logo

logo

logo

logo

logo

اقتصاد الطاقة

اقتصاد طاقه

Energy economics - Economie d'énergie

اقتصاد الطاقة

  زياد أيوب عربش

 مصادر الطاقة

الطاقة والتنمية المستدامة

 

هو طيف علمي واسع يتضمن مواضيع تتعلق بالعرض والطلب على الطاقة في المجتمعات. ونظراً لتنوع القضايا والمنهجيات المطبَّقة التي تتشارك مع عدد من العلوم الأكاديمية؛ فإن اقتصاد الطاقة لا يمثل بحد ذاته علماً أكاديمياً محدّداً؛ لكنه يمثل أحد فروع الاقتصاد التطبيقي. فمن قائمة كبيرة من مواضيع الاقتصاد ثمة مواضيع أساسية ترتبط باقتصاد الطاقة هي: التحليل الاقتصادي الكلي، والتحليل الاقتصادي الجزئي، واقتصاد الموارد المالية والتنظيم الصناعي، واقتصاد البيئة، والإحصاء. ويُبنى أيضاً على نتائج علوم أخرى، مثل الجيولوجيا وهندسة الطاقة والعلوم السياسية وعلم الأحياء. وحديثاً أصبح اقتصاد الطاقة يشتمل على دراسة تغيّر المناخ، وتحليل المخاطر، وأمن العرض والطلب، والاستدامة، وأسواق الطاقة وتحريرها وتنظيمها، والنمو الاقتصادي، واقتصاد البنية التحتية، والبيئة، ومشتقات الطاقة ومصادرها، وتوقعات الطلب عليها، ومرونة العرض والطلب على الطاقة.

مصادر الطاقة

يمكن التمييز منهجياً بين ثلاثة أنواع من مصادر الطاقة، هي:

1 - المشتقات الهدروكربونية الأحفورية التقليدية، وتشمل أنواع النفط المختلفة (النفط الثقيل جداً والحجر الزيتي والنفط الثقيل والنفط الخفيف والمكثفات)، والغاز، والفحم الحجري. وتتمايز من بقية مصادر الطاقة بأنها ناضبة؛ إذ يعتقد بعض العلماء أن العالم دخل في مرحلة الندرة النفطية أي بداية النضوب.

ومع نهاية القرن المنصرم، واستمرار ارتفاع الأسعار العالمية للوقود الأحفوري وتنامي مخاطره الاجتماعية والسياسية ومخاطر الطاقة النووية؛ برزت مكانة الطاقات المتجددة والجديدة والمستغلة اقتصادياً.

2 - الطاقات المتجددة، وتضم أساساً الطاقة الشمسية، والطاقة المائية (مثل النواعير، والطاقة الكهرمائية، وطاقة المدّ والجزر وطاقة الأمواج)، وطاقة الرياح، وطاقة باطن الأرض والأعماق الحارة (طاقة الحرارة الجوفية والآبار والينابيع الحارة). وتُستمد الطاقة المتجدّدة من الموارد الطبيعية التي تتجدد أو التي لا يمكن أن تنفد. وتختلف مصادر الطاقة المتجددة جوهرياً عن الوقود الأحفوري (النفط والفحم والغاز الطبيعي)؛ إذ إن مخلفاتها لا تحتوي على غازات وملوّثات أخرى كما في احتراق الوقود الأحفوري. وهي تنجم عن الرياح والمياه والشمس، وتُستخدم على نطاق واسع في البلدان المتقدمة، وفي عدد متزايد من البلدان النامية. ولكن استخدام مصادر الطاقة المتجددة لم يأخذ البعد الجوهري إلا في السنوات القليلة الماضية؛ بفعل التهديدات الرئيسية لتغير المناخ بسبب التلوث واستنفاد الوقود الأحفوري.

3 - الطاقات الجديدة، مثل الطاقة الكهرنووية، والطاقة الهدروجينية، وطاقة الكتلة الحيوية، والوقود الحيوي.

الطاقة والتنمية المستدامة

منذ نهاية القرن المنصرم يعيش العالم على وقع أزمات عالمية كثيرة. فمع استمرار أزمة المناخ climate change وانعكاسات الاحتباس الحراري على مختلف بقاع العالم تفاقمت في السنوات الأخيرة أزمة الغذاء، وبرزت من جديد الأزمة المالية منذ صيف عام 2008، ولتتحول إلى أزمة نظام الرأسمالية-المالية financial capitalism.

أظهر العقد المنصرم تناقضات غير مسبوقة ومفارقات صارخة مازال يشهدها عالم اليوم. فعلى الرغم من التسارع التقاني والثورة المعرفية وتلاحق الابتكارات التقانية وتطبيقاتها في القطاعات الإنتاجية والخدمية التقليدية والجديدة، والتي أصبحت السمة الأساسية لوصف اقتصاد اليوم بالاقتصاد الرقمي الذي يسمح بتحقيق إنتاج وافر وانفتاح مناطق جديدة على الاستثمار الدولي، وبروز أقطاب اقتصادية جديدة، والتي كان من المفروض أن تسهم في التخصيص الأمثل للموارد (الطبيعية والمالية)، وتوسّع رقعة النمو الاقتصادي العالمي (قطاعياً وجغرافياً)، وجعل محركاته تحقق استدامة النمو المرتفع؛ يشهد العالم على العكس من ذلك خللاً في توازنات النظام العالمي الكلي global macro system، وتزداد حدةً في مناطق عديدة من العالم؛ بالتوازي مع بروز جوهري لإشكالية استنزاف الموارد الطبيعية (ومن ضمنها الطاقة) وسوء توزيع الثروة بين الدول وفي داخلها، ومع تزايد تأثير الاحتباس الحراري في مختلف مناطق العالم، حيث بلغ عدد الجائعين في العالم مليار نسمة. وكأنّ النظام الرأسمالي العالمي بصِيَغهِ المختلفة لا يمكنه اعتماد شروط التنمية المستدامة مادام يتمتع بالقدرة على امتصاص الأزمات المتتالية التي تفرزها طبيعة دوراته الإنتاجية. ومع ذلك؛ فإن أزمة الطاقة الحالية وارتباطها بأزمة المناخ والغذاء تُبرِز بوضوح إشكالية مسار التنمية المستدامة؛ إذ إن استهلاك المزيد من الطاقات الأحفورية يعني ازدياد التأثيرات السلبية لأزمة المناخ وارتفاع أسعار النفط والغاز واللجوء إلى زرع مساحات شاسعة من المنتجات الزراعية لاستخلاص الطاقة على حساب تحقيق المصدر الأساسي للغذاء لشعوب عديدة في العالم. إن هذه الإشكالية تصبح أكثر إلحاحاً في السنوات القادمة، وتفرض حتمية الانتقال إلى حضارة قد تكون منفصلة عما يعيش فيه العالم لغاية الآن؛ ولاسيما أن الدول الصناعية استنزفت من موارد العالم الناضبة - منذ نهاية الحرب العالمية لغاية الآن - ما استهلكته البشرية منذ مئات السنين. وكأن الأزمة هي دعوة قسرية لإطلاق «إعلان نادي روما جديد»؛ نسبةً إلى تقرير نادي روما الشهير «حدود النمو» -1972- الذي أطلق في حينه صرخة ودعوة إلى وقف الاستنزاف المتنامي لموارد الطاقة الناضبة؛ وطرح إشكالية استمرار النمو الاقتصادي في ظل عدم كفاية الموارد الطبيعية.

 مفهوم الذروة النفطية  oil peak

يعبِّر عن العلاقة بين كميات النفط (والغاز) المستهلكة مقارنة بالاحتياطي القابل للإنتاج والتي تأخذ شكل منحنٍ أشبه بالجرس (أو القبعة)، يمثل طرفه الأول بداية اكتشاف النفط ويمثل طرفه الثاني انتهاء حقبة النفط، وكل نقطة من هذا المنحني تُبرز العلاقة بين الكميات المكتشفة سنوياً مقارنة بالاستهلاك (الاحتياطي مقسوماً على الإنتاج)، وتمثل ذروته تعادل ما يُكتشف سنوياً مع ما يُستهلك سنوياً. ويتمثل مفهوم ذروة النفط بنظرية أن العالم وصل منذ بداية العقد الحالي إلى الحد الذي تعادل فيه الاكتشافات النفطية الجديدة السنوية استهلاك العالم من النفط. ولذا؛ فإن تزايد الاستهلاك لا يُعوّض. أي إن المنحني بدأ بالانحدار بعدما كانت الاكتشافات النفطية تفوق ما كان يُستهلك. يدافع المؤيدون عن هذه النظرية بأن العالم بدأ في مرحلة الندرة النفطية، وقد يتلاشى النفط في غضون 50-60 عاماً. ولكن معارضي هذه النظرية يدافعون عن أن هذه الذروة لم تبلغ حدّها بعد، لا بل يمكن تأخيرها لسنوات أو عقود عديدة فيما لو ارتفعت أسعار النفط التي تسهم في تحقيق المزيد من الاكتشافات النفطية والغازية، وفي عقلنة الاستهلاك بفعل تطوير كفاءة الأجهزة المستهلكة للطاقة ورفعها، وفي تشجيع مصادر بديلة للطاقة الأحفورية؛ وتحديداً النفطية والغازية.

مفهوم شدة الكثافة الطاقية energy intensity

تُعرّف أهمية العلاقة بين الناتج المحلي ومعدل استهلاك الطاقة بقياس الكثافة الطاقية؛ أي عدد وحدات الطاقة اللازمة لإنتاج وحدة واحدة من الناتج المحلي. ويشير تغيّر النسبة إلى تغيّر في الكثافة الطاقية التي تتبع مستوى تطور البلد.

وتُعدّ الدول النامية في مرحلة نمو مرتفعة في استهلاك الطاقة لكونها في مراحل التطور الصناعي والخدمي المستهلكة بكثافة للمشتقات. ولم تبلغ الكثافة الطاقية الحد الأمثل؛ إذ إن معدلات نمو استهلاك المشتقات هي عادةً أعلى من معدلات النمو الاقتصادي؛ لا سيما وأن تقانة الإنتاج في المنشآت ووسائط النقل والتجهيزات مازالت تحتاج إلى ترشيد اقتصادي عميق. ويعني نمو الناتج بمعدلات مرتفعة ارتفاعاً في معدلات استهلاك الطاقة؛ لكونها مدخلاً مهماً من مدخلات الإنتاج. وهذا بدوره يقود النمو الاقتصادي المرتفع إلى زيادة استهلاك الطاقة نتيجة ارتفاع الدخل الفردي. ولكن - مع ذلك - يخفِّض النمو الاقتصادي المرتفع من مكان آخر استهلاك الطاقة، حيث إن تغيير التجهيزات القديمة المستخدمة في الإنتاج الصناعي والخدمي والاستهلاك المنزلي يؤدي إلى حاجة نسبية أقل من الطاقة وتخفيض نسب الفاقد والاستهلاك الذاتي. يؤدي أيضاً تخفيض نسب الفاقد والاستهلاك الذاتي للمصافي والمراجل والمحركات الصناعية إلى انخفاض نسبي في معدل استهلاك الطاقة.

مفهوم الأمن الطاقي

يُعدّ الأمن الطاقي في أي بلد من أهم أركان الأمن الوطني/القومي national security، والأمن المجتمعي والإنساني security human and societal، لا بل يتصدر الأولوية في جميع دول العالم وخاصةً في تلك التي لا تتمتع بموارد الطاقة وبالموارد المالية الكافية لتوفير الطلب الداخلي؛ وعليها في الوقت نفسه تحقيق مكوّنات الأمن الوطني الأخرى، مثل الأمن المائي، والأمن الغذائي، والأمن الصحي والسلامة، والأمن البيئي، والأمن التقاني، والأمن الاجتماعي، والأمن الثقافي، والأمن العسكري.

ويُعدّ ذلك من المفاهيم الحديثة نسبياً مقارنة بمفهوم الأمن الغذائي  الذي تبلور مع استقلال الدول النامية والذي توسع حديثاً مع ثورة «التقانة الحيوية» ليشمل السلامة الغذائية. لقد تطور مفهوم أمن الطاقة بحسب المرحلة الزمنية المعنية. فبعدما كان مقتصراً على النفط في أثناء تحكم الشركات الدولية بسعره وبجغرافية إمداده؛ توسع هذا المصطلح ليشمل الطاقة الذرية مع تطور الوعي بآثارها. وكان يجب انتظار إعلان نادي روما الشهير (1972) ليأخذ المفهوم مداه التنموي؛ مع بروز إشكالية نضوب مصادر النفط الناجمة عن استهلاكها اللاعقلاني من قبل الدول الصناعية خلال مدة «سنوات المجد» (1945 - 1974) والذي لا يتوافق مع الإمكانية المحدودة لتجديد الاحتياطيات المطلوبة لنمو الاقتصاد العالمي.

 لكن بدأ هذا المفهوم يأخذ منحى جيوسياسياً مع بداية  تأميم الدول المنتجة لقطاع النفط (نهاية الخمسينيات من القرن العشرين)، وأصبحت الدول الصناعية تركز على توفير إمدادات الطاقة الكمية وممرات عبورها الجغرافية، وخاصة في أثناء حرب الخليج الأولى والثانية (1988-1980، 1991).

 أما في الدول النامية والفقيرة، فقد ارتبط هذا المفهوم بالأمن الاقتصادي وانكشاف الميزان التجاري الناجم عن ضرورة استيراد كميات متزايدة من الخام ومشتقاته وبأسعار لا يمكن معها تسديد فاتورة النفط أو على الأقل تحمل اقتصادياتها لتذبذب الأسعار. أيضاً وخلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم اكتسب المفهوم مظهراً تقانياً وبيئياً مع انتشار الطاقة النووية ومخاطرها (تشرنوبل 1986)، ومفهوم التنمية المستدامة، إذ برزت هذه الإشكالية بعد قمتي الأرض (ريوديجانيرو 1992، جوهانسبورغ 2002)، التي جرى بينهما التوقيع على بروتوكول كيوتو (1997) الذي يرمي إلى الحد من الانبعاثات الغازية وحماية البيئة العالمية، لكن الجوانب الكلية للمفهوم لم تتبلور إلا مع تزامن تنامي عدم الاستقرار العالمي، وبروز دول مستهلكة للطاقة كالصين والهند، وارتفاع سعر النفط، وتزايد أثر الاحتباس الحراري الذي جعل استخدام المفهوم «عائماً» بحسب الدول. فبالنسبة إلى الولايات المتحدة، التي لم تصادق مع أستراليا على بروتوكول كيوتو، يُقصد بالأمن الطاقي إنتاج الطاقة داخلياً وتقليل الاعتماد على المصادر الخارجية. وبالنسبة إلى الصين، يعني توفير الإمدادات الضرورية من الطاقة لمتابعة النمو الاقتصادي والمشاركة في إنتاج النفط والغاز في الدول التي تفتح مناطق عديدة للاستكشاف (ومنها الدول الإفريقية). وبالنسبة إلى روسيا، يعني تقييد استثمارات الشركات الأجنبية في حقولها النفطية والغازية. وبالنسبة إلى اليابان، يتمثل بتنويع مصادر الطاقة وإمداداتها الجغرافية وتنويع التجارة والاستثمارات. وبالنسبة إلى الدول النامية المستوردة للنفط يعني السيطرة على عجز الميزان التجاري. وبالنسبة إلى منظمات البيئة، يعني الاعتماد على الطاقات الجديدة والمتجددة النظيفة والأقل تلويثاً للبيئة.

مراجع للاستزادة:

- زياد أيوب عربش، قطاع الطاقة في عالم متغير: مواءمة العرض والطلب، مركز الدراسات السورية، جامعة سانت أندرو، سانت أندرو، اسكوتلندا 2008.

- D. Klosters, Outcomes from the World Economic Forum Annual Meeting, Switzerland, 2009.

- J. V. Mitchel, Energy Supply Security: Changes in Concepts, texte of Presentation to the “Séminaire européen sur la sécurité d’approvisionnement énergétique”,  Ministry of  Economy, Finance and Industry,  Paris, 2000.


التصنيف :
المجلد: المجلد الثاني
رقم الصفحة ضمن المجلد : 0
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 591
الكل : 31778107
اليوم : 53568