logo

logo

logo

logo

logo

الإسهال

اسهال

diarrhea - diarrhée



الإسهال

خلود حشيش

 

الإسهال الإفرازي الإسهال الإلتهابي
الإسهال التناضحي الإسـهال الحادّ
الإسهال التحركي الإسـهال المزمن

 

 

 

الإسـهال diarrhea عرضٌ يُمكن أن يُشـاهد في عددٍ كبيرٍ من الحالات المرضيّة. يُعرَّفُ الإسهال بأنه طرح براز رخو أو سائل، ويترافق ذلك عادة بزيادة عدد مرات التبرز وزيادة وزن البراز الذي لا يتجاوز في الحالات السوية 200غ/ يوم عند الذين يتناولون غذاء متوازن الألياف، أما إذا زاد وزن البراز على الحد المذكور، أو زاد عدد مرات التبرز على ثلاث مرات في اليوم، واحتفظ البراز بقوامه المعتاد؛ فلا يعدّ ذلك إسهالاً.

قد يكون الإسهال حادّاً (ومدّته أقل من أسبوعين)، أو مستمرّاً (ومدّته بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع)، أو مُزمناً (ومدّته أكثر من أربعة أسابيع). وقد يكون الإسهال بسيطاً (لا تتبدل فيه الفعالية اليومية للمصاب)، أو متوسط الشدّة (تتبدل فيه الفعالية اليومية للمريض، ولكنَّه يبقى قــادراً على ممارسة العمل)، أو شديداً (الأعراض مُقعِدة للمريض).

وهناك حالتان شائعتان تترافقان بوزن براز أكثر من200غ باليوم ينبغي تمييزُهما من الإسهـال؛

أولاهما: الإسهال الكاذب: وهو المرور المتواتر لكميّات صغيرة من البراز الذي يترافق عادةً بالإلحاح المستقيميّ، وتُشاهد هذه الحالة في متلازمة المعي الهيوج أو التهاب المستقيم.

وثانيتهمـا: السلس البرازي: وهو المُرور اللاإرادي لمُحتويـات المُستقيم، وينجم غالبـاً عن اضطرابات عصبيّة عضليّة أو مشاكل في البُنى المستقيميّة الشَّرجيّة. كما أنَّ الإسهال والإلحاح الشديدين قد يسبّبان عدم استمساك البراز.

يحدث الإسهال الكاذب والسلس البرازي بنسب مشابهة أو أعلى من حدوث الإسهال المزمن، ويُعامل الشَّخص خطأً كمريض مصاب بالإسهال.

يحدث إسهال فرط الإفاضة overflow diarrhea في دُور المسنِّين بسبب انحشار البراز الذي يُمكن كشفه بالمسّ الشرجيّ، وتُميَّز هذه الحالات عادةً بالقصّة المرضية والفحص السريريّ.

الفيزيولوجية المرضيّة

ينجم الإسهال عن واحدٍ أو أكثر من الأسباب التالية:

1- نقص امتصاص الماء والشوارد عن الحد السوي أو زيادة إفرازها (الإسهال الإفرازي).

2- وجود ذوائب سيئة الامتصاص وفعالة تناضحياً (الإسهال التناضحي).

3- شذوذ تحرك الأمعاء (الإسهال التحركي).

4- التهاب المخاطيّة مع نتح المخاط والدم أو القيح منها (الإسهال الالتهابي).

1- الإسهال الإفرازي:

هو الإسهال الذي ينجم عن خلل في نقل الشوارد عبر الظهارة المعوية والذي يتجلى بنقص امتصاص الماء والشوارد -وهو الغالب - أو بزيادة إفرازها. يتظاهر الإسهال الإفرازي عادة على شكل إسهال مائي غزير يستمر ولو امتنع الشخص عن تناول الطعام مدة 48-72 ساعة.

تصنف الأمراض التي تسبب الإسهال الإفرازي في عدة فئات:

أ- الفئة الأولى: وفيها تقوم الوسيطات mediators الشاذة كالذيفانات الجرثومية (ذيفان الهيضة، ذيفان السلمونيلة) وبعض المسهلات والحموض الدهنية والحموض الصفراوية ونواتج الخلايا الالتهابية بإحداث تبدلات في الإنزيمات الخلوية؛ مما يؤدي إلى نقص امتصاص الشوارد أو زيادة إفرازها.

ب- الفئة الثانية: وتضم الأمراض الشاملة للمخاطية المعوية؛ وفيها تتخرب الخلايا الظهارية، أو يختل عملها وينقص عددها. وقد يكون سبب الإسهال نقص سطح الامتصاص كما هي الحال في بتر الأمعاء.

2- الإسهال التناضحي:

ينجم عن دخول إحدى الذوائب سيئة الامتصاص بتركيز عال إلى السبيل الهضمي. عندما تصل هذه الذائبة إلى القسم الداني من الأمعاء الدقيقة يتدفق الماء والصوديوم إلى اللمعة عبر المخاطية المعوية؛ ليعدل أوسمولية سائل اللمعة حتى تتساوى مع أوسمولية البلازما، والمحصلة النهائية لذلك هي حدوث الإسهال.

يتميز الإسهال التناضحي سريرياً بصفة مهمة؛ وهي أنه يتوقف عند الصيام أو عندما يتوقف الشخص عن تناول الأغذية سيئة الامتصاص.

3- الإسهال التحَركي:

إن حركة الأمعاء هي التي تحدد سرعة مرور السوائل فيها وبالتالي مدة التماس بين الخلايا الظهارية ومحتوى اللمعة، فإذا زادت سرعة عبور السوائل في الأمعاء الدقيقة بسبب فرط التحرك hypermotility؛ قلّت مدة التماس، ونقصت كمية السوائل والغذيات الممتصة فيها، ووصلت إلى القولون كمية كبيرة من السوائل تتجاوز قدرته على الامتصاص مما يؤدي إلى حدوث الإسهال. ويحدث الأمر نفسه عندما تزداد سرعة العبور في القولون. وبالمقابل فإن نقص التحرك hypomotility في الأمعاء الدقيقة يساعد على حدوث فرط النمو الجرثومي فيها مما يؤدي إلى حدوث الإسهال.

يسهم خلل التحرك المعوي في حدوث الإسهال عند المصابين بمتلازمة الأمعاء الهيوجة والمتلازمة السرطاوية وسرطان الدرق اللبي واعتلال الأعصاب السكري، وينطبق الأمر نفسه على الإسهال التالي لقطع المبهمِين وقطع المعدة واستئصال المرارة وقطع الدسام اللفائفي الأعوري.

4- الإسهال الالتهابي:

تتخرب في هذا الشكل من الإسهال الخلايا الظهارية للأمعاء، ويترافق ذلك بارتكاس التهابي متفاوت الشدة وتبدلات في إفراز المخاطية وقدرتها على الامتصاص. يحدث ذلك عندما تجتاح العوامل الممرضة المخاطية المعوية؛ مما يؤدي إلى إطلاق عدد من الوسيطات التي تحرض المخاطية على الإفراز. يتميز الإسهال الالتهابي بقلة وزن البراز واحتوائه على النضحة المخاطية القيحية والدم، وقد تتألف مفرغات المريض من هذه العناصر الالتهابية بمفردها.

أولاً- الإسـهال الحادّ

ينجم أكثر من 90% من حالات الإسهال الحاد عن العوامل الخمجيّة، وتترافق هذه الحالات غالباً وقياء وإسهال وألمٍ بطني. ويحدث 10% من الحالات بسبب الأدوية والسموم المُتناولة والإقفارِ المعويِّ وحالاتٍ أُخرى.

1- الأسباب الخمجيّة:

مُعظم الإسهالات الخمجيّة مُكتسبةٌ بالطريق الفمويّ الشرجي، وتتم العدوى غالباً بتناول الماء والطعام الملوّث بالعوامل المُمرضة الموجودة في البراز الحيوانيّ والإنسانيّ.

إن اضطراب النبيت (الفـلورا) المُحدث بالصادّات يمكن أن يُحدِث الإسهال بإنقاص وظيفة الهضـم أو السماح بفرط نموِّ بعض العوامل المُمرضة مثل المطثيّات العَسيرة Clostridium difficlie. ويحدث الخمج الحـادّ أو الأذيّة عنـدما يتغلّب العامل الممرض على المنـاعة المـخاطيّة والدّفاعات غير المناعيّة (حمض المعدة، والإنزيمات الهاضمة، وإفراز المخاط، والحركات التمعجية، والنبيت المثبِّط).

يتعرض بعض الفئات من الناس أكثر من غيرهم لحدوث إسهال خمجي حاد وهم:

أ- المسافرون: الذين كثيراً ما يصابون بالإسهال الخمجي الناجم عن عدوى جرثومية أو فيروسية أو طفيلية.

ب- مرتادو المطاعم والحفلات والولائـم الذين يتعرضون للإصابة بالأخماج الجرثومية؛ ولاسيما الخمج بالسلمونيلّة والشيغلة والعُنقوديّات المذهبة التي تنتقل عدواها عن طريق لحوم الدجاج والبيض ومشتقات الحليب، وكذلك الخمج بالعصيّات الشمعية Bacillus cereus التي تنتقل عن طريق تناول طعام جرى تركه في درجة حرارة الجو التي تسمح للجراثيم بالتكاثر.

ج- الأشخاص مُعوزو المناعة سواء كان عوز المناعة أولياً: (عوز IgA، وعوز الغامّا غلوبولين من الدم hypogammaglobulinemia، والأمراض الحُبيبوميّة المزمنة) أم ثانوياً؛ وسببه الإيدز أو الشيخوخة أو الأدوية. ويحدث لدى هذه الفئة من المرضى إسهـال أكثر شدة وأطول مدّةً من المعتاد.

د- ويُصاب المترددون على مراكز الرعاية اليومية وعائلاتهم بالأخماج الجرثومية والڤيروسية المختلفة. وتكون أكثر الإصابات في دور المسنين بالمطثيات العسيرة .

2- الأسباب الدوائية:

تعدّ التأثيرات الجانبية للأدوية السبب غير الخمجي الأكثر شُيوعاً للإسهالات، ويشير إليها التزامن بين استخدام الدواء وبدء الأعراض. وعلى أنَّ الأدوية المُحـدِثة للإسهال غير قابلة للحصر فإنَّ بعضها تُتَّهم بإحداثه على نحو أشيع مثل الصّادّات، ومضادّات اضطراب النظم القلبية كالكينيدين، وخافضات الضغط الشرياني، ومضادّات الالتهاب اللاستيروئيديّة، ومضادّات الكآبة، وموسِّعات القصبات، ومضادات الحموضة، والمُليِّنات والمعالجة الكيميائية.

3- الأسباب الأخرى:

أ- التهاب القولون الإقفاري، ويحدثُ نموذجياً عند الأشخاص الأكبر من خمسين عاماً. ويتظاهر غالباً بألمٍ بطنيًّ حادّ،ٍ ويسبّب إسهالاً مائيّاً ومن ثمَّ دمويّاً. ويسبب عموماً تبدلات التهابية حادة في القولون الأيسر والسين في حين يعفّ عن المستقيم.

ب- التهاب الرتوج القولونية وداء الطُّعم ضدَّ الثَّوي graft-versus-host disease.

ج- بعض السُّموم كالمبيدات الحشريّة مثل مُركّبات الفسفور العضوية، وفطـر الأمانيت amanita والفطور الأخرى، والزرنيخ.

وهناك حالات تسبّب الإسهـال المزمن بيد أنها تبدأ أحياناً على نحو مفاجئ مما يؤدي إلى الالتباس بالإسهالات الحادّة مثل أدواء الأمعاء الالتهابيّة  وبعض الإسهالات المزمنة الأخرى الالتهابية.

 
الشكل (1) مخطط يوضح تدبير الإسهال الحاد 

مُقاربة المريض المُصاب بإسهال حاد:

يعتمد قرار التَّقييم على شدّة الإسهال ومدته وعلى عوامل الثوي المختلفة، وتكون معظم حالات الإسهالات الحادّة طفيفة ومحدّدة لذاتها، ولا تحتاج إلى تقييم عالي التكاليف. وتشمل استطبابات التقييم: الإسهال الغزير المترافق بالتجفاف، والبراز الدّموي العياني، وارتفاع الحرارة أكثر من 38.5 درجة مئويّة، واستمرار الإسهال أكثر من 48 ساعة دون تحسّن، والألم البطني الشَّديد المُرافق لمريض أكبر من 50 سنة، والشُّيوخ الذين تجاوزوا 70 سنة، والمُثبّطين مناعيّاً.

في بعض حالات الإسهال الحموي المتوسّط الشدّة والمترافق وكريّات بيض في البراز أو دم عياني فالتقييم التشخيصي يمكن تجنُّبه وتجربة العلاج بالصَّادَّات.

إن وجود الكريّات البيض في البراز يفيد في تمييز الإسهال الالتهابيّ من غير الالتهابي؛ إذ إنّ الكريّات البيض لا توجد عادة في البراز. وتوجد الكريّات البيض في الإسهال الخمجي، أما وجودها في سياق التهاب القولون الإقفاري والداء المعوي الالتهابي؛ فهو ناجم عن النَّزف المخاطي. أما الإسهال الخمجي التَّالي للإصابة بالجراثيم المفرزة للذِّيفانات، والڤيروسات، والأوالي؛ فـلا تعطي كريّات بيضاً في البراز.

إنَّ حجر الزَّاوية في التَّشخيص عند أولئك الذين يشك بأن لديهم إسهالاً خمجياً حاداً شديداً هو التَّحليل الميكروبيولوجي للبراز، ويشمل ذلك زروع براز جرثوميّة وڤيروسيّة، وفحصاً مباشراً للطفيليّات وبيوضها، والمقايسة المناعيّة لسموم جرثوميّة معيّنة كالمطثيّة العَسيرة؛ وأضداد ڤيـروسيّة مثل الفيروسة العَجليّة rotavirus؛ وأضداد الأوالي كالجيارديّة والأميبات الحـالّة للنُّسج Entamoeba histolytica. وإنَّ الموجودات السَّريرية والوبائية المذكورة سابقاً يمكن أن تساعد على توجيه التَّقييم. وإذا كان هناك عامل ممرض محتمل أو مجموعة عوامل متهمة محتملة؛ فإن المخطط الكامل للدراسات المنوالية والتقليدية قد لا يكون ضرورياً. وفي بعض الحالات إن زروعاً خاصة قد تكون مفيدة، كما هو الحال في الإشريكية القولونية المعوية النزفية وأنماط الضمّة واليرسينية.

ويعطي زرع البراز فائدة في 1.5-5.6% من الحالات، ويمكن زيادة النسبة بالانتقاء الجيد للمرضى. ويجب إجراؤه عند المصابين بأعراض زحارية، أو بإسهال مستمر أكثر من 3-5 أيام، أو المثبطين مناعياً. أما مرضى المشافي مع أعراض زحارية؛ فتصل إيجابية زروع البراز لديهم إلى 40-60%. 

ويمكن أن يُوضع التشخيص الجُزيئيّ للعامل المُمرض بالتعرّف إلى تتالي الـ DNA الخاص به في البراز، ويمكن أن تقود التقنيات الحديثة إلى مُقاربةٍ تشخيصيّةٍ سريعةٍ وحسّاسةٍ ونوعيّةٍ وأقل كلفةً في المستقبل.

الخمج بالجياردية سبب شائع للإسهال المُستمر، ولكن يجب حسبان العوامل المسبّبة الأخرى بما فيهـا المطثيّات العَسيرة؛ ولاسيما بوجود قصّة استخدام الصادّات، وكذلك الأميبات الحـالّة للنُّسـج وخَفيَّات الأبواغ والعَطيفات وعوامل أخرى. وإذا لم تعط دراسات البراز نتيجة عندئـذ يستطبُّ إجراء تنظير المستقيم والسين بالمنظار الليفي المرن مع أخذ خزعات وتنظير علوي مع رشافة عفجيّة وخزعات.

إنَّ الفحص بوساطة منظار المستقيم والسين، ومنظار القولونات، والتصوير المقطعي المحوسب ومُقارباتٍ تشخيصيّةٍ أُخرى قد يكونُ مفيداً في مرضى الإسهالات المُستمرة لاستبعاد الداء المعوي الالتهابي IBD أو كمُقاربةٍ بدئيّةٍ في مرضى إسهـال حـاد غير خمجي كما هو الحال في التهاب القولون الإقفاري والتهاب الرتوج، أو في مرضى يشك لديهم بالتهاب قولون غشائي كاذب.

تدبير الإسهال الحاد:

تعويض السوائل والشوارد ذُو أهميّةٍ كبيرة في كلِّ أشكال الإسهال الحاد، وقد تكفي إعاضة السَّوائل عن طريق الفم في الحالات الخفيفة، ويجب إعطاء المحاليل الفموية المحتوية على السُّكر والشوارد بسرعة في الإسهالات الشديدة للتقليل من التِجفاف الذي يُعـدُّ السبب الأساسي للوفيـات. أما المرضى المتجفّفون بشكلٍ واضحٍ من الأطفال والمسنين فيحتاجون إلى إعاضة السوائل عن طريق الوريد. في الإسهالات متوسِّطة الشدة غير الحمويَّة وغير الدمويَّة فإن مثبِّطـات الحركة ومثبِّطـات الإفراز مثل اللوبيراميد loperamide (idium) مفيـدةٌ في السيطرة على الأعراض إلا أنه يجب تجنُّبها في الإسهال الحموي الذي قد يتفاقم أو يتطـاول بها. وإن ساليسيلات البزموت bismuth salicylate قد تُنقص أعراض القياء والإسهال، ويجب ألا تُستخدم عند مُثبطي المناعة وفي اضطـراب وظيفة الكلية بسبب خطورة الاعتلال الدِماغي بالبزموت. وإنَّ الاستخدام الحكيم للصادّات مُلائم في حالات محدّدة من الإسهال الحاد، وقد يؤدي إلى إنقاص شدّة الإسهال ومدّته. وإنَّ العديـد من الأطبّاء يُعالج مرضى الإسهال الحموي ذوي الإصابة المتوسِّطة إلى شديدة تجريبياً دون تقييم تشخيصيٍّ باستخـدام الكينولونات quinolones مثل السيبروفلوكساسين 500 ملغ مرتين يوميـاً مدة 3-5أيام. كما يمكن استخدام الميترونيدازول تجريبيّاً بمعدَّل 250مغ كل 6 ساعات مدة سبعة أيام في حال الشَّك بالإصابة بالجيارديّة.

تُستطبُّ التغطية بالصادّات في كل مريض مُثبَّط مناعيَّاً أو لديه دسام قلبي ميكانيكي أو طُعم وعائي حديث كما يستطب عند المسنين. ويُستطبُّ إعطاء الصادّات وقائيّاً في بعض المرضى المسافرين إلى بُلدان عالية الخُطورة الذين يخشى من إصابتهم فيها بإسهال حاد شديد؛ ولاسيما أولئك المُثبَّطين مناعيّاً أو المصابين بالداء المعوي الالتهابي أو بداء الصُّباغ الدموي أو اللاكلوريدريّة المعديّة. وإنَّ استخدام الصادّات سلفاميثوكسازول-تريميثوبريم sulfamethoxazole-trimethoprim أو السيبروفلوكساسين يُنقصُ نسبة حدوث الإسهال الجرثومي فـي هؤلاء المسافرين بحدود 90%.

ثانياً- الإسـهال المزمن

يستدعي الإسهال المستمر أكثر من أربعة أسابيع التقييم لاستبعاد الأمراض الخطرة، وبعكس الإسهال الحاد فإنَّ معظـم أسبـاب الإسهال المزمن غير خمجيّة، وإنَّ تصنيف الإسهال المزمن حسب الآليّة الفيزيولوجيّة المرضيّة يُسهِّل المُقاربة والتَّدبير على أنّ عدَّة أمراض تُسبِّب الإسهال بأكثر من آلية. ويبين الجدول (1) الأسباب الرئيسة للإسهال المزمن حسب الآلية الفيزيولوجية المرضية المسيطرة.

أولاً- الأسباب الإفرازيّة:

1- المُليِّنات المُحرِّضة الخارجيَّة المنشأ.

2- تناول الكحول المزمن.

3- أدوية أخرى وسموم.

4- المُليِّنات الداخليّة المنشأ (الحموض الصَّفراويّة).

5- الإسهال الإفرازي مجهول السَّبب.

6- أخماج جرثوميّة معيّنة .

7- بتر الأمعاء أو مرضها أو النَّواسير (نقص سطح الامتصاص).

8- الانسداد المعوي الجُزئي أو انحشار البراز.

9- الأورام المُنتجة للهُرمونات (الورم السَّرطاوي carcinoid، الفيبوما أو الورم المُفرز لعديدات الببتيد المعويّة المنشأ الفعّالة وعائياً ، سرطانة الدَّرق اللُّبيّة، كثرة الخلايا البدينة mastocytosis، ورم الخلايا المُفرزة للغاسترين gastrinoma، الغُدُّومات الزُّغابيّة المُستقيميّة القولونيّة).

10- داء أديسون.

11- عيوب امتصاص الشوارد الولادي.

ثانياً- الأسباب التناضحيّة:

1- المُليِّنات الأوسموليَّة (المغنزيوم والفسفور والكبريت).

2- أعواز اللاكتاز والسكريات الثنائيّة الأخرى.

3- السكريات غير القابلة للامتصاص (السوربيتول واللاكتلوز والفينيل إتيلين غليكول).

ثالثاً- أسباب الإسهال الدهني:

1- عيوب الهضم داخل اللُّمعة أو آسواء الهضم داخل اللُّمعة (مثل قُصور المعثكلة الخارجي، فرط النُّمو الجُرثومي، الأمراض الكبديّة، جراحات إنقاص الوزن).

2- أسواء امتصاص المُخاطية (الداء البطني، داء ويبّل، الأخماج، فقد البروتين الشحمي بيتا من الدم  abetalipoproteinemia، الإقفار).

3- الانسداد بعد المخاطي (الانسداد اللمفاوي).

رابعاً- الأسباب الالتهابية:

1- الداء المعوي الالتهابي مجهول السبب (داء كرون، التهاب القولون القرحي المزمن).

2- التهاب القولون اللِّمفاوي والغرواني.

3- المرض المخاطي المتعلّق بالمناعة (الأعواز المناعيّة الأولية والثانويّة، التَّحسس الغذائي، التهاب المعدة والأمعاء بالحمضات، داء الطُّعم ضدَّ الثَّوي).

4- الأخماج (الجراثيم الغَازِيَة، الفيروسات، الطُّفيليّات، إسهال براينرد).

5- الأذيّة الشعاعية.

6- الخباثات المعديّة المعويّة.

خامساً- الأسباب الحركيّة:

1- تناذر المعي الهيوج بما فيه تناذر المعي الهيوج التالي للخمج.

2- الحُثول العضليّة العصبيّة الحشويّة.

3- فرط نشاط الدرق.

4- الأدوية (العوامل المحرِّكة أو المُحرِّضة المعويّة).

5- بعد قطع المبهم .

سادساً- الأسباب المفتعلة:

1-  إسهال مونخهاوزن Munchausen أو الإلحاح على الاستشفاء.

2- اضطرابات الأكل.

سابعاً-الأسباب علاجيَّة المنشأ:

1- استئصال المرارة.

2- قطع اللفائفي.

3- جراحات إنقاص الوزن.

4- قطع المبهم وطي قاع المعدة.

الجدول (1) الأسباب الأساسية للإسهال المزمن حسب الآلية الفيزيولوجية المرضية المسيطرة

 

1- الأسباب الإفرازيّة:

 ينجـم الإسهال الإفرازي عن اضطراب مرور السوائل والشوارد عبر المخاطيّة المعويّة القولونيّة، ويتميّز سريرياً ببراز كبير الحجم مائي القوام غيـر مؤلم، ويستمر مع الصيام. ينجم الإسهال المزمن الإفرازي عن الأسباب التالية:

أ- الأدوية: التأثيرات الجانبيّة للأدوية هي الشكل الأكثر شيوعاً للإسهالات الإفرازية. المئات من الأدوية والوصفات المتداولة يمكن أن تسبِّب الإسهال. ومن الأمثلة على ذلك الاستخدام المُفرط للمُسهلات المُحرِّضة (مثل السنامكّي senna والكَسْكارة cascara والبيساكوديل bisacodyl وزيت الخروع). وإنَّ الاستهلاك المزمن للكحول الإيتيلي يسبِّبُ إسهالاً ذا نمط إفرازي بسبب أذيَّة الخليّة المعويّة واضطراب امتصاص الماء والصوديوم وكذلك العبور السريع وتبدلات أخرى.

وكذلك فإنَّ التناول غير المقصود لسـموم بيئيَّة مثل الزرنيـخ قد يُؤدي إلى أشكالٍ مزمنةٍ للإسهال. وهناك أخماج جرثوميَّة مُحدّدة تترافق بإسهالٍ مزمن ذي نمطٍ إفرازي.

ب- بترُ الأمعاء، وأمراض المُخاطيّة، والنَّواسير القولونيّة المعويّة: ينجم عنـها إسهال ذو نمـطٍ إفرازيٍ بسبب السَّطح غير الكافي لإعادة امتصاص السوائل المُفرزة والشوارد، وكذلك الحال في داء كرون اللفائفي أو قطع أكثر من 100سم من اللفائفي الانتهائي فإنَّ الحموض الصفراوية ثُنائيَّة الهيدروكسيل قد تنجو من الامتصاص، وتُحرّض الإفراز القولوني، ويُمكن أن تُسهم هذه الآليَّة بما يُسمّى الإسهال الإفرازي مجهول السبب والَّتي يُساء بها امتصاص الحُموض الصفراوية على نحو وظيفيٍ من اللفائفي النهائي الطبيعي المظهر.

ج- الأورام المُفرزة للهرمونات: على أنّها غير شائعة؛ فإنها تعد الأمثلة التقليديَّة للإسهال الإفرازي المُتواسط بإفراز الهرمونات مثل:

- الأورام السرطاوية المَعديّة المعويّة، وفي هذه الحالة يَنجُم الإسهال عن تحرُّر عوامل مُفرزة معويَّة فعَّالة إلى الدَّوران تشمل السيروتونين والهستامين والبروستاغلاندينات والكينينات المختلفة.

- ورم الخلايا المُفرزة للغاسترين (أو الورم الغاستريني): وهو من أشيـع الأورام الغُديَّة العصبيَّة، يتظاهر نموذجيّاً بتقرُّحات هضميّة مُعنِّدة، ويحدث الإسهال في أكثر من ثُلث إلى نصف الحالات، وقد يكون التظاهرة الوحيدة في 10% من الحالات. وتؤدي المُحرِّضات الإفرازية المُتحرِّرة مع الغاسترين دوراً في الإسهال؛ بيد أنَّ السبب الأهم في حدوث الإسهال هو سوء هضم الدهون بسبب عدم تفعيل الإنزيمات المعثكليّة الناجم عـن انخفاض الباهاء pH داخل اللمعة العفجيّة.

- الورم المُفرز لعديدات الببتيد المعويّة الفعالة وعائيّاً الذي يفرز طـائفة من الهرمونات الببتيدية الأُخرى. حجم البراز كبير في هذه الحالة يتجاوز 3 ألتار باليوم. وقد سجل حجم براز نحو 20 لتراً باليوم.

- قد تتظاهر السَّرطانة الدَّرقيَّة اللُّبيَّة بإسهال مائي، ويحدث هذا الورم على نحو إفرادي أو كجزء من متلازمة الأورام الغُدِّية الصماويّة العديدة MEN type 2a.

- داء كثرة الخلايا البدينة  الجهازي systemic mastocytosis قد يترافق بآفات جلدية تدعى الشرى الصباغي urticaria pigmentosa، وقد تُسبِّب إسهالاً يكون إمّـا إفرازَّياً مُتواسطاً بالهستامين وإما التهابياً بسبب الارتشاح المعوي بالخلايا البَدينة.

- الغُدُّومات الزغابيّة المُستقيميّة القُولونيّة قد يرافقها إسهال إفرازي قد يُسبِّب نقـص البوتاسيوم، ويمكـن تثبيطـه بمضادات الالتهاب اللاستيروئيديّة، وهو ظاهريّـاً مُتواسط بالبروستاغلاندينات.

كما أن بعض الأعواز الهرمونيّة قد تترافق بإسهال مائي مثل داء أديسون الذي يمكن أن يترافق بفرط تصبّغ جلدي.

د- العُيوب الولادية في امتصاص الشَّوارد: نادرةٌ جداً، وتحدث بسبب عيوب في حملة carriers امتصاص الشوارد، ويمكن أن تُسبِّب إسهالاً مائيّاً منذ الولادة، وهي تشمل: عيب تبادل شوارد الكلور والبيكربونات (الإسهال الكلوري الولادي congenital chloridorrhea) مع قُلاء؛ وعيب تبادل شوارد الصوديوم والهدروجين مع حُماض.

2- الإسهالات التناضحية:

يحدث الإسهال التناضحي عند تناول مواد فعّـالة حلوليّاً قابلة للامتصاص على نحو سيئ، وبالتالي تجرُّ السوائل على نحو كافٍ إلى اللُّمعة بحيث تتجاوز قدرة القولون على إعادة الامتصاص. ويتميّز الإسهال التناضحي بتوقُّفه مع الصِّيام أو بالانقطاع عن تناول العامل المُسبِّب.

أ- الملينات التناضحية: إنَّ تناول مُضادّات الحموضة الحاوية المغنزيوم أو بعض الملينات قـد يؤدي إلى إسهال تناضحي.

ب- سوء امتصاص السكريات: قد يكون ناجماً عن عيوب ولادية في محلمهات السكريات الثنائيّة الموجودة على الحافّة الفرجونيّة للخليّة المعويّة وعيوب الإنزيمات الأخـرى مؤدّية إلى إسهال تناضحي. ويُعدُّ عوز اللاكتاز أحد أكثر الأسباب شيوعاً. يتعلَّم مُعظم المرضى تجنُّب الحليب ومشتقَّاته دون الحاجة إلى علاج إنزيمي مُعيضٍ. بعض السكاكر مثل الفروكتوز والسوربيتول يُساء امتصاصها، وتُسبِّب الإسهـال بتناول الأدوية أو العلكة أو السكاكر المُحلاة بها.

3- الإسهالات الدُّهنيّة:

قد يؤدي سوء امتصاص الدهن إلى إسهال دهنيٍّ شحميٍّ كريه الرَّائحة يترافقُ غالباً ونقص وزن وأعواز تغذويّة بسبب سوء امتصاص الحُمـوض الأمينية والڤيتامينات المُرافق.

كميّاً يُعرّف الإسهال الدهني بزيادة الدهن في البراز على الحد الطبيعي؛ وهو 7غ/يوم، وقد يتجاوز مقدار الدهن في البراز 40 غراماً في قصور المعثكلة الخارجي. ويحـدث الإسهال الدهني في الحالات التالية:

أ- عيوب الهضم داخل اللمعة: هذه الحالة أكثر شيوعاً، وتنجم عن قصـور المعثكلة الخارجي الذي يحدث عند فقد أكثر من 90% من الوظيفة المعثكلية الإفرازيّة. يحدث ذلك في التهاب المعثكلة المُزمن وفي الـدَّاء اللِّيفي الكيسي.

وإنَّ فـرط النُّمـو الجُرثومي في الأمعاء الدَّقيقة يُمكن أن يفُكَّ ارتباط الحموض الصفراويّة وأن يُغيّر من تركيب المُذيلات micelle ويُخلّ في هضم الدُّسم، وينتج من الرُّكودة الناجمة عن العُروة العَمياء؛ ورُتوج الأمعـاء الـدقيقة عند المسنين خاصَّة. وأخيراً إن التَّشمع والانسداد الصفراوي يؤديان إلى إسهال دهني خفيف نتيجة التراكيز الناقصة للحُموض الصفراوية داخل اللُّمعة.

ب- أسواء الامتصاص المُخاطيَّة: تحدثُ بسبب العديد من الاعتلالات المعويّة، ولكن أكثرها شيوعاً الداء البطني الذي يتظاهر بإسهالٍ دهني مع أعواز تغذويّة بشدَّاتٍ مختلفةٍ.

ومنها الذرَب sprue الاستوائي الذي يتظـاهر بعلامات نُسيجيَّة وسريريّة تُشبه الداء البطني، ويحدُث عنـد المُقيمين أو المسافرين إلى الأجواء المداريّة. ويوحي البدء المفاجئ والاستجابة للصَّادَّات السبب الخمجي لسوء الامتصاص.

ومن أسباب سوء الامتصاص النادرة داء ويبل الناجم عن الخمج بعصيّة تروفيريما ويبلي Tropheryma whipplei. وفقد البروتين الشَّحمي بيتا من الدَّم abetalipoproteinemia، وينجم عنه سوء تشكُّل القُطيرات الدهنيّة وسوء امتصاص الدُّهون التالي لذلك.

وهناك حالات أخرى عديدة تُسبِّب سوء امتصاص مخاطي مُتضمِّنة: الأخماج الطفيلية ولاسيما الجيارديّة والأدوية مثل الكولشيسين والكولسترامين والنيوميسين، وكذلك الإقفار المزمن.

ج- الانسداد اللِّمفاوي بعد المُخاطي: الآليّة الإمراضيّة لهذه الحالة هي توسع الأوعية اللِّمفيّة المعوي الولادي النادر أو الانسداد اللِّمفاوي المُكتسب التالي للرَّض أو الأورام أو الأخماج.

4- الأسباب الالتهابية:

يترافق الإسهال الالتهابي عموماً وألم وحرارة ونزف أو تظاهرات التهابيّة أخرى. وقد لا تكون النضحة exudate هي آليّة الإسهال فقط؛ ولكنها قـد تشمل سوء امتصاص الدهن، أو اضطراب امتصاص السوائـل والشوارد، أو فرط الإفراز أو فرط الحركيّة نتيجة تحرُّر السيتوكينات أو الوسائط الالتهابية المُختلفة.إنَّ المَعْـلَم المُميَّز لفحص البراز في الإسهال الالتهابي هو وجود الكريّات البيض. وإنَّ فقد البروتين المرافق للنضحة يُمـكن أن يؤدّي إلى الاستسقاء المُعمَّم anasarca.

4- الأمراض الالتهابية المسؤولة عن الإسهال المزمن:

أ- الأمراض المعويّة الالتهابية مجهولة السبب: وتشمـل داء كـرون والتهاب القولون التقرحي؛ وهي من الأسباب العُضويّة للإسهال المزمن الأكثر شيوعاً في البالغين.

ب- التهاب القولون المجهري والتهاب القولون الكولاجيني (الغرواني): يـزداد تمييزه بوصفه مُسبباً للإسهال المائي المزمن، ويُصيب النِّساء متوسطات العمر خاصَّة، وأولئك الـذين يتناولون مضادَّات الالتهاب غير الستيروئيدية؛ وتبقى مخاطية القولون طبيعيَّـة المظـهر عادة إلا أن الفحص النسجي للخزعات يؤكد التشخيص.

ج- الأشكال الأوليّة أو الثَّانويّة للعوز المناعي: قد يؤدي عوز المناعة إلى إسهال خمجي مديـد. وفي حالة الإصابة بنقص غامّا غلوبولين الدم  فإنَّ الإسهال ينجم غالباً عن الجيارديّة.

د- التهاب المعدة والأمعاء بالحمضات: إنَّ ارتشاح المخاطيّة أو العضليّة أو المصليّة بالحمضات في أي مستوى من الأنبوب الهضمي قد يُسبِّب إسهالاً مزمناً، ولدى أغلب المصابين قصّة تحسُّس أو تأتّب atopy، ويُشاهد فرط الحمضات المُحيطي في50- 75% من المرضى.

ومن الأسباب الأخرى: التهاب القولون والأمعاء الشُّعاعي ومرض الطُّعم ضدَّ الثَّوي وداء بهجت.

5- الأسباب الحركيّة:

إنَّ العُبور السَّريع لمُحتويات الأمعاء قد يُرافق الإسهالات العديدة بوصفه ظاهرة ثانويّة أو مُساهمة، ولكنَّ الاضطرابات الحركيّة الأوليّة هي سببٌ غير اعتيادي للإسهال الحقيقي. هذا وإنَّ مظاهر البراز عند هؤلاء المرضى تشي بالإسهال الإفرازي.

أما أسباب هذا الشكل من الإسهال فتتضمن:   

أ- فرط نشاط الدَّرق والمُتلازمة السَّرطاوية وبعض الأدوية (البروستاغلاندينات والعوامل المحرِّكة المعوية prokinetic agents) التي قد تُنتج فرط حركيّة وإسهالاً ناجماً عنه.

ب- الاعتلالات العضليّة العصبيّة الحشويّة البدئيّة أو الانسداد المعوي الكاذب المكتسب مجهول السبب الذي قد يؤدّي إلى ركودة مع فرط نمو جرثومي ثانوي.

ج- الداء السكري: يترافق الإسهال السكري غالباً واعتلال الجملة العصبيّة المستقلة، ويشكل عسر الحركيّة المعويّة جزءاً من آليّة حدوثه.

د- إنَّ متلازمة الأمعاء الهيوجة الشائعة الحُدوث (10% من الناس) تتميّز بحركيّة معويّة وقولونية مضطربة واستجابات حسية لمنبهات مختلفة. وإنَّ تعدّد مرّات التَّغوط في هؤلاء المرضى يتوقَّف نموذجيّاً ليلاً، ويتناوب وفترات من الإمساك كما يترافق وألم بطني يخف بالتبرز، ويندُر نقص الوزن أو حدوث إسهال حقيقي.

6- الأسباب المفتعلة:

تعدّ 15% من الإسهالات غير المُفسّرة المُحالة إلى مراكز العِناية المُختصّة، وتتظاهر إما على شكل متلازمة مونخهاوزن Munchausen، أي الإلحاح على الاستشفاء من أجل تحقيق بعض المكاسب المادية، وإما على شكل اضطرابات في شهوة الطعام كالنُّهام bulimia، والقَهم العُصابي anorexia nervosa. يستخدم بعض هؤلاء المرضى المُليّنات سراً بمفردها أو بالمشاركة مع المُدرَّات، أو يضيفون الماء أو البول على نحو خادع إلى برازهم المُرسـل للتحليل، وهم غالباً من النساء اللاتي يُعانين  مرضاً نفسيّاً سابقاً أو من العاملين في مجال الرعاية الصحيَّة. ومن المعالم الشائعة عند هؤلاء المرضى هبوط الضَّغط ونقص البوتاسيوم، ويكون التقييم عندهم صعباً، وهم بحاجةٍ إلى استشارة نفسيّة.

 مُقاربة المريض المصاب بإسهال مزمن:

الوسائل التشخيصيَّة المُتوافرة لتقييم الإسهال المزمن كثيرة، والعديد منها مُكلفٌ وباضعٌ؛ ولذا فالتقييم التشخيصي يجب توجيهه عموماً بالقصَّة السريريّة والفحص السريري الدقيق، وعندما لا تنجح هذه الوسائل فإنَّ مجموعة من الفحوص البسيطة غالباً ما يُستطبُّ إجراؤها للتَّوجيه لاستقصاءات أكثر تعقيداً، كما أنَّ القصة والفحص السريري والدراسات الدموية المنوالية تفيد في توجيه التشخيص وتقييم الحالة التغذويّة للمريض. يجب أن يتضمن استجواب المريض الاستفسار عن بدء الإسهال ومدّته ونمطه والعوامل المُفاقمة والعوامل المُريحة (الغذائيّة خاصّة) وعن صفات البراز.

ويمكن أن تزود الموجودات الفيزيائية بمفاتيح التشخيص مثل وجود كتلة درقيّة أو وزيز أو نفخات قلبيّة أو وذمة أو ارتفاع الإنزيمات الكبديّة أو كتل بطنيّة أو اعتلال عقد لمفيّة أو شذوذات جلديّة مخاطيّة أو نواسير حول الشَّرج أو رخاوة بالمصرَّة الشَّرجية.

إنَّ زيادة الكريّات البيض في الدم أو ارتفاع سرعة التَّثفل أو ارتفاع بروتين C الارتكاسي يشير إلى وجود الالتهاب، كما أنَّ فقر الدَّم يعكس فقدَ الدَّم أو عيوب التغذية. ويمكن أن يحدث ارتفاع الحمضات في سياق الإصابة بالطفيليّات أو الأرج أو التهاب المعدة والأمعاء بالحمضات أو الخباثات. وإنّ مقايسة أضداد ناقلات الغلوتامين النُّسجيّة tissue transglutaminase antibodies (tTG Ab) يُمكن أن يُساعد على تشخيص الدَّاء البطني.

إنَّ تجربة علاجيَّة قصيرة غالباً ما تُعدُّ ملائمة واقتصاديَّة عندما يشك الطبيب في حالة  مرضية نوعية. فعلى سبيل المثال إنَّ إسهالاً مائيّاً مزمناً يتوقَّف بالصيام عند شابٍّ بالغٍ صحيح البنية يوحي عدم تحمل اللاكتوز، ويستدعي تجربة الغذاء الخالي من اللاكتوز، وكذلك فالإسهال بعد الطّعام الذي أعقب بتر اللفائفي قد ينجم عن سوء امتصاص الحموض الصفراويّة، ويُعالج بالكولسترامين قبل إجراء استقصاءٍ أعمق.

أما المرضى الذين يشك في إصابتهم بمتلازمة المعي الهيوج فيجب تقييمهم مبدئيّاً بتنظير المستقيم والسين بالمنظار الليفي المرن مع خزعات سين ومستقيم. ويمكن طمأنة المرضى ذوي الموجودات الطبيعيّة وعلاجهم تجريبيّاً بمضادّات التّشنّج أو مُضادّات القياء أو الأدوية التي تزيد حجم البراز أو بمُضادّات القلق أو الاكتئاب.

ويقدر أنه في ثلثي حالات الإسهال المزمن وبعد إجراء الدراسات الأولية يبقى السبب غير معروف، ويتطلب فحوصاً أوسع، ويشمل ذلك تحري الدم الخفي في البراز وتحري الكريات البيض وبيوض الطفيليات وعيار الدهن في البراز، إضافة إلى زرع البراز ومقايسة أضداد الجياردية؛ وهو الفحص الأكثر حساسية لتشخيص هذا الطفيلي. أما فرط النمو الجرثومي في المعي الدقيق فيمكن تشخيصه باختبارات النَفَس، وإن التنظير الهضمي العلوي والسفلي مع أخذ خزعات يفيد في تشخيص الآفات الالتهابية والورمية الخفية، كما أن تصوير الأمعاء الدقيقة الشعاعي قد يكون مفيداً في هذه الحالات. ويجب أن يؤخذ دوماً بالحسبان عند دراسة حالات الإسهال المزمن التأثيرات الجانبية للأدوية والاستخدام الخاطئ للملينات وتقصي ذلك في أثناء الاستجواب.

تدبير الإسهال المزمن:

يعتمد العلاج على السَّبب، وقد يكون شافياً أو داعماً. إذا كـان السبب قابلاًً للاجتثاث؛ فالعلاج شافٍٍ كما في استئصال سرطانة القولون والمستقيم أو إعطاء الصادّات لمعالجة داء ويبل أو إيقاف الدواء المسبب للإسهال في حالات أخرى. يمكن السيطرة على الإسهال في حالات كثيرة بتثبيط الآليّة البدئيّة، ومن الأمثلة على ذلك: حذف اللاكتوز التَّغذوي في عوز اللاكتاز أو حذف الغلوتين في الداء البطني أو استخدام الستيروئيدات القشرية أو مضادات الالتهاب الأخرى في الدَّاء المعوي الالتهابي أو العوامل الخالبة مثل الكوليسترامين في سوء امتصاص الحموض الصَّفراوية  أو مُثبِّطات مضخة البروتون مثل الأوميبرازول في الورم الغاستريني أو استخدام مُضاهئات السُّوماتوستاتين مثل الأوكتريوتايد octreotide في المتلازمة السَّرطاوية الخبيثة أو مُثبطات البروستاغلاندين مثل الإندوميتاسين في سرطانة الدرق اللُّبّيّة أو الإعاضة بالإنزيمات المعثكليّة في قصور المعثكلة. وعموماً حينما لا تحدد آلية  أو سبب للإسهال المُزمن فقد يكون العلاج التجريبي مفيداً.

الشكل (2) التقييم البدئي للإسهال المزمن اعتماداً على الأعراض والعلامات المرافقة. 

الأفيونات الخفيفة مثل الديفينوكسيلات أو اللوبيراميد مُفيدة غالباً في الإسهال المائي الخفـيف أو المتوسّط، وفي أكثر الحالات شدّة يفيد الكودئين أو صبغة الأفيون.

يجب تجنّب العوامل المُثبّطة للحركة في الداء المعوي الالتهابي؛ لأنّها قد تكون السبب في حُدوث توسّع القولون السُّمّي. الكلونيدين وشادات ألفا -2 الأدرينيرجية قد تسمح بالسَّيطرة على الإسهالات السكريّة.

وفي كل حالات الإسهال المزمن إن إعاضة السوائل والشوارد مهمّة. كما أن إعاضة الڤيتامينات الذوّابة في الدُّسم ضرورية في الإسهال الدهني المزمن.

 

 

علينا أن نتذكر

> الإسهال عرضٌ يمكن أن يُشاهد في عدد كبير من الحالات المرضية.

> الإسهال هو تغوُّط لبراز رخو أو مائي أكثر من ثلاث مرات باليوم، ولا يعدُّ وزن البراز معياراً وحيداً لتعريفه.

> قد يكون  الإسهال حاداً (مدته أقل من أسبوعين)، أو مستمراً (مدته بين أسبوعين إلى أربعة أسابيع)، أو مزمناً (مدته أكثر من أربعة أسابيع).

> يجب تمييز الإسهال من الإسهال الكاذب (مرور كميات صغيرة من البراز مع إلحاح مستقيمي) ومن السلس البرازي .

> يمكن أن يكون الإسهال الحاد خمجيّاً (90% من الحالات) أو لا خمجياً.

> العضيّات الخمجيّة تصيب إمّا القولون (وغالباً ما تُسبِّب إسهالاً دمويّاً مع حرارة)، وإما تصيب الأمعاء الدقيقة (وتعطي نموذجيّاً برازاً كبير الحجم مائياً).

> يجب تقييم أي شخص متوسط العمر أو أكبر مصاب بإسهال مزمن التهابي النمط - ولاسيما إذا كان البراز مدمّى- لاستبعاد أورام القولون والمستقيم.

> تبقى ثُلثا حالات الإسهال المزمن مجهولة السبب بعد إجراء الدراسات الأولية، وتتطلب دراسات أوسع وأشمل.

 

 


التصنيف : أعراض المرض الهضمي
النوع : أعراض المرض الهضمي
المجلد: المجلد الأول
رقم الصفحة ضمن المجلد : 64
مشاركة :

اترك تعليقك



آخر أخبار الهيئة :

البحوث الأكثر قراءة

هل تعلم ؟؟

عدد الزوار حاليا : 1088
الكل : 40611984
اليوم : 141799