التلوث المنجمي
تلوث منجمي
Mining pillution -
محمد زهير مسالخي
مخاطر التلوث المنجمي والأثر البيئي للمناجم
التلوث المنجمي Mine pollution هو تلوث البيئة الناجم عن استخلاص مواد من المناجم تفيد في الصناعة مثل؛ استخلاص المعادن كالذهب والفضة من فلزاتها minerals أو خاماتها ores. ويطلق على هذه العملية التعدين mining، وقد تعمم لتشمل عمليات الاستخلاص كلها، أو استخلاص مواد تفيد في الزراعة مثل مناجم الفسفات، أو تفيد في البناء مثل مناجم (مقالع) الرخام أو مناجم استخلاص المواد المشعة التي توسعت مع بداية القرن العشرين. وتختلف أنواع التلوث ومعالجته بحسب نوع المنجم وغاياته؛ وقد تكون الملوثات صلبة مترسبة، أو سائلة (كيميائية وغيرها) تنسكب أو تتسرب، أو غازية تلوث الهواء.
تعمل أنشطة التعدين والتنقيب المختلفة في مختلف أصقاع العالم على تحريك أكثر من 50X109 طن متري من المواد الجيولوجية في العام، وهذا يشبه التدفق الذي تنقله الأنهار من القارات إلى البحر. تسبِّب معظم عمليات التعدين مشاكلات بيئية واجتماعية كبيرة، حيث تؤدي إلى تجميع كميات ضخمة من رواسب النفايات المعرَّضة للتأكسد بالهواء والأمطار، ومن ثم تلوث مصادر المياه. حيث يتسبَّب استخراج المعادن النادرة مثل النحاس، والنيكل، أو الذهب في إنتاج 1000 طن من النفايات من أجل الحصول على 1 كغ من المعدن الصافي. وتحتوي بعض الخامات مثل خامات الفحم والحديد والنحاس عادةً على كميات كبيرة من مادة الكبريتيد الفعالة كيميائياً.
يُعدُّ التعدين نشاطاً أساسياً لتطور المجتمع الحديث؛ لأنه يزوده بمصادر طبيعية أساسية لإنشاء مشاريع التقانات والطاقة. ولكن من الضروري أن تنفَّذ عمليات التعدين بمسؤولية مع التركيز على الاستدامة وتخفيض الأثر في البيئة. وتصنف أنواع التعدين في:
· تعدين سطحي مفتوح surface mining.
· تعدين تحت الأرض underground mining.
· تعدين بحري marine mining.
· تعدين كوكبي planetary mining.
· تعدين بالمحاليل solution mining.
مخاطر التلوث المنجمي والأثر البيئي للمناجم
تتمثَّل مخاطر التلوث المنجمي في تسرب غازات سامة ناتجة من عمليات التنقيب والاستخراج إلى الجو الخارجي، أو تسرِّب مواد ومياه تسيء إلى المخزون المائي الأرضي وتصريفها، وهي غير صالحة للشرب أو للري. وينجم عن أعمال استخراج المعادن من المناجم نفايات غازية ضارة بالصحة. وتتمثَّل مخاطر تلوّث الجو في إطلاق الغبار، وأكاسيد الآزوت، وثاني أكسيد الكبريت، وأول أكسيد الكربون، وهذه غازات خطرة وضارة بصحة البشر وسلامة الغذاء والماء؛ إضافة إلى الغبار والمواد والأحجار الناجمة عن أعمال الحفر والتفجير. ويمكن ألا يكون مصدر إحداها المنجم بحد ذاته، وإنما الآليات والآلات التي تعمل داخله، وتطلق مياهاً تحتوي على الحموض أو المعادن الثقيلة، وتعد جميعها ضارةً بحياة البشر، وتعمل على إتلاف التربة الزراعية وتحويل المياه العذبة إلى مياه غير صالحة للشرب. تتمثل مخاطر تلوث المياه والتربة في تصريف الحموض المختلفة، فمن الممكن أن تحتوي الصخور المستخرجة على خامات الكبريت التي تنتج حمض الكبريت بعد أن تتفاعل مع الماء والأكسجين. وتشكِّل المعادن الثقيلة خطراً آخر. وتلفى المعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والكوبالت والنحاس والكادميوم والرصاص والفضة والتوتياء بشكل طبيعي في عدة من الخامات، وتتحرر في أثناء عمليات استخراج المعادن وتشكِّل خطراً حقيقياً عندما ترشح للأنهار، وتُحمَل مع المياه الجارية لتستقر في المسطحات المائية القريبة. ويسهم تأكل سطح الأرض وإلقاء النفايات في جرف الرواسب إلى هذه المسطحات، خاصة في أثناء هطل الأمطار. ولا تقتصر الآثار السلبية على المناجم النشطة، بل تسهم المناجم المهجورة أيضاً في الإضرار بالبيئة. وكمثال على ذلك نهر التمساح الجنوبي العلوي الذي يشكل جزءاً من المرحلة الثالثة من منطقة التراث العالمي لمنتزه كاكادو الوطني في أستراليا.
تلوث التربة
تعود تسمية تلوث التربة إلى وجود مواد كيميائية، أو مواد آتية من مكانٍ آخر، أو أن تركيزها أعلى من المعتاد، ولها آثار سلبية في أي كائن حي غير مستهدف، ويعد خطراً مخفياً لعدم القدرة على تخمينه مباشرةً، أو ملاحظته بالنظر.
وحدد تقرير حالة موارد التربة في العالم Salt Water Service Reservoir (SWSR) تلوث التربة كأحد التهديدات الرئيسية التي تؤثر فيها عالمياً؛ وفي خدمات النظم البيئية المقدَّمة.
وإن أهم مصدر لتلوث التربة هو المواد الكيميائية المستخدمة، أو المنتجة كمنتجات ثانوية ضمن الأنشطة الصناعية، والمنزلية، ومخلفات البلديات(ومنها المياه العادمة) والكيميائيات الزراعية، والمواد المشتقة من النفط. وهناك الكثير من الأمثلة الموثقة التي تثبت تلوث التربة الناجم عن النشاط المنجمي حول العالم.
ويسبِّب صهر المعادن من أجل فصل الخامات تلوث التربة، وتطلق منظومات الصهر كميات هائلة من المعادن الثقيلة والعناصر السامة الأخرى في البيئة؛ وهي مواد تبقى مدة طويلة ضمن التربة قبل أن تتحلَّل حتى بعد توقف تلك المنظومات عن نشاطها. وتتكون في الغالب من جزيئات صغيرة جداً يمكن أن تحتوي على تراكيز مختلفة من المعادن الثقيلة. ويمكن أن تتناثر هذه الذرات الملوثة بفعل الرياح والحت المائي، ويمكن أن تصل إلى التربة الزراعية. فمثلاً وجِدَت مستويات عاليةمن النحاس في الحقول الزراعية قرب سد المخلفات في ناميبيا. وقد وجِدت أيضاً تركيزات سامة من الكروم والنيكل في التربة الزراعية قرب عوادم منجم مهجور للكروم والأسبستوس في الهند، وفي المحاصيل المزروعة في هذه التربة؛ والتي تتسبَّب بخطرٍ كبير على صحة البشر والثروة الحيوانية.
وتسهم الصخور الفسفاتية المحتوية طبيعياً على مواد مشعة - المستخدمة في إنتاج الأسمدة - في توليد منتج ثانوي يسمى الجبس الفسفوري الذي يحتفظ بـ 80% من محتواه الأصلي من المواد المشعة بسبب منتجات تحلل اليورانيوم 238 مثل الرادون238 والبولونيوم 210، وهي مصادر ملوثات مشعة تشكِّل تهديداً للمنظومات والكائنات الحية في البيئة المجاورة.
ويعد استخراج النفط والغاز مصدراً مهماً للتلوث؛ بسبب انسكاب النفط الخام والمحاليل الملحية. وهي محاليل ذات ملوحة عالية، ويمكن أن تحتوي على آثار عناصر سامة ومواد مشعة طبيعياً. وتنتشر انسكابات المحلول الملحي على نطاقٍ واسع: فمثلاً هناك ما يقرب من 3900 انسكاب محلول ملحي مرتبطة بإنتاج غير تقليدي للنفط والغاز؛ ومنها التكسير الهدروليكي منمنطقة باكن في داكوتا الشمالية منذ عام 2007. وتعد أيضاً انسكابات النفط الخام من مواقع الآبار وأنابيب النقل مصدراً كبيراً للتلوث في مناطق إنتاج النفط.
الخلاصة أن جميع مناجم المعادن وأشباه المعادن والنفط والغاز تتسبَّب بتلوث كبير للهواء والتربة والمياه. وهذا يؤثر سلباً في صحة البشر والحيوان. لذلك تقوم الحكومات بسنِّ القوانين والتشريعات المناسبة للحد من هذا التلوث، وتحتضن البحوث العلمية الهادفة إلى مكافحة التلوث في المناجم الحالية والقديمة وإعادة تأهيل التربة المتأثرة بها من أجل استثمارها من جديد.
التأكل والترسيب
يؤدي تطوير المناجم إلى تخريب التربة والصخور في أثناء بناء الطرق وصيانتها والحفر المفتوحة وحجز النفايات. وفي حال غياب الاحتياطات المناسبة واستراتيجيات التحكم، تعمل نشاطات التعدين على تخريب مساحات كبيرة، وتنتج كميات كبيرة من الرواسب تنتهي في مجاري الأنهار أو الجداول أو البحيرات. ويمكن أن يصل حجم الرواسب في مناطق التعدين أكبر بمقدار 100 إلى 2000 مرة من إنتاج مناطق الغابات وأكبر بمقدار 10 مرات من إنتاج المناطق المروية، ويمكن أن تؤدي الرواسب الزائدة إلى انسداد مجاري الأنهار، وخنق نباتات تجمعات المياه، ومواطن الحياة البرية والكائنات المائية. ويسهم تأكل التربة في ذلك.
وإضافة إلى كونها المصدر الأكبر لتلوث المياه يمكن أن تتسبَّب كميات الترسيب في خفض الإمكانات الزراعية لأرض ما، وخسائر في سعة تخزين الخزانات باتجاه مجاري الأنهار، وزيادة الفيضانات بسبب انخفاض سعة مجاري الأنهار وزيادة العكارة والتغيرات المرتبطة بها في جميع أشكال الحياة النهرية.
إعادة تأهيل التربة ومعالجتها
تُلقى بعض الملوثات على سطح التربة مثل الكيميائيات الزراعية، ويُلقى بعضها الآخر تحت السطح بسبب الرشح الحاصل من الخزانات المطمورة وأنابيب الصرف الصحي، أو مكب النفايات. ولذلك تعتمد طريقة إصلاح التربة وإعادة تأهيلها على نوع الملوثات المراد إزالتها.
وبعد فحص التربة وتحديد نوع الملوثات ومستواها، يمكن تعريضها لتقنيات الإصلاح بهدف تطهير الموقع. ويمكن تنفيذ ذلك في المكان، أو نقل التربة للمعالجة في مكان آخر.
وتتضمن خيارات معالجة التربة الملوثة:
- معالجة حيوية باستخدام البكتريا من أجل تكسير المواد ضمن التربة.
- تحوِّل طريقة الأكسدة الكيميائية التربة الملوثة إلى تربة غير ضارة.
- إعادة الاتزان إلى التربة تتضمن إضافة عوامل مثبِّتة لتقليص احتمال تسرب الملوثات.
- طرائق فيزيائية، مثل غسل التربة باستخدام المياه لإزالة الملوثات.
1- المعالجة الحيوية
تعتمد المعالجة الحيوية على تحليل الملوثات أو تحويلها أو إزالتها من التربة والماء. وتستند هذه العملية إلى الكائنات الحية الدقيقة؛ ومنها البكتريا و/أو الفطريات التي تستخدم الملوثات كمصدر غذائي لها. ولهذا السبب تستخدم المعالجة الحيوية على نطاقٍ واسع في إصلاح الملوثات العضوية، ويمكنها أن تكون فعّالة في تخفيف الملوثات الآتية:
- الهدروكاربونات.
- المحاليل العضوية الهالوجينية.
- المركبات العضوية الهالوجينية.
- المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب غير المكلورة.
- مركبات الآزوت.
- المعادن (الرصاص، الزئبق، الكروم).
- النويدات المشعّة.
وتعد عادة طريقة التطهير الحيوي الخيار الأكثر اقتصاديةً من أجل التخلص من التلوث؛ ولكنها يمكن أن تستغرق من شهر إلى عدة أشهر للتنفيذ.
2- الأكسدة الكيميائية
تركِّز طرائق التطهير الكيميائي عادةً على الأكسدة الكيميائية، حيث تُحقن المواد المؤكسدة المتفاعلة داخل التربة والمياه الجوفية بهدف التدمير السريع والكامل للمواد الملوثة. وتُعدُّ الأكسدة في الموقع حلاً متعدِّد الاستخدامات؛ خاصةً عند إصلاح الملوثات المتوضعة في أمكنة صعبة الوصول إليها، مثل التربة العميقة أو تحت الأبنية. إن للأكسدة الكيميائية تطبيقات واسعة، ويمكن استخدامها لمعالجة مختلف أنواع التلوث العضوي ومنها إجمالي الهدروكربونات النفطية Total Petroleum Hydrocarbons (TPH) ومجموعة من الهدروكربونات العطرية المتطايرة (البنزين، التولوين، إتيل بنزين، زيلين) Benzene, Toluene, Ethylbenzene, Xylene (BTEX) و ثنائي الفينيل متعدد الكلور Polychlorinated Biphenyls (PCBs).
3- تثبيت التربة
يُقلِّص تثبيت التربة أخطار التلوث بقفل الملوثات في التربة بفعّالية. ويمكن تحقيق ذلك بطريقتين: الطريقة الأولى بتعديل الملوثات في الأرض لشكلٍ أقل خطراً، الطريقة الثانية عبر التصلُّب، بتقليل حركيتها وربطها في المكان؛ لذا فإنها لا تبلغ أي مستقبِل.
4-غسل التربة
يعمل غسل التربة على إزالة الملوثات الخطرة بغسل التربة بواسطة محلول سائل غسل. ويجري في أثناء هذه العملية غسل التربة ذات الحبيبات الدقيقة والطين مع أكثر الملوثات عرضة للارتباط بالتربة الدقيقة الناعمة؛ لذا فإن المواد الملوثة الناعمة تُفصل عن التربة الخشنة النظيفة مثل الرمال والحصى التي يمكن إعادة استخدامها. وإن عملية غسل التربة لا تحطِم أو تلغي تأثير الملوثات، لذلك يجب التخلص من التربة الملوثة في منشأة مرخصة.
وبما أن الملوثات تعد خطراً على البشر، والحيوانات والنبات؛ فإن إصلاح التربة يكون ضرورياً في عدة من الحالات. وثمة شركات متخصصة ذات خبرة في إصلاح التربة (نفايات، إعادة تدوير، استعادة الموارد، التربة الملوثة) تقدِّم مجموعة من الخدمات؛ من فحص التربة واختبارها، إلى إزالة الملوثات ومعالجة التربة.
تلوّث المياه
يُعد الماء ضرورياً للحياة على الأرض. وتؤثر نشاطات المناجم في الصحة عن طريق المياه عبر طريقة استخلاص المعادن. ويمكن أن تكون الآثار الصحية للتلوث بعيدة عن المنجم المصدر، كما أثبتت الدراسات المجراة حول التسمم بالزئبق المتيلي في حوض الأمازون، فقد دُرست مستويات الزئبق في شعر رؤوس سكان ثلاث قرى تعيش على السمك في نهر "تاباجوس" Tapajos، تبعد مئات الكيلومترات عن مناطق مناجم الذهب، وكان لدى الكثير منهم مستويات عالية من الزئبق؛ إضافة إلى أعراض تشير إلى أمراض عصبية سببها السموم. ويعد استهلاك السمك المسموم أحد أهم طرق التعرض البشري. وعلى الرغم من تطوير عدد من التحسينات في ممارسات التعدين خلال السنوات القليلة الماضية؛ تظل هنالك أخطار بيئية ذات شأن. ويمكن للتأثيرات السلبية أن تتغير من الترسيب الناجم عن الطرق المعبدة بشكلٍ سيئ في أثناء التنقيب عبر الرواسب، إلى اضطراب الثروة المائية في أثناء تأسيس المنجم. قد يكون من الضروري إدارة تلوث المياه الناجم عن نفايات المناجم والصخور ومخلفاتها عقوداً، إن لم يكن قروناً بعد إغلاقها. وتعتمد هذه التأثيرات على عددٍ من العوامل، مثل حساسية الأرض في المكان، وتكوين المعادن المستخرجة، ونوع التقنية المستخدمة، والخبرة، ومدى المعرفة والالتزام البيئي للشركة القائمة على العمل، وأخيراً القدرة على مراقبة الامتثال للوائح البيئية وإنفاذها. وتتمثل إحدى المشاكلات في أن التعدين قد أصبح أكثر استخداماً للآلات؛ ومن ثم أصبح قادراً على التعامل مع صخورٍ ومواد خام أكبر وأكثر من ذي قبل؛ ولذلك فقد تضاعفت النفايات المنجمية تضاعفاً هائلاً.
هناك أربعة أنواع من تأثيرات عمليات التعدين في جودة المياه:
- التلوث بالمعادن الثقيلة والتسرب.
- التلوث الذي تسبِّبه المواد الكيميائية المعالِجة.
- التصريف الحمضي للمناجم.
- التأكل والترسيب.
1-التلوث بالمعادن الثقيلة والتسرب
تعد المعادن الثقيلة مكونات طبيعية للقشرة الأرضية، بعضها (مثل النحاس والتوتياء) لا غنى عنها للوظائف الأيضية الطبيعية في الكائنات الحية. ويحدث تلوث المعادن الثقيلة عندما تتلامس معادن مثل الزرنيخ والكوبالت والنحاس والكادميوم والرصاص والفضة والزنك الموجودة في الصخور المستخرجة، أو المكشوفة في منجم تحت الأرض مع الماء. وترشح المعادن، وتنتقل إلى مجاري الأنهار عندما تغسل المياه سطح الصخور حتى في درجة الحموضة (الباهاء pH) المحايدة، فإن الاستخلاص يتسارع تسارعاً خاصاً عندما تكون درجة الحموضة منخفضة، مثل تلك التي تنشأ من التصريف الحمضي للمناجم (الشكل 1). ويستخدم قطاع التعدين كميات كبيرة من المياه، لذلك فإن بعض المناجم تعيد استخدام كمية المياه التي تستهلكها. كما يلفظ التعدين مركبات معدنية تحتوي على الكبريتيد في الهواء الجوي، حيث تتأكسد، وتتفاعل مع الأمطار لتشكِّل حمض الكبريت. ويؤثر هذا، إلى جانب العناصر النزرة المتنوعة - في المياه الجوفية، سواء من المناجم السطحية أو الجوفية. وإن من الأهمية بمكان فحص أثر المعادن الثقيلة في المياه؛ لأن لهذه المعادن تأثيراً سلبياً في البيئة والمنظومة البيئية في الظروف الطبيعية.
![]() |
|
الشكل (1) انتقال الملوثات إلى المياه. |
2- التلوث الذي تسبِّبه المواد الكيميائية المعالِجة
يحدث هذا النوع من التلوث عندما تستخدم شركات التعدين السيانيد، أو حمض الكبريت لفصل الخامات المطلوبة عن التراب. وترشَح هذه المواد، وتعبُر إلى مخزونات المياه الجوفية. ويمكن لهذه المواد الكيميائية أن تكون سامة جداً للبشر والحياة البرية.
3- التصريف الحمضي للمناجم
يعد التصريف الحمضي للمناجم Acid Mine Drainage (AMD) أو التصريف الصخري الحمضي Acid Rock Drainage (ARD) من الملوثات الرئيسية في عدة من دول العالم التي لديها أنشطة تعدين في الماضي أو حالياً. ويتميز التصريف الحمضي للمناجم أيضاً بارتفاع إجمالي المواد الصلبة الذائبة، والكبريتات، ومستويات عالية من المعادن الثقيلة، وخاصة الحديد والمنغنيز والنيكل والكوبالت. ويحدث التصريف الحمضي في كل من مواقع تعدين الكبريتيدات المتعددة المعادن العاملة والمهجورة؛ في الأنفاق، وأعمال المناجم، والحفر المفتوحة، وأكوام الصخور المهدرة، ومخلفات المطاحن. وعندما تستخرج كميات كبيرة من الصخور التي تحتوي على معادن الكبريتيد من حفرة مفتوحة، أو فُتحَت في منجم تحت الأرض؛ فإنها تتفاعل مع الأكسجين والماء لتنتج حمض الكبريت. عندما تصبح حموضة الماء بقيمة معينة قد ينشط نوع طبيعي من البكتريا يسمى Thiobacillus ferroxidans، الأمر الذي يؤدي إلى تسريع عمليات الأكسدة والتحمض، وهذا – من ثم - يؤدي إلى تسرب المزيد من المعادن النزرة من النفايات. ولما كانت الصخور المصدر معرضة للهواء والماء؛ فسوف يتسرب الحمض منها حتى تترشَّح الكبريتيدات؛ وهي عملية يمكن أن تستمر مئات السنين بل آلافها. ويغادر الحمض موقع المنجم بسبب مياه الأمطار أو التسرب السطحي، ويترسب في الجداول والأنهار والبحيرات والمياه الجوفية القريبة. وهذا يؤدي إلى تدهور جودة المياه تدهوراً خطيراً، ويمكن أن تقتل الحياة المائية، وتجعل المياه غير صالحة للاستخدام.
هناك كثير من أنواع نفايات التعدين، ولكن أصعب ما يمكن معالجته هو تصريف المناجم الحمضي الناتج من الأعمال السطحية والجوفية، والنفايات والصخور الناتجة من التطوير، وأكوام المخلفات وبركها. وتأتي التأثيرات السطحية في الغالب من مخلفات التعدين، ومكبات الصخور، وتؤثر سلباً في جودة المياه الجوفية والمياه السطحية. وتتميز التأثيرات الجوفية عموماً بتدفق المياه إلى الأعمال التي تجري في جوف الأرض؛ وتجفيف طبقة المياه الجوفية لاحقاً. وأدت أنظمة الضخ المعقدة التي استخدامت في بداية القرن العشرين بهدف زيادة الأرباح - إلى تعديل منسوب المياه الجوفية، وظهور الحفر، وارتفاع مستويات تلوث المياه والهواء والتربة. وقد يؤدي ارتفاع مستويات المياه بعد إغلاق المناجم إلى تصريف المياه الجوفية الملوثة. ومن ثم فإن القضايا الإدارية الأساسية لإغلاق مناجم الذهب تحت الأرض تشمل مخاطر التصفية طويلة الأجل، وتصريف المناجم الحمضي، وضخ المياه ومعالجتها، وتوزيع المسؤولية خاصة في ضوء الترابط بين المناجم.
ويع التسرب الحمضي للتعدين غالباً العامل الوحيد الأهم في التعامل مع المخلفات ونفايات الصخور وأثرها في البيئة. نظراً للطبيعة ذات البعد الأكثر تفككاً (والأكثر تركيزاً؛ في حالة المخلفات) للمعادن المولدة للحموض في المواد الناتجة من النفايات؛ فإن المواد الحمضية المتدفقة منها قد تكون أكثر عدوانية من تلك التي تتدفق من المنجم نفسه. وهناك اعتبارٌ آخر؛ وهو مشكلة التلوث الطويل الأجل المحتمل بسبب أن التسرب الحمضي يمكن أن يستمر عدداً من السنوات بعد إغلاق المناجم، وسدود المخلفات المتوقفة. وينتج تسرب التعدين الحمضي عندما تتعرض المواد التي تحتوي على الكبريتيد للأكسجين والماء. وعلى الرغم من أن هذا يحدث طبيعياً، يعمل التعدين على تعزيز تكوين التصريف الحمضي للمناجم ببساطة عن طريق زيادة كمية الكبريتيدات المعرضة. وتكون درجة حموضة التصريف الحمضي للمناجم منخفضة، وله ناقلية كهربائية عالية، وتركيز عالٍ من الحديد، والألمنيوم، والمنغنيز، وتراكيز عالية من المعادن الثقيلة السامة. ويذيب الحمض الناتج الأملاح، ويحرك المعادن الثقيلة الناتجة من عمليات التعدين. ولا يرتبط التصريف الحمضي للمناجم فقط بالتلوث السطحي والتلوث تحت الأرض؛ ولكنه أيضاً مسؤول عن تدني جودة التربة، وإلحاق الضرر بالرواسب والحيوانات المائية، والسماح للمعادن الثقيلة بالتسرب إلى البيئة. ويبين الشكل (2) صورة عن تسرب التعدين لنهر ريو تينتو Rio Tinto.
![]() |
|
الشكل (2) تصريف المناجم الحمضي يسبب تركيزات المعادن الثقيلة في نهر ريو تينتو. |
ويتبع تصريف المناجم الحمضي الطريق نفسها التي تسير فيها المياه؛ لذلك فإن أفضل طريقة تحكم به هي التحكم بمدخل المياه إلى موقع تشكل الحمض، وذلك عن طريق تحويل المياه السطحية بعيداً عن مناطق تخزين المخلفات، ومنع تسرب المياه الجوفية إلى منطقة أعمال المناجم، ومنع التسرب المائي إلى المناطق المتضررة، ووضع النفايات المولدة للحموض على نحو متحكم فيه. وتتكون التحويلات في أغلب الأحيان من الخنادق التي يصعب الاحتفاظ بها فترات طويلة من الزمن. ويجب تجنب مناطق تصريف المياه الجوفية؛ لأن عزل المياه الجوفية الملوثة واعتراضها أمر صعب للغاية. ويمكن تركيب مصارف تحتية في مواقع مكبات النفايات، ويمكن تأخير تسرب المياه المتساقطة من خلال استخدام طبقات مانعة للتسرب.
معالجة المياه وتدابير التخفيف من حدة أنشطة التعدين على الموارد المائية
بمجرد أن يبدأ المنجم بالعمل يجب جعل موضوع حماية الماء الهدف الأكبر للشركة؛ حتى إذا تطلَّب الأمر تقليص الإنتاجية. وهذا الأمر أسهل وأقل تكلفة من معالجة المياه الملوَّثة. وإن تبني هذه الأخلاقيات السليمة هي الطريقة الوحيدة لضمان تحقيق الأحلام الذهبية، وعدم تحولها إلى كوابيس تسميم الجداول.
ويُعدُّ استخدام المياه في مناطق التعدين خطراً للغاية؛ إذ تؤثر نشاطات التعدين عادةً في بيئة الماء عبر التماس المباشر وغير المباشر، سواءً على السطح أم في باطن الأرض. ولذلك يجب على الصناعة أن تستثمر في ضمان عدم تلوث المياه، أو في حالة حدوث التلوث يجب أن تستثمر في المعالجة، أو الاحتواء داخل الخزانات، أو خطوط الأنابيب، أو القنوات، أو مرافق التخزين الأخرى المناسبة. وإن الأهداف الرئيسية هي إزالة المعادن، والأجسام الصلبة، والملوثات الأخرى من المياه، وأيضاً إعادة مستوى الحموضة فيها للقيم المناسبة. وتتطلب هذه المعالجة مجموعة من العمليات الكيميائية والتنقية الميكانيكية.
1- إزالة المعادن الثقيلة من مياه المناجم.
لقد أصبح هناك خيارات لإزالة هذه المعادن من المياه. منها:
أ- استخدام البكتريا.
ب- تقنية الغشاء وهي أكثر التقنيات تقدُّماً، وتمتاز بمردودها العالي وببساطتها ومناسبتها للبيئة.
ج- الامتصاص الحيوي. تتوفر حالياً تقنيات مستدامة لإزالة المعادن الثقيلة من مياه المناجم، ومنها الامتصاص الحيوي، الادمصاص.
د- الأراضي الرطبة المصطنعة
هـ- برك تثبيت النفايات، وطرائق أخرى.
عرَّف عددٌ من علماء البيئة طريقة الامتصاص الحيوي للمعادن والمركبات المعدنية وجسيمات المحاليل بواسطة المواد الحيوية. وإن ما يجعل الامتصاص الحيوي ممكناً هو قدرة المواد الحيوية على جمع المعادن الثقيلة من مياه الصرف الصحي؛ من خلال مسارات الامتصاص الأيضي أو الامتصاص الفيزيائي والكيميائي.
- فهم آلية عمل هذا النوع من المعالجة
من غير الممكن اعتماد آلية عامة لإزالة المعادن الثقيلة من مياه المناجم بسبب تفاعل عددٍ من العوامل على مواد معينة للادمصاص الحيوي، وعلى الرغم من أنه قد طرحت عدة آليات ربط المعادن، مثل الامتصاص الفيزيائي والكيميائي، والتبادل الإيوني، والترسيب الدقيق، فإن الآلية الفعلية لامتصاص المعادن الحيوي ما تزال غير مفهومة تماماً. ويبين الشكل (3) المجموعات الوظيفية الرئيسية التي تشارك في ربط المعادن. ويبين الشكل (4) رسماً تخطيطياً لمجريات عملية معالجة المياه العادمة من منجم ذهب.
|
|
الشكل (3) المجموعات الرئيسية المرتبطة بالامتصاص الحيوي. |
|
|
الشكل (4). |
2- تنظيم درجة الحموضة
إن أول شيء يجب عمله عند البدء بمعالجة المياه العادمة للمناجم هو إعادة مستوى الحموضة فيها للمستوى المثالي. ولا يعد هذا مهماً لذاته فقط من أجل الحفاظ على جودة المياه، ولكنه أيضاً يساعد على ترسيب المعادن المنحلة. وتعمل زيادة حموضة المياه على تفاعل الشوارد الموجبة للمعادن مع شوارد الهدروكسيد السالبة لإنتاج جسيمات معدنية كثيفة غير قابلة للذوبان، وهذا يسهِّل التعامل معها.
3- المواد المخثِّرة
بعد الحصول على مستوى الحموضة المطلوب، يمكن استخدام المواد المخثِّرة لجمع جزيئات المعادن الصغيرة، والأجسام الصلبة المعلَّقة في المياه، وجمعها على شكل كتل أكبر. وهذا يجعل التعامل معها أسهل لعمليات الترشيح والإزالة بعمليات ميكانيكية.
4- الإضافات الكيميائية.
لما كانت منظِّمات الحموضة والمخثرات تستخدم مواد كيميائية رئيسية في معالجة المياه العادمة للمناجم؛ فإن بعض التطبيقات تتطلَّب إضافة مواد كيميائية إضافية تحمي المنظومات، أو تساعد في تحضير المياه للترشيح، وهذا يتضمَّن:
- منقيات المياه ومبادلات إيونية.
- مثبطات التأكل.
- مبيدات طحالب ومبيدات حيوية.
5- الترشيح
بمجرد الحصول على جودة المياه المناسبة بفضل المواد الكيميائية؛ أصبح بإمكان طرائق الترشيح الميكانيكية إزالة أي جسيمات عالقة أو أنواع من المواد العضوية. وقام الإنسان في البداية باستخدام طرائق الترسيب لبساطتها وكلفتها المتدنية. ويوضِّح الشكلان (5 و6) نموذجين لمحطتي ترشيح منجمين.
![]() |
|
أ- صورة لقناة تصريف مياه منجم نينت هاجز Nent Haggs التي تطلق نحو 3 أطنان من الكادميوم والزنك كل عام. |
![]() |
| ب- محطة معالجة مياه المنجم قيد الإنشاء. |
|
الشكل (5) |
|
|
الشكل (6) برك معالجة المياه في منجم فورس كراج Force Crag، في إنكلترا. |
وتطورت فيما بعد طرائق الترشيح، وأصبح هناك طرائق أفضل وأسرع وأكثر كفاءة تستخدم فيها الآلات المختلفة، أهمها:
- الآلات النابذة.
- مكابس الترشيح.
- مكابس الحزام.
يترتَّب على نشاطات الإنسان المختلفة الكثير من الانعكاسات السلبية التي تؤثر في صحته وفي بيئته المحيطةِ من مياه ونبات وحيوان وهواء. ولما كان من المهم جداً ضبط هذه النشاطات وتنظيمها بما يكفل استمرار الحياة على سطح الأرض؛ فقد أخذت الحكومات والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني على عاتقها العمل على إصدار التشريعات الضرورية - التي تنظِّم عمل مختلف هذه النشاطات من زراعية وصناعية - بهدف الحفاظ على كوكب الأرض بما يكفل استمرار الحياة عليه وبنوعية مناسبة.
وتضمنت هذه التشريعات عدة من المواد التي تطالب مستثمري المناجم بتطبيقها والتقيد بها. وإنها تطالب الجميع بحماية البيئة، وتطبيق قواعد الأمان، واستخدام المصادر الطبيعية بمسؤولية، وحماية حياة الإنسان والحياة البرية.
ووضعت المنظمات الدولية والحكومات في جميع دول العالم تشريعات لضبط محتويات مياه الري ومياه الشرب من المعادن الثقيلة والملوثات الأخرى؛ من أجل الحفاظ على صحة البشر والحياة البرية. وحددت فيها النسب العظمى لجميع الملوثات الخطرة على الصحة؛ الأمر الذي أجبر أصحاب المناجم والمصانع المنتجة للمواد الملوثة على تركيب محطات معالجة على خطوط صرف المياه التي تستخدمها هذه المناجم والمصانع قبل رميها في البيئة المحيطة أو في مياه الأنهار. وتختلف هذه النسب المسموحة بحسب المعدن، أو المادة الملوثة، وبحسب الدولة صاحبة التشريع. أما المياه المعدة للشرب؛ فتشريعاتها أقسى وأدق من تلك الخاصة بمياه الري.
ويحوي الجدول (1) القيم العظمى المسموحة لمحتوى مياه الري من مختلف المعادن في ولاية تكساس الأمريكية لعام 1995.
|
الجدول (1) |
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
ويظهر اختلاف القيم المسموحة لنسب كل معدن، ويعود هذا إلى مدى سمية المعدن وتأثيره السلبي في صحة الإنسان. وهناك قيم مماثلة للمواد العضوية والأملاح المحتواة في مياه الري.
|
مراجع للاستزادة: - H. T. Odum, Heavy Metals in the Environment: Using Wetlands for Their Removal,CRC Press 2016. - A. K. Tiwari, Mining Impact on Soil and Water Resources,CRC Press 2025.
- Y. Wang, Chemical Dust Suppression Technology and Its Applications in Mines (Open-pit Mines),Springer 2022.
|
- التصنيف : التقانات الصناعية - النوع : التقانات الصناعية - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :



