logo

logo

logo

logo

logo

العقد (أركان -) (مقدمة)

عقد (اركان ) (مقدمه)

contract basis (introduction) - bases du contrat (introduction)

 أركان العقد

أركان العقد

فواز صالح

الرضا

الأهلية

المحل

السبب

 

العقد هو ارتباط إيجاب بقبول على وجه مشروع يثبت أثره في محله. أو هو توافق إرادتين على إنشاء التزام أو نقله. يتبين من ذلك أن العقد لا ينعقد إلا إذا توافرت أركانه وهي: الرضا وما يتبعه من أهلية المتعاقدين، والمحل، والسبب. ولا تعد هذه الأركان محل اتفاق بين الفقهاء، إذ أنهم اختلفوا أشد الاختلاف حول هذه الأركان، ولكن لم يكن لهذا الاختلاف سوى قيمة نظرية بحتة. وتـجدر الإشارة إلى أن القانون المدني السوري قد بحث تحت عنوان «أركان العقد» في الرضا وما يتبعه من أهلية المتعاقدين(المواد من 92 إلى 131)، وفي المحل (المواد من 132 إلى 136)، والسبب(المادتان 137 و138). أما التقنين المدني الفرنسي فينص صراحة في المادة (1108) منه على ضرورة توافر أربعة شروط من أجل صحة أي اتفاق، وهي الرضا والأهلية والمحل والسبب.زد على ذلك أن الشكل في العقود الشكلية تعد ركناً إضافيا، وبالتالي لا تنعقد هذه العقود حتى لو توافرت فيها الأركان السابقة، وإنما لا بد ـ إضافة إلى ذلك ـ أن تتوافر فيها الشكلية التي تطلبها القانون من أجل انعقادها.

أولاً ـ الرضا:

يميز الفقه في هذا المجال بين وجود الرضا وبين سلامة الرضا. ويتطلب وجود الرضا وجود الإرادة، في حين أن سلامة الرضا تفترض وجود الإرادة ومن ثم تستلزم صحة هذه الإرادة. والرضا بوصفه ركناً من أركان العقد يستلزم وجود إرادتين، ويترتب على ذلك أن الرضا لا يكون سليماً إلا إذا كانت الإرادتان صحيحتين. والرضا هو توافق الإرادتين وتطابقهما في العقد. ويعرف بأنه تحرك الإرادة إلى شيء ما وتعلقها به. ويترتب على ذلك أن وجود الرضا يستلزم وجود الإرادة. وبالتالي فالرضا معدوم عند عديم التمييز وفاقد الوعي نتيجة مسكر أو مخدر أو تنويم مغنطيسي، وذلك نتيجة انعدام الإرادة عندهم. ويقصد بوجود الإرادة صدورها عن صاحبها بقصد إحداث أثر قانوني وهو هنا إنشاء الالتزام، بحسبان العقد المصدر الإرادي الأول للالتزام. أما إذا لم تتجه الإرادة إلى إحداث مثل هذا الأثر، فلا يقوم الرضا بوصفه ركناً من أركان العقد، وبالتالي لا يترتب على مثل هذه الإرادة انعقاد العقد. وفي حال وقوع خلاف حول ما إذا كانت الإرادة قد اتجهت إلى إحداث أثر قانوني أو لا؛ فالمحكمة المختصة هي التي تفصل في مثل هذا الخلاف. والإرادة هي أمر باطني، فلا بد إذاً من التعبير عنها صراحة أو ضمناً.

1ـ التعبير عن الإرادة: الإرادة أمر مستقر في أعماق النفس البشرية لا يمكن إدراكه مباشرة لأنها لا تقع تحت الحس. والإرادة بهذا المعنى هي كل عمل يكمن في النفس ينعقد به العزم على شيء معين؛ وبالتالي لا يعلم بها إلا خالق النفس البشرية وصاحبها، أما غيرهما فلا يمكنه العلم بالإرادة إلا إذا عبر عنها صاحبها، واتخذت مظهراً خارجياً ملموساً يمكن الاعتداد به قانوناً. ويسمى هذا المظهر الخارجي المحسوس بالتعبير عن الإرادة. وهو ثنائي القوام يتألف من تعبيرين متتالين هما الإيجاب والقبول. ويترتب على ذلك أن الهدف من التعبير عن الإرادة هو إحاطة الوسط الخارجي العلم بها من أجل أن تتمكن من ترتيب الأثر المترتب عليها قانوناً، وهو إنشاء الالتزام. ويقتضي مبدأ الرضائية المطبق في القوانين المعاصرة عدم فرض طريقة خاصة للتعبير عن الإرادة. وبالتالي فإن الشخص يمكن له أن يعبر عن إرادته بالطريقة التي تحلو له، وكما يرتئي دونما أن يكون ملزماً بإفراغ التعبير عن إرادته في قالب أو شكل معين. ويستلزم انعقاد العقد، من حيث المبدأ، التعبير عن إرادتين متطابقتين، ولكن قد يتطلب القانون إضافة إلى ذلك توافر شروط أخرى. وهذا ما يستفاد من المادة 92 مدني.

أ ـ التعبير الصريح والتعبير الضمني:

(1) التعبير الصريح: يكون التعبير عن الإرادة صريحاً، وفق أحكام المادة 93/1 مدني، إذا اتخذ صاحبها مظهراً يدل في ذاته على الكشف عن إرادته وفق ما هو متعارف عليه بين الناس. ويكون التعبير الصريح عن الإرادة باللفظ، كاستعمال لفظ يدل بذاته على الكشف مباشرة عن إرادة من لفظه، كما لو قال البائع: بعتك هذا الشيء بكذا، فرد المشتري بقوله اشتريت. كما يكون بالكتابة أيضاً. ولا يهم شكل هذه الكتابة، فقد تكون عادية أو رسمية، وقد تكون مطبوعة على الحاسوب أو الآلة الطابعة أو تكون مخطوطة باليد، وقد تكون كتابة عادية أو الكترونية. ويكون التعبير الصريح أيضاً بالإشارة المتداولة عرفاً، كما لو قال البائع بعتك هذا الشيء بكذا، فهز المشتري برأسه نحو الأسفل دلالة على القبول، أما إذا هز برأسه بشكل أفقي أو هز بكتفيه نحو الأعلى ونحو الأسفل؛ فذلك يكون دلالة على الرفض. وأخيراً يمكن أن يكون التعبير الصريح عن الإرادة باتخاذ موقف لا تدع ظروف الحال شكاً في دلالته على حقيقة المقصود، كما لو قام شخص بوضع آلة لتوزيع المشروبات الساخنة والباردة مقابل ثمن محدد، أو وقوف سيارات الأجرة في المواقف المخصصة لها بانتظار من يرغب بركوبها.

(2) التعبير الضمني: ويكون التعبير عن الإرادة ضمنياً، وفق ما جاء في المادة (93/2 مدني)، عندما لا يدل المظهر الذي اتخذه صاحبها مباشرة على الكشف عن إرادته، وإنما يكشف عنها على نحو غير مباشر. ويترتب على ذلك أن الوسيلة المستخدمة في هذا التعبير لا تدل بذاتها مباشرة على حقيقة المعنى الذي يقصده صاحب الإرادة إلا أن ظروف الحال تسمح بترجيح هذا المعنى على غيره من المعاني المحتملة. ومثال ذلك قيام الوكيل بتنفيذ العمل القانوني المطلوب منه بموجب الوكالة التي عرضت عليه، ولم يقبلها صراحة، وكذلك بقاء المستأجر في العقار المأجور بعد انتهاء مدة الإيجار وقيامه بتنفيذ أعمال ديكور جديدة فيه، فيعدّّ ذلك إيجاباً ضمنياً بتجديد الإيجار، وإذا قبل المؤجر قبض الأجرة منه مع علمه بالأعمال التي قام بها، فيعدّ ذلك قبولاً ضمنياً منه. ومثال ذلك أيضاً إعلان قناة تلفزيونية عن مسلسل تلفزيوني يعرض على شاشتها قريباً عرضه منتجه على الإدارة، فهذا العرض يفيد ضمناً شراء حقوق عرض هذا المسلسل من منتجه.   

وقد يستلزم القانون أن يكون التعبير عن الإرادة صريحاً، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة (221/د مدني) إذ إنها قررت أنه لا ضرورة لإعذار المدين إذا كان قد صرح كتابة أنه لا يريد تنفيذ التزامه. ومن الأمثلة على ذلك أيضاً المادة (443) من القانون ذاته المتعلقة ببيع التركة، والتي تنص على أنه إذا كان البائع قد باع شيئاً من مشتملات التركة، أو استوفى بعض ما لها من ديون، يجب عليه أن يرد للمشتري ما استولى عليه ما لم يكن قد اشترط صراحة في عقد البيع عدم الرد. كما يمكن أن يتفق المتعاقدان على أن يكون التعبير عن الإرادة صريحاً، كأن يشترطا أن يكون اتفاقهما مكتوباً.

ب ـ السكوت: لا يعدّ السكوت المجرد ـ من حيث المبدأ ـ تعبيراً عن الإرادة لا إيجاباً ولا قبولاً، وذلك لأن الإرادة حركة أما السكوت فسكون. ويترتب على ذلك أن السكوت لا يعدّّ تعبيراً ضمنياً عن الإرادة، لأن التعبير الضمني يستلزم استعمال وسائل من أجل التعبير عن الإرادة، وإن كانت لا تدل بذاتها ومباشرة على حقيقة المعنى المقصود الذي اتجهت الإرادة إليه، إلا أن ظروف الحال ترجح هذا المعنى على غيره. ويترتب على ذلك أن التعبير الضمني عن الإرادة هو وضع إيجابي، في حين أن السكوت هو وضع سلبي. ولا يعدّ السكوت إيجاباً مطلقاً، لأن الإيجاب هو الإرادة المبتدئة التي تكون الشق الأول من العقد، فلا بد من أن يدل عليها عمل إيجابي. أما بالنسبة إلى القبول، فإن السكوت قد يعدّّ قبولاً، وذلك على سبيل الاستثناء، لأنه في بعض المعاملات قد يجعل سبق الإيجاب من السكوت دلالة على الرضا، وهذا هو السكوت الملابس. وقد نصت المادة (67) من مجلة الأحكام العدلية على أنه «لا ينسب إلى ساكت قول، ولكن السكوت في معرض الحاجة إلى البيان بيان»، وذلك لأن السكوت عدم، ودلالة العدم هي الرفض لا القبول. وهذا هو المبدأ العام والمتمثل في أن السكوت لا يعدّ تعبيراً عن الإرادة. ولكن ترد على هذا المبدأ بعض الاستثناءات، حيث يعدّّ السكوت فيها تعبيراً عن الإرادة وذلك إذا أحاطت به ظروف ملابسة، ولكنه لا يعدّّ إلا قبولاً.

ويتبين من نص المادة (399) مدني أن السكوت يعدّ قبولاً في ثلاث حالات، وهي:

(1) إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين، واتصل الإيجاب بهذا التعامل، كما لو كان أحد الأشخاص مشتركاً في جريدة لمدة معيّنة، ثم استمرت إدارة الجريدة في إرسالها له بعد انتهاء المدة، وسكت المشترك عن ذلك، ولم يرد الأعداد التي تسلمها بعد انتهاء مدة اشتراكه، فقد يستخلص من سكوته أنه قبل تجديد اشتراكه. أما إذا لم يكن هناك تعامل سابق بين إدارة الجريدة والمرسل إليه، فلا يعدّ سكوت هذا الأخير قبولاً حتى لو كانت إدارة الجريدة قد اشترطت في مراسلاتها ضرورة رد الجريدة في حال رفض الاشتراك تحت طائلة اعتبار عدم الرد قبولاً.

(2) إذا كانت طبيعة المعاملة تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر جواباً من القابل. ومثال ذلك ما درجت عليه المصارف قديماً من إرسال كشف يتضمن رصيد حساب الزبون لديه دورياً، وكان الكشف يتضمن أن عدم الاعتراض عليه خلال المدة المحددة فيه يعدّ قبولاً بمضمونه. وقد قل شيوع هذا التعامل بعد أن شاع التعامل بالبطاقات المصرفية، إذ بإمكان الزبون في أي لحظة أن يعرف رصيد حسابه بموجب هذه البطاقة.

(3) إذا كان في الإيجاب منفعة محضة للقابل، فيعدّ سكوته قبولاً، كالإيجاب في هبة المنقول الذي يعدّ منفعة محضة للموهوب له، وبالتالي يعدّ سكوته قبولاً. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحالات لم تحدد على سبيل الحصر، وبالتالي يمكن القياس عليها، ومثال ذلك سكوت الموكل على تجاوز الوكيل حدود وكالته وهو عالم بذلك، فيعدّ سكوته إجازة، وبالتالي يسري هذا التجاوز بحقه.

زد على ذلك أن القانون ينص في مواضع أخرى متفرقة على اعتبار السكوت قبولاً. ومثال ذلك ما نصت عليه المادة (389/1 مدني)، إذ قررت أنه يجب على المشتري في البيع بشرط التجربة أن يعلن رفضه المبيع في المدة المتفق عليها، وفي حال عدم الاتفاق على المدة فعليه أن يعلن رفضه في مدة معقولة يعينها البائع، فإذا انقضت هذه المدة، وسكت المشتري، وكان بإمكانه تجربة المبيع يعدّ سكوته قبولاً. أضف إلى ذلك أن المادة (139/6) من قانون الشركات السوري لعام 2008 تنص على أنه يمكن أن ينتخب لعضوية إدارة الشركة المساهمة شخص غائب، ويجب عليه في مثل هذه الحال أن يعلن عن قبوله بتلك العضوية أو رفضها خلال عشرة أيام من تاريخ تبليغه نتيجة الانتخاب، ويعدّ سكوته قبولاً منه بالعضوية.

ج ـ حكم الاختلاف بين الإرادة وبين التعبير عنها: الإرادة هي جوهر العقد وقوامه، وبالتالي لا يقوم العقد إلا إذا كانت الإرادة موجودة. والإرادة لا يكون لها وجود خارجي محسوس إلا بالتعبير عنها وفق ما تقدم، والتعبير عن الإرادة هو الذي يبرزها إلى العالم الخارجي، فهو مظهرها المادي والزي الذي ترتديه في الخارج. وقد يكون التعبير عن الإرادة مطابقاً لها، وقد يكون مخالفاً لها، وفي هذه الحال يثور سؤال مفاده هو هل يعتد ـ في حال الاختلاف بين الإرادة وبين التعبير عنها ـ بالإرادة ذاتها؛ وهي الإرادة الباطنة والحقيقية، أو يعتد بمظهرها الخارجي المتمثل بالتعبير عنها؛ وهو الإرادة الظاهرة؟ ظهرت نظريتان في هذا المجال.

(1) الإرادة الباطنة أو الإرادة الحقيقية: يرى أنصار هذه النظرية أنه في حال الاختلاف بين الإرادة الحقيقية وبين التعبير عنها، فترجح الإرادة الحقيقية، لأن التعبير عنها ليس سوى وسيلة للكشف عنها، وبالتالي لا يعتد به إلا في الحدود التي يكون فيها مطابقاً للإرادة. فالإرادة هي وفق هذه النظرية قوام الرضا بوصفه ركناً من أركان العقد لا التعبير بذاته. ويترتب على ذلك أن التعبير عن الإرادة وفق هذه النظرية هو قرينة على الإرادة، وهذه القرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها، وفي حال إثبات العكس ترجح الإرادة الباطنة على الإرادة الظاهرة والمعلن عنها بالتعبير. وفي حال تعذر الوصول إلى الإرادة الباطنة الكامنة في أعماق النفس، فعلى القاضي أن يفترض هذه الإرادة. والإرادة المفترضة هي إرادة باطنة لا إرادة ظاهرة. ويكرس هذه النظرية التقنين المدني الفرنسي لعام 1804. ويترتب على الأخذ بهذه النظرية أن التعبير الذي يقع فيه خطأ مادي لا ينتج أي أثر، وإنما يجب تصحيح ذلك الخطأ  بما يتفق مع المعنى الذي اتجهت إليه الإرادة الحقيقية. وكذلك لا عبرة وفق هذه النظرية للتعبير الصوري عن الإرادة، وإنما العبرة للإرادة الحقيقية المغايرة لهذا التعبير الصوري. ويجب أن تكون الإرادة خالية من العيوب ومقترنة بسببها، وبالتالي يعدّ السبب في القوانين التي تأخذ بالإرادة الباطنة ركناً ـ من حيث المبدأ ـ في الالتزام الإرادي، وبالتالي في التصرفات القانونية. 

(2) نظرية الإرادة الظاهرة: يرى أنصار هذه النظرية أن القانون ينظم العلاقات الاجتماعية وبالتالي فهو ظاهرة اجتماعية لا ظاهرة نفسية. وبالنسبة إلى العلاقات التعاقدية التي ينظمها القانون بهذا المعنى، فلا تنتج الإرادة أثراً بالنسبة إليها إلا إذا اتخذت مظهراً اجتماعياً، وذلك بالتعبير عنها. فهذا التعبير هو شيء مادي محسوس يستطيع القانون أن ينظمه ويرتب أحكامه، دون حاجة إلى الغوص في أعماق النفس. وبالتالي لا يعتد بالإرادة الباطنة إلا عندما تظهر في العالم الاجتماعي، وظهورها يكون بالتعبير عنها بإحدى وسائل التعبير عن الإرادة. ولا يعدّ التعبير في هذه النظرية مجرد قرينة على الإرادة، وإنما هو الإرادة ذاتها في نظر أنصار هذه النظرية، وهذه الإرادة هي الإرادة الظاهرة، أو هو الإعلان عن الإرادة. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز إثبات اختلاف بين الإرادة الفعلية وبين التعبير عنها، فالتعبير هو الكيان الذي تتجسد فيه هذه الإرادة. وتكون هذه الإرادة مجردة من عيوب الإرادة الباطنة، وكذلك من السبب الذي اقترنت به هذه الإرادة وبالتالي حركها. ويؤدي هذا الأمر إلى استقرار التعامل. وبالتالي فإن قوام الرضا وفق هذه النظرية هو التعبير عن الإرادة لا الإرادة الفعلية في حال الاختلاف بينهما. و يعدّ التعبير هنا قرينة قانونية قاطعة على الإرادة الفعلية أو الحقيقية لا يجوز إثبات عكسها. وقد أخذ التقنين المدني الألماني بهذه النظرية. ولا يشترط أنصار هذه النظرية مظهراً معيّناً للتعبير عن الإرادة، وإنما يجوز أن يكون التعبير بأي مظهر من مظاهر التعبير عن الإرادة. وبالتالي يمكن أن يكون التعبير صريحاً، كما يمكن أن يكون ضمنياً، وقد يكون السكوت في بعض الحالات تعبيراً عن الإرادة. كما يجب أن يكون التعبير صادراً عن إرادة حرة ومدركة ومتجهة إلى إصداره.

(3) موقف المشرع السوري: سبقت الإشارة إلى أن التقنين المدني الفرنسي أخذ بنظرية الإرادة الباطنة، وأن التقنين المدني الألماني اعتنق نظرية الإرادة الظاهرة، ولكن لم يكرس أي من التقنينين إحدى هاتين النظريتين على نحو مطلق، وإنما يأخذ التقنين الفرنسي بنظرية الإرادة الظاهرة ولكن في حالات استثنائية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى التقنين الألماني الذي يأخذ بنظرية الإرادة الباطنة في بعض الحالات الاستثنائية. وأما القانون المدني السوري فقد أخذ بنظرية الإرادة الباطنة كأساس، ولكنه أكملها بنظرية الإرادة الظاهرة. ويتضح ذلك من المادة (92 مدني) التي تنص على أنه «يتم العقد بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين...». ويتبين من ذلك أن المشرع استلزم التطابق بين إرادتي الطرفين ذاتيهما، وبالتالي فالعقد يقوم على هاتين الإرادتين المتطابقتين لا على مجرد التعبير عنهما. كما يشترط القانون المدني السوري أن يكون الباعث أو الدافع للإرادة مشروعاً، وإلا كانت الإرادة باطلة. كما استلزم القانون توافر إرادة مدركة وحرة وسليمة خالية من العيوب. ومن ناحية أخر ألزم القانون القاضي في حال غموض عبارة العقد بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي لهذه العبارة. وفي حالة الصورية، فإن العقد الحقيقي هو الذي يسري بحق المتعاقدين. ولكن رغبة من المشرع في الحفاظ على استقرار التعامل، فقد أخذ ببعض أحكام نظرية الإرادة الظاهرة. ومثال ذلك إعطاء الخيار للغير بالتمسك بالعقد الصوري. وكذلك منع الانحراف عن عبارة العقد الواضحة من أجل الوصول إلى إرادة المتعاقدين. وكذلك الحال بالنسبة إلى عيوب الإرادة، فهي لا تؤدي إلى إبطال العقد إلا إذا كانت صادرة من الطرف الآخر أو كان يعلم بها أو من المفروض حتماً أن يعلم بها. أما إذا لم يكن هذا الطرف يعلم بتلك العيوب، فيبقى العقد صحيحاً بالاستناد إلى الإرادة الظاهرة.

2ـ تطابق الإرادتين: لا يقوم الرضا بمجرد توافر إرادتين، وهما الإيجاب والقبول، والتعبير عنهما، وإنما يجب أن تكون هاتان الإرادتان متطابقتين ومتوافقتين.

أ ـ الإيجاب:

(1) تعريف الإيجاب: تبدأ عملية التعاقد بعرض يتقدم به شخص إلى آخر، وإذا تضمن هذا العرض الأمور الجوهرية للعقد المراد إبرامه فيعدّ إيجاباً، أما إذا لم يتضمن مثل هذه الأمور فإنه يعدّ دعوة إلى التعاقد، ومن يلبِّ هذه الدعوة يتقدم بإيجاب وبالتالي تبدأ الخطوة الأولى في عملية التعاقد. ويستخلص من ذلك أن الإيجاب هو تعبير عن الإرادة باتّ وحازم يتضمن عرضاً من شخص إلى آخر، يعبر فيه عن نيته في إبرام عقد استناداً إلى شروط يحددها هذا العرض بدقة.

(2) خصائص الإيجاب: يتبين من تعريف الإيجاب أنه يتمتع بالخصائص الآتية:

ـ الإيجاب تعبير عن الإرادة: ولا يشترط أن يكون هذا التعبير صريحاً، وإنما يمكن أن يكون ضمنياً أيضاً، وذلك لأن القانون لم يشترط أن يكون الإيجاب صريحاً. لا بل على العكس من ذلك يستخلص من بعض نصوص القانون أن الإيجاب يمكن أن يكون ضمنياً، ومثال ذلك ما جاء في المادة (566/1) من القانون المدني السوري، إذ تنص على أنه «إذا انتهى عقد الإيجار، وبقي المستأجر منتفعاً بالعين المؤجرة بعلم المؤجر ودون اعتراض منه، اعتبر الإيجار قد تمدد بشروطه الأولى ولكن لمدة غير معينة،...». ولكن بما أن الإيجاب يعدّ الخطوة الأولى التي تبدأ معها عملية التعاقد، فإنه يكون غالباً صريحاً.

ـ مجرد أن يصدر الإيجاب من الموجب يكون صالحاً في القانون السوري لأن يقترن به القبول، وهذا هو أثر الإيجاب. فإذا حصل ذلك وكان القبول مطابقاً له انعقد العقد. أما في القانون المدني المصري، فلا يصلح الإيجاب لأن يقترن به القبول إلا من وقت وصوله إلى علم الطرف الآخر وهو الموجه إليه، وفق ما نصت عليه المادة (91 مدني مصري).

ـ الإيجاب تعبير باتّ وحازم: التعبير الباتّ والحازم هو التعبير الذي يعبر عن نية الموجب في التعاقد والالتزام وفقاً للقانون متى قبل الموجه إليه الإيجاب دون أي تعديل. وبالتالي لا يكون الإيجاب كذلك إذا كان من صدر منه التعبير يقصد دعوة شخص إلى التفاوض ومن ثم التعاقد، أو كان يقصد تعليق عرضه على شرط. ويعدّ دعوة إلى التعاقد العرض الذي لا يتضمن العناصر الجوهرية للعقد المراد إبرامه، كمن ينشر إعلاناً في جريدة يعبر فيه عن رغبته في بيع منزله بثمن مغر بداعي السفر، ودون أن يحدد الثمن ومساحة البيت. كما يعد دعوة إلى التعاقد العرض الذي يقوم على الاعتبار الشخصي للمتعاقد وإن كان يتضمن العناصر الجوهرية للعقد المراد إبرامه، كمن ينشر إعلاناً في جريدة يعبر فيه عن رغبته في التعاقد مع شخص لشغل وظيفة شاغرة في شركته، ويتضمن الإعلان كل عناصر عقد العمل المراد إبرامه. وقد يكون الإيجاب معلقاً على شرط أي مقترناً بتحفظات، فإذا اقترن القبول به بعد تحقق الشرط فلا ينعقد العقد. ويمكن أن يكون الشرط صريحاً كما يمكن أن يكون ضمنياً. ومثال الشرط الصريح أن يتضمن العرض بيع عدد من الأسهم لشركة مساهمة تداول أسهمها في سوق الأوراق المالية بسعر محدد بشرط عدم ارتفاع الأسعار في السوق المذكور قبل صدور القبول من الموجه إليه العرض، فإذا صدر القبول ولم يكن السعر قد ارتفع انعقد العقد؛ أما إذا كان السعر قد ارتفع فلا ينعقد العقد. ومثال الشرط الضمني نشر إعلان من قبل صاحب مسرح يعلن فيه تقديم عرض مسرحي أو حفل موسيقي بتاريخ محدد، ويحدد فيه الأماكن التي تباع فيها البطاقات وثمنها، فهذا العرض يعدّ إيجابا،ً ولكنه مقيد بشرط ضمني، وهو عدم نفاد البطاقات. وبمجرد خروج الإيجاب من دور التفاوض أو التعليق يصبح إيجاباً باتاً، ويعدّ تقرير ما إذا كان الإيجاب قد وصل إلى هذا الدور النهائي من مسائل الواقع لا من مسائل القانون، وبالتالي يخضع لسلطة قاضي الموضوع التقديرية دون معقب عليه من محكمة النقض (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار رقم 256، أساس 354، تاريخ 2/3/1997).

ـ يجب أن يتضمن العرض الأمور الجوهرية للعقد المراد إبرامه: ولا يعدّ العرض الذي لا يتضمن مثل هذه العناصر إيجاباً، وإنما يعدّ دعوة إلى التفاوض. فإذا كان العرض يتعلق ببيع، فيجب أن يحدد بدقة المبيع والثمن، وإلا لا يعدّ إيجاباً.

ـ لا يشترط أن يوجه الإيجاب إلى شخص معين بالذات، وإنما يمكن أن يوجه إلى الجمهور أيضاً: يوجه الإيجاب عادة إلى شخص معين، ولكن لا يوجد ما يمنع قانوناً من توجيه الإيجاب إلى الجمهور. ويشترط في مثل هذه الحال ألا يكون شخص الموجه إليه محل اعتبار. وعلى الرغم من أن القانون المدني السوري لم يتطرق للإيجاب الموجه إلى الجمهور صراحة، فإن الحياة اليومية تزخر بمثل هذا النوع من الإيجاب، والأمثلة على ذلك لا تحصى. فعرض البضائع في واجهات المحلات مع بيان أسعارها يعدّ إيجاباً من أصحاب هذه المحلات لجمهور الناس. ويعدّ إيجاباً موجهاً إلى الجمهور وضع الآلات الميكانيكية التي توزع المشروبات الساخنة والباردة، أو بعض المأكولات الخفيفة، أو الطوابع، أو الجرائد، في أماكن محددة مع بيان أسعارها. وكذلك وضع خطوط هاتفية مع أجهزتها تعمل على البطاقات مسبّقة الدفع أو القطع النقدية. ووضع شاشات الحاسوب في المطارات تعمل على البطاقات مسبّقة الدفع من أجل تصفح الشابكة (شبكة الإنترنت). ولكن نشر عروض أو طلبات أو إعلانها مع بيان الأسعار الجاري التعامل بها في المحلات الموجه إلى الجمهور لا يعدّ إيجاباً في حال قيام الشك بشأنها، وإنما يعدّ دعوة موجهة للجمهور من أجل التفاوض.

(3) القوة الملزمة للإيجاب: ثار السؤال حول ما إذا كان بإمكان الموجب الرجوع عن إيجابه قبل أن يقترن به القبول؟ وتقتضي الإجابة عن هذا السؤال معرفة ما إذا كان الإيجاب مقترناً بميعاد للقبول، أم أنه غير مقترن بمثل ذلك الميعاد.

ـ عدم اقتران الإيجاب بميعاد للقبول: الإيجاب هو تعبير عن الإرادة لا ينتج أثره إلا إذا وصل إلى علم الموجه إليه، وبالتالي يحق للموجب أن يرجع عن إيجابه إذا لم يصل إلى علم الموجه إليه، لأن مثل هذا الرجوع لا يسبب ـ من حيث المبدأ ـ أي ضرر للموجه إليه الإيجاب. ومثال ذلك أن يرسل شخص رسالة إلى آخر تتضمن إيجاباً، وقبل أن تصل الرسالة إلى المرسل إليه أرسل له الموجب فاكساً يسحب بموجبه ذلك الإيجاب، فيكون هذا الرجوع صحيحاً، ولا يرتب من حيث المبدأ أي مسؤولية على الموجب. وكذلك الحال إذا صدر إيجاب من شخص إلى آخر يجمعهما مجلس واحد، إذ يحق للموجب أن يتراجع عن إيجابه حتى لو علم به الموجه إليه إذا لم يقترن به قبول. ويترتب على ذلك أن الإيجاب إذا لم يكن مقترناً بميعاد للقبول يعدّ غير ملزم، وبالتالي يحق للموجب الرجوع عنه إذا لم يصل إلى علم الموجه إليه وبالتالي لم يقترن به قبول. ويستفاد ذلك من المادة (94 مدني) عن طريق مفهوم المخالفة، إذ تلزم هذه المادة الموجب بالبقاء على إيجابه إذا عين ميعاداً للقبول، وبالتالي إذا لم يعين ميعاداً للقبول جاز له الرجوع عن إيجابه قبل أن يقترن به قبول. ولكن إذا تبين أن الموجب قد تعسف في استعمال حقه بالرجوع عن الإيجاب قبل أن يقترن به قبول، فيحق للموجه إليه الإيجاب الرجوع على الموجب بالتعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة رجوعه عن إيجابه على أساس نظرية التعسف في استعمال الحق بموجب أحكام المادتين (5 و6 مدني).

ـ اقتران الإيجاب بميعاد للقبول: إذا اقترن الإيجاب بميعاد للقبول فيلتزم الموجب بالبقاء على إيجابه طوال مدة الميعاد، وبالتالي لا يحق له الرجوع عنه قبل انقضاء ذلك الميعاد ما لم يكن هذا الإيجاب قد سقط برفض الموجه إليه له قبل انقضاء الميعاد. وهذا ما ذهب إليه القضاء والفقه في فرنسا، إذ إن التقنين المدني الفرنسي لعام 1804 سكت عن بيان حكم مثل هذا الإيجاب. ولكن اختلف الفقه حول تحديد الأساس القانوني للقوة الملزمة للإيجاب في مثل هذه الفرضية، وظهرت ثلاث نظريات، وهي:

العقد الضمني، والمسؤولية التقصيرية، والإرادة المنفردة.

أما في القانون السوري، فقد كرس المشرع حكماً خاصاً بالإيجاب المقترن بميعاد للقبول، نص عليه في المادة (94 مدني)، إذ يستخلص منها أن المبدأ هو أن الإيجاب غير ملزم، وبالتالي يجوز للموجب أن يرجع عن إيجابه قبل أن يقترن به قبول. ويستثنى من ذلك حالة ما إذا عين الموجب ميعاداً للقبول، فيلزم الموجب بالبقاء على إيجابه مدة الميعاد ما لم يسقط الإيجاب برفض الموجه إليه له قبل انقضاء الميعاد المعين. ويمكن أن يكون تحديد الميعاد صريحًا في الإيجاب؛ كما يمكن أن يستخلص من ظروف الحال أو من طبيعة المعاملة، كالإيجاب في البيع بشرط التجربة. وكذا لو كان الإيجاب موجهاً إلى غائب من دون أن يقترن صراحة بميعاد للقبول، فيستخلص من ظروف الحال أو من طبيعة التعامل أن الموجب يلتزم بالبقاء على إيجابه المدة اللازمة لوصول الإيجاب إلى علم الموجه إليه ولتدبر أمره. وقد قضت محكمة النقض السورية أنه إذا صدر إيجاب دون تحديد صريح أو ضمني لميعاد قبوله، فيبقى الإيجاب ملزماً إلى الوقت الذي يتسع لوصول قبول في وقت مناسب وبالطريق المعتاد (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار رقم 309/ أساس 2515، تاريخ 4/3/1992، منشور في مجلة «المحامون»، العددان 5 و6 لعام 1993، ص474).

ويرى الاجتهاد القضائي في فرنسا أن كل إيجاب مقترن ضمنياً بمدة معقولة للقبول تسمح للموجه إليه بالتأمل في الإيجاب، وتختلف هذه المدة تبعاً للعرف والظروف، ويخضع تقديرها للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع.(نقض فرنسي، الغرفة الاجتماعية، 22/3/1972، منشور في مجلة دالوز ،1972، ص 468).

(4) سقوط الإيجاب: ويسقط الإيجاب ـ سواء أكان ملزماً أم غير ملزم ـ في الحالات التالية:

ـ رجوع الموجب عن إيجابه: يحق للموجب ـ من حيث المبدأ ـ أن يتراجع عن إيجابه غير الملزم إذا لم يقترن به قبول حتى لو كان الإيجاب قد وصل إلى علم الموجه إليه، أي الموجب له. وهذا ما شددت عليه المادة (95/1 مدني). ويقترن القبول بالإيجاب في القانون السوري بمجرد صدوره، وفق ما نصت عليه المادة (98 مدني). أما في القانون المصري فلا يعدّ القبول مقترناً بالإيجاب إلا من الوقت الذي يعلم فيه الموجب بصدور القبول. وبالمقابل لا يحق للموجب أن يتراجع عن إيجابه إذا كان ملزماً قبل انقضاء ميعاد القبول.

ـ رفض الموجب له الإيجاب: يسقط الإيجاب برفضه من قبل الموجب له. وإذا كان الإيجاب ملزماً، ورفضه الموجب له؛ فيؤدي ذلك إلى سقوطه حتى قبل انقضاء ميعاد القبول. ويمكن أن يكون الرفض صريحاً، كما يمكن أن يكون ضمنياً كما لو تضمن القبول زيادة في الإيجاب، أو إنقاصاً منه، أو تعديلاً له. وقد يكون الرفض في صورة إيجاب جديد يعارض الإيجاب الأول. ويعدّ القبول في مثل هذه الحالات إيجاباً جديداً، وفق ما نصت عليه المادة (97 مدني).

ـ انقضاء الميعاد: إذا كان الإيجاب مقترناً بميعاد للقبول، وانقضى الميعاد قبل أن يصدر القبول، فيؤدي ذلك ليس فقط إلى سقوط الإلزام في الإيجاب، وإنما إلى سقوط الإيجاب ذاته، وذلك لأن الموجب يقصد من خلال اقتران ميعاد للقبول بإيجابه عدم بقاء الإيجاب قائماً بعد انقضاء ذلك الميعاد. وكذلك الحال إذا كان الإيجاب غير ملزم، وانفض مجلس العقد قبل أن يصدر القبول، فيترتب على انفضاض مجلس العقد في مثل هذه الحالة سقوط الإيجاب. 

ـ موت الموجب أو فقده أهليته قبل صدور القبول، وكذلك موت الموجب له أو فقد أهليته قبل صدور القبول منه: يسقط الإيجاب أيضاً بموت الموجب أو بفقده أهليته قبل صدور القبول، وكذلك بموت الموجب له أو بفقده أهليته قبل أن يصدر القبول منه. أما إذا مات أحدهما بعد وقوع القبول فإن العقد يكون قد انعقد بمجرد القبول في القانـون المدني السوري، لأنه أخذ في تمام إنشاء العقد بنظرية صدور القبول، طبقاً لما نصت عليه المادة (98 مدني). أما في القانون المدني المصري فلا ينعقد العقد، لأنه أخذ بنظرية لزوم علم الموجه إليه التعبير عن الإرادة بالقبول. ونص القانون المصري على بقاء التعبير عن الإرادة ولو مات من صدر منه حتى يتصل بعلم الموجه إليه، وفق ما جاء في المادة (92 مدني مصري)، إذ تنص على أنه «إذا مات من صدر منه التعبير عن الإرادة أو فقد أهليته قبل أن ينتج التعبير أثره، فإن ذلك لا يمنع من ترتب هذا الأمر عند اتصال التعبير بعلم من وجِّه إليه، هذا ما لم يتبين العكس من التعبير أو من طبيعة التعامل». ولم يأخذ المشرع السوري بهذا النص، وإنما استبعده، وبالتالي فإن سقوط الإيجاب بموت الموجب أو بفقده أهليته قبل صدور القبول، وكذلك بموت الموجب له أو بفقده أهليته قبل أن يصدر القبول منه في القانون السوري يقتصر على الإيجاب غير الملزم. أما إذا كان الإيجاب ملزماً، أي مقترناً بميعاد للقبول، فيبقى الإيجاب قائماً على الرغم من موت الموجب أو فقدانه أهليته ما لم يكن شخصه محل اعتبار، ولا يسقط إلا برفض الموجب له أو بانقضاء الميعاد.

ب ـ القبول: لا يكفي من أجل وجود الرضا صدور إيجاب من طرف، وإنما لا بد من أن يقترن به قبول يصدر من الطرف الآخر.

(1) تعريف القبول: القبول هو تعبير عن الإرادة بات وحازم، على غرار الإيجاب، موجه من قبل الموجه إليه الإيجاب إلى الموجب يتضمن رضاءه بالإيجاب، وبالتالي يؤدي إلى قيام العقد. ويمكن أن يكون صريحاً أو ضمنياً، كما يمكن أن يقوم بالسكوت الملابس؛ ولكنه لا يكون إلا فردياً. ولا يلزم الموجه إليه الإيجاب بقبوله، وإنما له الخيار بين قبول الإيجاب وبين رفضه، وذلك استناداً إلى مبدأ حرية رفض التعاقد المنبثق من مبدأ سلطان الإرادة. ولكن يمكن أن يلزم الموجه إليه الإيجاب بقبوله على سبيل الاستثناء، وذلك عندما يكون الإيجاب قد صدر بناءَ على دعوة منه، فلا يحق له في مثل هذه الحال أن يرفض الإيجاب، وإلا كان متعسفاً في استعمال حقه، وبالتالي يسأل عن تعويض الضرر الذي يمكن أن يلحق بالموجب نتيجة رفضه القبول بالإيجاب الذي صدر بناءً على دعوة منه. ومثال ذلك الإعلانات التي يوجهها التجار إلى الجمهور يحثونهم فيها على شراء بضائعهم بأسعار مخفضة في مناسبات الأعياد، إذ إنها تتضمن دعوة إلى التعاقد، فإذا لاقت استجابة، كانت هذه الاستجابة إيجاباً لا يجوز لمن وجه إليه أن يرفضه إلا لأسباب مشروعة، كنفاد البضاعة المعروضة للبيع.

(2) مطابقة الإيجاب للقبول: إذا اختار الموجب له قبول الإيجاب الموجه إليه فلا يقوم العقد إلا إذا كان القبول يطابق الإيجاب على نحو كامل، طبقاً لما نصت عليه المادة (92 مدني)، في الأمور الجوهرية والفرعية أيضاً، وذلك لأن العقد ينعقد بالتراضي، أي بتطابق الإيجاب والقبول. ويترتب على ذلك أنه  إذا كان القبول يتضمن زيادة في الإيجاب، أو كان يقيد منه أو يعدّل فيه، فلا يحصل التطابق بين الإيجاب وهذا القبول، وإنما يعدّ هذا القبول رفضاً ضمنياً للإيجاب، وينقلب هو إلى إيجاب جديد وفق ما نصت عليه المادة (97 مدني). ويجب أن يتم التراضي على أصل العقد وكذلك على الأمور الفرعية فيه. والتراضي على أصل العقد هو أساس انعقاده، ويشمل أصل العقد جميع الأمور الجوهرية التي يعطيها المتعاقدان أهمية خاصة. ففي عقد البيع يكفي لانعقاد العقد اتفاق البائع والمشتري على المبيع والثمن باعتبارهما الأمور الجوهرية في البيع. ويجب أن يكون التراضي على أصل العقد واضحاً لا شك فيه، وذلك بأن يكون التعبير عنه دالاً عليه دلالة كافية. ولا يتوقف انعقاد العقد على اتفاق الموجب والقابل على جميع المسائل واحدة تلو الأخرى، وإنما أجازت المادة (96 مدني) للأطراف الذين اتفقوا على الأمور الجوهرية تأجيل الاتفاق على المسائل الفرعية، وهذا لا يمنع من انعقاد العقد. وإذا حصل خلاف فيما بعد حول هذه الأمور الفرعية، فيملك القاضي سلطة تكميلية لحسم الخلاف وفقاً لطبيعة المعاملة والعرف والعدالة وأحكام القانون، وبالتالي يخرج القاضي في مثل هذه الحال عن مهمته المألوفة والمتمثلة بتفسير العقد وذلك على سبيل الاستثناء. وتجدر الإشارة إلى أن بيان مدى مطابقة القبول للإيجاب يعدّ من مسائل الواقع، وبالتالي يدخل في السلطة التقديرية لقاضي الموضوع دون أن تكون لمحكمة النقض رقابة عليه في هذا المجال إذا كان تقديره يستند إلى أسباب معقولة وسائغة. (نقض مصري، 2 مايو 1963، طعن 142/28 ق، مجموعة أحكام النقض، س14، ص653، قاعدة 93).

(3) بعض الصور الخاصة للقبول: لا يعتد بالقبول، على غرار الإيجاب، إلا بعد التعبير عنه صراحةً أو ضمناً. وإضافة إلى ذلك نص القانون على بعض الصور الخاصة للتعبير عن القبول، وأهمها:

ـ السكوت قد يكون قبولاً إذا أحاطت به بعض الظروف الملابسة: وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.

ـ تنفيذ العقد الذي يعرض الموجب إبرامه: إذا عرض شخص على آخر إيجاباً، وقام الموجب له بتنفيذ هذا الإيجاب طوعاً، فيعدّ ذلك التنفيذ قبولاً ضمنياً للعقد، وبالتالي يقوم تنفيذ العقد في مثل هذه الحال مقام القبول، وينعقد به العقد. كما لو وكل شخص آخر بشراء شيء له، فقام الآخر بشرائه دون أن يرد عليه بقبول الوكالة، فتنعقد الوكالة في مثل هذه الحال بشراء الشيء الذي يعدّ تنفيذاً للوكالة. ولا يمكن أن يعدّ تنفيذ العقد سوى تعبير عن إرادة القابل، وبالتالي لا يمكن أن يعدّ في مثل هذه الظروف تعبيراً عن إرادة الموجب. وعندما يقوم تنفيذ العقد مقام القبول، يعدّ العقد منعقداً في الزمان والمكان اللذين قام فيهما الموجب له بتنفيذ العقد. أما في القانون المصري، فيعدّ العقد منعقداً في الزمان والمكان اللذين يعلم فيهما الموجب بقيام الموجب له بتنفيذ العقد، وذلك لأن تنفيذ العقد الذي يقوم هنا مقام القبول لا ينتج أثره إلا من تاريخ وصوله إلى علم الموجب.  

ـ القبول في عقود المزايدات: الأصل في التعاقد أن يتم بالممارسة، ولكن هذا لا يمنع أن يتم التعاقد في بعض الأحيان عن طريق المزايدة، ويكون ذلك بطرح التعاقد في مزايدة علنية. كما في البيع سواء أكان جبراً كبيع أموال المدين في المزاد إثر التنفيذ الجبري عليها، أم كان طوعاً كطرح لوحة فنية لرسام مشهور في مزاد علني. وبالتالي فإن طرح التعاقد في المزاد العلني لا يعدّ إيجاباً وإن تم تحديد ثمن أساسي، وإنما هو مجرد دعوة إلى التعاقد، والعطاء الذي يتقدم به المشارك في المزاد يعدّ إيجاباً، حتى لو كان مصحوباً بتقديم تأمين أخذه من يقوم بالمزاد، إذ لا يعدّ أخذ التأمين في مثل هذه الحال قبولاً وإنما هو شرط للمشاركة بالمزاد والتقدم بعطاء، أي بإيجاب. وأما القبول فيكون في مثل هذه العقود، في القانون السوري، بالإحالة القطعية. ويترتب على ذلك أن العطاء الذي يقدمه أحد المتزايدين هو الإيجاب وفي نهاية المزاد بعد آخر عطاء لا بد من قبول صاحب المزاد، ويكون ذلك بالإحالة القطعية، وفق ما نصت عليه المادة (100 مدني)، إذ جاء فيها أنه «لا يتم العقد في المزايدات إلا بالإحالة القطعية، ويسقط العطاء بعطاء يزيد عليه ولو كان باطلا». ومثال العطاء الباطل العطاء الذي يتقدم به محامٍ في مزاد لبيع مال متنازع عليه إذا كان النظر في النزاع يدخل في اختصاص المحكمة أو الدائرة القضائية التي يباشر أعماله في منطقتها، وفق ما نصت عليه المادة (439 مدني). وتمر الإحالة في المزاد الرسمي ـ الذي تجريه دائرة حكومية أو قضائية أو إدارية ـ بمرحلتين أولى وثانية، وبينهما فاصل، والثانية هي التي تسمى بالإحالة القطعية.

ـ القبول في عقود الإذعان: الأصل في العقود أنها تخضع في إبرامها للمناقشة الحرة بين المتعاقدين وذلك استناداً إلى مبدأ سلطان الإرادة. ولكن في بعض الحالات قد يفرض أحد المتعاقدين شروطه على المتعاقد الآخر، كما في عقود الإذعان (انظر بحث العقد).

ـ العربون: العربون هو مبلغ من المال، غالباً يكون نقوداً يدفعها أحد المتعاقدين للآخر وقت انعقاد العقد. ويكون ذلك في أغلب الأحيان في عقد البيع أو عقد الإيجار. ويدل دفع العربون في القانون المدني السوري ـ من حيث المبدأ ـ على أن كل متعاقد احتفظ بحقه في العدول عن العقد بعد انعقاده بإرادته المنفردة، ما لم يتبين من الاتفاق غير ذلك (انظر عقد البيع).

3 ـ اقتران الإرادتين: يتم الاقتران بين إرادتين بوجود إيجاب يتصل به قبول متطابق معه تمام التطابق، مما يؤدي إلى قيام العقد. لذا يتوجب بيان كيفية حصول هذا الاقتران من جهة؛ وتحديد الوقت الذي يتم فيه هذا الاقتران من جهة أخرى، إذ يتوقف على ذلك انعقاد العقد وبالتالي ترتب آثاره. ويختلف تحديد هذا الوقت تبعاً لما إذا كان المتعاقدان حاضرين وبالتالي يجمعهما مجلس واحد، أو كانا غائبين لا يجمعهما مجلس واحد. ويترتب على معرفة زمان العقد ومكانه نتائج مهمة وأهمها: تحديد بدء ترتب آثاره؛ وتحديد القانون الذي يحكمه عند تنازع القوانين من حيث الزمان؛ وتحديد القانون الذي يحكمه عند تنازع القوانين من حيث المكان، وتحديد المحكمة المختصة للنظر في الخلافات التي تنشأ منه.

أ ـ التعاقد بين حاضرين: في حالة التعاقد بين حاضرين يجمع مجلس واحد بين المتعاقدين. ويتم العقد، وفقاً لما ذهبت إليه المادة(92 مدني)، بمجرد أن يتبادل الطرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين. ولا يثير زمان انعقاد العقد ومكانه أي إشكالات في مثل هذه الحالة، إذ إن زمان انعقاد العقد هو تاريخ تمامه وساعته، أي ساعة اقتران القبول بالإيجاب؛ أما مكان العقد، فالأصل فيه هو المكان الذي ينتج فيه القبول أثره، وهو المكان الذي كان المتعاقدان فيه وقت تمام العقد بينهما. ويستخلص من نص المادة (95 مدني) أنه يجب أن يصدر القبول في مجلس العقد قبل أن يوجد مبطل للإيجاب. ويقصد بمجلس العقد الفترة الزمنية التي تكون بعد الإيجاب، والطرفان فيها مقبلان على التعاقد من دون انصراف من أحدهما عنه، هذا في حالة الإيجاب غير الملزم. أما في حالة الإيجاب الملزم، فتكون العبرة للمدة التي اقترن القبول بها لا لمجلس العقد. ويعدّ التعاقد بالهاتف وغيره من الوسائل التي تنقل الكلام آنياً من قبيل التعاقد بين حاضرين من حيث الزمان، وإن كان المتعاقدان لا يجمعهما مجلس واحد، وبالتالي فهذا النوع من التعاقد يكون بين غائبين من حيث المكان. ويشمل الحكم أيضاً التعاقد عبر الإنترنت إذا كان يتم مباشرة بواسطة برامج خاصة مثل تشاد Chad، وأما إذا كان عبر البريد الإلكتروني فينطبق عليه حكم التعاقد بين الغائبين.

ب ـ التعاقد بين غائبين: أما في التعاقد بين غائبين، لا يجمعهما مجلس واحد ولا اتصال مباشر، فإن مجلس العقد يبدأ منذ وصول الإيجاب إلى علم الموجه إليه، ويمتد المدة المعتادة للإجابة بحسب طبيعة العقد والعرف. ويتم التعاقد بين غائبين عادة عن طريق المراسلة بمختلف طرقها من بريد أو برق أو فاكس أو رسول خاص. ويختلف زمن انعقاد العقد ومكانه في حالة التعاقد بين غائبين باختلاف النظريات المتعلقة بالوقت الذي ينتج فيه القبول أثره، وأهم هذه النظريات:

(1) نظرية إعلان القبول أو صدوره: وترى هذه النظرية أن العقد هو توافق إرادتين، وبالتالي ينعقد العقد  بمجرد صدور القبول المطابق للإيجاب، إذ من هذه اللحظة يحصل التوافق بين الإرادتين قوام العقد. ويترتب على ذلك أنه يمتنع على الموجب من ذلك التاريخ العدول عن إيجابه. وأخذ القانون المدني السوري ـ على خلاف القانون المدني المصري ـ بهذه النظرية في المادة (98) منه، وبالتالي يكون مكان العقد هو مكان الطرف القابل. والسبب في هذا هو كثرة المعاملات بين سورية ولبنان، والقانون اللبناني يأخذ بنظرية إعلان القبول. ولم يتضمن التقنين المدني الفرنسي نصاً يبين لحطة انعقاد العقد بين غائبين، لكن يبدو من اجتهادات محكمة النقض الفرنسية أنها تبنت نظرية صدور القبول ما لم يتفق المتعاقدان على خلاف ذلك، وبالتالي يكون مكان انعقاد العقد هو مكان القابل (نقض فرنسي، الغرفة الاجتماعية، 20/7/1954، منشور في مجلة الأسبوع القانوني (JCP) ، 1955، II ، 8775، تعليق Rabut. والغرفة المدنية الأولى، 21/12/1960، مجلة دالوز 1961، 417، تعليق Malaurie. والغرفة التجارية، 7/1/1981، المجلة الفصلية للقانون المدني (RTD civ) 1981، 849، تعليق Chabas).

وتتميز هذه النظرية بتلبيتها لمتطلبات التجارة من حيث توافر السرعة في عقد الصفقات. ويؤخذ على هذه النظرية أنها تضع الموجب تحت رحمة القابل، إذ إن هذا الأخير وحده يستطيع إثبات صدور القبول من عدمه، كما أنه يستطيع العدول عن قبوله أو إنكاره دون أن يكون باستطاعة الموجب إثباته إذا لم يعلم بصدوره. زد على ذلك أنه ليس من الضروري أن يتم التوافق بين إرادتين بمجرد صدور القبول، لأنه يمكن أن يتراجع الموجب عن إيجابه قبل صدور القبول، ولكن هذا العدول لا يصل إلى القابل إلا بعد صدور قبوله.

(2) نظرية تصدير القبول: تكتفي هذه النظرية أيضاً بصدور القبول أو إعلانه من أجل توافق الإرادتين وقيام العقد. ولكنها تشترط أن يكون هذا الإعلان نهائياً لا رجعة فيه، وهو لا يكون كذلك إلا بتصدير القبول بشكل لا يكون باستطاعة القابل استرداده، كأن يسلم الرسالة التي تتضمن قبوله إلى ساعي البريد، أو يلقيها في صندوق البريد أو يسلمها إلى رسول خاص. وهذه النظرية هي تحوير لنظرية صدور القبول، وقال بها أنصارها من أجل تلافي الانتقادات التي وجهت إلى نظرية صدور القبول. وانتقدت هذه النظرية بأنه ليس من المنطق أن يزيد تصدير القبول إعلانه أي قيمة قانونية، كما أنه يمكن استرداد القبول المصدر، إذ إن الرسالة تبقى، من حيث المبدأ ملكاً للمرسل إلى حين تسلمها من قبل المرسل إليه. وأخذ تقنين الالتزامات السويسري بهذه النظرية في المادة (10/1) منه التي تنص على أن العقد ينعقد بين غائبين، وينتج أثره من لحظة تصدير القبول.

(3) نظرية تسليم القبول أو وصوله: وهذه النظرية أيضاً هي تحوير لنظرية صدور القبول أو إعلانه، ولكنها ترى أن القبول لا يعدّ نهائياً إلا بوصوله إلى الموجب. وبالتالي ينعقد العقد في الوقت الذي يصل فيه القبول إلى الموجب، وفي المكان الذي يوجد فيه هذا الأخير. وأخذ بهذه النظرية تقنين الالتزامات البولوني في المادة (70) منه. ويؤخذ على هذه النظرية أنها لا تضفي أي قيمة قانونية على إعلان القبول.

(4) نظرية العلم بالقبول: وترى هذه النظرية أن توافق الإرادتين ـ قوام العقد ـ لا يتم إلا بوصول القبول إلى علم الموجب. ووصول القبول إلى الموجب قرينة على علمه به. وبالتالي لا ينعقد العقد إلا من وقت علم الموجب بصدور القبول.  وبالتالي يكون مكان انعقاد العقد المكان الذي يوجد فيه الموجب، وزمان انعقاده هو وقت علم الموجب بالقبول. وتتميز هذه النظرية بأنها تقيم التعامل على أسس ثابتة، إذ يمتنع على الموجب العدول عن إيجابه من وقت علمه بالقبول. ويؤخذ على هذه النظرية أنها تضع القابل تحت رحمة الموجب، لأن علم الموجب بالقبول هو أمر شخصي يقرره هو، وبالتالي يستطيع الموجب تحديد وقت حصول علمه بالقبول أو إنكاره دون أن يكون باستطاعة القابل إثبات عكسه بما أن العلم هو أمر شخصي. وأخذ القانون المدني المصري بهذه النظرية في المادة (91) منه.عندما يصدر الموجب له التعبير بالقبول، بيد أن القبول لا يكون لازماً إلا بعلم الموجب به؛ وبالتالي يكون لكل من المتعاقدين خيار الرجوع عن العقد قبل وصول القبول إلى علم الموجب.

(5) نظرية خيار القبول: يعدّ العقد ـ وفق هذه النظرية ـ منعقداً عندما يصدر الموجب له التعبير بالقبول، بيد أن القبول لا يكون ملزماً إلا بعلم الموجب به. وبالتالي يكون لكل من المتعاقدين خيار الرجوع عن العقد قبل وصول القبول إلى علم الموجب.

ثانياً ـ الأهلية:

قد تعدّ الأهلية من أركان العقد، وقد تعدّ من شروط صحة العقد. وتـجدر الإشارة إلى أن القانون المدني السوري قد بحث تحت عنوان «أركان العقد» في الرضا وما يتبعه من أهلية المتعاقدين في المواد من (92 حتى 131) منه. وتعدّ الأهلية ركناً في العقد إذا ترتب على عدم توافرها بطلان التصرف، كما في التصرفات التي يبرمها عديم التمييز، أو التصرفات الضارة ضرراً محضاً والتي يبرمها ناقص الأهلية.

ثالثا ًـ المحل:

1ـ تعريف المحل: المحل بالمعنى الدقيق هو ركن في الالتزام، وليس ركناً في العقد. ومحل الالتزام هو على نحو غير مباشر محل العقد أيضاً مادام محل العقد هو إنشاء الالتزامات. ومحل الالتزام هو كل ما يمكن أن يلتزم به المدين. ويترتب على ذلك أن محل الالتزام يمكن أن يكون إعطاء شيء؛ أي نقل حق عيني أو إنشاءه، أو القيام بعمل، أو الامتناع عن القيام بعمل. وبما أن محل الالتزام هو على نحو غير مباشر محل العقد الذي ينشئه، فإن محل العقد يمكن أن يتعدد بتعدد الالتزامات التي ينشئها. كما في عقد البيع، إذ إنه ينشئ التزامات متعددة على عاتق الطرفين المتعاقدين، من ضمنها التزامان أساسيان: أحدهما على عاتق البائع؛ وهو الالتزام بتسليم المبيع والعمل على نقل ملكيته للمشتري، والآخر على عاتق المشتري؛ وهو الالتزام بدفع الثمن، لذا يقال: إن محل عقد البيع هو المبيع والثمن.  ومحل العقد ـ في الفقه الإسلامي ـ هو المعقود عليه، ويمكن أن يكون عيناً أو عملاً، أو حقاً. و بالتالي فالمحل هو المبيع والثمن في البيع، والموهوب في الهبة، والمرهون في الرهن، والدين المكفول به في عقد الكفالة، والمتعة الزوجية  بين الزوجين في عقد النكاح.

ويجب التمييز بين محل العقد و موضوعه. وموضوع العقد هو الغاية النوعية، أي المقصد الأصلي الذي جعل العقد طريقاً مشروعاً للوصول إليه. فالموضوع في عقد البيع هو نقل الملكية بعوض، وفي الإيجار هو تمليك المنفعة بعوض، وفي الهبة هو نقل الهبة مجاناً، وفي عقد الزواج هو حل المتعة الزوجية ورفع حاجز الحرمة فيها، وفي الرهن هو احتباس المرهون لأجل استيفاء الدين. يتبين من ذلك أن الموضوع والأثر هما شيء واحد، وإنما يختلف مفهومهما باختلاف وقت النظر إليهما. فالموضوع هو قبل العقد غاية، وهو بعد العقد حكم قانوني يثبت في المحل، أي إنه أثر العقد؛ إذ تتحقق الغاية بعد انعقاد العقد.

2ـ شروط المحل: اشترطت المواد من (132 إلى 136 مدني) توافر شروط عدة في المحل، وهي:

أ ـ الوجود والإمكان:

(1) الوجود أو قابلية الوجود: الأصل إذا تعلق محل الالتزام بشيء أن يكون هذا الشيء موجوداً، ولكن يجوز وفق أحكام المادة (132/1 مدني) أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً.

ـ معنى الوجود: إذا كان محل الالتزام هو إعطاء شيء، أي نقل حق عيني، أو كان محله يتعلق بشيء معين يهدف إلى إجراء عمل يتعلق بذلك الشيء كتسليم المأجور، فيشترط أن يكون الشيء الذي تعلق به الحق موجوداً وقت نشوء الالتزام، أي وقت انعقاد العقد، أو أنه قابل للوجود بعد نشوئه. ويترتب على ذلك أنه إذا كان الشيء محل الالتزام موجوداً، ولكنه هلك قبل نشوء الالتزام أي قبل انعقاد العقد، فيؤدي ذلك إلى بطلان العقد، سواء أكان الهلاك مادياً كما لو نفق الحيوان قبل انعقاد البيع؛ أم كان قانونياً، كما لو بيع حق انتفاع تبين أنه انقضى قبل البيع. وبالمقابل إذا هلك الشيء محل الالتزام بعد نشوئه، أي بعد انعقاد العقد، فلا يؤثر ذلك في انعقاد العقد، وإنما يؤدي هذا الهلاك إذا كان بسبب أجنبي إلى انقضاء الالتزام، وهذا يؤدي إلى انفساخ العقد إذا كان ملزماً لجانبين وفق أحكام المادة (160 مدني).

ـ المحل المستقبل: الأصل ـ وفق أحكام المادة (132/1 مدني) ـ أنه يجوز أن يكون محل الالتزام شيئاً مستقبلاً. ويترتب على ذلك أنه يجوز ـ من حيث المبدأ ـ التعامل في الأموال المستقبلة، بغض النظر عن نوع التعامل ونوع المال المستقبل. وبالتالي يمكن بيع مال غير موجود بتاريخ انعقاد العقد إن كان يحتمل وجوده بعد ذلك التاريخ، كما لو بيع محصول قطن قبل زرعه، أو قبل ظهوره؛ أو كما لو تنازل المؤلف عن حق نشر مؤلفه الذي لم يبدأ بعد بكتابته، أو لم ينته من ذلك؛ أو كما لو باع فنان لوحة قبل رسمها. وبالتالي فإن بيع شيء مستقبلي محقق الوجود يعدّ بيعاً صحيحاً ومنتجاً لآثاره القانونية. ( نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار رقم 376/ أساس 422، تاريخ 31/3/1996، سجلات محكمة النقض).

ويستثنى من ذلك التعامل في التركات المستقبلية، وهذا ما يسـتفاد مـن نص المـادة (132 مدني). ويهدف هذا المنع إلى عدم المضاربة على حياة المورث من جهة، وحماية الوارث المحتمل من جشع المرابين والطامعين في أمواله المحتملة. وبالتالي فإن هذا المنع مقرر ليس فقط لحماية مصلحة المورث، كما كان عليه الحال في القانون الروماني الذي كان يجيز مثل هذا التعامل إذا تم برضا المورث، وإنما هو مقرر أيضاً لحماية مصلحة الوارث. ويتصل هذا المنع بالنظام العام، وبالتالي جزاؤه هو بطلان التصرف. ويقع التصرف باطلاً حتى لو تم برضا المورث. وإذا أجاز القانون شيئاً من ذلك اقتصر عليه، كالوصية وكذلك الحال إذا قام الشـخص بتخصيص أعيان تركته بين ورثته كل منهم بـشيء يعادل حصته، وفقاً لما نصت عليه المادة (219 أحوال). وقد ربطت محكمة النقض المصرية بين منع التعامل في التركة المستقبلة وبين قواعد الميراث التي تتعلق بالنظام العام، وبالتالي قررت بطلان كل تصرف يهدف إلى التحايل على هذه القواعد. ويأتي منع التعامل في التركة المستقبلة نتيجة لهذه القاعدة المتمثلة ببطلان التصرفات التي تهدف إلى التحايل على قواعد الإرث. ونتيجة ذلك قررت هذه المحكمة عدم جواز التعامل بين وارث محتمل في تركة مستقبلة وبين أجنبي عنها، ولا بين وارث محتمل ووارث محتمل آخر، ولا بين المورث ذاته وبين وارث محتمل له أو بينه وبين أجنبي عن التركة (نقض مصري، 14 يونيه 1934، مجموعة عمر لأحكام النقض، ج1، ص449. وفي المعنى ذاته: نقض مصري، 29/1/1979، مجموعة النقض س 30، ص103).

وفي الفقه الإسلامي الأصل بطلان التعامل في الأشياء المستقبلة، فإذا كان المعقود عليه غير موجود وقت التعاقد أي معدوماً، يقع العقد باطلاً حتى إذا كان يحتمل وجوده مستقبلاً. وهذا ما شددت عليه المادة (205) من مجلة الأحكام العدلية، إذ جاء فيها أن «بيع المعدوم باطل فيبطل بيع ثمرة لم تبرز أصلاً». ويترتب على ذلك أن بيع الحمل باطل، وكذلك بيع اللبن في الضرع. ولكن ترد على هذا المنع استثناءات عدة، كبيع السلم وهو بيع شيء مؤجل التسليم بثمن معجل التسليم، وعقد الاستصناع، وكذلك بيع الثمار قبل نضجها شرط بروز جميعها، وفق ما نصت عليه المادة (206) من المجلة.

(2) الإمكان: إذا كان محل الالتزام عملاً أو امتناعاً عن عمل، فيجب أن يكون هذا العمل أو الامتناع ممكناً. والإمكان في هذا النوع من الالتزامات يقابل شرط الوجود في الالتزامات التي يكون محلها إعطاء شيء، كما لو كان نقل حق عيني. أما إذا كان محل الالتزام غير ممكن، أي مستحيلاً، فلا يقوم الالتزام وبالتالي يكون العقد باطلاً، طبقاً لما نصت عليه المادة (133 مدني)، شرط أن تكون الاستحالة مطلقة، وقائمة وقت انعقاد العقد لا بعد ذلك.

ويقصد بالاستحالة المطلقة الاستحالة الموضوعية، أي أن يكون محل الالتزام في ذاته مستحيلاً، وفق ما عبرت عنه المادة (133 مدني)، وبالتالي لا يستطيع أي شخص القيام بتنفيذ الالتزام، أي إن محل الالتزام مستحيل بالنسبة إلى جميع الناس. أما إذا كانت الاستحالة نسبية أي شخصية، كما لو كان محل الالتزام مستحيلاً بالنسبة إلى المدين وحده، كأن يلتزم شخص بالقيام بعمل معين خلال فترة متفق عليها يحتاج إلى مقدرة تفوق قدرته الشخصية؛ وبالتالي يستحيل عليه القيام به، بيد أن القيام بمثل هذا العمل لا يستحيل على شخص آخر أكثر قدرة وخبرة من الأول، فلا يعدّ محل الالتزام في مثل هذه الحالة مستحيلاً، وإنما يعدّ موجوداً وصحيحاً؛ وبالتالي ينعقد العقد، ويلتزم المدين بتعويض الدائن عن الضرر الذي لحق به نتيجة عدم قدرته على تنفيذ ما التزم به. والاستحالة المطلقة إما أن تكون طبيعية وإما أن تكون قانونية. ومثال الاستحالة الطبيعية بيع شيء تبين أنه قد احترق قبل انعقاد البيع، أو التعهد بالامتناع عن عمل وقع قبل التعاقد. ومثال الاستحالة القانونية توكيل محامٍ باستئناف قضية قد انقضت مدة استئنافها. وينظر إلى قيام الاستحالة عند تكوين العقد، أما إذا تحققت بعد انعقاد العقد فلا تمنع من وجود الالتزام، وبالتالي يكون العقد قائماً، وإنما ينقضي الالتزام لاستحالة التنفيذ، وتبرأ ذمة المدين. وإذا تبين أن هذه الاستحالة ترجع إلى خطأ المدين، فيكون مسؤولاً عن الضرر الذي يلحق بالدائن. ويحق لهذا الأخير أن يطالب بفسخ العقد إذا كان ملزماً للجانبين.

ويستخلص من ذلك أن الاستحالة نوعان: موضوعية، أو شخصية. والأولى هي استحالة مطلقة بالنسبة إلى جميع الناس، وهي التي تمنع من انعقاد العقد. أما الثانية فهي استحالة بالنسبة  إلى المتعاقد الملتزم فقط، وهي لا تمنع انعقاد العقد، لأنها لا تعدّ استحالة، وإنما عجزاً بحيث يحمل المتعاقد هنا المسؤولية عن ذلك.

ب ـ التعيين أو قابلية التعيين: يجب أن يكون محل الالتزام معيّناً أو على الأقل قابلاً للتعيين، سواء كان الالتزام بإعطاء شيء، أم بالقيام بعمل، أم بالامتناع عن القيام بعمل. ويقصد بتعيين محل الالتزام تحديده على وجه ينفي الجهالة. أما إذا تعذر الوصول إلى تحديد محل الالتزام بشكل أو بآخر، فيترتب على ذلك عدم نشوء الالتزام، وبالتالي عدم قيام العقد أي بطلانه. ويكون تعيين المحل ـ وفق أحكام المادة (134 مدني) ـ إما بالذات وإما بالنوع تحت طائلة بطلان العقد.

(1) تعيين المحل بالذات: الأشياء المعينة بالذات هي التي يتميز كل شيء منها من غيره بخصائص تساعد على تعيينه تعييناً ذاتياً على نحو يجعل غيره لا يقوم مقامه عند الوفاء. ويكون تعيين الشيء بالذات إما بالإشارة إليه وإما بتحديد ميزاته وصفاته. ويمكن تعيين  الشيء بالإشارة إليه سواء أكان قيمياً كبيع هذه الفرس أو هذا العقار، أم كان مثلياً كبيع هذه العلب من السمن الفلاني أو هذه النسخ من كتاب «مصادر الالتزام». و لا يقتصر التعيين بالذات على الإشارة إلى الشيء، وإنما يمكن أن يكون بأي وسيلة تؤدي إلى حصر العقد في ذات محددة، كبيع السيارة التي يملكها البائع  والمسجلة بالرقم 112233 في السجل المخصص لها، وهنا ينعقد العقد، لأن التنفيذ يكون ممكناً.

(2) تعيين المحل بالنوع: إذا لم يكن الشيء معيناً بالذات، يجب أن يكون معيناً بالنوع. والأشياء المعينة بالنوع هي التي تقوم مقام بعضها عند الوفاء؛ لأنها متشابهة، وبالتالي فهي متساوية أو متقاربة في القيمة، لذا تسمى أيضاً بالأشياء المثلية، كالنقود والذهب والفضة والسكر والعدس والقمح. وبالتالي إذا لم يحدد العقد نوع الشيء كان باطلاً، كأن يبيع مزارع غلالاً دون ذكر نوعها صراحة أو ضمناً. وتعيّن هذه الأشياء في العقد بذكر نوعها وجنسها وتحديد مقدارها إما بالعدد وإما بالكيل وإما بالمقاس. ولا ينعقد العقد إلا إذا تم تحديد مقدار محل الالتزام في متن العقد، كبيع مئة نسخة من كتاب «الالتزام» من الطبعة ذاتها، أو بيع طن من السكر السوري؛ أو يكون مقداره ممكن التعيين استناداً إلى العقد ذاته، كما لو تعاقد شخص مع إدارة مدرسة خاصة من أجل توريد الكتب لها، فيكون مقدار الكتب محدداً بعدد طلاب تلك المدرسة، وإلا كان العقد باطلاً.

وإذا لم يتفق الأطراف على درجة الجودة، فألزم القانون القاضي بالرجوع إلى العرف لتحديدها أو إلى أي طرف آخر، وإلا التزم المدين بأن يسلم شيئاً من صنف متوسط.

(3) تعيين محل الالتزام إذا كان نقوداً: إذا كان محل الالتزام نقوداً، فيجب أن تكون محددة بنوعها ومقدارها، كالتزام المدين بدفع مئة ألف ليرة سورية للدائن. والعبرة في مثل هذه الحال لعدد النقود المبين في العقد، دون أن يؤثر ارتفاع سعرها أو انخفاضه  وقت الوفاء عن وقت العقد في انعقاد العقد، ما لم ينص القانون على خلاف ذلك، طبقاً لما جاء في المادة (135 مدني).

(4) تعيين محل الالتزام إذا كان عملاً أو امتناعاً عن عمل: إذا كان محل الالتزام القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل، وجب أن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين حتى ينعقد العقد. فإذا كان تعاقد شخص مع متعهد على بناء مستشفى، فيجب أن يكون هذا البناء معيناً بموجب مخططات وتصميمات تفصيلية تحدد عدد الأسرّة التي يجب أن يستوعبها البناء وكذلك عدد المكاتب والطوابق...؛ أو يكون على الأقل قابلاً للتعيين بالرجوع إلى ظروف التعاقد، حتى ينعقد العقد صحيحاً منتجاً لآثاره. أما إذا نص العقد على التزام المتعهد ببناء مستشفى للطرف الآخر من دون ذكر أي تفصيلات بشأن البناء، فيكون العقد باطلاً بسبب عدم تعيين المحل.

ج ـ مشروعية المحل: يشترط أن يكون محل الالتزام مشروعاً ـ أي ألا يكون مخالفاً للنظام العام والآداب ـ حتى يقوم الالتزام، وبالتالي ينعقد العقد صحيحاً. ويهدف هذا الشرط إلى حماية المصلحة العامة التي هي مناط النظام العام. ويعدّ العقد باطلاً إذا كان المحل مخالفاً للنظام العام أو الآداب، وفقاً لما ذهبت إليه المادة (136 مدني). ويختلف مفهوم النظام العام والآداب باختلاف الزمان والمكان. ويقصد بالنظام العام كل ما يتعلق بمصالح الدولة الأساسية سواء كانت سياسية أم اجتماعية أم اقتصادية. أما الآداب فيقصد بها كل ما يمس بالأخلاق الحميدة في الدولة. ومثال ذلك التعامل بالنقود الذهبية في المعاملات الداخلية، أو التعاقد على الزنى، والتعاقد على ارتكاب جريمة، و تعاقد صاحب متجر مع فتاة لإغواء الزبائن، إذا كان عملها المتعاقد عليه هو هذا الإغواء، إذ يعدّ العقد في جميع هذه الحالات باطلاً لمخالفته النظام العام والآداب. وإذا كان محل الالتزام إعطاء شيء، فيجب أن يكـون داخلاً في التعامل حتى ينعقد العقد صحيحاً، وفق ما نصت عليه المادة (83 مدني).       

ولا تدخل الحقوق غير المالية ـ حتى لو لم تكن من الأشياء ـ دائرة التعامل، وبالتالي لا يجوز التنازل عنها بمقابل أو دون مقابل. ويترتب على ذلك أنه لا يجوز بيع حق الانتخاب، أو حق الترشيح في الانتخاب،أو حق النسب، ويعدّ العقد باطلاً في جميع هذه الحالات.

رابعاً ـ السبب:

السبب هو ـ بالمعنى الدقيق ـ ركن في الالتزام، وليس ركناً في العقد، وهذا ما أكده التطور التاريخي لنظرية السبب. ويقصد بالسبب في هذا المجال الغرض المباشر الذي يهدف الملتزم بلوغه من وراء التزامه، أي الغرض الذي أراد الملتزم الوصول إليه نتيجة قبوله نشوء الالتزام على عاتقه. فالمدين عندما يقبل أن ينشأ التزام على عاتقه إنما يقصد من وراء ذلك تحقيق غرض معين يسعى إليه، وهذا الغرض هو السبب. ولا يعدّ السبب بهذا المعنى ركناً في جميع الالتزامات، وإنما هو ركن فقط في الالتزامات العقدية أو بمعنى أدق في الالتزامات الإرادية التي قد تنشأ من عقد أو من تصرف إرادة منفردة كالوعد بجائزة. والسبب ركن في الالتزام مستقل عن ركن المحل، إذ إنه الغرض الذي يهدف الملتزم بلوغه من وراء التزامه، أما المحل فهو ما التزم به المدين من إعطاء شيء أو القيام بعمل أو الامتناع عن القيام بعمل. ويتبين الفرق بينهما جلياً من خلال معرفة أن السبب هو جواب عن السؤال الذي مفاده: لماذا التزم المدين؟ في حين أن المحل يعدّ جواباً عن السؤال الذي مفاده: بماذا التزم المدين؟

1ـ منشأ نظرية السبب في التشريعات الوضعية: كانت الشكلية تسيطر في العهد القديم للقانون الروماني على العقود، فكان العقد ينعقد عند توافر الشكليات والمراسم دون الوقوف عند إرادة المتعاقدين. ولم يعرف هذا القانون فكرة السبب إلا بعد أن كرس مفهوم العقود الرضائية في نطاق ضيق اقتصر على عقود البيع والإيجار والشركة والوكالة، وكذلك مفهوم العقود العينية والعقود غير المسماة. ففي عقد البيع مثلاً كان التزام البائع سبباً لالتزام المشتري بدفع الثمن. وفي عقد الهبة كانت نية التبرع هي سبب التزام المتبرع. وبالتالي كان السبب في القانون الروماني ـ بشأن هذه العقود ـ أمراً موضوعياً يتعلق بموضوع الالتزام لا بشخص الملتزم يبحث عنه داخل العقد لا خارجه، وبالتالي كان السبب واحداً في النوع الواحد من العقود. وكان دور السبب بوصفه ركناً في هذه العقود يقتصر على مرحلة تكوينها دون أن يتعدى إلى مرحلة تنفيذها. ثم ظهر بعد ذلك مبدأ الرضائية في العقود والذي كان ظلاً ملازماً لمبدأ سلطان  الإرادة. وظهر ذلك في القوانين ذات الأصل اللاتيني في أوربا على يد فقهاء القانون الكنسي في العصور الوسطى. وكان ظهور مبدأ  الرضائية واستقراره هو وراء ولادة نظرية السبب. في الحقيقة  يقضي مبدأ الرضائية أن ينعقد العقد وينتج آثاره بمجرد اتفاق الإرادتين دون توقف على الإجراءات الشكلية. ولكن الرضائية المطلقة واحترام الإرادة دون قيد في الالتزامات التعاقدية يؤدي إلى احترام جميع العقود، وبالتالي إلزام المتعاقدين بالتزاماتهم على نحو مطلق. ولكن قد تكون الالتزامات الناجمة عن العقد في بعض الأحيان منافية للأخلاق وللأهداف القانونية، ومثال ذلك استئجار شخص  شخصاً آخر على ارتكاب جريمة لقـاء مبلغ، وإعطـاء هبة لعاهرة كي تستمر في علاقة جنسية غير مشروعة، وإقراض شخص لشخص آخر مبلغاً من المال كي يستمر في المقامرة. ولإبطال مثل هذه العقود فكر فقهاء  القانون الكنسي ـ وهم رجال دين، وأول من طبق مبدأ رضائية العقود وسلطان الإرادة في أوربا ـ بوجوب إلقاء قيد على الإرادة العقدية يمنع تجاوزها على الحدود الأخلاقية والأهداف القانونية، كما في الأمثلة السابقة. فإذا شذت الإرادة وتجاوزت حدودها، كان جزاء التصرف البطلان. وبما أن نقطة الانطلاق في ترتيب القواعد القانونية في نظرية الالتزام العامة ذات الأصل الروماني هي الالتزام نفسه، لذلك عمد فقهاء القانون الكنسي إلى معالجة شذوذ الإرادة من طريق الالتزام نفسه لا من طريق العقد،  فألقوا قيداً قانونياً قرروا بموجبه أنه يجب أن يكون سبب الالتزام مشروعاً. والمراد من السبب هنا الباعث الرئيسي الدافع إلى التعاقد أو الالتزام. وهذا الباعث باطني ونفسي وشخصي يختلف من شخص إلى آخر، وبالتالي من عقد إلى آخر، لأنه أمر خارجي عن العقد. ويستخلص من ذلك أنه يجب أن يكون الباعث مشروعاً وذلك حفظاً للحرمات الأخلاقية والأهداف القانونية. أما إذا كان الباعث غير مشروع فالالتزام باطل، ويترتب على ذلك بطلان العقد، ولو توافر التراضي. ومن هنا ألقي بفكرة السبب، بمعنى الباعث، وشرط المشروعية فيه قيد على الإرادة العقدية عندما أريد تحريرها من القيود الشكلية، فحل السبب محل الشكل قيداً على الإرادة. لذلك فإن نظرية السبب لا محل لها في غير الالتزامات الناشئة بالإرادة. وكانت نظرية السبب التي ابتدعها فقهاء القانون الكنسي تهدف بداية إلى حماية مصالح المجتمع عن طريق الحكم ببطلان العقود التي تهدف إلى تحقيق أغراض غير مشروعة. ثم بعد ذلك أصبحت هذه النظرية تهدف أيضاً إلى حماية مصالح الفرد عن طريق تطهير إرادته من الغلط والغش. ويعود الفضل في صياغة نظرية عامة للسبب إلى الفقيه الفرنسي دوما Domat في كتابه «القوانين المدنية « في القرن السابع عشر. وقد رجع الفقيه دوما بفكرة السبب إلى أصولها الرومانية، إذ إنه عدَّ السبب أمراً موضوعياً داخلاً في العقد لا خارجاً عنه، وبالتالي أعاق كثيراً التطور الذي وصلت إليه هذه النظرية على أيدي فقهاء القانون الكنسي. ومن ثم ناصر الفقيه الفرنسي بوتييه Pothier الفقيه دوما في نظريته، وأخذ واضعو مشروع التقنين المدني الفرنسي عنهما هذه النظرية، وأيدها شراح هذا التقنين بعد إصداره ودخوله حيز النفاذ. وعندما تبين للقضاء الفرنسي قصور هذه النظرية هاجمها فريق من الفقهاء، واستطاع القضاء بعد ذلك أن يطور هذه النظرية ويضعها من جديد على الطريق الصحيح.

2ـ  تعريف السبب: ظهرت نظريتان في الفقه القانوني لتحديد مفهوم السبب، الأولى تقليدية، والثانية حديثة.

أ ـ النظرية التقليدية في السبب: تميز هذه النظرية بين ثلاثة أنواع من السبب، وهي: السبب الإنشائي، والسبب الدافع، والسبب القصدي. والسبب الإنشائي هو مصدر الالتزام. وأما السبب الدافع فهو الباعث الذي دفع الملتزم إلى أن يرتب الالتزام في ذمته، فيختلف مثلاً الباعث على الشراء من شخص إلى آخر. وأما السبب القصدي فهو الغاية المباشرة أو الغرض المباشر الذي يقصد الملتزم الوصول إليه من وراء التزامه. وهذا السبب هو الذي تقف عنده النظرية التقليدية. ويختلف السبب عن الباعث في أن السبب هو أول نتيجة يصل إليها الملتزم، أما الباعــث فغاية غير مباشرة تتحقق بعد أن يتحقق السبب.

(1) تحديد السبب في مختلف أنواع العقود: ويختلف السبب القصدي باختلاف العقود، ولكنه واحد في كل طائفة أو نوع منها.

ـ في العقود الملزمة للجانبين: في العقود الملزمة للجانبين يعدّ سبب التزام أحد المتعاقدين التـزام المتعاقد الآخــر. ففي عقد البيع يعدّ التزام المشتري بدفع الثمن سبباً لالتزام البائع بتسليم المبيع والعمل على نقل ملكيته للمشتري، كما يعدّ التزام البائع هذا سبباً لالتزام المشتري بدفع الثمن. وبالتالي فإن هذا السبب واحد لا يتغير في كل عقود البيع. ويكون الالتزام باطلاً إذا كان سببه غير مشروع، فإذا باع شخص إحدى كليتيه لشخص آخر مقابل ثمن محدد، كان التزام البائع باطلاً لعدم مشروعية محله، وكان التزام المشتري أيضاً باطلاً، ولكن ليس لعدم مشروعية محله، إذ إن محله مشروع، وهو دفع مبلغ من المال، وإنما لأن سببه غير مشروع وهو التزام البائع. 

ـ في العقود الملزمة لجانب واحد: إذا كان العقد الملزم لجانب واحد عقداً عينياً، أي لا ينعقد إلا بالتسليم، يكون سبب التزام المتعاقد الملتزم هو تسلمه الشيء محل العقد. أما إذا كان العقد الملزم لجانب واحد عقداً رضائياً، كالوعد ببيع شيء معين بالذات، فيبدو أن سبب الالتزام هو إتمام العقد النهائي، وهو بهذا المعنى سبب محتمل قد يتحقق وقد لا يتحقق.

ـ في عقود التبرع: السبب في عقود التبرع هو نية التبرع ذاتها، إذ المتبرع يهدف من وراء تبرعه إلى مدّ يد العون للمتبرع له. ويتبين مـن ذلك أن السبب يمتاز بخصائص، مناقضة تماماً لخصائص الباعث، وهي أنه شيء داخلي في العقد يستخلص من نوع العقد ومن طبيعة الالتزام ذاته، وبالتالي فهو يتعلق بموضوع العقد لا بشخص المتعاقد، وهو شيء موضوعي، لا ذاتي، لا تؤثر  فيه نوايا الملتزم، وهو أخيراً غير متغير في النوع الواحد من العقود.

وتشترط هذه النظرية قيام السبب ـ في العقود الملزمة لجانبين ـ من وقت انعقاد العقد حتى تنفيذه. ونتيجة ذلك أجازت هذه النظرية ـ استناداً إلى فكرة السبب ـ فسخ العقد بناءً على طلب أحد المتعاقدين في حال إخلال المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه المتقابل. كما أجازت أيضاً لأحد المتعاقدين ـ في حال ما إذا طالبه المتعاقد الآخر بتنفيذ التزامه ـ التمسك بالدفع بعدم التنفيذ والامتناع عن تنفيذ التزامه المتقابل. زد على ذلك أن هذه النظرية تقرر ـ بالاستناد إلى فكرة السبب ـ انفساخ العقد بحكم القانون في حال صيرورة التزام أحد المتعاقدين مستحيلاً بسبب أجنبي لا يد له فيه، وتحلل المتعاقد الآخر من التزامه المتقابل.

(2) شروط السبب في النظرية التقليدية: تشترط النظرية التقليدية توافر الشروط الآتية في السبب:

ـ أن يكون السبب موجوداً: وفقاً للنظرية التقليدية كل التزام يجب أن يكون له سبب. أما إذا كان السبب غير موجود فيكون الالتزام غير قائم وبالتالي باطلاً. ويقصد بالسبب غير الموجود أن يكون المتعاقدان على علم بأنه غير موجود ومع ذلك يقدمان على التعاقد. كما في سند المجاملة، إذ يلتزم الشخص الذي وقع عليه صورياً نحو من وقع السند لمصلحته قاصداً من وراء ذلك إسداء خدمة للدائن الصوري بإعطائه سنداً يمكنه أن يحصل على قيمته عن طريق ما يسمى بخصم السندات، وذلك مقابل خصم نسبة محددة كفوائد يستحقها من يقوم بهذه العملية، وعندما يحل أجل دفع هذا السند يقوم الدائن الصوري بإعطاء المدين قيمته من أجل أن يدفعها لمن قام بعملية خصمه. أو كإكراه شخص على التوقيع على عقد قرض وهو غير مديون، فهنا ينعدم السبب، وبالتالي يعدّ العقد باطلاً. وكذلك يكون سبب الالتزام غير موجود إذا كان الالتزام الذي أنشأه العقد لا يضيف جديداً إلى الالتزامات التي يفرضها القانون دون حاجة إلى عقد. ومثال ذلك أن يتعاقد شخص مع أحد الأشرار على أن يدفع له مبلغاً محدداً من المال مقابل تعهده بعدم خطف ولده، فيكون سبب التزام المتعاقد هنا غير موجود وبالتالي يكون التزامه باطلاً، إذ إن العقد لم يضف التزاماً جديداً على عاتق الشخص الشرير الذي يمتنع عليه بموجب القانون خطف الأولاد، ويترتب على ذلك بطلان العقد برمته.

ـ أن يكون السبب صحيحاً: ولا يقوم الالتزام على سبب غير صحيح. ويرجع عدم صحة السبب إلى أمرين: إما لأن السبب الظاهر ـ وهو السبب غير الصحيح ـ هو سبب مغلوط أو موهوم، كأن يتخارج وارث مع شخص يعتقد أنه وارث معه، وهو ليس بوارث، فيسدد له مبلغاً من المال ليتنازل عن حصته، فهذا التخارج باطل لأن سببه موهوم. وإما أن يكون السبب الظاهري صورياً، ولا يبطل العقد لصورية السبب، فالصورية في ذاتها لا تعد سبباً للبطلان. فإذا أثبت المدين صورية السبب؛ فعلى الدائن أن يثبت السبب الحقيقي، وعليه يتوقف الالتزام. وإذا كان السبب الحقيقي موهوماً كان العقد باطلاً ليس لأن السبب الظاهر صوري، وإنما لأن السبب الحقيقي موهوم. وكذا لو كان السبب الحقيقي غير مشروع، فيترتب على ذلك بطلان العقد الحقيقي.

ـ أن يكون السبب مشروعاً: يعدّ السبب غير مشروع إذا كان يخالف قاعدة قانونية آمرة، أو كان يخالف النظام العام أو الآداب العامة. وتتميز مشروعية السبب ـ عند أنصار النظرية التقليدية ـ من مشروعية المحل. فقد يكون المحل مشروعاً والسبب غير مشروع، والأمثلة على ذلك: تعهد شخص لشخص آخر على ارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود، فالتزام أحد المتعاقدين بدفع مبلغ من النقود محله مشروع، ولكن سببه غير مشروع، وهو التزام المتعاقد الآخر بارتكاب جريمة؛ إذ إنه مخالف للقانون، فلا يقوم هذا الالتزام، وبالتالي يكون العقد باطلاً. وكذلك تعاقد شخص مع شخص آخر على عدم ارتكاب جريمة في مقابل مبلغ من النقود، فالتزام كل من المتعاقدين محله مشروع. ولكن سبب التزام المتعاقد الأول بالامتناع عن ارتكاب الجريمة هو  التزام المتعاقد الثاني بدفع مبلغ من النقود، وسبب هذا الالتزام هو تعهد المتعاقد الأول بعدم ارتكاب الجريمة وهو غير مشروع لمخالفته للقانون، وبالتالي يعدّ هذا الالتزام باطلاً، ويترتب عليه بطلان العقد.

(3) نقد النظرية التقليدية في السبب: تعرضت هذه النظرية لانتقادات شديدة وعديدة. وأول من وجه إليها انتقاداته هو الفقيه البلجيكي ارنست Ernst، أستاذ القانون في جامعة لييج، إذ إنه يرى أن السبب وفقاً للنظرية التقليدية لا يعدّ ركناً متميزاً، فهو تارة يختلط بالمحل في العقود الملزمة للجانبين، وتارة بالرضا في عقود التبرع، واستناداً إلى ذلك قال: إن السبب لا ضرورة له وذلك لأنه تغني عنه أركان الالتزام الأخرى. وبعد ذلك انحـاز فقهاء آخرون لهذا الرأي، ومن أشهرهم الفقيه الفرنسي  بلانيول Planiol. وكانت الانتقادات التي وجهها هذا الفقيه إلى النظرية التقليدية هي المعول الفعال في هدمها. وذهب بلانيول إلى أن نظرية السبب التقليدية هي نظرية غير صحيحة، وبالتالي فلا فائدة منها. ويتبين عدم صحتها من خلال عرض السبب في العقود المختلفة:

ـ في العقد الملزم للجانبين: تقول النظرية التقليدية إن سبب التزام أحد المتعاقدين هو التزام المتعاقد الآخر، ولكن هذا القول فيه استحالة منطقية، وذلك لأن الالتزامين يولدان في آن واحد من مصدر واحد وهو العقد، فلا يمكن أن يكون أحدهما سبباً للآخر، لأن السبب يتقدم على المسبب.

ـ في العقد العيني: تذهب النظرية التقليدية إلى القول بأن سبب الالتزام هو تسليم العين، ولكن التسليم هذا ليس إلا مصدر الالتزام، فيختلط هنا المصدر بالسبب ويصبحان شيئاً واحداً.

ـ وفي عقد التبرع: يقول أنصار النظرية التقليدية إن سبب الالتزام هو نية التبرع، وهذا قول لا معنى له، وذلك لأن نية التبرع في ذاتها لا قيمة لها إذا لم تقترن بالعوامل التي دفعت إليها. ونية التبرع هي ركن الرضا في العقد.

(4) رد أنصار نظرية السبب على هذه الانتقادات: قام أنصار نظرية السبب بالدفاع عن النظرية التقليدية بعد تحويرها، ويتزعمهم الفقيه الفرنسي كابيتان Capitant، الذي ذهب إلى أن السبب في العقد الملزم للجانبين ليس هو الالتزام المقابل، كما ذهب إليه أنصار النظرية التقليدية، وإنما هو تنفيذ هذا الالتزام. وفي هذه الحالة لا يمكن أن يكون الالتزام الواحد سبباً ومسبباً، وإنما تنفيذ الالتزام  هو السبب. ويقول: حتى لو كان سبب الالتزام هو الالتزام المقابل ذاته، فلا يصح أن يقال مع ذلك إن الشيء الواحد يعدّ سبباً ومسبباً، إلا إذا فهم السبب بالمعنى الإنشائي. ولكن السبب هنا هو السبب القصدي، أي  الغرض المباشر الذي قصد إليه المتعاقد من وراء التزامه. ومن ناحية ثانية فلا يغني المحل عن السبب. أما في العقود العينية، فقد قال كابيتان بصحة ما ذهبت إليه النظرية التقليدية، وهو أن السبب هو تسليم الشيء، بالنسبة إلى ثلاثة عقود عينية، وهي القرض والعارية ورهن الحيازة. وذلك لأن هذه العقود هي من حيث طبيعتها عقود رضائية ملزمة للجانبين، وإن كانت عقوداً عينية من حيث الصياغة. أما بالنسبة إلى الوديعة، وهي عقد عيني ملزم لجانب واحد، فإن سبب التزام المودع عنده ليس هو تسليم الشيء، وذلك لأنه يختلط السبب المنشئ بالسبب القصدي، وإنما هو رغبة المودع عنده أن يسدي جميلاً للمودع. وأما في عقود التبرع، فإن سبب الالتزام عند كابيتان هو نية التبرع أيضاً. ولا تختلط هذه النية بالرضا، إذ يمكن تحليل إرادة الواهب إلى عنصرين، الأول وهو إرادته أن يلتزم، وهذا الرضا، والثاني وهو إرادته أن يكون هذا الالتزام دون مقابل على سبيل التبرع، وهذا هو السبب. ولكن كابيتان يجعل الباعث الدافع هو السبب في حالتين، وهما: اقتران التبرع بشرط يتبين أنه هو الذي دفع المتبرع إلى تبرعه، فإن سبب التبرع هو هذا الباعث، كشخص تبرع لجمعية خيرية بشرط بناء مستشفى؛ والوصية، وذلك لأنه لا توجد إلا إرادة واحدة فيها وهي إرادة الموصي، فلا يجوز الوقوف فيها عند التبرع، بل إن الباعث الذي دفع الموصي إلى تبرعه هو الذي يجب أن يؤخذ في الحسبان.

ب ـ النظرية الحديثة في السبب: النظرية الحديثة في السبب هي من خلق القضاء، إذ إنه عدّ النظرية التقليدية ضيقة وعقيمة وقاصرة. وبالتالي فإنه توسع في تحديد السبب، وجعله هو الباعث الدافع إلى التعاقد. وبالتالي لا تقف هذه النظرية عند الغرض المباشر أو القريب الذي يجعل الملتزم يقبل تحمل الالتزام، وهو السبب القصدي الذي تقف عنده النظرية التقليدية، وإنما تتعمق أكثر من ذلك وتبحث عن الغرض التالي أي غير المباشر، وتعتد به، وهذا الغرض هو الباعث الذي يدفع الملتزم إلى قبول تحمل الالتزام، وبالتالي تدخل هذه النظرية الباعث الدافع إلى التعاقد في سبب الالتزام شريطة أن يكون متصلاً بالمتعاقد الآخر، بمعنى آخر أن يعلم به المتعاقد الأخر أو كان بمقدوره أن يعلم به، وبهذا يكون القضاء قد اعتنق نظرية السبب عند فقهاء القانون الكنسي. ونتيجة ذلك ترى النظرية الحديثة أنه في العقود الملزمة للجانبين إذا كان الباعث إلى التعاقد فيها غير مشروع ومعلوم، فالعقد باطل. ومثال ذلك شراء منزل أو استئجاره للمقامرة أو الدعارة. وفي العقود العينية يبطل العقد إذا كان الباعث عليه غير مشروع ومعلوم من الطرف الآخر، ومثال ذلك القرض بهدف تمكين المقترض من المقامرة وكان المقرض عالماً بذلك. وفي عقود التبرع يبطل التبرع إذا كان الدافع إليه غير مشروع، ومثال ذلك التبرع لولد غير شرعي، إذا كان الباعث علاقة بنوة غير شرعية، وتبرع الخليل لخليلته إذا كان الباعث إعادة العلاقة أو استمرارها. وكذلك تبرع الزوج لزوجته في القانون الفرنسي حتى يحملها على أن تنفصل عنه ودياً، وذلك لأن الاتفاق على الانفصال من دون اتباع الإجراءات المبينة في القانون هو غير مشروع. ومن ثم بعد ذلك انضم الفقه الحديث إلى هذه النظرية القضائية. ولكنه لم يهجر النظرية التقليدية على نحو كامل، وإنما أخذ بالنظرية الحديثة من أجل تكملة النقص الذي كان يعتري النظرية التقليدية. فلا بد أن يكون سبب الالتزام موجوداً حتى يقوم العقد، وبالتالي فالبناء الفني للعقد يتوقف على وجود سبب الالتزام، وهذا هو السبب بالمعنى الفني، إذ إن الصياغة الفنية للعقد تستلزم وجود سبب الالتزام كي يبقى قيداً على الإرادة، وبالتالي إذا انعدم السبب ترتب على ذلك بطلان العقد. كما يجب أن يكون الباعث على التعاقد مشروعاً، وهذا الباعث هو سبب العقد، وهو ليس سبباً فنياً، وإنما هو سبب مصلحي لأنه يهدف إلى مراعاة مصلحة المجتمع، إذ إن البواعث غير المشروعة تهدد مصالح المجتمع. يستخلص من ذلك أن الفقه الحديث يستلزم توافر سبب الالتزام ويشترط فيه أن يكون موجوداً، وهذا هو السبب بالمعنى الفني الذي أخذت به النظرية التقليدية وكذلك توافر سبب العقد ويشترط فيه أن يكون مشروعاً، وهذا هو السبب بالمعنى المصلحي الذي أخذت به النظرية الحديثة. وهذا ما نصت عليه بعض القوانين المعاصرة، ومنها قانون الموجبات والعقود اللبناني الذي يميز بين سبب الموجب، أي الالتزام، وكرس له المواد (194 حتى 199) منه، وبين سبب العقد الذي كرس له المادتين (200 و201) منه.

3ـ التصرف المجرد: تبين فيما سبق أن السبب ركن في الالتزام، وفق النظرية التقليدية؛ وركن في العقد، وفق النظرية الحديثة. ويقصد بالالتزام هنا الالتزام الناشئ من الإرادة أي الالتزام الإرادي، وبالتالي يمكن القول إن السبب ركن في التصرف القانوني. ويطلق على التصرف الذي يكون السبب فيه ركناً التصرف المسبب. وهذا هو الأصل في القوانين اللاتينية والقوانين المتأثرة فيها، كالقانون المصري والقانون السوري. وسبقت الإشارة إلى أن العقود كانت شكلية في القانون الروماني في العهد الكلاسيكي، وبالتالي لم يكن السبب ركناً في الالتزام في هذا القانون، لأنه لم يكن ينشأ من الإرادة، وإنما من التقيد بالإجراءات الشكلية التي كان القانون يفرضها، وبالتالي لم يكن القانون الروماني يعتد بالسبب ولا بالإرادة. وبالتالي لم يكن القانون يعطي الحق للمدين الذي التزم من دون أن يكون لالتزامه سبب في المطالبة ببطلان العقد، وإنما منحه البريتور ـ والي القضاء بين الوطنيين ـ دعوى الإثراء بلا سبب للمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة تنفيذه التزاماً من دون أن يكون له سبب. وعندما تحرر العقد من القيود الشكلية التي كانت مفروضة عليه في القانون الروماني، وذلك بفضل فقهاء القانون الكنسي، ومن ثم أصبحت الإرادة وحدها ملزمة؛ فإن هذه الإرادة ـ وإن كانت قد تحررت من الشكل ـ قد اقترنت بالسبب. وهذه الإرادة هي الإرادة الباطنة التي يجب أن تكون محررة من عيوبها ومقترنة بسببها. وعلى العكس من ذلك، فإن الإرادة الظاهرة هي مجردة من عيوب الإرادة الباطنة، وكذلك مجردة من السبب الذي اقترنت به، وبالتالي هي إرادة مجردة، ويسمى الالتزام الناشئ منها بالالتزام المجرد. وهذه الإرادة هي ركن في التصرف القانوني الذي يسمى بالتصرف المجرد. ويقصد بالتصرف المجرد التصرف الذي لا يتوقف نشوؤه على وجود سبب ولا على باعث مشروع. وبما أن القوانين اللاتينية قد رجحت الإرادة الباطنة على الإرادة الظاهرة، فإن السبب في هذه القوانين ركن في الالتزام وفي العقد، أي أنه ركن في التصرف القانوني. وبالتالي فإنها لم تأخذ بالتصرف المجرد إلا في بعض الحالات الاستثنائية. وهذا هو الحال بالنسبة إلى القانون الفرنسي، إذ إنه لم يأخذ بالتصرف المجرد إلا في بعض الحالات الاستثنائية، وهي نادرة جداً، ومثال ذلك الإنابة، والتوقيع على السندات التجارية. وكذلك الحال بالنسبة إلى القوانين المتأثرة بالقانون الفرنسي، كالقانون المصري والقانون السوري، إذ إنهما لم يأخذا بالتصرف المجرد إلا في بعض الحالات الاستثنائية. ومثال هذه الحالات الإنابة، إذ تنص المادة (359 مدني)، وهي مطابقة لنص المادة (361 مدني مصري)، على أنه «يكون التزام المناب قِبَل المناب لديه صحيحاً ولو كان التزامه قِبَل المنيب باطلاً، أو كان هذا الالتزام خاضعاً لدفع من الدفوع، ولا يبقى للمناب إلا حق الرجوع على المنيب، كل هذا ما لم يوجد اتفاق بغيره».

ومثال ذلك أيضاً الكفالة، إذ لا يجوز للكفيل أن يدفع مطالبة الدائن له بالدفوع التي يحق له أن يتمسك بها تجاه المدين.

وأما القوانين الجرمانية فقد كرست الإرادة الظاهرة، وبالتالي فهي لم تعرض للسبب على نحو مباشر كما فعلت القوانين اللاتينية. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه القوانين تكرس نوعين من التصرفات القانونية، وهي: التصرفات المسببة، ويعدّ السبب فيها ركناً وهو السبب بالمعنى الفني، وبالتالي يشترط أن يكون السبب فيها صحيحاً ومشروعاً؛ والتصرفات المجردة، وتكون الإرادة فيها مجردة من السبب وكذلك من العيوب. والتصرفات المجردة في هذه القوانين على طائفتين، وهما: الطائفة الأولى وتتعلق بعقود انتقال الملكية؛ والطائفة الثانية تتعلق بالعقود المنشئة للالتزامات، كحوالة الحق وحوالة الدين والإنابة في الوفاء، والتعهد المجرد بالوفاء، والاعتراف المجرد بالدين.     

4ـ موقف القانون المدني السوري من السبب: تنص المادتان (137 و138 مدني) على السبب بوصفه ركناً لازماً لانعقاد العقد، وهما مطابقتان للمادتين (136 و137 مدني مصري).

فالمادة (137) تنص على أنه «إذا لم يكن للالتزام سبب، أو كان سببه مخالفاً للنظام العام أو الأدب كان العقد باطلاً». أما المادة (138) فقد جاء فيها أنه:

« كل التزام لم يذكر له سبب في العقد يفترض أن له سبباً مشروعاً، ما لم يقم الدليل على غير ذلك.

ويعدّ السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سبباً آخر مشروعاً أن يثبت ما يدعيه».

يستخلص من ذلك أن المشرع استلزم صراحة في هاتين المادتين وجود السبب وضرورة أن يكون هذا السبب مشروعاً، وهو يهدف من وراء ذلك إلى تحقيق العدالة في مجال العقود من ناحية، وإضفاء طابع الفضيلة عليها من ناحية أخرى. ولكن المشرع لم يفصل فيما إذا كان قد أخذ بمفهوم السبب في النظرية التقليدية، أو بمفهومه في النظرية الحديثة. ونتيجة ذلك اختلف الفقهاء حول مفهوم السبب الذي أخذت به هاتان المادتان. فبعضهم يقول إن القانون أخذ بالنظرية التقليدية، وذلك بصراحة المادة (136 مدني مصري)، وتقابلها المادة (137 مدني)، وبعضهم الآخر يقول إن المشرع أخذ بالنظرية الحديثة، بحسب ما أشارت إليه المذكرة الإيضاحية للقانون المدني المصري، ونبذ النظرية التقليدية. وقال رأي آخر أنه يمكن التوفيق بين القانون وما ورد في المذكرة الإيضاحية، وفهم عبارة السبب في المادتين (136 و137 مدني مصري)، وتقابلهما المادتان (137 و 138 مدني)، على أنها الباعث الدافع، مع التسليم بعدم جدوى بقاء نص الفقرة الأولى من المادة (137 مدني) (المادة 136/1 مدني مصري) إلا رقماً مجرداً. والرأي الراجح أن المادتين السابقتين لم تنبذا النظرية التقليدية في السبب، وإنما على العكس من ذلك فهما تكريس لهذه النظرية، ولكن المشرع أكملها بالنظرية الحديثة التي هي في الأساس جاءت لتسد النقص الموجود في النظرية التقليدية لا لتلغيها.

ـ إثبات السبب في القانون المدني السوري:

إذا اتفق الطرفان على السبب الباعث الدافع واختلفا في مشروعيته، يفصل القضاء في أمر المشروعية. وإذا اختلفا في تعيين السبب الباعث الدافع، وكان مذكوراً في العقد فيرجع إليه، لأن ذلك يعدّ قرينة قانونية على أنه السبب الحقيقي الذي قبل المدين أن يلتزم من أجله، ولا يحق له دحضه وإثبات خلاف ذلك إلا بوثيقة خطية (نقض سوري، الغرفة المدنية الثالثة، قرار رقم 1689/ أساس 3077، تاريخ 12/5/1999، سجلات محكمة النقض. وفي المعنى ذاته: قرار رقم 1843/ أساس 3279، تاريخ 26/5/1999، سجلات محكمة النقض). وإذا كان السبب غير مذكور في العقد، فيفترض أن له سبباً مشروعاً، ومن يدعي عدم المشروعية عليه إثباته (نقض سوري، الغرفة المدنية الثالثة، قرار رقم 765/ أساس 1394، تاريخ 11/4/1995، سجلات محكمة النقض). ومن يدعي صورية الباعث عليه إثباتها. وعندها يجوز للطرف الآخر إثبات العكس، وهو وجود سبب آخر مشروع. فلا يكفي إذن إثبات صورية السبب، وإنما لا بد من إثبات وجود سبب آخر غيره، وإثبات أنه غير مشروع، وذلك لأن صورية السبب وحدها ليست من أسباب بطلان العقد (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار رقم 1813/ أساس 2155، تاريخ 28/11/1999، سجلات محكمة النقض).

5ـ السبب في  الفقه الإسلامي:

السبب في اصطلاح الفقهاء والأصوليين هو «كل حادث ربط به الشرع أمراً آخر وجوداً وعدماً، وهو خارج عن ماهيته». وهذا يعني أن وجود السبب يستلزم وجود المسبب، وعدمه عدم المسبب.

وقد سلك الفقه الإسلامي الطريق القويمة إلى إبطال العقود التي جاءت النظرية التقليدية لإبطالها حيث توصل إلى ذلك بكل بساطة، وذلك عن طريق شروط العقد، على الرغم من توافر ركن الإرادة وشروطها في هذه العقود. فيشترط في المحل في الفقه الإسلامي أن يكون مشروعاً، لذلك الاتفاق على ارتكاب الجريمة ممنوع، وبالتالي يبطل العقد، وبطلانه يؤدي إلى بطلان التزام المتعاقد الآخر بدفع مبلغ من المال، وذلك لأن صحة الالتزام العقدي فرع من صحة العقد الذي ينشئه، فإذا بطل الأصل بطل الفرع. ومن شروط انعقاد العقد في الفقه الإسلامي أن يكون العقد مفيداً، ومعنى ذلك أن يكون العقد على تقدير صحته محققاً لموضوعه. أي أن يؤدي إلى ولادة نتيجة حقوقية جديدة بين الطرفين لم تكن موجودة قبل التعاقد. لذلك فالاتفاق على دفع مبلغ لقاء عدم ارتكاب جريمة هو باطل في الشريعة، وذلك لأن عدم ارتكاب الجريمة هو واجب بحكم الشرع. لذلك فالفقه الإسلامي لم يقف عند السبب بمعناه التقليدي، وهو الغرض النوعي أو القصد المباشر في زمرة معينة من العقود.

أما السبب بمعناه الحديث وفقاً للنظرية القضائية، أي الباعث الدافع، فقد تناولته اجتهادات الفقهاء على اختلاف بينهم حول مدى اعتبار مشروعيتها، و اشتراطها لانعقاد العقد. فعند الحنفية والشافعية يجب أن يكون الباعث داخلاً في صيغة العقد يتضمنه التعبير عن الإرادة، فالسبب بمعنى الباعث لا يبحث عنه خارج العقد. فلا يعتد بالباعث إذا لم يتضمنه التعبير عن الإرادة. فيجب إذاً الوقوف عندهم عند الإرادة الظاهرة، وما تضمنته من بواعث. ولا يجوز أن تُتجاوز هذه الإرادة الظاهرة للبحث في النوايا الخفية. وأما الحنابلة والمالكية فقد توسعوا في السبب الباعث واعتماده. ونظرية السبب عند الحنابلة والمالكية ـ وبصورة خاصة عند الحنابلة ـ هي قريبة جداً من نظرية السبب في الفقه اللاتيني. فالسبب هو الباعث على التعاقد، ولا يشترط أن يذكر في العقد ما دام معلوماً من الطرف الآخر. فإذا كان الباعث مشروعاً، كان العقد صحيحاً، وإذا كان غير مشروع فلا يصح العقد، ومثال ذلك السلاح إذا باعه رجل لمن يعرف أنه يقتل به مسلماً حرام باطل، لما فيه من الإعانة على الإثم والعدوان... وإذا باعه لمن يعرف أنه يجاهد به في سبيل الله، فهو طاعة وقربة.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد حشمت أبو ستيت، نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد، الطبعة الثانية (مطبعة مصر، القاهرة 1954).

ـ سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني ـ2ـ، في الالتزامات ـ المجلد الأول: نظرية العقد والإرادة المنفردة، (الطبعة 1987).

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، المجلد الأول (القاهرة، بلا تاريخ).

ـ عبد الفتاح عبد الباقي، موسوعة القانون المدني المصري، نظرية العقد والإرادة المنفردة ـ دراسة معمقة ومقارنة بالفقه الإسلامي (1984).

ـ عبد المنعم البدراوي، النظرية العامة للالتزامات في القانون المصري، الجزء الأول، مصادر الالتزام (القاهرة 1975).

ـ مصطفى الزرقاء، شرح القانون المدني السوري، نظرية الالتزام العامة ـ1ـ المصادر، العقد والإرادة المنفردة، طـ 4 (مطبعة دار الحياة، دمشق 1964).

ـ مصطفى الزرقاء، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، الجزء الأول: المدخل الفقهي العام، المجلد الأول، الطبعة السادسة (مطبعة جامعة دمشق 1959).

 ـ محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مصادر الالتزام،1، المصادر الإرادية، و2ـ المصادر غير الإرادية، مطبعة رياض (دمشق 1982 ـ1983).

ـ محمود جلال حمزة، التبسيط في شرح القانون المدني الأردني، الجزء الثاني، مصادر الحق الشخصي والالتزام (1996). 

- H. Capitant, De la cause des obligations (Paris 1923).

- J. Flour, J.L. Aubert  et E.Savaux, Les obligations, I, L’acte juridique, 10 éd. (Armand Colin, Paris 2002).

- Ch. Larroumet, Droit civil, Tome 3, Les obligations, Le contrat, 3e édition (Economica-Delta 1996).

- H., L., J.Mazeaud et F. Chabas, Leçon de droit civil, Tome II, Volume I, Obligations- théorie générale, 9ème édition (Delta 2000).

- F. Saleh, L’exception d’inexécution en droit comparé français et syrien, Thèse (Toulouse 2000).

- F. Terré, Ph.Simler et Y.Lequette, Droit civil, Les obligations, 8ème édition (Dalloz 2002).

- Ph.Le Tourneau, Droit de la responsabilité et des contrats (Dalloz 2004/2005).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 151
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 511
الكل : 29575069
اليوم : 29985