logo

logo

logo

logo

logo

الأساس في العصور الكلاسيكية

اساس في عصور كلاسيكيه

Foundations in Classical Antiquity - Fondations dans l'Antiquité Classique



الأساس في العصور الكلاسيكية

 

تقنيات البنا والمواد المستخدمة

طبيعة تأسيس المباني

 

تعكس دراسة تاريخ العمارة في العصور الكلاسيكية أهمية تشييد المباني وارتباطها الوثيق مع المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. تتكون مساحات المخطط التنظيمي من أسوار وأبواب رئيسة وأقواس نصر وشوارع وأروقة معمدة كما هو الحال في مواقع أفاميا وتدمر وبصرى ودورا أوروبوس وسيروس.

إن تشييد الأسوار حول المدينة بهدف دفاعي وأمني هو مبدأ رمزي يحد من خلاله المساحة الداخلية والخارجية للموقع مجسداً على أرض الواقع خطاً ذا طابع سحري يفصل بين المدينة وسكانها، وخارجها. ويتم الدخول إلى المدينة من خلال أبواب رئيسة كمسلك وحيد للزائر يتعارف ويتداخل من خلاله مع سكانها. وقد شيدت أقواس النصر من دون أن يكون لها أي رابط بالأسوار حاملة تماثيل أو تذكاراً للنصر، على ذات المبدأ المعتمد على الرمزية الدينية والاجتماعية للمداخل، وقد تطور هذا المعلم المعماري الممثل بكرسي يحمل عمودين مزدوجين منذ الفترة اليونانية ليصبح في الفترة الرومانية قوساً للنصر. وتطل الأبواب وأقواس النصر على الشوارع ذات الأروقة المعمدة التي انتشرت وعممت في العمارة الكلاسيكية مكونة واجهات للمباني لتؤدي دور الفاصل والرابط بين المنشآت المعمارية والشوارع. وقد تطور هذا المعلم الهندسي في الفترة الرومانية مع تخصص المساحات العامة والحاجة إلى فصلها طوبوغرافياً ومعمارياً.

ومن أهم المباني التي تكون المراكز المعمارية الضخمة في الفترة الرومانية؛ المعابد والفوروم والبازيليك والمجالس والمسارح والملاعب والحمامات التي أنشئت في مساحات عامة ومجمعات مركزية بعدما كانت تؤدي في الفترة اليونانية دوراً خاصاً ومنفرداً. وقد رمز المعبد في الفترة الأولى- أي اليونانية- إلى المدينة، وأدى دوراً مهماً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية حيث طور حوله العديد من الأنشطة الخلاقة. وقد بني المعبد منشأة مركزية على منصة مدرجة مفتوحة على أروقة من جميع جهات المبنى. وضُمّ في الفترة الرومانية إلى مجموعة من المنشآت العامة ضمن مراكز معمارية ضخمة، وشيد على منصة مرتفعة مزودة - في إحدى جهاته الصغيرة - بدرج يؤدي إلى داخل المبنى الديني. ومن أهم المراكز العامة التي ضمت المعابد مجمع الفوروم وهو مكون من عدة منشآت (دينية وإدارية وتذكارية) مبنية بشكل منتظم حول ساحة عامة، يتواجد الفوروم عند ملتقى الشوارع الرئيسة في مدن المقاطعات الرومانية المبنية على مخطط تنظيمي متقاطع ممثلاً بذلك كل رموز الحياة العامة والانتما ات الاجتماعية. من المباني المواجهة للساحة العامة في هذا المجمع البازيليك (أي المركز القانوني المالي والإداري) والمجالس ومنشآت عامة مختلفة.

وديعة أساس برونزية من ماري (تل الحريري) بشكل صفيحة منقوشة بنص مسماري مع وتد في وسطها للتثبيت (2150ق.م)ت

عرفت العمارة في الفترة الكلاسيكية تطوراً ملحوظاً للمباني الترفيهية مثل الأوديون في معبد أرتميس دورا أوروبوس، والملاعب (كما في بصرى وتدمر…) والمدرجات والحلبات المستديرة (من الممكن وجود معلم واحد من الحلبات المستديرة في دورا أوروبوس ولكن لم يتم التنقيب عنه حتى اليوم) والمسارح (كما في أفاميا وسيروس وبصرى وجبلة وشهبا …) التي ظهرت في الفترة اليونانية وتطورت في الفترة الهلنستية والرومانية. فعلى سبيل المثال؛ يتكون المسرح في الفترة اليونانية والهلنستية من مدرج بيضوي الشكل مبني على سفح تل طبيعي، ومنفتح على المنظر الطبيعي الذي يؤدي دور الديكور، وعلى باحة مستديرة تؤدي دور منصة المسرح وتؤلف أيضاً المدخل الرئيسي للمبنى. أما في الفترة الرومانية فقد تم بنا المسارح بالشكل الكامل كتلة هندسية واحدة نصف دائرية تخدم من الجوانب، ويتكون مسرحها من منصة مبنية وجدار مكون من ثلاث فتحات إلى خمس مزخرفة بأعمدة وتيجان من الحجارة المستوردة كالمرمر وغيره.

تقنيات البنا والمواد المستخدمة

تعتمد تقنيات البنا على العمارة الحجرية من خلال استخدام حجارة مختلفة المقاييس بحسب نوعية الحجر المتوافر، حيث تستخدم الحجارة ذات المقاييس الصغيرة الحجم (الحجارة الغشيمة) ضمن مداميك، والحجارة الكبيرة الحجم المختلفة المقاييس أو الحجارة المشذبة على بعض الواجهات الرئيسة أو كلها. أما الحجارة الكبيرة (الضخمة) فغالباً ما تكون غير منتظمة الشكل (المثبتة بشحف حجرية صغيرة) أو الحجارة الكبيرة المضلعة polygonal والمشذبة أو غير المشذبة التي كانت تستخدم كمداميك أفقية. وشيدت في موقع سيروس (النبي هوري) الأسوار الهلنستية من الحجر المضلع من دون استخدام الملاط، ويكون هذا المثل الوحيد من العمارة المضلعة المعروف في سورية، وهو مماثل في تقنيات بنائه لأسوار زوغما، وأنطاكيا وسلوقيا في تركيا. في حالات أخرى استخدمت الحجارة المستطيلة الشكل الموحدة المقياس أو المختلفة المقاييس. ويقدم السور الهلنستي في دورا أوروبوس مثلاً مهماً لتقنيات البنا وللعمارة الحجرية في حوض الفرات، شيد هذا السور بالحجارة الجصية المستخرجة من الصخر الطبيعي المكون من طبقات جيولوجية طبيعية مختلفة النوعية والسماكة حددت شروط البنا وسماكات الحجارة المستخرجة التي تكون مداميك السور. ومن الممكن إعادة دراسة تسلسل مراحل تشييد هذا الجهاز الدفاعي من خلال دراسة تقنيات بنا مداميك السور وذلك من القلع والاستخراج إلى تقنيات  التشييد والبنا واتجاهاته. استخدم في سور دورا أوروبوس الهلنستي حجم موحد للحجارة (100-125×50 -56 سم) لا يختلف سوى من حيث سماكة الحجر. عرفت الفترة الهلنستية بتقنيات تشييد تعتمد على توحيد مقاييس الحجر والبنا بهدف اقتصادي- أي كسب الوقت والتوفير- بالاعتماد على تقنيات شبه صناعية انتشرت في هذه الفترة كما هو الحال الملحوظ على أسوار مدينة أفاميا وابن هاني أو غيرها من المدن المحصنة الهلنستية.

كما تم استعمال عدة تقنيات وأساليب تجميع الجدران الحجرية  وتعشيقها. فيكون بعضها مبنياً من الحجر المشذب على كامل سماكة الجدار الذي شُيد باستخدام الملاط (الترابي، الكلسي، الجصي) أو من دونه، وأحياناً يتم استخدام حجر الدبش المغموس بالملاط لتحشية فراغات الجدارن. وقد تم تشذيب الحجارة تبعاً لنوعية الصخر، وكان لوضعية الحجر ضمن المداميك دور إنشائي وتجميلي.

من مواد البنا الأخرى التي انتشرت في العمارة الكلاسيكية استعمال اللبن في جميع أنحا العالم وعمم تصنيع الآجر في الفترة الرومانية التي استخدمته في بنا المداميك. شيدت هذه العمارة الطينية على أساسات حجرية أو على طبقة من التراب المدكوك خاصة في المناطق حيث الحجارة غير متوافرة مثل بلاد الرافدين وبعض المناطق الأخرى في العالم.

أما مواد الربط الشبه معدومة من الوجود في الفترة الهلنستية فقد انتشرت على نحو واسع ابتدا من القرن الثاني قبل الميلاد (في الفترة الرومانية). وقد تم استخدام المواد الرابطة مثل الكلس والجص بحسب توافر نوعيات الحجر في الطبيعة وجوار المواقع، وتم استخراج الجص من خلال عملية حرق حجر الجص، وملاط الكلس من عملية حرق الحجر الكلسي. وقد ظهر البيتون الروماني كمواد رابطة مكونة من الكلس والرمل والرماد والحصى وانتشر استعمالها في أرجا العالم الروماني وبالتحديد في بنا الحمامات. قام الرومان بتشييد الحمامات في جميع مدنهم مستخدمين الآجر والملاط المعروف بالبيتون الروماني، ومستوردين المواد الأولية لتشييد هذه المباني ضمن الشروط المعمارية المعروفة. فعلى سبيل المثال تم تشييد - في موقع دورا أوروبوس - خمسة حمامات في الفترة الرومانية باستخدام الآجر المحلي والملاط الكلسي غير المتوافر في حوض الفرات والذي تم استيراده لتصنيع البيتون الروماني.

طبيعة تأسيس المباني

أدى تطور العمارة الكلاسيكية والاعتماد على المنشآت الضخمة إلى الاهتمام بطريقة تأسيسها. فعلى المعماري بحسب أقوال ڤيتروف Vitruve أن يصل إلى الصخر لتأسيس بنائه ولذلك يجب أن يحفر الأتربة وصولاً إلى الأرض الصلبة، وأن يحفر الصخر لوضع أساسات البنا الذي من المستحسن أن تعادل سماكته ضعف سماكة الجدران لدعم وزن البنا وحمله وتأمين استقراره. في بعض الحالات تم وضع الأساسات على أرضية مصطنعة كالردميات أو على الصخر الطبيعي المنحوت، غالباً ما تتكون هذه القاعدة من مدماك من حجر الدبش، أو من طبقة تحضيرية يتم وضعها على الصخر الطبيعي لتأمين مستوى أفقي تأسيسي تبنى عليه قاعدة من الحجر الضخم أو الحجر الصغير. كما من الممكن اللجو إلى حفر خنادق تأسيسية وفقاً للمخطط العام لجدران البنا أو تأسيسها على منشآت سابقة وإعادة استخدام بعض مواد البنا القديم. وتكون اللقى التي تتواجد في الأساسات دليلاً أساسياً لتأريخ فترة الإنشا .

يشيد الجدار التأسيسي أو الركيزة في معظم الأحيان على طبقة من الحصى التي تؤدي دور العزل وتصريف الرطوبة في الوقت نفسه، وتحمل هذه الأساسات المطمورة معالم مبنية ظاهرة كقواعد المباني التي تختلف من معلم إلى آخر أهمهم المنصة podium والقاعدة. تتميز المنصة ببنائها الضخم حيث ترتفع جدرانها العمودية عن سطح الأرض مكونة ركيزة لبنا أو لعدة منشآت، ويتم الوصول إلى سطح المنصة بوساطة درج خارجي مبنيً على طرفها الضيق. أما القاعدة فهي تشبه في تكوينها الإنشائي المنصة وتختلف عنها بغياب الدرج الخارجي أو المنحدر وذلك بسبب قلة ارتفاعها، وهي تشكل قاعدة الجدران، وفي المباني الضخمة الكلاسيكية الحجرية يمكن أن تكون متوجة من مدماك من حجر الأورتوستات orthostate أي حجر قد ثبت على حرفه عارضاً واجهته الكبيرة في الجدار.

كما توجد منصات مبنية على شكل مدرج معتمدةً في الفترة اليونانية ويكون سطح المنشأة مستوياً لأعمدة المبنى stylobate.

إن التعديلات الفنية التي طرأت على المدن اليونانية في الفترة الهلينستية ليست إلا تطوراً طبيعياً لهذا الفن ولفلسفته، وهي تنعكس مباشرة على الأرض من خلال أهم مبانيها. وهكذا يكمن التحول من أهمية المبنى وخصوصيته إلى دمجه وتداخله في مجموعة من المباني المعمارية التي تحدد طابع المدينة. تتطور هذه المجموعات المبنية من خلال تداخل أحجامها وأبعادها ومنظورها بحثاً عن تماثل أو تناسق لم يكن معتمداً في المخطط التنظيمي اليوناني. ومن التحولات المهمة تطور الشارع الرئيسي الذي لم يكن له أي طابع فني، وكان خطاً فاصلاً بين الحارات المختلفة والجزر السكنية؛ إلى عامل أو معلم رئيسي من المخطط المدني التنظيمي من حيث اتجاهاته وأروقته التي تربط بين المجموعات المبنية الضخمة لتعطيها طابعاً واحداً عاماً. وهكذا تختفي واجهات المباني خلف الأروقة المعمدة التي كانت في الفترة الرومانية ممثلة على الشوارع بأقواس النصر أو التترابيل ذي الطابع التجميلي.

 

جانين عبد المسيح

 

 

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
النوع : عناصر معمارية
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 380
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 522
الكل : 31748294
اليوم : 23755