logo

logo

logo

logo

logo

البصريات النترونية

بصريات نترونيه

Neutron optics -

البصريات النترونية

فوزي عوض

 

 

تتناول البصريات النترونية neutron optics سلوك النترونات الموجي واستعمالاتها مع تجهيزاتها، إذ تتصف الأجسام وفق ميكانيك الكم بازدواجية الجسيم والموجة، ويسود أحد المظهرين على الآخر وفق التجربة المتناولة، فيعبر عن السلوك بالمظهر الجسيمي عند دراسة التصادمات مع جسيمات أخرى مثلاً، ويعبر عن سلوكها بالمظهر الموجي كما في تجارب التداخل والانعراج. وقد أُخذت التسمية من «البصريات» الذي هو علم الضوء المرئي أصلاً، ويشمل الضوء الهندسي المتعلق بانكسار الضوء وانعكاسه، والضوء الفيزيائي المتعلق بظواهر التداخل والانعراج والاستقطاب؛ وأضيف إلى التسمية «النترونية» كي تُبرز اختلاف الموجات المرافقة للنترونات عن موجات الضوء المرئي، سواء من حيث التحكم فيها أم في تآثراتها مع المادة.

يتعلق طول الموجة المرافقة للنترونات باندفاعها p وفق علاقة دي بروي (1):

حيث h ثابت بلانك؛ وبالتالي فهو يتعلق بطاقة النترونات، فيُعطى طول الموجة مقدراً بالأنغستروم Å بدلالته بالعلاقة (2):

حيث: E طاقة النترونات مقدرة بالإلكترون- فولط.

تصدر النترونات غالباً من تفاعلات نووية تجري في مفاعلات، لذلك تُعدّ المفاعلات مصدرها الرئيس. وتمتد طاقة النترونات الصادرة من التفاعلات النووية على مجال واسع منها بدءاً من أجزاء الإلكترون- فولط (eV) حتى عشرات الميغا إلكترون- فولط. تسمى النترونات ذات الطاقة المقاربة لـ0,02eV «النترونات الحرارية»؛ لأنها من مرتبة الطاقة الحرارية التي تصادف عند درجة حرارة الغرفة، وهي التي تقابل طول موجة من مرتبة الأبعاد بين الذرات في البلُّورة، 10-10 m، لذلك فإن هذه النترونات مفيدة عند اختبار البلُّورات والتآثر معها؛ ويمكن أن تهدّأ النترونات ذات الطاقة العليا؛ ليستفاد منها في هذا المجال.

تستعمل هذه النترونات لدعم نتائج انعراج الأشعة السينية وانعراج الإلكترونات في البلُّورات؛ إذ يمكن أن تعطي معلومات عن الترتيب المغنطيسي؛ إضافة إلى ما تعطيه الأشعة السينية والإلكترونات بسبب تآثرها مع النوى وعدم تآثرها مع إلكترونات الذرات لعدم امتلاكها شحنة كهربائية، كما يمكن أن تعطي تمايزاً أفضل مما تعطيه الأشعة السينية والإلكترونية في حالة العناصر الخفيفة، مثل الهدروجين والأكسجين في مركّباتها البلُّورية أو في حالة العناصر ذات الأعداد الذرية المتقاربة، مثل الكوبالت والحديد. وإذا استعملت نترونات باردة طاقتها أصغر من 0,02eV كانت أطوال موجاتها من مرتبة عشرات النانومتر؛ فستكشف وجود مناطق مغنطيسية مختلفة التوجهات والحدود الفاصلة بينها (ما يسمى جدران بلوخ Bloch walls)؛ إضافة إلى تحركات هذه الحدود عند مغنطتها.

تبرز مشكلتان عند التعامل مع بصريات النترونات، الأولى كونها غير مشحونة وبالتالي يصعب تسريعها أو إبطاؤها بتطبيق حقول كهربائية، كما يصعب التحكم في مسارها وتوجيهها. والثانية - وهي نتيجة للأولى- وجوب استعمال مرشِّحات خاصة؛ إذا أريدت نترونات ذات طول موجي حاد جداً. لكنه بالمقابل لها ميزة على الجسيمات المشحونة، تلك هي عمق اختراقها الطويل مقارنة بعمق اختراق الجسيمات المشحونة؛ ما يجعلها تتآثر مع نوى الذرات أكثر من تآثرها مع الإلكترونات التي تحيط بالنواة، وآنذاك يغيب الأثر الكهربائي نسبياً ليظهر الأثر المغنطيسي لتآثرها. وتحتاج أحياناً إلى كواشف خاصة بها تختلف عن كواشف الأشعة السينية، فإضافة إلى عدّادات غايغر Geiger المعدَّلة بإدخال غاز يتفاعل مع النترونات ليعطي جسيمات مشحونة؛ توجد أفلام معدلة لاستعمالها في الكشف عن ظواهر الانعراج، ففي حين تستعمل أفلام التصوير العادية للأشعة السينية؛ توجد ضرورة لوضع غشاء من الإنديوم فوق الفيلم كي يقوم بالتصوير اعتماداً على أسر نوى الإنديوم للنترونات، فتصدر نتيجة هذا التفاعل جسيمات مشحونة تؤثر في الفيلم الذي لا تؤثر فيه النترونات مباشرة. استعمل مثل هذا الفيلم منذ زمن بعيد (عام 1948) للكشف عن الصفة الموجية للنترونات عن طريق تصوير انعراج لاوه Laue عن بلورة ملح الطعام، والمشابه تماماً لما يحدث في حالة الأشعة السينية، (الشكل1).

الشكل (1) نمط انعراج النترونات وفق ترتيب لاوه Laue عن بلورة ملح الطعام.

يبيّن الجدول (1) مقارنة بين تقنيات انعراج النترونات والأشعة السينية والإلكترونات.

التقنية

باستعمال

الإلكترونات

الأشعة السينية

النترونات

الخاصية

التبعثر بسبب

إلكترونات الذرة المتآثرة مع الإلكترونات تآثراً كهرساكناً.

تآثر الغمامة الإلكترونية مع الحقل الكهرطيسي.

التآثر مع نوى الذرات.

الميز

وسط.

وسط.

عالٍ.

مقدرة الاختراق

ضعيفة، وتحتاج إلى عينات رقيقة

جيدة

جيدة.

التآثر مع المادة غير البلُّورية

عالية؛ لكنها غير موثوقة.

غير نوعية.

وسط.

كشف الآثار المغنطيسية

تحتاج إلى إلكترونات مستقطبة وتقنيات أخرى معقدة.

غير متوفرة بسهولة.

متوفرة بسهولة بسبب امتلاكها عزوماً مغنطيسية.

جودتها للعناصر الخفيفة

ليست جيدة.

ليست جيدة.

نعم جيدة.

الجدول (1)

هنالك تطبيقات عديدة للبصريات النترونية، من أهمها:

1- دراسة خواص الجسم الصلب: يستفاد من تبعثر النترونات في تحديد البنية البلُّورية بدقة تتجاوز تحديدها بالأشعة السينية؛ ولاسيما إذا كانت البنية البلُّورية تحتوي على عناصر خفيفة أو عناصر متقاربة في توزع الإلكترونات حول نواها، كما في حالة النواقل الفائقة عالية درجة الحرارة مثل الناقل الفائق YbBa2Cu3O7 مع طوره الآخر Yb2BaCuO5 المستقر في درجات الحرارة المنخفضة، ويدل على ذلك ظهور قمم إضافية (الشكل 2)؛ مما يتيح تحديد مواقع الذرات التابعة للطور الثاني عند مقارنة الطيفين: الأول في درجات حرارة عالية نسبياً (95K) مقارنة بالطيف الثاني عند الدرجة (10K). تمثل القمم شِدَّات النترونات المقابلة لاتجاهات التبعثر العظمى θ المحققة لقانون براغ Bragg (العلاقة 3):

حيث: d التباعد بين مجموعة المستويات المتوازية التي أدت إلى شدة عظمى المقابلة للزاوية θ، وλ طول موجة النترونات المقابلة، و n عدد صحيح يبدأ بالواحد.

الشكل (2) شدة النترونات المتبعثرة neutron intensity بدلالة الزاوية بين الكاشف والبلورة scattering angle، تشير مواقع القمم إلى المستويات البلورية التي أنتجتها والتباعد بينها.

كما يستفاد منها في تحديد الترتيب المغنطيسي للذرات، إن وجد، فقد اكتشف نوع المغنطيسية المتعاكسة antiferromagnetic اعتماداً على تآثر العزوم المغنطيسية للذرات مع العزوم المغنطيسية للنترونات، فوُجدت قمم إضافية بالمقارنة مع ما يعطيه انعراج الأشعة السينية، أو عندما لا تكون العزوم المغنطيسية مرتبة (الشكل 3 - أ)، إذ تظهر في (الشكل 3 - ب) قمم إضافية نتيجة كون العزوم المغنطيسية للذرات مرتبة اتجاهياً إضافة إلى ترتيبها المكاني، ويحدث الترتيب في درجة حرارة معيّنة أو تحتها، فهي قرابة 80K لأكسيد المغنيزيوم MnO. وقد تبين أن هذه القمم تقابل ترتيب العزوم المغنطيسية للذرات المتجاورة المتعاكسة، أي تبدو البلورة للنترونات- من وجهة النظر المغنطيسية- وكأنها بلُّورتان إحداهما تصطف عزومها باتجاه معاكس للبلورة الأخرى (الشكل 4).

الشكل (3)

(أ) انعراج النترونات من دون عزوم مغنطيسية مرتبة لأكسيد المغنزيوم.

(ب) انعراج النترونات مع وجود عزوم مغنطيسية مرتبة في أكسيد المغنزيوم.

الشكل (4) مادة متعاكسة المغنطة الحديدية.

يمكن استعمال النترونات تحت الحرارية- أي ذات الأطوال الموجية الطويلة نسبياً- لتعرّف حدود المناطق المغنطيسية وحركتها للمواد حديدية المغنطة، إذ تكون كل منطقة ممغنطة باتجاه معيّن يختلف عن اتجاه المنطقة المجاورة، وتكون أبعاد هذه المناطق من مرتبة مئات النانومترات، لذلك فإن تحسسها يحتاج إلى نترونات ذات أطوال موجية مقاربة لذلك.

وبما أن النترونات تتآثر بنوى الذرات أكثر من تآثرها مع إلكتروناتها؛ فيمكن استعمالها للكشف عن حركات هذه النوى المتناغمة على شكل موجات (فونونات) لتعطي منحنيات تبدد هذه الفونونات؛ ولاسيما التمييز بين ما يعرف بالفروع الصوتية والضوئية.

2- في علم الكون: اعتماداً على الخواص الموجية للنترونات وعلى امتلاكها كتلة كبيرة نسبياً؛ يمكن تركيب مدخل نتروني من حزمة تجزّأ إلى حزمتين: إحداهما تسير في مسار أعلى من الأخرى لتعود، فتلتقي الحزمة الأخرى متداخلة معها؛ وبالتالي يمكن أن تكشف أهداب التداخل فرق الارتفاع بينهما؛ وبالتالي تأثير تغير الثقالة المكروية microgravity. ويمكن استعمال مداخلات بأطوال موجية مختلفة لسبر خواص أخرى.

3- في الفيزياء النووية: تُستعمل البلُّورات والانعراج عنها استعمالاً عكسياً في المفاعلات، فيصبح عملها عمل موحّد اللون، وذلك عند اختيار اتجاه أعظمي محدّد يقابل طول موجة معيّنة تحقق قانون براغ؛ لتستعمل هذه الحزمة المعرّفة تماماً لأغراض طبية سواء في المعالجة أم في الكشف. كما تُستعمل هذه الحزم في تعيين تآثر نوى معيّنة مع نترونات ذات طاقة معلومة للكشف عن وجود تجاوبات نووية تساعد على تحديد امتصاص النترونات أو وجود تفاعلات نووية مقابلة. تساعد بدورها على استكشاف مخطط مستويات الطاقة لنوى الذرات المختلفة واختبار النماذج النووية المقترحة المقابلة.

مراجع للاستزادة:

- J. Th. Cremer Jr, Neutron and X-ray Optics, Elsevier 2013.

- H. Kronmuller, S. Parkin, Handbook of Magnetism and Magnetic Materials; Vol.1, John Wiley & Sons, 2007.

 


التصنيف : الكيمياء والفيزياء
النوع : الكيمياء والفيزياء
المجلد: المجلد الخامس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1046
الكل : 58334763
اليوم : 46359

أثر شتارك

الإشعاع بالتألق   الإشعاع بالتألق radiation by luminescence هو الضوء الذي يصدره جسم درجة حرارته عادية، وهو في صدوره عند درجة الحرارة العادية يختلف عن الضوء المرئي الذي يصدره جسم متوهج في درجة حرارة عالية مثل الخشب المحترق أو الحديد المصهور أو سلك المصباح المتوهج [ر. الإشعاع الحراري]. وقد لوحظ إشعاع التألق منذ القدم فجاء ذكره في القصص والأغاني وبهرت الإنسان ألوانه الزاهية التي تصدرها أرومات الأشجار الرطبة وبعض الحشرات مثل اليراعة والدودة المضيئة.
المزيد »