logo

logo

logo

logo

logo

الأسطورة في العصور الكلاسيكية

اسطوره في عصور كلاسيكيه

The Myth in Classical Antiquity - Le Mythe dans l'Antiquité Classique



الأسطورة في العصور الكلاسيكية

 

أساطير العصور الكلاسيكية

 

تُعنى الميثولوجيا  Mythology بدراسة الأساطير، والأساطير هي الحكايات الخرافية التي تتحدث عن الآلهة والوحوش والأبطال الأقويا ، وقد ضمت هذه الأساطير حوادث واقعية وتاريخية مضخمة.

بعض هذه الأساطير كانت في الحقيقة حوادث تاريخية أو تتحدث عن أشخاص حقيقيين عاشوا في فترات محددة؛ لكن قصصهم تعرضت للزيادة، وأضيفت إليها بعض الأمور الخيالية التي جعلتها تتنافى والعقل حتى إنها رفعت أبطالها إلى مصافٍ الآلهة التي اخترعها الإنسان منذ أقدم العصور في محاولة منه لتفسير الطبيعة حوله وتفسير وجوده في هذا الكون مستبعداً فكرة وجود إله واحد قادر على خلق الكون وتسييره؛ مما جعل الإنسان يخلق عدداً كبيراً من الآلهة كانت هي محور ديانته وأساطيره.  

واعتمدت الأسطورة على وصف الآلهة والأبطال أنصاف الآلهة ومآثرهم وحياتهم وسلوكهم، وتضم الأسطورة حوادث وظروفاً استثنائية في زمن غير محدد، وتعكس جز اً من حياة الأمة في زمن ما؛ مما يعكس الجانب الواقعي للأسطورة والذي يظهر مدى تأثر المجتمع بها؛ ولاسيما بسبب وجود بعض القيم الأخلاقية فيها والتي تساعد على تقويم المجتمع مما يعطي الأسطورة جانباً تهذيبياً على نحو ما، لذلك من الممكن تعريف الأسطورة على أنها تنظم علاقات الآلهة والبشر، وتحتمل التكذيب والتصديق، وهي ضاربة في القدم، وتهتم بالخليقة والتكوين.

وكان هناك دائماً ربط بين الأسطورة والدين على مدى العصور؛ لأن الأسطورة في شكل من أشكالها كانت تعبر عن المُثل والقيم الدينية والمحرمات في الدين، وعلى الرغم من أن الأساطير كانت من الإبداعات البشرية، فقد كانت تساهم في عملية الجمع بين الجماعات البشرية التي تؤمن بها؛ مما جعل الأسطورة في بعض الأحيان سبيلاً لتفسير بعض الطقوس والشعائر الدينية غير المفهومة أو تفسير أسباب بنا المعابد في أماكن معيّنة، أو تفسير الفنون المختلفة التي أنتجها الإنسان على مر العصور من لوحات وفسيفسا ومنحوتات حتى في الفنون الصغرى التي استقت مواضيعها من الأساطير الغنية؛ ولاسيما أساطير العصور الكلاسيكية مثل الأساطير اليونانية التي وصلت تأثيراتها إلى بلاد فارس وبلاد الرافدين وسورية ومصر وغيرها من المناطق التي وصل إليها المد اليوناني والروماني؛ إذ كان الرومان موهوبين من الناحية العسكرية، لكن من الناحية الفكرية كانت الأولوية لليونان؛ مما دفع الرومان إلى الاعتماد على الأساطير اليونانية مع إجرا بعض التعديلات عليها التي تتناسب وميول الشعب الروماني إضافة إلى تغيير أسما الآلهة.

وقسمت أساطير العصور الكلاسيكية إلى أقسام تهتم كل واحدة منها بناحية معيّنة:

 1- الأسطورة العليا الكونية مثل أساطير الطوفان والخلق.

 2- الأساطير البطولية مثل أساطير هرقل[ر] Hercules وبيرسيوس Perseus وأوديسيوس Odysseus.

 3- الأساطير المتعلقة بالحوادث التاريخية مثل أسطورة طروادة- الإلياذة Iliad -.

 4- الأساطير المتعلقة ببنا المدن أو الأماكن كالمعابد أو سبب ظهور الزراعة أو الخمر أو الاختراعات.

5- الأساطير ذات المدلول الأخلاقي، وتكون هزلية أحياناً مثل أسطورة نرسيس Narcissus.

لوحة فسيفسائية من شهبا تصور أسطورة أورفيوس يطرب الحيوانات (متحف السويدا )

وقد اشتهر عدد من المؤلفين اليونان بتدوين المعلومات الميثولوجية ضمن مؤلفاتهم مثل هوميروس في الإلياذة والأوديسة Odyssey، وأبولودوروس Apollodorus وكتابه "بيلوتيكا"، وأبولونيوس   Apolloniusالروديسي  الذي كتب عن البطل الأسطوري جيسون Jason،و اسخيلوس Aeschylus،و أرستوفانز Aristophanes، ديودور Diodorus الصقلي، ويوربيدس Euripides، وهيرودوت Herodotus، وهسيود Hesiod ومن أهم أعماله الثيوغونيا أهم مصادر الميثولوجيا اليونانية، حتى أفلاطون Plato احتوت كتاباته على معلومات أسطورية، وأخيراً بلوتارك Plutarch.

ومن الأدبا الرومان أبوليوس Apuleius الذي ألف كتاب "المسخ"، وڤرجيل Vergil مؤلف "الإنيادة" Aeneid التي كان بطلها انياس Aeneas الطروادي، وليڤيوس Livius، وأوڤيد Ovid وكتابه "التحولات"، وتحتوي كتبه على أهم الأساطير الرومانية.

وكانت الأساطير العليا الكونية سوا الكلاسيكية أم المشرقية القديمة متشابهة في الأحداث والشخصيات مع الاختلاف في الأسما ، مثلاً بدلاً من مردوكMarduk  ترأس زيوس[ر] Zeus الصراع مع الجبابرة للسيطرة على مقاليد الحكم للآلهة والبشر ضد الوحش تيفون Typhon ابن الأم غايا Gaea انتقاماً منها لمقتل زوجها، والذي سُخر لمحاربة آلهة اليونان والقضا عليهم، وكان على شكل تنين له مئة رأس ينفث النار ومئة ذراع، والأفاعي تخرج من فخذيه، حتى أسطورة بداية الخلق الكلاسيكية متشابهة مع الأساطير المشرقية القديمة حيث تقول الأساطير الكلاسيكية: إن العما هو الذي كان سائداً في العصور القديمة والذي خلق منه الظلام والليل ومن تزاوجهما ولد النهار والهوا والأرض، ثم لاحقاً ولدت السما والجبال، وبعد زواج الأرض من السما ولدت الآلهة العمالقة ذات القوى الخارقة التي سيطرت على العالم مثل الإله كرونوس Cronos وريا Rhea، وكان كرونوس يبتلع أولاده؛ مما دعا ريا إلى اخفا زيوس عنه، وعندما كبر زيوس انتقم من والده؛ ليصبح هو رئيس مجمع الآلهة، حتى أسطورة الطوفان متشابهة؛ لكن اسم البطل اليوناني هو دوكاليون Deucalion الذي حمته الآلهة من الغرق بسبب حبه لها على عكس بقية البشر الذين تمادوا على الآلهة؛ مما دفع هؤلا لإغراق الأرض انتقاما منهم.

لوحة فسيفسائية من شهبا تصور زواج ديونيسوس وآريادني (متحف السويدا )

وكان لأساطير البعث والخصوبة في الطبيعة أهمية في الأدب الكلاسيكي فإحدى هذه الأساطير بطلتها عذرا الربيع برسفوني Persephone ابنة ديميتر [ر] Demeter إلهة الأرض التي حزنت وعم الجفاف الأرض بعد أن اختطف هادس Hades إله العالم السفلي ابنتها؛ مما دفع زيوس إلى التدخل وإرسال هرمس Hermes إلى العالم السفلي؛ ليأمر هادس بإطلاق سراح برسفوني، وحكم زيوس لبرسفوني أن تقضي أربعة أشهر مع أمها على الأرض والبقية مع زوجها هادس، أما الأسطورة الثانية فبطلها أدونيس [ر] Adonis الذي تنافست أفروديت [ر] Aphrodite وبرسفوني عليه، فحكم زيوس بنصف العام لكل واحدة منهما، وبخروجه من العالم السفلي كان الخصب يعم الأرض.     

وكان التأثير الأكبر للأساطير ظاهراً في الناحية الفنية سوا في العصور القديمة أم في الفنون الأوربية التي كانت تمثل في اللوحات الضخمة، حيث عمد الفنانون إلى تمثيل الأساطير على المنحوتات والفسيفسا والأواني؛ مما ساهم بنقل هذه الأساطير وحفظها، حتى بالاعتماد على الرموز التي تترافق أحياناً مع تماثيل أو منحوتات الآلهة غالباً ما يكون لها مدلول مرتبط بالأساطير، وأغلب الأساطير الكلاسيكية تتحدث عن ولادة الآلهة ومغامراتها ونزعاتها وتدخلها في حياة البشر، أو في محاولة لتفسير بعض الأمور غير المفهومة مثل الأساطير المتعلقة بالحياة بعد الموت والعالم السفلي.  

لوحة فسيفسائية عثر عليها في أنطاكية تصور أسطورة مطاردة الإله أبولو لدافني التي تحولت إلى شجرة الغار (متحف أنطاكية)

واعتمد الفن السوري في الفترة الكلاسيكية على هذه الأساطير في الموضوعات التي طرحها، ولعل أهم الأساطير التي مثلها الفن السوري عُثر عليها في اللوحات المحفوظة في المنازل والمقابر التدمرية، فقد عُثر على رسوم تتحدث عن أسطورة البطل الأسطوري أخيل Achilles في بلاط الملك ليكوميد في جزيرة سكيروس وهو يرتدي ملابس النسا التي تخلص منها بمجرد سماعه للبوق بعد اكتشاف أوديسيوس له وكان هذا الموضوع من المواضيع المحببة في العصر الامبراطوري وفي ذلك دلالة على تغلب الروح على غلاف الجسد، كما مُثلت في المقابر التدمرية المخلوقات الأسطورية السنتورات Centaurs التي نصفها انسان ونصفها حصان والتي كان أشهرها شيرون Chiron معلم أخيل وهرقل وجيسون وأسكلوبيوس ] Asclepius، وكان تمثيل هذه المخلوقات يرمز إلى الحكمة، ومُثلت المخلوقات البحرية الخرافية المسماة التريتون Tritons التي كان نصفها إنساناً، ونصفها أفعى، ومُثلت الميدوسا Medusa التي كانت تحول البشر إلى حجارة عند النظر إلى عينيها، لكن البطل الأسطوري بيرسيوس قضى عليها بمساعدة أثينا [ر] Athena إلهة الحكمة والحرب؛ ولهذا كان تصوير الميدوسا موجوداً دائماً على الدرع الخاص بأثينا في لوحاتها وتماثيلها كافة، وقد شغل أدويسيوس أهمية في الفن السوري سوا بتصويره في المقابر أم في بعض اللوحات الفسيفسائية التي صورته مع بنيلوب Penelope كما في لوحة أفامية [ر]  Apameia التي تعود إلى القرن الرابع للميلاد، وصورت في تدمر أسطورة كاسيوبيا Cassiopeia التي تباهت بجمالها على النيريدات  Nereids، فأرسلت الآلهة على مدينتها وحش البحر، وقُدمت ابنتها أندروميدا Andromeda فدا عن المدينة للوحش لولا إنقاذ بيرسيوس لها، ومُثلت كاسيوبيا في تدمر تعرض جمالها على النيريدات المندهشات، ومُثلت النفس بسيشه Psyche في موقع عناب السفينة [ر] على الفرات الأوسط في سورية، كذلك الأمر في منزل في أنطاكية[ر]؛ مما يشير إلى وصول أسطورتها مع كيوبيد Cupid إلى سورية بسبب العثور على عدد من التماثيل الخاصة بها؛ أحدها مع كيوبيد في متحف دمشق، كذلك من أهم الأساطير التي مثلت في المقابر التدمرية كانت أسطورة صيد الخنزير الكاليدوني الذي أرسلته أرتميسArtemis  ليخرب كالدونيا لرفض ملكها التضحية لها؛ مما دفع الأبطال كاستورCastor  وبولوكس Pollux (ديوسكوروس) وأتلانتا Atalanta وميليجر Meleager إلى التنافس في صيده، وتم تصوير الجميع في اللوحة، كذلك مُثل غانيميد Ganymede  في إحدى المقابر التدمرية وجنوبي سورية بأجنحة النسر، وهو خادم الآلهة الذي اختطفه زيوس بعد أن تحول إلى نسر.

كما اكتشف في أحد المنازل الثرية في تدمر عدد من الرؤوس الجصية الإنسانية التي كانت تزين المنزل، وأحدها عُرف على أنه يخص ملك طروادة بريام Priam وابنه باريس Paris؛ مما يدل على وصول أسطورة الإلياذة إلى تدمر، كما أن تمثيل التفاحة بيد أفروديت في بعض التماثيل يُشير إلى أسطورة مباراة الجمال بين الآلهة التي فازت بها أفروديت بحكم باريس أمير طروادة بعد تنافسها مع أثينا وهيرا [ر]  Hera على اللقب.

أيضاً من الأساطير الكلاسيكية التي تناولها الفن السوري كانت أسطورة أكتيون Actaeon وهو يفاجئ أرتميس في أثنا الاستحمام، وعُثر عليها في إحدى لوحات الفسيفسا في شهبا والمحفوظة في متحف السويدا ، كما مَثلت إحدى لوحات شهبا حفلة زفاف والدي أخيل ثيتس Thetis وبليوس Peleus عندما رمت إريس Eris إلهة الشقاق التفاحة الذهبية التي أدت إلى حكم باريس في مسابقة الجمال، ومُثلت في إحدى لوحات شهبا أسطورة بيليوس وهو يطلب يد هيبوداميا Hippodamia من والدها أونوماوس، وصور سباق العربات بين الملك وبيليوس، وصورت أسطورة أورفيوس Orpheus وهو يطرب الوحوش.

وكان لهرقل أهمية كبيرة في الفن السوري، ومُثل بعدة أشكال متعلقة بالأساطير؛ ولاسيما وهو يصارع الأسد نيميا Nemea كما في منحوتة متحف السويدا ، حتى ديونيسوس[ر] Dionysus كان يصور في الفن السوري مع بطانته في أسطورته التي تتحدث عن نشره للخمر في العالم أو كما في لوحة تمثل مباراة شرب الخمر بينه وبين هرقل في أفامية وأنطاكية، كما وعثر على لوحة من أنطاكية في منزل تصور أسطورة مطاردة الإله أبولّو[ر]  Apollo لـ دافني Daphnis التي تحولت إلى شجرة الغار.

وفي تماثيل الإله بان Pan غالباً ما تصور معه السيرينكس Syrinx أو مزماره الذي تحولت إليه الحورية سيرينكس وهي تهرب منه، كما أن تمثيل قرن الخصب مع عدد من الآلهة في الفترة الكلاسيكية مثل ربات النصر وهربوكراتس Harpocrates مرده إلى العنزة أمالتيه Amalthea التي أرضعت زيوس في الأساطير اليونانية (أما ريموس Remus ورومولوس Romulus في الأساطير الرومانية؛ فقد أرضعتهما الذئبة) فتحول قرنها إلى قرن الخصب والوفرة، حتى إن تصوير البجعة مع ليدا Leda مرده إلى أسطورة ليدا وزيوس الذي تحول إلى طائر البجع ليتقرب منها، مثلما تحول إلى ثور في أسطورة أوربا أميرة صور [ر]، ولعل العثور على تمثال من البرونز في سورية (بلودان، عين النسور، القريب من دير اليونان، محفوظ بمتحف دمشق الوطني)، نقش عليه اسم أوريون Orion؛ يدل على وصول أسطورة هذا الصياد مع أرتميس إلى سورية في الفترة الرومانية.

كل هذه الأساطير وغيرها تم تناولها في الفن السوري والفن الكلاسيكي؛ لأن الفن السوري كان يعتمد غالباً على عملية النسخ والتقليد؛ ولاسيما خلال العصر الروماني الذي اعتمد فنانوه على عملية النسخ من الفن اليوناني الذي تميزت أساطيره بالتحرر أكثر والخيال؛ مما جعل عدد هذه الأساطير كبيراً على نحو لا يمكن حصره، ولم تترك موضوعاً إلا وتناولته في محاولة لتفسير حقيقة الوجود.  

 

هيا الملكي

 

 

التصنيف : آثار كلاسيكية
النوع : عقائد
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 408
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1098
الكل : 40538680
اليوم : 68495