logo

logo

logo

logo

logo

النيابة في التعاقد

نيابه في تعاقد

procuration in the contract - procuration dans le contrat

 أركان العقد

أركان العقد

النيابة في التعاقد

فواز صالح

مفهوم النيابة

أنواع النيابة

شروط النيابة

آثار النيابة

تعاقد الشخص مع نفسه

 

أولاًـ مفهوم النيابة:

1ـ تعريف النيابة: يرى رجال الفقه الإسلامي أن النيابة تعني قيام شخص مقام شخص آخر في التصرف عنه بتفويض مشروع،. أما عند فقهاء القانون فالنيابة تعني حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إنشاء تصرف قانوني.

2ـ منشأ النيابة: لم يكن القانون الروماني يعرف، في بداياته، فكرة النيابة على الرغم من أنه كان يجيز لرب الأسرة أن يصبح مالكاً أو دائناً من طريق أولاده أو أرقائه، إذ إن الملكية كانت حقاً لرب الأسرة فقط، وكانت تشمل أولاده وأرقاءه. ثم تطور الأمر بعد ذلك، إذ أجاز القانون التزام الأب بتصرفات أولاده وأرقائه في حالات معينة. ومن ثم لم تكن النيابة الاتفاقية في القانون الروماني ترتب، خارج نطاق الحالات السابقة، أي أثر مباشر تجاه الموكل. فكان من يوكل شخصاً، غير ابنه أو رقيقه، في إبرام عقد لمصلحته مع الغير، كان العقد الذي يبرمه الوكيل في مثل هذه الحالة يرتب آثاره مباشرة في ذمة الوكيل، ثم بعد ذلك كان الوكيل ينقل تلك الحقوق والالتزامات إلى الموكل. أما النيابة القانونية، فكان القانون الروماني يجيز، في آخر مراحل تطوره، أن ترتب آثاراً مباشرة تجاه الأصيل، ومن ثم تنشأ علاقة مباشرة بينه وبين الغير الذي تعاقد معه النائب القانوني. وعمم القانون المعاصر هذه الفكرة، فأصبحت النيابة، أياً كان مصدرها، تنشئ علاقة مباشرة بين الغير والأصيل.

وقد نص القانون المدني السوري، على غرار القانون المدني المصري، على نظرية عامة للنيابة في المواد من (105 إلى 109) منه، وذلك نظراً لما تمتاز به من أهمية في عالم الأعمال والمعاملات.

3ـ الفرق بين النيابة والتعاقد بالمراسلة:

تفترق النيابة في التعاقد عن التعاقد بالواسطة افتراقاً جوهرياً في الموضوع، وذلك لأن الرسول الوسيط هو ناقل لإرادة المرسل، وهو مجرد مبلغ بين الطرفين. في حين أن النائب يتصرف بإرادته الشخصية ولكن لحساب الأصيل. ويترتب على ذلك النتائج التالية:

أ ـ تعد إرادة النائب، في النيابة، هي محل اعتبار بالنظر إلى عيوب الرضا. أما في التعاقد بالواسطة فإن إرادة المرسل، لا إرادة الوسيط، هي محل اعتبار في هذه الحال. ومن ثم لا يشترط أن يكون الرسول أهلاً للأداء، إذ يمكن أن يكون قاصراً. لا بل يجوز أن يكون الرسول مجنوناً أو صبياً غير مميز وإن قام بنقل الإرادة بشكل سليم. زد على ذلك أن التعاقد بالواسطة يمكن أن يتم عن طريق حيوان، كالحمام الزاجل والكلاب.

ب ـ التعاقد بواسطة رسول يعد تعاقداً بين غائبين ولو كانا في مجلس واحد لأنه تعاقد مع المرسل لا مع الرسول. في حين أن التعاقد بواسطة نائب، يعد تعاقداً بين حاضرين إذا تم ذلك في مجلس واحد، أي إذا جمع مجلس العقد بين النائب وبين المتعاقد الآخر.

ثانياًـ أنواع النيابة:

1ـ أنواع النيابة من حيث المصدر: تنقسم النيابة بحسب مصدرها إلى:

أ ـ نيابة قانونية: ومصدرها القانون، كنيابة الولي والفضولي والدائن الذي يستعمل حقوق مدينه.

ب ـ نيابة قضائية: ومصدرها سلطة القاضي، كما في الوصي والقيم والحارس القضائي ووكيل التفليسة.

ج ـ نيابة اتفاقية: ومصدرها الإرادة، ومثال ذلك عقد الوكالة. ولا يجب الخلط بين الوكالة والنيابة. فالنيابة هي سلطة لها مصادر عديدة، فهي أعم من الوكالة التي تعد أحد مصادرها.

2ـ أنواع النيابة من حيث الآثار: تنقسم النيابة من حيث آثارها إلى:

أ ـ نيابة كاملة: وهي التي تنتج آثاراً كاملة، وتسري هذه الآثار مباشرة على الأصيل، ولا تسري على النائب إذا تقيد بحدود النيابة، لذا تسمى هذه النيابة بالنيابة المباشرة أو الفورية.

ب ـ نيابة ناقصة: وهي التي لا تنتج آثاراً مباشرة للأصيل، وإنما تنتج آثارها في البداية للنائب، وبعد ذلك تؤول هذه الآثار إلى الأصيل بموجب العقد الذي أبرمه مع النائب، لذا تسمى هذه النيابة بالنيابة بالوساطة أو النيابة غير المباشرة. ومثال ذلك عقد الوكالة بالعمولة المنصوص عليه في المادة (171) وما يليها من قانون التجارة السوري رقم (33 )لعام 2007، والذي دخل حيز النفاذ بتاريخ 1/4/2008، والتي تنص على أنه « يكتسب الوكيل بالعمولة الحقوق الناتجة عن العقد الذي يبرمه لحساب موكله ويكون ملتزماً مباشرة نحو الأشخاص الذين تعاقد معهم كما لو كان العمل يختص به شخصياً ويحق لهؤلاء الأشخاص أن يحتجوا في مواجهته بجميع أسباب الدفع الناتجة عن علاقتهم المباشرة به ولا يحق لهم أن يخاصموا الموكل مباشرة. أما علاقات الموكل بالوكيل بالعمولة أو بدائنيه فتسري عليها قواعد الوكالة».

ثالثاًـ شروط النيابة:

خصص المشرع السوري المواد من (105 إلى 109) من القانون المدني للنيابة. ومن الرجوع إلى هذه المواد يلاحظ أن شروط النيابة هي:

1ـ حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل: النيابة في الاصطلاح القانوني هي حلول إرادة النائب محل إرادة الأصيل في إنشاء تصرف قانوني. ومن ثم يجب في النيابة أن يعبر النائب عن إرادته هو لا عن إرادة الأصيل، وإن كانت آثار النيابة تسري على الأصيل.

أ ـ العبرة لإرادة النائب ولعلمه: تنص المادة (105/1) مدني على أنه «إذا تم العقد بطريق النيابة، كان شخص النائب لا شخص الأصيل هو محل الاعتبار عند النظر في عيوب الإرادة، أو في أثر العلم ببعض الظروف الخاصة أو افتراض العلم بها حتماً».

ويترتب على ذلك أن العبرة لإرادة النائب وعلمه من حيث عيوب الإرادة لا لإرادة الأصيل. فإذا شاب إرادة النائب عيب من عيوب الإرادة، كالغلط أو التدليس أو الإكراه...، يحق للأصيل أن يطالب بإبطال العقد حتى لو كانت إرادته سليمة. وكذلك الحال إذا صدر الإكراه أو التدليس من النائب، فيؤثر ذلك في إرادة الطرف الآخر، ومن ثم يحق له أن يطالب بإبطال العقد حتى لو كان الإكراه أو التدليس غير صادرين عن الأصيل.

وكذلك الحال، فإن العبرة لعلم النائب وجهله، دون الأصيل، من حيث الظروف التي يختلف فيها حكم العقد بين العلم والجهل بها. فإذا اشترى الوكيل شيئاً وهو عالم بعيب قديم فيه فلا يثبت له ولا للأصيل حق ضمان العيب الذي يثبت عادة لكل مشترٍ، ولو كان الأصيل جاهلاً بوجود ذلك العيب. ولكن لا يكون الأصيل ملزماً تجاه الوكيل بقبول الشيء إذا كان الوكيل متجاوزاً حدود وكالته. وإذا تعاقد النائب، وهو حسن النية، مع مدين معسر فلا يحق لدائني هذا المدين الطعن في التصرف بدعوى عدم نفاذ التصرف، أي الدعوى البولصية، المنصوص عليها في المادتين (238 و239) مدني. أما إذا كان النائب سيئ النية في مثل تلك الحالة، فيحق للدائن التمسك بدعوى عدم نفاذ التصرف حتى لو كان الأصيل حسن النية.

ولكن مبدأ العبرة لعلم النائب وجهله دون الأصيل قد يؤدي بإطلاقه إلى حالات تنافي منطق المسؤولية، وتسمح للأصيل أن يستغل هذا المبدأ بسوء نية للتهرب من مسؤوليات يجب أن يتحملها. لذلك إذا تصرف الوكيل وفقاً لتعليمات معينة صدرت من موكله، فليس للموكل أن يتمسك بجهل وكيله لظروف كان يعلمها هو، أو كان من المفروض حتماً أن يعلمها، فعلم الموكل هنا معتبر ومؤثر، ولو كان الوكيل حسن النية جاهلاً بتلك الظروف المؤثرة في التصرف (نقض سوري، الغرفة المدنية الأولى، قرار 510/أساس 616، تاريخ 19/12/2000، الغرف المدنية بين عامي 1991ـ2000).

وهذا ما نصت عليه المادة (105/ 2) مدني والتي جاء فيها: «ومع ذلك إذا كان النائب وكيلاً ويتصرف وفقاً لتعليمات معينة صدرت له من موكله، فليس للموكل أن يتمسك بجهل النائب لظروف كان يعلمها هو أو كان من المفروض حتماً أن يعلمها».

ويترتب على ذلك أنه إذا كان الموكل يعلم بعيب خفي في شيء معين لدى شخص، فوكل وكيلاً بشرائه بعينه، فاشتراه له فليس للموكل حق ضمان العيب ولو كان وكيله جاهلاً عند الشراء بالعيب الخفي الموجود في المبيع. أما إذا وكله بشراء شيء من هذا النوع ولم يعطه تعليمات دقيقة تفيد بشراء ذلك الشيء المعيب بعينه، فوقع اختيار الوكيل على الشيء المعيب وهو جاهل بعيبه الخفي، فالعبرة هنا لعلم الوكيل أوجهله، ومن ثم يحق للأصيل أن يتمسك بضمان العيب الخفي. ومن تطبيقات مبدأ العبرة لعلم النائب وجهله، الجهل بانقضاء النيابة بعزل الوكيل أو بموت الموكل. فإذا كان النائب يجهل انقضاء النيابة وأقدم على التعاقد مع الغير في حدود النيابة، فهل تسري أحكام هذا العقد على الموكل أو على خلفائه ؟ الجواب فيه تفصيل: فإذا كان المتعاقد الآخر يعلم بانقضاء النيابة عند التعاقد فلا يسري العقد على الموكل أو على خلفائه. أما إذا كان المتعاقد الآخر يجهل ذلك فإن العقد يسري على الموكل أو على خلفائه. وهذا ما نصت عليه المادة (108) مدني بقولها «إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهلان معاً وقت العقد انقضاء النيابة، فإن أثر العقد الذي يبرمه حقاً كان أو التزاماً يضاف إلى الأصيل أو خلفائه».

ب ـ العبرة في الأهلية للأصيل في النيابة الاتفاقية: بما أن العقد الذي يبرمه النائب ينتج أثره في ذمة الأصيل، لذلك يجب أن تتوافر في الأصيل أهلية التعاقد. ولا تشترط هذه الأهلية في النائب. هذا في النيابة الاتفاقية، إذ لا يشترط فيها أن تكون أهلية الوكيل مساوية لأهلية الموكل. ومن ثم يمكن أن يكون الوكيل ناقص أهلية الأداء، كالصغير المميز أو يكون محجوراً عليه لأنه مفوض بإرادة الأصيل المنوب عنه ورضاه الذي يشترط فيه توافر أهلية الأداء كاملة. وأن حجره مقصور على تصرفاته في حقوق نفسه. وهو في عقد الوكالة لا يلزم نفسه وإنما يلزم الأصيل الذي اختاره وفوضه، ويجب فقط أن يتوافر في الوكيل القدرة على التعبير عن إرادته، وهذه يكفي فيها التمييز. أما إذا كانت النيابة قانونية، فإن القانون هو الذي يضفي على النائب صفته، فيعين أهليته وأهلية الأصيل، بل يجب أن تكون أهلية الوكيل كاملة لأنه إنّما وكّلَ لضمانة حقوق القاصر.

2ـ تقيد النائب بحدود نيابته: إذا كانت إرادة النائب، في التعاقد بالنيابة، هي محل اعتبار، إلا أن آثار العقد تسري على الأصيل لا على النائب. ويشترط من أجل ذلك أن يتصرف النائب في حدود نيابته. وهذا ما ذهبت إليه المادة (106) مدني، إذ جاء فيها أنه:

«إذا أبرم النائب في حدود نيابته عقداً باسم الأصيل فإن ما ينشأ عن هذا العقد من حقوق والتزامات يضاف إلى الأصيل».

واستناداً إلى ذلك إذا تجاوز النائب حدود نيابته فلا تسري آثار العقد على الأصيل، وإنما يعد هو مسؤولاً مباشرةً تجاه من تعاقد معه وجاز توجيه الخصومة ضده (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 606/ أساس 741، تاريخ 26/9/1960)، وهذا هو المبدأ. ولكن يستثنى من ذلك الحالات التالية:

أ ـ أجازت المادة (669/2) مدني للوكيل أن يخرج عن الحدود المرسومة لوكالته إذا كان من المستحيل عليه إخطار الموكل سلفاً وكانت الظروف يغلب معها الظن بأن الموكل ما كان إلا ليوافق على ذلك التصرف، بشرط أن يقوم الوكيل بإبلاغ الموكل خروجه عن حدود الوكالة.

ب ـ النيابة الظاهرة: ويكون ذلك عندما يعتقد الغير بسبب خطأ الأصيل أو إهماله، وبحسن نية، أن النائب يتصرف في حدود نيابته، فتسري آثار التصرف في مثل هذه الحالة في حق الأصيل، وذلك رعاية لحسن النية وضماناً لاستقرار التعامل. ويفترض في مثل هذه الحالة وجود مظهر خارجي من الأصيل، أو يمكن نسبته إليه، حمل الغير على الاعتقاد بأن النائب يتعامل في حدود نيابته. والمثال على النيابة الظاهرة، استمرار النائب في العمل باسم الأصيل بعد انقضاء النيابة من دون علم منه، وفقاً لما جاء في المادة (108) مدني. وكذلك الوفاء بحسن نية للدائن الظاهر. ويترتب على ذلك أن وفاء الدين للوكيل استناداً إلى وكالته الثابتة بسند رسمي لم يجر سحبه من الوكيل، ولم يتم تبليغ المدين بانقضاء الوكالة، يعد مبرئاً لذمة المدين تجاه الموكل. كما تعد تصرفات الوكيل، حتى بعد عزله، حجة على الموكل الذي لا يقيم الدليل على علم المدين بعزل الوكيل المفوض بالقبض (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 154/ أساس 305، تاريخ 14/7/1963).

ج ـ إقرار الأصيل تصرف النائب الذي تجاوز حدود نيابته، وذلك لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة. ومتى صدر الإقرار ينتج العقد أثره في الأصيل من وقت انعقاده لا من وقت الإقرار.

3ـ تعاقد النائب باسم الأصيل: بما أن آثار العقد الذي يبرمه النائب في حدود نيابته مع الغير تسري على الأصيل فإنه يتوجب على النائب أن يتعاقد، من حيث المبدأ، باسم الأصيل لا باسمه. أما إذا تعاقد النائب باسمه فلا يكون هناك نيابة، كما في حال الوكيل. وتكون الوكالة في مثل هذه الحال مقتصرة على علاقة الوكيل بالموكل، وهذا ما يعرف بالاسم المستعار أو المسخر. ولا تضاف آثار العقد إلى الموكل، وإنما تضاف إلى الوكيل. ولكن ذلك لا يحول دون مداعاة الموكل الوكيل من أجل إثبات أن التصرف الذي قام به الوكيل كان لمصلحته (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 22، تاريخ 27/1/1968 وقرار الغرفة المدنية الثانية رقم 543/أساس 557، تاريخ 24/4/2000).

وبالمقابل يجوز للغير الذي علم بالتسخير بعد التعاقد أن يطعن بالصورية وإثبات أن المسخر ليس إلا وكيلاً عن الأصيل المستتر من أجل أن ينصرف أثر العقد إلى الأصيل (نقض سوري، الغرفة المدنية، قرار 398، تاريخ 3/3/1981).

ولكن استثناءً تسري آثار العقد على الأصيل في مثل هذه الفرضية في حالتين وهما: إذا كان الغير يعلم حتماً بوجود النيابة؛ وإذا كان يستوي عند الغير أن يتعامل مع الأصيل أو النائب.

وهذا ما نصت عليه المادة (107) مدني والتي جاء فيها: «إذا لم يصرح العاقد وقت إبرام العقد أنه يتعاقد بصفته نائباً فإن أثر العقد لا يضاف إلى الأصيل دائناً أو مديناً، إلا إذا كان من المفروض حتماً أن من تعاقد مع النائب يعلم بوجود النيابة أو كان يسـتوي عنده أن يتعامل مع الأصيل أو النائب». يستنتج من النص السابق أنه يجب على النائب عندما يتعاقد أن يصرح بأنه يتعاقد باسم الأصيل، حتى تسري آثار العقد على الأصيل. وفي بعض الأحيان قد يفهم ضمناً أن النائب يتعاقد لحساب الأصيـل، كما لو باع صانع بضاعة صاحب المحل الذي يعمل لديه.

رابعاً ـ آثار النيابة:

تنشئ النيابة علاقة بين ثلاثة أشخاص وترتب آثاراً عليهم جميعاً.

1ـ العلاقة بين النائب والغير: سبقت الإشارة إلى أن النائب يتعاقد بإرادته ولكن لحساب الأصيل. ومن ثم لا يرتب العقد الذي أبرمه مع الغير، في حدود نيابته، أي أثر عليه. فلا يحق له أن يطالب بالحقوق التي ترتبت للأصيل، وبالمقابل لا يلتزم النائب بأي دين نشأ من ذلك العقد، لذا لا يجوز للغير مطالبة النائب شخصياً بتنفيذ العقد. ولكن إذا كان الوكيل مفوضاً بتنفيذ العقد عندئذ تصح مخاصمته بمفرده (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 828، تاريخ 14/6/2005 وكذلك قرار 298، تاريخ 26/8/1991).

ويكون تاريخ السند الذي وقعه الوكيل حجة على الأصيل حتى لو لم يكن له تاريخٌ ثابتٌ، باستثناء ما إذا أثبت الأصيل عدم صحة التاريخ (نقض سوري، الغرفة المدنية الثانية، قرار 1140/أساس 1327، تاريخ 25/8/1996).

ولكن إذا أضر النائب بالغير، في أثناء مباشرة نيابته، فإنه يسأل شخصياً عن ذلك الضرر استناداً إلى أحكام المسؤولية التقصيرية.

2ـ العلاقة بين الأصيل والغير: تنشأ من العقد الذي أبرمه النائب مع الغير، من حيث آثاره، علاقة مباشرة بين الأصيل والغير، بحيث تسري آثار العقد مباشرة على الأصيل فينشئ حقوقاً والتزامات في ذمته. فيحق للأصيل مطالبة الغير بحقوقه مباشرة. كما يـحق للغير أن يطالب الأصيل بتنفيذ التزاماته الناشئة من العقد المبرم مع النائب.

3ـ العلاقة بين الأصيل والنائب: ويحدد هذه العلاقة المصدر الذي أنشأ النيابة. ففي النيابة الاتفاقية، يحكم عقد الوكالة العلاقة بين الموكل والوكيل. وفي النيابة القانونية، يحدد القانون حدود النيابة وصلاحيات النائب وحقوقه. وكذلك النيابة القضائية، إذ يحدد حكم القاضي العلاقة بين النائب والأصيل.

خامساًـ تعاقد الشخص مع نفسه:

يسمى تعاقد الشخص مع نفسه في اصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية تولي الشخص طرفي العقد. والنائب في النيابة الاتفاقية أو القانونية إذا أراد التعاقد مع نفسه قد يكون أصيلاً عن نفسه ونائباً عن غيره، وقد يكون نائباً عن الطرفين.

1ـ المبدأ: منع القانون المدني السوري، من حيث المبدأ، تعاقد النائب مع نفسه وذلك بسبب تعارض مصالح النائب مع مصالح الأصيل، وخشية أن يرجح النائب مصالحه على مصالح الأصيل. وهذا ما أكدته المادة (109) مدني التي تنص على أنه «لا يجوز لشخص أن يتعاقد مع نفسه باسم من ينوب عنه، سواء أكان التعاقد لحسابه هو أم لحساب شخص آخر، دون ترخيص من الأصيل. على أنه يجوز للأصيل في هذه الحالة أن يجيز التعاقد. كل هذا مع مراعاة ما يخالفه مما يقضي به القانون أو قواعد التجارة». وهذا ما أكدته المادة (160) من قانون التجارة السوري رقم (33) لعام 2007، والتي تنص على أنه «لا يحق للوكيل أن يتعاقد مع نفسه باسم موكله إلا بإجازة خطية من الموكل».

2ـ الاستثناءات: ليس مبدأ منع تعاقد الشخص مع نفسه في القانون السوري مطلقاً، وإنما ترد عليه استثناءات عدة، وهي:

أ ـ إذا أذن الأصيل للنائب أن يتعاقد مع نفسه، أو أجاز ذلك بعد تعاقد النائب مع نفسه، وذلك لأن الهدف من المنع حماية مصالح الأصيل، ولا المصلحة العامة، وهذا بصراحة المادة (109) مدني، والمادة (160) تجاري.

ب ـ وجود نص قانوني يجيز للنائب التعاقد مع نفسه، ومثال ذلك تعاقد النائب في البيع مع نفسه، فقد أجاز القانون ذلك إذا أذن له القاضي بذلك، لأن رقابة القاضي في هذه الحال تنفي التهمة. وهذا ما أكدته المادة (447) مدني، إذ تنص على أنه «لا يجوز لمن ينوب عن غيره بمقتضى اتفاق أو أمر من السلطة المختصة أن يشتري لنفسه مباشرة أو باسم مستعار ولو بطريق المزاد العلني ما نيط به بيعه بموجب هذه النيابة ما لم يكن ذلك بإذن القضاء ومع عدم الإخلال بما يكون منصوصاً عليه في قوانين أخرى». وكذلك تعاقد الأب مع نفسه نيابة عن ولده، هذا الأمر جائز في الشريعة الإسلامية. أما قانون الأحوال الشخصية السوري فيمنعه، وينص على وجوب تعيين وصي خاص مؤقت من قبل القاضي لتعارض المصلحة، إذ تنص المادة (175) من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه «تعين المحكمة وصياً خاصاً عند تعارض مصلحة القاصر مع مصلحة وليه أو عند تعارض مصالح القاصرين بعضها مع بعض». كما تنص المادة (179) من القانون ذاته على أنه «ينصب القاضي وصياً خاصاً مؤقتاً عند تعارض مصلحة القاصر مع مصلحة الوصي أو زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو من يمثله الوصي إن لم يبلغ هذا التعارض النزاع المنصوص عليه في المادة السابقة».

ج ـ وجود عرف تجاري يسمح بذلك، كما عليه الحال في الوكالة بالعمولة، وسمسار الأوراق التجارية، وذلك لأن في حرص هؤلاء على ثقة عملائهم ضماناً كافياً لإقرار أعمالهم.

3ـ حكم تعاقد الشخص مع نفسه في القانون السوري: سبقت الإشارة إلى أن المادة (109) مدني منعت، من حيث المبدأ، تعاقد الشخص مع نفسه. ولكن هذا المبدأ ترد عليه استثناءات سبق ذكرها. وفيما عدا تلك الاستثناءات لا يجوز للشخص أن يتعاقد مع نفسه. ولكن ماذا لو تعاقد الشخص مع نفسه، خارج نطاق تلك الاستثناءات؟ يستفاد من نص المادة (109) المشار إليه أعلاه أن جزاء هذه المخالفة لا يمكن أن يكون البطلان، وذلك لأن المادة (109) تجيز للأصيل إقرار التصرف، ولا ترد الإجازة على العقد الباطل. وكذلك لا يمكن أن يكون الجزاء القابلية للإبطال، وذلك لأن هذا الجزاء هو حق لأحد طرفي العقد. والأصيل ليس طرفاً في العقد. ومن ثم فإن الجزاء هو عدم سريان العقد على الأصيل، وذلك لأن النائب يكون قد تجاوز حدود نيابته. وإذا أقر الأصيل التصرف، أي تعاقد النائب مع نفسه، سرى العقد عليه ونفذ بحقه.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ أحمد حشمت أبو ستيت، نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد، الطبعة الثانية (مطبعة مصر، القاهرة 1954).

ـ توفيق حسن فرج، النظرية العامة للالتزام ـ في مصادر الالتزام (الدار الجامعية للطباعة والنشر، بلا تاريخ).

ـ جمال مرسي بدر، النيابة في التصرفات القانونية، رسالة دكتوراه (جامعة الاسكندرية 1954).

ـ سليمان مرقس، الوافي في شرح القانون المدني ـ2ـ، في الالتزامات ـ المجلد الأول: نظرية العقد والإرادة المنفردة، (1987).

ـ عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، نظرية الالتزام بوجه عام، مصادر الالتزام، المجلد الأول (القاهرة، بلا تاريخ).

ـ عبد الفتاح عبد الباقي، موسوعة القانون المدني المصري، نظرية العقد والإرادة المنفردة ـ دراسة معمقة ومقارنة بالفقه الإسلامي (1984).

ـ عبد المنعم البدراوي، النظرية العامة للالتزامات في القانون المصري، الجزء الأول، مصادر الالتزام (القاهرة 1975).

ـ فواز صالح ومحمد عرفان الخطيب، عقد الإيجار، مركز التعليم المفتوح ـ قسم الدراسات القانونية (مطبعة جامعة دمشق، 2005/2006).

ـ مصطفى الزرقاء، شرح القانون المدني السوري، نظرية الالتزام العامة ـ1ـ المصادر، العقد والإرادة المنفردة، طـ 4 (مطبعة دار الحياة، دمشق 1964).

ـ مصطفى الزرقاء، الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد، الجزء الأول: المدخل الفقهي العام، المجلد الأول، الطبعة السادسة، (مطبعة جامعة دمشق 1959).

ـ محمد وحيد الدين سوار، شرح القانون المدني، النظرية العامة للالتزام، الجزء الأول مصادر الالتزام،1، المصادر الإرادية، و2ـ المصادر غير الإرادية (مطبعة رياض، دمشق 1982 ـ1983).

- Jacques Flour, Jean -Luc Aubert et Éric Savaux, Les obligations, I, L’acte juridique, 10 éd. (Armand Colin, Paris 2002).

- Ch. Larroumet, Droit civil, Tome 3, Les obligations, Le contrat, 3e édition (Economica-Delta 1996).

- H., L., J.Mazeaud et F.Chabas, Leçon de droit civil, Tome II, Volume I, Obligations- théorie générale, 9ème édition (Delta 2000).


التصنيف : القانون الخاص
النوع : القانون الخاص
المجلد: المجلد الخامس: طرق الطعن في الأحكام الإدارية ــ علم العقاب
رقم الصفحة ضمن المجلد : 169
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 498
الكل : 31191961
اليوم : 17118