التلقيح والإخصاب
تلقيح واخصاب
-
سليمان عبد الرحمن سلهب
يُعرَّف التلقيح coupling (mating) في الثدييات بأنه إيداع السائل المنوي -الذي يحتوي على ملايين النطف- في القناة التناسلية الأنثوية إما طبيعياً بوساطة الذكر من النوع ذاته، وإما صنعياً insemination بوساطة سائل منوي جُمع بوسائل صنعية ثم أُودِع في جسم الأنثى بأدوات تلقيح خاصة. ويُعرف الإخصاب fertilization بأنه اختراق النطفة لأغلفة البويضة ودمج المواد الوراثية الأبوية (الذكرية والأنثوية) في خلية واحدة مخصبة zygote وإعادة التركيب الصبغي إلى طبيعته الزوجية ( 2ن) المميزة للنوع الحيواني
يودع السائل المنوي عادة عند التلقيح الطبيعي في المهبل عند المرأة أو في نهاية المهبل عند البقر والغنم والمعز، أو في عنق الرحم عند الفرس والخنزيرة والناقة، وفي حال التلقيح الصنعي يودع السائل المنوي في الرحم (العنق، الجسم، القرن)، أو في مكان الإخصاب وفقاً للنوع الحيواني وطريقة التلقيح. يجب أن تنتقل النطف من مكان الإيداع إلى مكان الإخصاب وفق آلية ديناميكية سريعة منظمة فعالة وموجهة. ولا يصل من كل النطف المودعة إلى مكان الإخصاب إلا آلاف منها، وأحياناً المئات فقط، وبالنتيجة تقوم نطفة واحدة فقط بالإخصاب؛ إذ يرتدُّ قسم من النطف المودعة خارج القناة التناسلية، وقسم آخر تتبلعمه كريات الدم البيض، وينتقل ما تبقى منها عبر عنق الرحم إلى جسم الرحم وقرن الرحم ليصل أخيراً إلى قناة المبيض (الشكل 1).
![]() |
الشكل (1) أحداث رئيسة تلي إيداع السائل المنوي في القناة التناسلية الأنثوية. |
تعتمد كمية السائل المنوي المفقودة من الفتحة التناسلية للأنثى على القوام الفيزيائي للقذفة، ومكان إيداع السائل المنوي. ويحوي السائل المنوي في القوارض عادة بروتينات تَخثُر تشكل سدادة مهبلية تمنع خروج السائل المنوي من القناة التناسلية. أما الرجل والحيوانات الزراعية فتفتقر إلى مثل تلك البروتينات. ولهذا يفضل في حال التلقيح الصنعي أن يودع السائل المنوي في جسم الرحم وليس في المهبل أو في عنق الرحم؛ لأن 60% من النطف تتراجع وتُفقد خارج القناة التناسلية خلال 8- 12 ساعة إذا جرى التلقيح في وسط عنق الرحم، ولا فرق في عدد النطف المفقودة خارج الفتحة التناسلية الأنثوية عند إيداعها في جسم الرحم أو في قرن الرحم، كما أنّ إيداعها في أحد قرني الرحم يسمح بإعادة توزعها عبر قرني الرحم وليس في قرن واحد.
آ-انتقال النطف spermatozoal transport:
تقسم عملية انتقال النطف إلى مكان الإخصاب إلى ثلاث مراحل: تُعرف أولاها بمرحلة الانتقال السريع وتستغرق نحو 2- 10 دقائق عند البقر ونصف ساعة عند الخنازير؛ وفيها تنتقل النطف بوساطة الانقباضات العضلية المتولدة في أثناء التلقيح إلى مكان الإخصاب. يكون عددها في هذه المرحلة قليلاً؛ ولا يعرف ما إذا كانت هذه النطف تشارك في عملية الإخصاب أم لا. وتسمى الثانية بمرحلة الانتقال البطيء (المساند) sustained transport phase، وهي الأهم؛ إذ تنتقل النطف خلالها على شكل تيار رقيق مستمر ومتجانس ومنظم باتجاه منطقة الإخصاب، ويُشكل فيها عنق الرحم الحاجز الأول المعترض لمرور النطف في حال إيداعها في المهبل. وتبين أن عنق الرحم في البقر يُفرِز خلال طور الشبق نوعين من المركبات البروتينية السكرية (المخاطين): أحدهما قليل اللزوجة يسمى سيالوموسين sialomucin ويفرزه الجزء القاعدي من ظهارية طياتfolds أو سراديب crypts عنق الرحم؛ أمّا النوع الثاني فيكون عالي اللزوجة ويسمى سلفوموسين sulfomucin وتفرزه خلايا الجزء القمي من ظهارية طيات عنق الرحم؛ ممّا يساعد على خلق بيئتين داخل عنق الرحم: إحداهما مائعة قليلة اللزوجة، والثانية سميكة عالية اللزوجة؛ فالنطف التي تواجه البيئة الأولى تُطرح خارج القناة التناسلية؛ في حين تسبح النطف التي تواجه البيئة الثانية عبر القناة التناسلية وتنتقل تصاعدياً فيها (الشكل2)، وتسمى هذه البيئة بالممر الموسر أو الثري privileged pathway لانتقال النطف. تتابع النطف الحية طريقها إلى الرحم وهناك يعترضها الحاجز الثاني المتمثل بغدد بطانة الرحم، ومن ثم تتجمع في منطقة الاتصال الواقعة بين الرحم وقناة المبيض uterotubal junction، وتشكل منطقة البرزخ isthmus الواقعة في الثلث السفلي من قناة المبيض المحطة الثالثة والمستعمرة الأخيرة للنطف، حيث تتحرر النطف منها تدريجياً تجاه منطقة الإخصاب.
![]() |
الشكل (2) انتقال النطف عبر الطريق الموسر إلى مكان الإخصاب في البقر. |
تبين أن الوقت الذي تستغرقه النطف لتصل إلى مكان التجمع الأخير يختلف من نوع حيواني إلى آخر ويراوح بين دقائق عدة وساعات عدة (الجدول 1). تسمى المرحلة الثالثة بمرحلة التحرر والانتقال البطيء؛ إذ تتحرر النطف خلالها تدريجياً من منطقة البرزخ أسفل قناة فالوب Fallopian tube باتجاه منطقة الإخصاب (الأمبولا (ampulla، ولوحظ أن استعمار النطف لهذه المنطقة ومكوثها فيها مدة 36 ساعة يُزيد معدل الإخصاب عند الخنازير، كما أن النطف المتحررة من منطقة البرزخ تكون عالية النشاط عند البقر والغنم خصوصاً بعد حدوث الإباضة بثلاث ساعات، ويكون معدل الإخصاب عالياً جداً. وفُسِّر الهدف من وجود هذه الحواجز التشريحية المعترضة للنطف في أثناء رحلتها إلى مكان الإخصاب هو التقليل من ظاهرة تعدد الإخصاب polyspermy (تلقيح البويضة بأكثر من نطفة)، كما أنها تعطي وقتاً أكثر للنطفحتى يكتمل نضجها النهائي من خلال مرورها بعملية الاستعدادcapacitation ؛ فتفقد النطف غلافها الغليكوبروتيني (البروتيني السكري) glycoprotein الذي أحاط بها في أثناء مرورها ضمن القناة التناسلية وتتهيأ لاختراق الجدر المتعددة للبويضة.
الجدول(1) : مواصفات القذفة المنوية والوقت الذي تقضيه النطفة لوصولها إلى مكان الإخصاب. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
تُعدّ حركة النطف من العوامل غير المهمة نظراً لوجود نطف ميتة في مكان الإخصاب؛ ولكن تكمن أهميتها في منطقة الإخصاب حول البويضة. أما العوامل الفعالة والأكثر أهمية فهي التقلصات العضلية الداعمة لجدر القناة التناسلية عند الأنثى، وتيار السوائل الناتج من الغدد الإفرازية المبطنة لأغلب القناة التناسلية، إضافة إلى حركة الخلايا الهدبية الموجودة في بطانة جدار الرحم الداخلية وقناة فالوب، ويُعد التوازن الهرموني بين الإستروجين والبروجِسترون من أكثر العوامل أهمية؛ إذ يقلل الإستروجين من لزوجة السائل المخاطي ويجعله ذا طبيعة أكثر مائية فيزيد من ثمّ من حركة النطف. أما البروجِستيرون فيزيد من سماكة هذا السائل ولزوجته ومن ثمّ يعيق حركة النطف، وقد يقلل من ظاهرة تعدد الإخصاب، وفي النهاية من معدل الإخصاب. وتبين أيضاً أن هرمون الأوكسيتوسين oxytocin المحرر من الفص الخلفي للنخامية وتوفر الإبينفرين والهستامين والبروستاغلاندين في البلازما المنوية تساعد أيضاً على زيادة التقلصات العضلية لجدار القناة التناسلية الأنثوية، ومن ثم نقل النطف إلى مكان الإخصاب. كما أن حقن الإناث بالبروستاغلاندينات قبل التلقيح أو إضافتها إلى البلازما المنوية يساعد على نقل أعداد كبيرة من النطف إلى مكان الإخصاب، مما يزيد من فرص الإخصاب. وقد استفيد من هذه الظاهرة في الإقلال من عدد النطف في وحدة التلقيح وزيادة عدد القشات الممكن إنتاجها من القذفة الواحدة في السائل المنوي المجنس خاصة.
ب- ظاهرة استعداد النطف:
ويطلق على ظاهرة استعداد النطف spermatozoal capacitation اسم التكوين أو النضج النهائي للنطف، حيث تكتسب عادة النطف نضجها الأولي في أثناء مرورها بالبربخ، وعند القذف تغمرها البلازما المنوية فتحاط كل نطفة بغلاف غليكوبروتيني يتجمع حول غلافها البلازمي فيميزها جهاز المناعة الأنثوي في النوع الحيواني الواحد وكأنها خلايا ذاتية أنثوية فلا تُفرز أضداداً antibodies لها، ويكتمل نضجها النهائي في أثناء تصاعدها في القناة التناسلية الأنثوية عن طريق تغيرات مورفولوجية تطرأ على غلافها غليكوبروتيني تنتهي بتكشف إنزيمات مهدمة لروابط جدار الخلية الأنثوية (البويضة) تساعدها على اختراق جدر البويضة في أثناء الإخصاب (الشكل3). أما النطف المأخوذة من البربخ والمودعة مباشرة في رحم الأنثى فتفتقر إلى هذا الغلاف الغليكوبروتيني وتصبح غير قادرة على الإخصاب ويموت أغلبها بعمليات البلعمة المختلفة، ما لم تودع مباشرة في مكان الإخصاب.
تتنشط ظاهرة الاستعداد بتوفر الإستروجين ويعيقها وجود تراكيز عالية من البروجِستيرون، ويتم ذلك عادة في الرحم وقناة المبيض. وأمكن حديثاً إجراء هذه العملية في المختبر in vitro بإضافة بيكربونات الصوديوم إلى السائل المنوي أو إنزيمات حالة للمواد النشوية مثل α-amylase أو غلوكورونيداز glucuronidase، ولهذا لا تستطع النطف الإخصاب ما لم تقض فترة في القناة التناسلية الأنثوية تستعد بوساطتها لمواجهة الخلية الأنثوية، وتختلف مدتها باختلاف الأنواع الحيوانية فهي ساعة عند الفئران و2-3 ساعات عند الخنازير والجرذان و1-2 ساعة عند الغنم و3-4 ساعات عند الهامستر و6-7 ساعات عند الأرانب.
![]() |
الشكل (3) مفهوم توضيحي لاكتساب النطف ظاهرة الاستعداد في الثدييات. |
ج- انتقال البويضة:
تنتقل البويضة ovumالناضجة من مكان انفجار جريب غراف Graafian follicle على سطح المبيض إلى مكان الإخصاب مستعينة بعدة عوامل؛ إذ يتلقفها أولاً قمع قناة فالوب الذي تستطيل نهاياته المشرشرة لتحيط بالمبيض كلياً أو جزئياً، ويُظنّ أن خلايا الجسم الركامي المحيط بالبويضة المحررة يؤدي دوراً كبيراً في توجيه البويضة إلى القمع. كما أنّ التقلصات العضلية لجدار قناة فالوب وحركة أهداب الخلايا المبطنة للمعتها وتيار السوائل المفرزة من جزئها العلوي تتعاون جميعاً لنقل البويضات إلى الأمبولا، وهناك تنتظر البويضة النطف من أجل الإخصاب.
تُعد عملية التزامن بين وقت التلقيح ووقت الإباضة عند الأنثى من أهم العوامل المحددة لنجاح الإخصاب fertilization والحصول على أجنة ذات مواصفات طبيعية خاصة، وإن قدرة كلٍّ من البويضة والنطفة على الحياة ضمن القناة التناسلية الأنثوية تكون محدودة (الجدول 2).
الجدول (2): فترة حياة البويضة والنطفة في القناة التناسلية الأنثوية. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
تتضمن عملية الإخصاب سلسلة من الأحداث (الأشكال 4، 5،6 ) تتلخص بالآتي:
أ- تفاعل الجسيم الطرفي acrosomal reaction :
ينتهي المطاف بالبويضة الناضجة إلى مكان الإخصاب محاطة بعدد من الأغشية الخلوية التي لا بد للنطفة من اختراقها كي تتمكن من إتمام عملية الإخصاب. وتتضمن هذه الأغشية الجسم الركامي cumulus oophorus الذي يتألف من خلايا حبيبية يرتبط بعضها ببعض بمادة خلالية تتكون من معقد بروتيني مع حامض الهيالوريني hyaluronic، وخلايا الإكليل المشع corona radiata التي تترابط بروابط مشابهة لخلايا الجسم الركامي، يليها النطاق الشفاف المعروف المنطقة الشفافه (ZP) Zona Pellucida الذي يتألف من ثلاثة أغلفة: بروتينية سكرية تسمى ZP1 وZP2 الداعمين والمسؤولين عن سلامة المنطقة الشفافه وZP3 الغني بمستقبلات خاصة بالبروتينات الموجودة في غلاف النطفة للنوع ذاته (الشكل4)، وأخيراً الغلاف المحّي vitelline membrane.
أما النطف فتكون على أهبة الاستعداد لاختراق حواجز البويضة بعـد أن أمضت وقتاً لا بأس به ضمن القناة التناسلية تتخللها تغيرات مورفولوجيـة للغلاف الغليكوبروتيني وتتكشف تحتـه الأغلفة التالية: الغلاف الخلوي plasma membrane الذي يحيط بكامل الخلية والغلافان الأكروزوميان acrosome membranes خارجي وداخلـي ضمن منطقـة الرأس ومن ثم الغلاف النووي المحيط بالنواة (الشكل4).
![]() |
الشكل (4) اختراق النطفة للجسيم الطرفي وبدء تفاعل الجسيم الطرفي. |
ويتألف الغلاف الخلوي للنطفة بدوره من منطقتي ارتباط المنطقة الشفافة: تكون أولاهما مسؤولة عن التصاق النطفة للمنطقة الشفافة، ويشار إلى الثانية بمنطقة تنشيط تفاعل الجسيم الطرفي acrosome reaction promoting ligand؛ فعندما ترتبط هذه الأخيرة بـ ZP3 يحدث تنشيط أو إثارة تنتقل بشكل شارة تقود إلى تفاعل الجسيم الطرفي (الشكل 5) الذي يتصف بتهدم الغلافين الخارجيّين (البلازمي والأكروزومي الطرفي)، وانصهار بعضهما مع بعض، وتكوين حويصلات vesiculation صغيرة الحجم تسمح بتكشف الجسيم الطرفي الداخلي فتتسرب منه إنزيمات متعددة تساعد على هدم الروابط الخلوية المدعمة لجدر الخلية الأنثوية. ومن أهمها إنزيم الهيالورونيديز hyaluronidase المسؤول عن تهديم الروابط بين خلايا الجسم الركامي والسماح للنطفة بأن تصل إلى الإكليل المشع فتخترقه وتتفكك الروابط الخلوية بين خلايا الإكليل المشع. أما الجسيم الطرفي فيمتلك- كما ذكر آنفاً- مستقبلات خاصة بنطاف كلِّ نوع حيواني species specific receptors. تستطيع النطفة اختراقه بوساطة التأثير المهدّم للإنزيم المشابه لإنزيم التربسين trypsine-like enzyme الذي يعرف بالأكروسينacrosin المسؤول عن حلمهة بروتينات الجسيم الطرفي واختراق هذا الجسيم. وقد لوحظ أن حركة ذيل النطفة في هذا المكان لها دور رئيس في تسريع عملية الاختراق، ويظهر مكان اختراق النطفة ندبة صغيرة.
![]() |
الشكل (5)مراحل تفاعل الجسيم الطرفي مع البوبضة. |
ب- انصهار الغلاف الخلوي للنطفة مع مثيله للبويضة:
بعد اختراق النطفة للجسيم الطرفي فإنها تصل إلى الغلاف المحّي للبويضة تاركة خلفها ضمن الحيز المحيط بالمح بقايا الغلاف الطرفي الداخلي. وقد تبين أن أول اتصال للنطفة بالغلاف المحي يكون في المنطقة خلف الطرفية (المنطقة الربعية لرأس النطفة) وعندها ينصهر الغلاف البلازمي الخاص بالنطفة مع مثيله المحيط بمح البويضة مشكلان معاً غلافاً خلوياً واحداً يحيط بالبويضة ورأس النطفة الذي أصبح عارياً وتكشفت فيه نواة النطفة (الشكل 6).
![]() |
الشكل (6). |
ويعتقد أن انصهار غلافي النطفة والبويضة يكون مسؤولاً عنه بروتين الانصهار fusion protein الذي يتوضع في منطقة الاتصال، ويكون عادة غير فعال مالم تخترق النطفة نطاق الزونا zona. تستغرق هذه العملية نحو نصف ساعة عند البقر، وهي عملية فعالة ومنشطة للبويضة لتتابع تطورها؛ إذ تكون البويضة الأولية في مرحلة الـطور التالي metaphase من الانقسام الاختزالي الثاني عند المرأة والحيوانات الزراعية (ماعدا الفرس). وعند اختراق الغلاف المحي تستمر البويضة الثانوية بانقسامها مارة بأطوار الانقسام الاختزالي الثاني الذي في نهايته تنقسم إلى قسمين غير متساويين؛ الصغير فيهما يسمى الجسم القطبي الثاني second-polar body الذي يتوضع ضمن الحيز المحيط بالمح بجانب الجسم القطبي الأول؛ أما القسم الكبير يسمى البويضة الناضجة ootid التي يطرأ على نواتها فيما بعد تغيرات شكلية تنتهي بتكوين طليعة النواة الأنثوية. ويلاحظ أيضاً أنه حالما يتم اتصال بين النطفة والغلاف المحي للبويضة يهاجر العديد من الحبيبات القشرية cortical granules من داخل سيتوبلاسما البويضة باتجاه الغلاف المحي وتنصهر معه وتُلقي بمحتوياتها في الحيز المحيط بالغلاف المحي عبر ظاهرة الطرح الخارجي exocytosis (الشكل7)، وتكون تلك المحتويات غنية بسكريات مخاطية متعددة وإنزيمات مختلفة تهدم المستقبلات الموجودة على سطح الجسيم الطرفي ضمن ما يسمى بتفاعلات الزونا zona reaction، كما أنها تُغيّر في نفاذية الغلاف المحي مانعة دخول أي نطف أخرى، مانعة بذلك ظاهرة تعدد الإخصاب ضمن ما يسمى بعائق التفاعل المحي vetilline block كنوع آخر من تفاعلات البويضة.
![]() |
الشكل (7) . |
ج - تكوّن البداءات النوويةpronucleus formation :
يبتدئ رأس النطفة بالانتفاخ حال ملامسته سيتوبلاسما البويضة نتيجة لازدياد عمليات الاستقلاب، ثم لا يلبث أن يفقد شكله وتتكون عدة نويات تنصهر بدورها ضمن النواة التي ما زالت محاطة بغلافها النووي. كما يغيب ذيل النطفة كلياً في حال دخوله إلى السيتوبلاسما ولهذا يتحول رأس النطفة إلى ما يسمى البداءة (الطليعة) النووية الذكرية male pronucleus، وفي الوقت الذي لفظ فيه الجسم القطبي الثاني ضمن الحيز المحيط بالمح تبدأ بداءة النواه الأنثوية female pronucleus بالتشكل بطريقة مشابهة لتشكل مثيلتها الذكرية حيث تتعدد النويات ثم تنصهر ضمن النواة. يزداد حجم هاتين البداءتين النوويتين إلى درجة أكبر بعشرين ضعفاً من حجمهما الطبيعي. ثم يصغر حجم كلٍّ منهما بصورة مفاجئة ويغيب غلافهما النووي وتتكدس المواد الصبغية ضمن كل نواة، ولكن يظل هناك إمكان لتمييز التكدس الصبغي في الطليعة الذكرية عنه في الأنثوية؛ إذ تكون الأولى أكبر حجماً وأكثر انطباقاً من الثانية. وأخيراً تتجمع هاتان المجموعتان من الصبغيات في الطور الأول من الانقسام الخلوي للبيضة الملقحة zygote، وتدعى عملية اتحاد الطليعتين النوويَّتين ومن ثمَّ انصهار مجموعتيهما الصبغيَّتين باسم syngamy، وبها تستكمل عملية الإخصاب.
تستغرق عملية الإخصاب مدة تختلف باختلاف الأنواع الحيوانية، فتُقدر عند الأرانب بـنحو 12 ساعة، وعند الخنازير بين 12-14 ساعة، وعند الغنم 16- 21 ساعة، وعند البقر 20-24 ساعة، وعند الانسان 36 ساعة.
شذوذات في الإخصاب:
سُجِّل العديد من الشذوذات في الإخصاب abnormal fertilization ، ومن أهمها التوالد الذكري androgenesis والأُنثوي gynogenesis في الحالات التي يخفق فيها تكوّن طليعة النواة الأنثوية والذكرية على التوالي؛ فيتكوّن ما يشبه البويضة المخصبة التي تحمل إحدى المجموعات الصبغية haploid التي لا تنقسم ولا تنمو، وهناك شذوذات إخصاب تنتج من عدم اكتمال نضج البويضة incomplete ovum- maturation، في حال أخفقت البويضة في طرد الجسم القطبي الأول أو الثاني خارج الغلاف المحي للبويضة تؤدي إلى تكوّن جنين متعدد الصيغة الصبغية multiploids لا ينمو وغالباً ما يموت في مرحلة مبكرة من تطور الجنين. وقد تنتج حالات تعدد الإخصاب عندما تتمكن أكثر من نطفة من اختراق الغلاف المحي ودخولها إلى سيتوبلاسما البويضة؛ فتتشكل أكثر من طليعة نواة ذكرية، إضافة إلى الأنثوية، كما سُجِّلت حالات الحمل المضاعفsuperfetation الذي يعرف أيضاً بفرط الحمل، ومن شذوذات الإخصاب الأخرى التوالد البكري parthenogenesis الذيتتطور فيه البويضة من دون إخصابها بالنطفة ويكون الجنين المتطور أنثى وأحادي المجموعة الصبغية ولكن لا يستمر في التطور سوى لوقت قصير عند الثدييات.
أحدث نوع من التصالب التزاوجي بين بعض الثدييات، مثلاً: الأبقار والجاموس، وكانت الهجن الناتجة جميعها عقيمة جزئياً أو كلياً، وعندما لقحت بويضة غنم بسائل منوي خاص بالمعز لم تنجح عملية التلقيح، وفي حال نجاحها أخفقت عمليات الانقسام أو توقف التطور الجنيني، وعندما أخصبت بويضات معز بسائل منوي للكباش استطاعت الأجنة الناتجة الاستمرار في حياتها حتى منتصف فترة الحمل، ثم نفقت بسبب نشاط الجهاز المناعي ورفض الأنثى الممثلة بالأم (العنزة) الجنين الهجين.
مراجع للاستزادة: - سليمان سلهب، فيزيولوجيا التناسل في الحيوانات الزراعية، جامعة دمشق،2014 . - M. Aquino, A. Johnson, Shittu Lorenzo Understanding The Physiology Of The Endocrine System (Understanding Physiology), Basic Medical Science, 2024. - V. E. Deneke, A. Pauli, Annual Review of Cell and Developmental Biology The Fertilization Enigma: How Sperm and Egg Fuse, Research Institute of Molecular Pathology (IMP), Vienna , 2021. - J. Midthun, The Endocrine and Reproductive Systems (Building Blocks of Life Science), World Book.2018. - T. Zakar, R.Menon, M. Lappas, The Role of the Fetal Membranes in Pregnancy and Birth,Frontiers, 2021.
|
- التصنيف : الوراثة والتقانات الحيوية - النوع : الوراثة والتقانات الحيوية - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :