logo

logo

logo

logo

logo

برحوشا

برحوشا

Berossus - Berossus

برحوشا

 أهمية تاريخ بيروسوس لتاريخ بلاد الرافدين

 

برحوشا Berossos كاهن وفلكي ومؤرخ كلدي من بابل، عاش في أواخر القرن الرابع وبداية القرن الثالث قبل الميلاد في بابل حيث كان يعمل كاهناً أكبر في إزاجيلا Ezagella معبد الإله مردوك المشهور في بابل، في الزمن الذي كانت فيه بلاد الرافدين والمشرق العربي القديم بكامله تخضع للسيطرة المقدونية- الإغريقية (العصر الهلنستي).

ويبدو أن اسمه باللغة الأكادية هو«بيل- ريعو- شو bel-re’u-šu»: بيل (ولعله يعني مردوك إله بابل الرئيس) راعيه، وبالآرامية «برحوشا» ويعني «ابن القصر»، وقد تحول بالإغريقية إلى «بيروسوس» Berossos.

ولا يوجد إجماع بين الباحثين حول تاريخ ولادته، فهناك من يرى أنه ولد في بابل ما بين 330-323ق.م، على حين يرى فريقٌ آخر أن ولادته كانت في عام 340ق.م. أما مكان وفاته - التي كانت في العام 270 قبل الميلاد - فغير معروف. بحسب المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس (37/38-100م) والمهندس والكاتب الروماني ماركوس فيتروفيوس بوليو M.Vitruvius Pollio   ر(80/70 - 15ق.م)  الذي كتب «في العمارة» De Architectura . انتقل بيروسوس في أواخر أيامه إلى جزيرة كوس Kos القريبة من جزيرة رودوس Rhodes عند الساحل الغربي لآسيا الصغرى حيث أسس مرصداً ومدرسةً للفلك برعاية ملك مصر البطلمي، وقضى بعض الوقت في أثينا، وحظي باحترامٍ كبير، وأقيم له فيها تمثال من النحاس لشهرته وعلمه بوصفه فلكياً ومنجماً ومؤرخاً. كما يُعزى إليه اختراع المزولة نصف الدائرية.

وضع بيروسوس في وقتٍ ما بين 290- 278ق.م - بالاعتماد على كتابات ونصوص بابلية قديمة فُقِدَت- مؤلفاً عن بلاد بابل بعنوان «بابلونياكا» Babyloniaca، أي «بابليات» (تاريخ بابل). وبما أنه عاش في العصر السلوقي فقد أهدى عمله - الذي كتبه باللغة الإغريقية - إلى الملك السلوقي أنطيوخوس الأول Antiochus I  ر(280-261ق.م)، وكأن لسان حاله يقول مخاطباً الملك وحاشيته من المقدونيين والإغريق: هذا هو تاريخ بلادي المغرق في القدم، والممتلئ بالإنجازات الحضارية الرائعة. إن الأسباب التي جعلت بيروسوس يكتب عمله غير معروفة، ولكن يمكن أن يكون أنطيوخوس الأول كلَّفه ذلك لرغبته في تعرف تاريخ إحدى المقاطعات المهمة في امبراطوريته، أو لرغبة بيروسوس نفسه وكهنة معبد مردوك في الافتخار بتاريخ بلادهم العريق ومنجزاتهم الحضارية الرائعة أمام الإغريق والمقدونيين المحتلين لبلادهم. وقد قسَّمَ عمله إلى ثلاثة كُتب عالج فيها تاريخ بلاد بابل منذ بداية نشوء الكون حتى وفاة الإسكندر الكبير [ر] (323ق.م):

تزيينات شارع المواكب في بابل

الكتاب الأول: يخبر بيروسوس في هذا الكتاب من تاريخه عن بلاد بابل أنه عاش في عصر الإسكندر بن فيليب، ويذكر أنه كانت هناك وثائق مكتوبة محفوظة بعناية في بابل تشمل زمناً يفوق المئة والخمسين ألف سنة، وأن تلك الوثائق تحوي تواريخ السماء والبحر وخلق البشر والملوك والأفعال المشهورة التي حققوها. ويصف بلاد بابل أنها بلاد تقع بين نهري دجلة والفرات، وهي غنية بالقمح والشعير والسمسم، وفيها أشجار النخيل والتفاح وأنواع أخرى من الفواكه. ويتحدث بيروسوس عن أساطير بلاد بابل ولا سيَّما أسطورة نشوء الكون وظهور كائن حكيم من البحر له جسم وذيل سمكة ورأس إنسان تحت رأس السمكة، وأقدام سفلية تشبه تلك التي للإنسان، يدعى أوانيس Oannes، علَّمَ البشر مختلف أنواع العلوم والفنون كبناء المدن والمعابد، والقوانين ومبادئ المعارف الهندسية، والزراعة، وكل ما يتعلق بالحياة البشرية.

إن هذه التصورات عن بداية نشوء الكون والخليقة تشبه ما هو موجود في أسطورة خلق الكون البابلية «إنوما إليش» Enuma elish (عندما في العُلى) التي يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد.

الكتاب الثاني: يتحدث بشكلٍ مختصر عن تاريخ بلاد بابل منذ البدايات الأولى حتى منتصف القرن الثامن قبل الميلاد. واللافت للانتباه هنا هو قائمة الملوك العشرة الذين يجب أن يكونوا قد حكموا قبل «الطوفان الكبير» زمناً طويلاً يبلغ مئة وعشرين «ساري Sari»، أي أربعمئة واثنين وثلاثين ألفاً من السنين. ويتحدث عن الطوفان (بحسب التقاليد البابلية المأخوذة من مدينة أوروك)، ثم ينتقل إلى الحديث عن سلالات ما بعد الطوفان، وعن الحكماء والملوك حتى عهد نابو ناصر Nabu-nasir  ر(747-734ق.م). ويبدو أن بيروسوس اعتمد في حديثه عن الملوك قبل الطوفان على «قائمة الملوك السومرية» المعروفة من خلال النصوص المكتشفة التي توردها. أما روايته عن الطوفان (المحفوظة جيداً عند القسيس والإخباري البيزنطي سونكيلوس Syncellus من بداية القرن التاسع الميلادي) فتشبه إلى حدٍ كبير رواية ملحمة جِلجاميش المعروفة؛ إلا أن بطل أسطورة الطوفان هنا هو كسيسوثروس Xisouthros الذي هو على الأغلب الشكل الإغريقي لاسم زيوسودرا Ziusudra البطل الرئيس في الرواية السومرية عن الطوفان (الاسم بالأكادية أوتنابيشتيم Utnapishtim).

والمستغرب عدم وجود معلومات عن شروكين الأكادي المشهور، ولا عن حمورابي المشرع الكبير ملك بابل الذي يُذكر بالاسم فقط. لكن هناك إشارة إلى سميراميس (سمُّورامات) زوجة الملك الآشوري شمشي أدد الخامس (824-811ق.م) على أنها آشورية. ويبدو أن ذلك كان ردة فعل على الكُتَّاب الإغريق الذين حوَّلوا سميراميس إلى أسطورة، ووصفوها بأنها مؤسسة بابل وابنة الإلهة السورية ديركيتو Derketo، وأنها تزوجت نينوس Ninus المؤسس الأسطوري لنينوى في نظر الإغريق.

الكتاب الثالث: يتحدث عن تاريخ بابل من عهد نابو ناصر إلى سنة وفاة الإسكندر المقدوني، وقد استخدم فيه قوائم ملكية قديمة. وهناك قسم كبير من هذا الكتاب عن عصر نبوخذ نصَّر الثاني (604-562ق.م)، وعصر نابونيد (556-539ق.م) آخر ملوك بابل قبل الاحتلال الفارسي. وهنا تظهر لأول مرة محاولة بيروسوس تحليل الأحداث التاريخية، فهو يفسر نجاح و الملوك وإخفاقهم بسيرهم الأخلاقية، وهو يشبه في ذلك التواريخ البابلية الأخرى مثل «أخبار نابونيد».

أهمية تاريخ بيروسوس لتاريخ بلاد الرافدين:

إن ما بقي من كتابات بيروسوس عديم الفائدة فيما يخص إعادة تركيب التاريخ الرافدي. لكنه مهم للمؤرخين لاقترابه من الكتابة التاريخية، ولربطه بين طرق التأريخ الرافدية والإغريقية. إن التشابه بين بيروسوس وهزيود وهيرودوت ومانيتون والعهد القديم واضح، ويعطي فكرة كيف صوَّر القدماء عوالمهم، فكل تاريخ يبدأ بقصة رائعة عن خلق الكون يتبعها حديثٌ عن الأسلاف الأسطوريين، وأخيراً أخبارٌ عن الملوك المعاصرين الذين يظهرون تاريخيين من دون أن تكون هناك حدود فاصلة واضحة بينهم.

وكانت الأجزاء المعروفة من تاريخ بيروسوس قبل اكتشاف الوثائق المسمارية وفك رموزها مصدراً مهماً من مصادر التاريخ الرافدي، ولكن بعد اكتشاف آلاف النصوص المسمارية وقراءتها تراجعت أهمية كتابات بيروسوس، إلا أنها تبقى ذات أهمية لإتمام الصورة التي تقدمها المصادر الأولى.

ويدل على أهمية ما كتبه بيروسوس في العصور القديمة قيام العديد من المؤرخين والكتَّاب في العصور التي تلت عصره بنقل فقرات مطولة مما كتب، وبالتالي يعود إليهم الفضل في التعريف ببعض ما كتب بيروسوس، وذلك لأن تاريخ بيروسوس الأصلي مفقود، وهؤلاء المؤرخون والكتَّاب هم على التوالي:

1-أبودينوس Abydenus  ر(384-322ق.م).

2- أبولودوروس Apollodorus (القرن الثاني ق.م).

3- ألكسندر بوليستور Alexander Polyhistor (نحو 105-35ق.م).

4- يوبا الثاني Juba II الملك الموريتاني (50ق.م – 20م).

5- فلافيوس يوسيفوس Flavius Josephus  ر(37/38-100م).

6- أثينايوس Athenaeus (نحو 200م).

7- كليمنت الإسكندري (نحو 150-215م).

8- يوزيبيوس بامفيليوس Eusebius Pamphilius  ر(264-338م).

9- سونكيلوس  Syncellus (بداية القرن التاسع الميلادي): لكن هناك ثلاثة أجيال من الوثائق عموماً:

الجيل الأول: تاريخ بيروسوس نفسه.

الجيل الثاني: كتابات أبودينوس وبوليستور.

الجيل الثالث: كتابات يوسيفوس وأثينايوس وكليمنت ويوزيبيوس وسونكيلوس.

إن ما هو معروف حالياً من كتابات بيروسوس مأخوذٌ من الترجمة الأرمينية لعمل يوزيبيوس القيصري Praeparatio Evangelica التي تعود إلى ما بين 500-800م، وهناك مقتبسات منها عند سونكيلوس في كتابه Ecolga chronographica  ر(800-810م).

بيروسوس المزيف:

ادعى المدعو آنيوس الفتروبي Annius of Viterbo الموظف لدى البابا الإسكندر السادس في العام 1498م أنه اكتشف كُتُب بيروسوس المفقودة. لكن تبين فيما بعد أن ذلك ليس صحيحاً، وهو بهدف كسب الشهرة.

عيد مرعي

مراجع للاستزادة:

     - Stanley Mayer BURSTEIN, The Babyloniacea of Berossus, second edition, (Malibu/calif 1980).

- Gerald P.VERBRUHE, John M.WICKERSHAM, Berossos and Manetho, Introduced and translated. Native traditions in ancient Mesopotamia and Egypt, An Arbor  (1996/2001), pp. 35-67.

 


التصنيف : آثار كلاسيكية
المجلد: المجلد الثالث
رقم الصفحة ضمن المجلد :
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1100
الكل : 40527520
اليوم : 57335