تلوث
Environment pollution -



 

التلوث

محمد ماهر قباقيبي

تلوث الغلاف الجوي 

تلوث التربة

تلوث المياه

 

التلوث pollution هو دخول مواد ضارة إلى البيئة تُسمى الملوثات polluants قد تكون طبيعية مثل الرماد البركاني، أو ناجمة عن أنشطة بشرية، مثل النفايات أو مياه الصرف الصحي الناتجة من المصانع؛ إذ أثرت الثورة الصناعية بعد الثورة الزراعية في جودة الهواء والغلاف الجوي والتربة والمياه ولوثتهم، وتبعتها الثورة المعلوماتية ليصبح للتلوث أنواع كثيرة ومصادر مختلفة؛مثل التلوث الرقمي digital pollution أو التلوت المعلوماتي info pollution أو الضوضائي noise pollution وغيرها من أنواع التلوث الكثيرة. وقد بلغ تأثير الإنسانفي بيئته مراحل تنذر بالخطر، وتتجاوز أحياناً قدرة النظم البيئية على التحمل، كما أحدث خللاً بيئياً كبيراً يهدد حياته وبقاءه.

لقد نشأ الإنسان الأول في بيئات تفيض مواردها عن متطلباته، وكان يحد من زيادة أعداده العديد من الأوبئة والأمراض. وبحلول القرن الثامن عشر انبثقت ثورة صحية نتيجة تطور العلوم والاكتشافات والتقنيات، كان من نتائج هذه الثورة أن حدث انخفاض شديد في نسبة الوفيات ولاسيما بين الأطفال، رافقه ارتفاع متزايد في متوسط الأعمار بين الكبار. ومن ثم كان الانفجار السكاني الذي يُلاحظ حالياً في الكثير من البلدان. ولهذا صاحب هذه الزيادة البشرية زيادة مماثلة في استخدام الموارد البيئية، وكانت بالنتيجة ثورة زراعية سعت إلى زيادة مساحة التربة وإنتاجيتها، ومقاومة ما يصيب النباتات من آفات، فكان من الضروري تصنيع الكثير من المواد لسدّ النقص من الاحتياجات التي لم تستطع تحقيقها موارد البيئة الزراعية. وبذلك بدأ الإنسان يستنفد ما في البيئة من موارد وطاقات، وظهرت تبعاً لذلك تأثيرات جانبية كاستنفاد الموارد الطبيعية غير المتجددة كالنفط والخامات المختلفة والمياه الجوفية، وما أدخله من شتى الكيماويات والمبيدات المتنوعة، وما استجدَّ من ملوثات صناعية نتيجة احتراق الوقود، وما تنفثه عوادم المصانع والسيارات وغيرها.

لا تستطيع البيئة الطبيعية تحمل آثار مثل هذا الحجم الهائل من الملوثات والنفايات لأن دورات العناصر المعروفة لا تمتلك القدرة على تحليلها، وبدأت ملامح تدهور الأنظمة البيئية بالظهور.

ومن أبرز التحولات المعاصرة نزوح السكان وتكدسهم بالمدن وفيما حولها، ممّا أدى إلى ظهور مشكلات أخرى منها مشكلات تخطيط المدن والنقل والصحة العامة.

ومن نتائج تدخل الإنسان زحف الصحراء في العديد من أنحاء العالم كبوادي الشام والحجاز والعراق التي كانت تزخر بالحياة النباتية والحيوانية، كما ازدادت مساحات التلال والجبال العارية. وتناقصت في السنين الأخيرة كميات مياه الينابيع وجفاف العديد منها، وتلوث مصادر المياه الطبيعية، والأمر ذاته أيضاً يُلاحظ في الكثير من البحار والمحيطات. ويشهد العالم اليوم تسارعاً كبيراً في أعداد الحيوانات والنباتات المنقرضة أو المهددة بالانقراض، ممّا أدى إلى خلل كبير في الأنظمة البيئية الطبيعية.

تلوث الغلاف الجوي 

 1- بنية الغلاف الجوي:

يتألف الغلاف الجوي من عدة طبقات متعاقبة في الارتفاع ويتناقص الضغط الجوي فيها تدريجياً، وهي الكرة الجوية السفلى (التروبوسفير) Troposphere والكرة الجوية المنضدة أو المطبّقة (الستراتوسفير) Stratosphere والكرة الجوية الوسطى (الميزوسفير) Mesosphere والكرة الجوية المتأينة Ionosphere (الحارة Thermosphere). والكرتان الأولى والثانية هما المسؤولتان عن انتقال الملوثات إلى أشد الأماكن بعداً عن مصادرها (مثل ظهور مبيدثنائي كلورو ثنائي فينيل ثلاثي كلورو الإيثان (د. د. ت) (DDT)  dichlorodiphenyltrichloroethane  في الثلوج القطبية).

2- الملوثات الغازية الأساسية للغلاف الجوي:

-  مشتقات الكربون:

أ - غاز ثنائي أكسيد الكربون CO2:

مركب أساسي في الجو، يكوّن حالياً 325 جزءاً بالمليون، ويزداد معدله باستمرار منذ نهاية القرن الأخير نتيجة التزايد المستمر للحصول على الطاقة من حرق الفحوم الحجرية والنفط، ويقدر متوسط زيادته السنوية بـ0.7 جزء بالمليون / بالعام أو 0.2% بالنسبة إلى الحجم.

يسهم تدهور الغابات أيضاً في زيادة نسبة CO2 في الجو بسبب عدم استخدامه بالتمثيل الضوئي، وتشوش هذه الزيادة المتلاحقة في الغلاف الجوي حلقة الكربون في المحيط الحيوي، والتي تعد ظاهرة بيئية مهمة جداً.

ب - غاز أول أكسيد الكربون CO:

وهو أكثر ملوثات الغلاف الجوي انتشاراً، ويراوح وجوده الطبيعي بين 0.1 و0.2 جزء بالمليون وينتج - بصفة أساسية - من حرق الفحوم الأحفورية بأنماطها المختلفة، ومن حرق الفضلات ومن حرائق الغابات، ومن بعض النشاطات البركانية، ومن عوامل بيوجيوكيميائية، ومن بعض التخمرات في وسط هوائي، ومن الانفراغات الكهربائية، ومن بعض الكائنات البحرية كبعض الطحالب السمراء وبعض اللاسعات، وهذه الأخيرة هي السبب في توفر CO في مياه البحار حيث تعد المصدر الأساسي لهذا الغاز.

ج - الفحوم الهدروجينية:

 تتحرر في الجو، ولاسيما من المحركات الانفجارية، ومن الاستخدامات المنزلية والصناعية من حرق الوقود، وممّا يتصاعد من أبخرة في مستودعات النفط، وأخطرها جميعاً هي التي تنجم عن الاحتراق غير الكامل في محركات السيارات، حيث يتحرر مركب بنزو 4.3 بيرين Benzo-3.4-pyreneوغيرها.

د - الألدهيدات:

يُذكر منها الأكرولين، وهو مركب سام ومهيِّج، يتحرر من المصانع ومن الاحتراق غير الكامل، وكذلك من منشآت تكرير النفط ومن ترميد القمامة ومن المحركات الانفجارية.

-   مشتقات الكبريت:

أ‌-  غاز ثنائي أكسيد الكبريت SO2: ينتشر في الجو الخالي من التلوث على شكل آثار بسيطة، وتعد البراكين مصادره الطبيعية، وأما مصادره الاصطناعية فهي حرق الفحم والمحروقات المنزلية والصناعية المحتوية على آثار من الكبريت.

يتحول SO2 بوجود الأشعة فوق البنفسجية إلى SO3، وبتماس بخار الماء الجوي يتكون حمض الكبريتي، ويتحول حمض الكبريتي غير الثابت إلى حمض الكبريت.       

ب‌-  كبريت الهدروجين H2S وأكاسيد كبريتية أخرى:

ينتشر كبريت الهدروجين طبيعياً في الجو بفعل تخمرات لاهوائية متنوعة كالجراثيم الكبريتية في الوسطين البحري والأرضي.

-     مشتقات الآزوت:

يعد أول أكسيد الآزوت NO وثنائي أكسيد الآزوت NO2 من المركبات الأساسية في الجو، ينطلقان بعمليات الاحتراق بدرجات عالية من الحرارة، ومع أن أكسيد الآزوتي N2O هو الأشد  غزارة؛ ولكن ليس له دور ملوث، في حين ثنائي أكسيد الآزوت NO2 أشدهما ضرراً ويأخذ لوناً نارنجياً، فيخفض بذلك من شفافية الجو ويعطيه لوناً ضارباً للبني، ولاسيما في أجواء المدن الكبيرة.

تحرر المصادر البيولوجية كمية من NO2 أكثر بنحو عشر مرات مما تحرره النشاطات الصناعية. كما يُلاحظ أيضاً أن أكاسيد الآزوت المتشكلة لا تدوم في الجو أكثر من ثلاثة أيام،؛ إذ يتفاعل ثنائي أكسيد الآزوت مع بخار الماء الجوي متحولاً إلى حمض الآزوت وحمض الآزوتي، كما قد تتكون نترات الأمونيوم NH4NO3 عند تماس أكسيد الآزوت مع النشادر الجوي،. وإن مجموع النترات المتكونة في الجو تنحل بمياه الأمطار فتغني بذلك التربة.

-     منتجات كيميائية ضوئية:

يذكر منها بيروكسي أسيل نترات(PAN)  peroxy-acyl-nitrates تنتج هذه المركبات من تفاعلات كيميائية ضوئية لمواد مختلفة في الغلاف الجوي الملوث والمعرّض لشمس شديدة؛ لذلك لا تظهر مثل هذه الملوثات إلا في أجواء المدن متوسطية المناخ مثل لوس أنجلوس الأمريكية حيث وصفت هناك ولأول مرة حالة الضباب الدخاني أو الضبخان smog الذي يتشكل نتيجة ظروف مناخية معينة كتسرب كتلة من الهواء البارد بين سطح الأرض وطبقة الهواء الساخن التي تقع فوقه، فتبقى هذه الطبقة الباردة بين سطح الأرض وطبقة الهواء الساخن الواقعة فوقها فتستقر في مكانها ولا ترتفع ممّا يسبب تراكم الملوثات الجوية.

-     الأوزون O3:

وهو مركب طبيعي في الغلاف الجوي يتغير محتواه في التربة بحسب شدة الأشعة فوق البنفسجية ويقدر تركيزه بنحو 15 جزءاً بالبليون في أجواء الصحارى المشمسة جداً، ويصل إلى   150جزءاً بالبليون على ارتفاع 3000م في المناطق الجوية البعيدة من التلوث. ويبلغ تركيزه في أجواء المدن التي يتشكل فيها الضبخان الضوئي الكيميائي إلى جزءاً واحداً بالمليون، وهذا التركيز ضار بالحيوانات والنباتات.

-   المشتقات الهالوجينية:

   يأتي معظمها من الاحتراقات (سيارات، تدفئة منزلية، صناعات)، وهي الكلور وحمض كلور الماء والبروم والفلور وحمض الفلور. وتبنى – عادة - مصانع مثل هذه المواد بعيدة عن التجمعات السكانية نظراً لسمّيتها. وكما أن حرق اللدائن (البلاستيك) في مرامد القمامة يعدّ مصدراً ملوثاً مهماً بالنسبة إلى المشتقات الهالوجينية، كحرق المركب البلاستيكي المسمَّى بولي كلوروفينيل polychlorovinyle المستخدم كثيراً في هذه الأيام فهو يحرِّر عند الحرق كميات كبيرة من حمض كلور الماء.

-     التلوث الدقائقي (الهباء الجوي) aerosols:

تُصنَّف مكونات التلوث الدقائقي وفقاً لقطرها كما يلي:

  -1دقائق ذات قطر كبير قابلة للترسب.

 - 2دقائق نصف ناعمة، قليلة الترسب أو عديمته.

- 3 دقائق تحت مجهرية غير قابلة للترسب.

تلوث التربة

جاء تلوث التربة – على نحو رئيسي - نتيجة التوسع في تطبيق التقنيات الزراعية الحديثة؛ إذ إن الزراعة المعاصرة تتطلب إنتاج كميات متزايدة من الغذاء لسد حاجات الجماعات البشرية، في الوقت الذي تتناقص فيه مساحات الأراضي القابلة للزراعة بسبب التوسع السَّكاني والصناعي وغيرها، إضافة إلى زحف الصحراء في كثير من المناطق، ومن ثمَّ الانحسار المستمر للأراضي الصالحة للزراعة.

 أنماط ملوثات التربة

 - 1 الأسمدة الكيميائية:

تضاف إلى التربة من أجل زيادة مردود المحاصيل الزراعية، وذلك لتعويض التربة مما تفقده من عناصر، وأهم هذه العناصر هي الآزوت والفسفور والبوتاسيوم، وكميات قليلة من الكبريت والكلسيوم والمغنزيوم وغيرها. ومن حيث المبدأ يجب إضافة كميات معادلة فقط إلى الكميات التي خسرتها التربة.

2- مبيدات الأعشاب الضارة:

استُخدمت مبيدات الأعشاب الضارة herbicides في البدء للتخلص الأعشاب الضارة من جانبي طرق السكك الحديدية، وطرق المواصلات العامة من ثم استخدمت للقضاء على الأعشاب الضارة بالمحاصيل الزراعية، واستخدمتها أمريكا في حربها العدوانية ضد الشعب الفيتنامي للقضاء على الغابات. وهي مواد كيميائية تشبه الهرمونات، وتتضمن مركبات زئبقية بتراكيز تعوق عملية التمثيل الضوئي. ومنها ما يعمل على إسقاط الأوراق، ومنها ما يثبط التمثيل الضوئي عن طريق تثبيط حلقة كالفن Calvin. ويُذكر أيضاً ديورون diuron ولينورون linuron، وهما مبيدان قابلان للانحلال بالماء يعملان على تدمير الميرستيم. ومن أشد المضادات العشبية سمية وثباتاً البكلورام picloram؛ حيث إن 60غ منه يقضي على الغطاء النباتي في مساحة قدرها هكتار واحد من الأرض.

 3- المضادات الفطرية:

 تُستخدم المضادات الفطرية fungicides في القضاء على الفطريات الممرضة للمحاصيل الزراعية كعفونة البطاطا الفطرية وصدأ القمح مثلاً؛ إذ كانت هذه الإصابات الفطرية تعدّ كوارث حقيقية بالمحاصيل الزراعية. وأقدم المضادات الفطرية المستخدمة كانت أملاح النحاس والكبريت وبعض المشتقات الكبريتية، وحالياً تُستخدم مركبات زئبقية عضوية مرافقة لكلورات عضوية، وبهذا تتم مقاومة مختلف الطفيليات لدى إنتاش النبات وتشكل النبتة الفتية.

4- المبيدات الحشرية:

 تستخدم المبيدات الحشرية pesticides أو insecticides في القضاء على الحشرات الضارة بالمحاصيل الزراعية، ويعود معظمها إلى منتجات عضوية التركيب فهناك الكلورات العضوية organochlorines والإسترات الفسفورية والكاربامات carbamates.

منها ما يسبب تسممات سريعة للحشرات، ومنها ما يؤثر عن طريق الابتلاع عند التغذي بأنسجة نباتية معالجة بالمبيدات الحشرية، ويؤثر بعضها الآخر عن طريق الاستنشاق المباشر، ومنها ما يمر إلى نسغ النباتات التي تصبح بذلك سامة للكثير من الحشرات التي تتغذى عليها.

النتائج السلبية الناجمة عن استخدام المبيدات الحشرية:

 -1القضاء على بعض الأنواع المفيدة، كالحشرات التي تقوم بدور في تأبير النباتات.

 - 2القضاء على أنواع مفترسة للحشرات الضارة بالمحاصيل الزراعية.

 - 3ظهور أنماط حشرية مقاومة، وبتطلب ذلك زيادة تركيز المبيد للتمكن من القضاء عليها.

4- القضاء على الحيوانات التي تتغذى بالحشرات الملوثة كالأسماك والنسور والجوارح والبجع.

5-  إمكان انتقال المبيدات الحشرية بفعل التيارات الهوائية إلى مناطق بعيدة من مناطق الرش.

6- وصول المبيدات الحشرية إلى الإنسان عن طريق تراكمها في السلسلة الغذائية.

7- حدوث اضطرابات هرمونية وفيزيولوجية لدى العديد من الكائنات الحية غير المعنية بالمكافحة.

8- تشويش التوازن الطبيعي؛ فغياب بعض حالات التنافس بين الأنواع يسبب استفحال النوع الذي غاب منافسه.

تلوث المياه

يعد توفر المياه بشقيها العذب والمالح، والصالحة لحياة الكائنات الحية والاستخدامات البشرية مشكلة أساسية، فقد أصبح الكثير من مصادرها المائية العذبة وكذلك ما يحيط بها من بحار ومحيطات ملوثاً. وإضافة إلى تلوث المياه هناك تناقص متزايد في الإنتاج الزراعي بسبب نقص الماء؛ لهذا تحتل قضية تلوث المياه اهتماماً متزايداً من قبل الباحثين البيئيِّين. وتضاف إلى قضية التلوث قضية أخرى تتلخص بأن الأوساط المائية فقيرة بالأكسجين المنحل بالنسبة إلى الغلاف الجوي؛ إذ مهما كان الجو ملوثاً فإن كمية الأكسجين تظل فيه كافية وغير مهددة لحياة الكائنات الحية، في حين يعدُّ نقصان الأكسجين في الأوساط المائية أمراً لا يستهان به، علماً أن معدل انحلاله يتناقص بارتفاع درجة الحرارة وزيادة ملوحة الوسط، إضافة إلى تناقصه مع العمق، إلى أن يختفي نهائياً. وهكذا يتبين أن الأكسجين يؤدي دورَ عاملِ محدّدٍ لمعظم الكائنات الحية التي تعيش في الأوساط المائية، وكما تؤدي حرارة الأوساط المائية دوراً محدداً أيضاً؛ إذ يمكن لبعض التغيرات في درجة حرارة المياه أن تحدث كوارث حقيقية لأنماط الحياة المصادفة فيها.

أنماط ملوثات الأوساط المائية

يمكن لمعظم الكمية الهائلة للمواد الملوثة، مهما كانت طبيعتها - سائلة أم صلبة أم غازية - أن تلوث الكرة المائية hydrosphere، وترتبط سعة التلوث بقابلية انحلال هذه المواد بالماء، وقد أثبتت التجارب أن المواد قليلة الانحلال بالماء كالفحوم الهدروجينية السائلة أو المضادات الحشرية كالكلورات العضوية يمكنها أن تدخل إلى الوحدات الإحيائية العذبة أو البحرية، وتسبب لها مضاعفات متعددة.

 1- التلوث الحيوي للمياه (أو التلوث البكتري):

مصدر هذا النمط من التلوث هو حمولات المجارير التي تصبُّ في الأوساط المائية العذبة أو المالحة، والتي تثير في الكثير من الحالات مشكلات خطرة متعلقة بالصحة العامة.

يرافق التلوث البكتري تزايد الإصابات بداء العصيات القولونية colibacillose والإنتانات الكبدية الفيروسية viral hepatitis. كما يعدّ انتشار الهيضة أو الكوليرا cholera قضية خطرة تنجم بالواقع عن التلوث البيولوجي للمياه، وكذلك أيضاً الإصابة بالحمى التيفية (بالتيفوئيد) typhoid والزحار dysenteries والفيروسات المعوية، فالتلوث بالمواد العضوية يسمح للكثير من الأنواع الممرضة بالتكاثر بنسب لا يمكن مقارنتها بنسب تكاثرها في الأوساط المائية النظيفة. كما يعدّ طرح مياه الصرف الصحي في البحار أمراً خطراً، يتمثل بإصابة بكترية للسابحين ولمستهلكي الحيوانات البحرية. وإن ما أُشيع عن قدرة مياه البحر على تطهير نفسها من الملوثات البكترية ليس أكثر من تسويغات غير مسؤولة لسلوكيات غير مقبولة، إذ إن هذه القدرة لا تؤدي إلا دوراً بسيطاً وفي حدود معينة.

 2- التلوث الكيميائي للمياه:

ينتج تلوث المياه المعدني من طرح مركبات كيميائية مختلفة كالنترات والفسفات وغيرها ممّا يستعمل في الزراعة، وكذلك من الفضلات التي تطرحها صناعات التعدين وغيرها من النشاطات التي تصل إلى الأوساط المائية.

أ‌- الرصاص: يتحرّر في الجو نتيجة استخدامه مادة مضافة إلى محروقات السيارات. وإنه لمن المدهش أن تنتشر في عرض البحر آثار التلوث بالرصاص، وتقدر الحمولة السنوية منه التي تُلقى في المحيطات بنحو  2500طن سنوياً، وهي ناجمة – خصوصاً - عن استخدام الكيل - الرصاص المضاف إلى البنزين - مضاداً للفرقعة، في حين لوحظ أن الباريوم، وهو معدن مواز للرصاص؛ يزداد تركيزه بزيادة العمق. وأشد مياه المحيطات تركيزاً بالرصاص هي مياه المحيط الهادئ وبحر سان دييغو ومياه البحر المتوسط بجوار المراكز الصناعية خاصة.

ب‌- الزئبق: يستحق تلوث الكرة المائية بالزئبق ذكراً خاصاً بسبب الاستخدام المتزايد لهذا المعدن؛ ففي خليج ميناماتا Minamata قضى 43 شخصاً نحبهم وأصيب بضع مئات أيضاً بتسممات حادة إثر تناولهم أسماكاً وحيوانات بحرية ملوثة بالزئبق؛ إذ تتلقى مياه الخليج المذكور فضلات مصنع للأسيت ألدهيد acetaldehydeالذي تُستخدم في تحضيره أملاح زئبقية بوصفها عاملاً وسيطاً (مثل HgSO4). يتجاوز الإنتاج العالمي للزئبق  1000طن بالسنة، ويجب أن يضاف لهذه الكمية  3000طن تُطرح كلَّ عام في الغلاف الجوي نتيجة حرق الفحوم الأحفورية.

تعود خطورة التلوث بالمعادن الثقيلة كالرصاص والزئبق والكادميوم إلى تركزها بالعوالق النباتية، ومن ثم يزداد تركيزها في العوالق الحيوانية لكونها تتغذى بالعوالق النباتية الملوثة. وهكذا يزداد التركيز كلما تم الارتقاء في السلسلة الغذائية حتى تصل إلى الإنسان.

ج - النترات: أصبحت قضية تلوث المياه بالنترات والفسفات - نتيجة استخدامها سماداً زراعياً - مقلقة في الأيام الحالية، فقد بيَّن أحد الباحثين أنه خلال الخمس والعشرين سنة الماضية ازدادت النترات المطروحة من مختلف المصادر بمقدار 70% في مياه الصرف الصحي و 300% من المحركات الانفجارية و1400% من استخدام الأسمدة. كما بيَّنت الدراسات أن كمية النترات تزداد في الأنهار إثر استخدام الأسمدة الكيميائية في الزراعة. كما أن مياه الشرب أصبحت بدورها ملوثة بالنترات في الكثير من المناطق، ويقدر التركيز المسموح به 10 أجزاء بالمليون، علماً أن هذا التركيز قد تمَّ تجاوزه في العديد من البلدان.

د - الفسفات: يعدّ تلوث المياه بالفسفات أيضاً مشكلة أكثر حدة من السابقة ولاسيما في البلدان الصناعية. علماً أن الفسفور عنصر محدد في الوسط المائي العذب والمالح، وتقدر كمية الفسفور في مياه الصرف الصحي بنحو 0.7 أو 2كغ فسفوراً معدنياً/ نسمة / سنة، مع الإشارة إلى أن محطات التنقية في حال وجودها تعمل على حذف نحو 80% من كمية الفسفور.

هـ - الفحوم الهدروجينية: يشكل تلوث المياه القارية والمحيطية بالفحوم الهدروجينية السبب الأساسي في تلوث الكرة المائية نتيجة التقنيات العصرية المتنوعة، إذ إن كثيراً من المناطق البحرية تسمح قانونياً بطرح محتويات صهاريج حاملات النفط بعد تنظيفها في ماء البحر (الصابورة).

وينجم تلوث البحار والمحيطات - بصورة أساسية - عن نقل النفط، وعن حوداث جنوح ناقلات النفط، وعن انفجار آبار النفط واستغلالها في قيعان البحار. تقدر كمية النفط المنقولة بالبحار والمحيطات بنحو مليار طن سنوياً، يطرح ما بين  0.1 و0.5% منها قانونياَ كضرورات غسل وتنظيف صهاريج حاملات النفط. وغالباً ما تقوم حاملات النفط بتفريغ مياهها الملوثة بالنفط في أثناء مسيرها أو في الليل ممّا يحول دون كشفها من قبل طائرات مراقبة التلوث.

ولايقل تلوث المياه العذبة عن تلوث المياه البحرية؛ إذ تطرح منشآت تكرير النفط فضلاتها في الأنهار كما تصل إليها أيضاً نواتج تفريغ محركات السيارات.

 3- التلوث بالمواد عضوية التركيب:

أ- المنظفات: لم يكن هذا النمط من التلوث معروفاً عندما كان الإنسان يستخدم الصابون فقط، والذي يعد مادة قابلة للتفكك الحيوي من قبل الكائنات الحية. أما المنظفات detergents التي تصنع من الفحوم الهدروجينية فلا يتفكك الكثير منها حيوياً، ومن هنا تنجم خطورتها البيئية. وقد أدى الاستخدام الواسع والمتزايد لمثل هذه المواد في مختلف القطاعات المنزلية والزراعية والصناعية إلى هذا النمط الخطر من التلوث، ففي فرنسا وحدها اُستخدم عام 1968 نحو 135000 طن من المنظفات، والتي تنتهي بعد الاستعمال إلى المياه القارية والمحيطية.

ب- المضادات الطفيلية: يعدّ إنتاج المضادات الطفيلية واستخدامها خطراً مهدّداً للكرة المائية، وتمثل مراكز تصنيع هذه المواد - والتي تشاد على ضفاف الأنهار أو السواحل - المصدر الأساسي لتلوث المياه العذبة والبحرية.

والمصدر الآخر لتلوث الأوساط المائية هو الاستخدام الواسع للمبيدات الحشرية، ولاسيما بوساطة الطائرات التي تسبب نشرها إلى أكثر المناطق بعيداً عن مناطق الاستخدام.

وتصل هذه الملوثات إلى المياه العذبة أيضاً عن طريق التربة إثر انحلالها بالماء وجرفها بالمياه السطحية إلى الأنهار والبحيرات والبحار حتى إلى المياه الجوفية.

ج- المواد الصلبة غير القابلة للانحلال: يؤثر طرح المواد الصلبة غير القابلة للانحلال - ولاسيما في الأوساط المائية العذبة - تأثيراً سيئاً، فتطرح المقالع والمناجم الكثير من فضلاتها في المجاري المائية، وكذلك الطمي يمكنه أيضاً التوضع على طول امتداد سرير النهر، مشكلاً بذلك طبقة تعوق النمو الطبيعي للأحياء. وفي الواقع يصبح حتّ مجاري المياه كبيراً عندما يقل الغطاء النباتي في المناطق المرتفعة، فتنجرف التربة، وتتشكل بذلك حمولة ثقيلة من الطمي تُحمل بالنهاية إلى النهر الذي تقل شفافيته ويقل من ثمّ التمثيل الضوئي، ومن ثمَّ تقلّ الإنتاجية الأولية.

4 -  التلوث الحراري للمياه:

يتطلب استخدام المياه القارية والبحرية في تبريد المحطات الكهربائية أو النووية طرحَ مياه التبريد في الأوساط المائية الطبيعية (أنهار أو بحار)، ويعدُّ نمطاً من الملوثات الفيزيائية قادراً على تشويش الوحدات الإحيائية لأنه يؤثر في عامل بيئي أساسي هو درجة حرارة الوسط المائي، والتي تؤدي دوراً محدداً بالنسبة إلى الكائنات الحية المائية.

 

مراجع للاستزادة:

-      عايد خنفر، التلوث البيئي، الهواء-  الماء – الغذاء،دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع،2010.

-      M. K. Hill, Understanding Environmental Pollution,  Cambridge University Press 2020.

 


- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1