تلوث ضوضايي (ضجيج)
Noise pollution -

التلوث الضوضائي

محمد منصور بكر

الضوضاء والصوت

أنواع التلوث السمعي "الضوضاء"

مستويات شدة الصوت الرئيسية وتأثيراتها

 الآثار المترتبة على الضوضاء

السيطرة على التلوث الضوضائي 

 

تُعدّ الأصوات جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية وإحدى السمات التي تميّزها؛ فهي وسيلة للاتصال بين البشر، وتُعدّ أداة لتحذير الإنسان وتنبيهه. ولكن في المجتمعات الحديثة صار كثير من الأصوات مصدر إزعاج، مثل ما يصدر عن الطرق السريعة والمطارات والمناطق الصناعية ومناطق تنفيذ المشاريع وغيرها وحتى في المناطق المزدحمة بالسكان، يندرج هذا كله تحت اسم "الضوضاء" التي تُعدّ ذات أنواع مختلفة تسمى التلوث السمعي أو الضوضائي Noise pollution، وصِفت بأنها ضارة لصحة الإنسان والكائنات الحية. ولذلك عرّفت رسمياً بأنها "الأصوات غير المرغوبة أو غير المطلوبة"، وسنت بعض القوانين لللملاحقة  القانونية.

الضوضاء والصوت

 ترتبط الضوضاء بالصوت، ويعرف العلماء الصوت بأنه نوع من أنواع الطاقة ينتج تغيّرات ضغط الهواء على صورة أمواج تنتقل بسرعة محدودة. وتتنوع مصادر الصوت والإصدار الصوتي من حيث الشدة وطول الموجة أو التواتر (التردد؛ ويقاس بالهرتز) وتوزع الطاقة المصدرة على هذه التواترات (الطيف الصوتي). وتميّز الأذن البشرية السليمة الأصوات التي يراوح ترددها ما بين 16 و20000 هرتز. أما الشعور الأعظم للأذن البشرية للأصوات؛ فيكون لتلك التي ترددها بين 1000-4000 هرتز. وتخف حساسية الأذن بالتدريج عندما يقل - أو يزيد - تردد الصوت عن هذا المدى. ويبلغ متوسط  عتبة السماع  لتواترات مختلفة بين البشر لتغير في الضغط قرابة 20 مكروباسكال، وتقدر الطاقة الوسطية للمصدر بنسبتها إلى الطاقة التي تسبب هذا التغير؛ ولكن يعبر عنها  باللوغاريتم العشري لهذه النسبة التي واحدتها البل أو أجزاؤه الديسيبل dB. ويراوح تردد الأصوات المستعملة في التخاطب بين الناس ما بين 200-6000 هرتز. كما يقدر الضجيج أيضاً بلوغاريتم  نسبة طاقة الأصوات غير المرغوبة إلى ما يقابل هذه العتبة.

ويُعدّ مستوى 85dB أقصى مستوى صوتي مسموح به للإنسان وفق بعض المنظمات الدولية و3035dB وفق منظمات أخرى حتى لا يسبب له الأرق في النوم والاضطرابات العصبية. وعلى سبيل المثال: صفر dB هي عتبة الصوت المسموع، وتقابل  10dB شدة حفيف أوراق الأشجار، و90- 100dB تمثل شدة صوت الرعد، 125-130dB تُمثل عتبة الألم عند الإنسان، و140dB تُمثل شدة صوت محرك نفاث عند الإقلاع  أو إطلاق صاروخ إلى الفضاء. وتُعدّ الضوضاء البيئية التي تزيد على 70dB ضوضاء ضارة ومؤذية على نحو ملحوظ للحياة الهادئة والمستقرة، وهي فوق 60dB ضوضاء مزعجة.

أنواع التلوث السمعي "الضوضاء"

ويميز من التلوث السمعي:

أ‌- ضوضاء وسائل النقلالمختلفة، من سيارات وقطارات وطائرات وغيرها،  وكل ما يصدر عنها من أصوات المحركات والأبواق والاحتكاك وإقلاع الطائرات بالنسبة إلى المساكن القريبة من المطارات.

ب‌- الضوضاء الاجتماعية: ويتمثل مصدرها الجدران، وذلك من خلال الحيوانات الأليفة والأنشطة المنزلية وأصوات الأشخاص وإصلاح السيارات وغيرها. ولذلك تستخدم مواد عازلة في الجدران للتخفيف من حدة الأصوات.

ج - ضوضاء صناعية: مصدرها المصانع أو أماكن العمل، وهي ضوضاء خطرة للغاية تضر بصحة الإنسان ضرراً مباشراً، وتؤثر في العاملين فيها وفي الجوار.

د - ضوضاء الماء: ثمّة ضوضاء في البحار والمحيطات وفي الماء عموماً تضر بالكائنات البحرية من الأسماك والحيتان. ويمكن أن يكون صوت الأمواج أو صوت محركات السفن مصدراً للإزعاج. وإن النغمات التي تصدرها الحيتان منذ وجودها في البحار ليست مجرد أصوات تطلقها، بل  تستخدمها  للاتصال فيما بينها. وبازدياد هذه الضوضاء يزداد الخوف من عدم مقدرة الحيتان على الاتصال أو سماع بعضها بعضاً أو العثور عليها؛ الأمر الذي يؤثر في الهجرة الجماعية لها، ومن ثم الحد من مقدرتها على التكاثر وتعرضها للانقراض.

 كما يمكن تصنيف أنواع التلوث الضوضائي بحسب مدته وتأثيراته في:

أ‌-   تلوث مزمن: هو تعرض دائم لمصدر الضوضاء، وقد يحدث ضعفاً دائماً في السمع.

ب‌- تلوث مؤقت ذي أضرار فيزيولوجية: وهو تعرض في فترات محدودة لمصدر الضوضاء أو مصادرها، ومثال ذلك التعرض للمفرقعات، ويؤدي إلى إصابة الأذن الوسطى، وقد يُحدث تلفاً داخلياً للأذن. ولذلك يتأثر التلوث وحسابه بالمدة الزمنية للتعرض

ج - تلوث مؤقت من دون ضرر: وهو تعرض لمصدرضوضاء فترة محدودة ، مثال ذلك ضجيج الشارع والأماكن المزدحمة أو الورش، ويؤدي إلى ضعف مؤقت في السمع.

وقد حددت منظمة الصحة العالمية (WHO) World Health Organization  تواترات الضوضاء المقبولة عالميّاً بالهرتز كالآتي: 25-40 للمناطق السكنية؛ 30-60 للمناطق التجارية؛ 40-60 للمناطق الصناعية؛ 30-40 للمناطق التعليمية؛ 20-35 للمشافي.

مستويات شدة الصوت الرئيسية وتأثيراتها

أ‌- المستوى 40-50dB: يؤدي إلىتأثيرات وردود فعل عكسية تتمثل بالقلق والتوتر،  فهي تؤثر في قشرة المخ؛ مما يؤدي إلى قلق نفسي واضطراب.

ب‌- المستوى 60-dB 80: لهتأثيرات سيئة في الجهاز العصبي، ويؤدي إلى الإصابة بآلام شديدة في الرأس ونقص القدرة على العمل ورؤية أحلام مزعجة.

ج - المستوى 90-dB 110: يؤدي إلى انخفاض مستوى السمع، ويُحدث اضطرابات في الجهاز العصبي والجهاز القلبي.

د - المستوى أعلى من120dB: يسبب ألماً للجهاز السمعي وانعكاسات خطرة على الجهاز القلبي الوعائي كما يؤدي إلى عدم القدرة على تمييز الأصوات واتجاهها.

  الآثار المترتبة على الضوضاء

1-تأثير التلوث السمعي في النواحي الصحية والفيزيولوجية: أُجريت دراسات مستفيضة على التأثيرات الجسدية للضوضاء نجم عنها فرضية تربط ردود الأفعال الفيزيولوجية بالانفعالات الصحية وبقدرة الفرد على إنجاز مهامه. وقد وصفت مجموعة التأثيرات الآتية ردود أفعال جسدية للضوضاء:

·  انقباض الأوعية الدموية الطرفية.

·   تغيّر في إيقاع القلب.

·   تنفس عميق وبطيء.

·   تغيّر مقاومة الجلد (إفراز العرق).

·   تغير طفيف في الشد العضلي.

·   تغير في حركة الجهاز المعدي.

·   التغيّر الكيميائي للدم والبول.

2- تأثير التلوث السمعي في النواحي النفسية: تسبب الضوضاء الإزعاج للإنسان، وتؤثر في أعصابه إذا ما استمرت فترة طويلة. فالقلق والتوتر العصبي وحدّة المزاج منتجات إضافية للعصر التقني. فتستطيع الضوضاء أن تسبب مشاعر مختلفة من عدم الرضا إلى الضيق والخوف والجزع. كما تُعدّ كل ضوضاء فوق 90dB أكثر إزعاجاً عندما تكون غير متوقعة. كما أن الضوضاء دون الـ 60dB تؤثر في قشرة المخ، وتقلل النشاط، ويؤدي هذا إلى استثارة القلق وعدم الارتياح الداخلي والتوتر والارتباك وعدم الانسجام والتوافق الصحي. فالضوضاء لها تأثير سلبي وضاغط على نفسية الإنسان، ويؤثر الضغط النفسي في الصحة النفسية للفرد في مختلف سنوات عمره، ويظهر على شكل ذعر وقلق وعدم تركيز وإرهاق واكتئاب؛ مما يؤدي إلى تدهور حالته النفسية التي تؤدي إلى انخفاض مستوى أدائه، وتعوق نموه النفسي.

3- تأثيرالتلوث السمعي في الإنتاجية: للضوضاء تأثير سلبي في صحة الإنسان؛ إنها أحد الأسباب الرئيسية في خفض الأداء، والتركيز وتشتيت الانتباه، وتُعدّ سبباً في الإزعاج والضيق، وهذا يؤثر في العامل القريب من مصادر الضوضاء في شعوره بالتعب والإرهاق السمعي والجسمي؛ ومن ثمّ انخفاض إنتاجيته. فقد لوحظت فروق محسوسة في الإنتاج بين العمل الذي يجري في جو هادئ وذلك الذي يجري في جو ضوضائي؛ وأن الضوضاء تسبب نحو 50% من الأخطاء في الدراسات الميكانيكية و20% من الحوادث المهنية ونحو 20% من أيام العمل الضائعة.

4- تأثير التلوث السمعي في الحوامل: يقوم العلماء منذ فترة طويلة بدراسة تأثيرات الصوت في الأجنة في بطون أمهاتهم. ولا شك في أن الجنين يستحق هذا الاهتمام؛ لأنه من أكثر الكائنات حساسية. ومن المؤكد أنه يتأثر نتيجة لضغط الصوت على الأوعية الدموية في بطن الأم: إذ أثبتت الأبحاث العلمية مؤخراً أن للضوضاء تأثيراً سلبياً في الأجنة خاصة بين العاملات في المصانع والأوساط المتعرضة لدرجات من الضوضاء بسبب حساسية الجهاز العصبي للأجنة؛ مما يعرضها للإصابة بأمراض عصبية، وقلق، وتوتر بعد الولادة. هذا وقد تكون الضوضاء سبباً في تشوه الأجنة إذا ما تعرضت الأم لضوضاء مرتفعة فترات طويلة.

5- تأثير التلوث السمعي في التلاميذ: يتمثل تأثير الضوضاء في تلاميذ المدارس في قلة استيعابهم وتركيزهم وعدم القدرة على حل أبسط العمليات الحسابيّة؛ وكذلك الإرهاق والتعب والدوار لعدم تحمل الجهاز العصبي والقدرات الفعلية للعمل في جو مشحون بالضوضاء. فقد أوضحت دراسة على ردود الأفعال لدى أطفال المدارس على ضوضاء بمعدل 47dB أنه يحدث لديهم نقص في نشاط المخ ينجم عنه نقص في تنبه الجملة العصبية؛ مما ينعكس على انخفاض قدرتهم الاستيعابية وسوء الرؤية، كما أن رفع شدة الضوضاء في غرف الدراسة من 30 إلى 47dB ينجم عنه ارتفاع في الأدرينالين من 2.7 إلى 4.11% وانخفاض كمية السكر في الدم في نهاية اليوم الدراسي، ويفسر ذلك بأن الجسم يتخذ إجراءات دفاعية ضد تأثير الضوضاء.

6- تأثير التلوث السمعي في سلوك الأفراد: تؤثر الضوضاء في سلوك الإنسان وفي ردود أفعاله تجاه الآخرين وفي اتصاله بهم، وتجعل الناس لا يميلون إلى تقديم المعونة لمن يحتاج إليها، وكذلك لوحظ زيادة التوتر العصبي؛ مما يؤدي إلى الصراع والعنف وزيادة شدة الميول العدوانية لدى الأشخاص.

·   العوامل المؤثرة في مدى التضرر بالضوضاء: وتصنف في:

-    عوامل فردية وتشمل: عمر الإنسان ووضعه الصحي.

-    عوامل خارجية مثل:

أ - طول الفترة الزمنية التي يتعرض فيها الإنسان للضجيج.

ب- شدة الصوت: فكلما ازدادت شدة الصوت؛ ازداد تأثيرها في صحة الإنسان.

ج- حدة الصوت: فكلما ازدادت حدة الصوت (تواتراتها) كان تأثيرها في الإنسان أكبر من تأثير الأصوات الغليظة.

د‌- المسافة بين مصدر الصوت والسامع: كلما قرب الإنسان من مصدر الصوت كان تأثيره أقوى.

 هـ- فجائية الصوت: الصوت المفاجئ أو المتقطع أكثر تأثيراً من الضجيج المستمر. 

السيطرة على التلوث الضوضائي

 من أهم الإجراءات الوقائية للحد من التلوث الضوضائي:

أ‌- الصيانة المستمرة لآلات المصانع وغيرها يقلل كثيراً من الضوضاء.

ب‌- المراقبة الصارمة على الصناعات وتعديل العمليات للسيطرة على الضوضاء في أثناء إصدار رخص العمل وتجديدها.

ج‌- إصدار التشريعات الضرورية وتطبيقها بحزم لمنع استعمال منبهات السيارات ومراقبة محركاتها وإيقاف تلك المصدرة للأصواتالعالية.

د - تُعدّ النباتات من أهم وسائل امتصاص الضوضاء خصوصاً النبضية منها. وتساعد زراعة الأشجار مثل الكازوارينا  Casuarina، والبانيان، والتمر هندي والنيم Neem وغيرها في الشوارع على تخفيض الضوضاء في المدن.

هـ - منع استعمال مكبرات الصوت وأجهزة التسجيل في شوارع المدينة والمقاهي والمحلات العامة خلال ساعات محددة.

و - نشر الوعي البيئي عن طريق وسائل الإعلام المختلفة وبيان أخطار التلوث السمعي على الصحة البشرية؛ ليدرك المرء أن الفضاء الصوتي ليس ملكاً شخصياً.

ز‌-   إبعاد المدارس والمستشفيات عن مصادر الضجيج.

ح - إبعاد المطارات عن المدن والمناطق الآهلة بالسكان مسافة لا تقل عن 30كم.

ط - إبعاد خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة عن المناطق السكنية.

مراجع للاستزادة:

حسن أحمد شحاتة، التلوث الضوضائي وإعاقة التنمية، مكتبة الدار العربية للكتاب، 2002.

-     V. Healey, City Noise Pollution,Publifye 2025.

-     C. Shepherd , Noise Pollution Limits,Publifye 2025. 


- التصنيف : تقانات الفضاء والفلك - النوع : تقانات الفضاء والفلك - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1