انتقال الحرارة
انتقال حراره
Heat transfer - Transfert de chaleur
فوزي عوض
يعود تعبير انتقال الحرارة heat transfer أصلاً إلى الاعتقاد الذي كان سائداً حتى أواخر القرن الثامن عشر؛ أن الحرارة مائع مرن غير مرئي عديم الكتلة يملأ ما بين جزيئات المادة، ويمكنه أن يسيل من نقطة إلى أخرى في مجموعة من الأجسام، وهو ما كانت تنص عليه نظرية السَيّال الحراري .caloric theory وتطورت نظرية تنافسها مع تطور وجهة النظر الذرية تعزو الحرارة إلى اهتزاز جزيئات المادة اهتزازاً سريعاً، إلا أن هذه النظرية لم تلْق الدعم الكافي في البدء، ولكنها فاقت النظرية الأولى في منتصف القرن التاسع عشر ولاقت قبولاً حسناً، عندما تبيّن أن الحرارة هي شكل من أشكال الطاقة الأخرى، مثلها مثل الطاقة الحركية والكامنة والكهربائية وغيرها، وكذلك عندما عيّن جول Joule مكافئ الحريرة.
أُجري في أواخر القرن الثامن عشر عددٌ كبير من التجارب للتحقق من طبيعة الحرارة وماهيتها، إلا أنها لم تؤد إلى نتائج مُرضية. وفي عام 1840 ابتدأ العالم الفرنسي جول بإجراء تجارب لتوليد الحرارة من عمل ميكانيكي، وكان لهذه التجارب أهميتها الكبرى لتنوع الطرائق التي اتبعها جول لإثبات التكافؤ بين الحرارة والعمل الميكانيكي بدقة كبيرة تفوق ما كان ميسراً له من وسائل في تلك الأيام. وأثبت جول بتجاربه هذه أن الحرارة ليست إلا نوعاً من أنواع الطاقة هي طاقة حركة الجزيئات التي تتكون منها المادة.وتعبر درجة حرارة المادة عن شدة هذا الاهتزاز. كما تبيّن اختلاف الطاقة الحرارية عن الطاقات الأخرى بعشوائيتها، ففي حين تصرف الطاقة الميكانيكية مثلاً عندما يتحرك الجسم في اتجاه محدّد فإن الطاقة الحرارية طاقة موزعة على جزيئات الجسم المتحركة (في حالة الغازات) أو المهتزة (في حالة الأجسام الصلبة) في جميع الاتجاهات.
هناك ثلاث طرائق لانتقال الحرارة من جسم إلى آخر أو في الجسم نفسه، هي التوصيل (النقل) conduction، الحَمل convection، الإشعاع radiation.
التوصيل
يتم انتقال الحرارة بالتوصيل في الأجسام الصلبة الرديئة التوصيل الكهربائي (العوازل) بفضل قوى المرونة التي تربط بين الذرات التي تهتز حول أوضاع توازنها؛ فتكون الذرات الموجودة في درجة حرارة عالية ذات سعات اهتزاز أعلى من سعات اهتزاز الذرات في درجة حرارة منخفضة، ويتم انتقال الطاقة الاهتزازية لدى تآثر الذرات عبر الشبكة البلورية للجسم الصلب فتنتقل بشكل كمات quanta تسمى فونونات phonons. أما في الموائع (السوائل والغازات) فيتم انتقال الحرارة بفضل اصطدام أكثر الجزيئات طاقة حركية بأقلها طاقة. وفي الأجسام الصلبة الجيدة التوصيل الكهربائي (المعادن) يتم انتقال الحرارة بفضل عاملين هما: قوى المرونة التي أشير إليها في حالة الأجسام الرديئة التوصيل الكهربائي. والإلكترونات الحرة، وهي إلكترونات حرة الحركة في المعادن وتسلك سلوك الجزيئات في الغازات وتنتشر خلال المعدن من المنطقة الأعلى درجة حرارة إلى المنطقة ذات درجة الحرارة المنخفضة ناقلة الطاقة معها باصطدام بعضها ببعض أو بإيونات الشبكة البلورية. غير أن التعبير عن جودة التوصيل الحراري كمياً يتشابه في الحالات المذكورة كلها، وذلك عن طريق تعريف معامل الناقلية الحراري أو مقلوبه المقاومية الحرارية.
فقد بدأ العالم بيو J. Biot في أوائل القرن التاسع عشر بإجراء تجارب لدراسة انتقال الحرارة في أجسام صلبة بشكل بلاطة افترض ثخنها L وجَعل درجتيْ الحرارة عند وجهيها المتقابلين ثابتتين(T1، T2) وعزل الأوجه الأخرى، فوجد أن كمية الحرارة التي تعبرُ واحدة المساحة في واحدة الزمن (أي كثافة التدفق الحراري) تتناسب طرداً مع الفرق بين درجتي الحرارة وعكساً مع L أي وفق العلاقة (1):
وسُمِّي عامل التناسب K التوصيلية (الناقلية) الحرارية thermal conductivity. ثم قام العالم فورييه J. Fourier عام 1816 بالصياغة الرياضية الدقيقة بغية الوصول إلى تعريف دقيق للتوصيلية الحرارية K، فأخذ في الحسبان الحرارة الضائعة عن طريق الأوجه الأخرى بإدخال مفهوم التدرج الحراري
إذ يمثل dx البعد بين سطحين متساوييْ الدرجة متجاورين يختلفان بمقدار dT في درجة الحرارة وصاغ القانون بدقة على النحو التالي (العلاقة 2):
إذ يمثل الطرف الأول من هذه العلاقة كمية الحرارة المنتقلة عبر السطح dA في المدة الزمنية dt. وتشير إشارة الناقص إلى أن التدفق الحراري يتم في اتجاه معاكس لاتجاه تزايد درجة الحرارة.
إن قياس التوصيلية الحرارية للسوائل يستدعي احتياطات ينبغي اتخاذها لاجتناب حدوث تيارات الحمل، فمثلاً ينبغي تسخين السائل من الأعلى حتى تكون الطريقةُ الوحيدة لانتقال الحرارة إلى أسفل السائل هي طريقة تبادل الطاقة بين الجزيئات بالتصادم. وليس هناك معادلة بسيطة تعطي التوصيلية الحرارية K للسوائل، وسبب ذلك هو أن الحرارة التي يفقدها سطح ذو درجة حرارة محدودة - إذا كان مماساً لسائل موجود في درجة حرارة أخرى- تتعلق بأشياء كثيرة منها الشكل الهندسي للسطح ووضعه وكذلك كثافة السائل ولزوجته وحرارته النوعية.
أما قياس التوصيلية الحرارية للغازات فهو أشد صعوبة من حالة السائل، إذ يحدث في الغازات- إضافة إلى تيارات الحمل- انتقالُ الحرارة بالإشعاع خلال الغازات. ويبين الجدول (1) قيم التوصيلية الحراريةK لبعض الأجسام الصلبة والمائعة(سوائل و غازات) في درجات الحرارة العادية، وتتغير هذه القيم بتغير درجة الحرارة وخاصة في درجات الحرارة المنخفضة.
|
إن العلاقة (1) شبيهة من حيث الصياغة بقانون أوم (العلاقة 3)
إذ تمثل I التيار الكهربائي وV فرق الكمون الكهربائي و ما يتناسب مع التوصيلية الكهربائية التي تقابل في العلاقة (1) التوصيلية الحرارية K فهذا التشابه بين التوصيل الحراري والتوصيل الكهربائي في المعادن من الأمور المعروفة والشائعة، ويعود ذلك إلى أن الإلكترونات الحرة المسؤولة عن جودة التوصيل الكهربائي تقوم بدور مهم في انتقال الحرارة كما سبق ذكره. وقد أدى هذا التشابه إلى قانون ينص على أن النسبة بين التوصيلية الحرارية K لمعدن ما وتوصيليته الكهربائية ρ/1(حيث ρ: المقاومة النوعية)، هي نسبةٌ ثابتة وواحدة من أجل كل المعادن في درجة الحرارة نفسها، وأن هذه النسبة تتناسب طرداً مع درجة الحرارة المطلقة. وتدل نتائج التجارب على صحة هذا القانون في درجات الحرارة العادية مما يعزِّز القول إن الإلكترونات الحرة مسؤولة عن التوصيل الحراري في المعادن مثلما هي مسؤولة عن التوصيل الكهربائي في درجات الحرارة العادية.
يوضح الجدول (1) الاختلاف الكبير في قيم K والذي يفرض تصنيف الأجسام في صنفين: أجسام رديئة التوصيل الحراري وأجسام جيدة التوصيل الحراري. فما كان منها جيد التوصيل كالمعادن يستعمل في صناعة جدران تنفذ منها الحرارة كالمشعات ومبادلات الحرارة؛ أما الأجسام الرديئة التوصيل وهي كثيرة ومختلفة، فتستعمل لتحسين العزل الحراري. وليس هناك في الحقيقة أي مادة عازلة للحرارة عزلاً كاملاً وتاماً، حتى الخلاء فإنه لا يُعدُّ عازلاً مادام الإشعاع الحراري ينتشر فيه ليسقط على الأجسام التي تمتصه وتحول جزءاً منه إلى حرارة.
الحمل
يتم انتقال الحرارة في طريقة الحمل نتيجة اختلاف الكتلة الحجمية للمائع من منطقة إلى أخرى بسبب اختلاف درجة الحرارة، إذ إن ازدياد درجة الحرارة يرافقه نقصان في الكتلة الحجمية لمعظم الموائع (السوائل والغازات). فإذا زُوِّد المائع بالحرارة من الأسفل ارتفعت جزيئات المائع في المنطقة ذات الكثافة المنخفضة وحلّ محلها جزيئات من المنطقة ذات الكثافة المرتفعة، كما في حادثة الطفو، وحدثت تيارات الحمل ناقلة الطاقة الحرارية معها. ويوصف الحمل حينئذ بأنه طبيعي، ومثال ذلك جريان الرياح في جو الأرض وتيارات المحيطات التي يتعدل مجراها بحركة الأرض وبتضاريسها. وإذا استعملت مروحة أو مضخة لتوليد تيارات الحمل والمحافظة عليها، كما هي الحال في التدفئة المركزية عادة، قيل حينئذ إن انتقال الحرارة يتم بالحمل القسري، ويلاحظ انتقال كتلة مرافقاً انتقال الطاقة الحرارية في هذه الطريقة.
تستعمل المبادلات الحرارية heat exchangers لنقل كمية من الحرارة من مصدر أول مثل الحرّاق إلى مصدر آخر مثل المشع، ويتم ذلك غالباً عن طريق تيار غازي ساخن يصادف أنابيب يمر فيها سائل مثل الماء؛ فالعملية هنا تتطلب أيضاً تدخل الناقلية الحرارية لمادة الأنابيب، ثم إرسال المائع الساخن إلى مشع آخر ليتبادل كمية الحرارة مع المحيط الذي يكون غالباً الهواء، ومرة ثانية تؤثر الناقلية الحرارية في العملية.فإذا كان الفرق بين درجة حرارة المائع الجاري في الأنبوب ودرجة حرارة جدار الأنبوب T∆ كان معدل انتقال كمية الحرارة معطى بالعلاقة:
حيث h معامل انتقال الحرارة .
وللمبادلات الحرارية عدة أنواع وأشكال تعتمد على المقاطع الهندسية للأنابيب وعلى عدد كل من الأنابيب التي يدخل منها المائع الأول وعدد أنابيب المائع الثاني التي تتبادل الحرارة معها. ويحسب لتبسيط الحساب المقطع العرضي المكافئ لكل مجموعة ويعامل المبادل معاملة مبادل بسيط مثل المبادل في الشكل (1). كذلك يجب التمييز بين حالتين لجريان المائع :الجريان الطبقي وفيه الطبقة الملامسة للأنبوب تأخذ شكله ومثلها الطبقات التالية المتدرجة في درجة الحرارة، والجريان الاضطرابي الذي تختلط فيه الطبقات اختلاطاً دوامياً؛ فلكل منهما قوانينها. ويوصف المبادل بمعامل كفاءة يعرّف أنه نسبة كمية الحرارة المنقولة فعلاً من التيار الأول إلى التيار الثاني إلى كمية الحرارة المتاحة للنقل.
![]() |
الشكل (1): مبادل حراري |
إن المقادير التي تعين معامل انتقال الحرارة كثيرة، منها ما يخص المواد المستعملة في صنع الأنابيب مثل ناقليتها الحرارية، ومنها ما يخص الموائع الجارية مثل كتلة واحدة الحجوم واللزوجة. إضافة إلى المقادير الهندسية؛ مثل المقاطع العرضية للأنابيب وأطوالها ومساحات سطوحها . كما تدخل في الحساب سرعة الجريان التي غالباً ما يعبّر عنها بفرق ضغط المائع بين مدخل الأنبوب ومخرجه، إذ قرابة سرعة معينة ينتقل الجريان من جريان طبقي إلى جريان اضطرابي فيعطى هذا الحد بدلالة ما يعرف بعدد رينولد حيث
وD قطر الأنبوب وm الكتلة المارة عبر مقطع الأنبوب في الثانية وD’ القطر الهدروديناميكي الفعال الذي يتضمن مساحة سطح الأنبوب ومحيطه، و
لزوجة المائع.نظرا لكثرة العوامل المؤثرة وتشابكها يعطى معامل انتقال الحرارة بعلاقات تقريبية مثل:
للأنابيب الدائرية المقطع على أن تقدر جميع المقادير في الجملة السغثية (الوحدات الأساسية هي سم، غ، ثا)، أما C فهي الحرارة النوعية وتقدر بالحريرة لكل غرام ولكل درجة.
الإشعاع:
يختلف انتقال الحرارة بالإشعاع عن الطريقتين السابقتين بأنه يتم حتى في الخلاء بين أجسام بعيدة جداً بعضها عن بعض من دون حاجة إلى وسط ناقل وبسرعة هي سرعة الضوء (إشعاع الشمس مثلاً)، كما يختلف عنهما في أن الإشعاع يخترق بعض الأجسام المادية من دون أن تمتصه كلّه (اختراق الإشعاع الشمسي للجو الأرضي مثلاً). كذلك فإن انتقال الحرارة بالإشعاع يختلف عن طريقتي التوصيل والحمل السابقتين من حيث آليته mechanism، فكل جسم مهما تكن درجة حرارته؛ يصدر إشعاعاً كهرطيسياً معقداً بفضل الطاقة الحرارية لجزيئاته، ويمكنه في الوقت نفسه إذا سقط عليه إشعاع حراري من أجسام أخرى؛ أن يمتص قسماً من طاقة هذا الإشعاع فتزداد طاقته الحرارية، أما ما لم يمتصه الجسم فينعكس عنه إذا كان غير شفاف أو ينفذ منه إذا كان شفافاً.
تعطى الطاقة الفعلية التي يكتسبها الجسم عن هذا الطريق بحاصل طرح الطاقة التي ترده من الطاقة التي يشعها. وتعطى الطاقة التي يشعها الجسم في واحدة الزمن بالعلاقة (4):
حيث ثابت (ستيفان وبولتزمان) يساوي
و
إصدارية السطح المشع تقع قيمتها بين الصفر والواحد؛ وهي تتعلق بلون السطح ونعومته، وقيمته الواحد للجسم الأسود المثالي. أماA فمساحة السطح المشع وT درجة حرارة السطح المشع على السلم المطلق. ويوجد علاقة مماثلة لما يمتصه الجسم من الوسط المحيط به مع اختلاف في درجة حرارة الوسط المحيط
عن درجة حرارة الجسم T .لتكون المحصلة (العلاقة 5):
تنتقل الحرارة في الواقع بالطرائق الثلاث دائماً ويصعب الفصل بين هذه الطرائق؛ إلا أنه بحسب الدراسة المستهدفة قد يكون انتقال الحرارة بإحدى هذه الطرائق هو المهيمن فتبقى الطرائق الأخرى تصحيحات طفيفة، وقد تهيمن طريقتان؛ إذ يعتمد ذلك على الحالة المدروسة وعلى مجال درجة الحرارة الذي تعمل عنده المادة أو الجهاز المدروس.
يضاف عادة إلى طرائق انتقال الحرارة الرئيسة الثلاث طريقة رابعة؛ هي انتقال الحرارة بتغير الطور heat transfer by phase transition. تختلف هذه الطريقة عن الطرائق الأخرى في أنها تتم في درجة حرارة ثابتة، وتكتسب إحدى الجملتين الطاقة الحرارية لتغيِّر من طاقتها الحرارية الداخلية في حين تخسر الجملة الأخرى هذه الطاقة. يعدّ التبخر مثالاَ جيداً، فعند تبخر جزء من سائل يبرد الجزء المتبقي من السائل فيصبح الأول في الطور الغازي (بخار) ويخسر الطور السائل حرارة التبخر اللازمة؛ ويعدّ تبريد جسم الإنسان نتيجة تبخر عرقه (الذي معظمه ماء) نتيجة ذلك. ويوجد تغيرات في الطور مشابهة يتم فيها انتقال الحرارة مثل الترسيب والتكاثف والتأيين في البلازما.
مراجع للاستزادة: - ريتشارد وآخرون، الفيزياء الحديثة للجامعات، الجزء الأول، ترجمة عبد الرزاق قدورة ووجيه السمان وأحمد محمود الحصري، مطبوعات جامعة دمشق، 1972-1973. - D. Halliday , R. Resnick and J. Walker, Fundamental of Physics, John Wiley & Sons Inc. 2000. - J.H. Leinhard IV and J.H. Leinhard V, A Heat Transfer Text Book, Phlogiston press, 2008. - Y.A.Cengol and A.I.Ghayar, Heat and Mass Transfer, McGraw-Hill, 2010. |
- التصنيف : الحرارة والترموديناميك - النوع : الحرارة والترموديناميك - المجلد : المجلد الثالث، طبعة 2017، دمشق مشاركة :