logo

logo

logo

logo

logo

قضاء التحقيق الابتدائي

قضاء تحقيق ابتدايي

preparatory investigation court - cour d’instruction préparatoire

 قَضَاءُ التَّحقيق ِالابتِدَائيِّ

قَضَاءُ التَّحقيق ِالابتِدَائيِّ

حلا زودة

قاضي التحقيق

قاضي الإحالة

 

إن مرحلة التحقيق الابتدائي L’instruction préparatoire مرحلة قضائية مهمة من المراحل التي تمر بها دعوى الحق العام، ذلك أن كثيراً من الجرائم لا يمكن أن تصل إلى قضاء الحكم بصورة مباشرة ما لم تمر أولاً في مرحلة قضائية يستكمل فيها جمع الأدلة، وتستوضح خفايا الجريمة، ويتم فيها تحضير الدعوى بصورة مناسبة كي ينظر فيها قضاة الموضوع.

وهكذا تبدو الغاية الأساسية من مرحلة التحقيق الابتدائي تحضير الدعاوى وإحالة الجدي منها والقائم على أساس قوي من القانون والوقائع إلى المحاكم.

وإن مرحلة التحقيق الابتدائي لازمة ولا غنى عنها في الجنايات التي لا يجوز فيها إقامة الدعوى العامة مباشرة أمام محاكم الجنايات، بل لا بد من مرورها في مرحلة التحقيق أولاً، كما يكون التحقيق الابتدائي ضرورياً في الجرائم مجهولة الفاعل، إذ ينبغي إحالتها إلى قضاء التحقيق لكي يتم التوصل إلى معرفة الجاني، وإلا فلا يمكن الاستمرار في الدعوى وتحريكها أمام المحاكم ضد مجهول، وفيما عدا ذلك فإن اللجوء إلى قضاء التحقيق يكون اختيارياً.

وفي قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري يتولى مهمة التحقيق الابتدائي قضاة مستقلون عن قضاة الحكم استناداً إلى مبدأ الفصل بين وظائف الادعاء والتحقيق والمحاكمة، ويجري التحقيق الابتدائي على درجتين هما: قاضي التحقيق الذي يمثل الدرجة الأولى، وقاضي الإحالة الذي يمثل الدرجة الثانية.

أولاً ـ قاضي التحقيق:

يعدّ قاضي التحقيق الدرجة الأولى من درجات التحقيق الابتدائي، ويتجلى عمله الأساسي في جمع الأدلة وتمحيصها بغية تحديد مصير الدعوى، إما بمنع المحاكمة وإما بإحالة المدعى عليه إلى الجهة القضائية المختصة.

وتصل الدعوى إلى قاضي التحقيق عبر ادعاء النيابة العامة أو المضرور من الجريمة، وفي حالة الجرم المشهود أيضاً، وإحالة الدعوى إليه من محاكم الجنح والمخالفات عندما يتبين لها أن الفعل الذي أقيمت به الدعوى أمامها بادعاء مباشر هو من نوع الجناية، كما تصل الدعوى إلى قاضي التحقيق بطريق تعيين المرجع عند حدوث تنازع على الاختصاص بينه وبين مرجع قضائي آخر، وبطريق نقل الدعوى إذا استدعت ذلك متطلبات المحافظة على الأمن العام أو لوجود أسباب تدعو إلى الارتياب المشروع في نزاهة القاضي الناظر في الدعوى.

وعندما تدخل الدعوى حوزة قاضي التحقيق بإحدى الطرق سالفة الذكر فإن عليه التقيد بالوقائع التي أقيمت بها، فلا يجوز له التصدي لوقائع جديدة بالتحقيق (التقيد بمبدأ عينية الدعوى)، غير أنه لا يتقيد بشخص المدعى عليه (لا يتقيد بمبدأ شخصية الدعوى)، فإذا تبين له في أثناء التحقيق أن هناك أشخاصاً متورطين في الجريمة فإنه يتخذ إزاءهم الإجراءات القانونية وإن لم يتم الادعاء عليهم، كما يمكن أن تقام الدعوى العامة أمامه ضد مجهول فيباشر معاملات التحقيق حتى يستهدي إلى فاعل الجريمة (المادة 67 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، ولذلك فإن قاضي التحقيق يتقيد بعينية الدعوى، لكنه لا يتقيد بشخصيتها.

وإضافة إلى أنه لا يتقيد بالوصف الذي أقيمت به، فله مطلق الحرية في إسباغ الوصف القانوني الصحيح على الواقعة، كما يملك حق البحث في الأسباب المشددة والأعذار المحلة والأعذار المخففة القانونية وأسباب التبرير وموانع العقاب، في حين يمتنع عليه البحث في الأسباب المخففة التقديرية؛ لأنها من حق محاكم الموضوع فقط.

1ـ طبيعة عمل قاضي التحقيق: في سبيل استكمال جمع الأدلة وتنظيم ملف الدعوى وتقرير إحالته إلى قضاء الحكم من عدمه يمارس قاضي التحقيق مجموعة من المهام تشمل كل ما من شأنه مساعدته في جمع الأدلة وكشف الحقيقة، كالانتقال إلى مكان الجريمة ومعاينته، وطلب الخبرة، وتفتيش المساكن والأشخاص الذين تربطهم صلة بالجريمة موضوع التحقيق، واستجواب المدعى عليه وسماع الشهود وإجراء المواجهة فيما بينهم (المواد 52 وما بعدها من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تنص على وظائف قضاة التحقيق).

وفي هذا الصدد يحق لقاضي التحقيق توجيه مذكرات لذوي العلاقة، فيصدر مذكرات دعوة وإحضار بحق المدعى عليهم والشهود، والفرق الجوهري بين مذكرتي الدعوة والإحضار أن تنفيذ الأولى لا يستلزم اللجوء إلى القوة أو الإكراه تجاه المخاطب بها، في حين تسمح مذكرة الإحضار بسوق المخاطب بها جبراً إن لم يمتثل أو حاول الهرب، سواء أكان شاهداً أم مدعى عليه.

كما يحق لقاضي التحقيق إصدار مذكرة توقيف بحق المدعى عليه عند الاقتضاء إذا كان الفعل المرتكب مما يستوجب عقوبة الحبس أو عقوبة أشد، وفي هذا الصدد تقضي (المادة 102) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بأنه: « لقاضي التحقيق في دعاوى الجناية والجنحة أن يكتفي بإصدار مذكرة دعوة على أن يبدلها بعد استجواب المدعى عليه بمذكرة توقيف إذا اقتضى التحقيق ذلك.

أما إذا لم يحضر المدعى عليه أو خشي فراره فلقاضي التحقيق أن يصدر بحقه مذكرة إحضار».

ويعد التوقيف إجراء خطيراً لأنه يخالف قرينة البراءة ويمس بحرية المدعى عليه ويؤثر في سمعته وحياته المهنية والاجتماعية، غير أنه، كما يرى كثيرون، شر لا بد منه من أجل حسن سير التحقيق ومنع العبث بالأدلة وتهدئة الخواطر الثائرة.

وللتخفيف من وطأة هذا الشر فقد تمت إحاطته ببعض الضمانات الواجب على قاضي التحقيق مراعاتها، إذ قضت محكمة النقض السورية بأنه يشترط لصحة مذكرة التوقيف ثلاثة شروط:

أن يستجوب قاضي التحقيق المدعى عليه حول التهمة المنسوبة إليه ما لم يكن هارباً (المادة 104 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

أن يكون الفعل المسند إلى الشخص جرماً معاقباً عليه بالحبس أو بعقوبة أشد منه (المادة 106 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

استطلاع رأي النيابة العامة. (انظر قرار الهيئة العامة رقم 382 أساس 565 تاريخ 20/12/1999، مجموعة قواعد الهيئة العامة لمحكمة النقض ج1، القاعدة 109، ص352).

2ـ القرارات النهائية لقاضي التحقيق: عقب انتهاء قاضي التحقيق من التحقيق في الدعوى يودع النيابة العامة معاملات التحقيق لكي تبدي مطالبتها فيها خلال ثلاثة أيام على الأكثر (المادة 131 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، وقد تتضمن مطالبة النيابة الطلب إلى قاضي التحقيق التوسع في التحقيق أو منع المحاكمة أو إحالة الدعوى إلى المحكمة المختصة، والقاضي غير ملزم بالاستجابة لمطالب النيابة إلا أنه إذا قرر التوسع في التحقيق فإن عليه إيداع الأوراق لدى النيابة من جديد لإبداء مطالبتها.

بعد ذلك يصدر قاضي التحقيق قراره النهائي الذي قد يكون بمنع المحاكمة أو بلزومها.

أـ قرار منع المحاكمة: بموجب (المادة 132) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إذا تبين لقاضي التحقيق أن الفعل لا يؤلف جرماً أو أنه لم يقم دليل على ارتكاب المدعى عليه إياه قرر منع محاكمته وأمر بإطلاق سراحه ما لم يكن موقوفاً لداع آخر.

ب ـ قرار لزوم المحاكمة: يصدر قاضي التحقيق قراره بلزوم المحاكمة إذا وجد أن الفعل يشكل جرماً معاقباً عليه وأن الأدلة كافية لترجيح إدانة المدعى عليه بارتكابه، وأن الدعوى العامة لم تسقط بسبب من أسباب السقوط.

بناء على ذلك إذا تبين لقاضي التحقيق أن الفعل هو من نوع المخالفة أحال المدعى عليه إلى المحكمة الصلحية، وأمر بإطلاق سراح المدعى عليه إن كان موقوفاً وفق نص (المادة 133) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، أما إذا تبين له أن الفعل جنحة فإنه يحيل الظنين إلى المحكمة الصلحية أو البدائية حسبما يكون الفعل من اختصاص هذه أو تلك، وهنا يبقى المدعى عليه قيد التوقيف إذا كان الجرم المسند إليه يستوجب الحبس حسبما قضت به (المادة 134) من قانون أصول المحاكمات الجزائية، في حين أن (المادة 135) توجب إطلاق سراح المدعى عليه إذا كانت الجنحة لا تستوجب الحبس ويلزم باتخاذ موطن في مركز المحكمة إذا كان مقيماً خارجه.

وإذا عدَّ قاضي التحقيق الفعل جناية ووجد أن الأدلة كافية لإدانة المدعى عليه فإنه يقرر إيداع النائب العام أوراق التحقيق في الحال كي يقوم الأخير بتنظيم تقرير في الدعوى ويرفعها إلى قاضي الإحالة، ويبقى مفعول مذكرة التوقيف الصادرة بحق المدعى عليه جارياً إلى أن يصدر قاضي الإحالة قراره في الدعوى (المادة 137 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

ولقد قضت (المادة 138) من قانون أصول المحاكمات الجزائية بوجوب أن تشتمل قرارات قاضي التحقيق سواء أكانت صادرة بمنع المحاكمة أم بلزومها على اسم الظنين وشهرته وعمره ومحل ولادته وموطنه ومهنته وعلى بيان موجز للفعل المسند إليه ووصفه القانوني، وهل قامت أدلة كافية أم لا على ارتكابه الفعل المذكور.

ثانياً ـ قاضي الإحالة:

تنص (المادة 143) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على أن «يعين وزير العدلية لدى كل محكمة استئنافية قاضياً للإحالة يختاره من قضاة الاستئناف أو رؤساء البداية بناء على اقتراح النائب العام».

ويعد قاضي الإحالة الدرجة الثانية من درجات التحقيق الابتدائي فهو المرجع الذي ينظر في استئناف قرارات قاضي التحقيق، وهو المرجع الذي ترفع إليه أوراق التحقيق في الجنايات بعد أن يفرغ منها قاضي التحقيق وبعد أن ينظم النائب العام تقريره فيها ليتم الفصل في الاتهام من قبله، ولذلك سمي قاضي الإحالة بوابة محكمة الجنايات، إذ لا يجوز لهذه المحكمة أن تنظر في الدعوى إلا بناء على قرار اتهام صادر من قبله.

ولقاضي الإحالة مهمة أخرى مختلفة عن مهامه في ميدان التحقيق الابتدائي ألا وهي اعتباره مرجعاً للنظر في طلبات إعادة الاعتبار المقدمة من قبل المحكوم عليهم.

1ـ دور قاضي الإحالة كمرجع استئنافي لقرارات قاضي التحقيق: أجاز قانون أصول المحاكمات الجزائية للخصوم الطعن في قرارات قاضي التحقيق أمام قاضي الإحالة، وذلك خلال مدة 24 ساعة تبدأ بحق جميع الخصوم من تاريخ تبليغ القرار القابل للاستئناف. وقد ذهبت محكمة النقض السورية إلى تفسير مدة استئناف قرارات قاضي التحقيق بيوم واحد من أيام العمل؛ لأن الذهاب إلى غير ذلك واعتبار الساعات يؤدي إلى الحرج والاستحالة في تطبيق القانون (جناية 910 قرار 779 تاريخ 8/11/1966 المجموعة الجزائية ج1، القاعدة 818، ص425).

ويقدم طلب الاستئناف ضمن المدة المذكورة إلى قاضي التحقيق الذي أصدر القرار المستأنف كما يكن أن يقدم إلى قاضي الإحالة مباشرة.

وتنبغي الإشارة إلى أن بعضاً من قرارات قاضي التحقيق تكون غير قابلة للمراجعة بأي شكل من الأشكال وهذه القرارات هي:

ـ القرار الصادر باسترداد مذكرة التوقيف.

ـ القرار القاضي بأن الفعل جناية وإيداع الأوراق لدى النائب العام.

ـ القرار القاضي بإجراء التحقيق بمعزل عن الخصوم في حالتي الضرورة والاستعجال.

ـ القرارات التحقيقية، كقرار دعوة الشهود أو إجراء معاينة أو طلب خبرة، باستثناء حق النيابة العامة في استئناف هذه القرارات.

فيما عدا ذلك فإن بقية قرارات قاضي التحقيق تكون قابلة للاستئناف من قبل جميع الخصوم كل فيما يخصه حسب (المادة 13) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

فالنيابة العامة، لأنها خصم عام عادل، يجوز لها استئناف جميع قرارات قاضي التحقيق باستثناء القرارات المذكورة آنفاً، فحقها في هذا الصدد حق مطلق، أما المدعى عليه فإن القرارات التي يحق له استئنافها هي:

قرار رفض إخلاء سبيله.

قرار رد الدفع المقدم من قبله بعدم الاختصاص.

قرار رد الدفع المقدم من قبله بعدم جواز سماع الدعوى العامة.

قرار رد الدفع المقدم من قبله بسقوط الدعوى العامة.

5ـ قرار رد الدفع المقدم من قبله بأن الفعل لا يستوجب عقاباً.

ويبدو حق المدعي الشخصي في استئناف قرارات قاضي التحقيق أمام قاضي الإحالة أوسع نطاقاً من حق المدعى عليه، إذ يشمل القرارات الآتية:

قرارات إخلاء سبيل المدعى عليه جوازياً.

قرار منع المحاكمة.

قرارات الظن بالمدعى عليه وإحالته على محاكم الصلح أو البداية.

القرارات المتعلقة بعدم الاختصاص.

كل قرار من شأنه الإضرار بحقوق المدعي الشخصية.

2ـ آثار استئناف قرارات قاضي التحقيق أمام قاضي الإحالة: يترتب على استئناف قرارات قاضي التحقيق أمام قاضي الإحالة أثران: أولهما، الأثر الموقف أو المعلق، وبموجبه ينبغي عدم تنفيذ قرارات قاضي التحقيق القابلة للاستئناف سواء في أثناء ميعاد الاستئناف أو في أثناء نظر قاضي الإحالة فيها.

أما الأثر الثاني، فهو الأثر الناشر، وبمقتضاه تنشر الدعوى من جديد أمام قاضي الإحالة.

وعندما يتولى قاضي الإحالة النظر في الاستئنافات المقدمة ضد قرارات قاضي التحقيق فإنه يملك تصديق تلك القرارات أو فسخها، وفي الحالة الثانية فإنه يتصدى لنظر القضية بنفسه إذا كان القرار المستأنف نهائياً، كقرارات منع المحاكمة أو عدم الاختصاص، في حين أنه يعيد القضية إلى قاضي التحقيق بعد فسخ القرار إن لم يكن الأخير نهائياً، كالقرارات المتعلقة بإخلاء السبيل.

وعلى الرغم من أن قاضي الإحالة ليس من قضاة الموضوع فقد أجازت له (المادة 142) أن يقضي على المدعي الشخصي غير المحق في استئنافه بتعويض للمدعى عليه إذا وجب الأمر.

3ـ دور قاضي الإحالة في إحالة الدعاوى على محاكم الجنايات: يعد قاضي الإحالة المرجع المختص بإحالة الدعاوى إلى محكمة الجنايات، فعندما يجد قاضي التحقيق أن الفعل جناية وأن الأدلة كافية لإدانة المدعى عليه يقرر إيداع النائب العام أوراق التحقيق في الحال كي يقوم الأخير بتنظيم تقرير في الدعوى ويرفعها إلى قاضي الإحالة، ويبقى مفعول مذكرة التوقيف الصادرة بحق المدعى عليه جارياً إلى أن يصدر قاضي الإحالة قراره في الدعوى، وذلك حسبما قضت به (المادة 137) من قانون أصول المحاكمات الجزائية.

أ ـ طبيعة عمل قاضي الإحالة: يتسم عمل قاضي الإحالة في الأحوال العادية بالسرعة والسرية والكتابية؛ أي إنه يطلع على أوراق التحقيق واللوائح التي تقدم بها الخصوم ووكلاؤهم ويتخذ القرار اللازم بمعزل عن جميع الأطراف.

غير أنه قد يقرر التوسع في التحقيق أو إجراء تحقيق جديد، وفي هذه الحالة ينبغي له اتباع الأصول المتبعة أمام قاضي التحقيق، فيستمع إلى أقوال الشهود، ويستجوب المدعى عليه، وينظم محضراً بالأدلة والقرائن الحاصلة لديه، ويصدر مذكرة إحضار أو توقيف بحسب مقتضى الحال (المادة 157 من قانون أصول المحاكمات الجزائية)، ويحق له أن يتولى التحقيق بنفسه أو ينيب عنه قاضي التحقيق الذي قام بالتحقيق أو غيره من القضاة المختصين (المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

وكما هو حال قاضي التحقيق فإن قاضي الإحالة لا يتقيد بالوصف الذي أحيلت به الدعوى إليه، فيملك صلاحية إعطاء الواقعة وصفها القانوني الصحيح مع البحث في الأسباب المشددة والأعذار المحلة والأعذار المخففة القانونية دون الأسباب المخففة التقديرية كونها من حق محاكم الأساس.

مع ملاحظة الصلاحيات الخاصة التي منحها قانون أصول المحاكمات الجزائية لقاضي الإحالة بالتصدي لوقائع جديدة وأشخاص جدد عند القيام بعمله، إذ بموجب (المادة 156) وفي مطلق القضايا إذا لم يكن قاضي الإحالة قد أصدر قراره باتهام الظنين أو بمنع محاكمته فله أن يأمر من تلقاء نفسه بإجراء التعقبات وأن يجلب الأوراق ويجري التحقيقات سواء كان قد شرع فيها قبلاً أم لم يشرع وينظر بعد ذلك في المقتضى. ومن حق قاضي الإحالة أيضاً التصدي لوقائع جديدة ولو لم يبحث عنها في قرار قاضي التحقيق بناء على طلب النائب العام (المادة 146 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

ب ـ القرارات النهائية لقاضي الإحالة: عند انتهائه من دراسة الدعوى وتدقيقها سواء وصلت إليه عن طريق استئناف قرار قاضي التحقيق، أو لأن الفعل جناية يعمد قاضي الإحالة إلى إصدار قراره النهائي فيها والذي يكون إما بمنع المحاكمة وإما بلزومها والإحالة إلى محاكم الحكم.

(1) ـ قرار منع المحاكمة: ويصدق على هذا القرار ما قيل عن قرار منع المحاكمة الصادر عن قاضي التحقيق، فوفق الفقرة الأولى من (المادة 149) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إذا تبين لقاضي الإحالة أن فعل الظنين لا يؤلف جرماً أو أن الأدلة غير كافية لاتهامه قرر منع محاكمته وإطلاق سراحه حالاً ما لم يكن موقوفاً بداع آخر.

(2) ـ قرار لزوم المحاكمة: إذا تبين لقاضي الإحالة أن الفعل يشكل جريمة وأن الأدلة كافية على ارتكابه من قبل المدعى عليه فإنه يصدر قراراً بإحالته إلى المحكمة المختصة وذلك حسبما يكون الفعل مخالفة أو جنحة أو جناية.

ففي حال كان الفعل المرتكب من نوع المخالفة أو الجنحة يقرر قاضي الإحالة بموجب الفقرة الثانية من (المادة 149) من قانون أصول المحاكمات الجزائية إحالة الظنين إلى المحكمة الصلحية أو البدائية المختصة، أو إطلاق سراحه إن كان الفعل مخالفة أو كان جنحة لا تستوجب عقوبة الحبس.

أما إذا كان الفعل من نوع الجناية وقامت أدلة كافية للاتهام فإنه يحيل الظنين إلى محكمة الجنايات فيصدر بحقه قرار اتهام، وفي جميع الأحوال يصدر قاضي الإحالة قرار اتهام واحداً في الجرائم المتلازمة المستفادة من الأوراق المعروضة عليه، فإذا كان بعضها من نوع الجناية وبعضها الآخر من نوع الجنحة أحال القضية برمتها إلى محكمة الجنايات، والهدف من نظر الجرائم المتلازمة من قبل مرجع قضائي واحد يتمثل هنا في محكمة الجنايات هو عدم إضعاف البينات أو الإضرار بحق الدفاع.

ويجب أن يأمر قاضي الإحالة بالقبض على المتهم ويدرج أمر القبض هذا في قرار الاتهام مع الأمر بنقل المتهم إلى محل التوقيف الكائن لدى محكمة الجنايات، ويجب أن تشتمل مذكرة القبض على اسم المتهم وشهرته وعمره ومحل ولادته وموطنه ومهنته وعلى بيان موجز للفعل المسند إليه وعلى وصفه القانوني والنص الذي ينطبق عليه (انظر المواد 152 و153 و154 من قانون أصول المحاكمات الجزائية).

ج ـ الطعن بقرارات قاضي الإحالة: أجاز قانون أصول المحاكمات الجزائية الطعن نقضاً بالقرارات النهائية لقاضي الإحالة لا بطريق الاستئناف.

إذ قضت (المادة 341) بجواز الطعن بطريق النقض في القرارات الصادرة عن قاضي الإحالة في الأحوال الآتية:

أ ـ قرارات الاتهام الجنائية: ويقبل الطعن فيها من جانب النيابة العامة والمتهم.

ب ـ قرارات الإحالة أمام محاكم الجنح أو المخالفات: ويقبل الطعن فيها من جانب النيابة العامة والمدعى عليه إذا فصلت في موضوع الاختصاص أو في مسائل لا تملك محكمة الأساس تعديلها.

ت ـ قرارات منع المحاكمة، ويقبل الطعن فيها من جانب النيابة العامة وبالتبعية من جانب الادعاء الشخصي، ويقبل الطعن فيها من المدعي الشخصي طعناً أصلياً إذا قضت بعدم الاختصاص أو برد الدعوى أو إذا ذهل القاضي عن الفصل في أحد أسباب الادعاء.

وتكون مدة الطعن في القرارات المذكورة آنفاً ثلاثة أيام تبدأ في حق النيابة العامة من اليوم الذي يلي تاريخ صدور القرار، وفي حق المتهم والمدعي الشخصي من اليوم الذي يلي تاريخ التبليغ.

مع ملاحظة أن حق الطعن بقرارات قاضي الإحالة مقتصر على القرارات النهائية التي ذكرتها (المادة 341)؛ مما يعني أن بقية قرارات قاضي الإحالة غير قابلة للمراجعة على الإطلاق.

 

مراجع للاستزادة:

 

ـ حسن جوخدار، أصول المحاكمات الجزائية (منشورات جامعة حلب، مديرية الكتب والمطبوعات الجامعية، 1997).

ـ رغيد عارف توتنجي، قضاء التحقيق (دار الصفدي، الطبعة الأولى، دمشق 2004).

ـ عبد القادر جار الله الآلوسي، مجموعة القواعد القانونية التي أقرتها الهيئة العامة لمحكمة النقض من عام 1988 حتى 2001 (المكتبة القانونية، الطبعة الأولى، دمشق 2001).

ـ عبد الوهاب حومد، أصول المحاكمات الجزائية (المطبعة الجديدة، الطبعة الرابعة، دمشق 1987).

ـ محمود زكي شمس، التحقيق والاعتراف في ظل قانون أصول المحاكمات الجزائية نصاً وفقهاً وقضاء (مطبعة الداودي، الطبعة الأولى، دمشق 2001).

ـ ياسين الدركزلي، قاضي الإحالة في قانون أصول المحاكمات الجزائية (المكتبة القانونية، الطبعة الرابعة، دمشق 2003).

ـ ياسين الدركزلي وأديب استانبولي، المجموعة الجزائية لقرارات محكمة النقض السورية من عام 1949 حتى 1990 (المكتبة القانونية، الطبعة الثالثة، دمشق 1997).


التصنيف : القانون الجزائي
النوع : القانون الجزائي
المجلد: المجلد السادس: علم الفقه ــ المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان
رقم الصفحة ضمن المجلد : 360
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 561
الكل : 31204454
اليوم : 29611