رافانيه (معسكر)
- Raphanée

 ¢ رافانية

 رافانية (معسكر -)

هيثم حسن

لمحة تاريخية 

الوصف الأثري 

 

تقع أطلال مدينة رافانية (رفنية)Raphaneae على بعد نحو15 كم إلى الجنوب من مصياف، ونحو 35 كم إلى الشمال الغربي من حمص، ضمن السهل الممتد بين قرى بعرين وزور بعرين ونيصاف. يحدها من الغرب سلسلة الجبال الساحلية المرتفعة التي تصل إلى ارتفاع 1400م، ومن الشمال والشرق والجنوب منطقة هضاب جرداء (هضبة مصياف الجغرافية) التي تنتشر بين مصياف وسهل الغاب شمالاً ونهر العاصي شرقاً وسهل حمص جنوباً. هذا الموقع في غرب وسط سورية سمح للمدينة أن تصبح نقطة تقاطع طرق استراتيجية. فهي تقع في منتصف الطريق الممتد بين أنطاكية شمالاً وكل من دمشق جنوباً وطرابلس على ساحل المتوسط، عبر أفامية. وبين حماة شرقاً وطرابلس عبر بلدة عرقة. وبحسب خريطة بوتينغر التي ترسم شبكة الطرق في العصر الروماني ثمة طريق يمتد من رافانية إلى حصن سليمان (بيت كيكة) باتجاه أرواد/أرادوس/ على الساحل السوري غرباً، وهناك طريق يتجه من رافانية إلى حمص ثم تدمر. ذكرها أبو الفداء في «تقويم البلدان» تحت اسم بارين، وقال عنها: «إنها من أعمال حماه وهي بلدة صغيرة ذات قلعة قد دثرت، ولها أعين وبساتين، وهي على مرحلة من حماة إلى الغرب مع ميلة إلى الجنوب، وبها آثار عمارة قديمة تسمى الرافانية لها ذكر شهير في كتب التاريخ، وحصن بارين هو حصن أحدثه الفرنج في سنة بضع وثمانين وأربع ماية، ثم ملكه المسلمون، ثم بقي مدة، ثم أخربوه».


خريطة سورية في العصر الروماني يتوضح عليها موقع مدينة رافانية ضمن شبكة المواصلات بين المدن الرئيسية

 

 
منظر عام لمدينة رافانية 

 

لمحة تاريخية:

من أولى الإشارات التي وردت عن رافانية في التاريخ القديم ما ذكره يوسيفوس في تاريخه من أن الامبراطور تيتوس إثر استيلائه على القدس - سنة ٧٠ للميلاد - قد أمر بترحيل الفيلق العسكري الثاني عشر فولميناتا Legio XII Fulminata - الذي كان مقره الرئيسي في رافانية- إلى ملطية Melitene بجوار الفرات. كما ورد ذكر رافانية أيضا لدى بطلميوس في جغرافيته؛ من منتصف القرن الثاني الميلادي، والذي ذكر أنها في مقاطعة Casiotis، وأرفق اسمها مع اسم الفيلق الثالث غاليكا Legio III Gallica. الذي سيكون له الدور الأساسي في نشوء مدينة رافانية منذ بداية استقراره في الموقع نحو سنة ٧٠ م، وسيستمر فيها حتى ٢٣٠م. يشير الباحث رينيه دوسو في بحث نُشر سنة ١٨٩٧م - واعتماداً على نقش كتابي غير مؤرخ، عُثر عليه في الموقع- إلى وجود فيلق آخر، هو الفيلق السادس فيراتا Legio VI Ferrata المعروف بوجوده في سورية في مطلع القرن الأول الميلادي في رافانية خلال فترة حكم أغسطس (٢٧ق.م-١٤م)، وعلى ذلك يمكن القول: إن هذا الفيلق السادس هو من ساهم في تأسيس رافانية. وتشير الدراسات الأثرية الحديثة التي جرت في الموقع بين ٢٠٠٥-٢٠١٠ - واعتماداً على اللقى الأثرية السطحية التي جرى التقاطها - إلى أن الاستيطان في الموقع قد ظهر فجأة خلال الفترة الممتدة من القرن الأول حتى الثالث الميلادي وقد تركز في وسطه (الخربة المركزية) حيث المعسكر – المقر الرئيسي للفيالق العسكرية- في مساحة مستطيلة تقترب أبعادها من ٤٠٠×٥٠٠ م بمساحة إجمالية ٢٠ هكتاراً. هذا النموذج في نشوء مدينة رافانية وتطورها يتشابه مع نموذج يطلق عليه: من قلعة إلى مدينة؛ أي إن القلعة - والتي هي مركز الفيلق العسكري - كانت الأساس الذي تطورت منه وحوله المدينة. إن وجود هذا الفيلق وانتشاره مثبتان أثرياً منذ منتصف القرن الميلادي الثاني. فقد عثر خلال أعمال المسح الأثري في الموقع في سنة ٢٠٠٥ على نقش كتابي تأسيسي لمبنى مؤرخ بسنة ١٦٧-١٦٩م، محرر باللاتينية يشير إلى هذا النشاط العمراني. استطاع الامبراطور سبتيموس سيفيروس١٩٣-٢١١م - واعتماداً على جنود الفيلق الثالث غاليكا- بسط نفوذه الكامل على مناطق شاسعة في المشرق، وفي ليلة الخامس عشر من أيار/مايو سنة ٢١٨م شهدت رافانية حدثاً مهماً في تاريخ الامبراطورية الرومانية عندما أعلن جنود الفيلق العسكري الثالث غاليكا تنصيب الشاب الصغير فاروس أفيتوس باسيانوس- بوصفه الابن المزعوم لكركلا من الأسرة السيفيرية- امبراطوراً على الدولة الرومانية، وعرف من حينها باسم هيليوغابالوس Héliogabalus. ولم يستطع هذا الامبراطور الشاب المحافظة على تعاطف جنود الفيلق الثالث، ففي عام ٢١٩م ثار القائد العسكري لهذا الفيلق عليه، وعلى الرغم من أن الامبراطور استطاع القضاء على هذا الثائر، فإنه حل الفيلق، وأرسل جنوده إلى قاعدة عسكرية في شماليّ إفريقيا. وعندما أصبح إسكندر سيفيروس امبراطوراً نُقِل مقر هذا الفيلق إلى مكان قريب من دمشق، وأصبحت مهمته حراسة الطريق بين تدمر ودمشق. إن نهاية وجود هذا الفيلق في رافانية تبدو غامضة نوعاً ما، لكن العثور على بعض النقود البرونزية التي سكت في رافانية في أثناء فترة حكم الامبراطور سيفيروس - والتي تحمل رموزاً- أشار بما لا يدع مجالاً للشك إلى أن هذا الفيلق كان قد نقل من رافانية خلال فترة حكم هذا الامبراطور؛ خلال عملية إعادة توزيع الفيالق العسكرية الرومانية التي جرت نحو سنة ٢٣١-٢٣٢م أو على أبعد تقدير نحو سنة ٢٣٥م. وتدل النقود المكتشفة العائدة إلى هذه الفترة- بداية القرن الثالث الميلادي- على أن رافانية قد ازدهرت، وأصبحت مركزاً مدينياً مهماً؛ بفضل رعاية الأباطرة من الأسرة السيفيرية- الحمصية، واستحوذت على أهمية تفوق أهمية الفيلق العسكري المتمركز فيها؛ فقد تطورت إلى درجة كبيرة سمحت لها بسك نقودها الخاصة، ومنها قطع نقود برونزية عثر عليها سابقاً في الموقع حملت بعض الرموز التي تشير إليها كشخص متوج بسور وثور؛ رمز الفيلق العسكري، والنسر رمز القوة والسلطة. نحو منتصف القرن الثالث تعرضت رافانية لهجوم الجيش الساساني بقيادة شابور الأول الذي قام بتدميرها، وقد ظهرت رافانية كآخر مدينة وصل إليها هذا الجيش خلال هجومه في وسط سورية، إذ ذاع صيت أحد مواطني رافانية أورانيوس أنطونينوس الذي دافع عن مدينته ضد هذا الجيش الساساني. في الفترة اللاحقة تبدو رافانية منتعشة، فقد ذكرت لدى معظم المؤرخين لكن من دون إيراد الكثير من التفاصيل، وفي المجمع المسكوني الرابع أو مجمع خلقيدونية الذي عقد في سنة ٤٥١م كان أسقف رافانية أحد المشاركين. وهذا الانتعاش أو النشاط يدل عليه كثرة المباني في المدينة التي استُدِلّ عليها من خلال المسح الجيوفيزيائي للمدينة، كما يدل عليه العثور على لقى أثرية من هذه الفترة: نقش كتابي جنائزي، يؤرخ بالقرن الخامس الميلادي، عثر عليه قديماً بأحد المدافن الواقعة بجوار نبع التنور، قام بنشره رينيه موترد، يشير إلى وجود طبقة من الأرستقراطيين. وفي مكان آخر يشير موترد إلى وجود ساكف حجري بجوار نبع التنور يحمل نقشاً باليونانية يشير إلى وجود مقر عسكري ومكان تمارس فيه طقوس دينية ترتبط بالقديس الشهيد سرجيوس، وربما يكون هذا النقش دليلاً على وجود قلعة وازدهار أبرشية دينية مسيحية تذكر بعض الاخبار وجودها وتبعيتها لأفامية. وخلال المسح الأثري في الموقع جرى التحقق من وجود العديد من أساسات الأبنية واللقى مثل سواكف نوافذ وعتبات وتيجان كورنثية تعود إلى هذه الفترة. هذه البقايا كانت تختلط أحياناً مع كسر زجاجية وفخارية تعود إلى القرون الوسطى تشير إلى أن إشغال وسط المدينة بقي مستمراً حتى القرن الثالث عشر الميلادي. ورد ذكر رافانية لدى المقدسي - القرن العاشر الميلادي- الذي وصفها بأنها إحدى البلدات التابعة لحمص. استولى عليها الامبراطور البيزنطي بازيل الثاني سنة ٣٨٥/٩٩٥ م في أثناء توجهه للاستيلاء على طرابلس. في القرن الحادي عشر الميلادي يذكر المؤرخ يحيى الأنطاكي في تاريخه أن رافانية كانت قاعدة مهمة لتزويد المعاقل الجبلية الإسلامية المنتشرة في جبل بهراء بالغلات، وفي سنة ١٠٣١م استطاع الجيش البيزنطي احتلال أبراج رافانية الستة، وملكها جميعها، ثم استولى على المدينة بالأمان، وقام بنقل سكان المدينة البالغ عددهم عشرة آلاف إلى أراضي الامبراطورية البيزنطية، وأخرب سائر الأبرجة إلى الأرض، وسار وقدامه المأسورون إلى بلد الروم.

 
صورة من القمر الصنعي توضح الوضع الطبوغرافي للمدينة في العصر الروماني

وخلال الحملة الصليبية الأولى - سنة ١٠٩٩م- وصلت جحافل الفرنجة بقيادة ريموند دو سان جيل إلى رافانية، فوجدوها ملأى بالمؤن وقد هجرها سكانها الذين تركوها قبل فترة وجيزة خوفاً من بطش الفرنجة. ونحو عام ١١٠٣م عاد الفرنجة المحاصرون لطرابلس، واستولوا على المدينة، وبنوا حصناً سموه حصن مونفراند Montferrand (وهو اسم مشتق من اللاتينية Mons Ferrandus، يُذكِّر باسم الفيلق السادس فيراتا). وقد تناوب في السيطرة على هذا الحصن المسلمون والفرنجة حتى تمكن عماد الدين الزنكي من استرجاعه عام ١١٣٧م.

فتح صلاح الدين الأيوبي رافانية- بعرين ومنحه كإقطاع لابن الزعفراني، ثم جعلها إقطاعاً يتبع حماة. بعد هذا التاريخ فقدت المدينة أهميتها على نحو كامل، وأصبح حصن بعرين- بارين منطقة مناوشات بين الفرنجة في قلعة الحصن والمرقب وبين مملكة حماة حتى سنة ١٢٣٨-١٢٣٩م عندما قام الملك المظفر ملك حماه بتدمير الحصن حتى الأساسات. وتشير الدلائل الأثرية السطحية إلى أن مدينة رافانية قد هجرت خلال هذه الفترة في حين بدأ النشاط العمراني والسكني يزدهر في الرَّبَض المجاور للحصن على السفح الجنوبي لجبل القلعة، وحديثاً وخلال العشرين سنة الأخيرة بدأت حركة نشطة لانتشار المباني الحديثة في جوانب سهل رافانية والتي بدأت تهدد بتخريب الموقع وإخفاء معالمه الأثرية إخفاء كاملاً.

 
تحصينات تعود إلى ما قبل العصر الروماني 

الوصف الأثري:

تنتشر المنطقة الأثرية اليوم على مساحة تتجاوز الـ ١٠٠ هكتار في حوضة رافانية، وتتوزع على منطقتين أثريتين يفصل بينهما نهر نيصاف؛ الأولى تقع في الجزء الشمالي الغربي من حوضة رافانية مساحتها نحو ١٦ هكتاراً (٤٤٠×٣٤٠م)، وفيها تل نبع التنور الأثري وأبعاده التقريبية نحو(١٩٠×١٥٠م) وارتفاعها نحو ١٠م، جُرِّف سطحها وجوانبها تجريفاً كبيراً، ولم يبقَ منها إلا أجزاء بسيطة تكسوها إشغالات حديثة، وبجواره تنتشر بقايا لمدافن ولمبانٍ أثرية قديمة مخربة تبدو بقاياها مثل أعمدة وتيجان وعناصر حجرية مزخرفة مكدسة في نقاط محددة في محيط الأراضي المجرفة، وقناة مياه محطمة وكذلك بقايا لمعبد مخرب اختفت معالمه كاملة يقع على السفح المقابل للتل الأثري من جهة الغرب، وهناك نبع التنور بجوار التل الأثري من جهة الشمال الشرقي. أما المنطقة الأثرية الثانية فهي تقع على مسافة ٢٥٠ م إلى الجنوب الشرقي من نهر نيصاف، تنتشر على مساحة تقارب ٦٠ هكتاراً (١٤٠٠×٧٥٠م، غير محددة بشكل منتظم). في وسط هذا السهل تتركز منطقة «الأطلال المركزية» التي تشكل نواة المدينة الأثرية القديمة لرافانية ومنشآتها المختلفة. ودلت نتائج المسوحات والدراسات الأثرية التي جرت في الموقع - والتي قامت بها البعثة الأثرية السورية الألمانية المشتركة خلال الأعوام ٢٠٠٥-٢٠١٠م- على أن النشاط والاستقرار البشري القديم في حوضة رافانية كانا قد بدأا في تل نبع التنور الأثري حيث تتوضع طبقات أثرية سابقة للعصر الروماني، وتنتشر معظم آثار معسكر الفيالق العسكرية ومدينة رافانية الأثرية - والتي تعود إلى الفترة بين القرن الأول الميلادي حتى القرن الثالث عشر الميلادي- في هذا السهل الممتد بين قريتي بعرين شرقاً ونيصاف غرباً. إلى الجنوب من منطقة «الأطلال المركزية» وفوق حافة الركن الصخري الجنوبي لحوضة رافانية، في موقع مشرف على كامل امتداد السهل، كُشِف عن بقايا منشأة تحصينية، مربعة الشكل طول ضلعها نحو ٢٢م، مبنية من الحجر الضخم الغشيم تعود إلى ما قبل العصر الروماني. وتشير الدلائل الأثرية الموجودة في حوضة رافانية - وعلى عكس ما كان يعتقد سابقاً- إلى وجود مدينة رافانية في العصر الهلنستي؛ فقد دلت نتائج المسوح الأثرية على أن هذه السوية الأثرية نادرة الوجود عدا عن كسرة فخارية واحدة تعود إلى نهاية القرن الثاني قبل الميلاد عُثر عليها على سطح تل نبع التنور الأثري، يضاف إليها بعض النقود التي تعود إلى الفترة نفسها كان قد عثر عليها في الموقع سابقاً ضمن دفين أثرى. إن ندرة الدلائل الأثرية الملتقطة، وكذلك قلة المصادر والنقوش التي تعود إلى هذه الفترة الهلنستية الممتدة بين القرون ٣-١ قبل الميلاد، يشيران- بما لا يدع مجالاً للشك- إلى أن بداية ظهور الاستيطان المديني في رافانية لم يبدأ إلا مع وجود الفيالق العسكرية الرومانية منذ مطلع القرن الأول الميلادي؛ في المنطقة التي تسمى اليوم بـ»الأطلال المركزية»، كما دلت على ذلك نتائج أعمال المسح الأثري الجيوفيزيائي الحديث. وفي وسط هذا السهل حيث يمر الطريق المعبد الواصل بين قرية بعرين ونيصاف، تتكدس تلال صغيرة من أنقاض الطبقات الأثرية القديمة الناجمة عن تسوية الأراضي وتجريفها. وفيها العديد من بقايا المباني، وقد كُشِف عن نقشين كتابيين مهمين؛ يعود أحدهما إلى فترة الامبراطورين ماركوس أوريليوس ولوسيوس فيروس وحاكم سورية يوليوس سيفيروس، ويؤرخ بسنة ١٦٧م.

 
نقش كتابي باللاتينية يذكر حاكم سورية في سنة ١٦٧م 

 

إن التوسع الكبير الذي حصل في المدينة القديمة لرافانية قد بدأ خارج حدود هذا المعسكر من جهة الشمال الشرقي حيث تبين هنا - من خلال اللقى الفخارية الكثيفة- أن الاستيطان قد استمر خلال فترة طويلة تمتد من القرن الأول إلى الثالث عشر الميلادي، وقد اتضح أن هذا التوسع خارج المعسكر قد نما بمحاذاة الطرقات التي شكلت شبكة المواصلات في داخل المدينة وخارجها، يُستدَل على أهم هذه الطرق؛ وهو ذلك القادم من أفامية والمتجه إلى طرابلس جنوباً، والذي يمر إلى الشرق من «الأطلال المركزية». ولقد اكتشف بمحاذاتها- في الجزء الجنوبي- نماذج أبنية يعتقد أنها محلات تجارية كبيرة. هناك طريق آخر من المرجح وجوده، كان يمر في «الأطلال المركزية»، محوره شمال- غرب/جنوب - شرق يتجه صوب تل نبع التنور الأثري، وامتداده باتجاه الجنوب الشرقي يتقاطع مع محور طريق أفامية طرابلس في منطقة يفترض أنها تضم موقع البوابة الشمالية لمعسكر الفيلق العسكري، كما تُحقِّق من وجود طريق آخر يمر إلى الجنوب من «الأطلال المركزية» إلى الجنوب من القلعة، يتجه من الشرق إلى الغرب، وبمحاذاته عدد من المباني الضخمة. دلت المسوحات الجيوفيزيائية على أن بقايا معسكر الفيالق العسكرية «القلعة وسورها» تتركز وسط السهل الفسيح في المنطقة التي دعيت «الأطلال المركزية»، وهي تتطاول من الشمال إلى الجنوب على امتداد لا يتجاوز ٣٠٠م، عُرِفَت حدوده الشمالية الواصلة إلى حدود مجرى نهر نيصاف، وإلى الشمال والشمال الغربي من «الأطلال المركزية» كُشِفت سلسلة من المباني السكنية المنتظمة الكبيرة تصل أبعاد الواحد منها إلى ما بين ٥٠-٧٠ م، وهي بلا شك تعود إلى أثرياء المدينة، وإلى جوارها من الجنوب كُشِف عن منشآت لحمامات. أما إلى الجنوب من المعسكر، وإلى الجنوب من الطريق المعبد، فقد كُشِفت سلسلة من البراكيات المخصّصة لسكن الجنود.

 
كسرة قطعة قرميد سطح تذكر اسم الفيلق العسكري الثالث غاليكا 

 

 في الجهة الجنوبية الشرقية للمعسكر يقع ينبوع «عين بينه» حيث حوض مائي ما زال يحافظ على شكله القديم، وإلى الجنوب من هذا الينبوع كان ثمة مقبرة قديمة فيها تابوت حجري وبناء صرح دفني مهم كان قد دُمِّر في سنة ٢٠١٠ خلال أعمال تجريف في المنطقة الأثرية، ومقبرة إسلامية ومزار ديني حديث العهد. إن غياب الدلائل الأثرية على البوابة الشمالية للمعسكر والتحصينات المجاورة مثل جدران الأسوار من الجهتين الجنوبية والغربية والخندق الذي من المفترض أن يكون محيطاً بهما قد يشير إلى أن تعديلاً جوهريَّاً قد جرى على مخطط المدينة بعد إخلاء المعسكر وانتقاله إلى خارج رافانية نحو سنة ٢٣٠م، وقد جرى حينها تفكيك المباني الضخمة للمعسكر بهدف إعادة استخدام حجارتها في أمكنة أخرى؛ وكذلك للاستفادة من المساحات الفارغة الناجمة عن تفكيك هذا المعسكر تنتشر في محيط الخربة المركزية العديد من المقالع الحجرية التي تتركز في السفوح الصخرية الواقعة في الجانب الجنوبي الشرقي، وتمتد إلى الجانب الشمالي الشرقي خاصة. وثمة الكثير من المقابر الجماعية والفردية المنقورة في الصخر في محيط الموقع، وتتركز بكثرة في محيط تل نبع التنور وعين بينه وسفح قلعة التين الواقع إلى الشمال من الطريق المتجه إلى حمص وفي قمة جبل النبي خايا وفي الجزء الشمالي الشرقي للخربة المركزية، وامتدت إلى السفح الشمالي لجبل قرية بعرين. إلى الشمال من الخربة المركزية وعلى قمة الهضبة المسماة بجبل النبي خايا، إلى الغرب من قلعة بعرين، كُشِف عن صهريج ماء ضخم يعود إلى الفترة البيزنطية، يُدخَل إليه من الجهة الشرقية عبر درج حجري أعيد إنشاؤه في فترة حديثة.

مراجع للاستزادة:

-T. Bianquis, Damas et la Syrie sous la domination Fatimide (359-468/969-1076), Tome 1-2, Damas, 1989, p. 256 ; 456 ; 484 ;566 ;602 ; 608.

- H. A. R. GIbb, The Damascus Chronicle of The Crusaders, extracted and translated from the Chronicle of Ibn AL-QALANISI, 1932, London, p.93.

-Markus Gschwind and Haytham Hasan, Raphaneae: Geophysical survey work conducted by the Syrian-German cooperation project in 2007, in Chronique Archéologique en Syrie, Direction Générale des Antiquités et des Musées, volume 3, Damas, p. 203, 2016.


- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق