logo

logo

logo

logo

logo

أديسا (مدينة-)

اديسا (مدينه)

Edessa (City-) - Edesse (Ville-)



أديسا (مدينة -)

 

طبوغرافية المدينة

الآثار المكتشفة

تخطيط هذه المدافن الكهفية

 

تقع أديسا Edessa (الرها، أورفا) في جنوب شرقي تركيا، وشمال شرق جرابلس ومنبج السوريتين، ضمن حدود المنطقة الجغرافية التي تعرف تاريخياً ببلاد ما بين النهرين. يلف المدينة من الشرق إلى الشمال نهر ديصان، وهي تتمركز في سهل محاط بمجموعة من التلال البارزة من جبل طوب داغ. ويتميز موقع الرها بكونه ملتقى طرق رئيسية قديمة، فأحد هذه الطرق هو ذاك الذي يأتي من أرمينيا وينزل من مركز اَمد (ديار بكر) ويتدرج من بين الجبال إلى قلب السهل في هذه البقعة، ومن هناك يمتد جنوباً إلى حران بمحاذاة نهر البليخ عابراً الفرات إلى ما ورا مدن سوري العظيمة في الغرب والجنوب. وفي أديسا يلتقي الطريق شمال- جنوب بالطريق شرق- غرب ليصل نصبين وما ورا ها إلى البلاد الفارسية في الشرق بالمدن الواقعة على نهر الفرات في الغرب.

يربط القديس أفرام  Ephram (القرن الخامس الميلادي) أديسا بحاكم بابل نمرود الذي ورد ذكره في التوراة، وكانت تدعى أرك، وهذا ما يورده أيضاً القديس أيسيدُروس Isidore (نهاية القرن الرابع)، كما ينسب ابن العبري في كتابه "مختصر الدول" تأسيسها إلى نمرود ولكن تحت اسم أرخ. وربما هذا ما حدا شعبها على ربط مدينتهم بالنبي إبراهيم. أما لفظ أديسا فهو يوناني، وهو مرادف لأديسا المدعوة أيضاً أنطاكيا عاصمة السلوقيين الخاصة في مقدونيا (اليونان) التي تعرف اليوم بفيودينا. وقد أطلق عليها اليونان أيضاً كاليروهي Kallirrohe، وهي تعني الأرض الخصبة المروية بالمياه. وقد عرفت عند السريان باسم أورهي وأيضاً الروها، والرها هو اللفظ العربي المشتق من الاسم السرياني، وبالأرمني أرهائي، والأتراك أطلقو عليها أورفا التي ربما كانت محورة من أورها حيث إن ظاهرة استبدال الفا بالها معروفة في اللغة التركية. أما اسم أسرويني الذي أطلق على مقاطعة أديسا فبعضهم ينسبه إلى القائد المزربان خسرو كسرى، وبعضهم الاَخر يعتقد أنه مشتق من أورهي.

بنى سلوقس الأول أديسا على الأغلب في سنة 303/203 ق.م. وقد أطلق السلوقيون أسما جديدة عليها كبقية المدن التي أسسوها. فعلى النقود التي سكها أنطيوخوس إبيفانوس Antiochus Epiphanes  تدعى "أنطاكيا قرب المياه الجارية الجميلة".

وقد أنشأ السلوقيون عدة معسكرات في منطقة أديسا، ولكن بموت أنطيوخوس إبيفانوس أدت الحروب الأهلية والانقسامات إلى ضعف السيطرة المركزية. وبعد هزيمة أنطيوخوس سيديس على أيدي البارثيين في سنة 130/921ق.م حصل فراغ في السلطة شغله البارثيون ماعدا 12 سنة من حكم تغرانس Tigranes الأرمني من سنة 89 ق.م.

يعزو مؤرخون سريان تأسيس مملكة أديسا التي كانت عاصمتها الرها إلى سنة 180 من التاريخ السلوقي أي نحو  131/031 ق.م، ويقال إن أول ملك عليها كان رجلاً يدعى أريوس Arius، وبعضهم يدعوه أسروان، وعرفت سلالته باسم الأباجرة، وهي عربية النسب وبالتحديد أنباط. وقد ضمت هذه المملكة التي كان مركزها أديسا القسم الشمالي الغربي من بلاد مابين النهرين، ويحدها من الشمال جبل طورس، وجنوباً وشرقاً نهر الخابور، وغرباً نهر الفرات وكانت تضم حران، وبيرجيك، والمسعودية وسرين ومنبج. ونظراً لموقعها الاستراتيجي بين الامبراطوريتين الفارسية والرومانية الشرقية فقد كانت تنتهج سياسة متقلبة مع هاتين الامبراطوريتين. فتارة تتحالف مع روما، وتارة أخرى تتآَمر عليها مع الفرس. انتهى استقلال مملكة أديسا نهائياً في سنة 243م، وبذلك ينتهي عصر سلالة الملوك في أديسا بعد أن دام نحو 372 سنة، ويبدأ عصر المقاطعة الرومانية أسروين التي شملت أراضيها أراضي مملكة أديسا نفسها.

وقد كانت الرها مركزاً لعبادة ميترا، ثم أصبحت مركزاً مشهوراً للمسيحية. وبسبب موقع أديسا المتاخم للامبراطورية الفارسية فقد جرت على أراضيها عدة معارك بين الرومان والفرس، وفي القرنين الخامس والسادس الميلاديين تعرضت الرها لغزوات متلاحقة من قبل الفارسيين انتهت مع احتلالها من قبلهم في بداية القرن السابع مع جميع المقاطعات البيزنطية في سورية، وقد تمكن البيزنطيون من استرجاعها في سنة 628م، ولكن سيطرتهم لم تدم طويلاً على الرها التي فتحتها العرب المسلمون في سنة 81هـ/639م. وكانت الرها مهد اللغة السريانية الكلاسيكية، ومن المعتقد أن سكانها كانوا يتكلمونها ويكتبونها على نحو جيد.

 -1 طبوغرافية المدينة: هناك رواية عن مدينة الرها تتناول فيضان عام 201م، وتتحدث عن طبوغرافية المدينة : حيث كان للملك قصر عظيم، وعمال القصركانوا يسكنون في رابية تقع فوق القصر، وكانت المدينة محاطة بسور مع أبراج وأربع بوابات، إضافة إلى ثمانية أبواب للمياه في السور الشرقي الذي يخرج منه النهر. كما كانت فيها مبانٍ ضخمة وهيكل للمسيحيين، وبسبب فيضان النهر الذي كان يمر في قلب المدينة تم بنا قصر جديد للملك على رأس النبع في" بيت شتوي" الواقع في جبل القلعة. أما النبلا فقد بنوا مساكنهم في القسم الشرقي من جبل القلعة.

وتبعت شوارع المدينة التقسيم الشطرنجي المعهود في المدن الهلنستية، وكانت العمارات متراصة ومؤلفة من عدة طوابق، كما كان في المدينة ميدان لسباق الخيل ومسرح وحمامات وقصور وبرك مياه.

 -2  الآثار المكتشفة: كل ما تبقى اليوم من هذه الفترة هو برك السمك، والعمودان الرشيقان في جبل القلعة مع تاج كورنثي، وهناك نقش سرياني على أحد هذين العمودين مكرس للملكة شلمات، ويؤرخ في القرن الميلادي الثالث. الخرائب الموجودة تدل على وجود عمارات على الجبل على خط مستقيم مع العمودين.

كان هناك ثلاث مقابر خارج المدينة، وقد وجد بالقرب من الرها نحو 100 مدفن منحوتة في الصخر كما في تدمر. على جانبي الوادي قرب القلعة مقبرة وجد فيها نقوش سريانية ويونانية وعبرية، ويبدو أنها كانت مخصصة لليهود وللوثنيين، وأحد القبور يحوي نحتاً لوليمة جنائزية ونقشاً سريانياً يؤرخ في 201-202م، وهناك مقبرة جنوب القلعة وجد في بعض قبورها لوحات فسيفسائية تصور أفراد عائلة، ويراوح تاريخ هذه اللوحات بين 228 و278م ماعدا واحدة تؤرخ في 208-209م.

تخطيط هذه المدافن الكهفية: تتألف من كهف خارجي يقود إلى كهف داخلي (4م طول و290سم عرض)، يحوي العديد من القبور. أما مدخل هذه المدافن فهو فتحة صغيرة، القليل منها لها إطارات مزخرفة فوق قوس المدخل، أو عمود جداري مربع، أو عمودان على كلا الجانبين. بعض هذه المدافن تحوي صور تماثيل داخل الشكل الهرمي العالي في الواجهة كغيلان البحر. الجدران الداخلية مزخرفة بنقوش من الأفاريز وأحياناً بأوراق الكرمة.

وهناك التوابيت الحجرية "الأركوسوليا" المنحوتة داخل المدافن، بعض محاريب هذه التوابيت مؤطرة بإفريز منقوش وعمود جداري على كل جانب متوج بتاج منقوش بالورود أو نسور حاملة الغنائم أو أوراق الكرمة أو أطفال، وبعض التيجان تحمل صورة آلهة النصر المجنحة تحمل بيدها الممدودة إكليل ورد. وهناك ثلاثة قبور مزخرفة بصورة حجرية نافرة على جدار الأركوسوليوم الخلفي تمثل الرجل المتوفى متكئاً في وليمة جنائزية، وهناك تماثيل نصفية لمتوفين منحوتة أحياناً فوق المدخل من الداخل أو في قوس محراب الأركوسوليوم. ويوجد أيضاً مدافن خالية من النقوش، ولكن أرضها مفروشة بالفسيفسا الجنائزية (التي سيتم التحدث عنها على نحو مفصل لاحقاً). وهناك الأضرحة البرجية التي وجدت في بيرجيك وفي سرين وفي وادي يعقوب جنوبي الرها.

من بقايا مدينة أديسا القديمة: العمودان الرشيقان في حبل القلعة

تم العثور على العديد من لوحات الفسيفسا في الرها وخصوصاً في المدافن القريبة منها، بعضها معروض في متحف أورفا وإصطنبول ودالاس في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعضها الآخر فُقد، وهناك لوحتين وجدتا ضمن مقتنيات خاصة في أوربة. الغالبية العظمى من هذه اللوحات تحمل نقوش سريانية وتؤرخ من القرن الثالث الميلادي (بين 208 و 278م). وبالإمكان الحديث عن ورشة أو مدرسة فسيفسائية خاصة بمملكة أديسا، نظراً لاتباع التقنية نفسها في صنع هذه اللوحات، لكونها تحمل تواريخ متقاربة، ولأنها كشفت في المنطقة الجغرافية نفسها، أضف إلى ذلك أن معظمها يحمل نقوشاً سريانية، وهي تشكل مجموعة مميزة عن اللوحات التي كشفت في مناطق مجاورة كزوغما وأنطاكية والمؤرخة من الفترة نفسها. وكما أسلف فإن معظم هذه اللوحات وخصوصاً تلك المكتشفة في الرها تحوي صوراً جنائزية. تعدّ صورة أفراد العائلة الموضوع المفضل في هذه اللوحات الجنائزية، ففي بعض اللوحات يكون أفراد العائلة واقفين، وفي بعضها الآخر تظهر صور نصفية. في مشهد تصويري آخر يستلقي الأب على أريكة وبقربه زوجته وأولاده يخدمونه (مثل هذا المشهد وجد في النحت النافر في أورفا وجوارها وشمالي سورية وفي تدمر).

تحوي كل هذه اللوحات نقوشاً سريانية تذكر اسم المتوفى واسم زوجته وأسما أولاده.

وهناك لوحة تصور رجلاً يتوسط أفراد عائلة، ويرتدي ثياباً مزركشة وعمامة، وبقربه نقش سرياني يسميه أبجر، وربما هذا الرجل يمثل الملك نفسه الذي صور بقرب المتوفى وعائلته لتشريفهم.

في بعض اللوحات نقوش تذكر الموت والحياة الأخرى، كما تذكر أسما أقارب العائلة.

تشير رسوم العائلة المصورة على فسيفسا الرها إلى قوة الرابطة الأسرية بين أفراد الأسرة في المجتمع الوثني؛ لأن القبر الذي يفرش أرضه هذا النوع من الفسيفسا هو المكان الذي يجتمع فيه الحي والميت، ويمكن أن تعبر صور العائلة الممثلة على الفسيفسا عن أمنية أفراد الأسرة في البقا مجموعين في الحياة الدنيا والآخرة، كما أن تمثيل المتوفى على اللوحة سيذكر أنسابه وأقاربه الزائرين للمد فن بالأيام السعيدة التي قضوها معه. إنه نوع من الوفا والمكانة العالية التي يتمتع بها الإنسان حتى بعد وفاته عند أفراد أسرته.

إن تمثيل المرأة في مكان خاص قرب الرجل يشير إلى مكانتها المرموقة في الأسرة ، كما يشير وجود مغزل في يد احدى النسا إلى طبيعة أعمالها المتعلقة بالواجبات المنزلية. إن معظم النسا صورن مع حجاب وهو في أغلب الأحيان قبعة تسمى كوفية، وردا مزركش يغطي كامل الجسم، مشدود بدبوس على الكتف اليسرى. أما الرجال فكانوا عموماً ملتحين وأغلبهم يلبس قبعات، باستثنا اثنين يلبسان عمامة، ويرتديان زياً فارسي الأصل يتألف من قميص طويل وبنطال فضفاض.

وهناك لوحتان تمثلان العازف أورفيوس  Orpheus مع قيثارته وحوله حيوانات متوحشة ومسالمة، ويشير تمثيل هذا الموضوع على الفسيفسا إلى انتشار عبادة أورفيوس في المنطقة، وطقوسه الغامضة المتعلقة بخلود الروح وطهارتها. وهناك لوحة أخرى تمثل طائر الفينيق Phoenix الذي يقف فوق نصب مرتفع فوق تابوت حجري، ومن المعروف أن طائر الفينيق هو رمز تجدد الحياة ويمثل فكرة انبعاث الجسد بعد الموت. وتحمل لوحتا أورفيوس ولوحة طائر الفينيق نقوشاً سريانية تذكر بالخلود والحياة الأخرى. وتعبر هذه اللوحات ذات الدلالات المختلفة لفكرة الحياة بعد الموت عن تعدد المذاهب الدينية لدى الوثنيين في الرها.

وأخيراً يُشار إلى لوحة مكتشفة حديثاً في منطقة الرها، تظهر الإله بروميتوس Prometheus وهو يصنع الجنس البشري وبقربه الروح المجسدة، وفي الصف الأعلى يتبين أن هذه العملية المقدسة في العقيدة الوثنية مراقبة من قبل مجموعة من الآلهة: زيوس وهيرا وأثينا، مكتوبة أسماؤهم بنقوش سريانية.

 

كميت عبد الله

 

 

مراجع للاستزادة:

ج. ب. سيغال، الرها المدينة المباركة، ترجمة يوسف إبراهيم جبرا (حلب 1988).

 -  متري هاجي أثناسيو، سورية المسيحية في الألف الميلادي الأول، م 2، سورية الشمالية الغربية والشرقية وجنوب شرق تركيا، (دمشق 1997) ص.ص 281-349.

- Alain DESREUMAUX, Une paire de portraits sur mosaïque avec leurs inscriptions édesséniennes, Syria 77, (2000), pp. 212-215.

- Baris SALMAN, Family, Death and Afterlife According to Mosaics of the Abgar Royal Period in the Region of Osroene, Jornal of Mosaics Research, vol. II, Bursa, ( 2008), pp. 103-115.

- G. W. BOWERSOCK, Mosaics as History: The Near East from Late Antiquity to Islam, London, (2006), pp. 36-38.

- Han J.W. DRIJVERS, Cults and Beliefs at Edessa, (Leiden, 1980).

- Steven K. ROSS, Roman Edessa, Politics and Culture on the Eastern Fringes of the Roman Empire, 114-242 CE, (London and New York. 2001).

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
النوع : مواقع وأحياء
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 293
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1083
الكل : 40528180
اليوم : 57995