logo

logo

logo

logo

logo

الإحاثة (علم -)

احاثه (علم )

Paleontology - Paléontologie



الإحاثة (علم (–

 

علم الإحاثة النباتية

أشكال المستحاثات النباتية المتحجرة وطرق دراستها

 علم الإحاثة الحيوانية

علم الإحاثة البشرية

 

يهتم علم الإحاثة (بالينتولوجي)  Paléontologie بدراسة بقايا المتعضيات المتحجرة (المستحاثات) والتي عاشت في الماضي البعيد تاركة ورا ها بقايا قليلة من جسمها أو علامات وآثاراً تدل على نشاطها ضمن الطبقات الرسوبية القديمة. وتتألف كلمة "بالنتولوجي" اليونانية من ثلاثة مقاطع، وهي logos   وontos    وpalaios؛ وتعني ترجمتها علم الكائنات القديمة. تم استخدام التعبير "أحافير" منذ عهد بلين  Pline، وقد أعيد استخدامه في القرن السادس عشر من قبل Agricola إلا أن الاستخدام العلمي لهذا التعبير يعود إلى العالم البريطاني ليل   Lyell، وقصد فيه آنذاك "كل بقية عضوية عاشت في الزمن الماضي، وحفظت حالياً ضمن الطبقات الرسوبية". ظهر هذا العلم في عام 1822م، وذلك بفضل جهود عالم الحيوان المشهور هنري دي بلانڤيل  Henri de Blainville، ومن ثم انتشر في أنحا أوربا بفضل العالم الجيولوجي البريطاني تشارلز ليل  Charles Lyell.

صدفة متحجرة ملتفة من أصداف بعض الرخويات المتحجرة

وتتميز بعض المناطق من غيرها بوفرة المواقع التي تحوي الأحافير وبكمية غزيرة، مثل: المستنقعات الجوراسية في فرنسا والصين وكولومبيا والبريطانية وغيرها. ويمتد وجود الأحافير تبعاً للسلم الزمني الجيولوجي، من العهد الكامبري  Cambrien حتى اليوم الحالي.

وتعدّ المستحاثات بمنزلة سجل للأحيا البائدة القديمة، حيث تمثّل المستحاثات المحفوظة في الصخور الرسوبية سجلاً للأحيا التي عاشت على الكرة الأرضية منذ أن حُفظت بقاياها على شكل مستحاثات، أي على الأقل منذ 570 مليون سنة. فالحيوانات والنباتات الحالية التي يدرسها علم الأحيا  Biologie لا تُمثّل إلاّ نسبة محدودة من مجموع الكائنات الحية التي ظهرت وازدهرت على الكرة الأرضية. كما أن المستحاثات تساهم مساهمة فعالة بوصفها وسيلة لتحديد الأعمار النسبية للطبقات الرسوبية، واعتماداً على هذا المبدأ يدلّ تتالي الطبقات الواحدة بعد الأخرى على تقدّم الزمن.

والمستحاثات وسيلة للتعرّف إلى الجغرافيا القديمة، حيث يمكن الحصول على خريطة جغرافية قديمة لمنطقة من المناطق في زمن محدّد من التاريخ الجيولوجي، إذا ما دُرست المستحاثات التي يُعثر عليها في طبقات ذلك الزمن. كما تسهم المستحاثات  إسهاماً كبيراً في اقتصاديات بعض البلدان المحتوية عليها،  فمناجم الفحم الحجري ما هي إلاّ تجمعات أشجار الغابات القديمة التي تفحّمت، ومكامن النفط التي تعود إلى أزمنة جيولوجية مختلفة والمنتشرة في أرجا مختلفة من العالم، وبصورة خاصة في مناطق الخليج العربي؛ ما هي إلاّ تجمعات بقايا الكائنات الحية التي تخمّرت بعد دفنها في الرواسب بمعزل عن فعل الهوا المخرّب. وكذلك مناجم الفوسفات - المحتوية على الفسفوريت المستخدم سماداً في الزراعة - ما هي إلاّ تشكيلات رسوبية نتجت من تحوّل هياكل الفقاريات وأسنانها بتأثير المتعضيات المكروية. إن تحاليل الحمض الأميني للنباتات التي تعيش اليوم أظهرت أن النباتات الأولى انحدرت عن الطحالب الخضرا في الوقت الذي بقي القسم الأكبر من هذه المجموعة في الما ، ولكي تُحفظ الكائنات الحية بشكل جيد بعد موتها على شكل مستحاثات؛ لابد من توافر شرطين رئيسين، أحدهما: وجود هيكل صلب. فمعظم الكائنات الحية التي حُفظت بقاياها على شكل مستحاثات هي الكائنات التي كانت مزودة بهياكل أو أصداف أو قواقع أو دروع. أمّا الكائنات الحية المؤلفة من أجزا رخوة فقط؛ فلم تُحفظ بقاياها إلاّ إذا تحنّطت بمادة راتنجية كحبوب الطلع مثلاً أو إسفلتية أو إذا تجمّدت في الجليد، والآخر: الدفن السريع، فعلى الرغم من أنّ وجود الهياكل أو الدروع ضروري في عملية الاستحاثة؛ فإنّ حفظها على شكل مستحاثات لا يمكن أن يتم إلاّ إذا دُفنت في رواسب تمنع تخرّبها بتأثير الهوا أو المياه. وتمثل البحار والبحيرات - على هذا الأساس - بيئات ملائمة لتوفير الطمر السريع الضروري لعملية الاستحاثة.

والسؤال الذي يُطرَح: كيف يتم تقدير عمر المستحاثات وبكل أشكالها سوا كانت حيوانية أم نباتية أم بشرية؟ تُذكر من الطرق التي يعتمد عليها في تأريخ المستحاثات على سبيل المثال لا الحصر:

طريقة الكربون 14 تحليل التربة المحيطة مباشرة بالعينة العظمية، ودراسة التتابع الطبقي من الأقدم للأحدث من خلال دراسة العينات النباتية والحيوانية المرافقة للأحفورة البشرية، ومن خلال تقنيات الصنع للأدوات المرافقة للهيكل: أداة صوانية، أدوات فخارية. ومن الدراسات المساعدة - لكنها ليست أساسية - طريقة التأريخ المطلق بالاعتماد على استخدام دراسة النشاط الإشعاعي، فالمعروف أن الصخور والأحافير تحمل كمية طبيعية من النشاط الإشعاعي ومع مرور الزمن تتحول هذه العناصر المشعة إلى عناصر نظيرة Isotopes خلال فترة زمنية ودقيقة. ومن الطرق الحديثة تُذكر على سبيل المثال:

طريقة البوتاسيوم - أرغون: تقوم هذه الدراسة على قياس النظائر الأرغون 40 والبوتاسيوم 40، وتسمح بإعطا عمر من مليون إلى ملايين من السنين.

وطريقة روبيديوم- سترونيوم: من المعروف أن الروبيديوم 87 يتفكك متحولاً إلى سترونيوم 87 خلال 48.4 مليون سنة.

وطريقة دراسة حلقات النمو النباتي: كل سنة تنمو الشجرة بشكل مختلف عن الأخرى، وذلك تبعاً لدرجات الحرارة، والرطوبة أو الجفاف. وتكون حلقات النمو عريضة ثخينة أو رفيعة. وتستخدم هذه الطريقة فقط في الأماكن ذات المناخ المعتدل (القارة الأمريكية والأوربية)، حيث إن الأشجار تظهر بوضوح الفصول وحالة السنوات المناخية.

وطريقة التألق الحراري: بعض الصخور تعرضت لدرجات حرارة عالية، فقامت بتخزين كمية من الطاقة، ومن أجل تأريخ الأحفورة يُسخَّن المعدن إلى أعلى من500 درجة مئوية، ويُقاس الشعاع الذي يسمح بحساب الزمن الماضي أو الفائت ما بين عملية التعرض الحراري القديمة والتعرض الحديث الذي طُبِّق. وتستخدم هذه الطريقة في تأريخ المادة الفخارية أو المواد التي تعرضت سابقاً لدرجات حرارية عالية جداً (الصخور من أصل بركاني). وعلم الجاذبية: إن وضع القطب الشمالي المغنطيسي  قد تغير خلال الحقب الزمنية، وقد قام العلما بدراسة هذه التغيرات.  وتسمح هذه الدراسة بإنشا سلم زمني وتتابع تاريخي وذلك على مدى أكثر من 100 مليون سنة.

ويعدّ علم الإحاثة من العلوم المعقدة والمتشعبة بآن واحد حيث يقوم باستخدام تقنيات علوم الكيميا والفيزيا والبرامج الرياضية في معالجة المعطيات العلمية، ويعتمد قبل كل ذلك على علم طبقات الأرض (الجيولوجيا). ويقسم هذا العلم بحسب المستحاثات العضوية التي يدرسها إلى: علم الإحاثة الحيوانية Paléozoologie أوعلم الحيوان القديم، وعلم الإحاثة النباتية  Paléobotanique أو علم النبات القديم، وعلم الإحاثة البشرية الذي يقوم بدراسة الأحافير البشرية القديمة  Paléoanthropologie. وتمثّل الفروع الثلاثة معاً ما يُعرف بعلم الأحيا القديمة  .Paléobiologie

 -1 علم الإحاثة النباتية

طبعات أوراق لبعض النباتات المحفوظة
 
ورقة شجر متحجرة كلياً
 
قطعة خشبية متحجرة
 
حبة طلع بعد عملية الاستخلاص

 بدأ الاهتمام به في بداية القرن التاسع عشر وذلك بفضل العالم المشهور أدولف برونيار  .Adolphe Brongniatt ويقوم هذا العلم بدراسة الأبواغ (الجهاز التكاثري لدى السرخسيات) وحبات الطلع المتحجرة ضمن الرسوبيات، ويخدم بذلك إعادة تشكيل البيئة القديمة وتأريخ الطبقات الستراتيغرافية. لقد قامت النباتات المنقرضة والقديمة بتشكيل طبقات هائلة من الصخور القابلة للاشتعال، وبذلك أدّت دوراً مهماً في تشكيل البترول. ويمكن دراسة تطور الغطا النباتي  Flora من خلال دراسة التتابع الطبقي الجيولوجي، فمن المعروف أن النباتات غير الموجودة حالياً التي انقرضت منذ زمن بعيد توجد على شكل مستحاثات وأحافير ضمن الطبقات الرسوبية المتتابعة. علماً بأن الحياة بدأت في البحار منذ 415 مليون سنة. وعلى مر السنوات الطويلة الماضية تطور الجهاز النباتي (توسع في سطح الأوراق) وكذلك الجهاز التكاثري النباتي (ظهور حبات الطلع والبيوض والبذرة والفواكه)، وذلك للوصول إلى درجة التطور النباتي الحالي، ووضع علم المستحاثات النباتية العديد من الطرق الحديثة والمتعددة لدراسة النباتات التي يكشف عن وجودها ضمن طبقات الأرض، وتتم هذه الدراسة من خلال دراسة طبعات النباتات المتروكة والمحفوظة أو من خلال دراسة التراكيب المعدنية والمحفوظة بشكل ممتاز، ويمكن من خلال هذه الدراسات العلمية الدقيقة أولاً دراسة النباتات تشريحياً؛ وذلك بالاعتماد على الميكروسكوب وثانياً وضع سلم لتصنيف النباتات ودراسة العلاقات بين الأنواع النباتية وربطها بالأنواع الحالية، ويمكن أن تقدم هذه الدراسات تفصيلات عن تطور النباتات أو الغطا النباتي.

أشكال المستحاثات النباتية المتحجرة وطرق دراستها

تبعاً لطبيعة وجود المستحاثة النباتية وظهورها؛ يقوم عالم المستحاثات النباتية بتطبيق العديد من الطرق والمبادئ لدراسة البقايا النباتية، منها:

دراسة طبعات الأوراق الظاهرة على طبقة طينية

تتشكل هذه الطبعات على النحو التالي: تنقل الأوراق عبر الرياح، وتجذب عبر مجاري المياه، فتستقر وتتوضع في أعماق المستنقعات ضمن وسط ساكن رسوبي، ثم تطمر شيئاً فشيئًا بطبقات الطمي وبما ينجم عن ظواهر الحت التي تخضع لها مركبات المياه وصخورها. وبعد ملايين السنين تتحجر هذه الكتل وتجف متحولة إلى صخر طيني عبر ظاهرة التحجر  fossilisation أو التصخر diagenèse، وبذلك تُلاحظ فقط آثار التورق والتعصيب الخاصة بالأوراق النباتية. تكون الطبقة الحاملة للطبعة ذات لون غامق نتيجة المادة العضوية الأصلية لنصل الورقة. ومن أجل دراسة هذا النوع من المستحاثات: يُزال أكبر قدر ممكن من الطبقة الرسوبية التي تغطي الطبعة، فالطبقة الداخلية للبشرة النباتية تكون محفوظة ومطبوعة، بمساعدة محلول كيميائي يتم استخلاصها وفحصها تحت المجهر.

دراسة البقايا النباتية  المتحجرة كلياً

في هذه  الحالة تحفظ القطعة النباتية على نحو كلي، ومن أجل ذلك يجب أن تستقر ضمن أعماق المياه الراكدة الرسوبية الخالية من الأكسجين، ويشترط إضافة إلى ذلك وجود بعض الشوارد المعدنية في البيئة المائية المحيطة بالعينة النباتية، على سبيل المثال: عنصر السيليكوم. وبعد استقرار النبات في الأعماق تحدث ظاهرة التبادل الشاردي بين النبات والمحيط المائي، وشيئاً فشيئاً تستبدل المواد العضوية الداخلة في تركيب النبات بمواد وعناصر معدنية مثل السيليس، ويحتل بذلك كل المحتوى الداخلي لها، ويدخل في التركيب الخليوي للقطعة النباتية. وبذلك يتحول الخشب العضوي إلى خشب معدني محتفظاً بالهيئة والتركيب التشريحي، ويمكن دراسة كل ذلك بالمجهر الدقيق. ومن أجل دراسة هذه القطعة الخشبية، يُحضر عدد من المقاطع الرقيقة جداً بالأبعاد الثلاثية الممكنة التي تتقاطع وتتلاقى سوياً في نقطة مشتركة؛ لأنه بذلك يسمح بدراسة التشريح البنيوي للنبات. تُقطع هذه المقاطع التشريحية بوساطة منشار ماسي الصنع، ومن ثم تبرد هذه الشريحة، ثم تلصق على شريحة زجاجية وتغطى بشريحة أو عدسة زجاجية، وتفحص بتكبير شديد جداً.

دراسة المستحاثات النباتية الميكروبيولوجية من أصل نباتي

تعرف المستحاثات الميكروبيولوجية على أنها المتعضيات النباتية أو الحيوانية التي لا ترى بالعين المجردة، ومنها أبواغ الأوراق وحبوب الطلع التي غالباً ما تحفظ بكميات كبيرة ضمن المادة العضوية في الصخور الرسوبية (الكربون، الطين). ومن أجل استخلاص هذا النوع من المستحاثات يُحلّ الراسب بطرق فيزيائية كيميائية، ثم تؤخذ قطرة صغيرة من المحلول؛ لتفحص على شرائح زجاجية تحت المجهر. وفي عام  1996  قام ثلاثة علما فرنسيين من متحف العلوم الطبيعية في باريس باستخلاص حبة طلع عمرها أكثر من 55 مليون سنة محصورة ضمن كتلة صمغية متحجرة Le pollen sort de l’ambre؛ وذلك بوضعها ضمن محلول مركّب من 80% أسيتون و20% من مادة تيرابنتين، وذلك مدة 48 ساعة. ويعطي هذا النوع من الحمامات الكيميائية قواماً مطاطياً للكتلة الصمغية، فتسهل عملية استخلاص حبة الطلع. ويظهر الفحص المجهري الحالة الحفظية الممتازة لحبة الطلع من حيث المظهر والحجم، وبدت وكأنها حبة طلع حديثة جداً.

-2  علم الإحاثة الحيوانية:

يهتم هذا العلم بدراسة الأنواع الحيوانية القديمة من خلال آثارها الباقية والمحفوظة (هياكل وأصداف وقواقع…إلخ). وقد أشار إلى وجود المستحاثات الحيوانية عدد كبير من الجيولوجيين على مر العصور، بعضهم عدّها في البداية من ألاعيب الطبيعة؛ لأنّ التشابه بينها وبين هياكل الكائنات الحية وقواقعها وأصدافها ما هو إلاّ مصادفة محضة. غير أنّ بعضهم الآخر عرف طبيعتها الحقيقية وبيّن أنّها هياكل الكائنات الحية البائدة أو قواقعها وبقاياها التي كانت تعيش في الأزمان الغابرة في البحر وعلى البر، وحُفظت بعد طمرها ضمن صخور رسوبية بحرية أو قارية المنشأ تكوّنت في أحواض مائية قديمة أو بعد طمرها بسرعة على البر بمواد صخرية.

وتعدّ المستحاثات الحيوانية الوسيلة الوحيدة التي تبيِّن العلاقات التطورية بين فصائل الكائنات الحية وأجناسها وأنواعها المختلفة، حيث تقود إلى إملا الثغرات في علم التصنيف الحيواني والنباتي، كما تُبرهن على أنّ الأنواع تتغيّر مع الزمن، ويشتق بعضها من بعض بتحوّلات تدريجية تدلّ على تطوّرها الزمني، فالأشكال المعقدة أتت من أشكال أبسط سبقتها، كما أن المستحاثات وسيلة للتعرف إلى البيئات القديمة، فكل كائن حي تكيّف؛ ليعيش في بيئة معيّنة محدّدة تُوفِّر له الوسائل اللازمة لحياته وحمايته وتكاثره وحفظ نوعه واستمراره.

ويمكن أيضاً من خلال دراسة المستحاثات التعرّف إلى المناطق العميقة أو الضحلة من البيئة البحرية في زمن محدّد أو التعرّف إلى بعض البيئات البرية مثل سهول الفيضان القديمة، حتى البحيرات القديمة، وتحديد حدودها. وقد يؤدّي العثور على أصداف بعض صفيحيات الغلاصم Lamellibranches التي تعيش في المياه العذبة في الرواسب النهرية القديمة إلى تحديد مجاري الأنهار القديمة. كما تعدّ المستحاثات وسيلة من وسائل التعرّف إلى المناخ القديم، فهناك طرائق متعدّدة تُمكّن من الحصول على معلومات تتعلق بالمناخ القديم وتغيّره في الأزمنة الجيولوجية المختلفة اعتماداً على المستحاثات. يُذكر منها دراسة أبواغ النباتات القديمة وحبات طلعها التي حُفِظَتْ على شكل مستحاثات في الطبقات الرسوبية المتعاقبة، فهي تُعطي أدلّة واضحة على المناخ القديم؛ فيما إذا كان دافـئاً أو معتدلاً أو بارداً. كما بيّنت الأبحاث الحديثة أنّ قواقع بعض أنواع المُنَخْرَبات Foraminiféres تختلف في الحجم أو في اتجاه التفافها اليميني أو اليساري أو في تركيبها الكيميائي باختلاف درجة حرارة مياه البحار.

ويمكن القول: إن المستحاثات الحيوانية هي برهان على تطوّر الكائنات الحية. حيث إن متابعة شريط الأحداث التطورية عبر الأزمنة الجيولوجية مكّنت من رؤية معظم التغيرات التدريجية التي طرأت على الكائنات الحية، فصفوف الفقاريات (اللافكيات والأسماك والبرمائيات والزواحف والطيور والثدييّات) لم تظهر دفعة واحدة، وإنّما تدريجياً بترتيب تزداد فيه درجة التعقيد والتخصّص.

مستحاثة لسمكة كانت تسبح في البحر الذي يغمر معظم ولاية كنساس اليوم

ولا يتبقى من الكائن الحيواني في الظروف الطبيعية إلا الأجزا الصلبة كصدفة الحلزون، والعظام، ولكن طمره في ظروف خاصة جداً وثابتة: أي في وسط عديم الأكسجين وخالٍ من التغيرات البيئية يؤدي إلى حفظ الأجزا الرخوة. وأفضل مثال على الأحافير الحيوانية فيل الماموث ذو الشعر الكثيف mammouthslaineux الذي عثر عليه وبشكل كامل ضمن طبقات متجمدة.

كما يمكن لبعوضة أو ذبابة  تعود إلى 40-20 مليون سنة خلت أن تتحجر في حال حفظها ضمن مادة راتنجية نباتية. علماً بأن الراتنج يصنف ضمن المركّبات البوليميرية الطبيعية التي تحمي الأشجار من الحشرات والأمراض. ويتحجر هذا الصمغ بمرور الزمن هو وكل متعضية حبست بداخله. ويكون على شكل مادة متحجرة ذات لون أصفر- برتقالي، فكل من اللافقاريات والبكتيريا والفطور يمكن أن تتحجر بداخل المادة الصمغية. أما الفقاريات فمن النادر جداً أن تحصر ضمن هذه المادة، باستثنا بعض الفقاريات الصغيرة التي يمكن لها أن تتحجر ضمنه كالزواحف الصغيرة.

-3  علم الإحاثة البشرية:

هو العلم الذي يهتم بدراسة الأحافير البشرية المكتشفة في كل أنحا العالم؛ وذلك بهدف دراسة أصل الإنسان. وقد بين أن أصل الإنسان من إفريقيا، ومن ثم خرج وهاجر في أنحا العالم، وحاول كثير من العلما إيجاد أصل للإنسان خارج إفريقيا ولكن دون جدوى. ويعود أصل الإنسان إلى ملايين السنين التي شهدت تطور الإنسان شكلياً وقياسياً واجتماعياً ودينياً من خلال دراسة الطقوس الجنائزية.

ويمكن تشبيه الحياة بالشجرة العجوز ذات الفروع والأغصان الممتدة إلى كل اتجاه، والأحيا البشرية تمثّل فروعها وأغصانها التي تعيش في هذا العصر الحديث الحالي، أما أغصانها الكبرى وجذوعها فهي ممتدة في الزمن منذ ملايين السنين، وانتظمت واستوت، وظلت فروعها تنمو وتمتد وتتفرع خلال هذه الحقبة الجيولوجية الطويلة، وعلى الرغم من اتجاه الشجرة عامة إلى أعلى؛ فإن بعض فروعها عجزت عن الوصول إلى القمة، وبعضها ذبلت، وتحطمت منذ مئات الملايين من السنين، وبعضها تطور وعمر بعد مسيرة من التطورات الطويلة حتى وصل إلى فروعها التي لا تزال تعيش في الوقت الحالي. وهذه الشجرة العجوز قد خلدت فروعها وأغصانها القديمة في  المستحاثات المطمورة بين الطبقات الرسوبية، وعلى الرغم من أنها ميتة فمن المستحيل مراقبة نموها؛ لكنها توفر فكرة كبيرة عن تطورها داخل أفراد النوع الواحد، أو من نوع إلى آخر، بل من جنس إلى آخر، ومن فصيلة إلى أخرى ومن قسم إلى آخر. وعند العثور على أحفورة بشرية؛ تُدرس بدراستها إنتروبولوجياً وحيوياً وكذلك تاريخ هذه العينة العظمية. وفي سورية التي تعدّ مهداً للإنسان والحضارات القديمة، وفي موقع كهف الديدرية[ر] الواقع إلى الشمال من محافظة حلب؛ تم العثور على أحافير بشرية لطفلي نياندرتال Neanderthal، أعمارهما أقل من ثلاث سنوات، وهي أقدم من الأحافير التي عثر عليها في أوربا. كما تم العثور على العشرات من أحافير إنسان نياندرتال والإنسان العاقل Homo sapiens في فلسطين منذ سنوات السبعينيات والثمانينيات.

وفي منطقة تدمر في واحة الكوم تم العثور على أجزا من الهيكل العظمي التي تعود إلى إنسان الهوموإريكتيس Homo erectus، وقد قدر عمرها 1.8 مليون سنة تقريباً.

وأظهرت الأبحاث أهمية الحوض البالغة في عصور ما قبل التاريخ[ر]، وقد توافرت فيها جميع المقومات الضرورية للحياة الأولى، سوا من الحيوانات، أم النباتات كالقمح والموز وغيره.

جمجمة الإنسان المنتصب

وبينت الدراسات أن المنطقة سُكنت منذ زمن قديم جداً، وكان الاستيطان البشري فيها كثيفاً ومستمراً، دلت عليه مئات المواقع العائدة إلى عصور ما قبل التاريخ، وأهمها تلك التي تقع بجوار ينابيع المياه القديمة التي تردد عليها البشر مئات الآلاف من السنين؛ تاركين بقاياهم الأثرية ومستحاثات تجمعت بسماكات تجاوزت عشرات الأمتار، وضمت ملايين الأدوات الحجرية مما يثير شهية الباحثين. وتم اكتشاف أقدم آثار الاستيطان في موقع الهمَّل، حيث عثر المنقبون في الطبقات الدنيا لهذه البئر على أدوات حجرية بدائية يُقدر عمرها بنحو مليون سنة.

ولقد ازداد استيطان المنطقة منذ نحو نصف مليون سنة من حيث الكثافة والانتشار، وتم اكتشاف أكثر من عشرين طبقة أثرية تعود إلى العصر الحجري القديم الأدنى، في موقع الندوية[ر] (عين عسكر)، وأظهرت المكتشفات تطوراً فريداً للحضارة الآشولية في مراحلها الباكرة والوسطى والأخيرة، دلت عليه آلاف الفؤوس الحجرية ذات الأشكال الدقيقة الجميلة التي عدها بعضهم بداية الفنون الأولى. أما الكشف الأهم في هذا الموقع فهو العظم الجداري اليساري لإنسان الهوموأركتوس ويعد أهم ما عثر عليه لهذا الإنسان في المشرق العربي القديم. وازدادت كثافة الاستيطان في الكوم في العصر الحجري القديم الأوسط (أي بين 150 إلى 40 ألف سنة خلت)، وأكثر المواقع أهمية هو موقع أم التلال[ر]، إذ كُشف فيه عن مئات الطبقات الأثرية، أظهرت الدنيا منها الآثار العائدة إلى الحضارة الموستيرية Moustérien، وعلى رأسها المقاحف والسكاكين وحراب الصيد. كما اكتشفت بقايا ومستحاثات أخرى ذات أهمية بالغة كأوراق الشجر والأغصان، ربما هي أشكال فنية، وتشكيلات لأدوات وعظام قد يكون القصد منها التعبير عن أفكار أو معتقدات دينية. وهناك حربة صوانية كُسرت في رقبة حمار وحشي تم صيده، إضافة إلى دلائل وجود القار بعد جلبه من مقالع بعيدة عشرات الكيلومترات عن الموقع، وقد استخدم القار في صنع قبضات الأدوات الحجرية، وذلك منذ نحو 70 ألف سنة. وعُثر في موقع أم التلال أيضاً على عظم القذال لإنسان النياندرتال.

كل هذه الاكتشافات العلمية المهمة تؤكد أن منطقة الشرق الأوسط الغنية بالمستحاثات البشرية والحيوانية والنباتية قد ساهمت وعلى نحو رئيسي وفعال في تطور الإنسان القديم  على مر الزمن، وكانت من المناطق الجغرافية التي هاجر إليها الإنسان القديم للاستقرار فيها. كل الاكتشافات العلمية توضح أن الإنسان قادر على استعادة الماضي بكل محتوياته، وباستطاعته إعادة رسم الخطوط العريضة لتطور العالم على مر السنين.

 

رانية العلي

 

 

مراجع للاستزادة:

- C. BABIN, Principes de paléontologie, Armand Colin, (Paris, 1991).

-É. BOUREAU,  P. DE WEVER  & J. PIVETEAU, Paléontologie et fossiles, (Paris, 2009).

 

 


التصنيف : عصور ما قبل التاريخ
النوع : علوم
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 215
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 499
الكل : 31251936
اليوم : 124