استقلاب الكلسيوم
استقلاب كلسيوم
Calcium metabolism - Métabolisme du calcium
استقلاب الكلسيوم
|
الكلسيوم من العناصر الأساسية التي تدخل في تركيب أجسام الكائنات الحية، وله أهمية فائقة في استتباب حياتها، فهو يُنظم العديد من العمليات الكيميائية الحيوية والفيزيولوجية التي تشمل الاستثارة العضلية العصبية وتخثر الدم والإفراز وسلامة الغشاء الخلوي والنقل الغشائي البلاسمي، إضافة إلى فعاليات الإنزيمات وتحرير الهرمونات والنواقل العصبية neurotransmitters وتأثير العديد من الهرمونات داخل الخلايا. إضافة إلى ذلك يعد الكلسيوم من العناصر الأساسية من أجل تمعدن العظم، فهو يوَفِّر التراكيز المناسبة من و
في السمحاق والسائل خارج الخلايا. وقد توفرت آليات للحفاظ على مستوى
في المصورة ضمن حدود ضيقة جداً من أجل تأمين السير الطبيعي لهذه العمليات.
يوجد الكلسيوم في العظم والسائل خارج الخلايا. ويحتوي جسم الإنسان نحو 1 كغ منه، يتوضع 99 % منها في العظم، حيث يُعد - مع الفسفات - العنصر البنيوي اللاعضوي للهيكل العظمي، وذلك بتكوين بلورات هدروكسي أباتيت hydroxyapatite crystals. ومعظم كلسيوم العظم غير قابل للتبادل بِحُرية مع كلسيوم السائل خارج الخلايا؛ لذا يُعد العظم - إضافة إلى دوره الآلي- مستودعاً ضخماً للكلسيوم.
يوجد الكلسيوم في المصورة الدموية في ثلاثة أشكال: (1) معقّداً مع الحموض العضوية (2) مرتبطاً بالبروتين (3) متأيناً.
كما يشكل نحو 6 % من الكلسيوم الإجمالي معقّدات مع السيترات citrate والفسفات والإيونات الأخرى، أما الباقي فيتوزع بالتساوي تقريباً بين الشكل المرتبط بالبروتين (بالألبومين) والشكل المتأين (غير المرتبط).
يعد الكلسيوم المتأين Ca+2 الجزء الفعال حيوياً، ويُحافَظ عليه عند تراكيز بين 1,1 و 1,3 ميلي مول/ل في أغلب الثدييات والطيور وأسماك المياه العذبة. وإن أي انحراف له في المتعضية عن هذا التركيز يسبب اضطرابها. فإذا هبط الكلسيوم المتأين– مثلاً- تتعرض الحيوانات لاختلاجات تكززية، أما ارتفاعه فإنه يؤدي إلى الموت بسبب الشلل العضلي والسبات. فالتجمع الشديد الشاذ للـ في سيتوبلاسما الخلايا العضلية الهيكلية يسبب صملاً rigidity ويولد حرارةً عالية، الأمر الذي يعد الأساس الجزيئي لمرض فرط الحرارة الخبيث malignant hyperthermia، علماً أن زيادة الكلسيوم في بعض الحالات على الأقل تنجم عن طفرة في بنية الجين المسؤول عن قنوات إطلاق
في الشبكة الستوبلاسمية العضلية.
يرتبط تنظيم عمل الكلسيوم واستتباب homeostasis الجسم بهرمونين أساسيين، هما هرمون الدُرَيقات (جارات الدرق( parathyroid (PTH) وهرمون الكالسيتريول calcitriol، وعلى نطاق أضيق بهرمون الكالسيتونين calcitonin (CT).
1-هرمون الدريقات: هو ببتيد، يتألف من 84 حمضاً أمينياً، ووزنه الجزيئيkDa 9,4، لا يحوي سكريات أو جزيئات أخرى مرتبطة تكافؤياً (الشكل1). ويعمل على زيادة تركيز الكلسيوم في الدم، في حين يخفض الكالسيتونين من ذلك. ويزيد تركيز الكلسيوم في الدم بتأثيره في:
(1) مستقبلات هرمون الدريقات الموجودة بمستويات عالية في العظم والكلية.
(2) مستقبلات هرمون الدريقات الموجودة بمستويات عالية في الجملة العصبية المركزية والمعثكلة والخصية والمشيمة. علماً أن عمره النصف هو 4 دقائق تقريباً.
الشكل (1): بنية قبل طليعة هرمون الدريقات البقري. تشير الأسهم إلى مقرات القطع بوساطة الإنزيمات |
أ- فيما يتعلق باصطناع هرمون الدريقات وتقويضه (تَدَرُّكه) فهما لا يتأثران كثيراً بتركيز الـ الكلي، بل بتراكيزه الدموية المنخفضة، والواقع أن 80 إلى 09% من طليعة هرمون الدريقات proPTH المصنوع لا يكون مسؤولاً بالكامل عن هرمون الدريقات في الخلايا أو في وسط الحضانة في الجمل الاختبارية. وهذا يعني أن معظم طليعة هرمون الدريقات المصطنع يتقوض بسرعة. وقد تبين مؤخراً أن معدل هذا التقويض ينخفض عندما يكون التركيز منخفضاً، في حين يزداد ذلك عندما يكون تركيز
عالياً، مما يعني أن الكلسيوم يؤثر في إنتاج هرمون الدريقات من خلال ضبط التدرك وليس الاصطناع.
أما عن تنظيم تدرك هرمون الدريقات فإن هذا التدرك يبدأ بعد نحو 20 دقيقة من اصطناع طليعة هرمون الدريقات، ويكون أولاً غير متأثر بتركيز. وبعد أن يتجمع هرمون الدريقات ضمن الحويصلات الإفرازية يمكن أن يُفرَز ما تشكل منه مباشرة، أو يبقى في الحويصلات الادخارية من أجل الإفراز اللاحق (الشكل 2).
الشكل (2): الجزيئات الطليعية ونواتج التقسيم لـهرمون الدريقات، ومواضع هذه المراحل في الدريقة والكبد. تشير الأرقام في الأقواس إلى عدد الحموض الأمينية في القطع « قبل» (31) و»الطليعية» (6). |
أما عن إفراز الهرمون الدريقي فيُراقَب – على نحو أساسي - بوساطة تركيز الدم عن طريق تلقيم راجع سلبي.negative feedback فالمستقبلات الحساسة للكلسيوم الموجودة على خلايا جارات الدرق (الدريقات) تنشط عندما يكون تركيز
منخفضاً.
ب- وفيما يتعلق بتأثير الهرمون الدريقي في استتباب الكلسيوم، يؤثر هذا الهرمون من خلال ارتباط توازن الكلسيوم الفيزيولوجي بالتأثيرات الطويلة الأمد لتأثير هذا الهرمون في الامتصاص المعوي عن طريق تشكيل الكالسيتريول. ويكون امتصاص الكلسيوم المعوي غير كافٍ عندما يكون القوت اليومي الدائم فقيراً بـ ، وعند ذلك تكون جملة التنظيم المعقدة التي تضم الهرمون جاهزةً للعمل. هذا ويُعيد الهرمون الدريقي مستوى الكلسيوم لسويته الأصلية في السائل خارج الخلوي بتأثيره مباشرةً في العظم والكلية، وعلى نحو غير مباشر في المخاطية المعوية عن طريق تنبيه اصطناع الكالسيتريول. ويقوم هرمون الدريقات بما يأتي:
(1) زيادة معدل انحلال العظم في الطورين العضوي واللاعضوي، الأمر الذي يُحَرِّك إيونات الكلسيوم لداخل السائل داخل الخلوي.
(2) إنقاص الإفراغ أو التصفية الكلوية للكلسيوم، فيزداد بالتالي تركيزه في السائل داخل الخلوي.
(3) زيادة درجة امتصاص الكلسيوم من المعي بوساطة تحريض اصطناع الكالسيتريول. وتتحقق معظم التبدلات السريعة بالتأثير في الكلية، لكن التأثير الأكبر يأتي من العظم.
2- هرمون الكالسيتريول: ينبه هذا الهرمون امتصاص الأمعاء للكلسيوم والفسفات. فالكالسيتريول هو الهرمون الوحيد الذي يستطيع إزفاء translocation الكلسيوم بعكس تدرّج التركيز الموجود في الغشاء الخلوي المعوي. والواقع أن إنتاج الكالسيتريول يكون منظماً بشدة، بطريقة يوضحها الشكل (3).
الشكل (3): تشكل زمرة OH وضمها للفيتامين D3. يجري ضم 25- هدروكسيل-D3 في الكبد، والباقي في الكلية. |
وهناك آلية دقيقة لمراقبة كلسيوم السائل خارج الخلوي يشرحه الجدول (1)، بالرغم من التقلبات الواضحة بمحتوى الكلسيوم بالقوت، الأمر الذي يوفر تركيزاً مناسباً من الكلسيوم والفسفات للترسب بشكل بلورات هدروكسي أباتيت على اللييفات الكولاجينية بالعظم.
الجدول (1) تنظيم | |
المنظمات الأولية | المنظمات الثانوية |
نقص الكلسمية | إستروجينات |
PTH | أندروجينات |
نقص الفسفاتمية | بروجستيرون |
كالسيتريول | الإنسولين |
هرمون النمو | |
البرولاكتين | |
الهرمون الدرقي |
يتباطأ تشكل العظم الجديد وتجديد العظم عند عوز فيتامين D (عوز الكالسيتريول). وتُنَظَّم هذه العمليات أولاً بتأثير الهرمون الدريقي في الخلايا العظمية، ولكن من الضروري كذلك توفر كميات قليلة من الكالسيتريول الذي قد يُزيد أيضاً تأثيرات الهرمون الدريقي في إعادة امتصاص الكلية للكلسيوم.
3- هرمون الكالسيتونين: هو ببتيد يتألف من 32 حمضاً أمينياً، تفرزه الخلايا Cالمجاورة للجريب بالغدة الدرقية للإنسان، وعلى نحو أقل غالباً في الدريقة أو الغدة السعترية. وعلى الرغم من كثافة الأبحاث على هذا الهرمون وعزله وتنقيته واصطناعه لم يثبت حتى الآن على نحو واضح دوره الفيزيولوجي في استتباب الكلسيوم عند الإنسان.
ويلخص الشكل (4) تأثير الهرمونات في الكلسيوم، في جسم الإنسان.
الشكل (4): العلاقات المختلفة للهرمونات باستقلاب الكلسيوم عند الإنسان. |
أدوار أخرى للكلسيوم في استتباب المتعضيات:
1- يُنظم الكلسيوم ويتتبع بعض الإشارات البيولوجية داخل الخلوية intracellular signal transduction، أي يدخل في تتبع الإشارات signaling داخل الخلايا، حيث يُعد أحد المراسيل داخل الخلوية في الإشارات الهرمونية لبعض الهرمونات أليفة الشحوم lipophilic.
تنبه بعض هذه الهرمونات الفسفوليباز C في الغشاء البلاسمي، حيث تحلمهه الفسفاتيديل إينوزيتول 5,4 ثنائي الفسفات phosphatidylinositol 4,5-bisphosphate (PIP2) لتنتج جزيئتي مرسال هما الإينوزيتول 1 و 4 و5 ثلاثي الفسفات IP3 والغليسرول ثنائي الأسيل diacylglycerol (DAG) (الشكل 5). يسبب المركب الأول تحريراً سريعاً لإيونات الكلسيوم من الشبكة البلاسمية الداخلية عن طريق فتح قنوات مشكلاً شلالاً من التفاعلات. إن الكلسيوم هو مفعل إنزيمي فَعول potent، وإتاحته للسيتوبلاسما يُنَظم على نحو جيد ومحكم، والاستجابة تكون عادة سريعة وعابرة وموازية لمعدل تقلص العضلة. ويكون تركيز الكلسيوم
الحر في العصارة الخلوية عادة نحو 100 نانومول (10-7M)، في حين يكون تركيزه خارج الخلوي أعلى بــ 10,000ضعف. ويزيد المركب الثاني - وهو الغليسرول ثنائي الأسيل- فعالية كيناز البروتين C عن طريق زيادة ألفته للـ
.
الشكل (5): تنشيط الفسفوليباز C وشلال الفسفواينوزيتيد. ER: الشبكة البلاسمية الداخلية، MLC: سلسلة الميوزين الخفيفة. |
2- هذا وتؤدي زيادة تراكيز الكلسيوم السيتوبلاسمي أيضاً إلى موت الخلية، وهذا يعني ضرورة المحافظة على تراكيز خلوية من الكلسيوم في المستوى الأدنى أو القليل؛ لأن التراكيز العالية تتدخل بطاقة الاستقلاب الطبيعية. وإن موت الخلية هذا سيؤدي في بعض الأحيان إلى تمزقها rupture وإطلاق محتوياتها إلى الخارج، وهو ما يعرف بنخر الخلية cell necrosis، مما يؤدي بدوره إلى حالات التهابية بسبب تحرر المحتويات داخل الخلوية.
كما يحثأو ينظم نوعاً من موت الخلية الفيزيولوجي المعروف بموت الخلايا المبرمج apoptosis.
3- تنظم الشبكة البلاسمية الداخلية مستويات إيونات الـ داخل الخلوية في العضلة الهيكلية. إن تركيز
في السيتوبلاسما العضلية في حالة الراحة يراوح بين 10-8 و 10-7، وتتم حالة الراحة بسبب ضخ أيونات
في الشبكة السيتوبلاسمية العضلية مـن خلال عمل نظام نقل فاعل هو أتيباز الـ
(
ATPase) البادئ بالاسترخاء (الشكل 6 ).
الشكل (6): مخطط العلاقات بين الغمد العضلي والأنبوب T وصهريجين للشبكة البلاسمية الداخلية للعضلة الهيكلية. يمتد الأنبوبT داخل الغمد العضلي وتُنقَل شحنة نزع الاستقطاب (المبتدئة بالشحنة العصبية) من الغمد العضلي نازلة إلى الأنبوب T، وتُنقَل لاحقاً إلى القناة المطلقة للكلسيوم (مستقبل الريادونين)، ربما بالتآثر بينها ومستقبل ثاني هدروبيريدين (قناة الكلس البطيئة) اللذين يُظهِران علاقة قريبة. لدى تحرر الكلسيوم من القناة المحررة للكلس إلى العصارة الخلوية يبدأ التقلص، ومن ثم تفتح قناة |
تشبه العضلةُ القلبيةُ العضلات الهيكلية في عدة نقاط، حيث تستخدم منظومة الأكتين– الميوزين- تروبوميوزين – تروبونين نفسها المستخدمة في العضلات الهيكلية. لكن العضلة القلبية تعتمد على خارج خلوي من أجل التقلص أكثر من التزود بالـ
داخل خلوي، لأن الشبكة البلاسمية العضلية أقل امتداداً في العضلة القلبية منها في الشبكة العضلية، ولأن العضلة القلبية تبدي نَظماً ذاتياً داخلياً، كما أن النظام الأنبوبي T متطور أكثر في العضلة القلبية؛ لذلك إذا حُرِمَت العضلة القلبية المعزولة من
فإنها تتوقف خلال دقيقة واحدة تقريباً.
ويقوم الأدينوزين أحادي الفسفات الحلقي c AMP بدور مهيمن أكثر في القلب منه في العضلات الهيكلية، لأنه يعدل سويات الـ داخل الخلوية من خلال تفعيل الكينازات البروتينية protein kinases وأيضاً المركب المنظم تروبونين- تروبوميوزين، مما يؤثر في سويات الـ
داخل الخلوية أو في الاستجابة نفسها.
وتنظم إيونات الكلسيوم أيضاً تقلص العضلة الملساء، فبنية العضلة الملساء تختلف عن بنية العضلة المخططة، لكنها كالعضلات المخططة ينتظم تقلصها بوساطة إيونات الكلسيوم . حيث يبدأ تقلص العضلة الملساء بفسفرة السلاسل الخفيفةP- للميوزين بوساطة الكالمودولين-
-
calmodulin، وبعد ذلك تفسفر السلسة الخفيفة- P (الشكل7).
الشكل (7): تنظيم تقلص العضلة الملساء بوساطة Ca+2 |
وتسترخي العضلة الملساء عندما يهبط تركيز الكلسيوم لما دون 10-7 مول/ل، حيث ينفصل الـ عن الكالمودولين، الذي ينفصل بدوره عن كيناز السلسلة الخفيفة للميوزين، الأمر الذي يزيل فعالية الكيناز.
في النهاية لابد من أن يُذكَر أن أبحاث استقلاب الكلسيوم ودوره في استتباب المتعضيات لازالت تتتابع بسرعة كبيرة إذ تكشف عن فعاليات غير معروفة له حتى الآن، مقدمة مفاجئات للبيولوجيين، وفوائد ومنافع كثيرة للعلوم الطبية.
رويدة أبو سمرة
مراجع للاستزادة: -Harper’s Illustrated Biochemistry, McGraw-Hill Companies, 2009. -Lippincott’s Illustrated Reviews: Biochemistry, Lippincott Williams, 2007. -Robert, K. Murphy,Harper’sBiochemistry, McGraw-Hill, 1996. ترجمة وإشراف: رويدة أبوسمرة، نزار حمود وعماد أبو عسلي، دار المعاجم للنشر، دمشق1997 .
|
- التصنيف : الفيزيولوجيا - النوع : الفيزيولوجيا - المجلد : المجلد الثاني، طبعة 2016، دمشق مشاركة :