logo

logo

logo

logo

logo

التبادل عكس التيار (بيولوجيا)

تبادل عكس تيار (بيولوجيا)

Countercurrent exchange (Biology) -

التبادل متعاكس التيار

دور آليات التيار المتعاكس في الحفاظ على الحرارة الداخلية للجسم

دور الآلية المتعاكسة الخاصة بالتحكم في طرح بول عالي التركيز 

محمد علي الخطيب

 

يحوي جسم الإنسان والفقاريات وبعض الحيوانات الأخرى عدداً كبيراً من أجهزة التحكم لحفظ ثبات خصائص بيئته الداخلية على النحو الذي يضمن استمرار جميع نشاطاته الحيوية وجعله أقل حساسية للتبدلات القاسية في الوسط المحيط به، ويعتمد بعض هذه الأجهزة في عمله على آلية التيار المتعاكس countercurrent mechanism الذي يعني تبادل بعض المتغيرات الفيزيائية والكيميائية للسائل الذي يجري بشكل متعاكس في وعاءين يمتدان بجوار بعضهما البعض -من دون اختلاط سوائلهما بشكل مباشر- اعتماداً على آليات الانتشار diffusion والنفاذية عبر الأغشية الخلوية، ومنها تلك التي تساهم في تنظيم حرارة أجسام بعض الحيوانات، وكذلك تنظيم عمل الأنابيب البولية (الكُليونات - النِّفرونات) nephrons في الكلية.

دور آليات التيار المتعاكس في الحفاظ على الحرارة الداخلية للجسم

يمكن لعدد من الحيوانات كالثدييات البحرية وتلك التي تعيش في المناطق القطبية والمرتفعات العالية أن تتأقلم مع بيئاتها الباردة في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحفاظ على ثبات درجة حرارة البيئة الداخلية لأحشائها بأقل فقد من طاقة الاستقلاب المسخرة لهذه الغاية. فالبطاريق penguins التي تعيش في المناطق القطبية شديدة البرودة تبلغ درجة الحرارة الداخلية لأجسامها بحدود 38-40ºس، وهي تمتلك عدة آليات مورفولوجية (شكلية) للحد من فقد الجسم للحرارة بالبخر evaporation والإشعاع radiation والحَمْل convection والتوصيل conduction (الشكل 1)، يُذكَر منها وجود طبقة دهنية سميكة عازلة تحت الجلد ووجود طبقة كثيفة من الريش لا تسمح بمرور الهواء عبرها وصِغَر سطح الجسم مقارنة مع حجمه ووجود تحورات في الأوعية الدموية للأطراف.

الشكل (1) آليات فقدان جسم البطريق للحرارة. 

فيما يتعلق بالميزة الأخيرة يلاحظ أن درجة حرارة أطراف البطاريق تكون أقل من درجة الحرارة المركزية للجسم، مثلها في ذلك مثل معظم الطيور والثدييات التي تعيش في المناطق الباردة. ويعود هذا التفاوت في درجة الحرارة بين المناطق المركزية لأجسامها والأطراف إلى قدرة هذه الحيوانات على الحد من فقدان الجسم للحرارة بالتماس مع الوسط المحيط عبر الطرفين السفليين وفق آلية التيار المتعاكس التي يمكن وصفها كما يلي: من المعروف أن الدم الشرياني المتجه من المركز إلى المحيط يكون حاراً، ويبرد في سوية القدمين نتيجة فقدانه الحرارة عبر الشعيرات الدموية للجلد بالتماس، وبعودته من المحيط إلى المركز فإنه يُبَرِّد الأعضاء الداخلية للجسم. وهذا الفعل يدفع الجمل المنظمة لتنبيه الأعضاء المُنْتِجَة للحرارة إلى إنتاج المزيد من الحرارة للتعويض عن الفاقد منها للحفاظ على ثبات حرارة لب الجسم.

وللحد من مصروف الطاقة المُنْتِج للحرارة تسعى هذه الحيوانات إلى خفض فَقْد حرارة الجسم بالتماس في سوية القدمين من خلال مرور شبكة الأوعية الدموية الشريانية الحاملة للدم الحار القادم من القلب موازيةً وملاصقةً تقريباً لشبكة الأوعية الدموية الوريدية الحاملة للدم البارد القادم من الطرفين السفليين (الشكل2)، ويسمح هذا الترتيب للأوعية الدموية بتبادل الطاقة الحرارية بين الدم الشرياني والدم الوريدي قبل أن يصل الدم الشرياني إلى نهاية الأطراف، إذ ثَبت تجريبياً أن درجة حرارة الدم الشرياني المتجه إلى القدمين تنخفض بالتدريج كلما اقترب الدم من القدمين. وبالمقابل تزداد درجة حرارة الدم الوريدي المتجه من القدمين إلى مركز الجسم بالتدريج كلما ابتعد الدم عن القدمين؛ مما يعني أن جزءاً من الطاقة الحرارية للدم الشرياني تنتقل بالتماس إلى الدم الوريدي، وتُسَخِّنه، وفي الوقت ذاته تزداد برودة الدم الشرياني كلما تقدم باتجاه القدمين، وهذا الفعل يُبقي حرارةَ القدمين أقل من حرارة اللب للح

الشكل (2) تخطيط يُظهِر دور آلية التبادل الحراري اعتماداً على مبدأ التيار المتعاكس في الحد من فقدان الجسم للحرارة بالتماس عبر القدمين لدى الطيور المتكيفة للعيش في البيئة الباردة.

د من ضياع حرارة الجسم عبرهما نتيجة قلة الفرق في درجة الحرارة بينهما وبين الوسط المحيط. وتسمح هذه الآلية الخاصة بتدوير الحرارة بين الدم الشرياني والدم الوريدي بالحد من فقدان الجسم للحرارة؛ في الوقت الذي يحافظ فيه الجسم على درجة حرارته المركزية.

ثمّة واقع مماثل عند الثدييات البحرية. فالدلفين مثلاً الذي يعيش في المياه الباردة (الشكل3- أ) يملك فرقاً في درجة الحرارة بين مركز جسمه والطرفين الأماميين بحدود 36-38ºس بفضل التبادل الحراري بين الدم الشرياني والدم الوريدي للأوعية الدموية المارة في سوية الطرفين الأماميين، حيث يمتد في كل طرف من الطرفين الأماميين للدلفين شريان يحمل الدم الحار القادم من القلب، تحيط به شبكة من الأوردة التي تحمل الدم البارد القادم من المحيط باتجاه المركز، تمر هذه الأوعية متوازية وملاصقة تقريباً بعضها بعضاً (الشكل 3- ب، د) مما يسمح بنقل جزء من الطاقة الحرارية من تيار الدم الشرياني بالتدريج إلى تيار الدم الوريدي اعتماداً على مبدأ التيار المتعاكس (الشكل3- ج)، فيبرد بذلك الدم الشرياني قبل أن يصل إلى الأطراف، ويسخن الدم الوريدي قبل أن يصل إلى المركز.

الشكل (3) تخطيط يوضح البنية التشريحية للأوعية الدموية المارة في سوية الطرفين الأماميين للدلفين، ودور التيار المتعاكس في الحد من ضياع حرارة الجسم عبرهما بالتماس.

لا تقتصر ظاهرة التبادل الحراري بين الدم الشرياني والدم الوريدي على ذوات الدم الحار، وإنما تُلفى عند بعض الأنواع من متبدلات الحرارة مثل سمك التونة وسمك القرش، حيث إن حرارة أجسامها تتبدل من 20-30ºس بين مركز الجسم ومحيطه، وهي تسعى إلى الحفاظ على درجة حرارة داخلية أعلى من درجة حرارة الماء بفضل فعالية العضلات الحمراء ونظام التبادل الحراري بين الدم الشرياني والدم الوريدي بآليات التيار المتعاكس (الشكل 4).

الشكل (4) تخطيط يظهر نمط توزع الشرايين والأوردة تحت الجلد التي يتم عبرها التبادل الحراري بين الدم الشرياني والدم الوريدي للحد من ضياع حرارة الجسم بالتماس لدى القرش. 

كما تساهم آلية التيار المتعاكس في تبريد الدماغ عند ذوات الدم الحار. من المعروف أنه إذا ارتفعت درجة حرارة الدماغ عند الإنسان إلى مستوى يزيد على 40-41ºس فإن ذلك يسبب خللاً في تفاعلات الاستقلاب لخلايا الدماغ يؤدي إلى اضطرابات بنيوية ووظيفية في الدماغ تظهر على هيئة تشوش ذهني وهذيان وهَلْوَسَة وغياب الوعي.

لقد أثبت العلماء من خلال العمل التجريبي على الثدييات والطيور أن هناك آليتين تعملان على تبريد الدماغ، هما:

1- آلية التبادل الحراري المتعاكس عند قاعدة الدماغ: تُعدّ هذه الآلية صفة مميزة للحافريات وبعض اللواحم والطيور. حيث يتفرع الشريان السباتي الخارجي external carotid artery عند قاعدة الدماغ إلى فروعٍ عديدة تشكل شبكة شريانية تتجه إلى الدماغ، تمر تلك الشبكة في جيب وريدي يقع بالقرب من قاعدة الدماغ يعرف بالجيب الكهفي sinus cavernosus الذي يَستقبل دماً وريدياً مُبَرَّداً عائداً من منطقة الأنف (الشكل 5). في سوية هذا الجيب يتم تبادل الحرارة بين الدم الشرياني المغذي للدماغ والدم الوريدي اعتماداً على مبدأ التيار المتعاكس، حيث يمنح الدمُ الشرياني جزءاً من طاقته الحرارية بالتماس إلى الدم الوريدي. وبهذه الآلية يغادر الدم الشرياني الحار منطقة الجيب الكهفي مُبَرَّداً ويعمل على خفض درجة حرارة الدماغ للتخفيف من فعل الحرارة في خلايا الدماغ المعروفة بنشاطها الاستقلابي المُنتِج للحرارة وحساسيتها العالية لارتفاع درجة الحرارة.

الشكل (5) تخطيط يوضح آلية تبريد الدماغ بين الدم الشرياني والدم الوريدي بآلية التيار المتعاكس لدى اللواحم. 

2- تبريد الدماغ المباشر بالدم الوريدي: تشاهد هذه الآلية عند الأرنب وخنزير الهند، حيث تتم تبادلات الحرارة على نحو مباشر بين خلايا الدماغ والدم الوريدي البارد العائد من الأغشية المخاطية إلى الجيوب الوريدية الحشوية المتوضعة عند قاعدة الدماغ. وفيما يتعلق بالإنسان فإن كلتا الآليتين المذكورتين أعلاه تساهمان في تبريد دماغه .

دور الآلية المتعاكسة الخاصة بالتحكم في طرح بول عالي التركيز:

من المعروف أن جهاز الإطراح الكلوي يساهم في تنظيم الضغط التناضحي لسوائل الجسم من خلال تحكمه بالمحتوى المائي- الملحي لِمُكَوِّنات السائل خارج الخلوي للجسم، كما يساهم في تنظيم باهاء (درجة حموضة) pH سوائل الجسم من خلال قدرته على التحكم بإفراز إيونات (شوارد) الهدروجين والبيكربونات؛ إضافة إلى دوره في تخليص الجسم من نواتج الاستقلاب السامة.

تقوم الكليتان بهاتين الوظيفتين انطلاقاً من علاقتهما الوثيقة مع جهاز الدوران الدموي. ولتقدير هذه العلاقة وأهميتها يكفي القول: إنه على الرغم من أن وزن الكليتين لا يتجاوز 0.5% من وزن الجسم لدى الإنسان إلا أنهما تتلقيان نحو 25% من الوارد من الدم الذي يضخه القلب يومياً لتصفيته وتخليص الجسم من المواد المُعَدّة للإطراح. وتنجز الكلية هذه الوظائف بوساطة نبيباتها البولية (النِّفرونات) البالغ عددها في كلية الإنسان بحدود 1.2 مليون نِفرون، حيث يتم في سوية جسم مالبيكي للنِّفرون، ارتشاح معظم مكونات الدم عدا الخلايا وبروتينات البلاسما. تمر هذه الرشاحة إلى محفظة بومان Bowman’s capsule (capsula glomeruli)، ومنها تتجه إلى الأنبوب المتعرج القريب فعروة هانله Henle,s loops المتعرج البعيد فالقناة الجامعة التي تصب البول المُعَدّ للإفراغ في حويضة الكلية (الشكل 6).

الشكل (6) تخطيط لبنية الكلية وبنية النِّفرون لدى الإنسان. 

وفي أثناء مرور الرشاحة البولية في أجزاء النُّبيبات البولية للكليتين تُسحَب منها بعض المواد، وتُعاد إلى الدم بحادثة إعادة الامتصاص reabsorption، في حين تُفرَز فيها مواد أخرى يجب التخلص منها. وتقدر كمية البلاسما الراشحة في كبيبات النِّفرونات للكليتين بحدود 180 لتراً يومياً لدى الإنسان، حيث تُمتص معظم مكونات هذه الرشاحة، وتعاد إلى الدم، ولا يبقى منها أكثر من 1- 2 لتر، وهي كمية البول التي يفرغها الجسم يومياً على دفعات.

تُعدّ عملية تكثيف البول في الكلية من العمليات الحيوية المعقدة، وتهدف إلى طرح كميات كبيرة من المُذابات الواجب التخلص منها مع أقل كمية من الماء. وهذا ما يحصل عند الإنسان والثدييات التي تعيش في بيئة صحراوية يقل فيها وجود الماء، حيث تمتلك الكلى آلية خاصة تجعل عملية تكثيف البول في سوية نِفرونات الكلية سهلة بفضل آلية التيار المتعاكس.

تعتمد هذه الآلية على البنية التشريحية الخاصة لعرا هانله والأوعية المستقيمة vasa recta الممتدة في لب الكلية؛ إذ تنغرس عرا هانله في كلية الإنسان إلى مسافة تعادل ثلث طول النِّفرون إلى خمسه داخل لب الكلية، وبعضها يغوص عميقاً حتى يصل إلى ذرى الحليمات التي تبرز في حويضة الكلية، ومن ثم تعود إلى القشرة. تسمى مجموعة النِّفرونات التي لها عرا هانله الطويلة بالنِّفرونات المجاورة للب juxtamedullary nephrons. تقع في جوار عرا هانله الطويلة عرا من الشعيرات الدموية المحيطة بالنُّبَيْبات tubules يطلق عليها اسم الأوعية المستقيمة التي تغوص أيضاً عميقاً في اللب آتية من القشرة، ومن ثم تعود (الشكل 7).

 
الشكل (7): أ- تخطيط لبنية النبيب البولي وشبكة الأوعية الدموية الملحقة به. ب – شبكة الأوعية المستقيمة التي تضمن تدوير تبادل بعض الذوائب عدة مرات بحسب آلية التيار المتعاكس. 

تعتمد الخطوة الأساسية لطرح بول مكثف على وجود ضغط تناضحي (إسموزي) مرتفع (فرط تناضحي hyperosmolality) في السائل الخلالي للب الكلية. فبدلاً من التناضحية السوية للسوائل التي تعادل 300 مل إسموز/لتر في معظم أجزاء الجسم بما فيها قشرة الكلية؛ فإن الضغط التناضحي للسائل الخلالي في لب الكلية يصل إلى قيمة أكبر، فهو يزداد بالتدريج كلما تم الاتجاه من القشرة إلى الحويضة، من 300 مل إسموز/لتر في القشرة حتى يصل إلى 1200 ملي إسموز/لتر بجوار ذرا الحويضة في اللب (الشكل 8).

 
الشكل (8) تخطيط يبين تدرج تركيز الضغط الإسموزي بين محيط الكلية ولبها مقدراً بالملي إسموز/ لتر. وكذلك تدرج تركيز الضغط الإسموزي للسائل المار في عروة هانله. 

تتمكن الكلية من الاحتفاظ بهذا التدرج للضغط التناضحي بين القشرة واللب من خلال تعزيز الضغط التناضحي اللبي الذي يعتمد - بحسب فرضية التيار المتعاكس countercurrent theory- على تبادل الماء والمُذابات بسهولة بين فرعي عروة هانله القريبين بعضهما من بعض من جهة؛ وبين فرعي الأوعية الدموية المستقيمة التي تحيط بعروة هانله من جهة أخرى. ومن أهم تلك المُذابات كلور الصوديوم الذي يعاد تدويره محلياً بآلية التيار المتعاكس مرات ومرات لتعزيز تدرج الضغط التناضحي الخلالي للكلية (الشكلان7 و8). ولن يتم هذا التدوير لكلور الصوديوم إذا لم تكن الشعيرات الدموية الموجودة داخل لب الكلية مرتبة بشكل يسمح للأطراف النازلة والصاعدة للأوعية المستقيمة المجاورة لعرا هانله بتبادل المواد بآليات التيار المتعاكس.

كما تساهم البولة urea التي يعاد امتصاص جزء منها في الجزء البعيد من القناة الجامعة الموازية للعروة، وتُعاد إلى السائل الخلالي من أجل زيادة تركيز المواد الذوابة في لُب الكلية وزيادة ضغطها التناضحي؛ الأمر الذي يستدعي تناضح الماء من القناة الجامعة؛ ومن ثمّ المساهمة في زيادة تركيز البول النهائي قبل أن يصب في حويضة الكلية.

من جهة أخرى ثمّة توافق تناضحي بين البول المار في أقسام النِّفرون (النكليون) وبين السائل الخلالي المحيط بأجزائه؛ مما يُوَلِّد وجود تدرج في تركيز السائل المار في النِّفرون بين منطقة قشرة الكلية ولُبّها. ويعود هذا التدرج إلى الميزات الخاصة التي تميز الخلايا الظِّهارية لعرا هانله والتي تحقق تدرجاً تناضحياً للبول المار بها على امتداد عروة هانله من خلال تحكمها بإعادة امتصاص الماء والمُذابات من البول وإعادتها إلى الدم على نحو إجباري بما يضمن الحفاظ على التوازن المائي الملحي لسوائل الجسم والتحكم بخسارة الجسم للماء. فعروة هانله نَفوذة للماء بقسمها الهابط ومعتدلة النفاذية للبولة والصوديوم والإيونات الأخرى. أما قسمها الصاعد فهو نفوذ للأملاح وغير نفوذ للماء والبولة. فعند انتقال الرشاحة في عروة هانله فإنها تعاني ارتفاعاً في التركيز الإسموزي في الجزء الهابط من هذه العروة نتيجة إعادة امتصاص الماء بالتدريج ليصبح تركيز المحلول بحدود 1200 مل إسموز/ لتر في أسفل العروة بدلاً من 300 مل إسموز في الأنبوب المتعرج القريب من النِفرون. أما القسم الصاعد من عروة هانله فهو غير نفوذ للماء والبولة، ولكنه نفوذ لشوارد الصوديوم والشوارد السالبة؛ مما يسمح بتوفير انخفاض في تركيز السائل المار فيه بالتدريج مع الاحتفاظ بتركيزٍ عالٍ في البولة، ويصبح المحلول متساوي التركيز أو منخفضه لدى وصوله إلى الأنبوب المتعرج البعيد من النِّفرون (الشكل 9).

 

الشكل (9) تخطيط يوضّح آلية تكوين البول عند الإنسان والتحورات التي تطرأ عليه في النِّفرون.

فالبول الأولي الذي تشكل في محفظة بومان، وانتقل إلى الأنبوب المتعرج القريب من النِّفرون يبقى متساوي التوتر isotonic مقارنة مع النسج المحيطة في منطقة القشرة بسبب عودة امتصاص فعّال للصوديوم من البول في تلك المنطقة يرافقه عودة امتصاص تلقائية للماء.

ونظراً لكون الفرع الصاعد لعروة هانله نفوذاً لكلور الصوديوم دون الماء فإن المنطقة الخلالية المحيطة بالعروة تصبح أكثر تركيزاً بالمواد الذوابة؛ مما يسمح بسحب الماء بصورة تلقائية من القسم الهابط للعروة، ويزداد سَحب الماء كلما ازداد طول عروة هانله، وازداد التركيز الإسموزي للسائل الخلالي للب الكلية؛ مما يؤدي إلى ارتفاع تركيز كلور الصوديوم والذوائب الأخرى في السائل الموجود في القسم الهابط من العروة. علماً أن قسماً من كلور الصوديوم الخارج من الجزء الصاعد لعروة هانله يعاد امتصاصه موضعياً بآلية الانتشار، وينتقل إلى الدم في سوية الأطراف النازلة للأوعية المستقيمة وإلى الجزء الهابط من العروة ليساهم في زيادة تدرج تركيز البول من محيط الكلية نحو لبّها. أما عن آلية عبور الصوديوم من القسم الصاعد للعروة إلى السائل الخلالي فيتم بطريقة فعّالة، ويعقبه عبور لشوارد الكلور عبر الأغشية الخلوية بحسب التدرج الكهربائي الساكن. هذا ويتضاعف النقل الشاردي الفعّال في الذراع الصاعدة كلما سُحِب الماء من الذراع الهابطة بكمية أكبر.

تنتقل البولة وكلور الصوديوم بالتدريج من السائل الخلالي إلى الدم الجاري في الأطراف النازلة للأوعية المستقيمة؛ في حين ينتقل الماء من الدم إلى السائل الخلالي. يؤدي هذان الفعلان إلى ارتفاع شديد في التركيز الإسموزي للدم في الشعيرات الدموية قد يصل إلى 1200 مل إسموز/ل في ذرا الأوعية المستقيمة للب الكلية بالقرب من الحويضة. وعندما يجري الدم في الأطراف الصاعدة للأوعية المستقيمة؛ فإن قدرة الانتشار الشديدة لجميع الجزيئات عبر أغشية الشعيرات الدموية تسمح بانتقال كامل الكمية الفائضة من البولة وكلور الصوديوم من الدم إلى السائل الخلالي، في حين يعود الماء إلى الدم في الأطراف الصاعدة للأوعية المستقيمة. ولذلك عندما يغادر الدم لب الكلية إلى القشرة يكون تركيزه الإسموزي أكبر بقليل من التركيز الإسموزي للدم الذي يدخل في الأطراف النازلة للأوعية المستقيمة؛ مما يعني أن الدم الجاري عبر الأوعية المستقيمة لا يحمل إلا كمية قليلة جداً من المُذابات الموجودة في اللب الخلالي، ويُبعدها عن اللب، بينما تدور الكميات الكبيرة منها محلياً مرات ومرات عديدة بآليات التيار المتعاكس لتعزيز تدرج الضغط التناضحي في لب الكلية؛ الأمر الذي يسمح بقيام النِّفرونات بوظائفها الخاصة بتكثيف البول والتخلص من الزائد من الذوائب والمواد الضارة بالجسم والحفاظ على التوازن المائي الملحي لسوائل الجسم.

مراجع للاستزادة:

- محمد الخطيب ، أساسيات الفيزيولوجيا الحيوانية (وظائف التنظيم)، جامعة حلب 2010.

- محمد الخطيب، فيزيولوجيا التغذية في عالم الحيوان، جامعة حلب 2011.

- A.B. Cisneros, Body Temperature emperature Regulation, Nova Science Pub Inc 2009.

- C.D. Moyes, and P.M.Schulte, Principles of Animal Physiology. Benjamin Cummings, eds., San Francisco, 2006.

- P. Otis, Adaptations au froid chez les oisons, juvéniles et adultes et modèles de croissance chez la Grande Oie des neiges. Mémoire, Université Laval, Québec, 2002


التصنيف : علم الحياة (البيولوجيا)
النوع : علم الحياة (البيولوجيا)
المجلد: المجلد السادس
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 539
الكل : 31613540
اليوم : 48395