logo

logo

logo

logo

logo

العقد (انحلال) (مقدمة)

عقد (انحل) (مقدمه)

annulment of the contract (introduction) - annulation du contrat (introduction)

 انحلال العقد

انحلال العقد

فواز صالح

فسخ العقد

الانفساخ

 

انحلال العقد هو زوال الرابطة القانونية التي ربطت المتعاقدين بموضوع العقد. ويشترط في الانحلال سبق الانعقاد. ومن هنا يظهر الفرق بين انحلال العقد وبطلانه. ففي البطلان يكون للعقد وجود حسي فقط فلا يكتسب وجوده الاعتباري في نظر المشرع، فالعقد لا ينعقد أصلاً في حالة البطلان. أما في الانحلال، فالعقد منعقد ومنتج لآثاره بين طرفيه، ولسبب ما يزول بعد الوجود. وهذا السبب قد يكون مرافقاً لنشوء العقد، كما في العقد القابل للإبطال. وقد يكون طارئاً بعد وجود العقد، كما في الفسخ والانفساخ. والمبدأ هو أن يقع الانحلال بأثر مستند، أي بأثر رجعي، ولكن تشذ عن هذا الأصل العقود المستمرة، إذ يقع الانحلال فيها بأثـر مقتصر، أي من دون أثر رجعي.

ويختلف انحلال العقد عن انقضاء الالتزام العقدي، إذ يؤدي تنفيذ الالتزامات العقدية إلى انقضاء تلك الالتزامات، وهذا هو الوفاء، وهو الطريق الطبيعي لانقضاء الالتزامات. كما يمكن أن تنقضي الالتزامات الناتجة من العقد بغير طريق الوفاء، بموجب أسباب انقضاء خاصة نص عليها القانون. ولكن العقد الذي أنشأ تلك الالتزامات لا ينحل ولا ينقضي، بل يبقى سنداً لها وللوفاء بها. فعقد البيع مثلاً بعد تنفيذه لا يزول، بل يبقى هو سند الملكية للمشتري في المبيع. وقاعدة عدم انحلال العقد ليست مطلقة، وإنما يرد عليها نوعان من الاستثناءات، النوع الأول خاص ببعض العقود، كالرجوع في الهبة؛ وأما النوع الثاني فهو أسباب عامة للانحلال، كالفسخ والانفساخ.

كما يختلف انحلال العقد عن التقايل أو الإقالة أيضاً، إذ التقايل هو عقد جديد ينتج آثاراً عكسية للعقد الأول. (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 635/أساس 526، تاريخ 12/5/1996). فإذا تقايل المتبايعان وجب رد المبيع إلى البائع، ورد الثمن إلى المشتري، فهنا المشتري صار بائعاً، وأصبح البائع مشترياً. ويقع التقايل بأثر مقتصر، أي بلا أثر رجعي، ولكن يجوز أن يتفق المتعاقدان على أن يقع بأثر رجعي. ولكن هذا لا يؤثر في حقوق الغير التي يمكن أن تنشأ قبل الإقالة.

وكذلك يختلف الانحلال عن الإنهاء، فالإنهاء هو وضع حد لاستمرار العقد في المستقبل، ويكون في العقود الزمنية، ويقع دائماً بأثر مقتصر.

ويختلف انحلال العقد عن وقف العقد، فالانحلال يؤدي إلى زوال العقد بأثر رجعي، في حين أن وقف العقد يؤدي إلى تعليق تنفيذه. وأهم أسباب انحلال العقد الفسخ، والانفساخ.

أولاًـ فسخ العقد:

فرق القانون المدني السوري بين فسخ العقد وبين انفساخه. وفسخ العقد يكون نتيجة عدم تنفيذ الالتزام الناجم عن خطأ المدين، في حين أن انفساخ العقد يكون نتيجة عدم تنفيذ الالتزام الناجم عن سبب أجنبي. والفسخ على أنواع، إذ الأصل فيه أن يكون بناءً على طلب يخضع لسلطة القاضي التقديرية، وهذا هو الفسخ القضائي وهو الأصل. ولكن يمكن أن يكون الفسخ اتفاقياً، وذلك بموجب شرط فاسخ اتفاقي صريح ينص عليه العقد، وهذا هو الفسخ الاتفاقي. وأخيراً يمكن أن يكون الفسخ في حالات استثنائية بإرادة الدائن المنفردة.

1ـ الفسخ القضائي: في العقود الملزمة للجانبين، إذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه العقدي فإن القانون أعطى الحق للمتعاقد الآخر في أن يطالب بالتنفيذ العيني، أو أن يطالب بالتنفيذ عن طريق التعويض، أو أن يطالب بفسخ العقد. والتنفيذ العيني هو أثر من آثار الالتزام، فهو يدخل ضمن الأبحاث المتعلقة بأحكام الالتزام. أما التنفيذ بطريق التعويض فهو موضوع المسؤولية العقدية.

أ ـ تعريف الفسخ: تنص المادة (158) مدني على أنه " في العقود الملزمة للجانبين، إذا لم يوفِ أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الآخر بعد إعذاره أن يطالب بتنفيذ العقد أو بفسخه، مع التعويض في الحالتين إن كان له مقتضى. 2ـ ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً إذا اقتضت الظروف ذلك، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته". يتبين من ذلك أن الفسخ هو جزاء عدم تنفيذ المدين، في العقود الملزمة للجانبين، التزامه بخطأ منه.

ب ـ الأساس القانوني لنظرية الفسخ: الفسخ بوصفه نظرية عامة لم يكن معروفاً في القانون الروماني، فلم يكن هذا القانون يقبل بوجود فكرة التقابل والارتباط بين الالتزامات في العقود الملزمة للجانبين. ومن ثم فإن عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزامه لم يكن يعطي الحق للمتعاقد الآخر في أن يتحلل من التزامه، عن طريق الفسخ، وإنما كان يجب عليه أن يطالب بالتنفيذ. ونتيجة لتطور القانون الروماني في مراحل متقدمة من تطور المجتمع الروماني، فقد أفسح القانون مجالاً ضيقاً لنظرية الفسخ وخاصة في عقد البيع بعد أن أضفى عليه الصفة الرضائية. فقد سمح القانون بإدراج شرط صريح في هذا العقد يعطي الحق للبائع في فسخ العقد إذا لم يدفع المشتري الثمن المتفق عليه. وكان يطلق على مثل هـذا الشـرط اسم Lex commissoria. وبعد أن ساد مبدأ الرضائية في ظل القانون الكنسي، نشأت النظرية العامة للفسخ، إذ أمكن تطبيقها حتى لو لم يتضمن العقد شرطاً يجيز ذلك، وسوغ القانون الكنسي تلك النظرية استناداً إلى مبدأ العدالة وإلى أسباب أخلاقية منها الوفاء بالوعود وعدم الحنث بها. وبعد ذلك اعتمد التقنين المدني الفرنسي لعام 1804 النظرية العامة للفسخ في المادة (1184) منه. وتنص هذه المادة على أن الشرط الفاسخ يفهم بصورة ضمنية في العقود الملزمة للجانبين إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه.

ويستفاد من ذلك أن الأساس القانوني لنظرية الفسخ في التقنين المدني الفرنسي هو الشرط الفاسخ الضمني، والدليل على ذلك أن المادة (1184) وردت في الباب المخصص للشرط.

ولكن الفقه الفرنسي ينتقد الشرط الفاسخ الضمني بصفته أساساً لنظرية الفسخ، وذلك لأنه لو صح القول إن أساس الفسخ هو الشرط الفاسخ الضمني لنتج من ذلك أن العقد ينفسخ من تلقاء ذاته بمجرد عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه. وهذا يخالف أحكام المادة (1184) المشار إليها أعلاه والتي لا تجيز فسخ العقد إلا بموجب حكم قضائي أو نص اتفاقي، والتي تعطي السلطة للقاضي في قبول الفسخ أو رفضه. ونتيجة لذلك اقترح فقهاء فرنسيون آخرون، وكذلك غالبية الفقه المصري والسوري، السبب أساساً لنظرية الفسخ. ولكن هذا الأساس غير صحيح أيضاً، وذلك لأن اعتبار السبب أساساً لنظرية الفسخ يتعارض مع السلطة التقديرية التي يمنحها القانون للقاضي في نطاق الفسخ. أضف إلى ذلك أن السبب  ركن من أركان العقد، ومن ثم يجب أن يتوافر عند انعقاد العقد، وجزاء تخلفه هو البطلان. ومن المعروف أن العقد الباطل غير منعقد، فهو والمعدوم سواء. في حين أنه في حالة الفسخ، ينعقد العقد صحيحاً، ولكن اختل تنفيذه بسبب امتناع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه الناجم عن خطئه. ولا تتفق نظرية اعتبار السبب أساساً للفسخ مع أحكام الفسخ، إذ يحق للدائن فقط أن يطالب بالفسخ، في حين أنه في العقد الباطل يحق لكل ذي مصلحة أن يطالب بالبطلان، إضافة إلى أن الدائن له الخيار، إذا امتنع المدين عن تنفيذ التزامه بتقصير منه، بين المطالبة بفسخ العقد وبين المطالبة بتنفيذه. ونتيجة لهذه الانتقادات يقترح قسم آخر من الفقهاء فكرة الارتباط بين الالتزامات المتقابلة أساساً لنظرية الفسخ. ويبدو أن هذه الفكرة هي الأكثر انسجاماً مع طبيعة الفسخ.

ج ـ مجال تطبيق الفسخ: يطبق الفسخ في نطاق العقود الملزمة للجانبين وفقاً لما جاء في المادة (158/1) مدني. وهذا أمر منطقي، لأن فكرة الارتباط بين الالتزامات تتوافر في هذا النوع من العقود. ونص هذه المادة جاء مطلقاً، فإن الفسخ يطبق على جميع العقود الملزمة للجانبين بما فيها العقود الاحتمالية، كعقد الإيراد المرتب مدى الحياة، وهذا ما أكدته المادة (712) مدني. ويطبق الفسخ أيضاً على الهبة بعوض، لأن العقد في مثل هذه الحال يكون ملزماً للجانبين، وفقاً لما نصت عليه المادة (465) مدني. وتجدر الإشارة إلى أنه إذا كان العوض مشترطاً لمصلحة أجنبي، فلا يحق له عند عدم تنفيذه طلب فسخ العقد، لأنه ليس طرفاً فيه، وإنما يحق للواهب فقط أن يطلب فسخ العقد في مثل هذه الحالة.

ويطبق الفسخ أيضاً على عقد القسمة وعقد الصلح والعقود الملزمة للجانبين المستمرة، كعقد الإيجار وعقد التأمين. وكذلك يطبق الفسخ على العقود الملزمة للجانبين التامة والناقصة.

ويستثنى من نطاق الفسخ العقود الملزمة لجانب واحد، كالوديعة والهبة بغير عوض. وكذلك البيوع القضائية التي تتم بالمزاد العلني.

د ـ شروط الفسخ: لا يمكن للدائن أن يطلب فسخ العقد إلا إذا توافرت الشروط الآتية:

(1)ـ أن يكون العقد ملزماً للجانبين: وقد سبقت الإشارة إلى ذلك. ولكن ثار الخلاف بين الفقهاء حول طبيعة بعض العقود، مثل العارية والرهن الحيازي والقرض. فبعضهم يرى أنها عقود ملزمة لجانب واحد فلا لا تخضع للفسخ، وبعضهم الآخر يقر بأنها عقود ملزمة للجانبين ومن ثم فإن الفسخ جائز فيها.

(2)ـ عدم وفاء أحد المتعاقدين بالتزامه العقدي: ويقصد بذلك عدم تنفيذ الالتزام، ويمكن أن يكون عدم التنفيذ كلياً، كما يمكن أن يكون جزئياً. ويأخذ التأخير في تنفيذ الالتزام حكم عدم التنفيذ.

> عدم التنفيذ الكلي: لا يثير الأمر أي صعوبة إذا كان عدم التنفيذ كلياً، إذ يتوجب على القاضي في مثل هذه الحال أن يحكم بالفسخ بشرط أن يطلبه الدائن، وأن يكون التنفيذ العيني مستحيلاً، أو لم يعد للدائن فائدة فيه.

> عدم التنفيذ الجزئي: يرى بعض الفقهاء الفرنسيين أنه لا يمكن الحكم بالفسخ إلا إذا كان عدم التنفيذ متعلقاً بالتزام رئيسي. ويقترح قسم آخر منهم توسيع نطاق تطبيق الفسخ، ومن أجل ذلك يميز هؤلاء الفقهاء بين ثلاثة أنواع للفسخ بسبب عدم التنفيذ وهي:

ـ النوع الأول، ويقوم على فكرة التوازن: يرى هؤلاء الفقهاء أن الرابطة التي توجد بين الالتزامات الرئيسة في العقود الملزمة للجانبين تتطلب توافر نوع من التوازن، وإذا اختل هذا التوازن ولو اختلالاً يسيراً أياً كان سببه، فيؤدي هذا الاختلال إلى فسخ العقد الذي يعد في مثل هذه الحال مزيجاً من الواقع والقانون.

ـ النوع الثاني، ويحمي الغايات العملية المحددة التي أراد الأطراف تحقيقها من وراء عملية التعاقد. وتعد هذه الغايات محلاً لالتزامات ثانوية بحيث يمكن أن يؤدي عدم تنفيذها إلى فسخ العقد، والفسخ هنا أيضاً مزيج من الواقع والقانون.

ـ النوع الثالث، ويسوغه الإخلال بالالتزام المتعلق بحسن النية، والفسخ هنا يعد جزاءً.

أما القضاء الفرنسي فهو مرن جداً في هذه الناحية، إذ لا يستلزم عدم التنفيذ الكلي من أجل أن يحكم بالفسخ. وإنما يمكن فسخ العقد في حالة عدم التنفيذ الجزئي أيضاً. وهذا الأمر يدخل في السلطة التقديرية للقاضي، فإذا كان عدم التنفيذ الجزئي ذا أهمية يمكن للقاضي أن يحكم بفسخ العقد كله أو بعضه إذا كان الالتزام يقبل التجزئة. ويعد التنفيذ المعيب في حكم عدم التنفيذ الجزئي.

وتشترط الفقرة الأولى من المادة (158) مدني (157/1 مدني مصري) ألا يكون عدم التنفيذ الجزئي قليل الأهمية، فإذا كان الجزء الذي لم ينفذه قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته فعلى القاضي أن يرفض الفسخ. ويترتب على ذلك أن عدم التنفيذ الجزئي للعقد يعد تنفيذاً معيباً ويعطي الحق بالمطالبة بالفسخ في ضوء الجزء المتبقي منه (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 1128/أساس 1328، تاريخ 28/9/1997).

> التأخير في التنفيذ: يمكن أن يؤدي التأخير في تنفيذ الالتزام الكلي أو الجزئي في القانون المدني السوري، وكذلك المصري والفرنسي، إلى فسخ العقد بناءً على طلب الدائن. وهذا الأمر أيضاً يدخل في السلطة التقديرية للقاضي. ويشترط من أجل الحكم بفسخ العقد بسبب التأخير في التنفيذ، أن يترتب على ذلك التأخير نتائج جسيمة للدائن. وهذا ما قررته الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية في قرار صادر عنها بشأن عقد البيع مقابل إيراد مرتب مدى الحياة (قرار رقم 7/81 أساس 79/80، تاريخ 9/3/1981).

وهذا ما ذهبت إليه أيضاً محكمة النقض الفرنسية، حين قررت أن التأخير في دفع المرتبات للدائن في عقد البيع مقابل إيراد مدى الحياة، ولاسيما أنه طاعن في السن ومصاب بالسرطان، هو ذو أهمية خاصة من شأنه أن يؤدي إلى فسخ العقد (نقض فرنسي، الغرفة المدنية الثالثة، 27/11/1991).

ويستخلص من ذلك أن التأخير البسيط في تنفيذ العقد لا يؤدي إلى فسخه، باستثناء ما إذا كان العقد ينص على احترام المدة تحت طائلة الفسخ، أو إذا دلت ظروف الواقعة على أن الأطراف أعطوا أهمية خاصة للدقة في تنفيذ الالتزامات في أوقاتها المحددة. ومن حق الدائن، في حال نكول المدين عن تنفيذ التزامه في الوقت المحدد، أن يعد نفسه في حل من العقد الذي لم يعد له فائدة في تنفيذه، فيطلب من القضاء الحكم بفسخ العقد. وإظهار المدين استعداده بعد ذلك لتنفيذ العقد، من أجل أن يتوقى الفسخ، لا يغير من الأمر شـيئاً. وفي نهاية المطاف الأمر متروك للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع. (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار رقم 620/ أساس 622، تاريخ 13/12/1962).

(3)ـ أن يكون عدم التنفيذ ناجماً عن خطأ المدين: يقتصر تطبيق الفسخ، في القانون المدني السوري وكذلك المصري، على الحالة التي يكون فيها عدم تنفيذ الالتزام، في العقود الملزمة للجانبين، ناجماً عن خطأ أحد المتعاقدين، وهذا ما يستفاد من نص المادة (158) مدني. فإذا كان عدم التنفيذ ناجماً عن سبب أجنبي لا يد للمدين فيه، لا يطبق الفسخ في مثل هذه الحال، وإنما يعد العقد مفسوخاً بحكم القانون وفقاً لما ذهبت إليه المادة (160) مدني، وهذا ما يسمى بالانفساخ. وتؤدي استحالة تنفيذ الالتزام بسبب أجنبي، كالقوة القاهرة، إلى انقضاء الالتزام، ويترتب على ذلك انقضاء الالتزام المقابل استناداً إلى أحكام نظرية المخاطر، أو نظرية تحمل التبعة. وبالمقابل فإن التقنين المدني الفرنسي لا يفرق بين فسخ العقد وانفساخه، وإنما يؤكد فقط فسخ العقد، وذلك في المادة (1184) منه. وهذا الأمر وضع القضاء في حيرة وتردد. وترتب على ذلك أن القضاء الفرنسي يخلط غالباً بين الفسخ بسبب عدم تنفيذ الالتزام وبين نظرية المخاطر، إذ يقيم القضاء هذه النظرية غالباً على أساس المادة (1184) نفسها، لأن أحكام هذه المادة يمكن، وفقاً لهذا القضاء، إثارتها أياً كان سبب عدم تنفيذ المدين لالتزاماته، حتى لو كان هذا السبب استحالة مطلقة ناجمة عن قوة قاهرة أو عن فعل الغير.

لذلك يرى القضاء الفرنسي ضرورة رفع دعوى أمام القضاء من أجل الحصول على حكم بفسخ العقد بسبب استحالة تنفيذ أحد المتعاقدين لالتزاماته الناجمة عن قوة قاهرة (نقض فرتسي، الغرفة المدنية الأولى، 2/6/1982).

ومع ذلك فإن الغرف المدنية في محكمة النقض الفرنسية لم تستقر على مبدأ عام في هذه المسألة، إذ ترى الغرفة التجارية أنه عندما يستحيل تنفيذ العقد بسبب قوة قاهرة فليس هناك ضرورة لرفع دعوى أمام القضاء للمطالبة بفسخ العقد، لأن العقد يعد في مثل هذه الحالة مفسوخاً بحكم القانون (نقض فرنسي، الغرفة التجارية، 28/4/1982).

وقد انتقدت غالبية الفقه الفرنسي المزج بين فسخ العقد بسبب عدم التنفيذ ونظرية المخاطر على أساس المادة (1184).

(4)ـ إعذار المدين: لا يجوز للدائن، في العقود الملزمة للجانبين، أن يطالب بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه إلا بعد أن يقوم بإعذاره، وهذا ما نصت عليه المادة (158) مدني صراحة، وكذلك المادة (157) مدني مصري. وبالمقابل سكتت المادة (1184) مدني فرنسي عن ذلك، ولم تنص صراحة على أنه يتوجب على الدائن في مثل هذه الحال إعذار المدين. وقد انقسم الفقه الفرنسي بشأن هذه المسألة بين معارض ومؤيد.

وتجدر الإشارة إلى أن دعوى الفسخ تقوم مقام الإعذار، ولكن تبدو الفائدة من الإعذار السابق على رفع الدعوى في أنه يجعل القاضي أسرع استجابة إلى طلب الفسخ ومن ثم قبول الدعوى من ناحية، ومن ناحية أخرى يجعل القاضي أقرب إلى الحكم على المدين بالتعويض إضافة إلى الحكم بفسخ العقد (نقض مدني سوري، قرار رقم 1940 أساس 1234، تاريخ 20/12/1976).

وإذا سكت الدائن عن مطالبة المدين بعد حلول أجل التنفيذ، فإن ذلك السكوت يدل على التسامح، فلا يجوز للدائن مطالبة المدين بالتعويض عن تأخيره في تنفيذ التزامه ما دام لم يعذر المدين بذلك. ولكن المطالبة القضائية تقوم مقام الإعذار، ومن ثم يحق للدائن أن يطالب المدين بالتعويض عن الضرر الذي لحق به نتيجة تأخر المدين في تنفيذ التزامه اعتباراً من تاريخ المطالبة القضائية (نقض سوري، قرار رقم 197،/ تاريخ 20/2/1980، سجلات محكمة النقض).

(5)ـ استعداد الدائن للقيام بتنفيذ التزامه: يشترط في الدائن الذي يطلب فسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه أن يكون قد نفذ التزامه، أو أن يكون على الأقل مستعداً لتنفيذ التزامه، فيما لو أراد المدين تنفيذ التزامه. أما إذا قصر الدائن في تنفيذ التزامه أو تأخر في ذلك، فلا يحق له أن يطالب بفسخ العقد (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 988/أساس 924، تاريخ 24/9/1995).

ففي عقد البيع، إذا امتنع المشتري عن دفع الثمن أو إذا تأخر بدفع الثمن في الموعد المتفق عليه، لا يحق له بعد ذلك أن يطالب بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ البائع التزامه بالتسليم. ويسمح القانون للبائع أن يمتنع في مثل هذه الحالة عن تنفيذ التزامه بتسليم المبيع استناداً إلى قاعدة الدفع بعدم التنفيذ التي تضفي على امتناع البائع هنا طابعاً مشروعاً.

(6)ـ إمكانية إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد: أهم أثر من آثار الفسخ هو إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، ومن ثم لا يمكن للدائن أن يطالب بالفسخ، بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه، إذا لم يكن قادراً على إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، ففي عقد البيع مثلاً لا يحق للمشتري أن يرفع دعوى الفسخ إذا سبق له أن تسلم المبيع كله أو جزءاً منه، وكان غير قادر على إعادة ما تسلمه للبائع، كأن يكون قد تصرف بالشيء أو أن الشيء هلك في يده. ويقتصر حق المشتري في هذه الحالة على المطالبة بالتنفيذ العيني إذا كان ما يزال ممكناً وفيه فائدة له، أو أن يطالب بالتنفيذ بمقابل، أي بطريق التعويض.

ج ـ أحكام الفسخ: يتبين من نص المادة (158) مدني، وكذلك المادة (157) مدني مصري والمادة (1148) مدني فرنسي، أن الفسخ قضائي من حيث المبدأ؛ ومعنى ذلك أنه لا يمكن للدائن أن يتحلل من التزامه ويفسخ العقد بإرادته المنفردة، عندما يمتنع المدين عن تنفيذ التزامه المتقابل، وإنما يجب عليه أن يرفع دعوى أمام القضاء ويطالب بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين لالتزامه. ومن ثم لا بد من صدور حكم قضائي بالفسخ، وهذا ما يميز الفسخ بسبب عدم تنفيذ الالتزام من انفساخ العقد الذي يكون بحكم القانون.

ويتبين أيضاً من أحكام تلك المواد أن المشرع منح الدائن خياراً وأعطى للقاضي سلطة تقديرية في الحكم بفسخ العقد، ويمكن للمدين أن يتوقى الفسخ في كل لحظة.

(1)ـ خيار الدائن: يتبين من نص الفقرة الأولى من المادة (158) مدني أن الدائن له الخيار بين التنفيذ وبين الفسخ. ويلاحظ أن هذه الفقرة لم تحدد نوع التنفيذ، وإنما جاء النص مطلقاً، فهو يشمل التنفيذ العيني أو التنفيذ بطريق التعويض. ولكن التنفيذ بطريق التعويض، أي المسؤولية العقدية، يخضع لأحكام المادة (216) مدني.

> التنفيذ العيني: يجوز للدائن أن يتمسك بالتنفيذ العيني إذا كان ما زال ممكناً وفيه فائدة له، فيطلب من القاضي إجبار المدين على التنفيذ العيني. (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 2000/أساس 2602، تاريخ 21/12/1997). وإذا طالب الدائن بالتنفيذ العيني لا يجوز للقاضي أن يحكم بفسخ العقد. ولا يعني تمسك الدائن بالتنفيذ العيني في البداية تنازله عن حقه في طلب الفسخ، وإنما يجوز له أن يعدل عن طلب التنفيذ، قبل الحكم بالدعوى، إلى طلب الفسخ. ويحق للدائن أن يعدل عن هذا الطلب أول مرة أمام محكمة الاستئناف، (نقض مدني سوري، قرار 121، تاريخ 20/2/1971، ونقض مدني سوري، قرار 305/ أساس 227، تاريخ 19/10/1978، ونقض مدني سوري، قرار 155/ أساس 16، تاريخ 15/2/1961، ونقض مدني سوري، قرار 305/ أساس 115، تاريخ 2/6/1962، ونقض مدني سوري، قرار 1211/ أساس 1728، تاريخ 20/12/1971 سجلات محكمة النقض 1971. وقرار الغرفة المدنية الثانية رقم 565/أساس 6751، تاريخ 18/3/1992، سجلات محكمة النقض 1992) وذلك لأن العدول عن طلب التنفيذ العيني إلى طلب الفسخ لا يدخل ضمن مفهوم الطلبات الجديدة. (نفض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 498/أساس 392، تاريخ 1996).

ولكن لا يجوز للدائن أن يجمع في طلب واحد بين التنفيذ العيني وبين فسخ العقد بسبب عدم التنفيذ. ويمكن للدائن أن يطالب إضافة إلى التنفيذ العيني الجبري، بالحكم على المدين بالتعويض عن الضرر الذي أصابه نتيجة إخلال المدين بالتزامه. (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 2173، تاريخ 13/11/1954).

> فسخ العقد: إذا كانت مصلحة الدائن تقتضي التمسك بفسخ العقد بسبب عدم تنفيذ المدين التزامه، فيحق له طلب الفسخ بداية. ويطلب الدائن الفسخ إذا أصبح التنفيذ العيني مستحيلاً بخطأ من المدين، أو إذا أصبح التنفيذ العيني غير ذي فائدة له. ويمكن للدائن أن يعدل عن طلب الفسخ إلى طلب التنفيذ العيني (نقض مدني سوري، قرار 146/ أساس 595، تاريخ 5/3/1973). ولكن لا يحق للدائن العدول عن الفسخ إلى طلب التنفيذ العيني عن طريق الطعن. (قرار 844/ أساس 875، تاريخ 30/9/1975).

ويثور السؤال حول إمكانية تنازل الدائن مسبقاً عن الخيار الممنوح له بموجب نص القانون.

في الواقع سكتت المادة (158) مدني، وكذلك المادة (157) مدني مصري والمادة (1184) مدني فرنسي، عن هذه المسألة. وقد اختلف الفقه الفرنسي حول ذلك، إذ ذهب بعض الفقهاء إلى إمكانية قبول هذا التنازل المسبق، لأن المادة (1184) ليست من النظام العام، وإنما هي من القواعد التكميلية. لذلك يستطيع المتعاقدان أن يشترطا في العقد أنه في حال امتناع أحدهما عن تنفيذ التزامه لا يحق للآخر سوى المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري.

في حين أن قسماً آخر منهم يرى أن التنازل المسبق عن الفسخ هو أمر مرفوض، لأنه سيشكل خرقاً للاتفاق في وظيفته التبادلية. أما في القانونين السوري والمصري، يبدو أن الفقه يقبل فكرة التنازل المسبق عن طلب الفسخ. والرأي الراجح هو عدم جواز التنازل المسبق عن الحق في الفسخ، للأسباب التالية:

< يعد التنازل المسبق عن الحق في الفسخ خرقاً للوظيفة التبادلية للعقد، وكذلك لمبدأي العدالة وحسن النية في تطبيق الالتزامات التعاقدية. كيف يمكن تصور طلب متعاقد، لم ينفذ التزامه من المتعاقد الآخر، الذي تنازل مسبقاً عن حقه في فسخ العقد، تنفيذ التزامه المتقابل. ولا يجوز لمن تنازل عن حقه في طلب الفسخ، في مثل هذه الحال، إلا طلب التنفيذ العيني. ولكن إذا كان ذلك مستحيلاً أو ليس له فيه فائدة، فلا يجوز له سوى طلب التنفيذ بطريق التعويض، وإذا كان المدين معسراً فلن يتمكن من الحصول على حقه.

< يمارس القاضي في القانون السوري، وكذلك في القانونين المصري والفرنسي، رقابة مسبقة على الحق في فسخ العقد. وكذلك خوله القانون رقابة على تنفيذ العقد، فلا يجوز للمتعاقدين سلب هذا الحق من القاضي.

< يخل التنازل المسبق عن طلب الفسخ بالقوة الملزمة للعقد، لأنه يحرم الدائن من ضمانة جوهرية لهذه القوة الملزمة؛ وهي فسخ العقد.

< لا يثبت الحق في الفسخ للدائن إلا عندما يمتنع المدين عن تنفيذ التزامه، ومن ثم لا يحق له أن يتنازل عن حق لم يثبت له بعد. وإنما يجوز له أن يتنازل عنه بعد ثبوته، أي يمكن للدائن أن يتنازل عن حق الفسخ بصورة لاحقة لعدم تنفيذ المدين لالتزامه.

ويمكن للدائن أن يطلب، إضافة إلى فسخ العقد، التعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء ذلك. والتعويض في مثل هذه الحال لا يكون على أساس المسؤولية العقدية، لأن الفسخ يؤدي إلى زوال العقد، وإنما يكون على أساس المسؤولية التقصيرية وفقاً لأحكام المادة (164) مدني.

(2)ـ السلطة التقديرية للقاضي: يستخلص من نص الفقرة الثانية من المادة (158) مدني أن المشرع أعطى للقاضي رقابة مسبقة على طلب فسخ العقد. والأمر هنا جوازي، إذ يمكن للقاضي أن يحكم بالفسخ، أو بالتنفيذ العيني، مع التعويض في الحالتين، إذا كان له مقتضى، ويمكنه أيضاً أن يمنح المدين أجلاً.

> الحكم بالفسخ: ويتوقف الحكم بالفسخ على درجة أهمية عدم التنفيذ وعلى سوء نية المدين.

فإذا كان عدم التنفيذ كلياً، وأصر المدين على امتناعه عن تنفيذ التزامه، فيمكن للقاضي أن يحكم بفسخ العقد بناءً على طلب الدائن. وكذلك يحكم القاضي بالفسخ، بناءً على طلب الدائن، إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه في الوقت المتفق عليه في العقد، ومن ثم لم يعد للدائن فائدة في التنفيذ العيني بعد فوات ميعاده. ومثال ذلك إذا اتفق صاحب دار نشر، يشارك في معرض الكتاب الذي يقام سنوياً في دمشق، مع مهندس ديكور على أن يقوم بتجهيز الجناح المخصص له في المعرض، فإذا تأخر المهندس في تنفيذ التزامه، وفات موعد المعرض، لم يعد لصاحب دار النشر أي فائدة في التنفيذ العيني، ومن ثم إذا طلب من القاضي فسخ العقد، يجب على القاضي في مثل هذه الحال أن يحكم بالفسخ.

وتجدر الإشارة إلى أن المادة (109) من قانون تنظيم العلاقات الزراعية لعام 2004 أجازت لصاحب العمل طلب فسخ عقد المزارعة قبل انتهاء مدته الأصلية في حالات معينة. ولكن لم تعط هذه المادة القاضي أي سلطة تقديرية بشأن الحكم بفسخ العقد في مثل تلك الحالات.

> رفض الفسخ: ويجوز للقاضي أن يرفض الفسخ، ويكون ذلك خاصة في حال كون الجزء الذي لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى الالتزام في جملته. ففي عقد البيع، إذا امتنع المشتري عن دفع رصيد الثمن، وطلب البائع فسخ العقد، فإذا تبين للقاضي أن المتبقي من الثمن قليل الأهمية بالنسبة للثمن المدفوع فعليه أن يرفض الفسخ، ويحكم على المدين بالتنفيذ العيني الجبري. ويمكن للقاضي أن يرفض الفسخ، إذا كان المدين قد نفذ جميع التزاماته الجوهرية، ولكنه تقاعس عن تنفيذ التزام ثانوي. ويمكن للقاضي أيضاً أن يحكم برفض الفسخ إذا تبين له أن عدم تنفيذ المدين لالتزامه ناجم عن خطأ مشترك بين الدائن والمدين، ففي عقد البيع إذا قصر المشتري بواجب التعاون مع المدين على تنفيذ التزاماته، وخاصة في البيوع العقارية وبيوع السيارات التي تحتاج إلى إتمام إجراءات معينة تتطلب التعاون بين الطرفين، مما أدى إلى عدم تنفيذ المدين لالتزاماته، فيمكن للقاضي هنا أن يرفض طلب المشتري فسخ العقد، وخاصة إذا أظهر البائع استعداده لتنفيذ التزاماته.

وسلطة القاضي التقديرية في رفض الفسخ أو الحكم به من الأمور الموضوعية التي لا تخضع لرقابة محكمة النقض بشرط أن يكون حكمه في ذلك قائماً على أسباب سليمة تبرره (نقض مدني سوري، قرار 23/ أساس 363، تاريخ 19/1/1976).

> منح المدين أجلاً "نظرة الميسرة": إذا رفض القاضي طلب الفسخ، فيمكنه أن يمنح المدين أجلاً ليقوم بتنفيذ التزامه. ومنح الأجل بموجب المادة (158) مدني أمر جوازي يدخل في السلطة التقديرية للقاضي، ولا يعد حقاً للمدين. ولا يمنع إعذار الدائن للمدين قبل رفع دعوى الفسخ القاضي من منح المدين الأجل المنصوص عليه في المادة المذكورة أعلاه. وإذا أقر القاضي منح المدين مهلة، فيجب على هذا الأخير أن ينفذ التزامه خلال تلك المهلة، ويعد العقد مفسوخاً من تلقاء ذاته بعد انقضاء المهلة، حتى لو لم يشر القاضي في قراره إلى ذلك، إذا لم يفِ المدين بالتزامه خلال تلك المهلة (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 185/أساس 2936، تاريخ 19/2/1992. وقرار 1752/أساس 2827، تاريخ 4/12/2000). ويستخلص من ذلك أنه لا يجوز للقاضي أن يمنح المدين مهلة، طبقاً لأحكام المادة 158 مدني، إلا مرة واحدة.

وبالمقابل فإن المادة (344/2) مدني تنص على أنه: "… يجوز للقاضي في حالات استثنائية، إذا لم يمنعه نص في القانون، أن يمهل المدين إلى أجل معقول، أو آجال ينفذ فيها التزامه، إذا استدعت حالته ذلك ولم يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر جسيم". وهذا الأجل يكون في دعوى التنفيذ. في حين أن المهلة التي يمنحها القاضي للمدين بموجب المادة (158 مدني) تكون في دعوى الفسخ. لذلك يرى عميد الفقهاء السنهوري أنه يجوز إعطاء مهلة ثانية للمدين إذا كانت المهلة الأولى أعطيت له في إطار دعوى الفسخ. ويشترط لمنح الأجل في دعوى التنفيذ عدم وجود نص قانوني يمنع ذلك، وعدم إلحاق ضرر جسيم بالدائن.

أما في المواد التجارية فلا يحق للقاضي أن يمنح المدين أجلاً إلا في ظروف استثنائية للغاية، وفقاً لما نصت عليه المادة (113/1) من قانون التجارة السوري الجديد لعام 2007.

(3)ـ خيار المدين: في الواقع لا تنص المادة (158) مدني على منح هذا الخيار للمدين. ولكن الفقه والقضاء مستقران على أنه إذا طلب الدائن فسخ العقد ورفع دعوى بذلك، يستطيع المدين أن يتوقى الفسخ إذا قام بتنفيذ التزامه قبل صدور حكم نهائي في الدعوى. وحق المدين بتوقي الفسخ منوط بعدم إلحاق ضرر كبير بالدائن. (وهذا ما ذهبت إليه الهيئة العامة لمحكمة النقض السورية في قرارها رقم 7 / أساس 79، تاريخ 9/3/1981، وفي المعنى ذاته قرار الغرفة المدنية رقم 1082/أساس 3979، تاريخ 5/4/1994، وانظر أيضاً نقض مدني سوري، قرار 587/ أساس 2912/80، تاريخ 29/3/1981).

وإذا ثبت أن توقي المدين للفسخ يلحق ضرراً كبيراً بالدائن فعلى القاضي أن يرفض عرض المدين بتنفيذ التزامه في أثناء سريان الدعوى (نقض مدني سوري، قرار 798/ أساس 571، تاريخ 28/4/1981). ويمكن للمدين أن يتوقى الفسخ أول مرة أمام محكمة الاستئناف، لأن التنفيذ العيني هو الأصل والفسخ هو الاستثناء، ومن ثم يجب دائماً إيثار التنفيذ العيني على الفسخ إذا لم يترتب على ذلك ضرر كبير للدائن. (نقض مدني سوري، قرار 1986/ أساس 186، تاريخ 6/12/1979، سجلات محكمة النقض).

ولا يتوقف حق المدين في توقي الفسخ على حسن نيته، فلا يفرق القضاء بين المدين حسن النية والمدين سيئ النية في مثل هذه الحال. ولكن يمكن للقاضي أن يحكم على المدين سيئ النية بالتعويض عن الضرر الذي لحق بالدائن نتيجة التأخير في تنفيذ التزامه. واستثناءً من ذلك تنص المادة (113/2) من قانون التجارة السوري الجديد لعام 2007، والنافذ اعتباراً من 1/4/2008، على أنه لا يقبل من المدين تنفيذ الالتزام بعد مطالبة الدائن بالفسخ ما دام الدائن متمسكاً بطلب الفسخ.

د ـ آثار الفسخ: تنص المادة (161) مدني على أنه "إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض".

يتبين من ذلك أن الفسخ يؤدي إلى انحلال العقد بأثر رجعي. وهذا النص جاء مطلقاً، ومن ثم فهو يطبق على جميع أنواع الفسخ، وهي الفسخ القانوني والاتفاقي والقضائي (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 1197/أساس 1825، تاريخ 15/10/1995). والحكم بالفسخ ينتج أثره لا بين المتعاقدين فقط، وإنما تجاه الغير أيضاً.

(1)ـ أثر الفسخ بين المتعاقدين: يترتب على الحكم بالفسخ انحلال العقد، ومن ثم إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، وهذا هو الأثر الرجعي للفسخ. فإذا كان المشتري مستأجراً للعقار قبل عقد البيع، وتقرر بعد ذلك فسخ عقد البيع، يعود عقد الإيجار إلى الوجود، لأن عقد البيع لا يمكن أن يحل محل عقد الإيجار ويلغيه (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 297/أساس 559، وقرار 301/أساس 793، تاريخ 14/3/1999). ولكن إعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل التعاقد قد تتطلب مراعاة الارتفاع في الأسعار والانخفاض في قيمة الليرة السورية، وإذا لم تلحظ المحكمة ذلك في قرارها، يكون قرراها مشوباً بالغموض ويستوجب النقض (نقض مدني، الغرفة المدنية الثانية، قرار رقم 2326/أساس 4070، تاريخ 27/9/1993). وتطبيق هذا الأثر لا يثير أي مشكلة إذا حكم القاضي بفسخه، ولم يكن المتعاقدان قد نفذا التزاماتهما، فيحتفظ البائع بالمبيع، والمشتري بالثمن. أما إذا تم تنفيذ العقد فيسترد كل متعاقد ما أعطاه للمتعاقد الآخر. فيقوم المشتري مثلاً برد المبيع إلى البائع، ويقوم البائع برد الثمن الذي قبضه إلى المشتري. وهنا يلتزم المشتري برد المبيع مع ثمراته، ويلتزم البائع برد الثمن مع فوائده القانونية، وذلك اعتباراً من وقت المطالبة القضائية، تطبيقاً لمبدأ دفع غير المستحق.

أما إذا تعذر على المشتري أن يرد المبيع إلى البائع، كأن يكون قد استهلكه، فيحكم القاضي عليه بالتعويض في مثل هذه الحال. ويستثنى من نطاق الأثر الرجعي للفسخ العقود المستمرة أو الزمنية، كعقد الإيجار وعقد العمل وعقد الشركة. فالفسخ لا ينتج أثره في هذه العقود إلا في المستقبل وتبقى آثار العقد قائمة في الماضي، لذلك يطلق بعض الفقهاء على فسخ العقود المستمرة، اصطلاح إنهاء العقد La résiliation. وهذا ما أكدته المادة (114) من قانون التجارة السوري لعام 2007، والتي جاء فيها "أن عدم تنفيذ أحد الالتزامات في العقود ذات التنفيذ المتتابع أو المستمر يخول الطرف الذي وفى بالتزامه، طلب فسخ العقد فيما يختص بجميع الالتزامات التي لم تنفذ. ولا يحول ذلك دون حقه في المطالبة بالتعويض".

(2)ـ أثر الفسخ في الغير: يطبق الفسخ، من حيث المبدأ، بأثر رجعي على الغير أيضاً. ففي عقد البيع مثلاً إذا تصرف المشتري بالمبيع إلى شخص ثالث، بموجب عقد بيع مثلاً، فإن فسخ عقد البيع الأول يؤدي إلى فسخ عقد البيع الثاني أيضاً، ومن ثم يسترد البائع الأصلي المبيع ويسترد المشتري الأول الثمن، ويعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد. ويهدد الأثر الرجعي للفسخ في مثل هذه الحال استقرار المعاملات. واستناداً إلى ذلك لا يطبق الأثر الرجعي للفسخ على الغير في حالات معينة، وهي:

> في المنقولات: تقضي المادة (927/1) مدني على أنه "من حاز بسبب صحيح منقولاً أو حقاً عينياً على منقول أو سند لحامله فإنه يصبح مالكاً إذا كان حسن النية وقت حيازته". ويستخلص من ذلك أنه إذا كان الغير حسن النية فلا تسري عليه آثار فسخ عقد البيع إذا كان المبيع منقولاً، ويعد الغير مالكاً له استناداً إلى القاعدة القائلة: "الحيازة في المنقول سند الحائز".

> في العقارات: تستلزم المادة (13) من القرار رقم /188/ المتعلق بالشهر العقاري في سورية تسجيل الدعاوى التي تهدف إلى فسخ العقد أو إلغائه أو بطلانه في  صحيفة العقار في السجل العقاري. واستناداً إلى ذلك فإن فسخ العقد لا يسري على الغير الذي اكتسب حقه على العقار المبيع قبل تسجيل دعوى فسخ عقد البيع الأصلي إذا كان حسن النية. أما إذا اكتسب الغير حقه بعد تسجيل دعوى فسخ العقد، فإن الفسخ يطبق في هذه الحال بأثر رجعي، فيسري على الغير أيضاً.

> أعمال الإدارة: تنص المادة (16) من القرار رقم /188/ المشار إليه أعلاه إلى أنه لا أثر لفسخ العقد في أعمال الإدارة التي أجراها أحد المتعاقدين على العقار، بشرط أن تتم الأعمال بحسن نية. ففي عقد البيع العقاري إذا أجر المشتري العقار، ثم بعد ذلك حكم بفسخ العقد فلا أثر لهذا الفسخ في عقد الإيجار بشرط أن يكون المشتري حسن النية.

> إفلاس المشتري: فرق القانون التجاري السوري رقم /33/ تاريخ 9/12/2007، والنافذ اعتباراً من ا/4/2008، بين فرضيتين، حسب ما إذا تم تسليم البضاعة للمشتري أم لا؛ فإذا لم يتم تسليم البضاعة، أجازت المادة (562) منه للبائع أن يمتنع عن تسليم البضاعة وغيرها من المنقولات. وأجازت المادة (565) منه لوكلاء التفليسة بعد حصولهم على ترخيص من القاضي المنتدب أن يطالبوا البائع بتسليم البضائع بعد دفع الثمن المتفق عليه. أما إذا لم يقرر وكيل التفليسة المطالبة بتسليم البضاعة، فللبائع أن يفسخ البيع بشرط أن يدفع إلى كتلة الدائنين المبلغ الذي قبضه على الحساب. أما إذا كان المشتري قد تسلم البضاعة قبل إفلاسه، فلا تسمع في مثل هذه الحال دعوى الفسخ من قبل البائع، وفقاً لما ذهبت إليه المادة (566) من القانون المذكور.

وآثار الفسخ القضائي بين المتعاقدين أو إزاء الغير هي نفسها في حالة الفسخ الاتفاقي والفسخ بإرادة منفردة أو بحكم القانون، وكذلك هي نفسها في حالة انفساخ العقد بحكم القانون.

2ـ الفسخ الاتفاقي: تنص المادة (159) مدني على أنه "يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه، وهذا الاتفاق لا يعفي من الإعذار، إلا إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه". وهذا ما يسمى في الفقه بالشرط الفاسخ الصريح.

أ ـ مفهوم الشرط الفاسخ الصريح: الشرط الفاسخ الصريح هو اتفاق الطرفين حين انعقاد العقد على اعتباره مفسوخاً إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته.  من ثم  يكون له آثار الفسخ القضائي نفسها، إلا أنه يشكل قيداً على السلطة التقديرية للقاضي إذا توافرت شروطه. وبذلك يمتاز الشرط الفاسخ الصريح من التقايل في أن التقايل هو اتفاق المتعاقدين، بعد انعقاد العقد وفي أثناء تنفيذه، على إنهاء العقد. فالتقايل عقد جديد ملزم للجانبين وينتج آثاراً هي عكس آثار العقد الأول.

ب ـ حكم الاتفاق على الفسخ: يمكن للمتعاقدين إدراج شرط في العقد يمكن من خلاله اعتبار العقد مفسوخاً إذا ما أخل أحد المتعاقدين بالتزامه، وهذا هو مضمون المادة (159) مدني. والغاية من إدراج هذا الشرط هي تقييد السلطة التقديرية للقاضي في مسائل الفسخ، ومن ثم إخراج الفسخ الاتفاقي من نطاق هذه السلطة الممنوحة للقاضي في الفسخ القضائي. لذلك فإن القضاء يتشدد في تفسير نص تلك المادة. فقد ذهبت محكمة النقض السورية إلى أن الشرط الفاسخ لا يرتب الفسخ حتماً بمجرد أن يخل أحد المتعاقدين بالتزاماته، إلا إذا كانت صيغة الـشرط صريحة الدلالة على وجوب الفسخ حتماً عند تحقق الإخلال بالالتزام (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 1129/ أساس 1401، تاريخ 9/12/1975).

ومن ثم فإن الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً حكماً عند الإخلال بالالتزامات الناشئة منه، يجب أن يكون التعبير عنه قاطعاً في الدلالة على أن المقصود هو أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه، فلا حاجة إلى حكم قضائي (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 902/ أساس 100، تاريخ 13/6/1977). وإذا تعهد المشتري في عقد البيع بدفع بقية الثمن في ميعاد محدد، وإذا لم يدفعه في ذلك الميعاد كان للبائع الحق في فسخ العقد، فإن مثل هذا الشرط لا يجرد القاضي من سلطته التقديرية وفق أحكام المادة 158 مدني (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 256/أساس 531، تاريخ 25/2/1996).

ويلاحظ أن هناك تدرجاً في الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً حكماً بمجرد الإخلال بالالتزام، فلا يختلف حكم الاتفاق باختلاف قوة الشرط وشدته. فقد يتفق المتعاقدان على أن يكون العقد مفسوخاً إذا أخل أحدهما بالتزاماته. وإذا تحقق الشرط، وهو الإخلال بالالتزامات، فإن الفقه يرى أنه لا ينزع من القاضي سلطته التقديرية، ومن ثم يستطيع أن يرفض الفسخ ويحكم بالتنفيذ العيني، كما يمكنه أن يمنح المدين أجلاً. ويمكن لهذا الأخير أن يتوقى الفسخ. وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض السورية أيضاً بصدد الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً في حال وقوع الشرط الفاسخ، وللمحكمة أن ترفض الفسخ في مثل هذه الحال إذا تبين لها أن المصلحة الراجحة تقتضي ذلك لسلطتها التقديرية المطلقة في ذلك (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 1129/ أساس 1401، تاريخ 9/12/1975، وفي المعنى ذاته: نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 1208/ أساس 1625، تاريخ 19/12/1971، سجلات محكمة النقض 1971. ونقض سوري، الغرفة المدنية قرار 448/ أساس 654، تاريخ 2/5/1972، سجلات محكمة النقض 1972).

وقد يتفق المتعاقدان على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء ذاته، ويرى الفقه أن مثل هذا الشرط ينزع من القاضي سلطته التقديرية، ومن ثم يجب عليه الحكم بالفسخ. وبالمقابل فإن هذا الشرط لا يعفي من الإعذار ولا من رفع الدعوى. ويكون الحكم في مثل هذه الحال منشئاً للفسخ لا مقرراً له. وهذا ما ذهب إليه القضاء السوري أيضاً، إذ ترى محكمة النقض السورية أن الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته الناشئة عنه لا يعفي من الإنذار إلا إذا نص على ذلك صراحة (نقض سوري، الغرفة المدنية، أساس 2819، تاريخ 21/10/1954).

وقد يتفق المتعاقدان على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء ذاته ولا حاجة إلى حكم، ومثل هذا الشرط ينزع من القاضي سلطته التقديرية، ويعفي من رفع الدعوى، ومن ثم يكون الحكم في مثل هذه الحال مقرراً للفسخ لا منشئاً له، وذلك إذا نازع أحد المتعاقدين في تطبيق الشرط الفاسخ الصريح. وبالمقابل فإن هذا الشرط لا يعفي من الإعذار. لذلك يجب على الدائن،عند تمسكه بهذا الشرط، إعذار المدين بالقيام بتنفيذ التزامه، فإذا رفض المدين ذلك على الرغم من إعذاره، يعد العقد مفسوخاً من تلقاء ذاته (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 560، تاريخ 2/4/1980). وتخضع مسألة عدم استجابة المدين للإعذار وعدم رده عليه لتقدير محكمة الموضوع. (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 696/ أساس 1061، تاريخ 29/12/1959). وفي هذا المقام أيضاً لا ضرورة للإعذار عندما يصرح المدين كتابة أنه لا يريد القيام بالتزامه. (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 1220/ أساس 2268، تاريخ 21/8/1980، ونقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 50/ أساس 195، تاريخ 29/1/1978).

وتجدر الإشارة إلى أن الخيار يبقى قائماً للدائن بين الفسخ والتنفيذ العيني، ولا أثر لمثل هذا الشرط، لأن الفسخ لا يقع بموجب هذا الشرط إلا إذا تمسك الدائن به. ومن ثم يحق للدائن أن يطالب بتنفيذ العقد في مثل هذه الحال أيضاً. (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 1217/ أساس 1519، تاريخ 21/8/1980).

وإذا تنازل الدائن عن حقه في الشرط الفاسخ الصريح صراحة أو ضمناً، لا يحق له بعد ذلك أن يتمسك به. ففي عقد البيع المنجز مثلاً إذا اتفق المتعاقدان على أن العقد يعد مفسوخاً من تلقاء ذاته ولا حاجة إلى حكم إذا أخل أحد المتعاقدين بالتزامه، فإن هذا الاتفاق لا يغني أولاً عن إعذار المدين المخل بتنفيذ التزامه. ومن ثم إذا أخل المشتري بالتزامه بدفع الثمن بتاريخ استحقاقه، ثم قبل البائع قبض مبالغ رصيد الثمن بعد ذلك وتراخى في المطالبة بالفسخ أصولاً في الأجل المحدد في العقد، فإن هذا القبول يعد تنازلاً عـن الشرط الفاسخ الصريح (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 619/ أساس 784، تاريخ 5/5/1977). وأخيراً، يمكن أن يتفق المتعاقدان على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء ذاته من دون حاجة إلى حكم قضائي أو إعذار. وهذا الاتفاق هو أقصى ما يمكن أن يصل إليه الشرط الفاسخ الصريح من شدة وقوة. وهو يسلب القاضي سلطته التقديرية في الفسخ، وكذلك يعد العقد مفسوخاً بمجرد إخلال أحد المتعاقدين بالتزامه، ولا حاجة إلى إعذار، أو إلى رفع دعوى الفسخ، ومن ثم يكون الحكم هنا أيضاً مقرراً للفسخ لا منشئاً له (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 638/أساس 542، تاريخ 30/7/1995 وقرار 1182/أساس 1657، تاريخ 28/9/1997، وقرار 1453/أساس 175، تاريخ 30/9/1998). وفي هذه الحال أيضاً يبقى خيار الدائن بين الفسخ والتنفيذ العيني قائماً، فلا يعد العقد مفسوخاً من تلقاء ذاته في حال إخلال المدين بالتزامه إلا إذا تمسك الدائن بذلك.

وإذا نازع أحد المتعاقدين في تطبيق الشرط الفاسخ الصريح، ترفع الدعوى أمام القاضي الذي يجب عليه أن يتأكد من توافر هذا الشرط، عندئذ يلتزم القاضي بالحكم بالفسخ، ويكون هذا الحكم مقرراً له لا منشئاً.

3ـ الفسخ بإرادة منفردة: القاعدة العامة في الفسخ في القانون السوري، وكذلك في القانونين المصري والفرنسي، هو أنه قضائي، أي يخضع لرقابة قضائية مسبقة. والقاضي له سلطة تقديرية في الحكم بالفسخ أو رفضه. فإذا أخل أحد المتعاقدين بالتزاماته، لا يحق للطرف الآخر أن يفسخ العقد بإرادته المنفردة، وإنما عليه أن يطلب فسخ العقد. في حين أن قوانين أخرى لا تعرف الفسخ القضائي، وإنما القاعدة العامة في الفسخ فيها هو أنه يقع بإرادة منفردة، وهي إرادة الدائن، ولكن يجب عليه قبل ذلك أن يوجه إعذاراً إلى المدين يحدد له فيه مدة معقولة لتنفيذ التزامه، فإذا رفض المدين ذلك كان باستطاعة الدائن أن يتحلل من التزامه ويفسخ العقد بإرادته المنفردة، كما هو عليه الحال في القانون المدني الألماني.

وتعتمد اتفاقية ڤيينا لعام 1980 المتعلقة ببيع البضائع الدولي الفسخ بإرادة منفردة، إذ تسمح المادة (72ـ1) من الاتفاقية لأحد المتعاقدين بفسخ العقد بإرادته المنفردة إذا أخل المتعاقد الآخر بالتزاماته الجوهرية الناشئة عن العقد. وكذلك الحال إذا صرح أحد المتعاقدين صراحة بأنه لن ينفذ التزامه الناشئ عن العقد، فقد أجازت المادة (72ـ3) من الاتفاقية المذكورة للمتعاقد الآخر أن يفسخ العقد بإرادته المنفردة.

وترد على القاعدة العامة للفسخ في القانون السوري، وكذلك في القانونين المصري والفرنسي، استثناءات عدة. وأول استثناء يرد عليها هو الشرط الفاسخ الصريح، وذلك لأن الرقابة القضائية المسبقة على الفسخ لا تعد من النظام العام.

ويمكن أيضاً استبعاد الرقابة القضائية المسبقة للقاضي على الفسخ بموجب نص قانوني أو بموجب حكم القضاء.

أ ـ نص القانون: يعطي القانون، في بعض الحالات، لأحد المتعاقدين الحق في فسخ العقد بإرادته المنفردة من دون حاجة إلى رفع دعوى أمام القضاء، وصدور حكم قضائي بالفسخ. وأهم هذه الحالات هي:

(1)ـ بيع العروض: تنص المادة (429) مدني على أنه "في بيع العروض وغيرها من المنقولات إذا اتفق على ميعاد لدفع الثمن وتسلم المبيع يكون البيع مفسوخاً من دون حاجة إلى إعذار إن لم يدفع عند حلول الميعاد وإذا اختار البائع ذلك وهذا ما لم يوجد اتفاق على غيره". واستناداً إلى ذلك يجوز للبائع فسخ العقد، في مثل هذه الحالة، بإرادته المنفردة دونما حاجة إلى إعذار إذا لم يسدد المشتري الثمن في الموعد المتفق عليه ولم يقم بستلم المبيع.

(2)ـ عقد العمل الفردي: أجاز القانون لرب العمل فسخ العقد بإرادته المنفردة في حالات معينة نصت عليها المادة (64) من قانون العمل لعام 2010، ومن هذه الحالات مثلاً إذا أخل العامل بالتزاماته الجوهرية الناشئة عن عقد العمل. وكذلك إذا وقع اعتداء من العامل على رب العمل أو على المدير المسؤول. أو إذا أفشى العامل الأسرار الخاصة بالمحل الذي يعمل فيه. وبالمقابل، أجاز القانون للعامل أيضاً فسخ العقد بإرادته المنفردة في حالات معينة نصت عليها المادة (66) من القانون المذكور. ومن هذه الحالات، إخلال رب العمل بالتزاماته الجوهرية الناشئة عن عقد العمل، أو إذا اعتدى رب العمل أو من ينوب عنه على العامل، أو إذا ارتكب رب العمل أو من ينوب عنه عملاً مخلاً بالآداب نحو العامل أو أحد أفراد أسرته. ويمارس القاضي في مثل هذه الحالات رقابة لاحقة على الفسخ، لذلك يتوجب على الدائن عندما يمارس سلطته في فسخ العقد بإرادته المنفردة أن يكون يقظاً وحذراً في الآن ذاته، لأنه إذا تبين للقاضي أن الدائن لم يكن على حق عند فسخه للعقد فإن هذا الأخير يتحمل جميع النتائج التي تنجم عن فسخ العقد.

(3)ـ عقد العمل الزراعي: أجاز القانون رقم /56/ لعام 2004 المتعلق بتنظيم العلاقات الزراعية لصاحب العمل فسخ العقد غير محدد المدة من دون إنذار العامل في حالات معينة نصت عليها المادة (69) منه، وهي مشابهة للحالات التي نصت عليها المادة (64) من قانون العمل لعام 2010. ومن جهة أخرى أجازت المادة (74) القانون ذاته للعامل الزراعي أيضاً إنهاء العقد غير محدد المدة بإرادته المنفردة من دون إنذار صاحب العمل في حالات معينة مشابهة لتلك الحالات التي نصت عليها المادة (66) من قانون العمل لعام 2010.

(4)ـ ومثال ذلك أيضاً ما ذهبت إليه المادة (2/ب) من قانون الإيجارات رقم /6/ تاريخ 15/2/2001، والذي دخل حيز التنفيذ بتاريخ 21/2/2001، والتي أجازت لمالكي العقارات المأجورة للسكن والتي تمت قبل نفاذ القانون رقم /6/، وغير المؤجرة لجهات عامة، إنهاء العلاقة الإيجارية واسترداد العقار المأجور مقابل التعويض على المستأجر بنسبة 40% من قيمة العقار المأجور شاغراً وعلى الوضع الراهن بتاريخ الكشف والخبرة عليه، وذلك بعد ثلاث سنوات من تاريخ نفاذ القانون رقم /6/، أي اعتباراً من 21/2/2004.

(5)ـ أجازت المادة (106) من قانون تنظيم العلاقات الزراعية لصاحب العمل الزراعي المالك مراجعة القضاء المختص، بعد ثلاث سنوات من تاريخ نفاذه، استرداد أرضه المتعاقد عليها من الشواغل مقابل تعويض يقدر بتاريخ الإدعاء بعد تقدير القيمة من قبل المحكمة المختصة بوساطة الخبرة وفق النسب التي حددتها. وطلب الاسترداد هنا هو بمنزلة فسخ بإرادة منفردة، ومراجعة القضاء تكون من أجل تقدير قيمة الأرض بصورة أساسية.

(6)ـ أجازت المادة (137) من قانون الطيران المدني رقم /6/ لعام 2004 لقائد الطائرة، في حالة الاضطرار، أن ينزل أي راكب منها يخل بالنظام فيها، أو يمكن أن يشكل خطراً على سلامة الطائرة أو من عليها. ولا يكون الناقل مسؤولاً عن ذلك. وإنزال الراكب في مثل هذه الحال هو فسخ بإرادة منفردة.

ب ـ القضاء: يستبعد القضاء الفرنسي التدخل المسبق للقاضي، بموجب المادة (1184) مدني فرنسي، في الحالات التي يمكن أن يسبب هذا التدخل للدائن ضرراً لا يمكن إصلاحه، ويجيز للدائن أن يفسخ العقد، في مثل هذه الحالات، بإرادته المنفـردة. ولكن يمارس القاضي رقابة لاحقة على هذا النوع من الفسخ. واستناداً إلى ذلك يجيز القضاء للدائن أن يفسخ العقد بإرادته المنفردة عندما يخل المدين بتنفيذ التزامه على نحو يجعل فسخ العقد أمراً محتماً. فيحق لصاحب المسرح مثلاً أن يطرد أحد المتفرجين الذي يخل بالنظام في صالة العرض مما يهدد عرض المسرحية بأكملها، وهذا الطرد يعدّ فسخاً بإرادة منفردة للعقد (نقض فرنسي، الغرفة الاجتماعية، 4/4/1978).

ويحق لرب العمل أن يفسخ العقد بإرادته المنفردة إذا ارتكب العامل خطأً جسيماً، ولا يتوجب عليه دفع أي تعويض (نقض فرنسي، الغرفة الاجتماعية، 18/5/1978). واستناداً إلى ذلك أجازت المحكمة لرب العمل فسخ العقد بإرادته المنفردة لأن العامل كان يدخن على الرغم من منع التدخين الصريح في مكان العمل، وكان يخزن في ذلك المكان مواد خطرة قابلة للاشتعال (نقض فرنسي، الغرفة الاجتماعية، 17/5/1979).

ويطبق الاجتهاد القضائي نظرية الفسخ بإرادة منفردة خاصة في مجال قانون التجارة، وما يسوغ هذا الاجتهاد هو السرعة التي تتطلبها التجارة من ناحية، والثقة التي يجب أن تهيمن على علاقات التجارة من ناحية أخرى.

وفي القانون السوري، وكذلك القانون المصري، تؤيد غالبية الفقه إمكانية فسخ الدائن العقد بإرادته المنفردة من دون الرجوع إلى القاضي، عندما يكون من شأن الرجوع المسبق للقاضي إحداث ضرر غير قابل للإصلاح للدائن.

ويبدو أن محكمة النقض السورية تشاطر محكمة النقض الفرنسية رأيها في مسألة السماح للدائن بفسخ العقد بإرادته المنفردة إذا أخل المدين بتنفيذ التزامه وكان من شأن ذلك إلحاق ضرر بالدائن لا يمكن تداركه. فقد أجازت هذه المحكمة للدائن فسخ العقد بإرادته المنفردة، بشرط أن يثبت بعد ذلك أمام القضاء وجود ظروف استثنائية جعلت من الفسخ أمراً محتماً (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 55، تاريخ 20/1/1964).

ثانياً ـ الانفساخ

1ـ مفهوم الانفساخ

أ ـ تعريف الانفساخ: الانفساخ La résolution de plein droit هو انحلال العقد الملزم لجانبين نتيجة استحالة تنفيذ التزام المدين بسبب أجنبي مما يؤدي إلى انقضاء التزام الدائن أيضاً وبحكم القانون. وهذا ما نصت عليه المادة (160) مدني سوري على أنه« »في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له، وينفسخ العقد من تلقاء نفسه». وهذا ما ذهبت إليه أيضاً المادة (371) مدني سوري، إذ جاء فيها أنه »ينقضي الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا يد له فيه«.

وهناك نص آخر وثيق الصلة بنص المادتين (160 و371) مدني سوري، وهو نص المادة (216) المتعلق بالمسؤولية العقدية. ويستخلص من هذه المواد أن التزام المدين لا ينقضي بسبب استحالة تنفيذه إلا إذا كانت الاستحالة تقوم على سبب أجنبي. وانقضاء التزام المدين بسبب استحالة تنفيذه القائمة على سبب أجنبي يؤدي في العقود الملزمة للجانبين إلى سقوط التزامات الدائن المقابلة، وبالتالي ينفسخ العقد بحكم القانون.

ب ـ المقارنة بين الفسخ والانفساخ: يلتقي الانفساخ بحكم القانون مع الفسخ في بعض النقاط، ويفترق عنه في نقاط أخرى.

أما الالتقاء بين الفسخ والانفساخ فيكون في الآثار، حيث يؤديان معاً إلى انحلال العقد بأثر رجعي وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد.

أما نقاط الافتراق بين الفسخ والانفساخ فتتمثل بما يأتي:

(1) ـ انفساخ العقد بحكم القانون يكون بسبب استحالة تنفيذ الالتزام الراجعة إلى سبب أجنبي، وبالتالي لا مجال للحكم بالتعويض في هذه الحال. في حين أن الفسخ يكون نتيجة عدم تنفيذ المدين لالتزامه بخطأ منه، وبالتالي إذا ألحق ذلك ضرراً بالدائن يحق له المطالبة بالتعويض لإصلاح ذلك الضرر، شريطة أن يثبت الدائن خطأ المدين المتمثل بعدم التنفيذ. ويكون التعويض في مثل هذه الحال على أساس المسؤولية التقصيرية.

(2) ـ انفساخ العقد يكون بحكم القانون، ولا جدوى من الإعذار فيه؛ وذلك لأن الغاية من الإعذار هي تنفيذ الالتزام، وبما أن هذا التنفيذ أصبح مستحيلاً في حالة انفساخ العقد فلا تتحقق الغاية من الإعذار وبالتالي فلا جدوى منه. في حين أن الإعذار واجب ـ من حيث المبدأ ـ في الفسخ، وبالتالي على الدائن إعذار المدين لتنفيذ الالتزام  قبل المطالبة بالفسخ.

(3) ـ انفساخ العقد يكون بحكم القانون، وبالتالي ليس للقاضي أي سلطة تقديرية إذا رفع الأمر له، وإنما يجب عليه أن يحكم بانفساخ العقد إذا ثبت استحالة تنفيذ الالتزام بسبب أجنبي. ويكون حكم القاضي في مثل هذه الحال كاشفاً للانفساخ لا منشئاً له. في حين أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية واسعة في الفسخ، ويكون حكمه منشئاً له لا كاشفاً.

2ـ  شروط الانفساخ

من الرجوع إلى نص المادة (160) مدني سوري يتبين أن شروط الانفساخ هي الآتية:

أ ـ أن يكون العقد ملزماً للجانبين.

ب ـ أن يصبح تنفيذ التزام المدين مستحيلاً. ويقصد بالاستحالة هنا الاستحالة المطلقة، أي الموضوعية التي تتعلق بالالتزام ذاته لا الاستحالة النسبية التي تتعلق بالمدين نفسه. وبالتالي إذا لم يثبت استحالة التنفيذ الموضوعية فلا ينقضي التزامه، وإنما يحكم عليه بالتنفيذ عن طريق التعويض وفقاً لقواعد المسؤولية العقدية المنصوص عليها في المادة (216) مدني سوري. والاستحالة المطلقة تكون راجعة لسبب أجنبي كالقوة القاهرة، أو خطأ المدين، أو فعل الغير. ولا فرق في أن تكون هذه الاستحالة مادية أو قانونية. ويعدّ سبباً أجنبياً صدور قرار من الجهة المختصة بمنع تصدير بضاعة معينة، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض السورية في قرار صادر عنها في قضية تتلخص وقائعها كما يأتي: باعت إدارة الجمارك كمية من خرطوش الصيد عن طريق المزاد العلني. بعد ذلك طلب المشتري ترخيصاً من وزارة الداخلية لتصدير تلك الكمية، ولكن الإدارة رفضت إعطاء الترخيص. وبالتالي فإن هذا المنع يعدّ سبباً أجنبياً يؤدي إلى انفساخ العقد.

ج ـ أن تكون استحالة التنفيذ ناشئة بعد انعقاد العقد: أما إذا كانت الاستحالة قائمة عند انعقاد العقد، فلا ينعقد العقد أصلاً وذلك نتيجة فقدان ركن من أركانه، وهو المحل.

د ـ أن تكون استحالة تنفيذ الالتزام كاملة. أما إذا كانت الاستحالة جزئية فإنها لا تؤدي إلى انفساخ العقد، وإنما يثبت للدائن، في رأي بعض الفقهاء، الخيار بين أن يطلب الفسخ أو التنفيذ العيني للجزء الباقي من الالتزام. وهذا الرأي يجافي الصواب وذلك لأن الفسخ لا يثبت للدائن إلا إذا كان عدم تنفيذ الالتزام بسبب خطأ من المدين، وفي مثل هذه الحال لم يرتكب المدين خطأ. في حين يرى بعضهم الآخر أنه في حالة استحالة التنفيذ الجزئية «لا يبرأ الدائن (بالالتزام غير المنفذ) من تنفيذ التزامه، وإنما يقتصر حقه على المطالبة بتخفيض التزامه  تخفيضاً يتناسب مع القدر غير المنفذ من الالتزام.. فالعقد إذاً لا ينفسخ، وإنما يعاد توازنه...».

وهذا ما أكدته محكمة النقض السورية حينما قررت أن وقوع الصقيع يعد من الحوادث الاستثنائية التي لا يمكن توقعها، وبذلك فهو يعدّ قوة قاهرة توجب تنزيل بدل إيجار الأرض الزراعية التي حل بها. ولكن إذا كانت الاستحالة الجزئية على قدر كبير من الأهمية ـ بحيث لم يعد لتنفيذ الجزء الباقي من الالتزامات فائدة للدائن ـ فيجب أن يكــون لهذه الاستحالة حكم الاستحالة الكاملة (نقض مدني، قرار رقم 1829، تاريخ 30/6/1956، مجلة القانون العام 1956، ص 501). 

3ـ  آثار الانفساخ (تبعة الهلاك)

أ ـ المبدأ: تكون تبعة الهلاك وفقاً لنص المادة (160) مدني سوري على المدين، إذ يؤدي انقضاء التزام المدين بسبب استحالة تنفيذه الراجعة إلى سبب أجنبي إلى انقضاء التزام الدائن أيضاً، وبالتالي لا يستطيع المدين أن يطالب الدائن في مثل هذه الحال بتنفيذ التزامه، وإنما يؤدي انقضاء التزام المدين إلى انفساخ العقد بحكم القانون. أما في العقود الملزمة لجانب واحد، كالوديعة بغير أجر؛ فإذا استحال تنفيذ التزام  المدين برد الوديعة، كأن تكون قد هلكت بنتيجة قوة قاهرة؛ فإن تبعة الهلاك تكون  على الدائن، وليس على المدين.

تنص المادة (405) مدني سوري على أنه: «إذا هلك المبيع قبل التسليم لسبب لا يد للبائع فيه انفسخ البيع واسترد المشتري الثمن إلا إذا كان الهلاك بعد إعذار المشتري لتسلم المبيع».

ففي عقد البيع، إذا أعذر  البائع المشتري، وطلب منه القيام بتسلم المبيع، ولكن قصّر المشتري في ذلك، ومن ثم هلك في يد البائع نتيجة القوة القاهرة، فلا يؤدي هذا الهلاك إلى انفساخ العقد، وإنما يكون الهلاك على عاتق المشتري، وبالتالي يجب عليه في مثل هذه الحال تنفيذ التزامه المقابل بدفع الثمن. ولكن ماذا لو خلف هلاك محل الالتزام وراءه شيئاً آخر؟ فهل ينفسخ العقد في مثل هذه الحال أيضاً؟ إذا تم استملاك العقار المبيع قبل تسجيل عقد البيع؛ فهل يؤدي ذلك إلى انفساخ العقد حتى لو أراد المشتري التمسك ببدل الاستملاك؟ في الواقع، القانون المدني السوري ساكت عن ذلك. ولكن استقر اجتهاد محكمة النقض السورية على أنه إذا تعذر تنفيذ العقد تنفيذاً عينياً بسبب استملاك المبيع فإن ذلك لا يحول دون حق المشتري في طلب بدل الاستملاك، وذلك لأن الاستحالة التي تؤدي إلى انفساخ العقد إنما هي الاستحالة المطلقة التي لا يمكن معها تنفيذ العقد. أما في مثل هذه الحال فإلى جانب استحالة التنفيذ العينية هناك إمكانية التنفيذ البدلي، وبالتالي فإن الاستملاك قبل تسجيل عقد البيع لا يؤدي إلى انفساخ العقد.

ب ـ تطبيقات المبدأ: نص القانون على تطبيق هذا المبدأ على عدة عقود أهمها:

(1)ـ عقد الإيجار: تنص المادة (537/1) مدني سوري على أنه: «إذا هلكت العين المؤجرة أثناء الإيجار هلاكاً كلياً، أنفسخ العقد من تلقاء نفسه».

وجاء في المادة (558/1) من القانون نفسه أنه: «على المستأجر أن يرد العين المؤجرة بالحالة التي تسلمها عليها، إلا ما يكون قد أصاب العين من هلاك أو تلف، بسبب لا يد له فيه».

يُضاف إلى ذلك أن المادة (552/1) تنص على أن: «المستأجر مسؤول عن حريق العين المؤجرة إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب لا يد له فيه».

يستخلص من هذه المواد أن الهلاك الكلي على نوعين: مادي وقانوني. ومثال الهلاك المادي حريق المنزل ودماره على نحو كامل، أو زلزال يدمر المنزل. أما الهلاك القانوني، فمثاله استملاك العقار للمنفعة العامة. ويؤدي هلاك العين المؤجرة هلاكاً كلياً إلى انفساخ عقد الإيجار بحكم القانون من وقت الهلاك، وليس بأثر رجعي. ويترتب على ذلك سقوط التزام المستأجر دفعَ الأجرة واسترداد المعجل منها، وسقوط التزام المؤجر تمكينَ المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة. وإذا أعاد المؤجر العين المؤجرة، وجددها فلا يؤدي ذلك إلى عودة حق المستأجر بالانتفاع بها. وهذا الحكم هو تطبيق للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة (160) مدني سوري.

وتهلك العين المؤجرة على حساب المؤجر إذا كان الهلاك بسبب قوة قاهرة، إلا إذا نص العقد على خلاف ذلك.

وإذا تسبب الغير بهلاك العين المؤجرة فيعد مسؤولاً عن ذلك، ويحق لكل من المؤجر والمستأجر مطالبته بالتعويض عن الضرر الذي أصاب كلاً منهما.

(2)ـ عقد المقاولة: تنص المادة (631/1) مدني سوري على أنه: «إذا هلك الشيء بسبب حادث مفاجئ قبل تسليمه لرب العمل، فليس للمقاول أن يطالب لا بثمن عمله و لا برد نفقاته، ويكون هلاك المادة على من قام بتوريدها من الطرفين». ويتبين من ذلك أن تبعة الهلاك تقع على المقاول الذي يعد مديناً بتسليم الشيء الذي التزم تصنيعه. وبالتالي ينقضي هذا الالتزام بهلاك الشيء، ويؤدي ذلك إلى انقضاء التزام رب العمل دفع الأجرة والنفقات.

(3)ـ عقد المزارعة: تنص المادة (110/2 و 3) من قانون تنظيم العلاقات الزراعية رقم 56، تاريخ 29/12/2004 على أنه:

« إذا شملت المنطقة التنظيمية بموجب قانون تنظيم وعمران المدن أرضاً زراعية يترتب عليها حقوق لمزارع بالمشاركة أو بالبدل فيعد عقد المزارعة منفسخاً بين الطرفين كلياً أو جزئياً حسب شمول التنظيم لكل أو لجزء من الأرض المزارع عليها، ويدفع للمزارع تعويض من حساب المنطقة التنظيمية قدره 2% اثنان بالمئة عن كل سنة من سنوات المزارعة على ألا تتجاوز 30% ثلاثين بالمئة من قيمة المقاسم مهما تعددت سنوات المزارعة. ويقدر هذا التعويض من قبل القضاء المختص، ويستحق المزارع الذي فسخت مزارعته نتيجة التقسيم النسبة المذكورة في مطلع هذه الفقرة.

إذا شمل الاستملاك أرضاً زراعية يترتب عليها حقوق لمزارع بالمشاركة أو بالبدل فيعد عقد المزارعة منفسخاً بين الطرفين كلياً أو جزئياً حسب شمول الاستملاك لكل أو لجزء من الأرض المزارع عليها ، وتدفع الجهة المستملكة تعويضاً للمزارع  قدره 2% اثنان بالمئة من بدل الاستملاك عن كل سنة من سنوات المزارعة على ألا تتجاوز 30% ثلاثين بالمئة من بدل الاستملاك مهما تعددت سنوات المزارعة. وفي حال تخصيص المالك عيناً بأرض بديلة من الأرض المزارع عليها فيلتحق المزارع بهذه الأرض». ويترتب على ذلك أن شمول المنطقة التنظيمية أو الاستملاك كامل الأرض المزارع عليها فيؤدي ذلك إلى انفساخ عقد المزارعة. وجاء القانون هنا بحكم خاص إذ قرر تعويضاً للمزارع يدفع من حساب المنطقة التنظيمية أو من بدل الاستملاك بحسب الحال.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد حشمت أبو ستيت، نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد، الطبعة الثانية (مطبعة مصر، القاهرة 1954).

ـ توفيق حسن فرج، النظرية العامة للالتزام ـ في مصادر الالتزام (الدار الجامعية للطباعة والنشر، بلا تاريخ).

ـ سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني ـ2ـ، في الالتزامات ـ المجلد الأول: نظرية العقد والإرادة المنفردة، (1987).

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، المجلد الأول (القاهرة، بلا تاريخ).

ـ عبد الفتاح عبد الباقي، موسوعة القانون المدني المصري، نظرية العقد والإرادة المنفردة ـ دراسة معمقة ومقارنة بالفقه الإسلامي (1984).

ـ عبد المنعم البدراوي، النظرية العامة للالتزامات في القانون المصري، الجزء الأول، مصادر الالتزام (القاهرة 1975).

ـ فواز صالح ومحمد عرفان الخطيب، عقد الإيجار، مركز التعليم المفتوح ـ قسم الدراسات القانونية (مطبعة جامعة دمشق، 2005/2006).

ـ مصطفى عبد السيد الجارحي، فسخ العقد ـ دراسة مقارنة في القانونين المصري والفرنسي، الطبعة الأولى (دار النهضة العربية، القاهرة 1988).

   ـ مصطفى الزرقاء، شرح القانون المدني السوري، نظرية الالتزام العامة ـ1ـ المصادر، العقد والإرادة المنفردة، طـ 4 (مطبعة دار الحياة، دمشق 1964).

ـ محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مصادر الالتزام،1، المصادر الإرادية، و2ـ المصادر غير الإرادية (مطبعة رياض، دمشق 1982 ـ1983).

ـ محمود جلال حمزة، «هل يعني ثبوت السبب الأجنبي انعدام الخطأ في جانب المدعى عليه؟»، مقال منشور في مجلة المحامون، العدد 5 لعام 1985، ص 606 وما يليها.

- H.Capitant, De la cause des obligations (Paris 1923).

- Jacques Flour, Jean -Luc Aubert et Éric Savaux, Les ob­li­gations, I, L’acte juridique, 10 éd. (Armand Colin, Paris 2002).

- H., L., J.Mazeaud et F.Chabas, Leçon de droit civil, Tome II, Volume I, Obligations- théorie générale, 9ème édition (Delta 2000).

- Koo Soon Myoung, La rupture du contrat pour inexécution fautive en droit coréen et français (LGDJ, Tome 255, Paris 1996).

- F.Terré, Ph. Simler et Y. Lequette, Droit civil, Les ob­li­gations, 8ème édition (Dalloz 2002).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 202
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 567
الكل : 29588638
اليوم : 43554