logo

logo

logo

logo

logo

الخلافة

خلافه

caliphate - califat

 الخلافة

الخلافة

وهبة الزحيلي

تعريفها والفرق بينها وبين الاستخلاف حقوق الخليفة
ألقاب هذا المنصب مبدأ الخروج على الإمام الحاكم
حكم الخلافة أو الإمامة واجبات الخليفة أو وظائفه
الأدلة حدود سلطات الإمام أو الخليفة
شروط الخليفة أو الإمام أو مؤهلاته وصفاته المسؤولية التقصيرية للحاكم أو الخليفة
تعدد الخلافة أو الإمامة انتهاء ولاية الخليفة
   

 تعريفها والفرق بينها وبين الاستخلاف:

الخلافة أو الإمامة العظمى: هي خلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، أي إنها جامعة بين السلطة الدينية والدنيوية.

وهذه عبارة الماوردي (الأحكام السلطانية للماوردي: ص 3) وتابعه عليها آخرون، فقال التفتازاني: الخلافة: رئاسة عامة في أمر الدين والدنيا، خلافة عن النبي r (شرح العقائد النسفية)، وقال ابن خلدون: هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها، إذ إن أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة، فهي (أي الخلافة) في الحقيقة: خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا (مقدمة ابن خلدون ص 191)، وقال الدهلوي: الخلافة: هي الرئاسة العامة في التصدي لإقامة الدين بإحياء العلوم الدينية، وإقامة أركان الإسلام، والقيام بالجهاد وما يتعلق به من ترتيب الجيوش والفروض للمقاتلة، وإعطائهم من الفيء (ما يصل للمسلمين من أعدائهم بطريق الصلح) والقيام بالقضاء، وإقامة الحدود، ورفع المظالم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نيابة عن النبي r (حجة الله البالغة: 2/111).

والفرق بينها وبين الاستخلاف: أن الخلافة تنعقد ببيعة الأمة مباشرة، وأما الاستخلاف أو ولاية العهد: فهو أن يستخلف الخليفة أحداً من بعده بعد وفاته، أو أن يعهد الإمام القائم بالإمامة إلى رجل يختاره، ليكون الإمام من بعده، سواء انضم إلى ذلك بيعة الأمة بعد وفاة الخليفة المستخلِف أم لا. وهذا مشروع في رأي جماعة من الفقهاء الأوائل، واتجه المعاصرون إلى الحاجة إلى البيعة، ويكون الاستخلاف مجرد ترشيح، ولم يجزه الأشعرية والمعتزلة وأبو يعلى الحنبلي وابن تيمية.

ألقاب هذا المنصب:

يطلق على الحاكم في الدولة الإسلامية في الماضي ألقاب عديدة، أشهرها مصطلحات ثلاثة: هي الخليفة، وأمير المؤمنين والإمام. فكان أبو بكر الصديق y أول من لُقِّب بالخليفة، ثم لقّب عمر بن الخطاب y بأمير المؤمنين، باقتراح بعض الصحابة: إما عبد الله بن جحش، وإما عمرو بن العاص، وإما المغيرة بن شعبة، والأخير هو الأشهر في مخاطبته لعمر، وكان يطلق على عثمان بن عفان y في الغالب لقب «الخليفة» وأحياناً أمير المؤمنين. ثم أطلق على علي بن أبي طالب y لقب الإمام، وكان الشيعة هم الذين أطلقوا عليه ذلك، مريدين أنه أحق بإمامة الصلاة من أبي بكر.

واستمر لقب «الخليفة» هو السائد في عهود الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية، إلى أن ألغيت الخلافة على يد مصطفى كمال أتاتورك سنة 1924م.

وتعد هذه الألقاب الثلاثة مترادفة، وتطلق على صاحب الرئاسة العامة العليا في الدولة الإسلامية، قال النووي رحمه الله: يجوز أن يقال للإمام: الخليفة، والإمام، وأمير المؤمنين (روضة الطالبين: 10/49).

ولا مانع في هذا العصر وما قبله من إطلاق لقب ملك أو سلطان، أو رئيس الدولة أو رئيس الجمهورية أو نحو ذلك، مما يعبر عن لقب الحاكم الأعلى في الدولة الإسلامية الذي يمارس السلطة السياسية.

حكم الخلافة أو الإمامة:

وجود الدولة أياً كانت صفة التسمية خلافة أو إمامة أو ولاية عامة ضرورة واقعية لابد منها للحفاظ على الكيان والوطن وصون الحرمات والدين، وفض المنازعات وإزالة الخصومات لإحقاق الحق والعدل ومقاومة الظلم والباطل، وإلا عمت الفوضى، وانتشر الفساد، وتعرض الناس للدمار أو الهلاك والفناء، وتسلَّط عليهم الأعداء فجعلوهم أذلة مهانين، وأتباعاً مقهورين.

ومع ذلك وجد في التاريخ الفكري والسياسي في حكم الخلافة آراء ثلاثة بين الفرق الإسلامية: مذهب إيجاب الإمامة وهو رأي الأكثرية الساحقة، ومذهب جواز الإمامة وهم فئة قليلة انقرضت، ومذهب كون الإمامة واجبة بالنص الشرعي عليها وهم الشيعة، وذلك واجب على الله تعالى.

أما مذهب إيجاب الإمامة، أي تكوين الدولة: فهو مذهب أهل السنة والجماعة، والمرجئة، والشيعة، والمعتزلة إلا نفراً منهم، والخوارج4 ما عدا فرقة النجدات منهم: يقولون: إن الإمامة أمر واجب أو فرض محتم (شرح العقائد النسفية للتفتازاني: ص 142 وما بعدها، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري 2/133، أصول الدين للبغدادي: ص 271 وما بعدها، ط إستانبول، الأحكام السلطانية للماوردي: ص 3، ولأبي يعلى: ص 3).

قال ابن تيمية: يجب أن يعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي r: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم» (أخرجه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما).

وقال ابن خلدون: «إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين» (المقدمة 2/688-291).

وقال ابن حزم الظاهري: اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة، وأن الأمة واجب عليها الانقياد لإمام عادل يقيم فيهم أحكام الله، ويسوسهم بأحكام الشريعة التي جاء بها رسول الله r حاشا النَّجَدات، فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم (الفِصَل في الملل والنحل لابن حزم: 4/87).

ونوع الفريضة: هو الفرض الكفائي، قال الماوردي: فإذا ثبت وجوب الإمامة ففرضها على الكفاية كالجهاد وطلب العلم، فإذا قام بها من هو من أهلها سقط فرضها عن الكافة (الأحكام السلطانية للماوردي: ص 3، ولأبي يعلى: ص 3).

ثم انقسم أتباع هذا المذهب فرقاً ثلاثاً:

فقال أكثر الأشعرية، والمعتزلة، والعترة (آل البيت): إنها تجب شرعاً؛ لأن الإمام يقوم بأمور شرعية.

وقالت الشيعة الإمامية: تجب الإمامة عقلاً فقط، للحاجة إلى زعيم يمنع التظالم، ويفصل بين الناس في التنازع والتخاصم. ولولا الولاة لكان الأمر فوضى.

وقال الجاحظ والكعبي البلخي وأبو الحسين الخياط والحسن البصري: تجب الإمامة عقلاً وشرعاً.

الأدلة:

استدل أصحاب هذا المذهب بثلاثة براهين:

1- البرهان الشرعي:

وهو الإجماع: فقد أجمع الصحابة والتابعون على وجوب الإمامة، حيث بادر الصحابة فور وفاة النبي r، وقبل تجهيزه وتشييعه إلى عقد اجتماع السقيفة (سقيفة بني ساعدة) في المدينة، وبعد تشاور كبار المهاجرين والأنصار بايعوا أبا بكر الصديق y على الإمامة الكبرى، قياساً على تقديم الرسول r له في إمامة الناس في الصلاة، في أثناء مرضه الشريف، وأقر المسلمون هذه البيعة في المسجد النبوي في اليوم التالي، مما ينبئ أنهم مجمعون على ضرورة وجود إمام أو خليفة.

قال الإيجي في المواقف وشارحه الجرجاني: «إنه تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول بعد وفاة النبي r على امتناع خلو الوقت من إمام، حتى قال أبو بكر y في خطبته المشهورة حين وفاته u: «ألا إن محمداً قد مات، ولا بد لهذا الدين ممن يقوم به» فبادر الكل إلى قبوله، وتركوا من أجله أهم الأشياء، وهو دفن رسول الله r ولم يزل الناس على ذلك في كل عصر إلى زماننا هذا، من نصب إمام متبع في كل عصر» (المواقف وشرحه: ص 603 وما بعدها).

2- البرهان العقلي - الشرعي:

 وهو توفير النظام ودرء الفوضى، أي إن الإجماع والتمدن أمر طبيعي في البشر، وكل اجتماع يؤدي إلى التنازع والتزاحم والاختلاف بسبب حب الذات، والحرص على المصالح الذاتية، وتحقيق أكبر قدر من المصالح المؤذنة بهلاك البشر، وانقراض النوع الإنساني، إذا لم تنظم الحقوق، وتحدد الواجبات، ويفرض النظام، ويقوم الوازع الرادع، ويتم ذلك بالسلطان. قال الماوردي: تجب الإمامة عند طائفة عقلاً، لما في طباع العقلاء من التسليم لزعيم يمنعهم من التظالم، ويفصل بينهم في التنازع والتخاصم، ولولا الولاة لكانوا فوضى مهملين، وهمجاً مضاعين، وقد قال الأفوه الأودي، وهو شاعر جاهلي:

 

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم  
   ولا سراة إذا جهالهم سادوا

 (الأحكام السلطانية: ص 3).

3- برهان الوظيفة:

إن قيام الإنسان بوظيفة الاستخلاف في الأرض وحمله أمانة التكليف الديني يتوقف على وجود السلطة السياسية التي تمكّنه من أداء وظيفته على نحو أكمل.

وهذه الواجبات لا تتحقق إلا في ظل وجود دولة، سواء أكانت عبادات محضة كالصلوات والحج والعمرة، أم شعائر عامة كالأذان والجمعة والأعياد، أم معاملات اجتماعية كالعقود بأنواعها، أم تكاليف جماعية كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة المجتمع الفاضل، والتعاون في سبيل الخير، وقمع الشر، ومحاربة الأهواء. قال الإيجي في المواقف: إن في نصب الإمام دفع ضرر مظنون، وإن دفع هذا الضرر واجب شرعاً (شرح العقائد النسفية للتفتازاني: ص 142، وما بعدها).

والخلاصة: إن تلازم وجود الدولة مع انتشار دعوة الإسلام أمر لا يمكن فصله في مفهوم المسلم، منذ أن قامت دولة المدينة باعتبارها أول نواة لوجود الدولة بالمعنى الحديث القائم على أركان ثلاثة: هي الشعب، والإقليم أو الوطن، والسلطة السياسية أو السيادة.

وأما مذهب جواز الإمامة لا وجوبها فقالت به المحكِّمة الأولى والنجدات من الخوارج، وضرار، وأبو بكر الأصم المعتزلي، وهشام الفُوَطي، وعبَّاد بن سليمان تلميذه من المعتزلة. قال الأصم ممثلاً هذا الرأي: لو تكافَّ الناس عن التظالم لاستغنوا عن الإمام (نهاية الإقدام في علم الكلام، محمد الشهرستاني: ص 482).

وأوضح ابن خلدون رأيهم: بأنهم ينشدون إلى تحقيق المثل العليا، ويعارضون نظام الملك أو الخلافة المقرون أحياناً بالظلم والقهر والتمتع باللذات، والاعتداء على الحقوق والاستبداد الغاشم (المقدمة ص 192، الفِصَل 26: ص 192).

وفحوى أدلتهم: تعداد أضرار الحكومات حيث قالوا: إن وجود الحكومة يتنافى مع مبدأ الحرية الطبيعية وحق الاجتهاد بالرأي، ومبدأ المساواة، بسبب ضرورة توفير الطاعة للحاكم، وإذا لم يطع الناس وقعت الفتنة والاختلاف، مع أن الحاكم ليس معصوماً من الخطأ، والشروط المطلوبة فيه قلَّما توجد في كل زمان.

وأما مذهب القائلين بوجوب الإمامة عقلاً فقط: فهم الشيعة الإمامية والإسماعيلية، حيث قالوا بوجوبها عقلاً على الله، لا على الأمة، أي إنه يجب النص الشرعي على الإمام، وهو رأي مفرّع على مذهب المعتزلة المتمذهبين به وهو وجوب فعل الصلاح والأصلح على الله تعالى، أو على فعل اللطف الإلهي بالعباد، عملاً بقوله تعالى: ]كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ[ (الأنعام 45).

واللطف كما قال الشريف المرتضى: هو الأمر الذي علم الله تعالى من حال المكلف أنه متى وجد ذلك الأمر كان حاله إلى قبول الطاعات والاحتراز عن المعاصي أقرب مما إذا لم يوجد ذلك الأمر، وبشرط ألا ينتهي إلى حد الإلجاء. وبعبارة أخرى: هو خلق القدرة للعبد، وإكمال العقل، ونصب الأدلة، وتهيئة وسائل فعل الطاعة، وترك المعصية (الأربعين في أصول الدين، فخر الدين الرازي: ص 429).

واستدلوا على كلامهم: بأن في إقامة الإمام منافع كثيرة، ودفع مضار متعددة، وبه يتم صلاح المعاش والمعاد. وإذا كان الله تعالى قد خلق في الإنسان القوى الشهوانية والغضبية والوهمية، ولم يجعل له قوة تعصمه من الزلل، وتحمله على الخير وجب على الإنسان أن ينصب إماماً يقرِّبه من الطاعات، ويُبعده من القبائح.

فنصبُ الإمام لطف، وكل لطف واجب على الله تعالى، فيكون تنصيب الإمام واجباً على الله تعالى (نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية، د: أحمد محمود صبحي: ص 72 وما بعدها) وهذه هي نظرية اللطف الإلهي في رأيهم.

والإمامة المقصودة عندهم: هي إمامة الشخص المعصوم من الوقوع في الخطايا؛ لأنهم يشترطون العصمة في الإمام. فهم يقيسون (الإمامة) على (النبوة)، وبما أن إرسال الرسل هو حجة الله على عباده، لقوله تعالى: ]لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[ (النساء 165)، فكذلك الأئمة حجة الله على خلقه، وتكون الحكمة من وجود الأئمة مشابهة لحكمة وجود الرسل. والأئمة المعصومون الذين يعترفون بهم هم علي رضي الله عنه ومن بعده.

وقد لخَّص الباحثون القدامى هذه النظريات الثلاث:

- فقال ابن خلدون في تتمة كلامه السابق: «وقد ذهب بعض الناس إلى أن مدرك وجوبه (وجوب الإمام) بالعقل، لضرورة الاجتماع للبشر، واستحالة حياتهم ووجودهم منفردين. ثم ذكر الصنف الثالث الذين أنكروا وجوب نصب الخليفة، فقال: وقد شذ بعض الناس، فقال بعدم وجوب هذا المنصب أصلاً، لا بالعقل، ولا بالشرع، ومنهم أبو بكر الأصم من المعتزلة وبعض الخوارج، والواجب عند هؤلاء: إنما هو إمضاء أحكام الشرع، فإذا تواطأت الأمة على العدل، وتنفيذ أحكام الله تعالى، لم يحتج إلى إمام، ولا يجب نصبه» (مقدمة ابن خلدون، المكان السابق).

وقال القاضي عبد الرحمن الإيجي: «واختلف القائلون بوجوبه (وهو نصب الإمام) في طريق معرفته، وعندنا (أي أهل السنة): أن نصب الإمام واجب علينا سمعاً (أي شرعاً)، وقالت المعتزلة والزيدية: بل عقلاً. وقال الجاحظ وأبو الحسين البصري من المعتزلة: بل عقلاً وسمعاً. وقالت الإمامية والإسماعيلية: لا يجب نصب الإمام علينا، بل على الله سبحانه وتعالى. وقالت الخوارج: لا يجب نصب الإمام أصلاً، بل هو من الأمور الجائزة» (المواقف وشرحه، المكان السابق).

شروط الخليفة أو الإمام أو مؤهلاته وصفاته:

اشترط العلماء في المرشح للخلافة سبعة شروط هي (راجع الأحكام السلطانية للماوردي: ص 4، لأبي يعلى: ص 4 الذي جعلها أربعة شروط بدمج بعضها في بعض).

1- أن يكون ذا ولاية تامة: بأن يكون مسلماً، حراً، ذكراً، بالغاً، عاقلاً. أما اشتراط الإسلام فلأنه يقوم بحراسة الدين والدنيا، وأما اشتراط الحرية فلأنه وصف كمال. فلا يعقل أن يكون صاحب الولاية أدنى مرتبة من المولّى عليهم، وأما الذكورة فلأن الولاية العامة عبء يتطلب قدرة كبيرة لا تتحملها المرأة عادة، ولا تتمكن من تحمل المسؤوليات العظمى ولاسيما في قضايا السلم والحرب والظروف الخطرة، قال النبي r: «لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة» (أخرجه البخاري وأحمد والترمذي وصححه، والنَّسائي، من حديث أبي بكرة).

وأما العقل فمطلوب لصحة كل تصرف عام أو خاص، ولا بد في الولاية العامة من كون الوالي راجح الرأي، صحيح التمييز، جيد الفطنة، بعيداً عن السهو والغفلة، يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل، وفصل ما أعضل، على حد تعبير الماوردي (الأحكام السلطانية: للماوردي ص 61، ولأبي يعلى ص 4).

2- العدالة: أي الديانة والاستقامة والتحلي بالأخلاق الفاضلة، وهي مطلوبة في كل ولاية، وهي أن يكون صادق اللهجة، ظاهر الأمانة، عفيفاً عن المحارم، متوقياً المآثم، بعيداً من الرِّيب، مأموناً في الرضا والغضب، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه، على حد تعبير الماوردي (الأحكام السلطانية:  ص 62، ولأبي يعلى: ص 4). وفي الجملة: هي التزام الواجبات الشرعية، والامتناع عن المنكرات والمعاصي المحرمة في الدين.

3- الكفاية العلمية: بأن يكون لديه من العلم ما يؤدي به إلى الاجتهاد فيما يطرأ من قضايا وأحداث، أو يستنبط من أحكام شرعية وغيرها من أحوال السياسة الشرعية القائمة على رعاية المصلحة العامة، وهذا شرط متفق عليه بين العلماء.

4- حصافة الرأي في القضايا السياسية والحربية والإدارية. وعبر الماوردي عن ذلك بقوله: الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح.

5- صلابة الصفات الشخصية: بأن يتميز بالجرأة والشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية كيان البلاد، وجهاد العدو، وتطبيق الحدود الشرعية، وإنصاف المظلوم من الظالم، وتنفيذ الأحكام الإسلامية (العقائد النسفية: ص 145).

6- الكفاية الجسدية: وهي سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان، ليصح معها مباشرة ما يدرك بها، وسلامة الأعضاء من كل نقص يمنع من استيفاء الحركة، وسرعة النهوض.

7- رفعة النسب: وهو أن يكون في رأي أهل السنة من قريش، لقول النبي r: «الأئمة من قريش» (أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني عن بُكَير بن وهب). وفي ذلك تعبير عن القوة والتقدم والتفوق.

وقالت الخوارج والمعتزلة: إن الإمامة حق لكل مسلم متى استكمل الشروط الأخرى، وهذا هو المعمول به في الوقت الحاضر، ويظهر أنه رأي الحنفية الذي استفيد منه في تسويغ  انتقال الخلافة للدولة العثمانية التركية.

تعدد الخلافة أو الإمامة:

القاعدة العامة والمبدأ المقرر شرعاً أنه لا يجوز تعدد الأئمة أو الخلفاء، فإذا عقدت الإمامة في بلدين لم تنعقد إمامتهما، عملاً بوحدة الأمة، ولأنه لا يجوز أن يكون للأمة إمامان في وقت واحد، خلافاً لما حدث حيث وجدت خلافات ثلاث في وقت واحد: الخلافة الأموية في الشام وأكثر البلاد، والخلافة الإسلامية في الأندلس، والخلافة الفاطمية في مصر، وفي الوقت الحاضر يوجد أكثر من (57) دولة إسلامية منضمة إلى منظمة الأمم المتحدة.

قال الماوردي: وشذ قوم فجوزوه. واختلف الفقهاء في الإمام منهما حال الاثنينية، فقالت طائفة: هو الذي عقدت له الإمامة في البلد الذي مات فيه من تقدمه، لأنهم بعقدها أخص، وبالقيام بها أحق، وعلى الأمة كافة في الأمصار كلها أن يفوضوا عقدها إليهم ويسلِّموها لمن بايعوه، لئلا ينتشر الأمر باختلاف الآراء وتباين الأهواء.

وقال آخرون: بل على كل واحد منهما أن يدفع الإمامة عن نفسه، ويسلِّمها إلى صاحبه، طلباً للسلامة، وحسماً للفتنة، ليختار أهل العقد أحدهما أو غيرهما.

وقال آخرون: يقرع بينهما دفعاً للتنازع، وقطعاً للتخاصم، فأيهما قَرَع (أي فاز) كان بالإمامة أحق.

والصحيح في ذلك وما عليه الفقهاء المحققون أن الإمامة لأسبقهما بيعة وعقداً كالوليين في نكاح المرأة إذا زوجاها باثنين كان النكاح لأسبقهما عقداً، فإذا تعين السابق منهما استقرت له الإمامة، وعلى المسبوق تسليم الأمر إليه والدخول في بيعته.

وإن عقدت الأمة لهما في الحال الواحد، ولم يسبق بها أحدهما فسد العقدان، واستؤنف العقد لأحدهما أو لغيرهما.

وإن أشكل الأمر عاد الحق للمسلمين جميعاً، فلا يحكم لأحدهما بيمينه أو نكوله (الأحكام السلطانية للماوردي: ص 7، ولأبي يعلى: ص 9).

والمبدأ العام هو وحدة الإمامة أو الخلافة، لقوله r: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» (أخرجه البزار والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة، وأخرجه أيضاً مسلم عن أبي سعيد الخدري).

حقوق الخليفة:

للخليفة حقان أساسيان على رعيته وهما:

1- حق الطاعة في غير معصية: إذا بايع أكثرية المسلمين إماماً وجبت طاعته من الكل، لقول الرسولr: «يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذّ في النار»، «من فارق الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه» (أخرج الأول الترمذي عن ابن عمر، ورواه النسائي والطبراني عن عرفجة، وأخرج الثاني الترمذي عن ابن عمر، وأخرج الثالث أحمد ورجاله ثقات بلفظ «من خرج من الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه» (الأحكام السلطانية للماوردي: ص 15).

وبذل الطاعة مشروط بقيام الحاكم بواجباته التي ستذكر، ومضمونها التزام أوامر الشريعة. وحينئذٍ تصبح القوانين والتكاليف الصادرة عن الحاكم واجبة التنفيذ، كالإلزام بالتجنيد الإجباري، وفرض الضرائب على الأغنياء بحسب الحاجة العامة، وجباية الزكاة وغير ذلك.

ومصدر الالتزام بالطاعة آيات وأحاديث، منها قوله تعالى: ]يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ[ (النساء 95)، وأولو الأمر: هم الحكام في السياسة، والعلماء في الدين، كما أبان المفسرون والصحابة.

ومنها قوله r: «عليك بالسمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومَكْرهك وأثرة عليك» (أخرجه البزار عن سعد بن عبادة، وفيه حصين بن عمر، وهو ضعيف جداً) لكن للبخاري ومسلم والموطأ والنسائي حديث صحيح عن عبادة بن الصامت: «بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة، في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا» أي إيثار مقدَّم على حب الذات (الأنانية).

ومنها: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (أخرجه الجماعة وأصحاب الكتب الستة عن ابن عمر).

والطاعة بقدر الاستطاعة، لقوله تعالى: ]لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها[ (البقرة 286)، ]فَاتَّقُوا اللَّهَ ما اسْتَطَعْتُمْ[ (التغابن 16)، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: «كنا إذا بايعنا رسول الله r على السمع والطاعة يقول لنا: فيما استطعتم» (أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر).

2- مناصرة الإمام ومؤازرته ما لم يتغير حاله: على المسلمين والمعاهدين أن يتعاونوا مع الإمام الحاكم في كل ما يحقق التقدم والخير والازدهار في جميع مجالات الحياة الخارجية بالجهاد والدفاع، والداخلية بزيادة العمران وتحقيق النهضة في جميع آفاقها، وإقامة المجتمع الفاضل، وتنفيذ القوانين النافعة، والأمر بالمعروف والتناصح، والنهي عن المنكر، بحسب ميزان الشريعة، وهدم كل ما يخالف أحكامها ومبادئها، لقوله تعالى: ]وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ (آل عمران 104) (الأحكام السلطانية للماوردي: ص 236- 249).

والأمة متكافلة متضامنة فيما بينها لتحقيق مباني الخير والمصلحة ودفع الضرر عنها، لقوله r: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته…» (أخرجه أحمد والشيخان - البخاري ومسلم - وأبو داود والترمذي عن ابن عمر).

مبدأ الخروج على الإمام الحاكم:

أوجب أكثر علماء الإسلام الصبر على الحاكم ومنعوا الخروج عليه إلا في حال إعلان الكفر الصريح، حفاظاً على وحدة الأمة، ومنع الفرقة والتجزئة والانقسام، ولأن كثيراً من الصحابة والتابعين امتنعوا عن الخروج والتورط في الفتنة، واعتزلوا أصحابها، إلا في حال إعلان الكفر صراحة، أو إنكار حكم من ضروريات الدين وأساسياته كإنكار أحد أركان الإسلام، أو إقرار فاحشة من الفواحش، أو استباحة حرام مقطوع بتحريمه، منعاً من الفساد والإفساد وتفويت مصلحة وجود الحاكم. بدليل قوله r: «السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية» لأن الطاعة في المعروف، فإذا أمر الحاكم بمعصية فلا سمع ولا طاعة، وسئل رسول الله r عن خلع الحكام قائلين: «أفلا ننابذهم؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة»، وقال: «إلا أن تروا كفراً بَواحاً - أي ظاهراً - عندكم من الله فيه برهان» (اللفظ الأول أخرجه أحمد ومسلم، والثاني أخرجه البخاري) (حجة الله البالغة للدهلوي: 2/112).

لكن وجدت آراء شاذة، فقالت المعتزلة والخوارج والزيدية وكثير من المرجئة: الخروج واجب إن أمكننا أن نزيل بالسيف أهل البغي ونقيم الحق، لقوله تعالى: ]وَتَعاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى[(المائدة 2)، وقوله عز وجل: ]فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ[ (الحجرات9) وقوله سبحانه: ]لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ[ (البقرة 124).

وكذلك قال أبو بكر الأصم: السيف واجب إذا اتفق على إمام عادل، يخرجون معه لإزالة أهل البغي (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين لأبي الحسن الأشعري 2/445 وما بعدها).

وأيضاً قال ابن حزم بجواز الخروج، لأن الأحاديث المجيزة للخروج على الفاسق الظالم ناسخة - في رأيه - للأحاديث الآمرة بالصبر، لأن هذه الأحاديث وردت في مبدأ الإسلام في حال الضعف، ولأن «الدليل المحرِّم مقدم على المبيح عند تعارضه». وللآية الكريمة: ]فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ[ (الحجرات 9)، ولأنه يجب على المسلم إزالة المنكر، ولا طاعة في معصية الله، ومن قتل دون ماله أو دينه أو مظلمته فهو شهيد (الفِصَل في الملل والنحل لابن حزم 4/171 وما بعدها).

واجبات الخليفة أو وظائفه:

واجبات الخليفة أو الإمام أو وظائفه عشرة، تنقسم إلى وظائف دينية ووظائف سياسية (الأحكام السلطانية للماوردي: ص 14 وما بعدها، 96، 103، ولأبي يعلى: ص 11).

الوظائف الدينية أربع وهي:

أولاً- حفظ الدين: أي رعاية أحكامه وحماية حدوده ومعاقبة مخالفيه، وفسره الماوردي بقوله: «حفظ الدين على أصوله المستقرة، وما أجمع عليه سلف الأمة، فإن نجم مبتدع، أو زاغ ذو شبهة عنه، أوضح له الحجة، وبيَّن له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ليكون الدين محروساً من خلل، والأمة ممنوعة من زلل».

ثانياً- جهاد الأعداء: أي قتال من عاند الإسلام بعد الدعوة (الإبلاغ) حتى يسلم، أو يدخل في معاهدة الذمة (أي العهد والصلح) ليقام بحق الله تعالى في إظهاره على الدين كله. وهذا مشروط بوجود قوة للمسلمين، ووجود عدوان على دعاة الإسلام أو بلاده، كما هو معلوم فقهاً.

ثالثاً- جباية الفيء والصدقات: والمقصود بالفيء (ما صولح عليه الأعداء) والغنائم (ما استولى عليه المسلمون في أثناء الحرب)، والصدقات: الأموال الواجبة على المسلمين نصاً كالزكوات، أو اجتهاداً كالخراج (المال المفروض على أغنياء المسلمين إذا خلا بيت المال واحتاج الخليفة إلى تجهيز الجيش ونحوه من المصالح العامة).

رابعاً- الإشراف على شعائر الدين من: أذان وإقامة وصلاة الجمعة والجماعة والأعياد، وصيام، وحج، فيعين الخليفة أو وزيره الإمام والمؤذن والمدرس الديني، ويصون المساجد ويرعاها، ويؤم الناس في صلاة الجماعة أو الجمعة إذا حضر، ويشرف على توقيت الصيام بدءاً وانتهاء، ويعاقب من يعلن الإفطار من دون عذر مقبول، وييسر أداء فريضة الحج والعمرة بتخصيص إدارة تشرف عليها كما هو قائم الآن.

الوظائف السياسية ست هي:

أولاً - المحافظة على الأمن ونظام الدولة العام: وهذا ما تقوم به أجهزة الأمن وفروعه الآن.

ثانياً - الدفاع عن الدولة وأراضيها وشعبها في مواجهة الأعداء.

ثالثاً - الإشراف على القضايا العامة بنفسه: للنهوض بسياسة الأمة وحراسة الملة، ونهضة الدولة، ورخاء الرعية.

رابعاً - إقامة العدل بين الناس، على النحو الآتي:

أ- تنظيم المحاكم وصلاحياتها ودرجاتها، وتنفيذ الأحكام الصادرة عن القضاة، وإزالة الخصام بين المتنازعين حتى يسود العدل، ويمنع الظلم، فلا يتعدى ظالم، ولا يضعف مظلوم.

ب- تطبيق الحدود المقررة شرعاً والقصاص من القتلة المتعمدين، حتى تصان محارم الله تعالى عن الانتهاك، وتحفظ حقوق عباده من الاعتداء.

خامساً - تقدير العطايا وما يستحقه أهل الحق والموظفون في بيت المال من غير سرف ولا تقتير، ودفعه في وقت لا تقديم فيه ولا تأخير.

سادساً - تعيين الموظفين الأكفياء والأمناء، وتقليد النصحاء فيما يفوَّض إليهم من الأعمال، ويوكل إليهم من الأموال، لتكون الأعمال بالأكفياء مضبوطة، والأموال بالأمناء محفوظة.

فإن طرأ طارئ يتطلب نفقة عامة اتخذ الخليفة من التدابير ما يحقق سعادة الأمة بشرطين:

الأول - ألا يخالف نصاً صريحاً ورد في القرآن أو السنة أو الإجماع.

الثاني - أن تتفق التدابير مع أصول الشريعة ومبادئها ومقاصدها العامة، طبقاً لما أبانه علماء أصول الفقه، بالحفاظ على الكليات الخمس الضرورية وتوابعها: وهي الدين، والنفس، والعقل، والنسب، والمال (الموافقات للشاطبي 2/10، ط التجارية).

حدود سلطات الإمام أو الخليفة:

تتقيد سلطات الخليفة في الإسلام بأسس ثلاثة هي:

أولاً- يخضع الخليفة لنظام الشريعة الإسلامية في مبادئها وأحكامها، ويلزم بتنفيذ أحكامها، ويصدر القوانين التنظيمية طبقاً للشريعة وقواعدها الكلية من دون أن يكون له حصانة في هذا الشأن من دون بقية المسلمين.

ثانياً- ليس للحاكم سلطة التشريع، لأن المشرع هو الله ورسوله، ويمكن له أو لمعاونيه ومستشاريه الأكفياء الاجتهاد في نطاق القرآن والسنة.

ثالثاً- يلتزم الخليفة بقواعد نظام الحكم الإسلامي المقررة في القرآن والسنة وهي: نظام الشورى؛ والعدل، والمساواة أمام الشريعة في النظام المدني والجنائي والدستوري والإداري، وحماية الكرامة الإنسانية، وإقرار مبدأ الحرية المنظمة والمسؤولة بفروعها المختلفة، والخضوع لرقابة الأمة والمساءلة عن التصرفات المخالفة (النظريات السياسية، أ- د: ضياء الدين الريس: ص 280 وما بعدها).

المسؤولية التقصيرية للحاكم أو الخليفة:

يسأل الخليفة أو الحاكم عن الإخلال بشيء من واجباته السابقة مسؤولية تقصيرية، سواء في إهمال واجب خاص أم عام، أو فيما يتعلق بأمر الدين والشرع، أو عن سوء التصرف في قضية عامة، أو ما يتعلق بأعمال أو وظائف الولاة والقضاة والوزراء والموظفين في الإخلال بأعمالهم أو التقصير في تنفيذ مهماتهم، أو معاداة شريعة الله والتخلي عن تطبيق أحكامها.

وهذه المسؤولية مزدوجة، فهي مسؤولية أخروية أمام الله تعالى في يوم الحساب والجزاء، ولاسيما إذا ظلم أو غش أو خان أو تجاوز حدود الله تعالى.

وهي أيضاً مسؤولية دنيوية أمام الرعية، فيحاكم على جناياته كغيره من الأفراد العاديين لأنه في الإسلام ليس له حصانة أو امتياز أو إعفاء عن أعماله، كما أوضح الفقهاء.

وأدلتهم كثيرة منها قول الله تعالى: ]كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ[ [الطور 21]، وقوله سبحانه: ]وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفَى بِنا حاسِبِين[ [الأنبياء 47] وقوله عز وجل: ]وَكُلَّ إِنْسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً $ اقْرَأْ كِتابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً[ [الإسراء 13-14].

ومنها: أحاديث كثيرة ثابتة، مثل قوله r: «ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت، وهو غاش لها إلا حرم الله عليه رائحة الجنة» (أخرجه مسلم)، وفي حديث آخر عن الولاية أو الإمارة: «إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها» (أخرجه مسلم).

وإمام الحكَّام والولاة والناس قاطبة رسول الله r حيث ألزم نفسه بمقتضيات المسؤولية العامة، فقال: «إنما أنا بشر، فأيما رجل كنت أصبت من عِرْضه شيئاً فهذا عرضي فليقتص، وأيما رجل كنت أصبت من ماله شيئاً، فهذا مالي فليأخذ منه، واعلموا أن أولاكم بي رجل كان له من ذلك شيء، فأخذه أو حللني» (أخرجه ابن سعد في طبقاته الكبرى 2/225).

ومصدر المسؤولية الدنيوية: هو الرعية التي اختارت الخليفة وأوكلت إليه تنفيذ الشرع وسياسة الدنيا (نظام الإسلام، أ- د: وهبة الزحيلي: ص 204 وما بعدها، نظام الحكم في الإسلام، د: عارف خليل أبو عيد: ص 161 - 172).

انتهاء ولاية الخليفة:

تنتهي ولاية الخليفة بأحد الأحوال الثلاثة الآتية:

1- الموت: فإذا مات الخليفة زالت ولايته؛ لأن مدة استخلافه مؤقتة بمدة حياته. ولا مانع في تقدير عبد الرزاق السنهوري من توقيت الخلافة بمدة زمنية معينة أو محدودة، إذا ما تضمن عقد الخلافة ذلك (الخلافة للسنهوري: ص 190 وما بعدها).

2- خلع الخليفة أو تنازله عن سلطته: وهو حق شخصي له، حتى لا يكون مكرهاً على البقاء في منصبه، خلافاً لإرادته. ويكون الحق في تعيين إمام جديد لأهل الحل والعقد والأمة.

3- العزل لتغير حاله: الذي يتغير به حاله، فيخرجه عن الإمامة شيئان: جرح في عدالته، وانقياده للأهواء والشهوات.

وأما نقص البدن فهو ثلاثة أقسام:

أ- نقص الحواس: كزوال العقل، وذهاب البصر، والصمم، والخرس.

ب- نقص الأعضاء: كذهاب اليدين، أو ذهاب الرجلين.

ج- نقص أهلية التصرف، وهو يشتمل على نوعين:

الأول- الحجر: بأن يستولي أحد أعوانه على السلطة، ويجاهر بالمعصية، أو يخالف أحكام الشرع، فإن لم يخالف حكماً شرعياً استنصرت الأمة أو الخليفة بمن يعمل على تنحيته.

الثاني- الأسر: بأن يقع الخليفة في أسر الأعداء، وييأس المسلمون من فكاكه واستخلاصه من الأسر (الأحكام السلطانية للماوردي: ص 9 وما بعدها، 15- 19).

مراجع للاستزادة:

-أبو الحسن علي بن محمد البصري الماوردي، الأحكام السلطانية والولايات الدينية (المطبعة المحمودية التجارية، مصر).

- القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء الحنبلي، الأحكام السلطانية (مطبعة البابي الحلبي، مصر 1357هـ).

- عبد القاهر البغدادي، أصول الدين (دار المعرفة، بيروت).

- الشيخ أحمد بن عبد الرحيم المعروف بشاه ولي الله الدهلوي، حجة الله البالغة (المطبعة الخيرية، الطبعة الأولى، مصر 1322هـ).

- محمد رشيد رضا، الخلافة أو الإمامة العظمى (مصر).

- عبد الرزاق السنهوري، الخلافة (القاهرة).

- سعد الدين التفتازاني، شرح العقائد النسفية (مكتبة وهبة، مصر).

- علي بن محمد الجرجاني، شرح المواقف (مطبعة السعادة، مصر).

- منير العجلاني، عبقرية الإسلام في أصول الحكم (مطبعة النضال، دمشق).

- علي بن حزم، الفِصَل في الملل والنحل (مكتبة المثنى، بغداد).

- أبو الحسن الأشعري، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (مكتبة النهضة، مصر).

- ابن خلدون، المقدمة (المكتبة التجارية، مصر).

- وهبة الزحيلي، نظام الإسلام (دار قتيبة، ط 2، دمشق 1413هـ/1993م).

- عارف خليل أبو عيد، نظام الحكم في الإسلام (دار النفائس، الأردن 1416هـ/1996م.

- محمد ضياء الدين الريس، النظريات السياسية (ط 3، مكتبة الأنجلو المصرية).

 


التصنيف : العلوم الشرعية
النوع : العلوم الشرعية
المجلد: المجلد الثالث: الجرف القاري ــ الرسم والنماذج الصناعية
رقم الصفحة ضمن المجلد : 394
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 595
الكل : 31783898
اليوم : 59359