تناظر
Symmetry -

 

التناظر

 

 غصون الجيرودي

 

التناظر في الرياضيات التناظر في الاقتصاد
التناظر في الهندسة التناظر في الكيمياء
التوابع المتناظرة التناظر في علم الأحياء
المصفوفات المتناظرة التناظر في علوم الحاسوب
التناظر في الإحصاء الرياضي التناظر في علم التعمية
التناظر في الفيزياء التناظر في الفنون والتصميم
   
 

 

يدل التناظر symmetry في معناه الواسع على حس الانسجام والتناسب الجميل والتوازن. أما في الرياضيات فيقال عن جسم إنه متناظر إذا لم يتغير بفعل تحويل ما كالانعكاس. ومفهوم التناظر شائع في مجالات الحياة كافة لما له من قدرة على تبسيط الظواهر واختزال قوانينها. ويؤدي التناظر دوراً مهمّاً في تحليل بنية الأشياء وترابطها؛ مما يجعل منه أداة ضرورية في فهم العالم والطبيعة، مثل استعماله في مجال الجسيمات الأولية والانكسار.

استخدمت المفردة أول مرة في عام 1529 في مجال فن العمارة والتصميم، واشتقت من الكلمة اللاتينية symmetria، أما الأصل الإغريقي لها summetria فيعني القياس التام أو النسبة. ويعنى التناظر بتحديد النسب بين أجزاء بناء ما أو منشأة بحيث يعكس مجموع هذه الأجزاء صورة فنية بدلالة جمالية. وقد شاع استخدام المصطلح في كثير من مجالات الفنون وصولاً إلى التأليف الموسيقي وكتابة النوطات، وكان في هذا كله يجسد الانتظام والانسجام في أجزاء موضوع ما.

دخل هذا المصطلح في عام 1872 مصطلحات العلوم، ولاسيما في الهندسة ليعني أساساً التماثل بين صورتين بالنسبة إلى مستوٍ. وقد عمم اليوم مصطلح التناظر عبر مفهومين اثنين:

- التكرار redundancy لأجزاء من مجموعة.

- اللامتغير invariant أي علاقة أو قيمة ثابتة في إطار بعض التحولات تبقي الموضوع المبحوث من دون تغيير.

ومن ثمَّ فإن التناظر هو خاصية يمكن بوساطتها وصف العديد من الأشياء كالأشكال الهندسية والمعادلات الرياضية؛ إذ يقال عن جسم ما إنه متناظر بالنسبة إلى عملية ما إذا كان تطبيق هذه العملية عليه لا يحدث فيه أي تغيير. ومن أشهر الأمثلة المعبرة عن التناظر المرآةوذلك بقلب جانبي الموضوع المنعكس ليصبح الطرف الأيمن أيسر والأيسر أيمن من دون أي تغيير بالشكل. ثمة تجليات عدة للتناظر في العلوم أهمها في الرياضيات حيث جرت صياغة معظم أشكاله وتحديده وتعريفه؛ مما أتاح لمختلف العلوم الأخرى الاستفادة من خصائصه وتطبيقاته، ولاسيما في الفيزياء والكيمياء وعلوم الأحياء والاقتصاد.

 التناظر في الرياضيات

تبرز أهمية التناظر في الرياضيات في البحث النظري والتحليل الوصفي للموضوعات، فالموضوع المتناظر يمتلك خاصية تمكن الباحث من تكثيف وصف موضوع بحثه؛ إذ يكفي معرفة جزء منه ليكون بالإمكان بناء الموضوع بأكمله، وهذا ينطبق على دراسة الفضاءات الهندسية كما على التوابع الرياضية والمصفوفات، ويتيح تطبيقات واسعة لاحصر لها. 

التناظر في الهندسة

من الممكن دراسة التناظر الرياضي بالنسبة إلى بعض العمليات بدراسة التحويلات الهندسية التي تطبق على الأشكال لتعطي أشكالاً متناظرة معها، وعلى هذا النحو تتعدد صور التناظر بحسب طبيعة التحولات المطبقة عليه مثل الانعكاس والتدوير والانسحاب والحلزنة.

1-   عملية الدوران rotation:

تعني تدوير الأشكال حول نقطة ثابتة وبزاوية معينة من دون أي تغيير فيها. ويبيّن الشكل (1) إجراء دوران للشكل R بزاوية قدرها 90 درجة.

 

الشكل (1) التناظر الدوراني.  

2-    عملية الانسحاب translation :

تعني سحب الأشكال بالنسبة إلى مستقيم ما من دون تدويرها أو عكسها، لكل انسحاب هناك اتجاه و مسافة كما هو مبيّن في الشكل (2).

 

الشكل (2) الانسحاب. 

 

  

3-  عملية الانعكاسreflection :

المقصود بهذا النوع عكس الأشكال؛ أي إنتاج صورتها معكوسة (أي صورتها على مرآة)، ويكون الانعكاس بالنسبة إلى مستقيم محدد. ويبيّن الشكل (3) انعكاس R نسبة إلى المستقيم المحدد.

الشكل (3) الانعكاس.

4-  عملية الحلزنةhelical  :

يقصد بها سحب الشكل وتدويره في الوقت ذاته في فضاء ثلاثي الأبعاد وذلك نسبة إلى مستقيم يعرف بـمحور اللولب.

الشكل (4) التناظر الحلزوني.

 

5-  عملية الانسحاب الانعكاسي glide reflection

هو نوع من التناظر مركب من أكثر من عمليتين؛ أولاهما إيجاد انعكاس الشكل ثم إجراء انسحاب على الانعكاس.

الشكل (5) الانسحاب بالانعكاس.

التوابع المتناظرة

بالإمكان أيضاً دراسة التناظر الرياضي في التحولات التابعية؛ إذ يقال عن تابع ما إنه متناظر إذا لم يتغير عند تغيير متغيراته (متحولاته) variables بالنسبة إلى تحويل ما. فمثلاً يقال عن التابع إنه متناظر بالتحول؛ لأن .

كذلك يكون التابع متناظراً إذا لم يتغير التابع عندما يجرى تبديل بين متغيراته؛ أي إنه يحقق العلاقة (1).

 

                

 

حيث ؛ أي إن  هي ترتيب جديد للعناصر . فالدالة  هي دالة متناظرة لأنها تحقق .

المصفوفات المتناظرة

يُقال عن مصفوفة إنها متناظرة إذا لم تتغير عند قلب أسطرها إلى أعمدة وأعمدتها إلى أسطر؛ أي إنها مصفوفة مربعة  تحقق:

وتبرز أهمية التناظر في المصفوفات لكونه يساعد على اختزال البرمجيات وتحقيق اقتصاد في حجم الذاكرة المستخدمة في الحاسوب. فعندما يوضع برنامج لحل جملة معادلات خطية متناظرة (أي مصفوفة أمثالها متناظرة) يحافظ فقط على العناصر في القطر الرئيسي والعناصر الواقعه فوقه (أو تحته) مما يوفر في ذاكرة الحاسوب. كما أن تحليل المصفوفات المتناظرة ينتج التحليل  (حيث  مصفوفة قطرية في حال مصفوفة الأمثال معرفة موجبة أو سالبة، وتكون  مصفوفة كتلية قطرية في حال مصفوفة الأمثال غير المعرفة) عوضاً من تحليل  حيث مصفوفة مثلثية سفلية و مصفوفة مثلثية علوية، وهذا يؤدي أيضاً إلى الاقتصاد في حجم الذاكرة المستخدمة وفي زمن تنفيذ البرنامج بحيث يحذف الجهد المطلوب في حفظ المصفوفة المثلثية العلوية وحسابها؛ لأنها منقول المصفوفة السفلية .

التناظر في الإحصاء الرياضي

يعدّ التناظر إحدى الافتراضات البنيوية structural assumptions المهمّة في الإحصاء، إذ يؤدي دوراً مهماً على سبيل المثال في تعرّف الموضع تحت شروط غير وسيطية. وثمة وفرة من اختبارات التناظر منها: الاختبارات على المستقيم الحقيقي، والاختبارات في الفضاءات ذات الأبعاد الأعلى، والاختبارات على المتنوعات manifolds غير الخطية (مثل الكرة). وفي حال إخفاق إثبات التناظر يمكن بناء بدائل متخالفة skew مرنة لفرضية التناظر.

التناظر في الفيزياء

تمنح دراسة التناظرات في المجالات الفيزيائية وسيلة ذكية وفعالة (وفي بعض الأحيان وحيدة) لحل المشكلات الكبرى؛ فهي تقدم فرضيات وركائز مهمّة حول القوانين الأساسية للطبيعة؛ وذلك في المجالات التي لا تكون فيها الصيغ المباشرة ممكنة. فعلى سبيل المثال إن دراسة التناظر في تابع بمتغير واحد أو أكثر تسمح بإيجاد حالة بعض الأوضاع القصوى لتابع من دون الحاجة إلى معرفة الشكل الذي يمثله. ولمعرفة أهمية هذه الخاصية يمكن العودة إلى قوانين ميكانيك الجوامد ومناقشة القوانين التي تحكم الحركة في نقطة مادية انطلاقاً من النقطة A باللحظة  مروراً بالنقطة B في اللحظة . وسيكون ثمة حالتان ممكنتان؛ الأولى تعود تاريخياً إلى نيوتن، وتقوم على دراسة توازن القوى المؤثرة في متحرك لزمن وسطي   خلال مقدار من الوقت صغير جداً  لاستنتاج متغيرات السرعة وموقع المتحرك بعد  بوساطة حساب هذه المتغيرات اللانهائية منذ اللحظة الأساسية  حتى اللحظة النهائية ؛ ليكون بالإمكان معرفة مسار المتحرك وسرعته في كل لحظة. هذه المقاربة التفاضلية تركز على حساب التفاضل، وهنا تظهر الصعوبة في معرفة حساب مجموعة المتغيرات اللانهائية المتضمنة في الحركة. أما الحالة الثانية فطُورت في القرن الحادي والعشرين، وتقوم على تناول مجموعة الحركة الممكنة التي تنطلق من النقطة A باللحظة باللحظة   لتصل إلى النقطة B في اللحظة . والفكرة هنا هي أن الحركة المختارة فعلياً بالطبيعة لابد من أن تخصص بالنسبة إلى كل الحركات الأخرى؛ على أن تحمل خاصة غير متوفرة فيها، وتكون مفترضة من حيث المبدأ. فمثلاً في انتشار إشعاع الضوء لابد من افتراض أن الشعاع خط يطابق المسافة الأقصر بين نقطتين. وبالنسبة إلى نقطة مادية يفترض أن المسار الطبيعي هو الذي يقلل التغيرات بين الطاقة الحركية والطاقة الكامنة.

في الحالات كلها تصادف هنا مشكلة في بحث الحالات القصوى في التابع والتي يمكن أن تكون شديدة التعقيد، ومن ثمَّ يكون شكلها غير معروف عموماً، لذلك يمكن استخدام خصائص التناظر في التابع بالتركيز على اللامتغيرات في المنظومة المدروسة؛ لأن التناظر في الفيزياء يرتكز على مفهوم اللامتغير (التوازن أو اللاتمايز) الموجود تقريباً في كل الثوابت الفيزيائية، أما قوة هذا المفهوم فتأتي من بساطته وانسجامه.

ثمة تمايزات عدة للتناظر في الفيزياء:

- التمييز بين التناظر البسيط (البلوريات) والتناظر المستمر (الدوران في المكان): وهو مرتبط بالنسبة الرياضية لمجموعة مستخدمة لشرح التناظر صورياً.

- التمييز بين التناظر العام (قانون الجاذبية عند نيوتن) والخاص (الكهرطيسية أو معادلات ماكسويل): وهو مرتبط بالبنية الفيزيائية للنظرية التي تحدد إذا كان التناظر موضوع البحث يمكن أن يطبق في كل نقطة في المكان على نحو مستقل أم لا.

- التمييز بين التناظر الداخلي والتناظر في الزمان والمكان: هذا التمييز يحيل إلى الموضوع الذي يقوم عليه التناظر؛ فإذا كان في الحقل الكهرطيسي فالتناظر داخلي، إما إذا كان التناظر منصباً على المكان حيث تعمل الموضوعات الفيزيائية فالتناظر هو تناظر زمان ومكان.

التناظر في الاقتصاد

التناظر طريقة تساعد على اختزال المسألة المدروسة، وله تطبيقات أساسية في الاقتصاد؛ مثل دراسة البنية الهندسية لبعض منظومات معادلات الطلب، فهي تناقش دمج بعض التوابع لأفضل الطلبيات بملاحظة التناظر الذي يكمن في التوابع؛ أي دراسة التناظر في التغيرات التقنية والتزايد الأمثلي للنماذج. تعدّ هذه الدراسة أداة مهمة في كشف التماثل في البرامج الدينامية المثلى optimal، وهي تعطي قانون الحفاظ على الكميات اللامتغيرة في المسار الأمثل. ويضيف هذا القانون الشرط اللازم للأمثلية من أجل المسائل الاقتصادية، حيث يمكّن من إنقاص أبعاد المنظومة الدينامية المثلى؛ ولأن هذه النظرية تضبط الكميات في حدودها القصوى بدلاً من الرجوع إلى المعادلات التفاضلية الدينامية؛ فهي تساعد من وجهة نظر اقتصادية على تأكيد بعض النظريات. ثمة تأويلات مباشرة لهذه القوانين مثل قانون الحفاظ على الدخل في الاقتصاد، أو قانون الحفاظ على الطاقة في الفيزياء.

التناظر في الكيمياء

تناظر الجزيء في الكيمياء مفهوم أساسي؛ لأنه يساعد على فهم بعض الخصائص الكيميائية للجزيئات وتفسيرها. فمثلاً تعرّف بنية الجزيء في الميكانيك الكمومي بوساطة التابع الموجي لكل مكوناته (النوى والإلكترونات)، لكن يمكن نمذجة البنية ببساطة بواسطة تموضع مراكز الذرات أو الأيونات. بهذه النمذجة يمكن وصف البنية بأكملها بالاستعانة بالصيغ الحملية "مركز ذرة في المكان"؛ ومن ثمَّ تعريف تناظرات جزيء بتماثلات في المكان. ومن ثم تحول التناظرات المركز في الذرة إلى مركز ذرة في المكان ذاته.

التناظر في علم الأحياء

التناظر شائع جداً في المنظومات الأحيائية من بنية الجزيئات والبلورات إلى تشكيل الكائنات الحية، ويُدرس التناظر الأحيائي في مجالات: مثل علم التشريح وعلم الوراثة وعلم الأحياء التطوري.

التناظر في علوم الحاسوب

يُستعمل التناظر في الخوارزميات وبنى المعطيات والهندسة الحسابية، وغالباً ما تقود البنى والعمليات التناظرية إلى حلول فعالة في البرمجة وتطوير البرمجيات.

التناظر في علم التعمية

تعتمد التعمية المتناظرة symmetric cryptography على مفاتيح مشتركة وعلى خوارزميات متناظرة في تعمية المعطيات وفك تعميتها بصورة آمنة. ويضمن التناظر إمكانية استعمال ذات المفتاح للتعمية وفك التعمية.

التناظر في الفنون والتصميم

يُستخدم التناظر بوفرة في الفنون والتصميم لإنشاء تراكيب مبهجة جمالياً، إذ يستعمل الفنانون التناظر لإنشاء التوازن والانسجام والتشويق المرئي في أعمالهم. وتُلحظ النماذج المتناظرة في فن العمارة والصناعة النسيجية وفنون الزخرفة.

وللتناظر تطبيقات في ميادين عديدة أخرى مثل الهندسة الميكانيكية ونظرية الزمر والأتمتة وعلم الروبوتات، وأيضاً في الموسيقا والفلسفة وعلم النفس.

 

مراجع للاستزادة: 

- T. Dobson, A. Malnič, D. Marušič, Symmetry in Graphs, Cambridge University Press, 2022.

- M. Guidry, Symmetry, Broken Symmetry, and Topology in Modern Physics, Cambridge University Press, 2022.

- S. T. Love, The Role of Symmetry in the Development of the Standard Model, Cambridge University Press, 2024.

- C. Terquem, D. Rigopoulou and A. Barr, The Language of Symmetry. CRC Press, 2023.

- D. Wade, Symmetry: The Ordering Principle, Wooden Books, 2024.

 

 


- التصنيف : تقانات الفضاء والفلك - النوع : تقانات الفضاء والفلك - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1