راس البسيط (موقع-)
راس بسيط (موقع)
Ras al-Basit (Site-) - Ras al-Basit (Emplacement-)
¢ رأس البسيط
مسعود بدوي
يقع رأس البسيط على بعد خمسين كيلومتراً شمال مدينة اللاذقية على الشاطئ الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، عند الخليج الكبير. ويشرف عليه من جهة الشَّمال جبل الأقرع، وهو أعلى جبل في المنطقة، المعروف في النصوص الكلاسيكية باسم جبل كاسيوس Kassios، وفي النصوص الأوغاريتية باسم صفون- Ṣpn.
![]() |
يُعدّ هذا الموقع استثنائياً في تاريخ العلاقات بين اليونان وشرق المتوسط خلال عصر الحديد، وقد جاء ذكره عند بعض المؤلفين اليونانيين- ومنهم هيرودوت - تحت اسم بوسيدون.
بدأ العمل في الموقع منذ عام 1971 من قبل بعثة أثرية فرنسية بإدارة بول كوربانPaul Courbin حتى عام 1984، وتوقفت الأعمال حتى عام 2000، وتابع العملَ بعثةٌ أثرية كندية بإدارة جاك بيرولت Jacques -Yves Perreaultتحت الإشراف الميداني لنيكولا بودري–Nicolas Beaudry، واستمرت الأعمال حتى عام 2009. كشفت هذه الأعمال عن العديد من المنشآت والوحدات المعمارية التي بواسطتها عُرِفت طبيعة التطور الحضاري والاقتصادي للموقع.
![]() |
صورة للخليج الكبير يظهر فيها جبل الأقرع |
وقد عرف الموقع العديد من فترات الاستيطان المستمرة، تمتد من عصر البرونز المتأخر حتى العصر البيزنطي، إضافة إلى بعض الفترات الإسلامية.
بينت الحفريات الأثرية أن أقدم استيطان فيه يعود إلى بداية عصر البرونز المتأخر نحو ١٦٠٠ قبل الميلاد، فخلال هذا العصر خضعت المنطقة الساحلية في شمالي سورية لحكم الحثيين الذين تلقوا ضغطاً كبيراً من المملكة الميتانية، هذه الأحداث سمحت بتأسيس مدن جديدة على الساحل السوري كان من بينها مدينة في هذا الموقع.
من العناصر المعمارية التي تعود إلى هذه الفترة مبنيان مهمان، لأحدهما جدران عريضة ١.٢٠م، وهناك جدار ضخم يطوق الميناء؛ إضافة إلى بعض الجدران المتفرقة.
في أواخر عصر البرونز المتأخر الثاني تطور الموقع تطوراً كبيراً في الوقت الذي كانت فيه مملكة أوغاريت[ر] تتوسع، فأصبح الموقع مرصداً ونقطة أمامية على الحدود الشمالية للمملكة؛ وذلك من أجل مراقبة مسالك الجبل ومراقبة الجيران الحثيين خاصة.
وشهد الموقع خلال هذا العصر علاقات تجارية واسعة ومهمة مع مواقع الساحل السوري-الفلسطيني وبعض دول حوض البحر المتوسط، مثل: قبرص وبعض جزر بحر إيجة خاصة من ميسينيا؛ إضافة إلى العلاقات مع المناطق الداخلية التي وصلت حتى سوزا.
إن وقوع البسيط ضمن مملكة أوغاريت وعلى حدودها الشمالية أسهم في نموه وتطوره، وربما تأثر بنهاية مملكة أوغاريت على أيدي شعوب البحر.
بعد هجوم شعوب البحر - وعلى غرار ما حصل في موقع ابن هاني- لم ينقطع الاستيطان انقطاعاً كاملاً في موقع البسيط مثلما حدث في أوغاريت، فقد كُشفت وحدات معمارية تعود إلى عصر الحديد الأول والثاني والثالث تقع مباشرة فوق جدران عصر البرونز المتأخر.
وقد تألفت الوحدات من بعض الأبنية السكنية المجهزة بالمرفقات الخدمية، مثل: الآبار والمواقد والتنور والحواصل (مستودعات الحبوب)؛ إضافة إلى المقبرة الواقعة في الجهة الشمالية الشرقية من الأكروبول (منطقة الميدان) التي عثر فيها على العديد من اللقى الأثرية، مثل: الأسلحة والحلي والأواني الفخارية التي كان بعضها مستورداً من قبرص. ويبدو أن الموقع كان خلال هذا العصر خاضعاً لمملكة حماة.
تميز فخار الموقع خلال عصر الحديد الأول (القرنين الحادي عشر والعاشر ق.م) بأنه شبيه بفخار موقع ابن هاني، وهناك بعض الفخار المطلي باللون الأحمر (Red slip)؛ إضافة إلى الفخار القبرصي من النمط المعروف المُبيّض البدائي (Proto-white painted).
وهناك جرار إغريقية تعود إلى النصف الثاني للقرن العاشر ق.م. يبدو أنها كانت تستثمر في نقل الزيت وتجارته، ويُعدّ هذا النمط من الجرار من أقدم المستوردات اليونانية في منطقة شرق المتوسط، وقد استمر استيراد المنتجات الإغريقية خلال القرن التاسع قبل الميلاد. وفي القرن الثامن ومطلع القرن السابع قبل الميلاد كان أغلب الفخار المكتشف في البسيط من إنتاج محلي أو مستورد من قبرص.
ألف الإغريق رواية حول أصل المدينة وتسميتها، فقالوا: إنها تأسست بعد حرب طروادة، فيذكر هيرودوت: «إن رجلاً من مدينة أرغوس يدعى العراف أنغيلوكوس ابن العراف أنغياراوس كان قد بنى مدينة تدعى بوسيدون»، وهو الاسم الذي عرف به موقع البسيط، ولكن يمكن القول: إن ما يعدّه الإغريق تأسيساً لها كان في الواقع إعادة تأسيس.
ومع كثافة المستوردات من جميع مناطق اليونان الشرقية؛ لم يعثر في مدافن القرنين الثامن والسابع ق.م الواقعة في منطقة الميدان على أوانٍ يونانية، وكانت جميعها محلية أو فينيقية أو قبرصية، ولكن لم يُتأكَّد من وجود المستوطنين الإغريق في الموقع إلا في بداية القرن السادس قبل الميلاد، وذلك بالاستناد إلى الكتابات التي عثر عليها والتي تشير إلى أنهم أتوا من مناطق آسيا الصغرى.
وفي الربع الثاني من القرن السادس قبل الميلاد كانت الأواني الإغريقية ولاسيما الأتيكية هي غالبية المكتشفات الفخارية باستثناء المحلية أو القبرصية.
شهد الموقع خلال القرن الخامس ق.م فترة من الركود، ثم عاود في القرن الرابع ق.م نشاطه الاقتصادي، كما ظهر الفخار الأثيني ولاسيما المطلي باللون الأسود بكميات كبيرة.
في بداية العصور الكلاسيكية حدث تغير كبير في الموقع، وذلك بعد دخول الإسكندر الكبير الساحل السوري الذي جرى بعد معركة إسوس سنة ٣٣٣ ق.م، فقد هجر التل، واستُوطِن على الساحل، وحُصّن الأكروبول بسور، وأصبح الموقع يصدر العملة البرونزية الخاصة به وعليها صورة الإسكندر الكبير، وهذا دليل على وجود دار لصك النقود.
![]() |
صورة عامة لحفريات التل الأثرية |
في عام ٣١٣ ق.م سيطر بطلميوس الأول على الموقع، وكذلك بطلميوس الثالث عام ٢٤٧ ق.م، وتحول الميناء والخليج الذي يشرف عليه إلى مرسى للأساطيل المتوجهة نحو سلوقية (سويدية)، ولكن هذه الأحداث لم تؤثر في النشاط الاقتصادي للموقع الذي استمر بدليل العثور على قبضة جرة محلية تحمل اسم بوسيدون.
وفي عام ٦٤ ق.م أصبح موقع رأس البسيط جزءاً من ولاية سورية الرومانية، وفي القرن الأول الميلادي عرف حركة من النشاط العمراني، وبعد دور من الاضمحلال النسبي دخل الموقع عصر نشاط وازدهار كبر خلال القرنين الثالث والرابع. فقد أحيطت المدينة والميناء بأسوار جديدة، ووُسِّع الرصيف، وشُيِّدت المنشآت المرفئية؛ إضافة إلى بناء عدد من البيوت على الأكروبول، ومن جديد استوطن الناس التل القديم الذي أصبح منطقة حرفية وتجارية تضم خزاناً كبيراً للماء وأفراناً ومستودعات، تصنع فيه الجرار الكبيرة والأحواض المختومة بأحرف يونانية والتي كانت تصدر إلى العديد من المواقع في حوض البحر المتوسط.
من أهم العناصر المعمارية التي تعود إلى هذا العصر كنيسة البازيليك الكبيرة Basilique التي تميزت بعناصرها المعمارية وبزخرفتها المتنوعة وتيجان أعمدتها اللوتسية، وقد بنيت خلال القرن السادس الميلادي.
![]() |
صورة لمدخل الكنيسة - البازيليك |
وفي هذا العصر استمر النشاط الاقتصادي والتجاري للموقع ولا سيما مع شمالي إفريقيا وقبرص، ودُمرت الكنيسة بزلزال أصاب المنطقة في القرن السابع الميلادي.
![]() |
أمفورة مستوردة من قبرص |
خلال العصر الإسلامي لم يُعرف الكثير من المعلومات عن تاريخ رأس البسيط، ولكن عثر فيه على مطمورة تحتوي على دراهم عباسية تعود إلى القرن الرابع الهجري/ القرن العاشر الميلادي، وفي القرن السابع الهجري/ القرن الثالث عشر الميلادي بُنيت كنيسة صغيرة فوق أنقاض الكنيسة البازيليكية.
وبعدها أصبح ميناء البسيط محطة على الخريطة البحرية للقرن الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين تحت أسماء، منها: بولسينوم وبومسان وبوسان، وهي تسميات مشوهة للاسم القديم بوسيدون الذي تحول إلى البسيط الحالي، وفي عام ١٢٥٥هـ/ ١٨٣٩م التجأ إليه إبراهيم باشا بأسطوله الكبير.
![]() |
كُسر من أحواض فخارية مختومة |
مراجع للاستزادة: - Paul Courbin, Bassit, Syria, tome LXIII, p. 175-220, 1986. - Nicolas Beaudry, Jacques Yves Perreault, Travaux Récents à la Basilique de Ras El Bassit, AAAS, Vol. XLV-XLVI, tome 2, (2002-2003). p. 381-391. - Michèle Vallerin, Pelves Estampillés de Bassit, Syria, tome LXXI,1994. p. 171-204. |
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :