحول دون إقامتها، أو الاستمرار فيها. والأسباب التي يمكن أن تعترض الدعوى العامة على نوعين: مادية، كتعطيل المحاكم بسبب ثورة أو زلزال، أو حالة حرب…؛ وقانونية نص القانون فيها على عدم جواز إقامة الدعوى، أو عدم السير فيها حتى يزول المانع، كالجرائم التي يمتنع على النيابة العامة إقامة الدعوى فيها إلا بعد تقديم شكوى أو ادعاء شخصي من المجني عليه، أو بعد الحصول على إذن من جهة مختصة، أو كالحالات التي يتوقف فيها الحكم في الدعوى الجزائية على الفصل في مسألة أولية تدخل في اختصاص محكمة أخرى. أخذ المشرع السوري بمبدأ وقف التقادم بالنسبة للعقوبة كما جاء في نص المادة (167) من قانون العقوبات على النحو الذي سيتم بيانه لاحقاً، ولم ينص على مثل هذا المبدأ في قانون أصول المحاكمات الجزائية، مما يعني أن القانون لا يقر بوقف التقادم على الدعوى العامة، وبهذا أخذت محكمة النقض السورية في أحد أحكامها (نقض سوري في 3/10/1968، مجموعة القواعد القانونية، القاعدة 1394). ويؤيد هذا الرأيَ معظمُ الفقهاء، لأن وقف التقادم على الدعوى يتعارض مع كل من مبدأي النسيان والاستقرار القانوني اللذين قام عليهما التقادم.

3- آثار التقادم: إذا اكتملت مدة التقادم على الدعوى العامة سقط حق الدولة في الادعاء بصورة مباشرة وحقها في العقاب بصورة غير مباشرة. فإذا اكتملت مدة التقادم قبل إقامة الدعوى للنيابة العامة حفظ الأوراق، وإذا أقيمت الدعوى حكمت المحكمة بسقوطها بالتقادم.

وقد أخذ المشرع السوري بمبدأ التضامن بين الدعوى العامة ودعوى التعويض عن الأضرار المتولدة  من الجريمة فيما يتعلق بسقوطهما بالتقادم الجزائي، فتسقط الدعوى المدنية الناشئة عن الجريمة موضوع الدعوى العامة عندما تنقضي مدة التقادم على هذه الأخيرة، وذلك للارتباط الوثيق بينهما.

ثانياً- التقادم على الأحكام الجزائية:

هذا النوع من التقادم يفترض انقضاء الدعوى العامة بصدور الحكم المبرم بالعقاب من دون أن ينفذ هذا الحكم أو تتخذ الإجراءات اللازمة لتنفيذه خلال مدة زمنية معينة. وقد عالج المشرع التقادم على الأحكام الجزائية في المواد (161-167) من قانون العقوبات، التي تتعلق بتحديد مدة التقادم وبدء سريانه وانقطاعه ووقفه وآثاره.

1- مدة التقادم: لم يترك المشرع للقاضي أو للسلطة التنفيذية أمر تحديد مدة التقادم على الأحكام الجزائية، بل حددها بنص القانون وجعلها مرتبطة بنوع وخطورة الجريمة موضوع الحكم بالعقوبة. فمدة التقادم على عقوبة الإعدام أو العقوبات الجنائية المؤبدة خمس وعشرون سنة، وبالنسبة للعقوبات الجنائية المؤقتة فمدة التقادم فيها ضعف مدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة على ألا تتجاوز عشرين سنة أو تنقص عن عشر سنوات. ومدة التقادم على أي عقوبة جنائية أخرى عشر سنوات. أما العقوبات الجنحية فإن مدة التقادم فيها ضعف مدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة على ألا تتجاوز عشر سنوات وتنقص عن خمس سنوات، وأي عقوبة جنحية أخرى مدة التقادم فيها خمس سنوات. وبالنسبة لعقوبات المخالفات فإن مدة التقادم عليها سنتان. ومدة التقادم على التدابير الاحترازية ثلاث سنوات، وعلى التدابير الإصلاحية سنة واحدة إلا إذا صدر قرار عن محكمة الأحداث بناء على طلب النيابة يقضي بتنفيذ التدبير، على الرغم من مرور سنة على إغفال تنفيذه.

ويحسب التقادم من يوم إلى مثله، من دون اليوم الأول، وتحسب المدد بالتقويم الميلادي.

2- بدء سريان التقادم: يبدأ سريان التقادم على العقوبة المقضي بها في حكم جزائي على النحو الآتي: ففي العقوبات الجنائية يبدأ سريان التقادم من يوم تملص المحكوم عليه من التنفيذ إذا كان الحكم وجاهياً، ومن تاريخ الحكم إذا كان غيابياً. وإذا بدأ المحكوم عليه بتنفيذ العقوبة المانعة أو المقيدة للحرية، ثم تملص منها أُسقط نصف مدة العقوبة التي نفذت فيه من مدة التقادم.

وفي العقوبات الجنحية والمخالفات يبدأ سريان مدة التقادم من تاريخ صدور الحكم الوجاهي إذا كان في الدرجة الأخيرة، ومن تاريخ انبرامه إذا كان في الدرجة الأولى؛ وفي الحكم الغيابي منذ تبليغ المحكوم عليه  بذاته أو تبليغه في محل إقامته. وإذا كان المحكوم عليه موقوفاً فيسري التقادم من يوم تفلته من التنفيذ، وفي هذه الحالة يسقط نصف مدة العقوبة التي نفذت فيه من مدة التقادم.

أما بالنسبة للتدابير الاحترازية فيبدأ سريان التقادم منذ اليوم الذي يصبح فيه التدبير الاحترازي نافذاً عملاً بأحكام المادتين (115 و116) من قانون العقوبات، أو بعد تقادم العقوبة التي تلازم هذا التدبير. ويشترط ألا يصدر عن القاضي قبل انقضاء سبع سنوات قرار يثبت أن المحكوم عليه لايزال خطراً على السلامة العامة.

3- وقف التقادم: نصت المادة (167/2) من قانون العقوبات على أن: «يوقف التقادم كل حائل قانوني أو مادي حال دون تنفيذ العقوبة أو التدبير، ولم ينشأ عن إرادة المحكوم عليه». ويعني وقف التقادم أن يعرض سبب نص القانون عليه يحول دون بدء سريان مدة التقادم، أو يمنع استمرار سريانها، بحيث تستأنف مدة التقادم سيرها بزوال سبب الإيقاف، وتسقط المدة الموقوفة من حساب التقادم.

والحائل القانوني هو الذي يمنع السلطة المختصة من تنفيذ الحكم الجزائي لأسباب قانونية، كتأجيل تنفيذ العقوبة بسبب جنون المحكوم عليه؛ وتأجيل تنفيذ العقوبة بسبب تنفيذ عقوبة أخرى مقضي بها على المحكوم عليه نفسه؛ وكمنح المحكوم عليه وقف تنفيذ العقوبة؛ وتأجيل تنفيذ العقوبة في الحامل غير الموقوفة إلى أن تضع حملها وتقضي مع وليدها ستة أسابيع أخرى؛ وتأجيل تنفيذ العقوبة على أحد الزوجين المحكوم عليهما معاً، حيث يتم تنفيذ العقوبة فيهما على التتالي إذا كان لهما ولد دون الثامنة عشرة، ولهما محل إقامة معروف.

أما الحائل المادي فمثاله حالة الحرب، واحتلال جزء من أرض الوطن من قبل جيش أجنبي، والطوفان، وكل الحوائل المادية التي يتعذر معها تنفيذ الأحكام الجزائية.

4- انقطاع التقادم: يراد بانقطاع التقادم أن يعرض سبب يمحو المدة التي مرت من التقادم على العقوبة المحكوم بها، بحيث يتعين أن تبدأ مدة جديدة كاملة، محسوبة من تاريخ زوال سبب الانقطاع.

وينقطع التقادم على الأحكام الجزائية في القانون السوري بأسباب ثلاثة، وهي:

1- حضور المحكوم عليه من تلقاء نفسه من أجل تنفيذ الحكم الصادر بحقه، أي تسليم نفسه للسلطات المختصة بتنفيذ الأحكام الجزائية.

2- أي عمل تجريه السلطة بغية التنفيذ، كالقبض على المحكوم عليه لتنفيذ العقوبة المانعة للحرية، أو الحجز على أموال المحكوم عليه، أو إخضاعه للإكراه البدني لتحصيل الغرامة. ولا يعد من الأفعال التنفيذية إرسال الحكم إلى الشرطة أو رجال المخابرات، أو ضبوط تحري المنازل أو مذكرات القبض على المحكومين، وإنما هي من الأعمال التحضيرية السابقة على التنفيذ الذي لا يبدأ إلا بالقبض على المحكوم عليه.

3- وارتكاب المحكوم عليه جريمة أخرى معادلة للجريمة التي أوجبت العقوبة أو التدبير، أو جريمة أهم خلال مدة التقادم.

إن المحكوم عليه بارتكابه للجريمة الجديدة قبل انقضاء مدة التقادم على عقوبته المقضي بها عن جريمته السابقة برهن على إمعانه في الإجرام، وعدم رغبته في تقويم سلوكه، وبالتالي فإن العدالة تقتضي عدم تركه يستفيد بتواريه من التقادم.

وفي جميع الأحوال فإن مدة التقادم لا يجوز أن تطول إلى أكثر من ضعفيها كما جاء في الفقرة الأخيرة من نص المادة 167من قانون العقوبات. وهذا النص يعبر عن رغبة المشرع في وضع حد للتقادم على الأحكام الجزائية، بحيث لا يجوز أن تمد مدته إلى ما لانهاية. إذ من غير العدل أن يبقى المحكوم عليه مدة طويلة من الزمن مهددا بتنفيذ حكم عجزت السلطات المختصة عن تنفيذه.

5- آثار التقادم: إذا اكتملت المدة المحددة للتقادم انقضت العقوبة، ولم يعد من حق السلطة المختصة بتنفيذ العقاب اتخاذ أي إجراء من إجراءات تنفيذ هذه العقوبة. ولكن التقادم لا يؤثر في الحكم بالإدانة، إذ يبقى هذا الحكم قائماً منتجاً كل آثاره القانونية، فهو يحسب في التكرار واعتياد الإجرام ووقف التنفيذ.

ولا تأثير للتقادم في التدابير الاحترازية المانعة من الحقوق، ولا في منع الإقامة والمصادرة العينية، في حين أن التدابير الاحترازية الأخرى يشملها التقادم. وكذلك لا تأثير للتقادم في الإلزامات المدنية المقضي بها، فهي تبقى خاضعة لأحكام التقادم المدني.

وأخيراً لابد من التنويه إلى أن سقوط الدعوى العامة والحكم الجزائي بالتقادم أمر يتعلق بالنظام العام، ويترتب على ذلك النتائج الآتية: إن الدفع بالتقادم يجوز إثارته في أي مرحلة من مراحل الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة النقض؛ وينبغي على المحكمة أن تقضي به عفواً متى انقضت المدة المقررة قانوناً، ولو لم يطلب ذلك أحد الخصوم؛ وإذا دفع أحد الخصوم بسقوط الدعوى العامة بالتقادم وقضت المحكمة بإدانته من دون أن تتعرض لهذا الدفع أو تفصل فيه كان حكمها باطلاً وجديراً بالنقض.

مراجع للاستزادة:

 

- حسن جوخدار، قانون أصول المحاكمات الجزائية، الجزء الأول (الدعاوى التي ينظرها القضاء الجزائي)، (منشورات جامعة دمشق، الطبعة السابعة، 1997- 1998).

- عبد الوهاب حومد، المفصل في شرح قانون العقوبات - القسم العام (المطبعة الجديدة، دمشق 1990).

- عبود السراج، شرح قانون العقوبات- القسم العام (منشورات جامعة دمشق، 2006-2007).

- محمد الفاضل، الوجيز في أصول المحاكمات الجزائية، الجزء الأول (مطبعة الإحسان، دمشق، الطبعة الرابعة، 1976-1977).

 


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد الثاني: بطاقة الائتمان ــ الجرائم الواقعة على السلطة العامة
رقم الصفحة ضمن المجلد : 234
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 600
الكل : 31236756
اليوم : 61913