logo

logo

logo

logo

logo

الخسائر البحرية المشتركة

خساير بحريه مشتركه

joint marine losses - pertes maritimes conjointes

 الخسائر البحرية المشتركة

الخسائر البحرية المشتركة

محمد سامر عاشور

 التعريف بالخسائر البحرية المشتركة

تسوية الخسائر البحرية المشتركة

   

ساد قديماً الفكر الذي يرى أن أصحاب السفن والبضائع يجب أن يتحملوا ما يصيب سفنهم أو بضائعهم  من أخطار بحرية، وعبر القانون عن ذلك بأن تبعة الهلاك تقع على مالك السفينة أو البضاعة، ولكن عندما يضطر ربان السفينة إلى أن يلقي قسماً من البضائع في البحر ليساعد السفينة على الطفو أو ليحمي السفينة من الغرق، فإن العدالة تقتضي ألا يتحمل صاحب البضائع الملقاة وحده الخسارة بل يجب أن يشترك معه جميع الأطراف في الرحلة البحرية، فكان بذلك نظام الخسائر البحرية المشتركة، وظهر هذا النظام مكتوباً في جزيرة رودوس في القرن العاشر قبل الميلاد، ثم أخذ الرومان هذا القانون عن الفينيقيين، وأطلقوا عليه قانون رودوس الخاص بالإلقاء في البحر، ويعطي هذا القانون لمالك البضاعة التي تلقى في البحر لحماية الرحلة الحق في أن يرجع على الربان الذي ألقى البضاعة بالتعويض عما أصابه من ضرر، ويعطي الحق للربان بالرجوع على الشاحنين الآخرين للمطالبة بقيمة ما عاد عليهم بالفائدة من جراء هذه التضحية، وبعد ذلك كانت أحكام أوليرون التي ذكرت فيها لأول مرة صورة جديدة من صور الخسائر المشتركة وهي الحالة التي تلحق فيها أضرار بالسفينة لحماية الرحلة البحرية، كما أضافت مبدأً يقول إنه إذا لم يكن الشاحنون على السفينة أو لم يوافقوا على التضحية جاز للربان أن يتصرف من دون موافقتهم إذا كان رأي الملاحين أنه لا بد من التضحية.

ثم صدر القانون الفرنسي عام 1681م  فنظم أحكام الخسائر البحرية المشتركة، لتكون فرنسا أول دولة تدخل هذا النظام في قانونها وتبعتها مصر. ثم بدأت جمعية القانون الدولي بالعمل على وضع قواعد موحدة لذلك، وعقدت مؤتمراً في مدينة يورك في إنكلترا عام 1864م، ومؤتمراً آخر بمدينة أنفرس في بلجيكا عام 1877م أسفر المؤتمران عن وضع ثماني عشرة قاعدة عرفت باسم (قواعد يورك وأنفرس للخسائر البحرية المشتركة) تمت الموافقة عليها في مؤتمر ليفربول 1890م. وتلك القواعد لم تكن إلا حلولاً لمواجهة حالات خاصة ولم تتضمن أي  قواعد عامة، ثم عقد مؤتمر في استوكهولم عام 1924م فظهرت قواعد يورك وأنفرس جديدة لسنة 1924، واشتملت على قواعد عامة تحكم هذه الخسائر.  ثم عدلت هذه القواعد حيث عقدت اللجنة البحرية الدولية مؤتمراً في أمستردام عام 1949م  انتهى إلى وضع «قواعد يورك وأنفرس سنة 1950» تضمنت وضع قاعدة للتفسير.

ولا بد من الإشارة إلى أن قواعد يورك وأنفرس ليس لها صفة الإلزام، ومصدر قوتها هو اتفاق الأطراف على تطبيقها. ونظراً لأهمية تلك القواعد فقدت أدخلت في معظم القوانين. وقد تضمن قانون التجارة البحرية الصادر في سورية عام 1950م مواد تنظم الخسائر البحرية المشتركة، بقي العمل بها حتى عام 2006م عندما صدر قانون التجارة البحرية الجديد الذي نظم موضوع الخسائر البحرية المشتركة في المواد من 328 إلى 352 منه.

أولاً- التعريف بالخسائر البحرية المشتركة:

1- مفهوم الخسائر البحرية المشتركة وأساسها القانوني:

غدا مفهوم الخسائر البحرية المشتركة في الوقت الحاضر مفهوماً موحداً، وذلك بفضل الجهود الكبيرة التي بذلت في سبيل توحيده في الإطار الدولي، وسنتناول فيما يأتي مفهوم الخسائر البحرية المشتركة في الاتفاقيات الدولية، وخاصة (قواعد يورك وأنفرس) التي وضعت عام 1890م وعدلت عدة مرات حتى استقرت بشكلها النهائي في مؤتمر أمستردام  1950م ، وكذلك مفهوم الخسائر البحرية المشتركة في قانون التجارة البحرية السوري رقم 46 الصادر بتاريخ 28 /11/2006م.

أ- التعريف بالخسائر البحرية المشتركة وشروطها:

(1) تعريف الخسائر البحرية المشتركة: الخسائر البحرية عموماً هي «كل هلاك أو ضرر يلحق السفينة أو الحمولة أثناء الرحلة البحرية، وكذلك كل ما قد يدفع لتأمين سلامة هذه الرحلة من نفقات استثنائية» (المادة 328 من قانون التجارة البحرية)، والخسائر البحرية عموماً تقسم إلى نوعين، خسائر بحرية خاصة وخسائر بحرية مشتركة.

الخسائر البحرية الخاصة هي الخسائر التي يتحملها من تصيبه أي مالك الشيء المتضرر أو المسؤول عن سلامته، كأن يتحمل المجهز الخسارة التي تلحق بالسفينة والنفقات التي تصرف لتأمين سلامتها، أو أن يتحمل الشاحن الخسائر التي تلحق بالبضاعة أو النفقات التي تصرف للحفاظ عليها في الأحوال التي لا يكون فيها  المجهز مسؤولاً عن البضاعة، ويدخل فيها الخسائر التي تنشأ من العواصف والأحوال الجوية، أو تلف البضاعة لعيب فيها، وفي بعض الأحيان قد تلحق هذه الأضرار بالسفينة أو الحمولة بسبب خطأ غير مقصود من الربان أو بسبب عيب خاص في السفينة، وهكذا يتبين أنه لا يمكن حصر الخسائر البحرية الخاصة، ولذلك فقد اكتفى قانون التجارة البحرية السوري بالقول إن الخسائر البحرية الخاصة هي الخسائر التي لا تستوفي شروط الخسائر البحرية المشتركة (المادة 329 من قانون التجارة البحرية).

وأما الخسائر البحرية المشتركة فتكون عندما يقوم الربان بالتضحية قصداً بجزء من الحمولة، أو إلحاق أضرار مادية بالسفينة وذلك لحماية الرحلة البحرية من خطر يتهددها، كما يمكن أن تكون هذه الخسائر نفقات إضافية تنفق لتأمين الحماية للسفينة، كنفقات اللجوء إلى مرفأ ما لمواجهة ظروف غير عادية تهدد السفينة وما عليها، وعليه فمن العدل أن يتحمل جميع الأطراف الخسائر التي لحقت بالسفينة أو البضاعة الناجمة عن تلك التضحية  إذا كانت هذه التضحية بغية حماية الرحلة البحرية.

وقد عرفت المادة (330) من قانون التجارة البحرية الخسائر المشتركة بقولها: «تعتبر خسائر مشتركة التضحيات والنفقات الاستثنائية المبذولة قصداً وبطريقة معقولة من أجل السلامة العامة اتقاء لخطر وشيك يهدد السفينة أو حمولتها».

وهكذا يتبين أن الخسائر الخاصة والخسائر المشتركة تتفقان في أن كلاً منهما أضرار ونفقات، ولكنهما تختلفان في أن الخسائر المشتركة يقدم عليها الربان قصداً للمنفعة المشتركة، أما الخسائر الخاصة فهي من الخسائر المعتادة التي تنجم عن استثمار السفينة. وعليه إذا كان الهدف من الضرر أو النفقات تأمين مصلحة عامة ومنفعة مشتركة كانت الخسارة مشتركة، وإلا كانت خسارة بحرية خاصة.

(2) شروط الخسائر البحرية المشتركة: من تعريف الخسائر المشتركة يتضح أن هناك مجموعة من الشروط لا بد من توافرها في الخسائر البحرية لكي تعد خسائر مشتركة وهي:

q أن تنجم الخسائر عن أعمال الربان المقصودة: بمقتضى القاعدة الأولى من قواعد يورك وأنفرس يكون هناك خسارة مشتركة كلما بذلت قصداً وبطريقة معقولة تضحية استثنائية أو أنفق مصروف استثنائي لأجل السلامة العامة في إرسالية بحرية واحدة، ويتضح هذا المضمون في المادة (330) من قانون التجارة البحرية السوري التي قالت «المبذولة قصداً وبطريقة معقولة»، وعليه فإن الربان لا بد أن يقوم بمواجهة أي خطر ينال السفينة والحمولة، وهذا قد يؤدي إلى خسائر أو تضحيات، ولكنها يجب أن تكون معقولة تتناسب والخطر، أي أن تكون ضرورية لمواجهة الخطر من دون زيادة، فإذا أصيب الربان بخوف مبالغ فيه أو غير معقول في أثناء عاصفة بحرية فقام بإلقاء كامل حمولة السفينة في البحر مع أنه كان يكفي إلقاء جزء منها، عدت الخسارة خاصة وليس مشتركة كونها ناجمة عن خطأ الربان وسوء تقديره.

أما إذا كانت الأضرار أو النفقات لم تترتب على نحو يعود لاختيار الربان فلا تعد خسائر بحرية مشتركة، فإذا انزلقت بعض البضائع من فوق ظهر السفينة فإنها تعد خسائر خاصة، ولو تصادف أن كان ذلك سبباً في نجاة السفينة من عاصفة، كذلك فإن الخسائر التي تلحق بالسفينة أو البضاعة نتيجة قوة قاهرة كعاصفة مثلاً لا تعد خسائر مشتركة، وإنما يتحملها مالك السفينة أو مجهزها أو مالك البضائع، وكذلك لا تعد الأضرار الناجمة عن فعل الغير (كالتصادم مثلاً) خسائر بحرية مشتركة بل يتحملها مسبب الضرر وفقاً لقواعد المسؤولية.

وكذلك فإنه لا يكون كل ضرر ناجم عن فعل الربان خسارة بحرية مشتركة، فالضرر الذي يسببه الربان بخطئه أو قصداً للغير بغية حماية الرحلة البحرية من خطر يتهددها لا يعد خسارة مشتركة وإنما يتحمله الربان وفقاً لقواعد المسؤولية المدنية.

كما أن هناك خسائر مشتركة تنجم عن خسائر خاصة، كما لو تعرضت الرحلة البحرية للخطر بفعل قوة قاهرة، كهبوب عاصفة أدت إلى جنوح السفينة، فهنا تعد الخسائر الناجمة عن ذلك خسائر خاصة، وعندما يقوم الربان بدفع نفقات لتعويم السفينة بقصد تجنيبها خسائر أكبر، فإن نفقات هذا التعويم تكون وقعت باختيار الربان لتحقيق منفعة عامة وعليه فإن هذه النفقات ومثيلاتها تعد من الخسائر البحرية المشتركة.

وتعد من قبيل الخسائر البحرية المشتركة جميع الأضرار التي تنجم مباشرة عن التضحية المقصودة التي يقوم بها الربان ولو لم يقصد إحداث هذه الأضرار، كالأضرار التي قد تلحق بجسم السفينة أو بالبضاعة الباقية على متنها عند إلقاء قسم من بضاعتها لتجنيبها خطر الغرق، أو النفقات التي تدفع لتعويم السفينة التي جنح بها ربانها قصدا لتجنيبها خطر الاصطدام بالصخور، وكذلك تلف البضاعة نتيجة الرسو الجبري أو الاضطراري في أحد المرافئ لتجنب خطر عاصفة بحرية، وبما أن هذه الأضرار ناجمة عن عمل مقصود لحماية الرحلة البحرية فهي تعد في إطار الخسائر البحرية المشتركة.

q وجود خطر تتعرض له الرحلة البحرية: لاعتبار التضحيات الاختيارية التي يقوم بها الربان خسارة بحرية مشتركة ينبغي أن يكون هناك خطر تتعرض له السفينة وما عليها، وأن تكون الغاية من التضحية درء الخطر.

فإذا جنحت السفينة بفعل قوة قاهرة مما يسبب خطراً على الرحلة البحرية لسوء الأحوال الجوية أو غير ذلك من الأخطار كانت نفقات تعويم السفينة من الخسائر البحرية المشتركة، أما إذا كان بقاؤها في مكان الجنوح لا يسبب أي خطر على السفينة أو الحمولة كانت نفقات التعويم خسائر خاصة يتحملها مجهز السفينة. وإذا تجمدت المياه ومنعت السفينة من الخروج، فإن نفقات تحطيم الجليد بسفينة كاسحة للجليد لا تعد خسائر مشتركة إلا إذا كان بقاء السفينة في الميناء حتى ذوبان الجليد خطراً على الحمولة أو السفينة.

ولا يشترط أن يكون الخطر قائماً، بل يكفي أن يكون متوقعاً وممكن الحدوث، لأنه لا يمكن أن ينتظر الربان حتى وقوع الخطر ثم يقوم بالتدابير اللازمة.

ولا يشترط أيضاً أن يكون الخطر حقيقياً، فيكفي أن يعتقد الربان أن هناك خطراً جدياً بناء على معطيات مقبولة، لأنه لو اشترط أن يكون الخطر حقيقياً لتردد الربان في اتخاذ التدابير الملائمة خوفاً من أن يتحمل مسؤولية سوء التقدير، مما قد يعرض الرحلة البحرية لأخطار كبيرة، وهذا ما تؤكده القاعدة  (أ) من قواعد يورك وأنفرس، ويتوجب أيضاً أن يكون الخطر الذي يتهدد الرحلة البحرية مازال خطراً، أي إذا كانت الخسارة قد تحققت فعلاً قبل اتخاذ الربان أي إجراء، فإن الخسائر تعد خسائر خاصة تقع على عاتق من يتحملها كونها ناجمة عن قوة قاهرة.

كما ينبغي أن يكون الخطر ناجماً عن قوة قاهرة لا دخل للربان بها، ولكن إذا كان الخطر الذي تعرضت له الرحلة البحرية ناجماً عن خطأ الربان، أو خطأ المجهز أو البحارة أو أصحاب البضاعة، - كأن ينسى الربان وضع كمية كافية من الوقود في السفينة فيضطر إلى استعمال جزء من الحمولة وقوداً، أو أن يتسبب الشاحن بخطئه بحريق فيعمد الربان إلى إلقاء جزء من الحمولة في البحر - فقد نصت قواعد يورك وأنفرس على عدها خسائر بحرية مشتركة إذا توافرت فيها بقية الشروط وبالتالي فقد فتحت المجال للتحاص في تحمل هذه الخسائر بين جميع الأطراف ذات الصلة، من دون الإخلال بحقهم في الرجوع على مسبب الضرر بالمبلغ الذي دفعوه، وهذا ما أخذ به قانون التجارة البحرية السوري.

وهكذا إذا صدر خطأ من الربان أدى إلى وضع الرحلة البحرية في مواجهة خطر ما وقام الربان بتلافيه مسبباً أضراراً بالسفينة أو حمولتها أو مسبباً نفقات زائدة، عندها يكون للشاحن أحد طريقين: إما الرجوع وفقاً لقواعد المسؤولية المدنية على المجهز بسبب خطأ الربان أو على الربان نفسه إذا كان المجهز معفى من المسؤولية عن أخطاء الربان بشرط مدرج في سند إيجار السفينة، وإما الرجوع على المجهز والشاحنين الآخرين على أساس أن الخسائر الحاصلة خسائر بحرية مشتركة، وإذا ما رجع الشاحن بدعوى الاشتراك على أساس الخسائر المشتركة فإن للشاحنين الآخرين الرجوع بما دفعوه على المجهز بسبب خطأ الربان، ويجوز للمجهز أن يرجع مع الشاحنين على الربان إذا كان معفى من تحمل المسؤولية عن أخطاء الربان. وبناء على ما سبق لا يجوز للمسؤول عن الخطأ سواء أكان المجهز أم غيره أن يطلب إدراج أضراره أو نفقاته في عداد الخسائر البحرية المشتركة.

q أن يقصد من التضحية تحقيق منفعة مشتركة: حتى تعد التضحية التي يقوم بها الربان خسارة بحرية مشتركة يشترط أن يكون الهدف منها تحقيق منفعة مشتركة أي منفعة السفينة والبضاعة معاً، وعليه فإذا كان هدف الربان من التضحية إنقاذ الأشخاص فقط فلا تعد التضحية خسارة بحرية مشتركة، وكذلك الأمر إذا كان الهدف إنقاذ جزء من البضاعة من خطر لا يتناول الأجزاء الأخرى.

والأشخاص الذين يتم إنقاذهم عند التضحية لا يمكن أن يشتركوا في تحمل الخسائر المشتركة لأن حياة الناس لا تقدر بالمال، وكذلك البضائع والأمتعة الخاصة أو غير الواردة في سند الشحن لا تساهم في الخسارة، ولكن إذا تمت التضحية بهذه الأشياء فإن قيمتها تدخل في حساب الخسائر (المادة 337 من القانون البحري السوري) .

وهنالك أشياء تشحن على السفينة ولا تدخل في عداد الخسائر البحرية المشتركة إذا تم التضحية بها لسلامة الرحلة ولكنها تتحمل نصيباً من الخسائر إن هي أنقذت، وهذا الحكم قد نص عليه بوصفه عقوبةً على شحن بعض البضائع على السفن خلافاً للقانون، وقد نص قانون التجارة البحرية السوري على ثلاث حالات في المادتين (235-236) منه، وهي:

الحالة الأولى - البضائع المشحونة على سطح السفينة خلافاً للأعراف البحرية، ما لم يثبت مالكها أنه لم يوافق على شحنها بهذه الطريقة، والمقصود بعبارة البضائع المشحونة خلافاً للعادات البحرية، هو البضائع الموسوقة على سطح السفينة، وهو أمر مخالف للأعراف البحرية، فإذا هلكت لا يسمح لصاحبها بتقديم طلب التحاص، إلا إذا أثبت أنه لم يوافق على النقل على السطح.

الحالة الثانية - البضائع التي تقدم بيانات كاذبة عنها بأقل من قيمتها الحقيقية، حيث تسهم في الخسائر بقيمتها الحقيقية ولا تقبل في هذه الخسائر إذا هلكت أو تم التضحية بها إلا على أساس القيمة الواردة في البيانات.

الحالة الثالثة - البضائع التي تشحن خفية من دون علم الربان ومن دون سند شحن.

وقد اختلفت الآراء بخصوص تحقق نتيجة مفيدة معينة لتعد التضحية بالشروط السابقة خسارة بحرية مشتركة. حيث يرى البعض أنه لا بد من تحقق النتيجة المفيدة ونجاة السفينة والحمولة معاً حتى تعد الخسارة البحرية مشتركة، ويقول البعض الآخر أنه لا يشترط حصول نتيجة مفيدة، بل يكفي أن يقوم الربان بالعمل بقصد تحقيق منفعة عامة مشتركة أياً كانت نتيجة هذا العمل.

وقواعد يورك وأنفرس سارت مع الرأي الثاني فلم تشترط النتيجة المفيدة، أما قانون التجارة البحرية السوري فلم يقل صراحة بعدم اشتراط تحقق النتيجة المفيدة، إلا أنه لم يشترط حصولها عند تعريفه للخسائر البحرية المشتركة، مما يعني مسايرة ضمنية لقواعد يورك وأنفرس ،كما أنه أشار إلى ضرورة أن ينجو شيء من الرحلة البحرية ليكون هناك محل للتسوية عندما نص في المادة351  منه على أنه لا محل لأي تسوية في حالة الهلاك الكلي للأموال المشتركة في الرحلة البحرية.

ب - الأساس القانوني لنظرية الخسائر البحرية المشتركة:

(1) نظرية الإثراء بلا سبب: اتجه بعض الفقهاء إلى القول إن نظرية الخسائر البحرية المشتركة هي أحد التطبيقات العملية لنظرية الإثراء بلا سبب، فبإلقاء الربان جزءاً من البضاعة يعود لأحد الشاحنين، سيؤدي هذا إلى افتقار هذا الشاحن، وإنقاذ بقية البضائع يؤدي إلى إثراء بقية الشاحنين على حساب هذا الشاحن الذي فقد بضاعته، وبالتالي فإن له الرجوع بدعوى الإثراء بلا سبب على من أثرى على حسابه.

ويخالف بعضهم الآخر ما سبق بقولهم إن ما يحصل في حالة الخسائر البحرية المشتركة لا يتوافق مع أحكام نظرية الإثراء بلا سبب، لأنه إذا كان هناك خسارة من جانب طرف من الأطراف فإنه ليس هناك إثراء للطرف الآخر، لأن عدم  التعرض  لهلاك لا يمكن عده إثراء، لأن الإثراء هو الزيادة، ولا زيادة في إنقاذ أموال شخص من الهلاك.

وأيضاً لو كانت نظرية الخسائر المشتركة تطبيقاً من تطبيقات نظرية الإثراء بلا سبب لكان بالإمكان تطبيقها في مجال التجارة البرية أو الجوية، وهي في الواقع تقتصر على عمليات النقل البحري.

(2) وحدة المصالح بين المجهز والشاحنين: قال بعض الفقهاء إن نظرية الخسائر البحرية المشتركة إنما تقوم على اتحاد المصالح بين المجهز والشاحنين ضد المخاطر التي تنال الرحلات البحرية، وذلك بغية تفاديها مما يحقق مصالح الطرفين من خلال السماح للربان بالمبادرة بإلقاء بعض البضاعة في سبيل إنقاذ الرحلة البحرية. ويعاب على هذه النظرية أنها لا تقدم أساساً قانونياً دقيقاً لنظرية الخسائر البحرية المشتركة.

(3) تنفيذ اتفاق ضمني بين المجهز والشاحنين: ذهب هنا بعض الفقه إلى أن نظام الخسائر البحرية المشتركة نظام تجاري بحري مستقل يقوم في رأيهم على اتفاق ضمني بين أطراف الرحلة البحرية لتحمل المخاطر التي تتعرض لها على وجه الاشتراك.

(4) تنفيذ الربان لالتزاماته القانونية: يرى بعض الفقه أن نظام الخسائر البحرية المشتركة ما هو إلا نتيجة لتنفيذ ربان السفينة لالتزامه القانوني بتأمين سلامة الرحلة البحرية.

(5) نظام الخسائر البحرية المشتركة نظام عرفي: هناك اتجاه يقول إن نظام الخسائر البحرية المشتركة هو نظام بحري عرفي تأصل عبر الأزمان، واستقرار التعامل به هو خير أساس وسند يستند إليه، وفي الواقع فإن هذا الاتجاه منطقي وواقعي أكثر من غيره.

2- أنواع الخسائر البحرية المشتركة:

عدد قانون التجارة البحرية السوري في الفقرة الثانية من المادة (330) عشرة أنواع من الخسائر البحرية المشتركة، هي:

Ÿ إلقاء البضائع في البحر والأضرار التي تصيب السفينة أو الحمولة بسبب ذلك.

Ÿ تجنيح السفينة عمداً من أجل السلامة العامة وإطلاق العنان للأشرعة، أو زيادة البخار بقصد إعادة تعويمها والأضرار التي تلحق بالسفينة أو الحمولة بسبب ذلك.

Ÿ الأضرار التي تلحق السفينة والحمولة أو إحداهما بسبب صب الماء أو غـيره، أو إلحاق الضرر بالسفينة لإطفاء نار شبت فيها.

Ÿ النفقات التي تصرف في حالة الجنوح القهري لتخفيف حمولة السفينة واستئجار المواعين لهذا الغرض وإعادة شحن البضائع على السفينة.

Ÿ الأشياء والمؤن التي تقتضي السلامة العامة استعمالها وقوداً إذا كانت السفينة قد زودت بالوقود الكافي قبل تحركها ثم نفد بعد ذلك لأي سبب كان.

Ÿ نفقات لجوء السفينة لأجل السلامة العامة إلى مرفأ  أو مرسى بسبب ظـروف غير عادية، أو نفقات استئناف سفرها بحمولتها الأولى أو بجزء منها، وكذلك نفقات توجهها للإصلاح إلى مرفأ غير ذلك الذي ترسو فيه.

Ÿ نفقات تفريغ البضائع أو الوقود أو المؤن إذا كان ذلك ضرورياً لإصلاح ضرر يعدّ من الخسائر المشتركة ولا تستطيع السفينة متابعة الســفر من دون إصلاحه وما يتفرع عن ذلك من نفقات إعادة شحن البضائع وتستيفها وتخزينها والتأمين عليها، والأضرار التي تلحق الشحنة والوقود والمؤن أثناء القيام بهذه العمليات.

Ÿ أجور الربان والبحارة وقيمة الوقود والمؤن التي استهلكت في أثناء امتداد السفـر بسبب لجوء السفينة إلى مرفأ أو مرسى لتحتمي فيه أو لتجري فيه إصلاحات تعدّ من الخسائر المشتركة، وذلك خلال المدة المعقولة لتصبح السفينة صالحة لمتابعة السفر.

Ÿ نفقات مساعدة السفينة وقطرها.

Ÿ مصاريف تسوية الخسائر المشتركة.

والتعداد السابق جاء على سبيل الأمثلة وليس على سبيل الحصر، وعلى ضوء هذه الأمثلة يمكن تقسيم الخسائر البحرية المشتركة إلى نوعين أساسيين: النوع الأول هو خسائر الأضرار المادية أو العينية قد تلحق بالبضائع أو السفينة، والنوع الثاني هو الخسائر النقدية الاستثنائية التي قد تنفق لحماية الرحلة البحرية.

أ- خسائر الأضرار المادية أو العينية:

(1) الأضرار التي تطال البضائع:

¦ إلقاء البضائع في البحر: إلقاء البضائع في البحر هو الصورة الشائعة للخسائر البحرية المشتركة وذلك بغية التخفيف من الحمولة ولمساعدة السفينة على الطفو. ولم يضع المشرع السوري أي قواعد للربان عند إلقاء البضائع، وخيراً ما فعل لأن الربان في لحظة الخطر يكون له حرية التصرف بحسب الموقف وطبيعة الخطر.

¦ أضرار الحريق على السفينة: إذا أتلف الربان بعض البضائع لمنع انتشار الحريق فإن الأضرار الناشئة من هذا تعد خسائر بحرية مشتركة، وأما البضائع التي تحترق فتعد خسائر خاصة. فإذا كان الحريق ناجماً عن إهمال وتقصير فإن لصاحبها الرجوع على الربان مرتكب الخطأ أو على المجهز، إلا إذا كان الحريق ناجماً عن قوة قاهرة.

¦ استخدام البضائع المنقولة وقوداً: أي قيام الربان باستعمال الحمولة وقوداً في حال نفذ وقود السفينة وكان بقاؤها بانتظار وصول الإمداد خطراً على الرحلة البحرية، وقد نصت معظم القوانين ومنها قانون التجارة البحرية السوري على وجوب أن يكون الوقود كافياً في بداية الرحلة لكنه نفد بعد ذلك لسبب من الأسباب. إلا أن قواعد يورك وأنفرس تقضي باعتبار هذه الحالة من قبيل الخسائر المشتركة حتى لو كان نفاد الوقود بخطأ الربان إلا أنها لا تجيز للربان المخطئ إذا كانت البضائع المستعملة وقوداً من ممتلكاته الشخصية أن يطالب بمساهمة الآخرين معه في تحمل خسارته.

¦ الأضرار الناجمة عن تحميل البضائع على مواعين: الربان قد يقوم بتحميل جزء من الحمولة عن متن السفينة إلى مواعين أو زوارق صغيرة فتعد الخسائر التي تنجم عن هذه العملية خسائر بحرية مشتركة إذا أدت هذه العملية إلى تلف بعضها أو تضررها.

¦ الأضرار التي تلحق البضائع داخل السفينة: ممكن أن تصاب البضائع وهي داخل السفينة بأضرار معينة نتيجة إلقاء البضائع الأخرى فإذا توافرت في تلك الأضرار شروط الخسائر البحرية المشتركة عدت الأضرار اللاحقة بالبضائع الباقية داخل عنابر السفينة خسائر بحرية مشتركة أيضاً.

(2) الأضرار التي تطال السفينة:

ŸŸ الأضرار التي تطال السفينة لتسهيل الإلقاء في البحر: عد المشرع من الخسائر البحرية المشتركة إلقاء البضائع في البحر والأضرار التي تصيب السفينة والحمولة من جراء ذلك، والأضرار التي يتصور أن تلحق بالسفينة من جراء إلقاء البضائع كما لو ثقبت السفينة على نحو متعمد لتسهيل الإلقاء وتيسيره.

ŸŸ الأضرار الناجمة عن السرعة الزائدة الهادفة لتعويم السفينة: تناول القانون هذا النوع من الخسائر بقوله «إطلاق العنان للأشرعة أو زيادة البخار بقصد إعادة تعويمها». فقد تؤدي الزيادة الشديدة للسرعة في هذا الموضع إلى إلحاق أضرار بآلات السفينة، وعليه فإذا كان اللجوء إلى تلك السرعة الهدف منه حماية السفينة مما يهددها من خطر الغرق فإن الأضرار التي تنجم عن تلك العملية تعد خسائر بحرية مشتركة.

ŸŸ الجنوح المتعمد من قبل الربان: ممكن أن يقوم الربان بتجنيح السفينة على نحو متعمد إلى الساحل بحيث يمكن إعادة تعويمها منه تفادياً لخطر قد يطال الرحلة البحرية، فإذا لحق السفينة ضرر بنتيجة ذلك عد هذا الضرر خسائر بحرية مشتركة.

ŸŸ إلقاء ملحقات السفينة: يعد خسارة بحرية مشتركة الأضرار اللاحقة بالسفينة من جراء إلقاء ملحقاتها أو بعض الأجزاء المكملة للسفينة في البحر لتخفيف حمولتها وتأمين سلامة الرحلة البحرية.

ب - الخسائر النقدية: وهي المبالغ النقدية الاستثنائية التي ينفقها الربان بغية تأمين سلامة الرحلة البحرية ولمواجهة خطر محدق بالسفينة وحمولتها، ولكي تعد تلك الخسائر النقدية خسائر بحرية مشتركة يجب أن تختص بما يأتي:

(1) أن تكون نفقات استثنائية: أي النفقات التي ليست في عداد النفقات الملاحية المعتادة. كما لو تطلب الوضع استئجار سفينة لجر السفينة ومساعدتها على الطفو في حال قام الربان بتنشيبها على الساحل قصداً، أو كانت النفقات نتيجة لعمليات المساعدة البحرية المقدمة للسفينة.

(2) النفقات المعتادة التي تعود إلى حادث استثنائي: هناك نفقات تنفق في الرحلات البحرية على نحو اعتيادي، إلا أن حادثاً استثنائياً غير متوقع يطرأ فيؤدي إلى زيادتها أو إلى إنفاقها حيث لم يكن من المتوقع أن تنفق، ومنها:

ŸŸŸ نفقات القطر: قد يلجأ الربان إلى عملية القطر على نحو غير متوقع للرسو في ميناء معين حماية للسفينة والحمولة من خطر يتهددها، وبالتالي تعد نفقات هذا القطر خسائر بحرية مشتركة.

ŸŸŸ نفقات اللجوء إلى ميناء أو مرسى غير مقرر لهما: اللجوء هو الرسو في ميناء غير مخطط له في خط سير الرحلة البحرية، حيث يمكن أن يقوم الربان بالالتجاء إلى أحد الموانئ والرسو فيه لحماية السفينة وحمولتها من خطر يطال الرحلة البحرية فتعد نفقات هذا الالتجاء من رسوم وغيرها خسائر بحرية مشتركة.

ŸŸŸ أجور الطاقم وثمن الوقود والمؤن: إذا كانت الزيادة في مدة الرحلة أو طول البقاء في ميناء أو غيره ناجماً عن اختيار الربان لتأمين  سلامة الرحلة البحرية كانت نفقات أجور الطاقم والمؤن والوقود خسائر بحرية مشتركة.

ج - نفقات تلحق بالخسائر البحرية المشتركة: وهذه النفقات على نوعين:

(1) مصاريف بديلة عن مصاريف أخرى: وهي نفقات تصرف بدلاً عن نفقات أخرى  كانت ستدخل في عداد الخسائر البحرية المشتركة لو أنها أنفقت، كنفقات إصلاح السفينة في الحالة التي يقوم فيها الربان بتجنيح السفينة لحمايتها من بعض الأخطار المحدقة بها مما يلحق ضرراً بها، وتحتاج عندئذ إلى الإصلاح فتغدو نفقات الإصلاح خسائر بحرية مشتركة.

وتناول قانون التجارة البحرية هذا النوع من الخسائر البحرية المشتركة في المادة (334) منه التي تنص على أنه: «تعتبر خسارة مشتركة المصاريف التي أنفقت عوضاً عن مصاريف أخرى كان من الممكن اعتبارها من الخسائر المشتركة وذلك في حدود هذه المصاريف».

(2) مصاريف تسوية الخسائر المشتركة: وتشمل هذه النفقات والمصاريف مكافآت خبراء التسوية ومصاريف التحكيم، ذلك أنه تصرف لمصلحة جميع أطراف الرحلة البحرية نتيجة لوقوع خسارة مشتركة، وبالتالي لا بد من أن يشتركوا فيها، وعليه فإذا كانت هناك نفقة تحقق مصلحة طرف من الأطراف فقط فلا تعد خسارة مشتركة ولو كانت ناجمة عن عمليات التسوية.

ثانياً- تسوية الخسائر البحرية المشتركة:

تسوية الخسائر البحرية المشتركة يقوم بها خبراء متخصصون، وفي الغالب يكون أطراف هذه العملية شركات التأمين التي تتولى عملية التأمين للأطراف المستفيدة من الخسارة المشتركة، إذ إنها هي التي تتحمل نصيب المؤمن لديها من الخسارة.

وتتم تسوية الخسائر البحرية المشتركة وفق إجراءات محددة أمام المحكمة التي يقع في دائرتها في آخر مرفأ للتفريغ ووفقاً لقواعد تلك المحكمة وقوانينها، أو أن يتم الاتفاق على تطبيق قواعد غيرها كالقواعد الدولية في هذا الشأن.

1- قواعد تسوية الخسائر:

الرحلة البحرية كتلة مالية واحدة تتألف من السفينة وأجرتها التي تعود للمالك، والبضائع التي تعود للشاحن، وعندما يلقي الربان بجزء من البضاعة لتأمين سلامة الرحلة البحرية فلا بد أن يشترك جميع الأطراف الذين استفادوا من ذلك، وعند حصول الخسارة المشتركة تنقسم الأموال التي تشكل الرحلة البحرية إلى مجموعة متضررة هي قيمة الخسارة وتسمى المجموعة الدائنة، ومجموعة تضم الأموال غير المتضررة أي الأموال التي يجب أن تشترك في تحمل الخسارة وتسمى المجموعة المدينة، ويتم توزيع الخسائر على أساس النسبة في نصيب كل طرف بين المجموعتين الدائنة والمدينة.

أ - المجموعة الدائنة: المجموعة الدائنة تتألف من قيمة الخسائر الحاصلة التي يجب توزيعها على أطراف العلاقة في الرحلة البحرية، وهذه المجموعة تتضمن قيمة الأضرار والنفقات التي تنطبق عليها شروط الخسائر البحرية المشتركة.

(1) الأضرار التي تنال السفينة: الأضرار التي تنال السفينة من العمليات التي تتضمن التضحية لتأمين سلامة الرحلة البحرية تؤدي إلى دخول المجهز في المجموعة الدائنة، ولكن يجب التفريق بين هلاك السفينة هلاكاً كلياً وبين هلاكها جزئياً. ففي حالة هلاك السفينة هلاكاً كلياً فإن الذي يدخل في المجموعة الدائنة هو قيمة السفينة كما كانت سابقاً ويخصم منها القيمة التقديرية للإصلاحات التي ليست لها صفة الخسائر المشتركة، والثمن المتولد عن بيع حطام السفينة في حال كان هناك حطام. وفي حالة الهلاك الجزئي فإن تكاليف إصلاح السفينة تدخل في المجموعة الدائنة.

(2) الأضرار التي تنال البضائع: أوجب المشرع السوري  أن تقدر قيمة الأضرار التي تنال البضائع  على أساس القيمة التجارية لهذه البضائع وهي سليمة، ففي حالة الهلاك الكلي تسدد القيمة كاملة، أما في حالة الهلاك الجزئي فإن القيمة التي تدخل في المجموعة الدائنة تحدد على أساس الفرق بين قيمتها سليمة وقيمتها تالفة وذلك في آخر يوم لتفريغ السفينة في المرفأ المعين أولاً لوصولها أو في يوم انتهاء الرحلة البحرية إذا انتهت إلى غير المرفأ المذكور.

وقيمة البضاعة سليمة في مرفأ التفريغ تشمل قيمة شرائها في مرفأ الشحن مضافاً إليها أجرة النقل والربح الذي فات على الشاحن، وإذا كان الهلاك كلياً يخصم من هذه القيمة نفقات التفريغ والرسوم الجمركية.

(3) النفقات الاستثنائية لتأمين الرحلة البحرية: ويدخل في المجموعة الدائنة النفقات الاستثنائية لتأمين الرحلة البحرية حيث إن الربان يكون دائناً بمقدار ما أنفق، وعليه إثبات ما أنفقه. هذا وتدخل في حساب المجموعة الدائنة نفقات تسوية الخسائر المشتركة وتشمل أجور خبراء التسوية الذين يقومون بتحديد المبالغ التي تدخل في كل من المجموعتين الدائنة والمدينة وإجراء النسبة بينهما، كما تشمل الرسوم القضائية وغيرها من النفقات المتعلقة بالتسوية.

ب - المجموعة المدينة: هي الأموال التي استفادت من الأعمال التي قام بها الربان لتأمين سلامة الرحلة البحرية، وهي تشمل قيمة السفينة وأجرة النقل وقيمة البضائع.

(1) البضائع: البضائع التي أنقذت تدخل في المجموعة المدينة وتحسب قيمتها كاملة في ميناء التفريغ وفي يوم التفريغ نفسه، والعبرة هنا تكون للقيمة الصافية التي تصل إلى يد البائع، وبالتالي يجب أن يخصم من قيمة البضائع الإجمالية  الرسوم الجمركية ونفقات التفريغ وأجرة النقل.

(2) السفينة وأجرتها: يدخل المجهز في المجموعة  المدينة بقيمة السفينة وبأجرتها، أما السفينة فتقدر بحسب قيمتها الحقيقية الصافية في المرفأ الذي تنتهي فيه الرحلة بعد خصم النفقات التي يمكن أن تدفع كنفقات ميناء ورسوم دخول وخروج،مضافاً إليها قيمة الأضرار التي أصابتها عند الاقتضاء،  وأما أجرة السفينة فالمنطق يقتضي دخول المجهز بقيمتها كاملة في المجموعة المدينة، مع الأخذ بالنفقات الملاحية، والمشرع السوري نص في المادة 341 من قانون التجارة البحرية على دخول ثلثي أجرة السفينة الإجمالية في المجموعة المدينة مما يعني أنه خص النفقات الملاحية بمبلغ مقطوع قدره بثلث الأجرة الإجمالية.

أما إذا كانت الأجرة مستحقة في كل الأحوال فإنها لا تدخل في المجموعة المدينة، وذلك لأن المجهز لن يجني فائدة مما قام به الربان في هذه الحالة، فهو سيحصل على الأجرة في جميع الأحوال.

وأضاف المشرّع في المادة342 من قانون التجارة البحرية نفقات إدارية بما لا يتجاوز 5% من مجموع المبالغ التي تدخل في الخسائر المشتركة وتضاف هذه النفقات إلى المجموعة المدينة حتى تاريخ التسوية النهائية للخسائر المشتركة.

ج - توزيع الخسائر المشتركة: قضى المشرع السوري بأن يتم توزيع الخسائر المشتركة بين جميع الأطراف في الرحلة البحرية على أساس النسبة بين المجموعة الدائنة والمجموعة المدينة.

فيقوم خبراء التسوية بحساب النسبة بين المجموعتين حتى يتم تحديد نصيب كل عنصر من عناصر المجموعة المدينة في تحمل مجموع عناصر المجموعة الدائنة.

فالمجموعة الدائنة تكون دائماً أقل من المجموعة المدينة، وهكذا يتم حساب النسبة بينهما بتقسيم المجموعة الدائنة إلى المجموعة المدينة وتكون النسبة المستخلصة هي نسبة اشتراك كل من عناصر المجموعة المدينة في تحمل الخسارة المشتركة (المادة 344 من قانون التجارة البحرية).

ويقوم بتسوية الخسائر المشتركة خبير أو أكثر يعينه ذوو الشأن، فإذا لم يتفقوا يعينه قاضي الأمور المستعجلة لدى المحكمة التي يقع في دائرتها آخر مرفأ للتفريغ. أما إذا كان هذا المرفأ موجوداً خارج الجمهورية العربية السورية يكون الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها مرفأ التسجيل. وإذا لم يقبل جميع ذوي الشأن بالتسوية الصادرة من الخبير وجب عرضها على المحكمة المختصة بناء على طلب أحدهم للفصل فيها (المادة 345 من قانون التجارة البحرية).

2 - طرق تسوية الخسائر:

أ - التسوية الودية: عندما تتوافر شروط الخسائر البحرية المشتركة يقوم الربان بتقديم احتجاج بحري لدى السلطات البحرية في مرفأ الوصول يعلن فيه الخسارة المشتركة، ويعين الأطراف خبراء وتتم تسوية الخسارة المشتركة بالتراضي من دون اللجوء إلى القضاء.

ب - دعوى الاشتراك:

(1) إقامة الدعوى: إذا لم تتحقق التسوية ودياً، يقوم الدائن بإقامة الدعوى على المدينين بالخسارة البحرية المشتركة، وترفع الدعوى أمام المحكمة التي يقع في دائرتها آخر مرفأ للتفريغ، ونص قانون التجارة البحرية السوري على أنه إذا كان هذا الميناء خارج الجمهورية العربية السورية كان الاختصاص للمحكمة التي يقع في دائرتها مرفأ تسجيل السفينة (المادة 345 من قانون التجارة البحرية)، ولكل دائن بسبب خسارة بحرية مشتركة دعوى مباشرة وشخصية في مواجهة كل مدين لمطالبته بالوفاء بما يترتب عليه نتيجة الخسارة المشتركة.

وإذا وجد المدين أن قيمة ما يجب عليه أن يدفعه أكبر من الفائدة التي عادت عليه فإن له أن يترك أمواله التي تدخل في عداد المجموعة المدينة قبل تسلمها، كما لو كانت قيمة ما يلتزم به شاحن البضاعة أكبر من قيمة البضاعة التي أنقذت فإن له أن يتبع خيار الترك فلا يتسلم بضائعه.

ومالك السفينة إذا ما وجد أن ما يلتزم به في الخسائر البحرية المشتركة يزيد على قيمة السفينة وأجرة النقل فله أن يستعمل حق الترك أيضاً.

(2) الدفع بعدم قبول الدعوى: دعوى الشاحن على المجهز بالاشتراك في الخسارة التي لحقت البضائع غير مقبولة إذا لم يرسل إخطاراً مكتوباً بذلك إلى المجهز خلال ثلاثين يوماً تبدأ من يوم تسلم البضاعة، كما أن دعوى المجهز على الشاحن بالاشتراك في الخسارة البحرية المشتركة التي لحقت بالسفينة لا تقبل إذا لم يرسل المجهز إلى الشاحن إخطاراً خلال ثلاثين يوماً أيضاً تبدأ من يوم انتهاء الرحلة البحرية. وهذا ما قضت به المادة 350 من قانون التجارة البحرية فنصت أنه: «لا يقبل طلب الاشتراك في تسوية الخسائر المشتركة عن الأضرار التي لحقت البضائع إلا إذا أخطر المجهز أو الربان كتابة بذلك خلال ثلاثين يوماً من تسلم البضائع. وإذا كان الطلب متعلقاً بالأضرار التي لحقت السفينة وجب إخطار أصحاب البضائع به في الميعاد المذكور اعتباراً من يوم انتهاء الرحلة».

ومجال تطبيق هذا الدفع هو حالة المطالبة بالاشتراك في حالة الهلاك الجزئي للبضاعة، وفي الأضرار التي تطال السفينة، والدفع بعدم القبول يتصل بالدعوى الأصلية المتعلقة بالمطالبة بإثبات الخسائر المشتركة وتسويتها، أما إذا تمت التسوية وحدد نصيب كل طرف من الخسارة فإن الدعوى التي تقام للمطالبة بهذا النصيب غير خاضعة للدفع بعدم القبول وإنما تخضع لمدة التقادم التي أوردها القانون.

(3) تقادم الدعوى: يسقط بالتقادم حق دعوى الاشتراك في الخسائر البحرية المشتركة بمضي سـنتين من يوم وصول السفينة إلى المرفأ الذي كان معيناً لوصولها أو إلى المرفأ الذي انقطعت فيه الرحلة البحرية. وينقطع سريان تلك المدة - إضافة إلى الأسباب القانونية الأخرى التي ينقطع بها التقادم - بتعيين خبير التسوية، وفي هذه الحالة تسري مدة جديدة بالمدة نفسها من تاريخ التوقيع على تسوية الخسائر المشتركة أو من التاريخ الذي توقف فيه خبير التسوية عن عمله (المادة 352 من قانون التجارة البحرية).

3- ضمانات الوفاء بالخسائر البحرية المشتركة:

أ - الوفاء بالخسائر المشتركة: يتولى خبراء التسوية تحديد نسبة الاشتراك في الخسائر بعد تحديد قيمة كل من المجموعتين الدائنة والمدينة، بعدها تحسب حصة كل مدين وفق هذه النسبة كما ذكر سابقاً، هذا ولا تضامن بين الملتزمين بالمساهمة في الخسائر البحرية المشتركة، ومع ذلك إذا عجز أحدهم عن دفع نصيبه في هذه الخسائر وزع الجزء غير المدفوع على الآخرين بنسبة ما يلتزم به كل منهم في الخسائر المشتركة (المادة 349 من قانون التجارة البحرية).

ب - ضمانات الوفاء بالخسائر البحرية: للدائنون بالخسارة البحرية المشتركة ضمانات خاصة، ومن أهم هذه الضمانات:

(1) أعطى القانون للربان الحق في الامتناع عن تسليم البضائع التي تدخل في المجموعة المدينة أي التي يجب أن تسهم في الخسارة المشتركة، أو أن يطلب إيداعها لدى طرف ثالث ما لم يقدم أصحابها مبالغ نقدية كافية تضمن دفع نصيبهم من هذه الخسائر. ويحدد مبلغ الضمان باتفاق الأطراف، فإذا لم يتفقوا يرفع الأمر إلى قاضي الأمور المستعجلة فيقوم بتعيين خبير لتقدير قيمة الضمان الكافي.

وإذا لم يدفع الضمان يمكن للمحكمة أن تأمر ببيع البضائع كلها أو بعضها لتأمين مبلغ الضمان وفقاً للأحكام المقررة قانوناً فيما يخص التنفيذ على الأشياء المرهونة (المادة 347 من قانون التجارة البحرية). أما إذا قدم أصحاب البضائع المبالغ الكافية لضمان إسهامهم في الخسارة المشتركة فإنهم يستلمون بضائعهم ويودع مبلغ الضمان على الفور في حساب مصرفي مشترك يفتح باسم نائب عن المجهز ونائب عن أصحاب البضائع الذين دفعوا مبلغ الضمان، ولا يجوز سحب أي دفعة من هذه المبالغ لأي سبب كان إلا بإذن خطي من خبير التسوية، وإذا حصل خلاف بين أصحاب البضائع حول شخص النائب الذي ستودع باسمه المبالغ المدفوعة ضماناً فإن قاضي الأمور المستعجلة يقوم بتعيينه.

(2) عد القانون جميع الديون الناشئة من الخسارة البحرية المشتركة ديوناً ممتازة، ويقع هذا الامتياز فيما يخص المبالغ المستحقة لمجهز السفينة على البضائع التي أنقذت والتي يقع عليها عبء المشاركة، وإذا كانت هذه البضائع قد بيعت ينتقل الامتياز إلى الثمن الناجم عن بيعها.

أما فيما يتعلق بالمبالغ المستحقة لأصحاب البضائع التي أتلفت بضائعهم أو جزء منها لتأمين سلامة الرحلة البحرية فإن الامتياز يقع على السفينة وملحقاتها وأجرتها. وتعد هذه الديون متساوية في الوفاء باستثناء نفقات التسوية فإن لها الأولوية على ما عداها من الديون الناشئة من الخسارة البحرية المشتركة (المادة 348 من قانون التجارة البحرية).

مراجع للاستزادة:

- عبد الفضيل أحمد، القانون الخاص البحري في ظل قانون التجارة البحرية رقم 8 لعام 1990م (القاهرة،1991م).

- عبد القادر حسني العطير، الحاويات وأثرها في تنفيذ عقد النقل البحري (الكويت 1983م).

- علي البارودي، مبادئ القانون التجاري والبحري (الإسكندرية، 1977م).

- مصطفى كمال طه، أساسيات القانون البحري (بيروت 2006م).

- نجوان عيسى، الخسائر البحرية المشتركة (جامعة دمشق 2006م).

- هشام فرعون،القانون التجاري البحري (مطبعة جامعة دمشق 1995م).

- قانون التجارة البحرية السوري رقم 46 تاريخ 28/11/2006م.


التصنيف : القانون التجاري
النوع : القانون التجاري
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 369
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 958
الكل : 57466367
اليوم : 24638