التلقيح الصنعي
تلقيح صنعي
Artificial insemination -
سليمان عبد الرحمن سلهب
نشأة التلقيح الصنعي وتطوره | مداولة السائل المنوي |
مزايا التلقيح الصنعي وعيوبه | طرائق التلقيح الصنعي |
طرائق جمع السائل المنوي | وقت التلقيح |
تقييم السائل المنوي | تطوير بعض التقانات في التلقيح الصنعي |
التلقيح الصنعي artificial insemination هو استعمال أدوات صنعية لإيداع السائل المنويsemen في القناة التناسلية الأنثوية بهدف إخصاب البويضة (أو البويضات)، وهو وسيلة علاجية عند المرأة أو عند الأزواج الذين يعانون حالات الإخفاق في التلقيح والإخصاب الطبيعيين، كما هو تقانة تناسلية واسعة الانتشار في تلقيح الحيوانات الزراعية، بهدف زيادة المقدرة التناسلية للأنثى وتفعيل دورها في برامج التحسين الوراثي. يعتمد التلقيح الصنعي على الحصول على سائل منوي بجينات مميزة ومواصفات حيوية جيدة وقدرة إخصابية عالية حسب نوعية الذكر ومدى تفاعله أو تأقلمه مع عملية الجمع.
يرجع الفضل الأول في معرفة هذه التقانة إلى العرب حينما أودع أحد الأعراب عام 1322م قطعة قماش مبللة بسائل منوي متراكم في مهبل فرس سبق ولقحت من حصان جيد. استغل هذه الفكرة لازارو سبالانزانيLazaro Spallanzani عام 1780 فلقح كلبة صنعياً بعد أن عَرف أن القدرة الإخصابية للسائل المنوي تكمن في جزئه الخلوي. ثم توسع استعمال التلقيح الصنعي، فشمل الخيول في فرنسا عام 1890، ولُقح أكثر من مليون و200 ألف رأس من البقر صنعياً، ونحو 15 مليون رأس من الغنم حتى عام 1928 في الاتحاد السوفييتي (سابقًا)، هذا إضافة إلى النشاط غير المحدود في الخيول.
ومنذ ذلك الحين وإلى الآن لم يقتصر استعمال التلقيح الصنعي على الحيوانات الزراعية الكبيرة بل تعداها ليشمل الدواجن والنحل وكثيراً من الحيوانات المائية. فهناك الآن أكثر من 100 مليون رأس من البقر وأكثر من 110 ملايين رأس من الغنم تُلقح صنعياً في العالم، وتأتي فِنلندا على رأس الدول التي تستخدمه؛ حيث يُلقح أكثر من 99% من قطعان الأبقار صنعياً (الجدول1)، في حين أن مزاولة الدول العربية لهذه التقانة مازالت في مهدها الأول.
الجدول (1) النسبة المئوية للأبقار الملقحة صنعياً في بعض دول العالم عام 2022-2023. | ||||||||||||||||||||||||||||||||
|
تطور التلقيح الصنعي ليكون علماً حديثاً فتأسست مراكز طبية في كثير من البلدان لتلقيح بعض النساء صنعياً بغية التغلب على بعض المشكلات التناسلية المعوقة للتلقيح أو الإخصاب الطبيعي. وفي العلوم الزراعية أيضاً تطور التلقيح الصنعي ولاسيما بعد معرفة العلماء لعمليات مداولة السائل المنوي وتصنيعه واستنباطهم لمحاليل تمديد وطرائق تعبئة وتخزين متعددة. وقد كان لمعرفة المركبات المانعة لتجمد النطف cryoprotective agents الأثر الأكبر في خزن النطف على درجة حرارة -º196س، وبالتالي حفظ السوائل المنوية للذكور المحسنة مجمدة لعشرات السنين في بنوك وراثية خاصة، مما ساعد على نقل السائل المنوي عبر المحيطات ليساهم في التحسين الوراثي للثروة الحيوانية في دول العالم المختلفة. وتأسسست جمعيات وشركات عملاقة لاختبار الثيران وراثياً، مستخدمة في ذلك أحدث الوسائل العلمية لبيع السوائل المنوية ونشر ما تمتلكه من جينات ممتازة على أوسع نطاق ممكن.
تتيح هذه التقانة الإسراع في إجراء عمليات التحسين الوراثي محلياً وعالمياً، والتبكير في اختبار الذكور الواعدة promising sires، واستمرار الاستفادة من الذكور الجيدة والمعوقة فيزيائياً وغير القادرة على التلقيح الطبيعي، إضافة إلى التغلب على مشكلة الفرق في الحجم بين الذكور والإناث، وتجنب مشاكل نقل الأمراض الصحية والتناسلية وتكاليف اقتناء الذكور وصعوبات التعامل معها، وخاصة الثيران، وتساعد على بث روح المنافسة بين المربين وتشجيعهم على مسك السجلات وإجراء عمليات التوثيق وتحديد الهوية بصورها الصحيحة.
وفي المقابل يمكن لهذه التقانة أن تكون سبباً في سرعة نشر الجينات غير المرغوب بها والأمراض عندما تكون المعطيات الخاصة بالذكور المستخدمة غير موثقة وغير صحيحة، وتحتاج إلى خبرة ومهارة فنية عالية عند التطبيق، كما يحتاج المربي إلى التدقيق في مراقبة الشبق أو استعمال مساعِدات كشف الشبق، خاصة في القطعان الكبيرة الحجم، نظراً لغياب الذكر بوصفه أفضل كاشف للشبق. على أي حال تبقى هذه الصعوبات ثانوية عندما يُطبق التلقيح الصنعي بشكله الصحيح، وتكون المعطيات الخاصة بذكور التلقيح موثقة ودقيقة من مصادرها، وتتوفر المستلزمات والخبرات اللازمة.
تُعد عملية جمع السائل المنوي من أهم الخطوات المحددة لنجاح التلقيح الصنعي. تُستخدم عند الرجل طرائق الاستمناء masturbation، والعزل coitus interruptus، والجمع بالواقي الذكري collectiocondom ، والاستخراج البربخي epididymal extraction.
عند الحيوانات الزراعية يمكن عموماً جمع السائل المنوي مـن الثيران المغذاة جيداً والمدربة مسبقاً، وهـي بعمـر 12 شهراً، ومن الكباش أو التيوس بعمر 7–8 أشهر، في حين لا يمكن الجمع من الحصان قبل بلوغه العامين. وتُستخدم طرائق متعددة يمكن إيجازها في الآتي:
1- طريقة القذف الكهربائيelectro ejaculation : تعتمد على إثارة أو تنبيه كهربائي للأعصاب الحسية المغذية لنهاية الجهاز التناسلي. ويستخدم لهذا الغرض مسابر أو مجسات كهربائية probes خاصة (الشكل1) لجمع السائل المنوي من الثيران والجمال والكباش وذكور المعز(التيوس) التي لم تتأقلم مع طريقة المهبل الصنعي، أو للذكور غير القادرة على الوثب لأسباب صحية أو لتقدمها بالعمر. وقد لوحظ أن الكباش والتيوس تستجيب لمثل هذه الطريقة بصورة أفضل من الثيران، وتوصف القذفات الناجمة بأنها أكبر حجماً وأقل تركيزاً من مثيلاتها التي تجمع بواسطة المهبل الصنعي.
![]() |
الشكل (1) المجس الكهربائي. |
2– طريقة التدليك massage: وهي الطريقة الوحيدة المستخدمة لجمع السائل المنوي من ذكور الدواجن (ديك الدجاج – الحبش – البط أو الأوز)، وذكور السمك، كما يُلْجأَ إليها عند الإخفاق في استعمال المهبل الصنعي أو الطريقة الكهربائية في الثور. ويتصف السائل المنوي المستحصل عليه بأنه ملوث خاصة بالبول وببعض الخلايا الظهارية الصادرة عن الغدد الجنسية الثانوية، كما أن تركيز النطف فيه قليل وحيويتها غير جيدة، ومعظم البلازما المنوية يكون مصدرها الغدد الحويصلية المنوية.
3 – طريقة المهبل الصنعي artificial vagina: وهي المفضلة والأكثر استعمالاً لبساطة تركيب المهبل الصنعي ولسهولة استعماله. كما أن ظروف الجمع من حرارة وضغط واحتكاك تشبه إلى حد كبير الظروف السائدة في المهبل الطبيعي، مما يضمن الحصول على سائل منوي يتصف بدرجة كبيرة من النظافة وبمواصفات طبيعية جيدة من حيث الحجم والتركيز والحيوية. وقد طُورت أنواع مختلفة من المهابل الصنعية (الشكل 2) لتناسب كثيراً من ذكور الحيوانات الزراعية، وأصبح بالإمكان صنع مهابل صنعية تتناسب مع عمر الحيوان وحجمه.
![]() |
الشكل (2) مهبل صنعي لجمع السائل المنوي للثيران والماشية. |
يُعد المهبل الصنعي بسيط التركيب، إذ يتألف من أسطوانة خارجية مصنوعة من المطاط الصلب، وبطانة داخلية متصلة (قطعة واحدة) أو منفصلة مع قمع الجمع مصنوعة من المطاط الناعم الرقيق أو من اللدائن (البلاستيك)، ويملأ الفراغ بينهما بالماء الدافئ (40-45ﹾْ س)، إضافة إلى قمع وأنبوبة الجمع المدرجة والواقي العازل (الشكل 3).
![]() |
الشكل (3) أجزاء المهبل الصنعي. |
هناك عناصر رئيسية مهمة تحدد نجاح عملية القذف وجودة السائل المنوي، تتمثل في درجة حرارة المهبل الصنعي، والضغط المزود ضمنه، وعملية احتكاك المهبل مع العضو الذكري. وتختلف أهمية هذه العناصر من نوع حيواني إلى آخر، فمثلاً تُعد درجة حرارة المهبل الصنعي العامل الأهم والأساسي لنجاح عملية القذف عند الثيران والكباش، في حين يعد الضغط في المهبل ودرجة احتكاكه مع القضيب الذكري العاملين الأقل أهمية. أما الحصان فيتأثر بالضغط داخل المهبل بدرجة أكبر من تأثره بدرجة حرارة المهبل.
تُستخدم في التلقيح الصنعي عدة طرائق لتقييم جودة السائل المنوي:
1- المظهر العام للسائل المنوي ويشمل:
· اللون: الذي يتدرج بحسب التركيز من مائي شفاف إلى أبيض كريمي.
· الحجم: الذي يُقدر من خلال أنبوبة الجمع المُدرّجة، ويختلف بحسب النوع الحيواني (الجدول 2).
الجدول (2) الخصائص المميزة للسائل المنوي عند الرجل وبعض الحيوانات الزراعية البالغة. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
· الكثافة: تتدرج مع تدرج اللون من صفر(مائي) إلى ثلاثة (قاتم).
· الشوائب التي قد تختلط بالسائل المنوي أحياناً في أثناء الجمع، فتحد من صلاحيته.
2- تقدير حركة النطف: تمثل حركة النطف الفاعلية الانتقالية، وتشير الدراسات إلى وجود علاقة طردية بين حركة النطف والقدرة الإخصابية عند الثيران وليس عند الكباش أو الخيول، ويمكن تقديرها جماعياً أو فردياً، فتظهر الحركة الجماعية على شكل أمواج أو غيوم كثيفة متحركة نظراً لوجود أعداد هائلة من النطف شبه الملتحمة بعضها مع بعض، وتتحرك باتجاه واحد. وفي الحركة الفردية يمكن مشاهدة الحركة التقدمية للنطفة الواحدة التي تُعَبِّر عن سرعة انتقال كل نطفة ومداها. وعادة تقدر على شاشة المجهر متغاير الطور phasecontrast microscope الموصول بالحاسوب، اعتماداً على المقياس التدريجي من 0 إلى 5، أو مقياس النسبة المئوية (الشكل 5).
![]() |
الشكل (4) تقنيات تقييم حركة النطف. |
3- تقييم السائل المنوي من حيث عدد النطف: تُعد عملية تقدير تركيز النطف أو عددها في وحدة الحجم من الخطوات المهمة والأساسية لتحديد حيوية القذفة المنوية ومعرفة معدل التمديد الأمثل لغرض التلقيح الصنعي، ويُستخدم لهذا الغرض طريقة العد المباشر تحت المجهر باستعمال شريحة نيوباور Neubauer، أو طريقة الكثافة الضوئية، وفيها يستخدم جهاز مقياس الكدر nephelometerأو المضواء photometer، أو طريقة العد الإلكتروني electronic particle counter (الشكل 5).
![]() |
أ- توزع النطف على شريحة العد الإلكتروني. ب- المضواء. ج - شريحة نيوباور الشكل (5) تقنيات مختلفة لتقدير عدد النطف. |
4-تقييم السائل المنوي من حيث الشكل:تتصف النطفة عند الرجل والحيوانات الزراعية بأنها ذات شكل خيطي وطول يراوح بين 50 و70 ميكرمتر. وتتألف من رأس وذيل يتمفصلان بعنق صغير. إن تشوهات النطف (الشكل 6)، وخاصة في الرأس، تؤثر في القدرة الإخصابية، وبناء على ذلك يُصنف السائل المنوي بأنه عالي الجودة إذا لم تجاوز نسبة النطف المشوهة فيه 5– 15%؛ ومتوسط ورديء الجودة إذا كانت نسبة النطف المشوهة تراوح بين 10 و20% و30% أو أكثر، على التوالي.
وتكثر مشاهد التشوه عندما يُجهد الحيوان بسبب تكرار عمليات الجمع، أو عندما لا يُجمع السائل المنوي لفترات طويلة، أو يتعرض الحيوان أو السائل المنوي لظروف حرارة غير مناسبة.
![]() |
الشكل (6) الشكل الطبيعي وغير الطبيعي في النطف عند الحيوانات الزراعية. |
5- تقييم السائل المنوي من حيث عدد النطف الحية والميتة: استفاد الباحثون من ظاهرة نفاذية الجدار الخلوي، وحددوا بعض الصبغات التي تستطيع أن تخترق جدر النطف الميتة دون الحية، وبالتالي تلوينها. واستعمل لهذا الغرض نوعان من الصباغ: الأول مهمته تلوين خلفية النطفة أو محيطها بحيث تظهر النطفة بيضاء في محيط ملون، مثل صبغة الأنلين الأزرق aniline blue، والأخضر fas green، والنيغروزين nigrosin، أما الثاني فهو من مشتقات الفلوريسين fluorescin التي تستطيع اختراق جدار النطفة، وتلوين الميتة منها. وبناءً على ذلك فإن كلاً من النطف المصبوغة وغير المصبوغة يمكن مشاهدتها، وحصر عددها تحت المجهر وتحديد نسبتها والحكم على صلاحية القذفة المنوية.
6- قياس النشاطات الحيوية للسائل المنوي: عُرف العديد من النشاطات الحيوية مثل درجة استهلاك النطف للأكسجين، معدل تحلل الغلوكوز، ومعدل التنفس، ودرجة أكسدة البيروفيت، ودليل تحلل الفركتوز، واختبار إرجاع أزرق المثيلين واختبار إرجاع الريزازورين، والتغيرات في درجة حموضة السائل المنوي. وتُعد هذه دليلاً لقياس مستوى النشاطات الاستقلابية، وتُظْهِر مستوى تركيز النطف في القذفة المنوية وحركتها أو نشاطها وجودتها. فمثلاً يدل تحلل الفركتوز بالكمية التي استهلكتها 1بليون نطفة في الساعة الواحدة بكميته المستهلكة من قبل 1 بليون نطفة في الساعة الواحدة، فإذا كانت الكمية المستهلكة أكبر أو مساوية 1.4–2 ملغ/ ساعة فإن العينة أو تركيز النطف فيها يكون جيداً ومقبولاً لأغراض التلقيح الصنعي عند الثيران. كما يوصف السائل المنوي عند الثيران بأنه من نوعية جيدة ويصلح لغرض التلقيح الصنعي إذا راوح الوقت اللازم لاختزال لون أزرق المثيلين بين 3–6 دقائق.
نظراً لأن البلازما المنوية المرافقة للنطف لاتفيد في حفظها أكثر من ساعات محدودة كان لابد من توفير وسط مناسب لحفظ النطف، وقد تنوعت هذه الأوساط وتعددت مصادرها وطرائق تحضيرها لتفيد في تمديد السوائل المنوية وحفظ القدرة الإخصابية للنطف، وتوفير العدد المناسب منها لتلقيح أكبر عدد ممكن من الإناث (الجدول 1). وعلى الرغم من تعددها وتنوعها يشترط أن تحتوي على مواد غذائية بوصفها مصدراً للطاقة وواقية من الصدمات الحرارية وصادات ومنظمات للحلولية ودرجة الحموضة (الباهاء pH)، وفي حال الرغبة في تجميد السائل المنوي وحفظه لفترات طويلة جداً قد تصل إلى عشرات السنين، تضاف إحدى المواد المانعة للتجمد cryoprotective agent مثل الغليسيرول glycerol.
يمدد عادة السائل المنوي إلى معدلات تتناسب مع تركيز النطف في القذفة الواحدة والنسبة المئوية للحركة التقدمية للنطف والعدد المرغوب منها في جرعة التلقيح (القشة) ليستعمل إما ممدداً طازجاً أو في حال الرغبة في حفظ النطف في درجة حرارة الثلاجة (₀4 س) مدة لاتزيد على 24-48 ساعة وهذا هو الاتجاه السائد في التلقيح الصنعي في الغنم والمعز. تُعد نيوزيلندا من أكثر دول العالم استعمالاً لهذا الإجراء فيتلقيح البقر بسبب قصر طول موسم التلقيح وتوفر أعداد هائلة من البقر (مليون بقرة) غير الحوامل، وقد طوروا نوعاً خاصاً من محلول التمديد أطلقوا عليه اسم كايروجين Carpogen، يتألف من سترات الصوديوم مع صفار البيض المشبع بغاز الآزوت المضاف إليه حمض الكابرويك caproic acid. وتشير الدراسات إلى أن نسبة اللاعودة إلى شبق Non – estrus return من التلقيحة الأولى كانت 68 %، وإما ممدداً مجمداً، وهو الطريقة الشائعة في كثير من الدول. وقد استعمل في الخمسينيات من القرن الماضي غاز الفحم الصلب (الثلج الجاف dry ice) أو الكحول في تجميد السائل المنوي على شكل حبيبات pellets في درجة حرارة - º76س. وما إن عرف الآزوت السائل liquid nitrogen حتى أصبح الطريقة الوحيدة في كثير من دول العالم لتجميد السائل المنوي ولتخزينه في درجة حرارة - 196°س، والسماح بنقله عبر المحيطات لما لذلك من فوائد، من أهمها حفظ حياة القدرة الوراثية للنطف وقدرتها الإخصابية لعشرات السنين.
استعمل كثير من العبوات لتعبئة السائل المنوي الممدد المضاف إليه الغليسرول بعد فترة التوازن equilibration. وتُستعمل حالياً القشــات (الأنابيب) straws البلاستيكية لتجمـيد الســائل المنوي نظــراً لصغر أحـجامـــها (0.25 أو 0.5 مل)، فهي تشغل مساحات صغيرة جداً في التخزين، ولتجانسها ولسهولة تجميدها واستعادة السائل المنوي منها. ونظراً لتوسع عمليات تصنيع السـائل المنوي تم تصنيع آلات خاصة تقوم بملء السائل المنوي وإغـلاقها وإضافـة المعلومـات الخاصة بالثور وتاريخ التصنيع، ورمز جمعية تربية الحيوان المصنعة على القشة نفسها آلياً.
ولتجنب الأخطاء التي قد تحصل عند استعمال عروق مختلفة من الثيران لجأت بعض جمعيات التلقيح الصنعي إلى استخدام قشات مختلفة الألوان غير مؤثرة في حياة النطاف. فمثلاً: اللون الأخضر لعرق الهولشتاين، والأصفر للجيرنزي، والأحمر الكرزي للجيرسي (الشكل 8).
![]() |
أ. قشات السائل المنوي البقري المجمد في عبوة الآزوت السائل. ب. قشات جمع السائل المنوي للاستخدام مرة واحدة للتلقيح الاصطناعي. ج. آلة تعبئة قش السائل المنوي وختمها. الشكل (7). |
يُستخدم الغليسرول glycerol في التلقيح الصنعي كعامل حماية من التجميد، على الرغم من آثاره السلبية في الحيوانات المنوية بعد إذابتها، لأنه العامل الأكثر فعالية في تقليل تكوّن بلورات الجليد داخل الخلايا واختلاف الضغط الحلولي (الأسموزي osmotic) أثناء التجميد. ومع أنه قد يُسبب تلفًا لأغشية الحيوانات المنوية ويُقلل من حركتها وقدرتها على الإخصاب، إلا أن فوائد التجميد (التخزين طويل الأمد) تفوق عيوبه في كثير من الحالات.
وتبين أن استعمال الغليسرول مع أكسيد الكبريت ثنائي المتيلDimethyl Sulfoxide (DMSO) بنسبة 1:1 قلل من هذه الظاهرة، كماأمكن التخفيف من أثرها وذلك أولاً بالإقلال من تركيز الغليسرول المستخدم من 8% إلى 3%، وثانياً بالسماح للنطف المذابة بالبقاء فترة 10 دقائق لإعادة التوازن قبل وضعها في جسم الأنثى.
ما يزال نجاح تجميد السائل المنوي لذكور الحيوانات الزراعية الأخرى محدوداً بسبب انخفاض حيوية نطافها وتأثرها الكبير في عملية التجميد؛ ممايجعل قدرتها الإخصابية ضعيفة فضلاً عن تأثير الغليسرول السلبي في حيوية النطاف في الخيول. ويعد السائل المنوي الطازج الممدد وغير المجمد للكباش أو التيوس الأكثر شيوعاً في الوقت الحاضر لتلقيح النعاج والمعز صنعياً.
يتطلب التطبيق الصحيح لتقانة التلقيح الصنعي والحصول على نسبة إخصاب عالية توفر سائل منوي بمواصفات عالية، ووجود ملقح يتميز بمهارة وخبرة عاليتين، وأن تكون الأنثى جيدة البنية وسليمة صحياً، وفي حالة شبق حقيقي، وأن تلقح في الوقت المناسب. وقد تعددت طرائق التلقيح الصنعي عند المرأة والحيوانات الزراعية، لكنها تختلف بعضهاعن بعض من حيث مكان وضع السائل المنوي والأدوات المستخدمة.
فعند المرأة تستعمل محقنة (زراقة) مزودة بأنبوب طويل يسمى توم كات tom cat أو من دونه لإيداع السائل المنوي في المهبل، أو قثطرة مع منظار لإيداع السائل المنوي المغسول في الرحم (الشكل 8-أ)، أو يُودع ضمن كبسولة عُنقية cervical cap (conceptional device) قرب عنق الرحم لحفظ السائل المنوي وتحريره تدريجياً خلال عدة ساعات، أو يودع السائل المنوي (10مل) عبر الرحم المغلق العُنق في المنطقة البوقية الصفاقية intrauterine tuboperitoneal، أو يودع السائل المنوي ضمن قرن الرحم intratubal أو في قناة فالوب intrafallobian tube. تختلف معدلات الاخصاب على حسب موعد التلقيح (بعد 12 ساعة من الإباضة) وعمر المرأة وعدد النطاف الكلي المودع ومكان الإيداع ليراوح بين 10 و60%.
كما تُمارس عند الحيوانات الزراعية عدة طرائق، منها الطريقة المهبلية وهي أولى طرائق التلقيح الصنعي لتلقيح البقر، حيث يُودَع السائل المنوي بواسطة أنبوبة تلقيح مذيلة بمحقن أو انتفاخ مطاطي في أي مكان من مهبل البقرة، وطريقة المنظار المهبلي speculum method، وهي الطريقة الأكثر استعمالاً لتلقيح النعاج والمعز وما زالت الطريقة الشائعة عند المبتدئين في تعلم التلقيح الصنعي عند البقر، وطريقة مسدس التلقيح الصنعي الرقمي المزود بكاميرا (الشكل 8).
![]() |
أ . قثطرة التلقيح داخل رحم المرأة. ب . مسدس التلقيح الصنعي الرقمي المزود بكاميرا للأبقار والخيول الشكل (8). |
وما إن عرفت طريقة تثبيت عنق الرحم عن طريق الجس الشرجي recto- vaginal palpation والتلقيح داخل جسم الرحم أو في نهاية عنق الرحم حتى أصبحت الطريقة الشائعة والأكثر استعمالاً في التلقيح الصنعي للبقر والجاموس والأفراس والنوق (الشكل 9).
![]() |
الشكل (9) التلقيح الصنعي بطريقة الجس عبر المستقيم في البقر. |
طريقة التلقيح بواسطة التنظير البطني: تُعتمد طريقة التلقيح بواسطة التنظير البطني lapoendoscope في تلقيح الغنم والمعز صنعياً نظراً لعدم النجاح الكافي للطرائق الأخرى (الشكل 10)، وخاصة في القطعان التي تمارَس فيها تقنية توقيت الشبق. كما أنها أكثر نجاحاً بسبب صغر حجم الجرعة المنوية (10-20 مليون نطفة/ القشة المنوية) المستعملة في التلقيح وارتفاع معدلات الإخصاب الناجمة عنها، لأن إيداع السائل المنوي يكون في قرن الرحم وأقرب إلى مكان الإخصاب.
![]() |
الشكل (10) تقنية التلقيح الصنعي بالمنظار في المجترات الصغيرة وأدواته. |
تشير الدراسات إلى أن أفضل وقت للتلقيح عند المرأة يكون بعد 12 ساعة من حدوث الإباضة التي يرافقها عادة ارتفاع في درجة حرارة الجسم وظهور مفرزات مهبلية خيطية لزجة متماسكة ذات لون أبيض مصفر.
أما في الحيوانات الزراعية التي تختلف بطول دوراتها التناسلية وأوقات الإباضة فمن الضرورة أن يعطى مدى محدد من الوقت عند التلقيح للحصول على معدل إخصاب عالٍ.
يجب ألا تُلَقَّح البقرة قبل مضي 50-60 يوماً على تاريخ آخر ولادة. ويكون معدل الإخصاب منخفضاً إذا حدث التلقيح خلال الفترة المبكرة من الشبق، نظراً لأن وقت حدوث الإباضة عند البقر يتم بعد انتهاء الشبق بفترة 10–14 ساعة. وبما أن النطف تحتاج أن تمر بعملية النضج النهائي (الاستعداد capacitation) يجب أن تودع بجسم الأنثى قبل حدوث الإباضة؛ لهذا يفضل إجراء التلقيح في أثناء الثلث الأخير من فترة الشبق أي بعد مرور نحو 12 ساعة على بدء الشبق.
ويُفضل عند الغنم أن تلقح النعجة الشبقة في منتصف فترة الشبق التي تبلغ نحو 30 ساعة، وتكون الإباضة قبل 2-5 ساعات قبل انتهاء الشبق أو خلال النصف الأخير، وإذا استخدم سائل منوي مجمد يفضل إعطاء قشتين.
أما المعز ففترة الشبق عندها وسطياً 36 ساعة، وتكون الإباضة بعد 5-6 ساعات بعد انتهاء الشبق. وأفضل وقت للتلقيح هو أن تعطى الأنثى الشبقة التلقيحة الأولى بعد 12 ساعة من بداية الشبق، والتلقيحة الثانية في اليوم الثاني إذا كانت الأنثى بحالة شبق.
تُظهر الفرس شبقاً بعد7- 9 أيام من تاريخ الولادة، ويفضل عدم تلقيحها آنذاك نظراً لعدم التئام الرحم وانخفاض فرص الإخصاب، ولهذا يُنصح بتلقيح الفرس خلال دورة الشبق الثانية التي ستظهر بعد 30 يوماً من تاريخ الولادة الأخيرة. وبما أن فترة الشبق عند الفرس طويلة -5 أيام وسطياً- فإنه يُفَضَّل تلقيحها كل 48 ساعة مرة بدءاً من اليوم الثاني لفترة الشبق. وتحدث الإباضة عادة عند الفرس قبل 24–48 ساعة من نهاية فترة الشبق.
تطوير بعض التقانات في التلقيح الصنعي
يسعى الباحثون إلى تطوير تقانات أخرى تزيد الفائدة الممكنة من التلقيح الصنعي؛ مثل ممارسة تقنية توقيت الشبق estrus synchronization، وذلك بالمعاملة الهرمونية للإناث، بغية دفعها إلى إظهار الشبق في أوقات متقاربة؛ مما يسهل تلقيحها في موعد محدد، ومن ثم وضع مواليدها في أوقات مناسبة من السنة. من جهة أخرى أمكن زيادة مقدرة الإناث الجيدة الصفات من خلال تحريضها هرمونياً لزيادة معدل التوائم أو لدفعها إلى إنتاج عدد كبير من البويضات، ثم تلقيحها صنعياً ضمن برنامج يسمى الإباضة المتعددة ونقل الأجنة Multiple Ovulation and Embryo Transfer (MOET)، كما يمكن الاستفادة من الإناث الجيدة الصفات بعد نفوقها بنزع مبايضها وجمع بويضات منها وإنضاجها ثم تلقيحها في المختبرin vitro وإنتاج أجنة يمكن نقلها إلى أرحام أمهات مستقبلة recipients عوملت هرمونياً لتنمو الأجنة الجديدة ضمنها حتى الولادة. كما يعمل الباحثون على تحسين طرائق تحديد الجنس في نطاف الثيران المختبرة باستخدام مقياس تدفق النطاف flow spermaccount عالي السرعة لفصل النطف X عن Y اعتماداًعلى كمية الدنا، مما يمكِّن من التوسع في إنتاج الإناث من ماشية الحليب والذكور من ماشية اللحم.
مراجع للاستزادة: - سليمان سلهب، فيزيولوجيا التناسل في الحيوانات الزراعية، جامعة دمشق 2013. - C. Keane, Techniques of Artificial Insemination in Cattle, Hassell Street Press, 2023. - W. Morris, Artificial Insemination in Animals, Kruger Brentt Publisher, Uk. Ltd., 2023. - J D. Sampath, Artificial Insemination and Animal Production, Agrri Horti Press, 2015. - P.L. Singer, Pathways to Pregnancy and Parturition, Current Conceptions Inc., 2015. - A. Tanjungsari, E.Yuniati, N. Solikin, Technology of Insemnation In Chicken, Eliva press, 2023.
|
- التصنيف : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية - النوع : العلوم والتقانات الزراعية والغذائية - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :