logo

logo

logo

logo

logo

التوازن والدوار

توازن ودوار

balance and vertigo - l'équilibre et le vertige



التوازن والدوار

 

طالب أشقر 

مقدمة تشريحية

لمحة فيزيولوجية

الدراسة السريرية

أسباب الدوار

 

 

مقدمة تشريحية:

يكفل العصب الدهليزي - الذي يتقاسم مع العصب السمعي العصب القحفي الثامن - حس توازن الرأس، ومن ورائه توازن الجسم.

ينشأ العصبان من الأذن الداخلية القابعة في الصخرة ضمن تجويف عظمي يأخذ تماماً الشكل الخارجي لتراكيب تلك الأذن غشائية القوام، هشة البنية، بغرض توفير أفضل الحماية لها. هذا التركيب الأنبوبي الغشائي يسمى التيه labyrinth. يفصل بين العظم وتلك التراكيب الغشائية سائل بلغمي يدعى السائل البلغمي أو اللمفي الخارجي وظيفته امتصاص الصدمات والاهتزازات القوية الحادثة على الرأس، ومن ثم الصخرة، تتمة لحماية الأذن الداخلية.

يتكون التيه من تركيبين متجاورين متواصلين تشريحياً، ومتمايزين وظيفياً، القوقعة cochlea مبدأ السمع من جانب، والدهليز vestibule والقنوات الهلالية (نصف الدائرية) semicircular canals مبدأ حس توازن الرأس من الجانب الآخر.

ينشأ العصبان - كل على حدة - من نواتين مجاورتين لتراكيب الأذن الداخلية في مجرى السمع الداخلي، كل منهما ذات خلايا ثنائية القطب، النواة الدهليزية أو عقدة Scarpa والنواة السمعية اللولبية. لكل من هذه الخلايا استطالات عصبية محيطية تتصل بالتراكيب الانتهائية الحساسة (القوقعة والدهليز) أما محاويرها المركزية فتكوِّن العصبين السمعي  والدهليزي كل من نواته الخاصة به.

يسير العصبان إنسياً في قناة السمع الداخلية، متلازمين تماماً في سبيل واحد، العصب الثامن، ومجاورين العصب الوجهي، داخلين الحفرة القحفية الخلفية عبر الزاوية الجسرية المخيخية فيخترقان الجسر لينتهي العصب السمعي إلى نواتين في الجزء السفلي من الجسر، أما الدهليزي فيستقر في أربع نويات تتوزع بين أسفل الجسر والبصلة هي العلوية والوحشية والإنسية والسفلية.

تنفصل بعض من ألياف العصب الدهليزي قبيل انتهائه في نوياته لتنتشر - في الجانب نفسه - إلى الفص الدودي من المخيخ وما جاوره من القشرة المخيخية المسماة الفصيص الندْفي العقيدي  flocculonodular lobule وتسمى هذه المناطق من المخيخ المنطقة الدهليزية. من هذه المنطقة الدهليزية تنتشر ألياف واردة إلى النويات الدهليزية في الطرفين مما يضمن لكل نصف كرة مخيخية اتصالاً وتنسيقاً ونوعاً من الهيمنة على النشاط الدهليزي في الطرفين.

للنويات الدهليزية اتصال وثيق بالنخاع الشوكي إذ ترسل النويات الوحشية والإنسية حزم اتصال مع النخاع عبر السبيل الدهليزي النخاعي الوحشي غير المتصالب والسبيل الإنسي المتصالب والمباشر. هذه السبل تؤثر في الوضعية فيؤثر السبيل الإنسي في العضلات المحورية ويؤثر السبيل الوحشي في الأطراف، كما تؤثر النويات الدهليزية في نويات الأعصاب المحركة للعين بوساطة ألياف صاعدة عبر الحزمة الطولانية الإنسية medial longitudinal fasciculus. ولجميع النويات الدهليزية اتصالات صادرة وواردة بالجهاز الشبكي في جذع الدماغ حيث تعمل هذه الأخيرة في توفير الخدمة اللازمة للسبيلين الدهليزي العيني والدهليزي النخاعي لتوفير المنعكسات الضرورية في سبيل توفير رؤية صحيحة واضحة منسجمة مع حركة الرأس ولحفظ توازن البدن بإحكام.

من المرجح أن الألياف الدهليزية الصاعدة من النويات إلى القشرة الدماغية لا تمر بالمهاد وإنما تنتهي متصالبة إلى الفص الجداري المقابل في باحة برودمان 2 قرب الباحة الحسية للوجه. وتسبب أذية هذه المنطقة اضطراباً في الإحساس بالشاقولية vertical sensation واضطراباً في توجه البدن والحركة؛ وهو نوع من رنح السير والحركة.

نظراً للتلازم التشريحي للعصبين السمعي والدهليزي وأعضائهما الانتهائية في الأذن الداخلية فإن كثيراً من الآفات تصيبهما معاً وقد يصاب كل منهما على حدة.

عضو التوازن: يتألف من مكونين رئيسين: القنوات الهلالية والدهليز. القنوات الهلالية هي ثلاث الوحشية والخلفية والعلوية. أما الدهليز فيفصل في توضعه بين القنوات الهلالية والقوقعة ويتكون من عضوين صغيرين متصلين، أحدهما أفقي التوضع يدعى القريبة utricle التي تنفتح عليها القنوات الهلالية بتوسعات تسمى الأمبولات ampullae، والآخر عمودي التوضع يتصل  بالقريبة ويدعى الكييس saccule. مكونات التيه هذه مملوءة بالسائل اللمفي الداخلي الذي يملأ أيضاً مكونات القوقعة، ويحيط السائل اللمفي الخارجي بهذه التراكيب جميعاً.

تفرش عضو التوازن بجزأيه - القنوات الهلالية والدهليز - البشرةُ العصبية الحساسة المكونة من الخلايا الهدبية التي تنغمس أهدابها في السائل اللمفي الداخلي. وتتصل الاستطالات المحيطية لعقدة Scarpa مع هذه الخلايا الهدبية. يتحرك السائل اللمفي الداخلي بحركة الرأس محركاً الأهداب وبذلك تتولد الإشارة العصبية لحس توازن الرأس منقولة عبر الخلايا الهدبية إلى الاستطالات العصبية للعقدة الدهليزية ومنها إلى العصب الدهليزي.

تتوضع الخلايا الهدبية الحساسة في القنوات الهلالية في الأمبولات على شكل تركيب مرتفع يسمى القنزعة cristae إذ يتسع فضاء السائل اللمفي فوقها بما يسمى القبة cupula في حين تتوضع الخلايا الهدبية في القريبة والكييس في تركيب يسمى البقع السمعية maculae acusticae على الرغم من عدم علاقتها بالسمع. في البقع السمعية يعلو الخلايا الهدبية - على تماس من الأهداب - غشاء جيلاتيني يحوي بلّورات تسمى رمل الأذن (غبار التوازن otolith.

لمحة فيزيولوجية:

هناك العديد من الآليات التي تحفظ توازن الجسم وتجعلنا واعين لموقع الجسم بالنسبة إلى المحيط. هناك معلومات لحظية دائمة وافدة من العينين ومن التراكيب الدهليزية ومن حس الوضعية في المفاصل والعضلات تجعلنا على علم دائم بموقع كل جزء من البدن في الفراغ . للرد على هذه المعلومات تعمل آليات كثيرة معظمها انعكاسي غير واع على حفظ توازن البدن وأعضائه أو إعادة التوازن إليه إن كان مختلاً. تأتي أهم المعلومات الوافدة من:

-1 البصر، وقد تكون أيضاً من الحس الخاص للعضلات المحركة للعين. تسمح الإشارات الواردة منها بتحديد بُعدِ الأشياء المحيطة عن البدن. تنسق هذه المعلومات مع أخرى قادمة من الدهليز ومن الحس الخاص لعضلات الرقبة لتثبيت النظر وعدم زوغانه في أثناء حركة الرأس.

-2 الدهليز والقنوات الهلالية، يختص بأنه عضو يمنح البدن حساً فراغياً مرهفاً وحساً مرهفاً لسرعة الحركة - تسارعاً وتباطؤاً- ولاتجاهها؛ إذ في حين تكون القنوات الهلالية حساسة وناقلة لحركة الرأس الزاوية  angular movementوالدائرية يكون الدهليز حساساً وناقلاً لحركة الرأس الخطية     linear movementالأفقية والشاقولية، كما أن لرمل الأذن شأناً كبيراً في الأحاسيس بثقل الجاذبية. ينشأ من الإشارات الدهليزية نوعان أساسيان من منعكسات التوازن؛ الدهليزية - العينية المختصة بتثبيت البصر في أثناء حركة الرأس، والدهليزية - النخاعية المسؤولة عن ثبات البدن والأعضاء.

-3 الحس الخاص أو حس الوَضعة الوافد من المفاصل والعضلات: تتصل الطرق الصاعدة لهذا الحس بالنوى الدهليزية وبالمخيخ والنويات القاعدية ونويات الأعصاب المحركة للعين وبعض المراكز الأخرى في جذع الدماغ.

يتم التنسيق بين المعلومات الحسية عن الوضعة الواردة من كل هذه الأعضاء - الإبصار والدهليز والمفاصل والعضلات - في جذع الدماغ والمخيخ. وإن أي حركة للرأس أو البدن تحفز هذه الأجهزة جميعاً بوقت واحد.

والآفات التي تصيب الطرق الواصلة المعقدة بين هذه الأعضاء تصيب الشخص بالدوار واضطراب التوازن أو أحدهما.

جملة المعلومات التي يجمعها هذا التنسيق يفيد الشخص في معرفة توازن أعضائه بعضها نسبة إلى بعض وتمييزها من المحيط (خريطة التوازن الخاصة بالبدن) ثم معرفة المحيط وموجوداته الثابتة والمتحركة وتمييزها من حركة البدن (خريطة التوازن الخاصة بالمحيط). وبفضل التمييز التام بين هذين العنصرين يستطيع المرء ثابتاً أم متحركاً أن يدرك الأشياء من حوله ثابتة أم متحركة أي أن يعزو الحركة إلى مصدرها الحقيقي. وإن اضطراب فعالية أي من هاتين الخريطتين أو التنسيق بينهما يؤدي إلى اضطراب التوجه الفراغي واضطراب التوازن.

الدراسة السريرية:

تعاريف:

الدوار هو حس وهمي بحصول  حركة  للرأس والجسم قياساً على  المحيط، أو للمحيط قياساً على الذات.

قد يصف المريض الدوار بأوصاف مختلفة: أن رأسه يدور، أو أن رأسه وجسمه يصعدان ويهبطان، أو كأنه يركب قارباً يميد به في بحر مائج (في بعض المصادر قد يسمى هذا الدوار الدوار الشخصي (subjective vertigo. أو أن يقول إن الأشياء تقفز من حوله أو تتحرك بسرعة إلى جهة واحدة، أو إن الحيطان من حوله تكاد تنهد عليه أو إنها تعود لترتفع إلى مكانها أو إن الأرض تميد تحته أو إن المحيط حوله يهتز اهتزازاً نواسياً (يسمى هذا الدوار أحياناً الدوار الموضوعي  (objective vertigo. هذا التقسيم بين النوعين مدرسيٌّ وليس له قيمة عملية.

وفي أثناء السير يشعر المريض المصاب بالدوار بعدم ثباته على الأرض وأنه يميل إلى جهة معينة أو أنه يدفع دفعاً إلى الجانب أو إلى الأرض. هذا الشعور بالدفع مميز للدوار.

عندما تكون الشكاية خفيفة أو أن المريض غير واضح في شرحه فإن بعض الملاحظات قد تشي بالشكاية : مثلاً عزوف المريض تماماً عن الحركة، وخاصة حركة الرأس، أو الانحناء في أثناء الهجمة، أو القول إن إغماض العينين يريحه قليلاً، أو فقدانه التوازن عندما ينعطف بسرعة في أثناء السير أو إذا انعطفت به السيارة، أو تفضيله الاضطجاع على جانب معين لتخفيف معاناته، أو زيادة المعاناة بتحوله في أثناء النوم من جانب إلى آخر، أو تفضيله الجلوس ساكناً بوضع واحد، كل ذلك يشي بشكاية دهليزية حقيقية. على العكس من ذلك فإن شكاية غير واضحة باضطراب التوازن لا تزيد على هز رأس المريض بقوة لا تنتمي إلى الدوار.

يرافق هجمةَ الدوار عادة الغثيان والقياء والشحوب والتعرق والعزوف عن المشي أو السير بحذر شديد وميله إلى فقدان التوازن أو السقوط إلى طرف واحد. غالباً ما يعرف المريض أن سبب اضطراب توازنه ليس في الساقين وإنما السبب آت من «رأسه». لا يترافق الدوار واضطراب في الوعي وإن حدث ذلك فالحادثة ليست دواراً.

الدوار الكاذب (المشاعر الدورانية) pseudovertigo, giddiness :vertiginous sensations,   

هي مشاعر مختلفة من إحساس المريض بالتأرجح أو خفة الرأس، أو كأنه يسبح أو يسير في الفضاء، أو الشعور بعدم الثقة أو اضطراب التوازن في أثناء المشي، أو شعور مفاجئ بالخور وشبه الإغماءfaintness . هذه المشاعر تنجم عادة عن اضطراب نفسي: حالة قلقية، اكتئاب، أو نوبة هلع panic attack، أو حالات العصاب المختلفة والهستريا. تصاحب هذه الحالات عادة مشاعر الذعر والخفقان وانقطاع النفس والتعرق

أما ما يسمى بالدوام أو الدوخة dizziness  فهو تعبير يستخدمه المريض ليصف معاناته التي قد تنتمي إلى طيف واسع من الشكايات: لأي مما سبق وصفه من الدوار الحقيقي أو الكاذب، يضاف إليها الشعور بالوهن والضعف، أو حتى غشاوة البصر والغشي ونوب فقد الوعي الحقيقية صرعية كانت أم غير ذلك، أو الأنواع المختلفة من الصداع التي يمكن أن يصفها المريض «بالدوخة». فهذا التعبير شعبي واسع فضفاض، وعلى الطبيب بأسئلته الدقيقة وحصاره للمريض بمهنية عالية أن يرجع شكايته إلى أصلها العلمي وإلى مصدرها وكونها عضوية المنشأ أو نفسية المنشأ.

تظهر الأسباب العينية للدوار الكاذب أو الدوام في الحول والشفع ذي النشوء الحاد، وكذلك أول ما يضع المرء عدسات طبية غير مناسبة. هذا الدوام قد يتحول إلى دوار حقيقي إذا كان شديداً أو صاحبه الغثيان والقياء والرؤية الرجراجة (الإبصار التذبذبي) oscillopsia.

من الأسباب الوعائية القلبية للدوار الكاذب فقر الدم الشديد، وتضيق الأبهر وفرط الضغط الشرياني غير المعالج.

يحدث الدوام الانتصابي عند الوقوف من جلوس أو استلقاء بسبب انخفاض الضغط الانتصابي المشاهد في فقر الدم والعلاج بالمدرات وموسعات الأوعية المحيطية وفي المصابين باعتلال أعصاب محيطية إنباتي خاصة لدى السكريين. والدوام (الدوخة) الحادث يصحبه عادة شعور بتأرجح أو خفة بالرأس وغشاوة البصر وخور وقد يتحول ذلك إلى غشي حقيقي.

من الأسباب الصدرية للدوام السعال المتتابع لأسباب عديدة أبرزها النفاخ الرئوي إذ يقل العود الوريدي إلى القلب يتلوه انخفاض ضخ الدم إلى الدماغ.

ومن الأسباب الاستقلابية يتبين خاصة انخفاض سكر الدم الذي يصاحب الدوام فيه الخفقان والعرق البارد والشعور بالخور والجوع.

والانسمامات الدوائية التي تقود إلى الدوام عديدة؛ أبرزها المسكنات شبه المورفينية والمهدئات ومضادات الاكتئاب ومضادات الصرع. وفي الحالات الشديدة ينقلب الدوام إلى دوار حقيقي.

وفي كل حال حين تكون الشكاية غامضة وهناك شك بطبيعتها؛ يمكن القيام بهز رأس المريض وتدويره يميناً ويساراً. فاشتداد شكاية المريض بهذه الطريقة، ولاسيما إذا رافقتها الرأراة وفقد المريض صراحة توازنه وسقوطه على الأرض دليل على المنشأ الدهليزي للشكاية.

أسباب الدوار:

-1 الدوار تيهي المنشأ :disease labyrinthine

هو السبب الأغلب للدوار، ولا سيما حين يكون حاد الحدوث، لكن لا يجب مع ذلك إغفال المنشأ المخيخي أو من جذع الدماغ.

يكون الدوار شديداً ومعاناة المريض كبيرة في الحالات الحادة، فيميل المريض إلى السكون التام وإغماض العينين وتثبيت الرأس، لأن أدنى حركة تعاظم من معاناته. يرافق الدوار الغثيان والقياء واضطراب التوازن والميل إلى السقوط إلى جهة الآفة وانحراف السبابتين كذلك إلى جهة الآفة والذراعان ممدودتان. بفحص العيينين تظهر رأرأة أفقية جهة ضربتها السريعة عكس جهة الأذن المصابة. الدوار والرأرأة لايستمران طويلاً بل يتراجعان ويسكنان في فترة وجيزة، كما أن المريض سريع التعود على الظاهرة (ظاهرة التحمل) tolerance phenomenon.

قد يكون الدوار الحاد مصحوباً بنقص في السمع أو أن يكون منعزلاً.

أ- أهم أسباب الدوار الدهليزي مع اضطراب في السمع:

- (1) مرض منيير Meniere’s disease:

هذا المرض مجهول السبب ويكون أحياناً من أساس عائلي مورث بصفة قاهرة أو متنحية.  يبدأ في أواسط العمر بين 35- 45 سنة وقد يبدأ قبل ذلك أو بعده بهجمات متكررة من الدوار الشديد مصحوبة بطنين ونقص في السمع في الأذن المصابة؛ إذ إن الإصابة وحيدة الجانب. شدة الأعراض السمعية متأرجحة، وقد يفقد الطنين أو نقص السمع - وليس الاثنان معاً- في الهجمات الأولى ولكن وجودهما معاً ثابت بعد ذلك مع ازدياد شدتهما .

تعزى الآلية الإمراضية إلى ازدياد ضغط السائل اللمفي الداخلي، وقد يكون ذلك بزيادة حجمه، يسبب انفتاقات متكررة في الغشاء المحيط تواكبها الهجمات السريرية. هذه الآلية تشلّ الخلايا الهدبية الدهليزية على شكل هجمات، كما أنها تؤدي بالتدريج إلى تدمير الخلايا الهدبية السمعية.

الهجمة مفاجئة الحدوث تدوم دقائق إلى ساعة وأكثر. الدوار حلزوني الصفة أو دوراني تصحبه كل مواصفات الدوار الحاد. الطنين ذو نغمة منخفضة، والرأرأة أفقية بطور بطيء يضرب إلى جهة الأذن المتأذية. يشعر المريض بامتلاء الأذن المصابة وسمعه مضطرب متأرجح الصحة، ويعود السمع إلى طبيعته مع تراجع الهجمة لكن نقص السمع يزداد شيئاً فشيئاً مع توالي الهجمات.

تختلف شدة الهجمات ومعدل تتاليها اختلافاً بيّناً بين حالة وأخرى، ففي الحالات الشديدة تتكرر الهجمات عدة مرات في الأسبوع لعدة أسابيع قبل أن تتلاشى، ويتمتع المريض بفترة سكون عدة أشهر أو سنوات ثم تعاود الهجمات بمجموعة أخرى. تكون الهجمات في الحالات الخفيفة قصيرة الأمد متباعدة، والإزعاج محدوداً، ونقص السمع طفيفاً، وفترات الهدوء طويلة.

تحدث في قلة من المصابين بمرض منيير هجمات سقوط مفاجئ عنيف غير مصحوب بالدوار إذ يشعر المريض أنه يدفع دفعاً إلى الأرض بقوة خفية دون إنذار، أو أنه يحس للحظات قبل السقوط كأن المحيط حوله يرتجّ. ولا يصحب هذا السقوط الغريب اضطراب في الوعي، وقد يحدث ذلك في بدايات المرض أو بعد سنوات من التطور، وقد يتكرر على مدى سنة كاملة ثم يختفي من نفسه ولا يعاود. وحدوث هذا السقوط ضمن سياق المرض يميزه من غيره من نوب السقوط drop attack.

قد يسبق شيء من نقص السمع الهجمة الأولى للدوار، كما وصفت حالات من هجمات نقص السمع من دون دوار دعيت «داء منيير القوقعي» cochlear Meniere’s disease.

إصابة الأذنين معاً نادرة ولا تتعدى في معظم الدراسات 10% من الحالات. يكون نقص السمع  للنغمات منخفضة التواتر في البداية وحينها لا يتأثر تمييز الكلام، ثم تمتد الإصابة إلى النغمات عالية التواتر فيتأثر تمييز الكلام بذاك الأخير. تتراجع هجمات الدوار كلما تعزز الصمم وتختفي إذا أصبح الصمم كاملاً.

في معظم الحالات يتوقف المرض تلقائياً بعد عدة سنوات من التطور تاركاً المريض في حالة صمم أحادي الجانب جزئي أو كلي .

التشخيص سريري، يعززه إثبات وجود نقص سمع عصبي المنشأ بوساطة تخطيط السمع بالنغمة الصافية وبالكمون المحرض السمعي AEP، وإثبات وجود نقص حساسية الدهليز باختبارات التحريض.

العلاج: أثبتت الراحة في الفراش خلال الهجمة أنها من خير الوسائل لإخماد الأعراض. وهناك العديد من الأدوية التي قد تساعد على انتشال المريض من معاناته الحادة، أهمها:

> مضادات الهستامين: cyclizine meclizine، dimenhydrinate¨diphenhydramine.

> في الحالات الأكثر عناداً يمكن استعمال اللصقات الجلدية للـ scopolamine.

>  prochlorperazine :phenothiazines،promethazine ،   domperidon, ondansetrone, metoclorprmide .

> هذه المواد يمكنها السيطرة على الدوار وعلى الغثيان والقياء في وقت واحد.

> ومن أجل العلاج طويل الأمد أثبتت المدرات والـ betahistine في عدة دراسات كبيرة أنهما الوحيدان القادران على التخفيف من وطأة هجمات الدوار، لكن يبدو أنهما لايؤثران  تأثيراً مؤكداًً في الطنين ولايخففان من نقص السمع. يمكن استعمالهما معاً أو كل منهما على حدة.

> دأبت الممارسة الطبية سابقاً على حمل المريض على حمية غذائية قليلة الملح والكافئين وخالية من التدخين، ولم يعثر حتى الآن على أساس علمي متين لهذه الخطة لكن قسماً من المرضى يعربون - شخصياً - عن إحساسهم بالتحسن عليها، ولعل الحمية عن الملح هي الأوفر حظاً في الاستناد إلى تفسير مقنع فتأثيرها يشبه المدرات في التخفيف من توتر السائل اللمفي.

الجراحة: هي الحل النهائي في الحالات الشديدة المقعدة متتابعة الهجمات غير المستجيبة للإجراءات الدوائية. يستؤصل التيه جراحياً في الحالات أحادية الجانب حصراً والتي فقد فيها السمع فقداً تاماً أو قريباً من التام، كما يمكن تخريب التيه دوائياً بحقن جرعات كبيرة ومتتابعة من الجنتامايسين في الأذن الوسطى فتعبر إلى الأذن الداخلية عبر النافذة البيضاوية. وحين يكون السمع محفوظاً أو إن الإصابة ثنائية الجانب يعمد إلى إجراء أكثر انتقائية، بتخريب الدهليز فقط بالتبريد بوساطة مسبار خاص، أو بحقن جرعة خفيفة من الجنتامايسين أو بقطع العصب الدهليزي. كما يمكن عمل تحويلة shunt بين القناة اللمفية الدهليزية والفراغ تحت العنكبوتي. وهذه الإجراءات الباضعة استثنائية.     

- (2) اعتلال الدهليز الانسمامي أو الدوائي:

الأدوية المتهمة بإحداث اعتلال في التيه عديدة؛ أشهرها المضادات الحيوية من فئة aminoglycosides (ستريبتومايسين، جنتامايسين، نيومايسين، أميكاسين) والمضاد الحيوي فانكومايسين.

تشمل الإصابة القوقعة والدهليز أو أحدهما بآلية انسمام الخلايا الهدبية الحساسة وتدميرها. تتعلق شدة الإصابة بالجرعة ومدة الاستعمال المتواصل وقد قدرت بعض الدراسات ذلك بأسبوعين إلى أربعة أسابيع وتقصر هذه المدة بوجود عوامل مساعدة مثل استعمال جرعات قصوى واستعمال الطريق الوريدي ووجود قصور كلوي أو كبدي.

تفتقر الأعراض إلى الدوار الصريح لكن المريض يشكو من مشاعر دورانية واضطراب توازن وتأرجح لدى الوقوف والرؤية الرجراجة (إبصار تذبذبي) oscillopsia وطنين في الأذنين ونقص السمع قد يبلغ حد فقد السمع ثنائي الجانب، هذه الإصابات نهائية في العادة ونادراً ما تتراجع، لذا يجب الحذر التام حين استعمال هذه الأدوية والانتباه لبوادر ظهور أعراض الانسمام.

الأسبرين والكينين بجرعات كبيرة متهمان أيضاً بإصابة التيه بأحد قسميه أو كليهما، وتتراجع الإصابة عادة بوقف الدواء.

ومن الأدوية المتهمة أيضا بإصابة التيه المدرّان furosemide و ethacrynic acid لكن الإصابة تتراجع كذلك بوقف الدواء.

ويتهم الدواء المنتمي إلى زمرة التتراسكلين المسمى minocycline بإحداثه إصابة دهليزية حادة من دون إصابة سمعية، وقد يحدث ذلك منذ الأيام الأولى لاستعماله.

وفي الانسمام الكحولي الحاد يحدث دوار وضعة يشتد بإغماض العينين تصحبه الرأرأة ولا يصحبه طنين، يدوم عدة ساعات قبل أن يتلاشى

 - (3) أسباب أخرى لإصابات الدهليز المحيطية

> إصابات العصب الدهليزي: أشهر هذه الأسباب ورم العصب السمعي acoustic neuroma الذي يصيب العصب الدهليزي والسمعي في آن واحد. التطور بطيء فيصاب المريض بنقص السمع المتدرج، للترددات العالية من الصوت أولاً، ثم يصاب في شهور أو سنوات بهزع (رنح (ataxia واضطراب توازن الأطراف في جهة الإصابة ويكون الدوار مفقوداً أو خفيفاً جداً على شكل مشاعر دورانية. إن لم يوضع التشخيص في حينه تتطور الأمور إلى إصابة العصب الوجهي فالخامس ثم التاسع والعاشر في الجهة نفسها.

في الشكل الجهازي لداء Von Recklinghausen ينشأ ورم العصب السمعي من الطرفين معاً مع التهديد بصمم تام، ويأتي الشك السريري من ظهور أعراض دهليزية تتطور تطوراً مترقياً مزمناً يرافقها نقص السمع في الجهة نفسها نقصاً متزايداً ويوضع التشخيص بناءً على معطيات الرنين المغنطيسي.

> إصابات الدهليز الوعائية: من الأسباب النادرة أيضاً حدوث احتشاء التيه بسبب انسداد الشريان المخيخي السفلي الأمامي. تبدو الصورة السريرية بظهور متلازمة دهليزية محيطية على نحو حاد مع فقد السمع ومتلازمة مخيخية. قد يحدث مثل هذا الاحتشاء - بإصابة انتقائية للشريان التيهي- في سياق التهاب الشرايين لسبب جهازي: التهاب الشرايين العقد، والذئبة الحمامية الجهازية، والزهري. النزف داخل التيه حدث استثنائي، وقد يحدث في سياق فرط الضغط الشرياني خارج السيطرة أو في أمراض الدم النزفية كالناعور ونقص الصفيحات وابيضاضات الدم الحادة والعلاج بمضادات الانقسام الخلوي.

وصف Cogan متلازمة تشمل الدوار مع الرأرأة والطنين ونقص السمع الذي يتطور سريعاً إلى فقده التام مع حدوث التهاب قرنية خلالي. سبب المتلازمة مجهول، تحدث عند الشباب. بمتابعة تطور الآفة حدث في نصف المصابين بها قصور أبهري أو التهاب شرايين جهازي يشابه التهاب الشرايين العقد.

> إصابات الدهليز الرضية: قد تسبب رضوض الرأس الخفيفة والمعتدلة كارتجاج الدماغ دواراً ورأرأة وانخفاض استجابة دهليزية بالاختبارات الحرورية، وطنيناً. عزيت هذه الأعراض إلى تبعثر الرمل الأذني نتيجة حركة الرأس العنيفة؛ وهي تتراجع بمدة أيام إلى أسابيع من دون أن يعقبها نقص في السمع. أما الرضوض الشديدة التي تتضمن كسراً في الصخرة فقد تؤدي إلى تخريب التيه تخريباً كاملاً مع فقد سمع تام.

وفي متلازمة ما بعد رض الرأس الحميد يشكو المريض غالباً من الدوام الذي يدوم أياماً إلى أسابيع إلى أشهر أحياناً ويختفي بعد ذلك.

بعد رضوض الرأس قد يحدث ناسور للسائل اللمفي الخارجي حتى ولو كان الرض بسيطاً لا شأن له مثل العطاس والسعال المتتابعين، ولاسيما بوجود عامل مساعد كالخمج المزمن ووجود الورم الكولسترولي cholesteatoma الذي قد يحدث الناسور من دون حدوث رض.

> إصابات الدهليز الخمجية: تشمل الأسباب الخمجية لاعتلال الدهليز التهاب التيه القيحي بامتداد الالتهاب من الخشاء أو السحايا أو حدوث التهاب مصلي فيه بسبب خمج في الأذن الوسطى.

قد يحدث دوار عابر بوجود ضغط مرتفع في قناة السمع الخارجية لسبب ما في حالات تلف غشاء الطبل لأسباب مختلفة ولاسيما بسبب الإنتانات المزمنة في الأذن الوسطى.  

ب- أسباب الدوار الدهليزي من دون اضطراب في السمع:

* دوار الوضعة الحميد :benign positional vertigo 

هو أكثر شيوعاً من داء منيير، يحدث بصورة هجمات إنتيابية بتغيير المريض وضعة رأسه، وهو مستلق في فراشه متقلباً إلى أحد الجانبين، أو يهم بالنهوض واقفاً، أو منحنياً إلى الأمام أو ملق برأسه إلى الخلف. حدوثه شائع في أثناء الليل والمريض يتقلب في فراشه.

يثار الدوار مهما كان سببه بتحريك الرأس أو دورانه بسرعة، لكن ما يميز دوار الوضعة أنه يثار عند مريض ما بوضع رأسه بوضعة بعينها، وهو يبدأ بعد لحظات إلى ثوان من اتخاذ الرأس تلك الوضعة وتصاحبه رأرأة أفقية.

ولإثارة دوار الوضعة بالفحص يعمد إلى إجراء حركة «الرأس المعلق» وهي إجلاس المريض على طاولة الفحص ورأسه مائل إلى الخلف بزاوية 30- 45 درجة وملتفت إلى أحد الجانبين بالزاوية نفسها، ثم يعمد إلى اضجاعه على ظهره بسرعة  وهو على هذه الوضعة على أن يتجاوز رأسه حافّة الطاولة في الخلاء إلى أسفل. يظهر الدوار بعد لحظات بهذه الوضعة إن كانت جهة الرأس هي الموافقة لإثارة الدوار، وإلا يعاد فحص المريض ورأسه إلى الجهة الأخرى. حين يثار الدوار في إحدى الوضعتين فإنّ الأذن المريضة مصدر الدوار هي التي في الأسفل.

والاضطراب المسبب للدوار هو تحرك الرمل الأذني في القُرَيب أو الكييس بسبب علّة تنكسية متعلقة بالتقدّم بالسن، إذ إن دوار الوضعة يحدث عادة بعد سن الخمسين.

تتكرر هجمات الدوار هذه فترة أسابيع إلى أشهر ونادراً سنوات لتختفي من نفسها بعد ذلك.

إذا نجحت إثارة الدوار بتجربة الرأس المعلق يستطاع إثارته - بالمناسبة نفسها- مرات متتالية لكن الدوار والرأرأة يضعفان مرة بعد مرة ليختفيا تماماً بعد عدة محاولات، وهي علامة على أن مصدر الدوار محيطي.

وصف دوار وضعة تال لآفات مركزية كالإصابات الوعائية والورمية في جذع الدماغ والمخيخ. يكون هذا الدوار معتدل الشدة، على عكس الدوار الحميد المحيطي الشديد الدرجة عادة، شبه المستمر، والرأرأة المصاحبة متعددة الاتجاهات غير متراجعة، كما أن دوار الوضعة مركزي المنشأ يثار فوراً باتخاذ رأس المريض الوضعة المناسبة لإثارة الدوار من دون انقضاء مهلة ما، وتكرار التجربة يثير دائماً الدوار نفسه بالشدة نفسها. وفي حين يرافق الدوار المحيطي الغثيان والشحوب تكون هذه العلامات ضعيفة أو مفقودة في الدوار المركزي، كما أن اضطراب التوازن أوضح في شدته وجهته منه في الدوار المركزي

من الخصائص الفريدة لدوار الوضعة أنه بعد إثارته بوضعة الرأس المعلق فإن إجلاس المريض يعكس جهة الدوار والرأرأة وهذه علامة أكيدة المنشأ للدوار الدهليزي.

إن الخصائص المميزة لدوار الوضعة الحميد هي إذن التالية:

> حدوثه باتخاذ الرأس وضعة معينة لكن بعد فترة وجيزة.

> قصر مدة الهجمة.

> تراجع شدة الدوار ومدته مع تكرار الفحص حتى الاختفاء.

> انعكاس جهة الدوار والرأرأة بإجلاس المريض.

> بقاء الدوار عرضاً رئيساً وحيداً في شكوى المريض مع قدم عهدها.

الآلية الإمراضية: ترجع معظم الأبحاث دوار الوضعة إلى عملية تنكسية في رمل الأذن العائد إلى جهاز القبة cupula في القناة الهلالية الخلفية، إذ تنفصل بلّورات من هذا الجهاز عن المجموع وتسبح حرة في السائل البلغمي الداخلي لتسقط في أخفض بقعة، فتثير أهداب الخلايا الحساسة لدى اتخاذ الرأس وضعة معينة.

التدابير العلاجية: التدبير الرئيسي هو تنبيه المريض لتجنب الوضعات المثيرة للدوار وإعطائه مهدئاً خفيفاً يسيطر به على ذعره الناشئ من هجمات الدوار المفاجئ، كما يستعان بمضادات القياء الذي يحدث في هجمات الدوار الشديدة

إذا شكلت هجمات الدوار بشدتها وتكررها إعاقة مهمة للمريض يُعمد إلى إجراء حركة Empley التي هدفها طرد البلورات الحرة السابحة في القناة الهلالية الخلفية وتوجيهها للخروج إلى القُريب utricle: تجرى أولاً حركة الرأس المعلق لمعرفة الأذن المتأثرة المسؤولة عن الدوار، وهي الأذن السفلى كما سبق ذكره. يجرى بعدها مراحل متلاحقة من تغيير وضعية المريض تستغرق كل مرحلة 20 ثانية. ولشرح هذه المراحل نفرض أن الأذن المريضة هي اليمنى، وسيكون عندها رأس المريض وهو معلق مائلاً إلى اليمين. بعد ذلك تعدل وضعة رأس المريض إلى الوضعة السوية، وهو دائماً مدلّى إلى الخلف، بحيث تنظر عيناه إلى الأعلى. يُمال الرأس إلى اليسار بزاوية 45 درجة. ثم يُضجع المريض على جنبه الأيسر ثم يمال رأسه أكثر إلى اليسار بحيث ينظر إلى الأرض. وأخيراً يُجلس المريض بزاوية 45 درجة ورأسه ملتفت إلى اليسار وتميل ذقنه إلى أسفل قليلاً. ينصح بإبقاء المريض بهذه الوضعية، وظهره مسنود مدة ساعات أو حتى 24 ساعة، أي أن يترك لينام بهذه الوضعة بإسناد رأسه إلى مخدات مطبّقة بعضها فوق بعض.

ذكرت بعض الحالات المعندة كانت فيها هجمات الدوار طويلة الأمد غير متخامدة مع الوقت، ولا تنفع فيها حركة Empley، وقد عثر في هذه الحالات على ضغط العصب الدهليزي في منشئه بوعاء دموي مجاور، وقد أدت إزالة هذا الضغط جراحياً إلى الشفاء التام.

* التهاب العصبون الدهليزي   :vestibular neuronitis

هي متلازمة دهليزية حادة، أحادية الطرف، من دون إصابة الجهاز السمعي، الدوار فيها حاد النشوء قوي لكنه أقل حدة من هجمات داء منيير. تطول هجمة الدوار أكثر من يوم وهو ما يفرقها عن هجمات داء منيير، و تتراجع الإصابة بالكامل في أيام قليلة .

الشواهد كثيرة على منشأ الإصابة الفيروسي، فهي قد تحدث على شكل جائحات، أو تحدث بعد أيام من إصابة المريض بهجمة خمج فيروسي حاد في الطرق التنفسية، وشوهدت في الأطفال المصابين بالحصبة أو النكاف، ومن المؤكد كذلك حدوثها في سياق الخمج بالهربس النطاقي herpes zoster  حيث تشمل العصبين الدهليزي والوجهي معاً. كل هذه الشواهد دعت إلى تصنيف الإصابة بالالتهابية neuronitis. ومع أن الإصابة في العادة دهليزية خالصة فقد تحدث إصابة سمعية خفيفة في السياق، وتدعى الحالة حينئذٍ التهاب التيه labyrinthitis.

تأكيداً للطبيعة الالتهابية للحدث فإن عدداً من الحالات التي درست بالرنين المغنطيسي مع حقن الغادولينيوم وجدت تثبيتاً للمادة الظليلة في بعض مناطق الدهليز والعصب الدهليزي.

ومع التخامد السريع للإصابة فإن النكس بعد شهور أو سنوات محتمل دائماً. والاختبارات الحرورية للدهليز تعود إلى الطبيعي بعد مدة أطول من عودة الشفاء السريري. وقد يشكو المريض من دوام لعدة أسابيع بعد اختفاء الدوار.

العلاج: باستخدام مضادات الهستامين مثل dimenhydrinate، و promethazine إضافة إلى المهدئات الخفيفة ومضادات القياء والـ scopolamine.

في إحدى الدراسات أمكن تقصير مدة الهجمة باستعمال البردنيزولون بجرعة هجومية قدرها 100ملغ/يوم تسحب بعد 3 أسابيع، في حين لم يعثر على أي فائدة من استعمال المضادات الفيروسية.

* المتلازمة الدهليزية - المخيخية العائلية  familial vestibulocerebellar syndrome:

متلازمة عائلية تبدأ في الطفولة أو سن الشباب تتميز بحدوث نوب من الدوار واضطراب التوازن تختلط أحياناً بشفع ورُتة كلامية. تثور النوب بالجهد البدني والنفسي المتميز.

ومع تكرار الهجمات يصاب المريض برنح خفيف وخاصة في الجذع. واستعمال الـ acetazolamide في الهجمات يخففها كثيراً أو يثبطها.

هذه المتلازمة تبدو على علاقة وثيقة بالمتلازمة العائلية المعروفة «بالرنح المستجيب للاسيتازولاميد  «acetazolamide responsive ataxia.  

-2 الدوار المركزي أو دماغي المنشأ :central vertigo

الدوار وأذيات جذع الدماغ: قد تحدث أذيات جذع الدماغ العليا أو السفلى دواراً بإصابة النويات الدهليزية أو الطرق الدهليزية المعقدة الصاعدة والنازلة إصابة مباشرة.

وللأعراض الدهليزية الناشئة مواصفات خاصة تميزها من الأعراض الناشئة من أذيات الدهليز المحيطية، فالدوار هنا خفيف الشدة، قد يتحول إلى مشاعر دورانية، لكنه مستمر لا يتراجع ولا يعتاده  المريض. وانحراف السبابتين بمد اليدين لا يكون متسقاً صريحاً باتجاه طرف الأذية كما هو الحال في الأذية المحيطية. والغثيان والقياء المصاحبان لا يكونان شديدين لكنهما يستمران فترة طويلة بعد بداية الأذية.

والأذيات المركزية لا تصاحبها أعراض سمعية لسلامة أليافها، لكن الأعراض المرافقة تكون عصبية تترجم إصابة نويات الأعصاب القحفية والسبل العصبية الصاعدة والنازلة المزدحمة في جذع الدماغ.

قد تحدث الرأرأة في الأذية المركزية من دون أي دوار، وقد تتميز باتجاه سريع واحد أو اتجاهين سريعين. وقد تكون أفقية فحسب أو دائرية أو شاقولية أو متعددة الاتجاهات، في حين لا تكون الرأرأة في الأذية المحيطية إلا أفقية  مع مركب دائري. تزداد الرأرأة في الأذيات المركزية بتركيز المصاب على هدف ثابت، ولا تتراجع مع الوقت ولا تمر إلى مرحلة التلاؤم non- regressive non- adaptable. والرأرأة محيطية المنشأ لا تكون عمودية، ومن غير الاعتيادي أن تكون أفقية فحسب من دون مركب دائري، وتتراجع أو تختفي بتركيز المصاب على هدف ثابت وتشتد على نحو صريح مع حركة الرأس كما أنها تتخامد مع الوقت ويمكن للمريض التلاؤم معها regressive and adaptable.

والدوار المركزي يكون حاد المنشأ في الأذيات الوعائية وأقل حدة في التصلب اللويحي وبطيئاً  ومتدرج النشوء في الأذيات الكتلية لجذع الدماغ.

يحدث الدوار في احتشاءات جذع الدماغ خاصة الاحتشاء الجانبي للبصلة (متلازمة والنبرغ). كما يحدث في أذيات المخيخ الواسعة الاحتشائية أو النزفية التي تستولي على نصف الكرة المخيخية مع المنطقة الدهليزية من المخيخ (الفصيص الندفي العقيدي)  flocculonodular lobule، هذه المنطقة الأخيرة يمكن أن تصاب بالاحتشاء على نحو منعزل بانسداد الفرع الإنسي من الشريان المخيخي السفلي الخلفي ويكون الدوار في هذه الحال شديداً مصحوباً بالقياء والشحوب مماثلاً في ذلك الدوار المحيطي. في أذيات المخيخ تكون الحركة السريعة للرأرأة باتجاه الأذية على عكس ما يحدث في الأذيات المحيطية.

من النادر أن يكون الدوار هو العرض الوحيد الناشئ عن تلك الأذيات وإنما تصاحبه أعراض أخرى كإصابة الأعصاب القحفية والخزل الشقي الحسي والحركي أو أحدهما في الجانب المقابل للأذية، وأعراض مخيخية واضطراب في الوعي وفي حركات العينين التوافقية.  

قد ينجم الدوار عن الأذيات الدماغية القشرية لمنطقة السمع، وهو قليل الحدوث.

-3 أسباب خاصة للدوار:

أ- الدوار والصرع:

من الشائع أن تستهل النوبة الصرعية بمشاعر دورانية أو الإحساس بخفة الرأس وهذه الأعراض لا قيمة سريرية لها للدلالة على نوع النوبة الصرعية أو توضع الأذية الدماغية المسببة لها. على العكس من ذلك، من النادر أن تستهل نوبة صرعية بدوار حقيقي. في هذه الحال تتوضع الأذية الدماغية عادة في المناطق القشرية الدهليزية: الجزء الخلفي من الفص الصدغي العلوي أو التلفيف الواصل بين الفصين الجداري والصدغي. وتجريبياً نجح أحد الباحثين في إثارة نوبة صرعية مسبوقة بالدوار بإثارة القشرة الواصلة بين الفصين الجداري والقفوي إثارة كهربائية.

وحين حدوث نوبة صرعية تبدأ بالدوار قد تتلوها أعراض سمعية، وترتيب الأعراض هذا له قيمة تشخيصية مهمة في الدلالة على منشأ النوبة الصدغي.

ب- الدوار والشقيقة:

من المعروف أن الدوار يؤلف واحداً من أعراض الشقيقة القاعدية basilar migraine لكنه ليس العرض الوحيد، فنوبة الشقيقة القاعدية غنية بأعراضها: البصرية والعينية وبقية الأعصاب القحفية، وهذه الأعراض  ثنائية الجانب.

وضع في السنوات الأخيرة مصطلح جديد هو «الدوار الشقيقي «migrainous vertigo لوصف هجمات إنتيابية من الدوار الحاد - الصرف في أكثر الأحيان - في أشخاص عانوا سابقاً أو يعانون حاضراً هجمات صداع شقيقي لشخص لديهم بناءً على التصنيف العالمي للصداع IHSS. هجمات الدوار هذه مديدة الزمن ساعة إلى عدة ساعات إلى أكثر من يوم مما يخرجها عن وصفها بأنها مجرد نسمة لشقيقة قاعدية، كما أن الدوار منعزل لاترافقه أعراض سمعية فلا يختلط بهجمات داء منيير.

ولوضع توصيف دقيق لهذا المصطلح الحديث وضعت معايير أو شروط سريرية، إن توافرت، تم اعتماد الدوار الشقيقي وصفاً لمعاناة المريض. هذه المعايير هي:

> شدة هجمة الدوار يجب أن تكون متوسطة أو أكثر. والشدة المتوسطة تضايق المريض جدياً في نشاطاته اليومية لكن لا تمنعها، أما الشدة الفائقة فتمنعه من الخروج من المنزل.

> وجود قصة سابقة أو حالية لهجمات صداع شقيقي منفصلة عن هجمات الدوار.

> حدوث بعض الأعراض التالية مع هجمتين على الأقل من هجمات الدوار:

* صداع.

* الخوف من الضياء photophobia.

* الخوف من الأصوات phonophobia.

* نسمة لأعراض بصرية في بداية الهجمة.

> والقاعدة كما سلف ذكره أن ينفرد الدوار بالهجمة، يرافقه في أكثر الأحيان الغثيان والقياء، لكن بعض  المرضى يعانون الصداع مختلطاً بالدوار في بعض الهجمات أو كلها.

> وكما في الشقيقة الوصفية إن النساء أكثر إصابة من الرجال، لكن المميز في الدوار الشقيقي أن الأطفال أكثر إصابة من البالغين على نحو صريح.

 > يجب اتخاذ جانب الحذر والانتباه قبل اعتماد تشخيص الدوار الشقيقي باستبعاد الأسباب العضوية بالوسائل المناسبة، ولاسيما آفات جذع الدماغ والمخيخ واستسقاء الدماغ، خاصة أن نسبة كبيرة من المصابين هم من الأطفال العاجزين عن الإفصاح عن شكاياتهم بوضوح

الخطة العلاجية:  

للسيطرة على الهجمة الحادة يعتمد على الأدوية المذكورة في تدبير هجمة داء منيير نفسها، علماً أن الدراسات المختلفة تفضل الـ scopolamine ومضادات الهستامين، أما الفينوثيازينات فتعطى للمرضى الخائفين المتوترين، والذين لديهم قياء معند.

للعلاج الوقائي طويل الأمد تستعمل الخطط  المستعملة في الشقيقة الوصفية باعتماد دواء من قائمة طويلة من الأدوية على رأسها محصرات مستقبلات بيتا، ومحصرات قنوات الكلسيوم.

ج- الدوار من منشأ رقبي:

قد ينشأ الدوار والرأرأة عن الاذيات الحاصلة لتراكيب الرقبة العضلية والوترية المعصبة بالجذور الرقبية العليا، وتخريش النهايات العصبية لتلك الجذور بوذمة أو رض رقبي أو تشنج عضلي spasm. 

ومن المحتمل احتمالاً غير مثبت أن يكون الدوار ناجماً عن تضيق في الشريان القاعدي المارّ في القناة العظمية الخاصة به على جانبي العمود الرقبي نتيجة تغيرات تنكسية وتضيق القناة، فقد تحدث لحظات دوار أو مشاعر دوارية بفرط بسط الرقبة أو الالتفات المفرط إلى أحد الجانبين في الأشخاص المؤهبين.

 

 

 


التصنيف : الجهاز العصبي
النوع : الجهاز العصبي
المجلد: المجلد الثاني عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 111
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 490
الكل : 31569268
اليوم : 4123