logo

logo

logo

logo

logo

الأدواء الناجمة عن الجراثيم الهوائية إيجابية الغرام

ادواء ناجمه عن جراثيم هواييه ايجابيه غرام

Diseases caused by aerobic Gram-positive bacteria - maladies causées par des bactéries aérobies à Gram positif



الأدواء الناجمة عن الجراثيم الهوائية إيجابية الغرام

امتثال رزق

المكورات
العصيات

 

 

(1 المكورات

-1 أخماج المكورات العنقودية

سُميَتْ هذه المكورات العنقوديات  staphylococciبسبب مظهرها المجهري (حفنة من حبات العنب) (الشكل 1). أول من وصفها أوغستون عام 1880 سبباً رئيسياً للخراجات في البشر، ثم عُرفَت بأنها السبب الأكثر شيوعاً للاستعمار الجرثومي والأخماج في المجتمع والمستشفيات.        

الشكل (1) صورة مجهرية للعنقوديات الذهبية  تُبدي التجمع كحبات العنب

                            

هي جراثيم مكورة إيجابية الغرام، تُلفى على نحو إفرادي، أو أزواجاً أو رباعية. تُشاهد في القيح داخل الخلايا وخارجها، تنمو بسهولة على الأوساط العادية، تتميز من غيرها من المكورات الإيجابية الغرام بوجود إنزيم كاتالاز catalase الذي يُحَلِّل ثاني أكسيد الهدروجين  H2O2. تختلف فوعة سُلالات العنقوديات اختلافاً كبيراً، وأهم العوامل المُمْرِضَة للإنسان المكورات العنقودية الذَّهَبيّة  S.aureus، وتدعى العنقوديات إيجابية إنزيم المُخَثِّرَة   coagulase-positiveلاحتوائها هذا الإنزيم القادر على تخثير البلازما، وتتميز من العنقوديات سلبية   إنزيم المُخَثِّرَة  coagulase-negative  بأن الأخيرة أقل فوعةً. ترافق الأخماج العنقوديات سلبية المُخَثِّرَة في حالة وجود أجهزة طبية مغروسة داخل الجسم مثل القثاطر داخل الوريد.

الوبائيات:

الاستيطان  colonization: تكون العنقوديات على الجلد. وتستوطن العنقودية المذهبة نحو 20% من البالغين على نحو مستمر، و60% على نحو متقطع؛ إذ تستوطن المنخر الأمامي مؤقّتاً، وتعفو عن 20% من البالغين نهائياً، كذلك تكون في المهبل في 10% من النساء في سن النشاط التناسلي، وقد سُجّلت أعلى معدّلات وجود للعنقوديات المذهبة في المستشفيات (في المرضى والعاملين). وتتضمن المجموعة عالية الخطورة للاستيطان كلاً من الأطفال الصغار والمصابين بالسكري المعتمد على الإنسولين، ومتعاطي المخدرات الوريدية والمصابين بـ HIV والموضوعين على الدِّيال الكلوي، ويُعدّ استعمال المضادات الحيوية عاملاً مشجعاً للاستعمار بالجراثيم.

العنقوديات الذهبية المقاوِمة للميتيسيلّين  methicillin-resistant S. aureus (MRSA):

 تُعدّ بعض أصناف العنقوديات جزءاً من النبيت الطبيعي في الجلد والأغشية المخاطية في الإنسان؛ فثمّة 32 ذرية (سلالة) منها 16 سُلالة تستعمر أو تخمج الإنسان. ظهر في المملكة المتحدة وأمريكا في أربعينيّات القرن الماضي وبعد فترة وجيزة من اكتشاف البنيسيلين، ما سُمي العنقوديات المذهبة المقاومة للبنسيلين، تسببت بعدة فاشيات مستشفوية بين العامين 1940-1960. ولكن تراجعت أهميتها بعد ظهور الميتيسيلّين methicillin، وظهر مكانها سُلالات مُقاوِمَة للميتيسيلّين (MRSA) ، أصبحت متَوَطِّنة في أماكن الرعاية الصحية، وتُعدّه من أهم العوامل المُمرِضَة للإنسان. تشمل عوامل الخطورة للاستعمار والخمج بالـ MRSA نزلاء المستشفيات لدى تطبيق المعالجة بالمضادات الحيوية، وبعد الجراحة، وكذلك الإقامة في أماكن الرعاية التمريضية، أو حين الاتصال المستمر بأشخاص مُسْتَعمَرين أو مخموجين بهذه العنقودية. ولكن MRSA لم تعد مرتبطة بأخماج المستشفيات فقط، إنما ظهرت سُلالات غازية من العنقوديات المُقاوِمَة للميتيسيلّين في المجتمع وعند أشخاص أصحاء لم يتعرضوا للرعاية الصحية أي community- acquired MRSA( CA-MRSA).

هناك جملة من العوامل التي تسبب خللاً في دفاع المضيف تؤهب للإصابة بأخماج العنقوديات؛ كتأذي الحاجز الجلدي أو المخاطي، ونقص العدلات أو خلل وظيفتها، أو وجود مرض مستبطن مُضْعِف للمناعة. يكثر في كبار السن حدوث الخراج الحاد مقارنة بصغار السن، في حين تكون ذات الرئة الأولية أكثر حدوثاً في الرضع.

تسبّب المكورات العنقودية البشروية  S.epidermidis الأخماج المتعلقة بالقثاطر الوعائية والبدلات الطبية الصنعية prosthetic المُستخدَمة، إذ تتمكّن من الالتصاق بالقنيات داخل الأوعية وأسطح البدائل.

تبين أن أهم أسباب نقل العدوى في المستشفيات هو عدم التزام مقدمي الرعاية الصحية تعليمات التطهير وتجاهل غسل الأيدي الصحي، وتتفاقم المشكلة بظهور سُلالات مقاوِمَة جديدة بسبب استخدام الصادات استخداماً واسعاً.

الإمراض:

تعتمد الآلية الخمجية للعنقوديات في جزءٍ منها على عوامل جرثومية لها علاقة بتعزيز نمو هذه الجراثيم واستعمارها وغزوها ومقاومتها الصادات الحيوية، وتعتمد في جزء آخر على قابلية المضيف للعدوى كوجود الداء السكري. أما مُحدِّدات الفوعة الجرثومية فهي محددات ذاتية، من أهمها الجينات المُنَظِّمَة لعمل العنقوديات المذهبة المنظم accessory gene regulator (agr)  الذي يسهل التواصل داخل الخلية. يُعدّ الفلم الحيوي عاملاً خارج خلوي من عديدات السكاريد يرتبط بعوامل غريبة أجنبية كالقثاطر داخل الأوعية، ويخدم بوصفه ملجأً آمناً للجراثيم من دفاعات الجسم.

تتسم المكورات العنقودية المذهبة بقدرتها على البقاء في أقسى الظروف، وتُحدِث الخمج بعدة آليات، أهمها الذيفان العنقودي، وهو ذو طبيعة بروتينية مولدة للضد، وله تأثير منخّر للأنسجة الخلوية تحت الجلد وتأثير حالّ للدم. أما الإنزيم المخثّر فهو يُخثّر البلازما المضاف إليها أُكزالات، ولا تفرزه إلا العنقوديات المُمْرِضَة. أما الإنزيم الحال لليفين  fibrinolysinفهو يهضم الألياف، ويؤثر إنزيم الهيالورونيداز hyaluronidase   في حمض الهيالورونيك الذي يُعدّ مادة أساسية في النسيج الضام، ويسهّل بذلك انتشار العنقوديات في هذا النسيج. أما الذيفانات المعوية التي تنتجها المكورات العنقودية الذهبية فعددها سبعة، وهي ذيفانات خارجية لا يُكَوِّن جسم المصاب أضداداً لها، وتسبّب انسماماً غذائياً (بعد تناول الحلويات والمعجنات واللحوم الملوثة...) يتظاهر بالغثيان والقياء الشديد والتشنّجات المعوية والإسهال، وتستمرّ الأعراض عدّة ساعات عادة. وأخيراً فإن من مكونات الجدار الخلوي للمكورات العنقودية المذهبة الببتيدوغليكانات peptidoglycans  والحُموض التيكوئيكيَّة، ويُعزى لهما تفعيل شلالات المتممة، وقد يكون لذلك شأن في تطوّر الصدمة الإنتانية والتخثر المنتشر داخل الأوعية. يُضاف إلى كل ما سبق قدرة المكورات العنقودية على الاستمرار داخل الخلايا؛ ولا سيما البلاعم، واكتسابها مقاومة سريعة للصادات.

آلية المقاومة للصادات:

تُعند العنقوديات الذهبية على البيتالاكتام بوساطة إنزيم beta-lactamase (المقاوم للبنيسيلّين)، أو على نحو أكثر شيوعاً بوساطة الإنزيم المعدَّل المسؤول عن تركيب جدار الخلية (المقاوم للميتيسيليّن) أي (MRSA). تنتشر propagate عملية حل البنيسيلينات بوساطة بلاسميد. أما المقاومة الميتيسيلّين فتنتج من انتشار جزيرة من الجينات تُسمى  staph. chromosomal cassette (SCC)، تحمل الجين mec A  التي تعطي منتَجاً بروتينياً يربط البنيسلّين وله وَلَع منخفض السوية بالميتيسيلّين، ويُمَكِّن من تشكيل جدار الخلية الجرثومية على الرغم من وجود المضادات الحيوية الفعّالة. وهناك نمط منه يرتبط على نحو رئيس بالعنقوديات المذهبة المقاومة للميتيسيلّين المكتسبة في المجتمع CA-MRSA .

تُستَعمَل الغليكوببتيدات (فانكومايسين، تيكوبلانين) لعلاج الأخماج الشديدة بالعنقوديات المذهبة المقاومة للميتيسيلّين. ولكن ظهرت حالات مقاومة للفانكومايسين أو التيكوبلانين في كل أنحاء العالم، وظهرت أدوية جديدة لعلاج هذه الحالات مثل اللاينزوليد والدابتومايسين.

المظاهر السريرية:

تسبب العنقوديات عدداً من الإصابات المتباينة، من إحداث بثرة pustule وحيدة حتى إنتان دم septieemia   قد ينتهي بالوفاة. تصنّف التظاهرات السريرية التي تسببها العنقوديات الذهبية في ثلاث مجموعات:

-1 الأمراض التي تُعزى إلى تحرر الذيفانات؛ مما يؤدي إلى مرض قد يكون بعيداً عن مكان الخمج، وتتضمن: أ): متلازمة الجلد المتقشر scalded تتحرر فيه ذيفانات حَالَّة للبشرة؛ وهذا يؤدي إلى حدوث الفقاعات والتوسف. ب): التسمم الغذائي: وينجم عن تحرر ذيفان ثابت بالحرارة heat stable، يرافقه إسهال وقياء مفاجئ. ج): متلازمة الصدمة السمية تنجم عن ذيفان يسبب اضطراباً وظيفياً في عدة أجهزة، قد تكون ذات علاقة بالطمث (استعمال الدِّكَّة أو الدَّحْسَة tampon ) أو تكون خارج وقت الطمث.

-2 الأمراض التي تُعزى لتخرب النسج وتشكل خراجات مثل: أ): القوباء، والتهاب الأجربة، والتهاب النسيج الخلوي، ب): الدُمَّل والجَمْرَة، ج): التهاب الثدي، د): التهاب العضل القيحي  pyomyositis، ه): التهاب الجِراب القيحي، و): التهاب المفصل القيحي، ز): ذات العظم والنقي، ح): خراج فوق الجافية، ط): ذات الرئة، ي): التهاب الطرق البولية.

-3 أخماج دموية، كتجرثم الدم والتهاب الشغاف.

أخماج العنقوديات سلبية المخثرة : تعيش على الجلد، ولأغلب الأخماج التي تسببها علاقة بالتداخلات الطبية التي تؤدي إلى استعمال جسم أجنبي مثل مفصل صنعي أو دسام قلبي أو قثطرة داخل الأوعية أو طعوم. وتشمل الحالات السريرية التهاب الشغاف (5-8% خمج الدسامات الطبيعية، 40% خمج الدسامات الصنعية)، وخمج القثطرة داخل الوعائية، وخمج المفاصل الصنعية (حتى 40% من خمج رأْب المَفْصل)، والديال الصفاقي، وخمج القثاطر الجراحي.

-1 الأخماج الجلدية المقيحة pyogenic cutaneous infections : أكثرها شيوعاً القوباء والدمامل والتهاب الجريبات والجمرات والخراجات والتهاب النسيج الخلوي.

يُشاهد في التهاب الجريباتfolliculitis  عدد صغير من الحطاطات الحمامية من دون التهاب الجلد المحيط أو النسيج الأعمق. أما الدُّمَّل furuncle فهو أكثر شدّة، ويصيب الغدّة الجرابية، يُصادف في الوجه والرقبة والإبطين والأليتين والفخذين. والتهاب الغدد العرقية القيحي حالة التهابية مزمنة تقيحية أكثر مصادفة في النساء، يصيب الجلد في أماكن وجود الغدد العرقية متظاهراً بحطاطات قاسية التهابية وبثرات وكيسات، ويتوضّع في الإبطين والمغبن ومحيط الشرج، وقد يحدث في المنطقة تحت الثديين في النساء، وقد تتنوسر الآفات الأولية مع حدوث تشكلات ندبية.

تتوضّع الجَمْرَة carbuncle في الجلد السميك الليفي غير المرن في النقرة والجزء العلوي من الظهر، وهي آفة جاسئة (قاسية indurated) مؤلمة واسعة ذات مواضع تصريف متعددة ترافقها الحمى وارتفاع تعداد الكريات البيض والألم المبرح والإعياء، ويكثر تضاعفها بتجرثم الدم.

تُعدّ قوباء الوليد من أكثر أخماج المكورات العنقودية المكتسبة حدوثاً في المحاضن، وتُصادف في الولدان آفات جلدية مميزة ثانوية لاستيطان الأنف أو السرّة أو الملتحمة أو موضع الختان أو المستقيم، وقد تحدث هذه الآفات في أيّ مكان، وتكون في البداية حويصلية  vesicular، سرعان ما تتحول إلى مصلية قيحية تحيط بها قاعدة حمامية، ويساعد انبثاق البثرات على انتشار الآفات.

تُحدث المكورات العنقودية أخماجاً جلدية غير مقيحة كمتلازمة الجلد المتقشر scalded-skin syndrome، أو داء ريتر Ritter disease أو الفقاع الوليدي pemphigus neonatorum مع مظاهر سريرية تراوح بين وجود حمامى منتشرة قرمزية الشكل وتوسّف فقاعي، تُسمَّى هذه الحالة القوباء الفقاعية، وتنجم عن ذراري العنقوديات المذهبة من النمط 2 التي تُنْتِج ذيفاناً حالّاً للبشرة.

-2 الأخماج العينية: كالتهاب الملتحمة بالعنقوديات، وتُعدّ المكورات العنقودية البشروية سبباً شائعاً للالتهاب داخل العين تالياً للجراحة العينية.

-3 متلازمة الصدمة السمية  toxic shock syndrome: تُحدثها العنقوديات المذهبة المنتجة للذيفان-1، كما أن ذيفانات المكورات العنقودية المعوية B أو C1 قد تحدث متلازمة الصدمة السمية هذه.

تحدث 55% من حالات الصدمة السمية في أثناء الحيض بسبب استعمال الدحسات، وقد يكون لبقية الحالات  علاقة باستخدام الضمادات الإسفنجية المهبلية المانعة للحمل أو الحجاب المانع للحمل، أو قد تكون تالية للولادة أو الإجهاض.

تبدأ الصدمة السمية فجأة بحمى تتجاوز 38.8 درجة مئوية، وهبوط الضغط الانقباضي دون 90 مم/ز، ويظهر طفح حمامي شبيه بحرق الشمس، وقد يشاهد توسّف في الجلد ولاسيما في الراحتين والأخمصين بعد 7-10 أيام، وتُشاهد إصابة عدة أجهزة عضوية كما يلي:

إصابة الجهاز المعدي المعوي: تتظاهر بقياء وإسهال مائي غزير.

إصابة الجهاز العضلي: تتظاهر بألم عضلي وارتفاع مستوى إنزيم فوسفو كيناز الكرياتين إلى ضعفي الحدّ الأعلى الطبيعي.

كما يحدث تبيّغ في الأغشية المخاطية الفموية أو المهبلية أو البلعومية.

إصابة الجهاز البولي: تتظاهر بارتفاع اليوريا والكرياتينين إلى ضعفي الحد الأعلى الطبيعي أو ببيلة قيحية عقيمة أو كليهما.

إصابة الكبد: وترتفع فيه ناقلة الأمين الأسبارتية AST أو ناقلة  الأمين الألانينية ALT إلى ضعفي المقدار الطبيعي.

الدم: تقلّ الصفيحات عن 100000/مم3.

إصابة الجهاز العصبي المركزي: تبدو فيه تغيّرات الوعي من دون علامات عصبية بؤرية.

يصل معدّل الوفيات بالصدمة السمية إلى 3%، وتكون زروع الدم سلبية، ويبدي زرع  مفرزات المهبل وجود المكورات العنقودية المذهبة. كذلك تُحدث العقديات الحالّة للدم - بيتا/ المجموعة A متلازمة شبيهة بمتلازمة الصدمة السمية التي تحدثها العنقوديات المذهبة.

-4 تجرثم الدم والتهاب الشغاف  bacteremia and endocarditis: تنتشر الجراثيم في المجرى الدموي من بؤرة جرثومية أولية كالأخماج الجلدية أو الحروق أو التهاب النسيج الخلوي أو ذات العظم والنقي أو التهاب المفاصل أو التهاب موضع القثطرة الوريدية، ولا يمكن تحديد البؤرة الأولية في ثلث المرضى، ويطلق على ذلك اسم  تجرثم الدم الأولي primary bacteremia .

يتضاعف تجرثم الدم بالمكورات العنقودية بالتهاب الشغاف، وتحتلّ المكورات العنقودية المركز الثاني من العوامل الممرضة المسببة لالتهاب الشغاف، وتُعدّ المسبب الأول في مدمني المخدرات الوريدية، وقد يحدث التهاب الشغاف على صمامات طبيعية أو متأذّية سابقاً.

تسبب المكورات العنقودية البشروية  staph. epidermidis تجرثم الدم في نزلاء المستشفيات، ويكثر عزلها في الأخماج المتعلقة بالقثاطر الوعائية وفي حالات تجرثم الدم في المصابين بالسرطان، وفي حالات نقص العدلات، وتُعدّ العنقوديات البشروية العامل الأول المحدث لالتهاب الشغاف بوجود صمام بديل؛ فهي مسؤولة عن 40% من الحالات، وقد يكون تفريق الخمج عن التلوث في زرع الدم صعباً؛ لأنّ المكورات العنقودية سلبية المخثرة كثيراً ما تلوّث زرع الدم.

-5 ذات العظم والنقي: تحدث بطريق الانتشار الدموي غالباً، وأكثر ما تصاب العظام الطويلة وأجسام الفقرات، ولتواتر الإصابات ذروتان: الأولى تحت سنّ العشرين، والثانية في الشيخوخة.

ونادراً ما تخترق ذات العظم والنقي محفظة المفصل لتُحدِث التهاب مفصل قيحيّاً. أمّا خراج برودي Brodie‘s abscess   فهو خمج عظمي غير مؤلم  بالمكورات العنقودية يستمر سنوات عديدة، ويتألّف من نسيج حبيبي كثيف يحيط بجوف مركزي نخري.

تبدأ ذات العظم والنقي في الأطفال فجأة بعرواءات وحمى مرتفعة وغثيان وقياء وألم مترقٍّ في موضع الإصابة العظمية، ومن العلامات الباكرة التشنج العضلي حول العظم المصاب، وتوذم النسج المحيطة بالعظم.

-6أخماج الجملة العصبية المركزية: تسبّب المكورات العنقودية الذهبية 1-9% من حالات التهاب السحايا الجرثومي و10-15% من خراجات الدماغ. يكون مصدر أكثر من 50% من خراجات فوق الجافية التي تسببها المكورات العنقودية الذهبية بؤرةً تتوضع خارج الجملة العصبية المركزية، ونصف هذه الحالات قد تشارك ذات عظم ونقي فقرية.

-7أخماج الطرق البولية: تحتل المكورات العنقودية الرمّامة المركز الثاني - بعد الإشريكيات القولونية - من أسباب خمج السبيل البولي غير الانسدادي الأولي في النساء في سنّ النشاط التناسلي.

-8 ذات الرئة وخراجات الرئة: تسبب المكورات العنقودية المذهبة 3% من ذوات الرئة الجرثومية المكتسبة في المجتمع، وتكون الإصابات فرادية تبدأ فجأة بعرواء وحمى وزلة تنفسية وسعال وألم جنبي وزراق وإعياء، ويكون القشع مدمّى أو قيحياً. أمّا ذات الرئة بالمكورات العنقودية في المستشفيات فتحدث في المرضى الموضوعين على التهوية الآلية في وحدات العناية المشددة والمرضى المضعفين، وتكون زروع الدم إيجابية في 20-30% من الحالات.

التشخيص:

 يعتمد على المعطيات السريرية والشعاعية والوبائية، ويثبت بوجود المكورات العنقودية مباشرة بإجراء تلوين غرام أو بزرع عينة من الموقع المخموج كالدم أو القيح أو سوائل الجسم المختلفة على وسط آغار الدموي، مع تمييز السلالات الإيجابية الذيفانات الخارجية  exotoxin-positive، كما يمكن تحري إيجابية المخثّرة أو إجراء التنميط الكيميائي الحيوي. وتستعمل تقنيات التشخيص الجزيئي لمقاربة الجائحات والدراسات الوبائية.

المعالجة:

 تقديم العلاج الداعم، ويتضمن العلاج ما يلي: 1) تفجير محتويات الخراج على الفور 2) تطبيق المضادات الحيوية:

(أ): في العنقوديات سلبية التخثير: يكون الفانكومايسين هو الخط الرئيسي للعلاج بسبب وجود نسبة عالية من المقاومة للميتيسيلّين.

(ب): في العنقوديات الذهبية: يجب اختيار المضاد الحيوي بحسب نسبة انتشار MRSA وحسب شدة الإنتان. يفضل إعطاء مضاد حيوي قاتل للجراثيم مثل بيتالاكتام، وهناك مضادات حيوية فموية ضد MRSA مثل كليندامايسين، مينوسيكلين، واللاينزوليد. أما الغليكوببتيدات كالفانكومايسين والتيكوبلانين فتُستَعمل في الإنتانات الشديدة التي تسببها MRSA ، ولكن هناك حالات مقاومة للفانكومايسين.

تعالج العدوى الجلدية الموضعية بتنظيف الجلد موضعياً بالغسل بالصابون القاتل للجراثيم الذي يترك ثمالة على الجلد من المطهرات كالكلورهيكسيدين، ومن الممكن وضع مضاد جرثومي موضعي ملائم،  ويجب تجنّب الرفادات المبللة التي قد تنشر العدوى. كذلك يجب تفجير الخراجات، وفي الحالات التي يكون فيها المرض أكثر شدّة أو حين حدوث نكس يعطى الكلوكساسيلين بمقدار 500 ملغ/6 ساعات مدّة 7-10 أيام أو الكلينداميسن، وتُطبّق الصادات وريدياً حين وجود أعراض بنيوية مهمّة أو خمج وجهي أو حول الحجاج. وينصح في الأخماج الشديدة انتقاء الصادات بناءً على نتائج اختبارات التحسس الجرثومي واستشارة اختصاصي الأمراض الخمجية. ويبين الجدول (1)  معالجة القوباء وآفات النسج الرخوة معتدلة الشدة الناجمة عن العنقوديات الذهبية.

الجدول (1): معالجة القوباء وآفات النسج الرخوة معتدلة الشدة الناجمة عن العنقوديات الذهبية

طريقة اعطاء العلاج

الدواء

الجرعة

المدة

موضعية

موبيروسين

فوسيديك أسيد

مرهم ثلاث مرات في اليوم

14 يوماً

فموية للعنقوديات الذهبية الحساسة للميثيسيللين

ديكلوكساسيللين

 

سيفالكسين

250ملغ أربع مرات في اليوم

500 ملغ 4 مرات في اليوم

7 أيام

فموية للعنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين

(أوبوجود تحسس للبيتا لاكتام)

كليندامايسين

أو

تريميتوبريم/سلفاميتوكسازول – دوكسيسيكلين – مونوسيكلين - لاينزوليد Linezolid

300 – 450 ملغ 4 مرات في اليوم

 

7 أيام

أما الجدول (2) فيبين معالجة الدمامل، والتهاب الثدي، والتهاب النسيج الخلوي بالعنقوديات الذهبية:

الجدول (2): معالجة الدمامل، والتهاب الثدي، والتهاب النسيج الخلوي بالعنقوديات الذهبية

  طريقة اعطاء العلاج

الدواء

الجرعة

المدة

فموياً للعنقوديات الذهبية الحساسة للميثيسيللين

فلوكساسيللين أو

 ديكلوكساسيللن أو

سيفالكسين

500ملغ أربع مرات في اليوم

5 أيام لالتهاب النسيج الخلوي.

 

فموياً للعنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين

(أوبوجود تحسس للبيتا لاكتام)

كليندامايسين  أو

تريميتوبريم/سلفاميتوكزاسول -  دوكسيسيكلين – مينوسيكلين – لاينزوليد -

ارثرومايسين

300-450ملغ أربع مرات في اليوم

في الأخماج الأعمق تتعلق فترة المعالجة بتفجير الخراج وبالاستجابة السريرية

 

 

حقناً للعنقوديات الذهبية الحساسة للميثيسيللين

فلوكساسيللين أو

ديكلوكساسيللن أو

سيفالكسين

1 – 2 غرام وريدياً كل 6 ساعات

 

 

 

حقناً للعنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين

(أوبوجود تحسس للبيتا لاكتام)

فانكومايسين أو

ارثرومايسين – كليندامايسين - لاينزوليد –  دابتومايسين - كوينوبريستين/دالفوبريستسن

تيغسايكلين - دالبافانسين، اوريتافانسين، تيلافانسين

15ملغ/كغ وريدياً كل 12 ساعة

 

 ويبين الجدول (3) معالجة التهاب الجراب القيحي والتهاب المفاصل القيحي الناجم عن العنقوديات الذهبية:

الجدول (3): معالجة التهاب الجراب القيحي والتهاب المفاصل القيحي الناجم عن العنقوديات المذهبة

طريقة اعطاء العلاج

الدواء

الجرعة

المدة

فموية: للعنقوديات الذهبية الحساسة للميثيسيللين

فلوكلوكساسيللين أو ديكلوكساسيللين أو

سيفالكسين

500ملغ أربع مرات في اليوم

7 أيام

فموية: للعنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين

(أوبوجود تحسس للبيتا لاكتام)

كليندامايسين أو

تريميتوبريم/سلفاميتوكسازول -  دوكسيسيكلين – مونوسيكلين - سيبروفلوكساسين مع:

ريفامبين – لاينزوليد – ارثرومايسين.

300-450ملغ 4 مرات في اليوم

7 أيام

حقناً: للعنقوديات الذهبية الحساسة للميثيسيللين

أوكساسيللين/فلوكلوكساسيللين

أو

سيفازولين

1-2 غرام وريدياً كل 4-6 ساعات

 

 

حقناً للعنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين

(أوبوجود تحسس للبيتا لاكتام)

فانكومايسين

أو

لاينزوليد

15 مغ/كغ وريدياً كل 12 ساعة

 

 

 

تعالج الصدمة السمية الناجمة عن العنقوديات بتصحيح الصدمة وتدبير القصور الكلوي والقصور الرئوي والتخثر داخل الأوعية وتفجير الخراجات وإعطاء المضادات الحيوية النوعية تسريباً وريدياً، وتتحسس معظم سلالات العنقوديات للبنيسيلينات المقاومة للبنيسيليناز (كالميتيسيلين والكلوكساسيلين والنافسيلين) والسيفالوسبورينات (ولا سيما الجيلين الأول والثاني) والجنتاميسين واللينكومايسين والكلينداميسين ومركّبات الغليكوببتيد (الفانكومايسين والتيكوبلانين)، وحين وجود سلالات من  المكورات العنقودية المقاومة للميتيسيلين فإنّ الدواء المنتخب هو الفانكومايسين (جرعة البالغين 500 ملغ كل 6 ساعات أو 1000 ملغ كل 12 ساعة) تسريباً على مدى ساعة على الأقل. يلخص الجدول (4) العلاج الدوائي لمتلازمة الصدمة السمية.

الجدول (4): معالجة الصدمة السمية الناجمة عن العنقوديات الذهبية

الجرثومة

الدواء

الجرعة

المدة

للعنقوديات الذهبية الحساسة للبنسلين

بنسلين  أو

امبيسيللين

امبيسيللين + سلباكتام

2-4 مليون وحدة وريدياً كل 4 ساعات

 

 

للعنقوديات الذهبية الحساسة للميثيسيللين

اوكساسيللين/فلوكساسيللين أو

سيفازولين

 

1-2 غ وريدياً كل 4-6 ساعات

 

1-2 غ وريدياً كل 8 ساعات

14 يوماً مع إزالة بؤرة الانتان

 

للعنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين

(أوبوجود تحسس للبيتا لاكتام)

فانكومايسين،

أو كليندامايسين أو دابتومايسين – تايكوبلانين – لاينزوليد – كوينوبريستين - صوديوم فوسيدات

 

15 مغ/كغ وريدياً كل 12 ساعة

 

 

فترات أطول للانتانات المختلطة

ويبين الجدول (5) معالجة تجرثم الدم بالعنقوديات الذهبية من دون التهاب شغاف.

الجدول (5): معالجة تجرثم الدم بالعنقوديات الذهبية بدون التهاب شغاف

العنقوديات الذهبية

الدواء

الجرعة

المدة

للعنقوديات الحساسة للميثيسيللين

اوكساسيللين/فلوكساسيللين

أو سيفازولين

 

1-2 غ وريدياً كل 4-6 ساعات

 

 

14 يوماً مع إزالة بؤرة الانتان

 

للعنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين

(أوبوجود تحسس للبيتا لاكتام)

فانكومايسين أو

دابتومايسين – تايكوبلانين – لاينزوليد - صوديوم فوسيدات - دالبافانسين

15 مغ/كغ وريدياً كل 12 ساعة

 

فترات أطول للأخماج المختلطة

أما الجدول (6) فيبين معالجة التهاب الشغاف بالعنقوديات الذهبية بوجود دسام طبيعي:

الجدول (6): معالجة التهاب شغاف صمام طبيعي بالعنقوديات الذهبية

العنقوديا الذهبية

الدواء

الجرعة

المدة

للعنقوديات الحساسة للميثيسيللين

اوكساسيللين/فلوكساسيللين

أو سيفازولين

 

2 غ وريدياً كل 4 ساعات

 

 

4-6 أسابيع بعد سلبية الزرع

 

للعنقوديات الذهبية المقاومة للميثيسيللين

(أوبوجود تحسس للبيتا لاكتام)

فانكومايسين أو

تايكوبلانين – لاينزوليد - كوينوبريستين/دالفوبريستسن – دابتومايسين - صوديوم فوسيدات - تريميتوبريم/سلفاميتوكزاسول.

 

15 مغ/كغ وريدياً كل 12 ساعة

 

 

 

هناك بحثٌ دائم عن أدوية جديدة أو لقاحات مفيدة، مع فهم أكثر للوبائيات ومحاولة ضبط العدوى بالعنقوديات في المستشفيات والمجتمع. وهناك أدوية أخرى يمكن استعمالها ولها تأثير في MRSA مثل التيلافانسين أو الدالبافانسين من الغليكوببتيدات، والسيفتوبيبرول أو السيفتارولين من السيفالوسبورينات مع الأدوية المتوفرة مثل الدابتومايسين وغيره، وكلها قد تُحسن نتائج علاج الأخماج بالعنقوديات MRSA والعنقوديات الذهبية المقاومة للفانكومايسين (VRSA)   vancomycin- resistant Staphylococcus aureus والعنقوديات الذهبية المتواسطة بالفانكومايسين (VISA) vancomycin- intermediate Staphylococcus aureus.

قد تُخفف القثاطر المُغَلَّفَة بالكلورهيكسيدين من أخماج القثاطر، وهناك حاجة إلى تحسين طرق تدبير تشكل الفلم الحيوي.

الوقاية:

يُعدّ تطبيق الاحتياطات القياسية لضبط العدوى من أهم عناصر الوقاية من انتشار العنقودية، وتشمل هذه الاحتياطات غسل الأيدي الصحي واستعمال الرداء الواقي والقفازات، وعزل المصابين في مكان واحد، ومراقبة استعمال المضادات الحيوية وترشيدها، واستعمال الكلورهيكسيدين لتطهير جلد المريض، وتحسين نظافة البيئة باستعمال المبيضات bleachers، وتَرَصُّد surveillance  الحالات، ومراقبة تطبيق كل ما سبق في أقسام العناية المشددة والعمليات خاصة. ويجب أخذ مسحات أنفية لترصد الاستعمار بالـ MRSA، وذلك حين وجود جائحات وحين فشل الترصد. هناك دراسات تُشكك بقيمة الترصد، ولكن لا بد من تطبيقه حين تفشي الحالات في المستشفى.

أما بالنسبة إلى CA-MRSA فهي مهمة صعبة؛ لأن العزل صعب وشأن البياضات والملابس غير واضح، لذا يمكن تطبيق الإجراءات التالية للوقاية: ضماد للمنطقة المصابة، وغسل الأيدي، وغسل الثياب الملوثة بالمفرزات، والبحث عن المصدر حين تكرر الحالات.

من الأدوية المفيدة المستعملة للتخلص من الاستعمار بالعنقوديات: علاجات موضعية كالموبيروسين 2%، كلورهيكسيدين، زيت شجرة الشاي. ويُعدّ غلوكونات الكلورهيكسيدين مضاداً جرثومياً مهماً لتطهير الجلد من الجراثيم المُستَعمِرَة؛ أو هلاماً أنفياً.

-2 المكورات العقدية الرئوية

وصف ستيرنبرغ في أمريكا وباستور في فرنسا المكورات العقدية الرئوية Streptococcus pneumoniae عام 1881. ووُصف لها حتى العام 2010 أكثر من 90 نمطاً مصلياً. تعيش على نحو خاص في البلعوم الأنفي في البشر؛ ولا سيما الأطفال. وهي مكوّرة، لها محفظة، إيجابية الغرام، ويُسهِم وجود المحفظة في مقاومة البلعمة الخلوية، ويُعدّ التصاق العقديات الرئوية بخلايا ظهارة البلعوم الخطوة الأولى للاستعمار وحدوث الخمج، وأضداد المحفظة التي تظهر بعد 5-8 أيام من ظهور الخمج فعّالة في الوقاية منه.

ينتقل الخمج بالقطيرات المحمولة بالهواء والمحتوية على المفرزات الأنفية الملوثة، يساهم الازدحام والطقس البارد في اكتساب الخمج. يزداد حدوث الأخماج بالمكورات الرئوية في الأطفال والمسنين والرجال والمدخنين.  ومن العوامل المؤهبة للأخماج الغازية استئصال الطحال، واللاطحالية، وفقر الدم المنجلي، والعيوب المناعية كنقص الغاماغلوبينات أو فقدها من الدم، الوَرَم النِقْيِيّ المُتَعَدِّد (النقيوم)، الابيضاض اللمفاوي، اللمفومات، والخمج بالـHIV، وعيوب المتممة، والأمراض المزمنة كالمرض الرئوي الساد المزمن وتشمّع الكبد والكحولية، والأخماج التنفسية الڤيروسية الحادة؛ ولا سيما النزلة الوافدة.

التظاهرات السريرية:

تسبب العقديات الرئوية العديد من الأمراض، ففي السبيل التنفسي العلوي تسبب التهاب جيوب، أو التهاب رغامى وقصبات، أو التهاب أذن وسطى حادّاً، وتُعدّ مع المستدميات النزلية أهم أسباب التهاب الأذن الوسطى الحاد في الأطفال والتهاب الجيوب الحاد. وفي السبيل التنفسي السفلي تُحدِث ذات قصبات ورئة أو ذات رئة، فهي من أكثر أسباب الإصابة بذوات الرئة الجرثومية الشديدة المكتسبة في المجتمع في كل الأعمار وفي كل البلدان، وتكون الصورة السريرية حينها ذات رئة فصية مع بدء الحمى بدءاً مفاجئاً، يليها سعال وصعوبة التنفس، وألم جَنْبِي، ونَفْثُ الدم، وقشع قيحي. وتتضمن العلامات حرارة مرتفعة وتسرع تنفس وزرقة مع علامات تَصَلُّد consolidation فصي ونقص حركة الصدر وأَصَميَّة بالقرع مع خراخر ناعمة وتنفس قصبي فوق المنطقة المصابة. تُظهِر صورة الصدر غالباً عَتامة فصية مع انصباب جنب.

يتظاهر الخمج الغازي بالعقديات الرئوية بتجرثم دم أولي (في الأطفال)، أو التهاب سحايا، أو التهاب صفاق تلقائي في المصابين بتشمّع الكبد، أو خمج مع بذر الجرثوم في النسج كما في التهاب المفاصل القيحي والتهاب العضلات والتهاب التأمور القيحي، وذات العظم والنقي، والتهاب الشغاف.

التشخيص:

زرع الدم هو الطريقة الأساسية لتشخيص ذات الرئة بالعقديات الرئوية، ولكن الزروع تكون إيجابية في 15 إلى 30% من الحالات. كذلك يبيّن الفحص المجهري لمحضّر قشع جيد النوعية (يحتوي عدداً كبيراً من عديدات النوى المفصصة، وبضع خلايا ظهارية فقط) ملوّن بطريقة غرام المكورات المزدوجة الرئوية التي تدلّ على ذات قصبات أو ذات رئة بالعقديات الرئوية. أما تشخيص التهاب السحايا في عينة سائل دماغي شوكي فيجرى بالتلوين بطريقة غرام أو بإجراء الزرع الجرثومي.

وهناك اختبار لكشف المستضدات في البول، وهو اختبار مرتفع الحساسية والنوعية لتشخيص ذات الرئة بالمكورات الرئوية في الكبار فقط. أما فحص PCR فيفيد في عينات السائل الدماغي الشوكي؛ ولا سيما إذا كان المريض قد عُولِجَ جزئياً وكان الزرع عقيماً.

يُلجأ إلى زرع الدم حين الشك بوجود خمج غازٍ، وتنمو العقديات الرئوية على وسط آغار بعد 24 ساعة بشكل مستعمرات رمادية مع انحلال دم من النمط α، وتشير قابليَّة الذَّوَبانِ بالصَّفْراء أو الحساسية من الأوبتوشين Optochin إلى أنّها عقدية رئوية، وليست عِقْدِيَّة مُخَضِّرَة S.viridans .

تُسهم تقانات التصوير الشعاعي كتصوير الصدر الشعاعي والتصوير المقطعي المحوسب في تشخيص المتلازمات السريرية التي تسببها العقديات الرئوية.

التدبير في أخماج العقديات الرئوية والإنذار

تراجعت استجابة أخماج العقديات الرئوية للعلاج بالبنيسيلين في العقدين المنصرمين، كذلك تنامت المقاومة لصادات أخرى كالتيتراسيكلين والماكروليدات والتريميتوبريم- سلفاميتوكسازول، ولكن ليس للدوكسي سيكلين أو الكلينداميسين.  

 تستخدم البنيسيلينات في أخماج العقديات الرئوية الحساسة للبنيسيلين، ويمكن زيادة الجرعة اليومية من البنيسيلين ج لتتجاوز 10 ملايين وحدة يومياً، أو استعمال سفالوسبورينات الجيل الثالث كالسفترياكسون أو السيفوتاكسيم، والأموكسيسلين فعال كذلك في الأخماج غير السحائية التي تستخدم فيها مركّبات الفلوروكينولون الحديثة أيضاً أو جرعات مرتفعة من الإيمبينيم أو الإرتابينيم، وحين وجود مقاومة متعددة للصادات (مقاومة البنيسيلين والكلورامفينيكول والتتراسيكلين والإرثرومايسين والتريميتوبريم-سلفاميتوكسازول) يقتصر البديل على الفانكوميسين مع الريفامبيسين أو من دونه.

الوقاية:

هناك لقاح عديد التكافؤ polyvalent مشتق من عديدات السكريد المحفظية لأكثر الأنماط مشاهدة من  أخماج العقديات الرئوية، واللقاح جيد التحمّل وآمن في البالغين، ويُوصى بإعطائه لمن تجاوز الخامسة والستين من العمر، وللأشخاص الذين تزيد أعمارهم على الستين المصابين بأدواء مزمنة كالداء القلبي الوعائي، أو الداء الرئوي المزمن، أو الداء السكري، أو التشمّع، أو الكحولية أو في حالات استئصال الطحال، أو الإصابة بفقر الدم المنجلي، أو للمثبطين مناعياً بسبب خباثة منتشرة أو قصور كلوي مزمن أو معالجة كيميائية أو معالجة مديدة بالستيروئيدات.

لا يُعرف على وجه التحديد أمد المناعة بعد التلقيح، ولكن من الثابت تراجعها بسرعة في المسنين والمثبطين مناعياً.

-3 المكورات المعوية  enterococcus

هي مكورات إيجابية الغرام، وبحسب تصنيف لانسفيلد فهي المجموعة (الزمرة) D، يمكنها النمو والبقاء في ظروف زرع جرثومي متطرفة، هي عادةً مقاومة للمضادات الحيوية بخلاف العقديات. تكون جزءاً من (النبيت) الفلورا الطبيعية للأمعاء في الحيوان والإنسان. بدأت المكورات المعوية بالظهور في المستشفيات على نحو متزايد منذ تسعينيات القرن الماضي، وذلك نتيجة استعمال المضادات الحيوية الواسع مثل السيفالوسبورينات والكينولونات اللذين لا تتحسس منهما. من أكثر المكورات المعوية التي يتم استفرادها سريرياً المكورات العقدية البرازية  E.faecalis، ولكن الأكثر مقاومة للمضادات الحيوية هي المكورات العقدية البرازية E.faecium، وهناك سلالات أقل شيوعاً.

الأخماج التي تسببها المكورات المعوية:

تسبب أحياناً التهاب طرق بولية مكتسباً في المجتمع، ولكن الأكثر أهمية هو التهاب الشغاف المكتسب في المجتمع والذي يزداد حدوثاً. والعقديات البرازية هي سبب هذا الخمج في معظم الأحيان. لذا فإن كل مريض تظهر هذه المكورة المعوية بزرع دمه يجب الافتراض أنه مصاب بالتهاب شغاف حتى يثبت النقيض.

تسبب هذه الجراثيم المكتسبة في المستشفيات التهاب الطرق البولية؛ ولا سيما بعد استعمال أدوات أو أجهزة للاستقصاء داخل الطرق البولية، وأخماجاً داخل البطن، وأخماج الجروح (بالمشاركة مع جراثيم أخرى)، وإنتانات مرتبطة بوجود قثاطر داخل الأوعية، وفي الديال، كما تسبب التهاب شغاف على نحو عابر.

التدبير والحساسية من المضادات الحيوية:

المكورات المعوية معندة على الكثير من المضادات الحيوية ولها القدرة على اكتساب آليات جديدة للمقاومة؛  مما يؤدي إلى بُقياها في البيئة التي يتم فيها استخدام كميات هائلة من المضادات الحيوية. ولحسن الحظ فإن عدداً لابأس به من المرضى ممن تم عزل المكورات المعوية فيهم لا يتطلبون مضاداً حيوياً للعلاج. لا يمكن القضاء على المكورات المعوية باستعمال الأمبيسيلين/أموكسيسيلين وحدهما، ولكن يجب المشاركة مع الأمينوغليكوزيد للحصول على فعل تآزري synergetic، مُبيدٍ للجرثوم bactericidal. والمعويات البرازيّة E.faecium معندة على الأمبيسيلين/أموكسيسيلين دائماً. أما المعويات البرازية E.faecalis فمعندة أحياناً.

العقديات والمكورات المعوية  streptococci and enterococci

استعمل بيل روث كلمة عِقْدِيّات streptococci عام 1874؛ ليصف مكورات بشكل سلسلة شوهدت في الجروح المتقيحة، ثم أطلق عليها روزنباخ عام 1884 اسم المكورات العِقْدِيَّة المُقَيِّحَة، وما زالت من أهم الجراثيم المُمرضة للإنسان.

مُيِّز عام 1984نمط متفرع من المكورات العقدية، هو المكورات العقدية البرازية  S.faecalis كذلك المكورات العقدية البرازيّة  S.faecium، وأصبحت تنضوي تحت اسم المكورات المعوية enterococci .

التصنيف:

المكورات العقدية هي مجموعة من الجراثيم المكورة إيجابية الغرام تسبب أمراضاً للبشر والحيوانات الأهلية، وتصنف بحسب التفاعلات المصلية؛ ولا سيما تصنيف لانسفيلد الذي يعتمد على كربوهيدرات جدار الخلية وعلى النشاط الحال للدم في وسط آغار، ويرمز إليها بالأحرف C-A-B....

تميز الآن ست مجموعات من هذه المكورات بحسب التحليل الجيني، وهي: المقيحة pyogenic والميليرية milleri والهيِّنة mitis واللعابية salivarius والطافرة   mutansوالبقرية  bovis. وتدمج العقديات الهيِّنة واللعابية والطافرة تحت اسم العقديات الفموية لأهميتها الطبية في التهاب الشغاف الخمجي، ومن العقديات الفموية كذلك العقديات الرئوية.

المكورات العِقْدِيَّةُ المُقَيِّحَة:

تتضمن هذه المجموعة الجراثيم الأساسية المُمرِضة للإنسان، وأهم أنواعها العِقْدِيَّةُ المُقَيِّحَة Streptococcus pyogenes أو العقدية الحالّة للدم α مجموعة (الزمرة) A ، والعقدية الحالّة للدم β مجموعة  B (S.agalactiae). وهناك مجموعة C و G.

1ً- المكورات العِقْدِيَّةُ المُقَيِّحَة مجموعة A

ما تزال نسبة حدوث الإصابة بالتهاب البلعوم بالمكورات العقدية وشدتها ثابتين عبر العقود، ولكن تراجعت نسبة حدوث الخراجات حول اللوزتين أو التهاب الخشاء، بسبب استعمال المضادات الحيوية، كذلك تراجعت منذ بدايات القرن العشرين نسبة حدوث الحمى الرثوية والحمى القرمزية وكذلك شدتهما حتى منتصف الثمانينيات، حين ظهرت مجموعة من العقديات شديدة الفوعة كانت السبب بحدوث أخماج شديدة جداً غالباً في أناس أصحاء مثل متلازمة الصدمة السمية بالعقديات streptococcal toxic shock syndrome والتهاب اللفافة النخري. تُعدّ المكورات العقدية المقيحة جراثيم مكتسبة في البيئة، ولكن قد تكتسب في المستشفيات؛ ولا سيما بعد العمليات الجراحية.

الحمل  carriage:

مع أن هذه الجراثيم غازية فهي قد تعيش على سطح البشرات بشكل محمول غير عرضي؛ ولا سيما في الأنف والبلعوم. وقد تُلفى أيضاً في المهبل والشرج وعلى فروة الرأس. ترتفع نسبة الحمل في البلعوم في الأطفال (5-20% منهم) أكثر منها في البالغين (0.5%)، وتختلف كذلك بحسب الفصول والسنة والموقع الجغرافي، وقد ترتفع أكثر في أماكن الازدحام وقد يستمر وجودها شهوراً بعد حدوث التهاب البلعوم، ولكن بأعداد قليلة.

الآلية الإمراضية، والفوعة ، والأنماط:

تُعدّ العقديات المقيحة عاملاً ممرضاً خارج خلوي ، قادراً على إنتاج عوامل ذات فوعة عالية تستطيع أن تتجنب دفاعات المريض؛ لتنتشر في النسج، ومن هذه العوامل بروتين  M القادر على حماية العقديات من البلعمة من قبل الكريات البيض. أظهرت الدراسات الحديثة تنوعاً جينياً في العقديات وانتقالاً أفقياً لجزيئات جينية تفسر ظهور أنماط جديدة ذات فوعة عالية من هذه الجراثيم. من أهم العوامل خارج الخلوية التي تنتجها أيضاً والتي لها أهمية إمراضية ولها علاقة بالفوعة الجرثومية:

-1 البِبْتِيدُوغليكان  peptidoglycan: قد يُحدث التهاباً مزمناً من خلال تفعيل المتممة وتركيب وسائط مختلفة.

-2 المستضدات البروتينية:

أ: المستضد  M: جزيء كبير من البروتين يُلفى في الغشاء الخلوي، ويُعدّ الأكثر ارتباطاً بالفوعة، وهو يجتاز الجدار الخلوي الجرثومي، ويسهّل التصاق الجرثوم بسطوح الخلايا، ويجعله مقاوماً للبلعمة، ويؤدي تكوين الأضداد إلى تعديل فعالية هذا البروتين؛ وإلى إحداث مناعة مديدة للخمج الغازي تكون نوعية النمط.

ب: المستضدات T: وهي مهمّة في ترصّد العُزول.

-3 الحمض التيكوئيكي الشحمي  lipoteichoic acid (LTA): يُلفى على جدار الجرثوم، ويساعد على التصاقه بخلايا الغشاء المخاطي، وهو سام للخلايا.

-4   C5A ببتيداز.

-5الذيفانات الخارجية المولّدة للحمى: هناك ثلاثة ذيفانات خارجية مولدة للحمى يطلق عليها الأحرف  A و B و C، وهي المسؤولة عن ارتفاع الحرارة والاندفاعات في الحمى القرمزية، وتكبح تركيب الأضداد.

-6 النواتج خارج الخلوية:

(1) ستربتوليزين  (streptolysin O) O: بروتين وحيد السلسلة، مستمنع immunogenic، يُحدث استجابة مناعية ناشطة. ووجود أضداد مصلية له يُعدّ دليلاً على وجود خمج بالمكورات المقيحة.

(2) ستربتوليزين S (streptolysin S): عديد ببتيد غير مستضدي ذو تأثير حالّ للكريات الحمر والبيض.

(3) الهيالورونيداز hyaluronidase: وهي خميرة تخرّب حمض الهيالورنيك الموجود في النسيج الضام.

(4) النوكليازات nucleases: وهي أربعة  A و B و C و D، وتساعد على تمييع القيح، وعلى إيجاد رَكيزَة مناسبة للنمو. تم حديثاً تمييز NADase (nicotine- adenine- ainucleotidase) في 100% من ذراري العقديات المقيحة مجموعة  A، وهي ترافق الأخماج الغازية مثل متلازمة الصدمة السمية والتهاب اللفافة النخري.

تنتقل العقديات المقيحة بالقطيرات، وتخترق مخاطية الجهاز التنفسي العلوي أو أي خدش بالجلد محدثة الخمج الموضعي، أو تنتشر في النسج والأوعية اللمفية.

أخماج العقديات المقيحة  S.pyogenes:

تراوح بين ماهو شائع مثل التهاب البلعوم، والقوباء، والتهاب النسيج الخلوي إلى ماهو أقل شيوعاً مثل الأخماج النِّفاسِيّة، والتهاب اللفافة النخري، وتجرثم الدم، ومتلازمة الصدمة السمية. كذلك ترافق عقابيل الحمى الرثوية rheumatic fever الحادة والتهاب الكبيبات والكلية الحاد.

-1التهاب البلعوم بالعقديات streptococcal pharyngitis :

أو التهاب اللوزتين، وهو من أكثر الالتهابات الجرثومية شيوعاً في الأطفال بعمر 5-15 سنة، ولكن كل الأعمار عرضَة للإصابة به. فترة الحضانة قصيرة 1-3 أيام؛ ولا سيما في الفاشيات. يرافق بدء الخمج احمرار مفاجئ في البلعوم وألم حين البلع ودعث وارتفاع حرارة  وصداع. أما العلامات فهي احمرار ووذمة البلعوم، وتضخم اللوزتين واحمرارهما مع بقع بيض قيحية، وحمى، وضخامة العقد اللمفية الرقبية الأمامية. ويشيع في الأطفال الغثيان والقياء والألم البطني، وقد يحدث التهاب أذن وسطى.

قد يمتد التهاب البلعوم مسبباً التهاب جيوب أو أذن وسطى أو مضاعفات قيحية أخرى مثل العاذور (خراج حول اللوزتين) (quinsy) ، أو التهاب خشاء أو التهاب عقد لمفية رقبية قيحيّاً.

-2 الحمى القرمزية  scarlet fever:

تحدث حين الإصابة بالنمط المنتج لذيفان SPE (erythrogenic toxin) من العقديات المقيحة. ترافق التهاب البلعوم بالعقديات، وقد تحدث بعد خمج بالعقديات في أي موقع آخر بما فيه خمج موضَّع في مكان العمل الجراحي، لكنها نادراً ما تعقب تقيح الجلد. تحدث معظم الحالات بعمر المدرسة، ويجب تفريق الطفح الحادث بسببها عن الطفح الڤيروسي بمتلازمة كاواساكي Kawasaki ومتلازمة الصدمة السمية بالعنقوديات.

يظهر الطفح في اليوم الثاني للمرض بشكل احمرار منتشر متناظر يتلاشى بالضغط، يُشاهد على العنق والصدر وثنيات الإبط والمغبن. ويبدو ملمس الجلد نتيجة إصابة الغدد العرقية بملمس ورق الرمل، وهي علامة مفيدة في المرضى ذوي الجلد الأدكن. يبدو الوجه محمراً مع شحوب حول الشفتين. تشاهد بقع نزفية على الحنك، وتُغطي اللسان طبقة بيضاء كالفراء وعليها حليمات حمر؛ مما يبدو معه اللسان بمنظر يسمى لسان الفراولة strawberry  tongue ، تتقشر هذه الطبقة بعد ظهور الطفح لتترك سطح اللسان مغطى بحليمات حمر فاتحة مثل توت العليق raspberry tongue. يستمر الطفح عدة أيام، ثم يحدث التوسف بفترة 3 أسابيع على رؤوس أصابع اليدين والقدمين والأذنين، وأقل من ذلك على الجذع والأطراف. (قد يحدث طفح مماثل نتيجة استعمال الستربتوكيناز علاجاً حالّاً للخثرة).

-3 التهاب النسيج الخلوي حول الشرج بالعقديات  streptococcal perianal infection:

خمج سطحي ينتشر من الشرج في الأطفال؛ ولا سيما الصبية، ترافقه حكة وألم في المستقيم حين التغوط، وتغوط مدمى. وقد عزلت العقديات المقيحة في زروع من المنطقة حول الشرج ومن مسحات بلعومية قبل العلاج.

-4 التهاب الشفرين والمهبل streptococcal vulvovaginitis :

يحدث في الفتيات قبل البلوغ، وسببه غالباً العقديات المقيحة. يتظاهر بمفرزات مصلية واحمرار الشفرين وفوهة المهبل، وكما في الخمج حول الشرج تُلفى العقديات في البلعوم، قد يتأثر أكثر من فرد من العائلة بهذين الخمجين، ومن المحتمل وجود حالة حمل للجرثوم في البلعوم الأنفي في الحالتين.

-5 التهاب الجلد والنسج الرخوة بالعقديات  skin and soft tissue infections:

تقيح الجلد/القوباء pyoderma/impetigo :

قد تُلفى العقديات المقيحة في أي آفة جلدية صديدية، ترافق أحياناً العنقودية المذهبة. تتضمن هذه الآفات: القوباء، والتقرح والجروح الملتهبة، ولدغ الحشرات، والكَلَب، والإكثيما  ecthyma. تسبب العقديات المقيحة غالباً خمجاً ثانوياً في الحماق قد يتطور أحياناً لإنتان دم. أما الإكثيما فهي الشكل المتقرح للقوباء يمتد التقرح فيها إلى الأدمة.

تبدو الآفة الجلدية بشكل اندفاع حطاطي ثم بشكل حويصل محاط بمنطقة احمرار، وأخيراً بشكل بثرة مع قشرة من المفرزات القيحية. وقد تكون هذه الآفة موضعة أو معممة.

تحدث أحياناً فاشيات من القوباء بين الكبار حينما يتعرض الجلد للرض. كذلك قد تحدث هذه الفاشيات في أماكن الرعاية اليومية والسجون والمدارس.

-6 الحُمْرَة erysipelas :

هي التهاب حاد يشمل الجلد واللمف، تتوضع العقديات في الأدمة وتحتها، تحدث غالباً على الوجه؛ ولا سيما في المسنين، وقد تكون في الجانبين، وقد يتكرر حدوثها.

تُذكر عادة قصة ألم بلعوم، ولكن نمط الانتقال للجلد غير معروف. يرافقها ارتفاع الحرارة وعرواءات وحالة انسمام. تبدأ الآفة الجلدية بمنطقة احمرار لامعة متورمة موضعية ثم تنتشر وتظهر سريعاً حافات محمرة مرتفعة متميزة من الجلد الطبيعي المجاور. تبدأ الحمرة الوجهية فوق جسر الأنف، وتنتشر للخدين، ثم تظهر الحويصلات والفقاعات، ولا تلبث أن تنبثق لتصبح كالقشور. وتحدث وذمة واضحة تؤدي إلى إغلاق العينين، ويتلو الشفاءَ حدوثُ تقشر أو توسف.

-7 التهاب النسيج الخلوي (التهاب الهلل)cellulitis :

سببه غالباً المكورات العقدية والعنقودية المذهبة. وهو التهاب حاد ينتشر في الجلد وتحته مع ألم موضعي وتوذم واحمرار، قد يسبقه بساعات ارتفاع حرارة وعرواءات ودعث، وقد يرافقه التهاب أوعية لمفية ومضض في العقد اللمفية. وقد ينجم عن خمج في الحروق أو الرضوض البسيطة أو الشق الجراحي.

يختلف التهاب النسيج الخلوي بالعقديات عن الحُمرة بأن الآفة ليست مرتفعة؛ والحدود بين الجلد السليم والمصاب غير واضحة.

يغلب وجود خمج فطري في القدم حين حدوث التهاب نسيج خلوي في الساق، وتكون الآفة في القدم عاملاً مؤهباً للخمج بالعقديات. وقد تتكرر الإصابة في المنطقة نفسها، ولكن ذلك يحدث غالباً حين وجود خلل مزمن في الأوردة أو انسداد في الطرق اللمفية أو في مكان أخذ طعم وريدي لإجراء الوصلات الإكليلية القلبية. ومن المرجح أن تكون هذه الأخماج بالعقديات مجموعة  C أو  G.

-8 التهاب اللفافة النخري (الموات بالعقديات) necrotizing fasciitis:

وصفه Meleney عام 1924، يشمل النسج العميقة تحت الجلد واللفافة، ويشمل العضلات أحياناً، مع تنخر واسع وموات في الجلد والبنية تحته. من عوامل الخطورة التي تؤهب لوجود مدخل للأخماج: الجراحة، والرض، والولادة، وحقن المخدرات، والحماق، وكذلك الرض بأداة كليلة وتمزق العضلات واستعمال مضادات الالتهاب غير الستيروئيدية. يبدأ الخمج بحدوث احمرار، وتوذم، وارتفاع الحرارة، ويتطور بسرعة إلى ألم موضعي يتلوه تغير لون المنطقة إلى البنفسجي وحدوث فقاعات غالباً ما تكون نزفية. قد يكون الألم الشديد وارتفاع الحرارة هما الشكوى الوحيدة؛ إذا كان الخمج عميقاً أصاب العضلات، وذلك في مكان الرض. يتجرثم الدم غالباً، وفي أيام يبدأ تنخر الجلد ليتلوه توسف واسع. تصل نسبة الوفيات إلى 30-70%، وقد ترافق معظم الحالات أعراض متلازمة الصدمة السمية ومظاهرها.

يتضمن العلاج البدء المبكر بتطبيق المضادات الحيوية، حيث تعنو العقديات للبنيسيلين، ولكن قد لا يكون هذا الدواء فعّالاً ولو بتراكيز عالية eagle effect. يتفوق الكليندامايسين على البنيسيلين بحسب بعض الدراسات على الحيوان والإنسان. أما الخطوة العلاجية الإسعافية فهي تنضير النسج المتنخرة السريع جراحياً، وكذلك تقديم العناية المشددة للمريض خطوة مهمّة جداً قد تنقذ الحياة؛ إذ إنها تدعم بقية الأعضاء من أجل البقيا مثل القلب والأوعية والكلى. أما الغلوبولينات المناعية فما تزال قيمتها موضع بحث.

-9 متلازمة الصدمة السمية بالعقديات streptococcal toxic shock syndrome :

وُصفت هذه المتلازمة عام 1989، وعُرّفت أنها كل خمج حاد بالعقديات المقيحة يرافق صدمة أو فشل عدة أعضاء. قد ترافق هذه المتلازمة التهاب لفافة نخريّاً أو ذات الرئة، أو التهاب الصفاق أو خمجاً نِفَاسِياً. تحدث في أي مرحلة عمرية، ولكنها أكثر ما تحدث في الشباب. وتحدث العدوى في معظم الحالات في المجتمع، وقد تحدث في المستشفيات.

-10 تجرثم الدم بالعقديات  streptococcal bacteremia:

ترافق ازدياد الأخماج بالعقديات المقيحة بازدياد حالات تجرثم الدم في المجتمع والمستشفيات. تُلفى في معظم المرضى عوامل مؤهبة مثل الخباثات ونقص المناعة والسكري، وقد يكون المريض سالماً وبعمر 20-50 سنة. يكون مدخل الخمج الجلد، ترتفع نسب الوفيات في المرضى الذين يعانون مرضاً مرافقاً مثل التهاب اللفافة النخري أو التهاب العضلات أو ذات الرئة أو الأخماج النِّفَاسِيّة وفي طرفي العمر.

-11 الأخماج النِّفَاسِيّة وأخماج الولدان puerperal and neonatal infections :

كانت العقديات المقيحة تُعدّ من أهم أسباب أخماج حول الولادة (حمى سرير الطفل  childbed fever)، ولكن ندر حدوثها في عصر المضادات الحيوية إلى أن حدثت حالات جديدة في منتصف الثمانينيات رافق بعضها متلازمة الصدمة السمية بالعقديات وحدوث بعض الوفيات. تحدث هذه الأخماج بعد الإجهاض أو الولادة؛ إذ تقوم العقديات (المستوطنة في المريضة نفسها) بغزو الرحم واللمف ومجرى الدم. وقد تكون هذه الأخماج شديدة جداً وتتظاهر بعلامات غير نوعية مثل التململ واضطرابات هضمية، وقد تغيب الحمى؛ مما يسبب عدم التوجه للتشخيص الصحيح. يشمل الخمج كلاً من الرحم والملحقات، وقد يصيب مواضع بعيدة مثل المفاصل، وقد يؤثر في المولود مسبباً أخماجاً خطرة مثل التهاب السحايا.

-12 أخماج أخرى:

قد تسبب العقديات المقيحة عدداً من الأخماج مثل ذات الرئة (عادة مع إنتان ڤيروسي أو مرض رئوي)، وذات العظم والنقي، والتهاب المفصل القيحي، والتهاب السحايا، والتهاب التأمور، والتهاب باطن المقلة والتهاب الشغاف.

تشخيص أخماج العقديات المقيحة المخبري:

من السهولة زرع هذه المكورات في المخبر على وسط آغار مدة 24 ساعة في بيئة تحتوي 10% CO2. يجب أخذ مسحات من البلعوم قبل البدء بالصادات الحيوية، ويجب أخذ مسحتين واحدة للكشف السريع وإذا كانت سلبية تزرع الأخرى بالشكل المناسب.

من المفيد أخذ مسحات من الآفات الجلدية أو موضع العمل الجراحي، ولكن المسحات المأخوذة من سطح النسيج الخلوي الملتهب أو من الحُمرة نادراً ما تُعطي معلومات ذات قيمة، وقد يفيد أخذ رشافة في 20% من الحالات فقط.

يمكن إثبات الخمج بالفحوص المصلية؛ إذ يكشف ارتفاع أضداد العوامل خارج الخلوية، كمعايرة أضداد ستربتوليزين  O، وأضداد الدي أوكسي ريبونوكلياز  B، ومستضد عقديات المجموعة A . ويتطلب تفسير هذه الموجودات معرفة عيار هذه الأضداد على نحو عام في المجتمع في أشخاص أصحاء لم يصابوا حديثاً بخمج بالعقديات، مثلاً يبلغ عيار أضداد الستربتوليزين O في الأصحاء في بريطانيا 200 وحدة.

تدبير الأخماج بالعقديات المقيحة:

ماتزال المكورات العقدية المقيحة حساسة على البنيسيلين  G، وهو المضاد الحيوي الأول في العلاج بشكله الوريدي في الحالات الشديدة أو بشكله الفموي في غيرها. يُوصى مدرسياً بالعلاج مدة 10 أيام في أخماج البلعوم حتى يتم التخلص من الجراثيم وللوقاية من الحمى الرثوية الحادة، ولكن التقيّد بهذه التوصية نادر عملياً؛ إذ يوقف المضاد الحيوي منذ تراجع الأعراض. يعالج المرضى المتحسسون من البنيسيلين بالإرثرومايسين أو الماكروليدات الأخرى مثل الإزيترومايسين أو الكلاريترومايسين. ولكن هناك 3-5% من السلالات معندة على الإريترومايسين في معظم دول الغرب. وتعنو العقديات المقيحة أيضاً للسيفالوسبورينات.

يفيد تطبيق العلاجات الموضعية مثل موبيروسينmupirocin   وحمض الفوسيديك إضافة إلى العلاج الجهازي في حالات القوباء والآفات الجلدية الأخرى.

يتطلب علاج المصابين بمتلازمة الصدمة السمية القبول في العناية المشددة، وقد يتطلب العلاج الداعم القلبي الذي يؤثر في التقلص العضلي inotropic therapy  تهوية آلية ودِيالاً دموياً.

يتطلب علاج التهاب اللفافة النخري تداخلاً جراحياً إسعافياً وفورياً، وكذلك الأمر في التهاب العَضَل.

يُوصى بالعلاج بالكليندامايسين (إضافةً إلى البنيسيلين) في أخماج العقديات الغازية  invasive؛ لأنه يُوقف نشاط العقديات الاستقلابي، فيُوقف بذلك كل إفراز للذيفان، ويصلح ذلك في التهاب اللفافة النخري، والتهاب العَضَل ومتلازمة الصدمة السمية.

لم توصِ الدراسات على نحو قاطع وأكيد بإعطاء الغلوبولينات المناعية التي تفيد في تعديل ذيفانات العقديات.

تتطلب الوقاية من تكرار التهاب النسيج الخلوي في الأطراف السفلية  العناية الفائقة بالقدمين بالتنظيف الجيد والتجفيف وعلاج سعفة القدم إن وُجدت وإنقاص حمل الجراثيم على الجلد بتطبيق  mupirocin. وقد تستفيد وذمات الأطراف السفلية من ارتداء الجوارب المطاطية، ويجب استعمال المضادات الحيوية الوقائية حين تكرار الحالات الخمجية على الرغم من اتخاذ كل هذه الإجراءات.

من المهم تذكّر أن العقديات المقيحة تنتقل من شخص إلى آخر بالقطيرات واللمس، لذا يجب اتباع الاحتياطات الخاصة بضبط العدوى مثل غسل الأيدي الصحي وغيره.

2ً- المكورات العقدية الحالّة للدم- β مجموعة B ( β-Haemolytic group B streptococci S.agalactiae)

عُرفت هذه المجموعة منذ أكثر من قرن بوصفها سبباً لالتهاب الثدي البقري  bovine mastitis، ومُيّزت عام 1930 بوصفها جراثيم مُسْتَعْمِرَة للقناة المهبلية، وسبباً للحمى النفاسية أحياناً، وذلك حتى ستينيات القرن الماضي حين تأكد أنها عامل مُمْرِض مهم في الوِلْدان. تسبب هذه المجموعة أيضاً طيفاً واسعاً من الأخماج في الكبار عدا الحَمَلة مثل أخماج الجلد والنسج الرخوة وتجرثم الدم وأخماج الجهاز البولي وأخماج المفاصل والعظم والتهاب الشغاف والتهاب السحايا.

الحمل  carriage

قد تُلفى المجموعة B في مواضع عدة في بالغين أصحاء، وقد وُجد أن المسحات من الجزء السفلي من السبيل البولي التناسلي genitourinary tract غالباً ما تكون إيجابية أكثر من المسحات من عنق الرحم، تراوح نسبة الحمل من 3-40%، وتتزايد مع ازدياد النشاط الجنسي. والإحليل والمهبل وحول الشرج مواضع رئيسية للحمل. كذلك يحمل نحو 5-10% من البالغين الأصحاء المكورات العقدية مجموعة B في البلعوم عدا الحمل البولي المهبلي.

الآلية الإمراضية والفوعة والأنماط:

يبدو أن المحدد الرئيسي للفوعة هو المحفظة عديدة السكاريد التي تحيط بجدار الخلية والتي تشبه البروتين M الموجود في العقديات المقيحة، وهو الذي يثبط البلعمة.

أخماج المكورات العقدية الحالّة للدم- β مجموعة B :

-1أخماج الولدان  neonatal infections:

ذكرت بعض الدراسات أن تكرر حدوث الأخماج في الولدان (تجرثم الدم، التهاب السحايا أو كليهما) يراوح بين 0.3 حتى 5.4 حالة لكل 1000 ولادة حية، ولكن هذه النسب غير دقيقة. هناك طيفٌ واسعٌ من الأمراض التي تنجم عن هذه المجموعة من العقديات مثل القوباء الوَليدِيّة، التهاب المفصل القيحي، ذات العظم والنقي، ذات الرئة، التهاب الصفاق، التهاب الحويضة والكلية، التهاب النسيج الخلوي الوجهي، التهاب الملتحمة، التهاب باطن المُقْلة.

بدء المرض المبكر: تظهر أعراض الخمج بالعقديات مجموعة B في الأيام الستة الأولى من العمر وبوسطي 20 ساعة. وقد يتظاهر هذا البدء الباكر بتجرثم دم من دون تحديد بؤرة خمج، ولكنه قد يتظاهر بذات رئة أو أقل من ذلك بالتهاب سحايا. تتضمن العلامات مظاهر نُوام، صعوبة إرضاع، يرقاناً، شحوباً، هبوط ضغط، والأعراض التنفسية موجودة دائماً. وترتفع نسبة الوفيات في الولدان ذوي الوزن الناقص.

يمكن عزل الجرثوم من عينات زرع الدم ، وإيجاد الذراري نفسها في عينات من القناة المهبلية للأم. ويمكن إجراء زروعات من أماكن أخرى في الوليد مثل الأذن والبلعوم والرشافة الأنفية المعدية من أجل التقصي (التحري screening ).

البدء المتأخر: يتظاهر بين 7 أيام حتى ثلاثة أشهر بعد الولادة، وعلى الأغلب في ولدان أصحاء كان مخاضهم عادياً، وجيء بهم من المنزل. يُصاب معظم الأطفال بالتهاب سحايا أو تجرثم دم مرافق يتظاهر بأعراض غير وصفية مثل الدَّعَث وصعوبة الإرضاع والهياج والحمى. وتزداد العقابيل العصبية في الناجين.

البدء المتأخر جداً: يحدث في مواليد أعمارهم أكثر من 3 أشهر، ويزداد فيمن وُلِدَ قبل 28 أسبوعاً من الحمل أو في مواليد يعانون اضطرابات مناعية.

-2 الخمج النِّفاسِيّ  puerperal infection:

يحدث بين 24-48 ساعة من الولادة أو الإجهاض، ويكون مصدر الجرثوم المهبل عادة. يحدث الخمج حين حدوث تمزق الغشاء الأمنيوسي الباكر أو التهابه. تبدو معظم الأخماج بشكل التهاب بطانة الرحم، مع حمى ومضض فوق الرحم يرافقه أحياناً بقاء أجزاء من محصول الحمل، كذلك قد تحدث العقديات مجموعة B خمجاً في الجرح بعد العملية القيصرية. يشيع حدوث تجرثم الدم، وقد تعزل جراثيم هوائية أو لاهوائية أخرى من القناة التناسلية أو الجروح.

الأخماج في البالغين (غير الحوامل):

قد تحدث هذه المجموعة من الجراثيم مراضة أو وفيات في البالغين من الرجال أو النساء غير الحوامل.

تراوح نسب الحدوث بين 4 و7 حالات لكل 100000، وقد تصل إلى 26 لكل 100000 في المسنين بعمر 65 سنة وأكثر. وتُعَدّ سبباً في إحداث 3/4 الأمراض الغازية. تُكتسَب معظم الأخماج في المجتمع، وتحدث في البالغين بمنتصف العمر أو المسنين، وتتساوى نسب الحدوث في الرجال والنساء.

تتضمن عوامل الخطورة لإحداث مرَضٍ غازٍ كلاً من الداء السكري، الخباثات، الكحولية، أمراض الكلية أو الكبد المزمنة، الأمراض القلبية الوعائية، الأمراض الغروانية الوعائية، الرضوض.

يشيع حدوث التهاب النسيج الخلوي في السكريين، وقد يحدث التهاب طرق بولية عابر في الرجال أو النساء. ومن التظاهرات السريرية الأخرى حدوث التهاب الشغاف، التهاب العظم والنقي الفقاري، التهاب المفصل القيحي، التهاب باطن المقلة، التهاب السحايا.

الفحوص المخبرية لتشخيص أخماج المجموعة B من العقديات:

يجب بزل السائل الدماغي الشوكي لكشف التهاب السحايا في الولدان. تعزل هذه الجراثيم من أي عينة من المريض، ويتم تمييزها بسهولة بتنميط لانسفيلد. ومن المهم ذكره أن مستضدات هذه المجموعة تكشف على نحو دقيق وموثوق وسريع في سوائل الجسم مثل الدم والبول والسائل الدماغي الشوكي باختبار تراص جسيمات اللاتكس latex particle agglutination .

تدبير الأخماج بالعقديات مجموعة  B:

تتحسس هذه الجراثيم من البنيسيلين، وهو الدواء المختار للعلاج. ولكنها أقل حساسية من العقديات المقيحة وبتركيز أصغري للتثبيط minimal inhibitory concentration (MIC) أعلى بــ 4-10 مرات. لذا يجب مشاركة البنيسيلين بأدوية أخرى مثل الجنتامايسين للحصول على الفعل التآزري، وذلك في التهاب السحايا وبعض الأخماج الخطرة على الرغم من عدم وجود براهين كافية تُثبت فعالية ذلك. ويجب إعطاء البنيسيلين بالجرعات العليا المسموحة سواء أعطي مع الجنتامايسين أم لا. تتحسس جراثيم هذه المجموعة أيضاً من الإرثرومايسين والسيفالوسبورينات.

الوقاية من الأخماج بالعقديات المجموعة B في الولدان:

المضادات الحيوية الوقائية في أثناء الوَضْع Intrapartum antibiotic prophylaxis :

تتضمن أسس الوقاية معرفة أهم عوامل الخطورة لحدوث الأخماج في هذه المجموعة كالولادة قبل الأسبوع السابع والثلاثين من الحمل، تمزق الأغشية المبكر، تمزق الأغشية المديد(أكثر من 18 ساعة قبل الولادة)، التهاب الطرق البولية بهذه العقديات في أثناء الحمل، حرارة أكثر من 38 درجة مئوية خلال المخاض، تسرع قلب الجنين المستمر داخل الرحم، إصابة بهذه العقديات في ولادة سابقة.

استخدمت هذه العوامل لإيجاد مرشدات للوقاية من حدوث الخمج المبكر بهذه العقديات، ويوصي مركز السيطرة على الأمراض بأتلانتا بتقصي النساء الحوامل بإجراء زروع في الأسبوعين الخامس والثلاثين والسابع والثلاثين للحمل وإعطاء المضاد الحيوي المناسب في أثناء الوَضْع وقايةً لمن لديهم هذه المجموعة من العقديات. وأدى هذا الإجراء إلى هبوط واضح في نسب حدوث الأمراض ذات البدء المبكر بالعقديات B.

اللقاح Vaccination :

تجرى التجارب الآن لتهيئة لقاح واقٍ من الإصابة بهذا النوع من العقديات.

-3 العقديات المخضِّرة/الفموية  streptococci viridans:

هذه المجموعة حالّة للدم a ، وتتضمن العقديات الرئوية S. pneumoniae والعقديات الفموية الهينة والدموية والغوردونية ونادراً اللعابية (mitis, oralis, sanguis, gordonii, and rarely salivarius) والتي هي من أكثر أسباب حدوث التهاب الشغاف الخمجي من مصدر فموي أو سني شيوعاً. تسبب هذه العقديات أحياناً تجرثم الدم في المرضى المصابين بنقص العدلات ممن لديهم آفة فموية ، وتسبب الأخماج في الولدان؛ لأنها تكون في النبيت (الفلورا) الطبيعي للقناة التناسلية.

يجب التفكير أو الشك بهذه الأخماج في المرضى المصابين بنقص العدلات الذين تناولوا علاجاً وقائياً بالفلوروكينولونات كالسيبروفلوكساسين.

(2العصيات

-1  الليستريات المستوحدة

الليستريا المستوحدة Listeria  monocytogenes جرثوم متحرّك إيجابـي الغرام غير مبوغ، لاهوائي مُخَيَّر،عصوي الشكل، وقد يبدو مكوّراً أحياناً. تسبب العدوى به الإصابة بداء الليستريات   listeriosisالذي ينتقل بالطعام. وللجرثوم أنماط مصلية مختلفة، أهمّها إمراضياً الأنماط المصلية 1/2 a و 1/2 و4 b. وهي تُسبّب أخماجاً حيوانية وبشرية في كلّ أنحاء العالم، ولكن إصابة الإنسان بالليستريا نادرة.

الوبائيات:

تنتشر الليستريا المستوحدة في الطبيعة انتشاراً واسعاً؛ إذ تُلفى في التربة وبقايا نباتات الذرة والبقول والمنتجات الغذائية ومياه الصرف الصحي وأغذية الحيوانات. كذلك بيّنت الدراسات الوبائية وجودها في محتويات أمعاء الأبقار والأغنام والخنازير والكلاب والقطط، المصابة وفي روثها، كما تُلفى في براز الأشخاص الأصحاء، وتزداد مخاطر التعرّض للإصابة مهنياً في الأطباء البيطريين والمزارعين ومربـي الحيوانات والجزارين وعمال المسالخ.

ينتقل خمج الليستريا المستوحدة بالطريق الفموي بتناول الحليب الطازج الملوّث أو الجبن الطري، أوالخضر الملوَثة، وقد ينتقل بوساطة الحمامات أو المياه السطحية الملوّثة، أو باستنشاق الغبار الملوّث في أثناء تنظيف الإسطبلات، وقد تحدث أخماج المستشفيات بالليستريا بسبب التلوّث في وحدات المخاض. لا تنتقل الإصابة من الحيوانات المصابة إلى الإنسان مباشرة، وتقتصر حالات العدوى بين البشر على الانتقال العمودي من الأم المصابة إلى وليدها.

تستطيع عصية الليستريا النمو في درجات حرارة منخفضة (0-40)ْ م ، لذلك هي قادرة على النمو والتكاثر في الأطعمة المحفوظة بالبراد، وتُؤكل نيئة.

التظاهرات السريرية: يُعدّ داء الليستريات من الأخماج الانتهازية؛ إذ تحدث الإصابات به على نحو خاص في المضعفين مناعياً، ولكنها قد تصيب الأسوياء مناعياً (الرجال أكثر من النساء).  تختلف شدة الأعراض من أعراض خفيفة تشبه أعراض الإنفلونزا إلى تجرثم دم والتهاب سحايا قد تكون مميتة، وقد تكون الإصابة موضعة أحياناً. وتسبب في الحوامل متلازمة (الأم والجنين).

قد تسبب الليستريا جائحات على شكل التهاب أمعاء (حرارة، إسهال، غثيان، إقياء، تعب ووهن عام) في الأسوياء مناعياً، وكثيراً ما يُهمل التشخيص في هذه الحالات بسبب عدم إجراء الزروع الخاصة بالليستريا.

يحدث تجرثم الدم على نحو خاص في البالغين المثبطين مناعياً، وتشمل التظاهرات السريرية الحمى وهبوط الضغط الشرياني والصدمة، ولكن الحرارة قد تغيب في المثبطين مناعياً.

يحدث التهاب الدماغ مع التهاب السحايا أو على نحو منفصل؛ إذ تبدأ الإصابة العصبية بالصداع والحمى والغثيان والقياء، وبعد عدة أيام تبدو الأعراض الجهازية وشلل الأعصاب القحفية وتدني درجة الوعي حتى السبات. أما التبدلات في تحاليل السائل الدماغي الشوكي فقليلة.

الإصابات الموضعية نادرة، وتحدث على نحو خاص في المثبطين مناعياً نتيجةً لتجرثم الدم وانتشار الجرثوم، وتشمل التهاب النسج الرخوة، وذات العظم والنقي، والتهاب الصفاق، والتهاب الشغاف وذات رئة. تتظاهر الإصابة الجلدية الموضّعة بحمى واندفاعات جلدية على اليدين والذراعين والصدر والوجه، وتكون هذه الاندفاعات حطاطية حمامية أو بثرية تأخذ بالاتساع، ويراوح لونها بين الأرجوانـي والأزرق

إصابة الأم والجنين: يحدث داء الليستريات الحملي في النصف الثانـي من الحمل غالباً، والأعراض شبيهة بأعراض الإنفلونزا كالحمى والعرواءات والصداع والوهن العام والتهاب الحويضة والكلية مع ألم أسفل الظهر، بيد أن أغلب أخماج الليستريات في أثناء الحمل تكون لا عرضية.  تعبر الجراثيم المشيمة إلى الجنين مسببةً إجهاضاً تلقائياً أو ولادة طفل مصاب بداء الليستريا ولادة مبكرة. تظهر الأعراض في المولود مبكرة مع نسبة وفيات عالية. يبدو السائل الأمنيوسي بلونٍ مخضر، ويعاني المولود تجرثم الدم ولوناً يرقانياً وعلامات ذات رئة والتهاب سحايا، وقد تحدث اختلاجات مع التهاب دماغ أو من دون ذلك.

التشخيص: يعتمد على الشك السريري في وجود داء الليستريات وإثبات وجود العامل المُمْرِض. يمكن استنبات عصيات الليستريا المستوحدة من الدم أو السائل الدماغي الشوكي أو الاندفاعات الجلدية أو القيح أو سائل السلى  أو العقي، ويحتاج ذلك إلى مستنبتات خاصة.

وقد تجرى الاختبارات المصلية كاختبار التراص البطيء أو اختبار تثبيت المتمّمة، وتُعاد هذه الاختبارات المصلية بفاصل 10-14 يوماً لكشف ارتفاع المستضدات ارتفاعاً مهماً.

العلاج: تتحسس الليستريا المستوحدة من طيفٍ واسعٍ من المضادات الحيوية (البنيسيلينات مثل الأمبيسيللين، الكلورامفينيكول، الباكتريم، الجينتامايسين، الإريثروماسين، التتراسيكلين، الفانكومايسين)، وهي مقاومة للسفالوسبورينات والفوسفومايسين في الزجاج وحساسة من الكينولونات مثل الموكسيفلوكساسين.

العلاج الموصى به هو (2-3غampicillin  كل 6 ساعات) مع ( gentamycin 360ملغ/ساعة) مدة أسبوعين، وتمدد المعالجة أسبوعاً ثالثاً حين الإصابة بالتهاب الشغاف.

أما جرعات الأطفال فهي ( ampicillin 200-300ملغ/كغ) مع ( gentamycin 3-5ملغ/كغ).

والباكتريم (Bactrim) وريدياً هو الخط الثاني في علاج التهاب السحايا مع (rifampin) 600 ملغ وريدياً مدة أسبوعين.

الإنذار: نسبة الوفيات عالية؛ ولو بُدِئ بالعلاج بالمضادات الحيوية المناسبة، وقد تبلغ 30%،  كما أنَّ نسبة النكس عالية؛ ولا سيما إذا لم يستعمل العلاج مدة كافية.

ليس ثمّة لقاح، ويُوصى بطهي الأطعمة جيداً قبل تناولها، فهي المصدر الأساسي للعدوى، واتباع وسائل الوقاية مهنياً.

-2العصيات الوتدية الخناقية

الوتديات الخناقية Corynebacterium diphtheriae عصيات إيجابية الغرام غير متحركة. تؤدي العدوى بالسلالات المفرزة للذيفان منها إلى الإصابة بالخناق diphtheria، وهو مرض خمجي يصيب الجهاز التنفسي العلوي ويعرض حياة المريض للخطر. تستطيع العصية الوتدية العيش خمسة أسابيع في التراب أو على البياضات والملابس. والإنسان هو المستودع الوحيد المعروف، وقد أصبح المرض نادر الحدوث في الدول المتقدمة بسبب حملات التلقيح، ولكنه مازال يسبب مشكلة كبيرة في الدول ذات الموارد الصحية القليلة. يسبب المرض نحو 5000 وفاة سنوياً في العالم، معظمها في الأطفال تحت خمس سنوات من العمر.

الآلية الإمراضية:

للعصيات الوتدية ثلاثة أنماط بيولوجية: الوخيمة gravis والمتوسطة intermedius   والخفيفة  mitis ، كلها قادرة على إنتاج الذيفان الخارجي وإحداث المرض. يحدث الخناق حين تتوضع العصيات الوتدية الخناقية المولدة للذيفان في الطرق التنفسية العلوية أو على الجلد. ثم يحدث ارتكاس التهابي شديد يؤدي إلى تشكل غشاء كاذب رمادي اللون يتكوّن من الخلايا الظهارية والليفين (الفيبرين) والخلايا الالتهابية والجراثيم يلتصق بالنسج تحته، وهو ما يميز الخناق. تحدث التأثيرات الجهازية بسبب إطلاق ذيفان الخناق القادر على قتل الخلية حقيقية النواة  eukaryotic cell.

يرتبط ذيفان الوتديات الخناقية بغشاء خلية المضيف، ثم يدخل الهيولى، ويعطّل عامل التَّطْويل 2 elongation factor 2، وينجم عن ذلك توقّف تركيب البروتينات في الخلية ثم موتها. يؤثر ذيفان الوتديات الخناقية في عضلة القلب والجملة العصبية، وقد تلاحظ الأذية التي يحدثها في مختلف الأعضاء أيضاً..

الوبائيات:

الإنسان هو المستودع الوحيد المعروف في الخناق، وتحدث العدوى بتماس حامل الوتديات الخناقية أو المصاب بالخناق، إذ تنتقل العصيات عبر القطيرات التنفسية أو بتماس الآفة الجلدية مباشرة، وتُعدّ الدفتريا الجلدية مرضاً مُعدِياً أكثر من الدفتريا التنفسية؛ ولا سيما في ظروف الفقر والازدحام.

تشير الدراسات المصلية الحديثة التي أُجريت في عدة بلدان إلى أن أكثر من 50% من البالغين هم عُرْضَة للخناق بسبب النقص العادي في مناعتهم مع تقدمهم بالعمر. وقد سجلت حالات دفتريا جلدية في بريطانيا وفرنسا منذ العام 2002، حدثت فيها العدوى من الحليب النيء أو من الحيوانات أو من التماس الصميم مع الحيوانات الأهلية (بقر، ماعز، قطة، كلب)؛ مما يستدعي الاستمرار في ضرورة الإبلاغ عن الحالات المرضية وضرورة الاستمرار بحملات التلقيح.

التظاهرات السريرية:

تمتد فترة الحضانة 2-6 أيام، وقد تطول أحياناً، يبدو المرض بعدها على نحو حاد وبعدة طرق، تصنف بحسب أماكن تَوَضُّع الغشاء الكاذب:

(1 الأنفي الأمامي: يكون المرض خفيفاً ومزدوجاً، وهو شائع في الطفولة، تشاهد مفرزات أنفية مائية تنقلب إلى قيحية مع لطخات دموية، وقد يشاهد احمرار أو قشور وغشاء كاذب رقيق ضمن المِنْخَر.

(2 لَوْزِيّ (حَلْقِيّ): من أكثر الأشكال شيوعاً، يرافقه دَعَث، وحمى، والتهاب حَلْق، وعُسْر بلع، وضخامة العقد اللمفية الرقبية ضخامة مُمِضّة، قد تشاهد في البدء بقع صفر رمادية صغيرة من الغشاء الكاذب على لوزة واحدة أو لوزتين.

(3 رُغامِيّ حَنجَرِيّ: يتلو الشكل اللوزي في 85% من الحالات، وتتضمن الأعراض البدئية ترفعاً حرورياً بسيطاً وخشونة الصوت وسعالاً غير مُنْتِج، وبعد يوم أو يومين تنتشر الوذمة والغشاء، ويعاني المريض ضيق تنفس وانسحاب العضلات الصدرية recession انسحاباً شديداً، وزرقة مع خطورة انسداد الطرق التنفسية وحدوث اختناق حتميّ إن لم يُزل العائق. يؤدي خزع الرغامى إلى زوال أعراض الانسداد مباشرة إذا كان الغشاء ساداً الحنجرة فقط.

(4 خبيث: بدؤه سريع مع ترفع حروري شديد وتسرع قلب وهبوط ضغط وصدمة وعائية وزُرقة، ثم ينتشر الغشاء الكاذب من اللوزتين، ويغطي معظم البلعوم الأنفي. ومع تطور الحالة تبدأ الأجزاء الباكرة بالتنخر مع انتشار رائحة نتنة، يرافق ذلك ضخامة عقد لمفية رقبية شديدة وواضحة للعيان، لكن يصعب جسها فُرادى بسبب الوذمة المحيطة، وهذه علامة مُمِّيزَة تُسمى رقبة الثور. الإنذار سيئ جداً؛ فقد ينزف المريض من فمه وأنفه، وقد يحدث حصار قلب خلال أيام، وقد يبدأ قصور كلوي حاد، لذا تكون البقيا غير أكيدة.

(5 جلدي: يكثر في المناطق الاستوائية، وقد ذكرت منه حالات في أمريكا في المشردين الكحوليين. وهو خفيف، لكنه مزمن بخلاف الأشكال التنفسية. تتفاوت أشكال الإصابة به من إمكان استعمار آفة جلدية سابقة فقط كشق جراحي أو مكان لدغ حشرات من دون تغيير صورتها السريرية؛ إلى الشكل القرحي، وهو الأكثر حدوثاً. وقد تبدأ الإصابة بشكل حويصل أو بثرة ممتلئة بسائل قَشِيّ اللون، ثم تنبثق لتترك قرحة مرتفعة تبلغ عدة ميليمترات إلى عدة سنتيمترات. ومن أكثر الأماكن إصابة الساقان والقدمان واليدان.

المضاعفات:

ينجم المرض الجهازي عن ذيفان الخناق. تحدث المضاعفات في نحو 10% من المصابين بالخناق، وتشيع في الخناق الخبيث أكثر من الخناق اللوزي. وأهم المضاعفات الجهازية التهاب العضلة القلبية الذي يتباين في سيره من السير تحت السريري إلى التهاب العضلة القلبية الخاطف. ويبدو بفحص المصاب بآفة قلبية نبض متسرع خيطي وهبوط الضغط الشرياني، قد يتطور إلى صدمة تنتهي بالوفاة. وقد يبدو في حالات أخف قصور قلب احتقاني وتغير موقع صدمة القمة ونظم خبب gallop ونفخات مسموعة فوق كل القلب. وقد يرافق ذلك ضخامة كبدية وشح بولي.

هناك مضاعفات عصبية شديدة يسببها ذيفان الخناق مثل شلول الأعصاب القحفية؛ ولاسيما الحنك، وتتباين أذية العَصَبون الحركي من الضعف الخفيف إلى الشلل التام. وقد يحدث قصور كلوي مع نخر أنبوبي حاد.

التشخيص:

يُبنى التشخيص على الموجودات السريرية، ويُثبت بزرع مسحات من البلعوم الأنفي، والحلق، والجلد أو أجزاء من الغشاء على أوساط زرع مختارة. تتصف العصيات الوتدية بأنها عيدان rods إيجابية الغرام غير متحركة لا أبواغ لها ولا محفظة. تظهر بتلوين غرام كالأحرف الصينية. ومن اختبارات التشخيص اختبار إيليك المعدل modified Elek test  لتحرّي إنتاج الذِّيْفان. وهناك اختبارات حيوية (بيولوجية) حديثة كاختبار التنميط الحيوي biotyping .

التشخيص التفريقي:

يجب تفريق التهاب البلعوم في الخُناق عن التهاب البلعوم الجرثومي؛ ولاسيما العقدي، والڤيروسي كداء وحيدات النوى الخمجي وذبحة فنسان وداء المبيضات وخراج حول اللوزة والزهري الفموي.كذلك تدخل الجمرة الخبيثة وحمى لاسا وابيضاض الدم في التشخيص التفريقي للخناق.

المعالجة:

(1  يُعدّ مضاد الذيفان الخناقي diphtheria antitoxin (DAT) أساس العلاج، يجب إعطاؤه تخبرياً حين الشك في الخناق وقبل ظهور نتائج الزرع الجرثومي. وتبدو فاعلية مضاد الذيفان أقوى كلما كان المرض خفيفاً أو كان بدء العلاج مبكراً؛ إذ تكون فائدته أفضل إذا طبق قبل وصول الذيفان إلى النسج مثل القلب والكلى، ويجب أن يُسبق تطبيقه بإجراء اختبار تحسس لتفادي الارتكاسات التحسسية الناجمة عن التطبيق. أمّا الجرعة المختارة فتبلغ 20000-100000 وحدة حقناً عضلياً؛ بحسب شدة المرض وموقعه، وقد يُلجأ في الحالات الشديدة إلى الحقن الوريدي،  ويُفضل تهيئة الأدرينالين لاستعماله إذا تحسس المريض إثر إعطاء مضاد الذيفان المستحضر من مصل الخيول.

(2 المضادات الحيوية: تعطى المضادات الحيوية للتخلص من الجرثوم ومن إنتاجه للذيفان. يُعطى البنيسيلين الوريدي150-200 ألف وحدة/كغ/اليوم مقسمة على 4 جرعات/14 يوماً، حتى إثبات سلبية المسحات الأنفية، ويجب تمديد العلاج 10 أيام أخرى إذا كان الزرع إيجابياً. ويمكن الاستغناء عنه بإعطاء الإرثرومايسين، أو الإزيترومايسين أو الكلاريترومايسين.

(3 يجب الاستعداد لخزع الرغامى حين الضرورة، ويمكن تطبيق الستيروئيدات معها. ولا بدّ من تقديم الرعاية الداعمة والراحة والحفاظ على السبيل التنفسي وتدبير التظاهرات القلبية والعصبية ومراقبة حدوث أي خمج ثانوي.

(4 تطبيق الاحتياطات القياسية في ضبط العدوى مثل العزل وتخصيص ممرضة للعناية بالمريض وأخذ مسحات من الحلق للترصد وتعرف الملامسين لإعطائهم علاجاً واقياً، هو جرعة وحيدة من بنزيل بنيسيلين، إرثرومايسين أو لمدة 7 أيام.

(5 إخبار الجهات المختصة بالحالات الحادثة.

الوقاية:

يُعطى الأطفال بعمر 2 و3 و4 أشهر ذوفاناً (ذيفاناً معطّلاًtoxoid ) مع مستضدات أخرى كاللقاح الثلاثي DTP (الخناق والكزاز والسعال الديكي) ضمن أنظمة تلقيح وطنية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى اللقاح الثلاثي مع لقاح المستدمية النزلية b (DTP-Hib) تُعطى جرعة داعمة من DTP بعمر 3 و5 سنوات، وجرعة DT  حين الانتهاء من الدراسة. أما الأطفال الذين تجاوزوا سن السابعة والبالغون فيعطون لقاحاً من ذوفاني الكزاز والخناق المُمتَزَّين adsorbent نمط البالغ   adult-Td. قد يصيب الخناق الأشخاص البالغين المُمَنَّعِين حين تقدمهم بالعمر، لذا وللحفاظ على فاعلية اللقاح يُوصى بتلقي جرعة معزّزة من لقاح ذوفاني الكزاز والخناق الممتزين نمط البالغ adult-Td كل 10 سنوات.

تُوصي منظمة الصحة العالمية بإعطاء لقاح خناق/كزاز DT بدل كزاز T وحده حين حدوث أذيات رضية.

- العصيات الجمرية

العصيات الجمرية bacillus anthracis جرثومة إيجابية الغرام متبوّغة، تصيب الثدييات العاشبة، وتصيب الإنسان حين تدخل أبواغها الجسم بالتعامل مع حيوانات أو منتجات حيوانية مخموجة مسببة داء الجمرة  anthrax، وهو مرض مشترك بين الإنسان والحيوان، وله أسماء أخرى كالبثرة الخبيثة أو داء فارزي الأصواف. ينتشر المرض في معظم دول العالم عدا الدول التي تعتمد برنامجاً لتلقيح المواشي. وتحتل الجمرة مركز الصدارة في الحرب البيولوجية.

تنتقل عدوى الحيوانات المخموجة -بوساطة مفرغاتها التي تلوّث الأعشاب- إلى الحيوانات السليمة، وأكثر الحيوانات تعرّضاً للخمج هي الأغنام والماعز والخيول والجمال. قد تكون الأعلاف والجلود والفراء والمنتجات الحيوانية المستوردة ملوّثة بعصيات الجمرة الخبيثة، وقد ينتشر المرض من مياه الصرف الصحي لدبّاغات الجلود ومعامل الصوف وغيرها. أما مهنياً فيتعرّض لخطر الإصابة الأطباء البيطريون وتجار المواشي والمزارعون والجزارون والمخبريون، وتشكّل الشقوق الجلدية والسحجات والجروح أهمّ بوابات الدخول. كذلك قد تنتقل العدوى باستنشاق الغبار المحتوي على أبواغ الجمرة حين القيام بالدباغة أو بجزّ الصوف، أو بتناول حليب الحيوانات المخموجة أو اللحوم المحتوية على الأبواغ.

الإمراض:

تبتلع البلاعم الأبواغ بعد دخولها الجسم عبر الجلد، وتُحمَل إلى العقد اللمفية الناحيّة، حيث يتم الإنتاش وإنتاج عصيات تدخل مجرى الدم، وتكون قادرة على إنتاج ذيفان الجمرة الخارجي ذي المركّبات البروتينية الثلاثة التالية: المستضد الواقي protective antigen (PA)، وعامل الوذمة  edema factor (EF)، والعامل القاتل  lethal factor (LF) إلى جانب المحفظة المحتوية على حمض الغلوتاميك D المتعدد المضاد للبلعمة الخلوية. يسبب هذا الذيفان اضطراباً في السوائل داخل الخلوية وفي عددٍ من إشارات النقل داخل الخلوية؛ مما يؤدي إلى حدوث وذمةٍ شديدة وقصور الأعضاء واضطرابٍ مناعي. وحين تكون العدوى بالاستنشاق فإن الأبواغ تصل محمولة بالقطيرات إلى القصبات حيث تتم البلعمة، وتصل إلى العقد اللمفية المجاورة حيث يتم الانقسام والإنتاش، وتدخل الجراثيم الدم حيث يصل عددها إلى 10 مليون/مل. أما في العدوى الهضمية التالية لتناول أطعمة ملوَثَة بالجمرة الخبيثة؛ فإنها تتوضع وتتكاثر في البلعوم الفموي وكامل السبيل الهضمي، وينجم عنها تقرح المخاطية وحبن وإسهالات مُدمَاة.

التظاهرات السريرية:

تستمر فترة الحضانة 2-12 يوماً، وتُشاهد ثلاثة أشكال سريرية متنوّعة تبعاً لبوابة الدخول.

(1 الشكل الجلدي: يُصادف في 95% من حالات الإصابة بالجمرة الخبيثة، ويحدث في الأماكن المكشوفة من الجلد بشكل اندفاع مفرد حطاطي شروي حول بوابة الدخول يتطور بين 12 و 24  ساعة إلى حويصل دموي مصلي أو دموي قيحي، يتقرّح هذا الاندفاع في نهاية الأسبوع الأول لتتكوّن قرحة ذات مركز منخفض، مغطاة بخُشارةٍ slough جلدية الملمس، ثمّ يتطور التقرّح إلى خشكريشة eschar يراوح لونها بين الأزرق المحمرّ القاتم والأسود، وتأخذ بالاتساع، وتكون جافة خشنة، تحيط بها وذمة متسعة. قد تكون الجمرات متُعدّدة في بعض الحالات، وعلى الرغم من الموجودات الموضعية الصاخبة تكون الجمرات عديمة الألم، في حين يكون التهاب الأوعية والعقد اللمفية الناحيّة مؤلماً، وترافقها أعراض عامة متوسطة الشدة. تشفى الآفة بفترة  2-6 أسابيع من ظهور التنخر، ولا تترك ندبة.

يسوء الإنذار إذا كانت بوابات الدخول في الوجه أو العنق، وتبلغ نسبة الوفيات بالجمرة الخبيثة الجلدية من دون معالجة 10-20 %، وتحدث الوفاة إمّا بسبب انسمام الدم الذي ترافقه اضطرابات جهازية مختلفة وصدمة؛ وإمّا بسبب التهاب السحايا.

يجب تفريق الجمرة الخبيثة الجلدية عن كلٍ من: لدغ العنكبوت، الطاعون الجلدي، التولاريميا الغدية القرحية، التهاب النسيج الخلوي بالعقديات أو العنقوديات.

(2 الشكل الرئوي: ينجم عن استنشاق الأبواغ، تمتد فترة الحضانة من يوم واحد إلى 43 يوماً، والأعراض غير نوعية تشبه أعراض إنتان ڤيروسي كالتعب، والوهن العام، وارتفاع الحرارة، والسعال غير المنتج. قد تسير الأمور نحو التحسن في بعض الأشخاص بمدة 2-4 أيام، أو تترقى الإصابة الرئوية على نحو صاعق إلى متلازمة الضائقة التنفسية الشديدة  (ARDS) acute respiratory distress syndrome، مع التهاب منصف نزفي ووذمة رئوية وانصباب جنب نزفي، وتتظاهر الإصابة حينئذٍ بحمى وعرواءات وتعرق غزير وضيق نفس وزلة وصرير حنجري وزرقة، وتتفاقم الحالة إذا لم تُعالَج خلال يوم إلى ثلاثة أيام نحو السبات فالموت. وتحدث في 50% من الحالات إصابة سحائية بالجمرة يليها حدوث الصدمة والوفاة خلال ساعات أو أيام. والتشخيص صعب في غياب حدوث جائحة.

(3 الجمرة الخبيثة المعوية: تنجم عن تناول الأطعمة المُلَوَّثَة وغير المطهوّة جيداً، تمتد فترة الحضانة من 2-5 أيام، ولها شكلان:

أ) الجمرة الفموية البلعومية، تتظاهر الأعراض بارتفاع الحرارة، وتورم العنق، وألم في الحلق، وتقرح في الفم والبلعوم، وعسر بلع. ينجم تورم العنق عن ضخامة العقد اللمفية الوداجية وتحت الفك مع توذم النسيج الجلدي المحيط بتلك العقد، وقد تصل الوذمة في الحالات الشديدة إلى أعلى الصدر وتحت الإبطين. وتحدث الوفاة بسبب الحالة السمية أو انسداد الطرق التنفسية العلوية. ويجب تفريق هذه الحالة عن الخُنّاق وعن خراج خلف اللوزة.

ب) إصابة الدقاق النهائي والأعور بالجمرة، والأعراض هنا غير نوعية مثل ارتفاع الحرارة، والغثيان، والقياء، والألم البطني، وقد يتطور الأمر سريعاً لحبن وإسهال مدمى. تؤدّي جمرات الغشاء المخاطي المعوي إلى حدوث انثقابات في الأمعاء الدقيقة والتهاب صفاق. قد تحدث في الحالات الشديدة حالة سُمِّيّة يليها الصدمة والوفاة خلال أيام قليلة. ويجب تفريق الحالة عن التسمم الغذائي، والتهاب المعدة النزفي، وحالة البطن الحاد.

لا بد أخيراً من ذكر أعراض الإصابة بالجمرة حين استعمالها سلاحاً جرثومياً. إذ قد تتظاهر الأعراض حينها  بحمى وعرواءات وسعال غير منتج وإعياء شديد وألم جنبي وضيق تنفس وغثيان وقياء وألم بطني وآلام عضلية، وتكون صورة الصدر غير طبيعية.

معايير التشخيص

التشخيص صعب في غياب الجائحات. ويعتمد على الشك السريري، وتشخص الجمرة الخبيثة الجلدية سريرياً بوجود اندفاع الجمرة النوعي غير المُؤلِم. أما التشخيص السريري للجمرة الخبيثة الرئوية أو المعوية فبالغ الصعوبة، وقد يوجّه وجود قصة تعرّض مهنـي نحو التشخيص. ويؤكد التشخيص مخبرياً بعزل عصيات الجمرة الخبيثة من اللطاخات المأخوذة من الجمرات أو من محتويات البثرات.

يمكن استعمال التفاعلات المصلية حين إجراء التشخيص الراجع retrospective. بمعايرة أضداد المستضد الواقي بالمقايسة المناعية لتشخيص الإصابة بالجمرة الناجمة عن الإرهاب البيولوجي، ويُعدّ ارتفاع عيار الأضداد إلى أربعة أضعاف بين معايرتين دليلاً على الإصابة.

العلاج:

العلاج داعم إضافة إلى المضادات الحيوية التي تؤثر في انقسام عصية الجمرة، ولا تؤثر في الشكل المُبَوَّغ منها. ويُعدّ البنيسيلين الدواء النوعي لمعالجة الجمرة الخبيثة، تُعالج الجمرة الجلدية بإعطاء البنيسيلين G بمقدار  مليوني وحدة وريدياً أربع مرات يومياً مدّة 2-4 أيام، ثم تُتابع المعالجة بالبنيسيلين V فموياً، ويجب أن تستمرّ المعالجة 10-14 يوماً. ومن الأدوية البديلة من البنسيلين، السيبروفلوكساسين أو الإريثرومايسين والتتراسيكلين والكلورامفينيكول، ويبدو أن للكليندامايسين فعالية مضادة للذيفان، ولا تُستعمل السيفالوسبورينات أو التري ميتوبريم-سلفاميتوكسازول في معالجة الجمرة.

أما في الإصابة الهضمية والتنفسية والسحائية فلا بد من مشاركة مضادين حيويين على الأقل بالطريق الوريدي مثل سيبروفلوكساسين أو دوكسيسيكلين مع البنيسيلين أو الأمبيسلين أو الريفامبيسين أو الفانكومايسن أو الكلورامفينيكول أو الكليندامايسين أو الإميبينم أو الكلاريترومايسين.

ويجب القيام بالإجراءات العلاجية الداعمة كالراحة في السرير وتطبيق الضمادات والكمادات الرطبة وتعويض السوائل والشوارد، وتُعدّ المداخلات الجراحية مضاد استطباب.

الإنذار:

 تصل نسبة الوفيات في الإصابة الجلدية غير المعالجة إلى 10-20% من الحالات، ولكنها تُصبح  نادرة بعد العلاج بالمضادات الحيوية المناسبة.

تؤدي جميع الحالات الصدرية والسحائية تقريباً إلى الوفاة، ولا يفيد البدء بالعلاج بعد ظهور الأعراض الشديدة.

الوقاية:

يجب أن تُمنَّع كل حيوانات المزارع في المناطق الموبوءة على نحو منوالي إذا استمر ظهور حالات من الجمرة في الحيوانات. كما يجب التخلص بطريقةٍ ملائمةٍ من جثث الحيوانات التي تنفق بسبب الجمرة،  وعدم ذبح الحيوانات المخموجة بقصد الاستهلاك البشري، وتعقيم المنتجات الحيوانية الواردة من مناطق موبوءة بالجمرة، والتثقيف الصحي الدقيق لأصحاب المهن التـي يتزايد فيها خطر التعرّض للإصابة.

يجب تمنيع الأشخاص عالي الخطورة للإصابة مثل عمال المخابر، وبعض الفئات العاملة بالقوات المسلحة.

كما يجب الوقاية بالصادات بعد التعرض لقُطيرات تحمل أبواغ الجمرة، وذلك بإعطاء السيبروفلوكساسين مدة 60 يوماً.

اللقاح هو المستضد الواقي  protective antigen، ويؤخذ من طفاوة  supernate سلالات مُوهَّنة غير ممحفظة من عصيات الجمرة attenuated nonencapsulated strains، تُعطى منه ثلاث جرعات بفاصل أسبوعين، ثم تُعطى ثلاث  جرعات بعد 6 و 12 و18 شهراً ثم جرعة داعمة سنوياً.

نقاط مهمّة حول الجمرة:

- قدرت منظمة الصحة العالمية أن نشر نحو 50 كغ من أبواغ عصيات الجمرة فوق مدينة فيها خمسة ملايين شخص سيؤدي إلى خمج نحو 250000 شخص، وقتل نحو 40% منهم. وستكون معظم الحالات تالية للاستنشاق، أي سيكون هناك حاجة كبيرة إلى العناية المشددة والمضادات الحيوية واللقاحات، ومعظم المدن غير قادرة على توفير ذلك.

- هناك أبحاث متزايدة لإنتاج عصيات الجمرة المعدلة وراثياً؛ مما يجعلها سلاحاً جرثومياً خطراً لأنها ستُقاوم كل المضادات الحيوية.

- يُعمل الآن على تحسين طرائق كشف الأبواغ في البيئة المحيطة، وهناك دراسات لفهم آليات عمل الذيفان وتسبيب الموت السريع؛ مما يسهل إيجاد علاجات فعالة.

-4 العصيات الشمعية 

العصيات الشمعيةBacillus cereus : هي عصيات إيجابية الغرام، هوائية رمَّامة (أو لا هوائية مُخَيَّرة)، متحركة حالّة للدم، تُنتِج أبواغاً مقاومة للحرارة، تبدو بتلوين غرام مستقيمة أو منحنية قليلاً، تنمو بسرعة في الأوساط المحتوية على الدم أو آغار الشوكولا، وهي شائعة الانتشار في التربة والمياه العذبة ومياه البحر وفي السبيل الهضمي للحشرات التي تسكن التربة.

تعني طبيعة انتشارها الواسع أن عزلها من العينات السريرية يعني وجود تلوث، فهي تُعدّ من أكثر الجراثيم المسببة لتلوث زروعات الدم أو الـسائل الدماغي الشوكي شيوعاً.

التظاهرات السريرية:

-1 التسممات الغذائية:

تسبب العصيات الشمعية نوعين من التسممات الغذائية: التسمم المُسبب للقياء emetic والتسمم المُسبب للإسهال  diarrheal؛ بحسب نوع الذيفان الذي تنتجه العصّية، إذ إنها تُنتِج الذيفان المُقيء أو المُسهِل، ونادراً ما تُنتج كليهما.

يحدث القياء بعد نصف ساعة حتى ست ساعات من تناول الطعام المحتوي على ذيفان العصية الشمعية (ذيفان عصبي) ترافقه آلام بطنية في100% من الحالات، وإسهال في 33% منها، مع ارتفاع خفيف في حرارة الجسم، تزول الأعراض بعد 6-24 ساعة. ويكون الطعام غالباً الأرز المطبوخ جزئياً والمخزن في درجة حرارة الغرفة والمُعاد تسخينه، هذه الظروف تُحَرِّض الجرثوم على إنتاج ذيفان ضمن الأمعاء، وهو ببتيدات مقاومة للحمض والحرارة.

ويحدث الإسهال بعد 8-16 ساعة من تناول الطعام المُلَوَّث، وهو إسهال مائي غزير مع آلام بطنية وقياء (33% من الحالات)، ونادراً ما ترتفع الحرارة ارتفاعاً خفيفاً يزول بفترة 24 ساعة. تستمر كلتا الحالتين (القياء والإسهال) فترة قصيرة، ولا تحتاج إلى معالجة نوعية.

يقال بحدوث فاشية بالعصيات الشمعية حين عزل الجرثوم من البراز من شخصين أو أكثر تشاركا وجبة طعام، أو حين عزل 510 جرثومة في 1 غرام من الطعام المتهم؛ لأنَّ العصيات غير الممرضة منتشرة على نحو شائع في الطعام.

ذكرت بعض الدراسات أنَّ 15% من البالغين الأصحاء يحملون العصيات الشمعية في السبيل الهضمي على نحو طبيعي ضمن الفلورا (النبيت)الطبيعية.

-2 الإصابة الجلدية:

قد تسبب العصيات الشمعية التهاب نسج رخوة وعضلية تالية للأذيات والجروح كما في حوادث الطرقات أو بعد الجراحة العظمية. وتسبب كذلك إصابات جلدية أولية في المصابين بنقص العدلات والمثبطين مناعياً، كما تسبب أخماجاً في فروة الرأس بعد حلاقة الشعر في التجمعات العسكرية.

تكون الآفات الجلدية بثرية أو حويصلية تتوضع على اليدين والأطراف في الطقس الدافئ، وتعالج بالـ vancomycin  وريدياً. ونادراً ما تحدث حطاطات متفرقة مع آفات عقيدية في المصابين بالإيدز تُظهِر الخزعة فيها وجود خراجات تحوي حبيبومات محاطة برشاحة أيوزينية (ظاهرة  Splendore-Hoeppli).

-3 الإصابة العينية:

تسبب العصية الشمعية خمج باطن العين التالي لأذية رضية أو جراحة عينية؛ إذ يحدث في 3-10% من حالات رضوض العين النافذة، وتقل هذه النسبة كثيراً حين إعطاء المضادات الحيوية وقائياً في مدة 48 ساعة.

-4 الإصابات العصبية:

قد تسبب الليستريا  أخماجاً في الجهاز العصبي المركزي تالية لأذية رضية أو جراحة عصبية أو حين وجود تحويلة (شنت). وقد تسبب التهاب سحايا بعد بزل قطني.

التشخيص:

يكون بزرع عينات من الطعام أو البراز أو القيء. أما اختبارات تحري الذيفان في البراز فصعبة وغير متوفرة تجارياً. وتطور تقنية الـ PCR لكشف جينات السلالات المُقيئة من العصيات الشمعية.

المعالجة:

يجب إزالة أي جَهيزَة device طبية صنعية داخل الجسم حين حدوث خمج، كالقثطرة الوريدية أو تحويلة السائل الدماغي الشوكي.

العصيات الشمعية مقاومة لجميع البيتالاكتام ما عدا الكاربابيتم، والعلاج المختار هو vancomycin أو clindamycin، ويمكن استعمال الـ imipenem أو fluoroquinolone علاجاً بديلاً. ويضاف الأمينوغليكوزيد للفانكومايسين أو الكليندامايسين في الأخماج الشديدة.

-5 النوكارديّات

يضم جنس النوكارديا Nocardia 33 نوعاً على الأقل من هذه الجراثيم مثل النوكارديا البرازيلية  N.brasiliensis  والنوكارديا النجمية  N.asteroides، وهي جراثيم هوائية خيطية إيجابية الغرام مقاومة للحمض جزئياً، متشعبة تتفرع في النسج المصابة، وقد تنقسم إلى أشكال عصوية، وتتكدس في بعض الحالات بشكل حبيبات مشكلة نموذجاً فطرياً. وتنتشر هذه الجراثيم في المناطق الحارة، وتسبب عدوى الأشخاص الأصحاء بها الإصابة بداء النوكارديا  nocardiosis، والإصابة بالنوكارديا النجمية (تأخذ سلالاتها شكل النجوم) هي الأكثر شيوعاً في البشر.

الإمراض:

تنتشر جراثيم النوكارديا في التربة حيث الخضراوات الفاسدة وفي البيئة المائية، وقد تُعزل أيضاً من الهواء. تحدث النوكارديا الرئوية بعد استنشاق الجرثوم من الهواء، وقد تنتشر بالدم لتسبب داءً منتشراً. أما الإصابة الجلدية البدئية فتحدث نتيجة لانزراع الجرثوم التالي لأذية رضية، وتكون بشكل خراجات، وقد تتشكل حبيبات فطرية الشكل في مكان دخول الجرثوم.

الوبائيات:

ارتفع  معدل الحدوث في السنوات الأخيرة ولا سيما المثبطين مناعياً. وتضم الحالات المؤهِّبَة الخباثات والخمج بــ HIV وغيره من حالات العوز المناعي، وزرع الأعضاء وتناول الستيروئيدات بجرعاتٍ عالية وأدواء الكولاجين الوعائية والتهاب المفاصل الرثياني ووجود مرض رئوي سابق.

التظاهرات السريرية:

(1 داء النوكارديا الجلدية الأولية:

غير شائع، وله أشكال متعددة كعقيدة صغيرة أو قرحة أو خراجة في مكان الدخول، وقد تتشكل سلسلة من العقيدات الثانوية (كما في داء الشعريات المبوغة) على مسار الأوعية اللمفية مسببة اعتلال عقد لمفية ناحيّاً. تتراجع بعض هذه الحالات تلقائياً، يسبب هذا الشكل من الداء النوكارديا النجمية.

(2 الورم الفطري بالنوكارديا: تسببه النوكارديا البرازيلية.

(3 داء النوكارديا الرئوية:

شائعة في المثبطين مناعياً، وقد تأخذ الإصابة الرئوية في الأشخاص الأصحاء مساراً مزمناً، وتكون الحالة مشابهة تماماً للتدرن الرئوي، في حين تتطور الأعراض بسرعة كبيرة في المثبطين مناعياً.

تنتج الإصابة الرئوية في معظم الحالات عن النوكارديا النجمية.

(4 داء النوكارديا المنتشر:

يحدث بالانتشار الدموي في المرضى المثبطين مناعياً، وقد يحدث من دون دليل على وجود إصابة رئوية.

أكثر أماكن الانتشار شيوعاً الدماغ حيث تتشكل خراجات ثانوية من دون إصابة السحايا. أما الانتشار إلى المواضع الأخرى مثل الكبد والكليتين والعظم فأقل شيوعاً.

التشخيص المخبري:

يعتمد التشخيص على الزرع، وتفيد دراسة الآفات الجلدية دراسة نسيجية في تشخيص الداء. تنمو النوكارديا على أوساط الزرع العادية، لكنها تتطلب فترة حضانة طويلة من 5 - 30 يوماً.

تفيد تقنية الــ PCR لتشخيص النوكارديا سريعاً.

المعالجة:

السلفوناميدات هي أساس العلاج مثل sulfadiazine بجرعة 4-6 غرامات يومياً، مع الــ Co-trimoxazole أو وحده. وتفجير الخراجة كافٍ للشفاء في معظم الحالات. فترة العلاج الدوائي طويلة تصل إلى 3 أشهر في الأشخاص الأصحاء، و 6 أشهر في المثبطين مناعياً.

لا تستجيب الأنواع غير النجمية استجابة جيدة للسلفوناميدات، ومعظم الأدوية في هذه الحالة تستند إلى تجارب شخصية، لكن على نحو عام يُستعمل دواءان معاً. تتضمن الأدوية البديلة الـ minocycline ، و imipenem  و  amikacin، وذلك بعد إجراء اختبارات التحسس الدوائي.

ليس ثمّة وسيلة معروفة للوقاية من الإصابة حالياً.

 

 

التصنيف : الأمراض الخمجية
النوع : الأمراض الخمجية
المجلد: المجلد الرابع عشر
رقم الصفحة ضمن المجلد : 61
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1116
الكل : 40572750
اليوم : 102565