logo

logo

logo

logo

logo

الإثراء بلا سبب في القانون العام

اثراء بلا سبب في قانون عام

unjust enrichment in public law - enrichissement sans cause en droit public

 الإثراء بلا سبب في القانون العام

الإثراء بلا سبب في القانون العام

مهند نوح

 

أولاً- ذاتية الإثراء بلا سبب في القانون الإداري:

تتمتع نظرية الإثراء بلا سبب بذاتية خاصة في القانون الإداري، وهذه الذاتية في الحقيقة من صنع مجلس الدولة الفرنسي منذ بداية القرن العشرين، حيث وفق بين أحكام الفضالة والإثراء بلا سبب المعروفين في القانون المدني، ليخرج بنظرية أصيلة للإثراء بلا سبب في القانون الإداري، إذ أخذ من الإثراء مفهوم الأعمال الضرورية أو النافعة، ومن الفضالة مبدأ الفائدة، ومن الملاحظ أن مجلس الدولة الفرنسي قد تبنى مبدأ الإثراء بلا سبب مبدأً عاماً من مبادئ القانون منذ أواخر القرن التاسع عشر، وبالتحديد في حكم Lemaire (الصادر في 15/2/1889)، في الوقت الذي لم تكن فيه محكمة النقض الفرنسية قد تبنت هذه الفكرة مبدأً عامَّ التطبيق.

وفي الحقيقة، إن أكبر عائق لتطبيق نظرية الإثراء بلا سبب في حقول القانون الإداري إنما يتمثل في فكرة حماية الأموال العامة؛ لأن تطبيق فكرة الإثراء بلا سبب في إطار علاقات القانون الإداري إنما يؤدي إلى إيجاد نوع من النفقة العامة دون ترخيص مسبّق من السلطة المختصة، ومن ثم دون اعتماد مالي مسبّق لها، وهو ما يتعارض والقواعد المالية المتعلقة بالموازنة، والتي هي من النظام العام. بيد أن هذه الفكرة لم تمنع من تطبيق النظرية على أساس أن أنصار الحجج المالية قد خلطوا بين القواعد المالية وقواعد المسؤولية الإدارية، في حين أنه من المستقر عليه هو استقلال قواعد القانون الإداري عن القانون المالي على الرغم من الصلة الوثيقة بينهما.

ثانياً- شروط تطبيق الإثراء بلا سبب في القانون الإداري  :L’enrichissement sans cause en droit administratif

يشترط لتطبيق الإثراء بلا سبب في نطاق علاقات القانون الإداري الشروط التالية:

1- انعدام سبب الإثراء:

إن المفهوم القانوني لانعدام السبب ينصرف إلى غياب السند القانوني الذي يسوّغ الإثراء، وسواء أن يكون هذا السند عقداً أم نصاً قانونياً أم حكماً قضائياً، وعلى هذا الأساس فإن تنفيذ العقد الباطل الذي لم يعد له من وجود في دنيا القانون يؤدي إلى حرمان هذا الالتزام المنفذ - بالاستناد إلى العقد الباطل- من سببه؛ مما يسوّغ موازنة هذه العلاقة القانونية على أساس الإثراء بلا سبب وفقاً لما قضى به مجلس الدولة الفرنسي (حكمه الصادر في 24/2/ 1982 في قضية Cne de Grâce- Uzel والمنشور في مجلة القانون العام الفرنسية، 1985، ص220).

2- الشروط المادية للإثراء بلا سبب:

كما هو الحال في القانون المدني، فإن شروطاً معيّنة متعلقة بالذمة على نحو محض تكون ضرورية لأجل تطبيق نظرية الإثراء بلا سبب، وهذه الشروط تتمثل في إثراء المدين، والافتقار غير الإرادي للمدعي، والرابطة السببية بينهما، ولكن على خلاف ما يجري عليه العمل في علاقات القانون المدني، فإن المدين (الإدارة) يجب أن يتوافر لديه العنصر شبه الرضائي.

أ- الشروط المتعلقة بالذمة المالية: يبرز عنصر الإثراء L’enrichissement في القانون المدني على أنه ميزة قابلة للتقدير المالي، بيد أن مجلس الدولة الفرنسي لا يقيد الإثراء بمظهره الاقتصادي المجرد كما هو الحال في إطار القانون المدني، حيث يعرفه مقترناً بالمصلحة العامة، ومن ثم فإن الإثراء لا يتحقق فقط من خلال زيادة القيمة الإيجابية لذمة الإدارة، ولكن من خلال وجود منفعة حقيقية عادت عليها من الأعمال المسببة لإثرائها؛ لذلك فإن القضاء الإداري الفرنسي قد اهتم دائماً بفحص طبيعة الأعمال، فإذا تمخضت عن منفعة حقيقية أو مؤكدة لمصالح الإدارة؛ وجد في ذلك مسوّغاً كافياً للقضاء بالتعويض لمصلحة المدعي، أما إذا كانت الأداءات المنفذة غير نافعة للمصلحة العامة؛ فإن هذا المدعي لا يستحق أي تعويض على أساس الإثراء بلا سبب (حكمه الصادر بتاريخ 4/7/1974 في قضية Devillers والمنشور في مجلة القانون العام الفرنسية لسنة 1975، ص303). ومن ثم فإن الفائدة لا تسوّغ وحدها التعويض، حيث يجب أن تدفع النفقات المسببة لإثراء الإدارة وافتقار الدائن ضمن مصلحة الشخص العام؛ لأن الإثراء لا يكون بالضرورة نافعاً للمصلحة العامة، فالمصاريف الكمالية -على سبيل المثال - يمكن أن تغني الشخص العام دون أن تنفعه (حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 4/7/1974 في قضية S.E.M. de sécurité active et de télématique المجموعة رقم 154320)، هذا يعني أن المنفعة التي جنتها الإدارة يجب أن تقدر بدقة وعلى أعلى مستوى من الرصانة.

وبالتبعية لهذه الخصوصية لفكرة الإثراء فإنه يقع على عاتق المدعي إثبات أن افتقاره قد حقق منفعة حقيقية لمصلحة الإدارة، فإذا ما أخفق في ذلك كان مصير دعواه الرفض.

وإذ كان الأخذ بمعيار المصلحة العامة من شأنه أن يؤدي دوراً بالغاً في إطار تقدير الإثراء الإداري؛ فإن القضاء الإداري الفرنسي في إطار تأسيسه لمفهوم ذي خصوصية لفكرة الإثراء بلا سبب في القانون الإداري قد طرح فكرة مهمة في هذا المجال، حيث يقوم بوزن الأمور بميزان المصلحة العامة مقدراً درجة نفعية الأعمال المنفذة لمصلحة الإدارة، ولأي درجة تتعلق بمصلحة المدعي، فإذا ما ترتب على تنفيذ تلك الأعمال تحقيق مصلحة الإدارة والمفتقر في الوقت نفسه، فإن ذلك يؤدي من حيث النتيجة إلى ضرورة إجراء مقاصة، وهذا معناه أنه لا يكفي الاستناد إلى المنفعة المتحققة للإدارة فحسب، ولكن يجب البحث فيما إذا كان المفتقر قد حقق أية استفادة من العملية ذاتها، وفي حالة تحقق ذلك فيجب استنزال ذلك الإثراء من قيمة الربح المتحقق؛ لتكون النتيجة في ضوء ذلك هي الافتقار الفعلي أو الواقعي.

وبناء على ما تقدم، فإنه يلاحظ أن مجلس الدولة الفرنسي قد طوع مفهوم الإثراء بما يلائم مقتضيات القانون العام.

وبالطبع يجب أن يترافق إثراء المدين وافتقار L’appauvrissement غير إرادي، يترتب عليه ضياع قيمة من ذمة الطرف الآخر في العقد الباطل، ويخضع مبدأ الافتقار أيضاً للتقدير من حيث أسباب المصلحة العامة، بحيث إن النفقات العامة لهذه المصلحة يجب أن توضع في الحسبان فقط. لذلك فقد حرص مجلس الدولة الفرنسي على الاستناد إلى النفقات الحقيقية النافعة أو الخسارة الحقيقية للمدعي، والمترتب عليها تحقيق نفع مؤكد للإدارة، ولم يعول على مجرد فوات الربح؛ آخذاً بالحسبان ما يمكن أن يحققه المفتقر من ربح مرتبط بافتقاره، وضرورة استنزال هذا الربح.

وعلى كل حال فإن التطبيقات الإدارية لفكرة الإثراء بلا سبب ضمن أروقة مجلس الدولة الفرنسي خصوصاً تفصح بوضوح على أن هذا المجلس قد عد دائماً وجود خطأ المفتقر من شأنه أن ينفي فكرة الإثراء بلا سبب يسوّغه.

وإضافة إلى ضرورة توافر عنصري الإثراء والافتقار، فإنه يجب أن يوجد ارتباط سببي Lien de causalité بين افتقار ذمة الدائن واغتناء ذمة الطرف المدين (الإدارة). ولم يأخذ مجلس الدولة الفرنسي بعلاقة السببية المباشرة فحسب، إنما أخذ بنمط العلاقة السببية غير المباشرة أيضاً، وشدّد هذا المجلس على أن العلاقة السببية المباشرة قد تكون بفعل أي من المفتقر أو المثري، كأن يقوم أحد المقاولين بأعمال ضرورية أو نافعة للإدارة تؤدي إلى افتقاره، أو كأن تطلب منه الإدارة بنفسها القيام بأعمال مما يسبب إثراءها على حسابه، أو قد تتحقق العلاقة السببية المباشرة بفعل أو بواقعة لا علاقة لها بإرادة أي من المفتقر أو المثري، كأن يقوم أحد المقاولين بأعمال تشييد بناء على طلب الدولة لمصلحة إحدى البلديات مما يفقر من ذمة المقاول، ويثري ذمة البلدية، ومن الملاحظ أن الإثراء في هذه الحالة لا يعدّ من قبيل صور الإثراء غير المباشر؛ لأن الإثراء لم ينتقل إلى ذمة الإدارة مروراً بذمة الغير، إنما اقتصر دور الغير فيه على كونه الوسيلة أو الأداة التي نقلت الإثراء من ذمة المفتقر إلى ذمة المثري مباشرة.

وإلى جانب العلاقة السببية المباشرة قد تكون هذه العلاقة غير مباشرة، وفي هذه الحالة يتحقق الإثراء مروراً بذمة الطرف الآخر غير ذمة المثري، قبل أن يستقر في ذمة هذا الأخير، ومن أمثلة ذلك قيام أحد المقاولين من الباطن بأعمال لمصلحة المقاول الأصلي، وتكون هذه الأعمال المؤداة من قبل المتعاقد من الباطن غير متفق عليها بين الإدارة والمتعاقد الأصلي، ولكن أفادت منها الإدارة.

ب- العنصر شبه الرضائي للمدين: وهذا العنصر يسهم أيضاً في إيجاد ذاتية مستقلة للإثراء بلا سبب في القانون الإداري، حيث إن القضاء الإداري الفرنسي خصوصاً جرى على اشتراط وجود تعبيـر عن الإرادة حول الأداء المكون للإثراء من جانـب المديـن (المثري)، ودون شك فإن الرضا المطلوب في هذه الحالة ليس الرضا Consentement بالمعنى القانوني، إنما الرضا بوصفه مبدأ واقعياً؛ لأنه لو وجد الرضا القانوني لقام في حد ذاته سبباً للإثراء، ولتغير التكييف القانوني للعلاقة القانونية على نحو جذري، وبالتالي بما أنه لا يمكن الحديث عن تعبير حقيقي عن الإرادة؛ فإن العنصر شبه الرضائي الذي تطلبه مجلس الدولة الفرنسي لقيام الإثراء بلا سبب مصدراً من مصادر الالتزام في القانون الإداري هو ذلك المتعلق بالموافقة Assentiment، وهي درجة من درجات التعبير عن الإرادة أقل من الرضا اللازم لقيام العقود. حتى إن جانباً من الفقه الإداري الفرنسي يقول: إن التعبير عن الإرادة في هذه الحالة إنما لا يتجسد في الرضا؛ إنما في شبه الرضا.

ويلاحظ أن مجلس الدولة الفرنسي كان قد تشدد بداية الأمر في تحديد درجة الموافقة المطلوبة من الإدارة، حيث كان يتطلب موقفاً إرادياً صريحاً (حكمه الصادر في 9/4/1919، في قضية Foureré et Rhodes، المجموعة ص316). ولكنه جنح بعد ذلك إلى المرونة حيث أصبح يكتفي بالموافقة الضمنية، وذلك كما هو الحال مثلاً عندما يبدأ المرشح للتعاقد بتنفيذ العقد قبل إعطائه أمر المباشرة، ولا تقاوم الإدارة هذا التنفيذ؛ مما يُستشف منه موقف رضائي ضمني من جانب الإدارة (حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في قضية Pelon تاريخ 15/3/1944، المجموعة ص88).

ثالثاً- الإثراء بلا سبب مصدراً من مصادر الالتزام في القانون الإداري السوري:

لقد أقر مجلس الدولة السوري بالإثراء بلا سبب مصدراً من مصادر الالتزام في القانون السوري، وطبقه على نحو غزير في إطار عقود الأشغال الباطلة التي أطلقت عليها المحكمة الإدارية العليا تسمية العقود الفعلية، وذلك يتحقق في حال قيام المتعاقد بتنفيذ أعمال أفادت منها الإدارة قبل إعلان بطلان العقد، لذلك فإن المحكمة الإدارية العليا قد استقرت في هذه الحالة على صرف قيمة ما نفذه المتعاقد من أعمال مجردة من دون هوامش الربح؛ لأنها لو أضافت هوامش الربح لكان ذلك إثراء من الطرف في العقد الفعلي بلا سبب على حساب الإدارة (حكمها رقم 38 في الطعن 147 لسنة 1985، مجموعة المبادئ التي قررتها المحكمة الإدارية العليا لسنة 1985، ص223، م45، وحكمها رقم 150 في الطعن رقم 243 لسنة 1973، مجموعة المبادئ لسنة 1973، ص 244، وحكمها رقم 153/ع في الطعن رقم 72 لسنة 2003 غير منشور). وبالاستناد إلى ما تقدم يمكن القول: إن المحكمة الإدارية العليا السورية قد طرحت الإثراء بلا سبب على أسس قريبة من ذلك الطرح الخاص الذي استقر عليه مجلس الدولة الفرنسي، حيث قرنت موازنة آثار البطلان عن طريق نظرية الإثراء بلا سبب بإفادة الإدارة من تنفيذ العقد المعدوم، مع الإشارة إلى أن هناك عنصراً يحدد خصوصية الإثراء بلا سبب في القانون الإداري لم يشر إليه الاجتهاد الإداري في سورية، وهو العنصر شبه الرضائي للمدين.

مراجع للاستزادة:

- أحمد فتح الله أبو سكينة، الإثراء بلا سبب في القانون الإداري (رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، القاهرة، بلا تاريخ).

- مهند نوح، الإيجاب و القبول في العقد الإداري (رسالة دكتوراه، جامعة عين شمس، القاهرة 2001، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت 2005).

- عبد الرؤوف هاشم بسيوني، شبه العقد في القانون الإداري (دار الفكر الجامعي، الإسكندرية 2008).

 

- D. POUYAUD, La nullité des contrats administratifs, (L.G.D.J, Paris, 1991).

- D. BAYLE, L’enrichissement sans cause en droit administratif, (L.G.D.J, Paris, 1973).

- A. LAUBADÉRE- P. DELVOLÉ et F. MODERNE, Traité des contrats administratifs, (L.G.D.J, Paris, 1983).

- F. MODERNE, Quasi contrats administratifs, (Sirey, Paris,1995).

- L. RICHER, Droit des contrats administratifs, (L.G.D.J, Paris, 2004).

 


التصنيف : القانون العام
النوع : القانون العام
المجلد: المجلد الأول: الإباحة والتحريم ـ البصمة الوراثية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 33
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 516
الكل : 31753155
اليوم : 28616