logo

logo

logo

logo

logo

المحكمة الدولية ل-قانون البحار

محكمه دوليه لقانون بحار

international court for the law of the sea - cour internationale sur le droit de la mer

 المحكمة الدولية لقانون البحار

المحكمة الدولية لقانون البحار

ماهر ملندي

النشأة  
الطبيعة القانونية الغرف المختصة
الهيئة القضائية إجراءات التقاضي
الاختصاص الفعالية
 

يدل تاريخ العلاقات الدولية منذ الأزل على أن جذور النزاعات حول استخدام البحار هي بداية نشوب الخلافات بين الأمم، وخصوصاً بين هؤلاء الذين كانوا يؤيدون فكرة حرية الملاحة البحرية؛ وأولئك الذين كانوا يُناصرون ويحاولون جاهدين تكريس مبدأ السيطرة على أجزاء كبيرة من البحار العالية. ولهذا السبب أيضاً توالى عقد المؤتمرات الدولية بهدف إقرار حقوق والتزامات محددة للدول خلال استخدامها للمجالات البحرية المختلفة، وذلك ابتداءً من إبرام اتفاقيات جني&https://arab-ency.com.sy/law/details/26028/7#1700; الأربع لعام 1958م وإلى حين البدء بنفاذ اتفاقية جامايكا لعام 1982م حول قانون البحار، بدءاً من شهر تشرين الثاني/نو&https://arab-ency.com.sy/law/details/26028/7#1700;مبر لعام 1994م. وقد توصَّلت أخيراً اتفاقية عام 1982م إلى إقرار نظام متكامل لتسوية المنازعات المتعلقة بقانون البحار؛ بما في ذلك إحداث محكمة دولية متخصصة في هذا المجال؛ ألا وهي المحكمة الدولية لقانون البحار، وهذا ما يعدّ بذاته إنجازاً مهماً على صعيد تطور القانون الدولي المعاصر. فثمة منازعات عدة قد تنشب بدواعي الاستخدامات المختلفة للبحار؛ كتلك المتعلقة بممارسة السيادة على بعض المناطق البحرية وقواعد استخدامها؛ أو بشأن تحديد الحدود البحرية؛ أو المنازعات الخاصة بالتلوث والحوادث البحرية. إن التوصل إلى حلول عادلة ومنصفة يتطلب إيجاد مؤسسات قضائية يتمتَّع أعضاؤها بالخبرة والدراية في مجال قانون البحار؛ إضافة إلى متطلبات الاستقلالية والنزاهة. فقد اكتفى سابقاً البروتوكول الاختياري لعام 1960م الملحق باتفاقيات جني&https://arab-ency.com.sy/law/details/26028/7#1700; لعام 1958 بالنص على ضرورة اللجوء إلى قضاء محكمة العدل الدولية فيما يتعلَّق بتفسير بنود الاتفاقيات الأربع وتطبيقها، إلاَّ إذا اتفقت الأطراف على اللجوء إلى وسيلة أخرى لتسوية نزاعاتهم بهذا الشأن. في حين سعت اتفاقية جامايكا لعام 1982م ـ وكما سلف ـ إلى إقرار نظام قانوني متكامل لتسوية النزاعات المتعلقة بتفسير بنود الاتفاقية وتطبيقها، يتضمن وسائل سياسية ودبلوماسية تؤدي إلى حلول ملزمة أو غير ملزمة كاللجوء إلى التفاوض والمساعي الحميدة والوساطة والتحقيق والوساطة (المواد 279 وما بعدها)؛ وحلول قضائية وتحكيمية كإمكانية اللجوء إلى التحكيم العام أو الخاص أو إلى محكمة العدل الدولية أو إلى المحكمة الدولية لقانون البحار (المواد 276 وما بعدها). وهنا تجدر الإشارة إلى أهمية اللجوء إلى القضاء الدولي لتسوية المنازعات البحرية، ولكن لا ترتبط مثل هذه المنازعات بنقاط قانونية فحسب، وإنما أيضاً بمسائل جغرافية وسياسية واقتصادية وتقنية. وربما لهذا السبب لم تنظر سابقاً محكمة العدل الدولية إلاَّ في قلِّة من القضايا المتعلقة بالمنازعات البحرية نظراً لعدم تحقيق جميع متطلبات الخبرة القانونية والعملية الكافية لدى قضاتها بشأن المنازعات البحرية (مثل قضايا مضيق كورفو عام 1947 بين بريطانيا وألبانيا، وبحر الشمال عام 1969، وتحديد الجرف القاري بين تونس وليبيا عام 1982م وبين ليبيا ومالطا عام 1985م، والتنازع على الجزر بين البحرين وقطر عام 2001م، وقضية الحدود البحرية بين السلفادور وهندوراس عام 2002م…). وعليه فإن أهم ما يميَّز اتفاقية جامايكا لعام 1982م هو ابتكارها لصرح قضائي جديد ومتخصص يُضاف إلى البنيان القضائي الدولي الهادف إلى تدعيم السلم والأمن الدوليين وحفظهما؛ من خلال تسوية المنازعات الدولية حول استخدام البحار وتحديد الحدود البحرية. مع العلم أن ظاهرة القضاء الدولي المتخصص ليست جديدة على صعيد المجتمع الدولي، فهنالك اليوم المحاكم الإدارية الدولية ومحاكم حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية الدولية وجهاز تسوية المنازعات لدى منظمة التجارة العالمية.

أولاً ـ النشأة:

شهد المؤتمر الثالث لقانون البحار نقاشات متباينة عند البدء بدراسة موضوع تسوية النزاعات التي قد تنجم عن تفسير الاتفاقية المرتقبة حول قانون البحار وتطبيق بنودها؛ إذ ارتأت بعض الدول عدم جدوى إحداث محكمة دولية متخصصة للنظر في النزاعات البحرية؛ نظراً لوجود هيئة قضائية دولية تتصدى لجميع القضايا الخلافية ذات الطابع القانوني بين الدول؛ ألا وهي محكمة العدل الدولية، وبالتالي لا ضرورة لوجود محكمتين قد تصدران أحكاماً متضاربة ومختلفة، إضافة إلى رغبة الكثير من الدول في تسوية نزاعاتها باتباع إجراءات التحكيم الذي يحقق متطلبات الليونة والسرعة في التقاضي وتوافر الخبرة الفنية لدى المحكمين الذين ينظرون في النزاع. وقد عارضت معظم الدول النامية هذا التوجه الرافض لإحداث قضاء دولي متخصص بالنظر في النزاعات البحرية؛ متذرعة بأن لقانون البحار أبعاداً وتعقيدات كثيرة، كما تتسم بعض قواعده بالغموض والخضوع لتأويلات متعددة تحتاج إلى تفسيرات واضحة ومنصفة من هيئة قضائية دولية تتوافر لديها شروط الكفاءة والنزاهة والخبرة القانونية في مجال تسوية النزاعات الدولية البحرية، ومع الأخذ في الحسبان بأن محكمة العدل الدولية لا تنظر سوى في النزاعات التي قد تنشب بين دول فقط، في حين تحتاج مسألة تسوية النزاعات الدولية البحرية وجود هيئة قضائية تلجأ إليها ـ إضافة إلى الدول ـ المنظمات الدولية ذات الصلة، وخصوصاً إذا ما كان أحد أطراف النزاع السلطة الدولية لاستغلال قاع البحار أو أحد المتعاقدين معها. وهكذا فقد نشأت المحكمة الدولية لقانون البحار أولى الوسائل الإلزامية التي يجوز اختيارها لتسوية المنازعات المتعلقة بتفسير اتفاقية جامايكا لعام 1982م وتطبيقها. فقد نصت المادة (287) الفقرة 1 (أ) من الاتفاقية على الآتي: "تكون الدولة عند توقيعها أو تصديقها على هذه الاتفاقية أو انضمامها إليها أو في أي وقت بعد ذلك؛ حرة في أن تختار ـ بواسطة إعلان مكتوب ـ واحد (واحداً) أو أكثر من الوسائل التالية لتسوية المنازعات المتعلقة بتفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها:

أ ـ المحكمة الدولية لقانون البحار؛ المنشأة وفقاً للملحق السادس.

ب ـ محكمة العدل الدولية.

ج ـ محكمة تحكيم مشكَّلة وفقاً للملحق السابع.

هـ ـ محكمة تحكيم خاص؛ مشكَّلة وفقاً للملحق الثامن لفئة أو أكثر من فئات المنازعات المحددة فيه".

وقد بدأت المحكمة الدولية لقانون البحار عملها بدءاً من الثامن عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 1996م؛ أي بعد نحو سنتين من دخول اتفاقية جامايكا حول قانون البحار حيز النفاذ. وقد نصت المادة الأولى من النظام الأساسي للمحكمة المرفق مع الاتفاقية أن مقرها سيكون في مدينة هامبورغ بألمانيا الاتحادية، كما أن للمحكمة أن تعقد جلساتها وتمارس أعمالها في أي مكان آخر كلما رأت ذلك مناسباً. وهكذا أصبح اللجوء إلى قضاء المحكمة متاحاً لجميع أطراف الاتفاقية، وكذلك لغير أطرافها وفقاً للشروط المنصوص عليها في الملحق السادس للاتفاقية.

ثانياً ـ الطبيعة القانونية:

تتمتَّع المحكمة الدولية لقانون البحار بالشخصية القانونية الدولية المستقلة، وذلك وفقاً لأحكام المادة الأولى من الاتفاق المبرم في 18 كانون الأول/ديسمبر لعام 1997م بين المحكمة وهيئة الأمم المتحدة. ويتضح من أحكام اتفاقية قانون البحار لعام 1982م والنظام الأساسي للمحكمة أنها لا تمثل جهازاً قضائياً تابعاً للمنظمة الدولية؛ بعكس ما هو حاصل بالنسبة إلى محكمة العدل الدولية بكونها تمثل الجهاز القضائي الرئيسي لمنظمة الأمم المتحدة. وبهذه الصفة المستقلة تشارك المحكمة الدولية لقانون البحار في دورات انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفة مراقب عملاً بقرار الجمعية العامة رقم 504/51 لعام 1996م. وهنالك علاقة تنسيق وتعاون بين المحكمة والمنظمة الدولية باعتبار أن اللجوء إلى التسوية القضائية للمنازعات الدولية المتعلقة بقانون البحار تعدُّ إحدى الوسائل السلمية لتسوية المنازعات الدولية المنصوص عليها في المادة (33) من ميثاق هيئة الأمم المتحدة. ويجوز وفقاً لاتفاقية التعاون المعقودة بين المحكمة والمنظمة الدولية أن يقوم الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة أول من يمثله ـ وفي الحدود التي تسمح بها اللائحة الداخلية للمحكمة ـ بحضور جلسات المحاكمة فيما إذا نصت على موضوعات ذات اهتمام مشترك. وهذا ما ينطبق أيضاً على طبيعة العلاقة العضوية بين المحكمة والسلطة الدولية لاستغلال قاع البحار، فقد حددت أحكام اتفاقية جامايكا لعام 1982م وبالتفصيل نطاق عمل كلٍ من المحكمة والسلطة بدقة متناهية. وهنا تجدر الإشارة إلى ما نصت عليه المادة العاشرة من النظام الأساسي للمحكمة والتي تقضي بتمتع أعضائها عند مباشرتهم أعمال المحكمة بالامتيازات والحصانات الدبلوماسية، وهذا ما تمت إعادة تأكيده في اتفاقية الحصانات والامتيازات المبرمة بتاريخ 23 أيار/مايو لعام 1997م بين المحكمة والدول المصدقة على النظام الأساسي، وقد دخلت هذه الاتفاقية حيز النفاذ عام 2001م، وتتضمن بين بنودها جميع ما يتعلق بمنح الحصانات والامتيازات المقررة للمنظمات والهيئات القضائية الدولية المعمول بها على الصعيد الدولي، مثل الحصانات الشخصية لأعضاء المحكمة وموظفيها؛ وحرمة التعرض لمقرها ومحفوظاتها ووثائقها وأموالها وممتلكاتها؛ وإعفائها من الضرائب والرسوم؛ وغير ذلك من الحصانات والامتيازات الشبيهة بتلك المقررة لمحكمة العدل الدولية.

ثالثاً ـ الهيئة القضائية:

تتكون المحكمة الدولية لقانون البحار من قضاة منتخبين يمارسون أعمالهم بصورة مستمرة طوال فترة ولايتهم، وكذلك من قضاة مؤقتين أو متممين يتم اختيارهم وفقاً لشروط معينة كي يشاركوا زملاءهم من القضاة المنتخبين في النظر في بعض القضايا المعروضة أمام المحكمة وعلى قدم المساواة. وتنص المادة الثانية من النظام الأساسي للمحكمة على أنها تتشكل من هيئة مؤلفة من (21) عضواً مستقلاً، يُنتخبون من بين أشخاص يتمتعون بأوسع شهرة في الإنصاف والنزاهة ومشهود لهم بالكفاءة في مجال قانون البحار، وعلى أن يحقق تكوين المحكمة بجملتها تمثيل النظم القانونية الرئيسية في العالم والتوزيع الجغرافي العادل. وأضافت المادة الثالثة أنه لا يجوز أن يجتمع اثنان من أعضاء المحكمة من رعايا دولة واحدة. أما إذا أمكن لأغراض العضوية في المحكمة اعتبار شخص من رعايا أكثر من دولة واحدة؛ فإنه يُعدّ حينها هذا الشخص من رعايا الدولة التي يمارس فيها عادة حقوقه المدنية والسياسية؛ أي الأخذ بمبدأ الجنسية الفعلية كما ذكرتها المادة الثالثة من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية. كما لا يجب أن يقل عدد الأعضاء من كل مجموعة من المجموعات الجغرافية المتمثلة في المحكمة الدولية لقانون البحار عن ثلاثة أعضاء. وهنا يتوجب التنبيه على أنه قد تم الاتفاق على اعتماد المجموعات الجغرافية المحددة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ بحيث يكون هنالك خمسة قضاة لآسيا ومثيلهم لإفريقيا، وأربعة قضاة لأمريكا اللاتينية، ومثيلهم لأوربا الغربية والدول الأخرى وثلاثة قضاة لأوربا الشرقية. وربما يعود السبب في ارتفاع عدد قضاة المحكمة (21) عضواً مقارنة بعدد قضاة محكمة العدل الدولية (15) عضواً؛ إلى زيادة عدد الدول التي نالت استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية؛ واتساع اختصاص المحكمة الدولية لقانون البحار؛ ليشمل إضافة إلى الدول ـ كما هو معمول به حصراً لدى محكمة العدل الدولية ـ المنظمات الدولية والمؤسسات الحكومية والأشخاص الطبيعيين والشركات الاعتبارية، وهذا ما استدعى أيضاً إنشاء مجموعة من الغرف المتخصصة لدى المحكمة الدولية لقانون البحار من أجل النظر بسرعة وفعالية في القضايا المعروضة أمامها. وقد نصت المادة الرابعة من النظام الأساسي للمحكمة على أن لكل دولة طرف أن ترشح ما لا يزيد على شخصين ممن تتوافر فيهم صفات النزاهة والإنصاف والكفاءة في مجال قانون البحار، ويتم انتخاب أعضاء المحكمة من قائمة تتضمن أسماء الأشخاص المرشحين على هذا النحو. كما يعمد الأمين العام للأمم المتحدة في أول انتخاب لقضاة المحكمة ومسجِّل المحكمة في الانتخابات اللاحقة؛ إلى توجيه دعوة كتابية إلى الدول الأطراف وقبل ثلاثة أشهر على الأقل من تاريخ الانتخاب؛ لتقديم أسماء مرشحيها لعضوية المحكمة في غضون شهرين وإعداد قائمة بأسماء المرشحين حسب الترتيب الأبجدي لأسمائهم مع بيان الدول الأطراف التي رشحتهم؛ وموافاة هذه الدول بالقائمة قبل اليوم السابع من الشهر الأخير السابق لتاريخ كل انتخاب. ويتم انتخاب أعضاء المحكمة بالاقتراع السري خلال اجتماع للدول الأطراف يدعو إلى عقده الأمين العام للأمم المتحدة في الانتخاب الأول؛ ووفقاً للإجراء الذي تتفق عليه هذه الدول في الانتخابات اللاحقة؛ شريطة ألا يقل عدد الدول المشاركين في الانتخاب عن ثلثي عدد الدول الأطراف في اتفاقية عام 1982م. ويعدُّ منتخباً لعضوية المحكمة الدولية لقانون البحار أولئك الذين حصلوا على أغلبية ثلثي أصوات الدول الأطراف الحاضرة والمشاركة في التصويت؛ شريطة أن تضم أغلبية الدول الأطراف في الاتفاقية. كما نصت المادة الخامسة من النظام الأساسي للمحكمة، أن يُنتخب أعضاؤها مدة تسع سنوات، ويجوز إعادة انتخابهم على أن تنتهي فترة عضوية سبعة أعضاء من الذين انتخبوا في الانتخاب الأول بانتهاء فترة ثلاث سنوات، وأن تنتهي فترة عضوية سبعة أعضاء آخرين منهم بانتهاء فترة ست سنوات على تمتعهم بصفة العضوية. ويجري اختيار أعضاء المحكمة الذين ستنتهي فترة عضويتهم بانقضاء فترتي السنوات الثلاث والست؛ ويواصل أعضاء المحكمة أداء واجباتهم إلى أن تشغل مقاعدهم؛ مع إمكانية استمرارهم بالنظر في القضايا المعروضة أمامهم قبل تاريخ حلول قضاة آخرين محلهم، ويتولى عضو المحكمة المنتخب إملاء شاغر محل عضو لم تنته مدة ولايته، لإتمام مدة سلفه فقط. وتنتخب المحكمة رئيسها ونائبه لمدة ثلاث سنوات مع إمكانية التجديد، كما تعيِّن مسجِّلها وموظفيها عند الحاجة، ويقيم الرئيس والمسجل في مقر المحكمة (المادة 12 من النظام الأساسي للمحكمة). ولا يجوز لقضاة المحكمة ممارسة أي وظيفة سياسية أو إدارية، أو أن تكون لهم مشاركة فعلية أو مصلحة مالية لدى إحدى المؤسسات المعنية باستكشاف موارد البحار أو استغلالها؛ أو بأي استخدام تجاري آخر للبحار وقيعانها، أو القيام بدور الوكيل أو المستشار أو المحامي في أي قضية، ويتم الفصل بهذه المسألة بقرار يصدر بأغلبية أصوات بقية أعضاء المحكمة الحاضرين (المادة السابعة). كما لا يجوز لعضو في المحكمة أن يشترك في فصل قضية سبق له أن اشترك فيها بصفة وكيل أو مستشار أو محام لأحد الأطراف أو بصفته عضواً في محكمة وطنية أو دولية أو أي صفة أخرى. وإذا رأى أحد أعضاء المحكمة ـ لسبب خاص ـ أنه لا ينبغي له أن يشترك في الفصل بقضية معينة؛ عليه أن يُبلغ رئيس المحكمة بذلك، وللرئيس الحق أيضاً أن يُخطر أحد أعضاء المحكمة بعدم النظر في قضية معينة لسبب خاص (المادة الثامنة). أما إذا رأى بقية أعضاء المحكمة بالإجماع انتفاء الشروط المطلوبة في عضو؛ فيجوز حينها لرئيس المحكمة إعلان شغور مقعد هذا العضو (المادة التاسعة). ويشهد كل عضو من أعضاء المحكمة رسمياً في جلسة علنية ـ قبل مباشرته لواجباته ـ بأنه سيمارس عمله من دون تحيز وبوحي من ضميره (المادة الحادية عشرة). ويتلقى أعضاء المحكمة استحقاقات ومخصصات مالية كمرتبات وعلاوات وتعويضات معفاة من جميع الضرائب (المادة الثامنة عشرة). وتتحمَّل الدول الأطراف والسلطة الدولية لاستغلال قيعان البحار نفقات المحكمة وبالشروط والطريقة التي تقررها اجتماعات الدول الأطراف، كما تحدد المحكمة المبلغ الذي يتعيَّن على الطرف في قضية معروضة أمام المحكمة أن يسهم به في نفقاتها فيما إذا لم يكن دولة طرف أو السلطة (المادة التاسعة عشرة). ويجلس للقضاء جميع قضاة المحكمة الحاضرين على ألا يقل عددهم عن أحد عشر عضواً منتخباً، وتنظر المحكمة بنصابها القانوني هذا في جميع المنازعات والطلبات المقدمة إليها وتبت فيها (المادة الثالثة عشرة). أما إذا كان لدى المحكمة عند انعقادها قاضياً من جنسية أحد أطراف الدعوى؛ فيجوز حينها لأي طرفٍ آخر في النزاع أن يختار شخصاً للمشاركة كعضو في المحكمة بصفته قاضياً متمماً. أما في حال تعدد أطراف النزاع المعروض على المحكمة؛ فيتم تعيين القاضي المتمم اعتماداً على وجود مصلحة مشتركة لهؤلاء الأطراف؛ إذ يُعدُّون حينها طرفاً واحداً، وتفصل المحكمة في هذه المسألة، وهنا يتوجب على القضاة المتممين أن تتوافر لديهم الشروط الواجبة على زملائهم من القضاة المنتخبين (المادة السابعة عشرة). ويستفاد من هذا النص أنه يحق لكل طرف في النزاع تعيين قاضٍ متمم عندما لا تكون هنالك مصلحة مشتركة فيما بين هذه الأطراف. وتنطبق هذه الأحكام أيضاً على تكوين الهيئة القضائية لدى غرف المحكمة المنصوص عليها في المادتين (14) و(15) من النظام الأساسي للمحكمة الدولية لقانون البحار.

رابعاً ـ الاختصاص:

لعل أول ما يُلاحظ بصدد اختصاص المحكمة الدولية لقانون البحار أنها لا تتمتع ـ بحسب نظامها الأساسي ـ سوى بالاختصاص القضائي، أي لا يحق لها إصدار فتاوى قضائية ذات طابع استشاري غير ملزمة قانوناً؛ باستثناء ما هو مقرر بالنسبة إلى اختصاص غرفة منازعات قاع البحار. كما يلاحظ كذلك اتساع نطاق الاختصاص الشخصي للمحكمة؛ إذ يكون اللجوء إليها متاحاً ليس للدول الأطراف في اتفاقية عام 1982م فحسب؛ وإنما أيضاً للكيانات الأخرى من غير الدول الأطراف، والمقصود بذلك الأقاليم المتمتعة بالحكم الذاتي والتي تكون وفقاً لمواثيقها ذات اختصاص في المسائل التي تخضع لاتفاقية 1982م وتعترف بها الأمم المتحدة بهذه الصفة، وكذلك المنظمات الدولية الحكومية شريطة أن تكون أغلبية الدول الأعضاء فيها من الدول الموقعة على اتفاقية عام 1982م، إضافة إلى السلطة الدولية لقاع البحار والأشخاص الطبيعيين والمؤسسات الاعتبارية التي يحق لها اللجوء إلى غرفة منازعات قاع البحار وليس إلى المحكمة بهيئتها العامة (المادة عشرون من النظام الأساسي للمحكمة والجزء الحادي عشر من اتفاقية عام 1982م حول قانون البحار). ويشمل اختصاص المحكمة جميع المنازعات والطلبات المحالة إليها والمسائل المنصوص عليها تحديداً في أي اتفاق آخر يمنح الاختصاص للمحكمة (المادة 21). كما يجوز ـ إذا اتفق على ذلك جميع الأطراف في معاهدة أو اتفاقية نافذة تتعلق بإحدى المسائل التي تعالجها اتفاقية عام 1982م ـ أن يُحال إلى المحكمة وفقاً لهذا الاتفاق أي نزاع يتعلق بتفسير تلك المعاهدة أو الاتفاقية أو تطبيقهما (المادة 22). وتختص المحكمة الدولية لقانون البحار بالنظر في طوائف المنازعات المنصوص عليها في المادة (297) من اتفاقية عام 1982م حول قانون البحار، وهي تلك المنازعات المتعلقة بتفسير هذه الاتفاقية أو تطبيقها بشأن ممارسة دولة ساحلية لحقوقها السيادية أو ولايتها فيما يتعلق بممارسة حريات الملاحة وحقوقها؛ أو فيما يتعلق بالتحليق أو وضع الكابلات وخطوط الأنابيب المغمورة أو غير ذلك من أوجه استخدام البحر المشروعة دولياً كحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها وإجراء البحث العلمي البحري. ويجوز استثناء بعض المنازعات المتعلقة بقانون البحار من اختصاص المحكمة كتلك المتعلقة بتعيين الحدود البحرية وبالأنشطة العسكرية؛ والمنازعات التي يمارس بصددها مجلس الأمن الدولي الوظائف التي خصه بها ميثاق هيئة الأمم المتحدة (المادة 298 من اتفاقية عام 1982م). ويحق للمحكمة أن تفرض تدابير مؤقتة أو تعدلها أو تلغيها ـ حتى لو لم تكن مختصة بالنظر في نزاع ما ـ بانتظار إحالة النزاع إلى الجهة المختصة؛ ما دامت الصفة المستعجلة للحالة تتطلب ذلك، أو في حال عدم التوصل إلى الاتفاق على تشكيل محكمة التحكيم المنصوص عليها في الاتفاقية في غضون فترة أسبوعين (المادة 290 من اتفاقية عام 1982م). وتنظر المحكمة أيضاً في مسائل الإفراج السريع عن السفن وطواقمها التي ترفع علم دولة طرف غير علم الدولة الحاجزة، وذلك عند عدم التوصل إلى اتفاق حول المحكمة التي ستنظر في هذه المسألة في غضون عشرة أيام من وقت الاحتجاز، أو إذا لم تقم الدولة المحتجزة بتحديد المحكمة المختصة وفقاً لأحكام المادة (287) من اتفاقية عام 1982م (المادة 292 من الاتفاقية). وقد أحالت المادة (23) من النظام الأساسي للمحكمة مسألة القانون الواجب التطبيق على القضايا التي تنظر بها المحكمة إلى أحكام المادة (293) من اتفاقية عام 1982م والتي ذكرت بأن تطبق المحكمة ذات الاختصاص ـ ومنها المحكمة الدولية لقانون البحارـ نصوص اتفاقية جامايكا وقواعد القانون الدولي غير المتنافية مع الاتفاقية، وبما لا يخل من سلطة المحكمة في البت وفقاً لمبادئ العدالة والإنصاف إذا اتفقت الأطراف على ذلك. أي بتعبير آخر بإمكان المحكمة الدولية لقانون البحار الاستناد إلى ما نصت عليه المادة (38) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية حول مصادر القانون الدولي من اتفاقيات وأعراف ومبادئ عامة واجتهادات قضائية وفقهية.

خامساً ـ الغرف المختصة:

أجاز النظام الأساسي للمحكمة الدولية لقانون البحار تشكيل غرف خاصة لدى المحكمة، تتألف كل منها من ثلاثة قضاة أو أكثر من الأعضاء المنتخبين وبالقدر الذي تراه المحكمة ضرورياً لمعالجة فئات معينة من المنازعات المتعلقة بتفسير أحكام اتفاقية جامايكا لعام 1982م حول قانون البحار وتطبيقها. كما يجوز للمحكمة أن تشكل غرفة للنظر في أي نزاع معين يُحال إليها إذا طلبت الأطراف ذلك، وتبتُّ في تكوين تلك الغرفة بموافقة الأطراف. كما تشكل المحكمة سنوياً ـ بقصد الإسراع في تصريف الأعمال ـ غرفة مؤلفة من خمسة قضاة منتخبين للنظر في المنازعات التي تتطلب إجراءات موجزة، ويتم اختيار عضوين بديلين بهدف الحلول محل من يتعذَّر اشتراكه من الأعضاء في مرحلة معينة بقضية ما تنظر بها المحكمة، وتعدُّ الأحكام الصادرة عن هذه الغرف أحكاماً صادرة عن المحكمة (المادة 15 من النظام الأساسي). وللعلم تنص المادة (28) من لائحة المحكمة أن يكون رئيس المحكمة الدولية لقانون البحار ونائبه قطعاً من بين القضاة الخمسة التي تتشكل منها غرفة الإجراءات المختصرة. وتسهم إنشاء مثل هذه الغرف في سرعة الفصل بالقضايا المعروضة على المحكمة من قبل قضاة أكثر تخصصاً في موضوع النزاع. وقد أنشأت المحكمة الدولية لقانون البحار عام 1997م غرفة قضائية دائمة لديها للنظر في منازعات مصائد الأسماك وحفظ الموارد البحرية الحية وإدارتها، وتتكون هذه الغرفة وكذلك غرفة الإجراءات المختصرة من سبعة قضاة لكل منهما يتم اختيارهم لمدة ثلاث سنوات. ومع ذلك تبقى غرفة منازعات قاع البحار ـ المنصوص على إنشائها في المادة (14) من النظام الأساسي للمحكمة ـ أهم غرف المحكمة لكونها تتمتع باختصاصات محددة ذات صفة دائمة. وتتكون الغرفة من أحد عشر قاضياً يختارهم أعضاء المحكمة المنتخبون من بينهم بالأغلبية وبما يكفل تمثيل النظم القانونية الرئيسية في العالم والتوزيع الجغرافي العادل، ويجوز لجمعية السلطة الدولية لاستغلال قاع البحار أن تعتمد توصيات ذات طابع عام يتعلق بهذا التمثيل والتوزيع. ومدة العضوية في الغرفة هي ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة ثانية، وتنتخب الغرفة رئيسها من بين أعضائها بالاقتراع السري، وتستمر الغرفة بكامل هيئتها الأصلية بالنظر في القضايا التي تتولاها لغاية انتهاء فترة سنوات ولايتها الثلاث، ويقتضي تشكيلها توافر نصاب قانوني من سبعة قضاة (المادة 35 من النظام الأساسي). وهكذا يتضح أن المحكمة ملزمة بإنشاء غرفة منازعات قاع البحار خلافاً للغرف الخاصة الأخرى التي تملك المحكمة سلطة تقديرية في إنشائها. كما أن غرفة منازعات قاع البحار ملزمة بإنشاء غرفة مخصصة تتألف من ثلاثة قضاة يتم اختيارهم من بين أعضائها بموافقة أطراف النزاع، وبخلاف ذلك يقوم كل طرف بتسمية أحد أعضاء الغرفة، ويعيَّن الطرف الثالث بالاتفاق فيما بين أطراف النزاع، وإلاَّ أقدمت غرفة منازعات قاع البحار على تعيين هؤلاء القضاة مباشرة بعد التشاور مع الأطراف المعنية. ولا يجوز أن يكون قضاة الغرفة المخصصة من العاملين في خدمة أي طرف من أطراف النزاع أو من رعاياه (المادة 36). ويكون اللجوء إلى غرفة منازعات قاع البحار متاحاً لجميع الدول الأطراف في اتفاقية عام 1982م وللسلطة الدولية لاستغلال قاع البحار والكيانات الأخرى (المادة 37). كما تطبق قواعد السلطة وأنظمتها وإجراءاتها وأحكام العقود المتعلقة بأنشطة قاع البحار، وذلك إضافة إلى القانون الواجب التطبيق لدى المحكمة الدولية لقانون البحار (المادة 38)، وتكون قراراتها قابلة للتنفيذ في أقاليم الدول الأطراف (المادة 40). وهنا تجدر الإشارة إلى أن لغرفة منازعات قاع البحار ولاية إلزامية فيما يتعلق بتسوية النزاعات المتعلقة بالأنشطة في منطقة قاع البحار؛ وبغض النظر عن الإعلانات الصادرة عن الدول الأطراف باختيار وسيلة أخرى لتسوية نزاعاتها في هذا الصدد (المادة 287 من اتفاقية عام 1982م). وتختص الغرفة بالنظر في المنازعات بين الدول الأطراف بشأن تفسير البنود المتعلقة بالأنشطة في منطقة قاع البحار أو تطبيقها، أو المنازعات بين دولة طرف والسلطة الدولية لاستغلال قاع البحار فيما يتعلق بانتهاك البنود المتعلقة بهذه الأنشطة أو بالادعاءات حول تجاوز السلطة لولايتها أو إساءة استعمال صلاحياتها، أو المنازعات بين أطراف في عقد ما سواء أكانت دولاً أطرافاً أم السلطة أم المؤسسة أم هيئات حكومية أم أشخاصاً طبيعيين أو اعتباريين، وكذلك المنازعات بين السلطة ومتعاقد محتمل زكتَّه دولة طرف بشأن رفض التعاقد أو أي مسألة قانونية تنشأ خلال التفاوض على العقد (المادة 187 من اتفاقية عام 1982م). ولا تكون لغرفة منازعات قاع البحار ولاية بشأن ممارسة السلطة لصلاحياتها التقديرية؛ اذ تقتصر ولايتها على البت في الادعاءات المتعلقة بالالتزامات التعاقدية وبتجاوز الولاية أو إساءة استعمال السلطة، وكذلك بمطالبة التعويض المالي عن الأضرار أو غيرها من التعويضات الناجمة عن الإخلال بالالتزامات التعاقدية (المادة 189). ويجوز للدولة المزكيِّة حق الاشتراك في الدعوى التي يكون أحد أطرافها شخصاً طبيعياً أو اعتبارياً (المادة 190). وبخلاف ما هو منصوص عليه بالنسبة إلى المحكمة الدولية لقانون البحار ـ التي لا يجوز لها بهيئتها العامة أن تصدر آراء استشارية ـ يحق لغرفة منازعات قاع البحار إصدار مثل هذه الآراء بصورة مستعجلة في المسائل القانونية الداخلة باختصاصها، ويقتصر الحق بطلب إصدار الآراء من الغرفة على جمعية السلطة الدولية لاستغلال قاع البحار أو مجلسها (المادة 191).

سادساً ـ إجراءات التقاضي:

تُعرض المنازعات أمام المحكمة الدولية لقانون البحار إما بإخطار مسجِّل مرفقاً معه الاتفاق الخاص باللجوء إلى المحكمة؛ وإما بناءً على طلب كتابي موجَّه إلى مسجِّل المحكمة. وفي أي من هاتين الحالتين لابد من بيان موضوع النزاع وأطرافه. ثم يقوم المسجِّل بالإخطار الفوري لكل من يعنيهم الأمر بالاتفاق الخاص أو بالطلب، بمن فيهم أطراف النزاع (المادة 24 من النظام الأساسي للمحكمة). ويكون للمحكمة ولغرفة منازعات قاع البحار التابعة لها سلطة اتخاذ تدابير مؤقتة، وتتولى هذه المهمة غرفة الإجراءات الموجزة في حال عدم انعقاد المحكمة أو إذا لم يتوافر النصاب القانوني لانعقادها، كما يجوز اتخاذ مثل هذه التدابير المؤقتة بناءً على طلب أحد أطراف النزاع، وهي تكون قابلة للمراجعة والتعديل من قبل المحكمة (المادة 25). ويتولى إدارة جلسات المحاكمة رئيس المحكمة أو نائبه أو أقدم قضاة المحكمة الحاضرين، وتكون الجلسة علنية إلا إذا قررَّت المحكمة غير ذلك، أو إذا طلبت أطراف النزاع عدم السماح للعموم بحضورها (المادة 26). وتُصدر المحكمة الأوامر لتسيير الدعوى وتقرر الشكل والوقت اللذين يتعيَّن بهما على كل طرف أن ينتهي من مرافعاته ، كما تقوم باتخاذ جميع الترتيبات المتعلقة بتلقيِّ البيانات (المادة 27). أما إذا لم يمثل أحد الطرفين أمام المحكمة أو لم يتقدم بدفوعاته؛ فيجوز للطرف الآخر أن يطلب من المحكمة مواصلة النظر في القضية، وعلى المحكمة قبل اتخاذ قرارها أن تتأكد أنها ذات اختصاص في النزاع؛ وأن المطالبة تقوم على سند سليم في الواقع والقانون (المادة 27). وإذا رأت دولة طرف في اتفاقية عام 1982م أن لها مصلحة ذات طبيعة قانونية يمكن أن تتأثر بالحكم في أي نزاع؛ فيجوز لها أن تقدَّم طلباً إلى المحكمة لتسمح لها بالتدخل، ويعود أمر الفصل في هذا الطلب إلى المحكمة، ويكون حكم المحكمة بشأن الفصل بالنزاع ملزماً للدولة الطرف المتدخلة بقدر ما يتصل بالمسائل التي تدخّلَت تلك الدولة الطرف بشأنها (المادة 31) وتُصدر المحكمة أحكامها بأغلبية القضاة الحاضرين، ويكون لرئيس المحكمة أو لعضو المحكمة الذي يحل محله الصوت المرجح في حال تساوي الأصوات (المادة 29). وللمحكمة أن تبيِّن في حكمها الأسباب التي استندت إليها وأسماء أعضاء المحكمة الذين اشتركوا في اتخاذ القرار، كما يحق لأي عضو شارك باتخاذ الحكم أن يُصدر رأياً منفصلاً، ويوقعِّ رئيس المحكمة والمسجِّل على الحكم ويُتلى في جلسة علنية للمحكمة بعد تقديم الإشعار الواجب لأطراف النزاع (المادة 30). وتصدر الأحكام بصورة قطعية وعلى جميع أطراف النزاع الامتثال لها، ولكن لا تكون لهذه الأحكام أي قوة ملزمة إلاَّ لأطراف النزاع وبصدده عملاً بقاعدة نسبية الأحكام. ويجوز للمحكمة تفسير معنى الحكم ونطاقه بناء على طلب أي طرف (المادة 33)، ويتحمل كل طرف تكاليف الدعوى مالم تقرر المحكمة خلاف ذلك (المادة 34).

سابعاًـ الفعالية:

استطاعت المحكمة الدولية لقانون البحار أن تفصل في العديد من القضايا منذ بداية عملها في شهر تشرين الأول/أكتوبر لعام 1996م، وأصدرت أحكاماً مختلفة فيما يتعلق بتفسير البنود الواردة في اتفاقية جامايكا لعام 1982م حول قانون البحار وتطبيقها. وكانت أولى هذه القضايا النزاع المتعلق بسفينة سان فينسن وغرينادين، فقد أقدمت هذه السفينة على تزويد ثلاث سفن صيد بالوقود في المنطقة الاقتصادية الخالصة لدولة غينيا حيث قامت زوارقها التابعة للجمارك بتفتيش السفينة واقتيادها إلى أحد موانئها واحتجازها وتفريغ حمولتها والقبض على أفراد طاقمها، وهنا لجأت دولة علم السفينة (سان فينسن وغرينادين) إلى المحكمة الدولية لقانون البحار مطالبة بالإفراج عن السفينة وطاقمها عملاً بأحكام المادة (292) من اتفاقية عام 1982م. وبعد النظر في القضية قررت المحكمة اتخاذ مجموعة من التدابير التحفظية ومنها إلزام دولة غينيا بالامتناع عن اتخاذ أي تدبير قضائي أو إداري ضد السفينة وطاقمها ومالكيها، كما أوصت المحكمة أطراف النزاع بالبحث عن تسوية مؤقتة وعدم القيام بأي عمل من شأنه الإسهام في تفاقم النزاع ريثما يصدر الحكم النهائي. وقد ارتأت المحكمة أن جنسية السفينة هي مسألة واقعية يجوز إثباتها بجميع وسائل الإثبات، وأن قاعدة وجود رابطة فعلية بين الدولة والسفينة التي ترفع علمها تقتضي بأن تحترم دولة علم السفينة الواجبات الملقاة على عاتقها. كما أقرَّت المحكمة أن قاعدة الحماية الدبلوماسية يتم تطبيقها عندما ترتكب الدولة عملاً تخالف فيه أحد التزاماتها الدولية ذات الصلة بمعاملة الأجانب، وبالتالي لا يجوز تطبيق شرط استنفاد وسائل التقاضي الداخلية في حال انتفاء وجود رابطة قضائية بين الأشخاص الطبيعيين والمعنويين التي قدَّمت دولة علم السفينة مطالبات بشأنهم والدولة التي وجِّهت إليها هذه المطالبات؛ وهي دولة غينيا. كما قررت المحكمة بألا يجوز للدولة الساحلية تطبيق تشريعاتها الجمركية في منطقتها الاقتصادية الخالصة وبما يتجاوز حدود المنطقة المتاخمة، ويعدَّ جميع الأشخاص الموجودين على متن السفينة مرتبطين بدولة علم السفينة بغض النظر عن جنسياتهم، وأن السلطات المختصة في غينيا لم تحترم شروط المطاردة الحثيثة. ومع أن المحكمة قد أقرَّت بحكمها الصادر في الرابع من شهر كانون الأول/ديسمبر لعام 1997م بمشروعية عملية احتجاز السفينة من قبل دولة غينيا وفقاً لأحكام المادة (73) من اتفاقية عام 1982م؛ فإنها ألزمت دولة غينيا بالإفراج السريع عن هذه السفينة وأفراد طاقمها مقابل كفالة أو ضمان مالي معقول تدفعه دولة علم السفينة، والتي يحق لها بالمقابل الحصول على تعويض عن الأضرار المباشرة التي أصابتها ولحقت بالسفينة والأشخاص الذين كانوا على متنها. وهنا تجدر الإشارة إلى أن غينيا لم تمتثل لحكم المحكمة فيما يتعلق بالإفراج عن السفينة، وهذا ما حدا دولة سان فينسن وغرينادين على اتخاذ الإجراءات اللازمة لعرض النزاع على محكمة تحكيم تشكَّل وفقاً للمرفق السابع من اتفاقية عام 1982م.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ إبراهيم محمد الدغمة، القانون الدولي الجديد للبحار والمؤتمر الثالث واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار (دار النهضة العربية، القاهرة 1998م).

ـ صلاح الدين عامر، القانون الدولي الجديد للبحار (دار النهضة العربية، القاهرة 1982م).

ـ عبد المنعم محمد داؤد، القانون الدولي للبحار والمشكلات العربية البحرية (منشأة المعارف، الإسكندرية 1999م).

ـ محمد صافي يوسف، المحكمة الدولية لقانون البحار (دار النهضة العربية، القاهرة 2003م).


التصنيف : القانون الدولي
النوع : القانون الدولي
المجلد: المجلد السابع: المحكمة الجنائية الدولية _ ولاية المظالم في الإسلام
رقم الصفحة ضمن المجلد : 17
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 564
الكل : 29615825
اليوم : 70741