رخلة (قرية-)
رخله (قريه)
- Rakhlé
¢ رخلة
محمود حمود
تقع رخلة Rakhlé على بعد 40 كم، إلى الجنوب الغربي من دمشق، قرب الحدود اللبنانية، على القسم الشمالي من جبل الحرمون، وسط منخفض تحيط به منحدرات صخرية، ترتفع القرية نحو 1500م، عن سطح البحر.
![]() |
عُرفت القرية خلال العصرين الروماني والبيزنطي باسم سيغيرا Segeira، وتنتشر آثارها بين البيوت وفي محيط البلدة، ومنها العديد من المدافن الجماعية والفردية، ومعاصر الزيتون والعنب، والآبار، والجدران والعناصر المعمارية القديمة المبعثرة، أو التي أعيد استخدام الكثير منها في البلدة الحديثة، علاوة على نحو عشرات النقوش الحجرية. إلا أن أهم الأبنية التي يسهل تحديدها المعبدان الواقعان في الجهتين الشمالية الشرقية، والغربية من القرية، واللذان وصفهما كل من الألمانيَّين كرينكرD. Krencker و تشيتشمان W.Zschietzschmann- في أثناء زيارة اطلاعية للبلدة- وذكراهما في كتابهما: «المعابد الرومانية في سورية، برلين 1938». كما ذكر وصفي زكريا البلدة في كتابه «الريف السوري»، وقام بوصف عدد من الأبنية الأثرية المنتشرة فيها. كذلك أجرت دائرة آثار ريف دمشق بعض التحريات الأثرية فيها بدءاً من سنة 2000م.
![]() | ![]() |
بلدة رخلة | بقايا أبنية أثرية في رخلة |
وعلى الرغم من تعرض البناء للتخريب بسبب الاستثمار الحديث للموقع؛ إلا أن الآثار المتبقية تدل على وجود معبد يعود تاريخه إلى العصر الروماني (النصف الثاني من القرن الأول ونهاية القرن الثالث للميلاد)، كان يشرف على إدارته سكان القرية، وهذا ما يظهر من مضمون بعض النقوش المكتوبة باللغتين الإغريقية واللاتينية، والتي بلغ عددها نحو ثلاثين نقشاً، أغلبها ذو طابع ديني.
وقد تحول المبنى خلال العصر البيزنطي إلى كنيسة بنيت وفق مخطط البازيليك المعروف خلال الفترة البيزنطية المبكرة، وعثر في المبنى على عدد من النقوش نُحت على أحدها الصليب، وذُكر تاريخه 418 م/730 سلوقي، ولم تتضمن النقوش أيَّ معلومات محددة عن البازيليك الذي كان بمنزلة كاتدرائية في القرن السادس.
ويعتقد أن المعبد كان مخصّصاً للإلهة ليقوثيا Leucothea الراعية لبلدة رخلة (وهي إلهة بحرية إغريقية (من الآلهة الصغرى)، تماثل الإلهة أترغاتيس Atargatis) ، وهذا ما يُظهره أحد النقوش المكتشفة على حجر أعيد استخدامه في بناء البازيليك. كما جاء ذكرها بعدة نصوص أخرى؛ ولكن من الممكن أيضاً أن يكون المعبد مخصصاً لإله سماوي ذي مكانة كبيرة في منطقة الحرمون، وقد يكون لهذه الإلهة (ليقوثيا) ارتباط به. وما يدفع إلى هذا الافتراض هو وجود صورة نسر باسط جناحيه على عتبة أحد الأبواب المكتشفة في بناء البازيليك، وهو يرمز عادة إلى السيادة الكونية للإله العظيم في منطقة الحرمون، ومنها بلدة رخلة، وربما كان هو الإله دورحلون Durahlun الذي كان يُعبد في تدمر أيضاً واقترن اسمه بالإله بعل شمين.
وتورد النقوش المكتشفة في هذا المبنى الكثير من أسماء الأشخاص والكهنة الذين تبرعوا وأشرفوا على أعمال بناء المعبد، أو إعادة بنائه، أو أجزاء منه.
![]() |
مسقط المعبد الشمالي الشرقي |
يقع على ربوة غربي البلدة، وهو البناء الأثري الأكثر حفظاً في رخلة، صغير الحجم، أبعاده نحو 19×10م، يتألف من حرم cella، في نهايته محراب نصف دائري، له مدخل يتجه شرقاً، وأمامه شرفة قائمة على عمودين، يتقدم الشرفة درج عريض. عثر في المبنى على نقشين كتابيَّين وحيدين، ورد فيهما أسماء عدد من الأشخاص الذين جاء ذكرهم في نقوش المعبد السابق، من دون أن ترد أي معلومة عن هوية الإله الذي خُصص له المعبد. ويتعلق أحد النصين بتشييد عمودين لدعم سقف البناء، تمَّ بناؤهما في أيلول 158م/470 سلوقي، وبتبرع من شخصين شقيقين هما بيريس Beeris وأيانيس Aianés، ابنا أنيناس Aninas بن سلاميوس Salamaios.
كما عثر في أنحاء مختلفة من بلدة رخلة على عدد آخر من النقوش الكتابية، وبعض اللقى؛ من ضمنها مسرجة من البرونز تحمل نقشاً كتابياً، يعود تاريخه إلى سنة 216م، وهي مكرسة للإلهة ليقوثيا.
![]() |
مسقط المعبد الغربي مع إعادة تخيل للوضع الذي كان عليه البناء |
وعثرت دائرة الآثار على عدد من القبور الفردية من ضمنها تابوت حجري؛ كما عثرت على عددٍ من المدافن الجماعية المنحوتة في الصخر الكلسي، لها تصميم متشابه؛ ولكنها تختلف من حيث عدد القبور فيها. وقد جرى تنقيب أحد هذه المدافن سنة 2000م، وهو يتألف من مدخل يؤدي إلى فناء تحيط به ثلاث حجرات معقودة، في كلٍّ منها خمسة قبور، عثر فيها على بعض اللقى من بينها مسارج فخارية، وحلي وأدوات معدنية، وقطع نقدية برونزية وفضية وذهبية، يحمل بعضها صور الامبراطور قسطنطين (112 - 337م).
![]() |
مسرجة برونزية عليها نقش من رخلة |
كما عثر على مدفن جماعي منحوت في الحجر الكلسي القاسي، اكتشف في شهر آذار 2016م، يُنزل إليه بمنحدر فيه بعض الدرجات، أبعاده نحو 5.10 × ٥.٦ × ٢م، ويتألف من بهو مربع الشكل وثلاث حجرات للدفن لها مداخل معقودة؛ اثنتان جانبيّتان والثالثة في الواجهة، في كلٍّ منها عدد من المعازب تعلوها أقواس وتحتها القبر. كما حفرت بعض القبور في أرضيات حجر للدفن، وبلغ عددها جميعاً ١٧ قبراً، طول كل منها نحو مترين وعمقها متر واحد. ونحتت على جدران بهو المدفن بعض المشاهد لأشكال بشرية وأكاليل وشمعدانات، نُفذت بطريقة النحت الغائر والنافر. لكن أهم ماتمَّ الكشف عنه هو المنحوتة التي وضعت في واجهة المدفن الخارجية فوق الباب، والتي يزيد ارتفاعها على مترين، وعرضها ١٢٥سم وعليها نحت نافر لشخص- بالحجم شبه الطبيعي- يمثل أحد الكهنة بلباسه الكهنوتي، ويظهر فيها معتمراً القلنسوة وممسكاً بيده اليمنى إبريقاً مليئاً بسائل مقّدس، وفي يده اليسرى باقة نباتية يستخدمها لرش المعبد والزوار بالسائل المقدّس. كما عثر على بعض اللقى في المدفن من بينها بعض قطع الحلي والنقود البرونزية، وعدد من المسارج الفخارية التي تحمل بعض الزخارف. وقد دلّت دراسة المكتشفات على أن تاريخ المدفن يعود إلى القرنين الثاني والثالث الميلاديّين. توسّعت رخلة أكثر خلال العصر البيزنطي، وأصبحت في القرن الخامس بمصاف المدن المهمة، ولاسيما خلال فترة حكم الامبراطور زينون(٤٧٤-٤٩١م)؛ إذ سميت برخلة – زينونوبوليس RAKHLA- Zenonopolis، تيمناً بهذا الامبراطور.
![]() | ![]() |
مدفن | مدخل لمدفن جماعي في رخلة |
مراجع للاستزادة: - إبراهيم عميري، المدافن والطقوس الجنائزية في العصور الكلاسيكية في ريف دمشق (المديرية العامة للآثار والمتاحف، دمشق ٢٠١٣م). - رينيه دوسو، المسالك والبلدان في بلاد الشام في العصور القديمة، ترجمة عصام الشحادات (المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، بيروت – دمشق 2013) -Julien Aliquot, inscriptions Grecques et Latines De La Syrie, Tome 11- Mont Hermon(Liban et Syrie), IFPO, Beyrouth, 2008. |
- التصنيف : آثار كلاسيكية - المجلد : المجلد الثامن مشاركة :