التكهرب (السكوني)
تكهرب (سكوني)
Electrification -
عصام فواز الجغامي
التكهرب السكوني static electrification عملية تصبح الأجسام بنتيجتها مكهربة، أي حاملة شحنات كهربائية ساكنة غير متحركة؛ لذلك تسمى- أحياناً- الكهرساكنة electrostatics. وقد اشتقت كلمة كهرباء من الكلمة اليونانية elektron التي تعني الكهرمان، إذ لوحظت ظواهر التكهرب باستعمال الكهرمان لأول مرة. وثمة أمثلة في حياتنا اليومية تدل على تكهرب الأجسام، إذ تنجذب قصاصات الورق الصغيرة عند تقريبها من مشط لدائني بعد تمشيط الشعر فيه في يوم جاف، ويلاحظ مثل ذلك عند دلك الزجاج بالحرير، أو المطاط بالصوف وغيرها، كما يلتصق بالون منفوخ بجدار الساعات إذا ما دلك بالصوف. ويمكن بسهولةٍ ملاحظة تكهرب جسم الإنسان عند المشي على سجادة صوفية، أو القيام بحركات مختلفة عند ارتداء ملابس مطاطية، فيشعر بوخزة خفيفة عند ملامسة الآخرين أو ملامسة الأجسام المعدنية، وفي شروط محدَدة يمكن رؤية شرارة ضوئية.
اكتشف العالم الأمريكي بنيامين فرانكلين Benjamin Franklin (1790-1706) نوعين من الشحنات الكهربائية؛ شحنات موجبة، وهي شحنات يحملها الزجاج المدلوك بالحرير، وهي من نوع شحنة البروتونات، وشحنات سالبة، وهي التي يحملها المطاط المدلوك بالفرو، وتعرف اليوم أنها من نوع شحنة الإلكترونات. يتعين نوع شحنة جسم ما بانجذابه أو تنافره مع قضيب الزجاج المشحون، لأنه وجد أن الأجسام التي تحمل النوع نفسه من الشحنات تتنافر، في حين تتجاذب عندما تحمل نوعين مختلفين من الشحنات، كما هو مبين في الشكل (1).
قاس الفيزيائي الفرنسي شارل كولون (1806-1736) Charles Coulomb قوة التجاذب بين الأجسام المشحونة باستخدام ميزان فتل، ووجد القانون الذي يعطي مقدار هذه القوة، والمسمى باسمه.
![]() |
الشكل (1) تنافر الأجسام المشحونة بشحنات من النوع نفسه، وتجاذب تلك المشحونة بشحنتين متعاكستين.
|
لا تعني عملية شحن الأجسام توليد شحنات من عدم، بل هي انتقال لنوع محدد من الشحنات منها أو إليها، إذ إن الشحنة الكهربائية الكلية على الجسمين معاً لا تتغير. ففي أي عملية تكهرب لا تتولد الشحنات ولا تفنى، بل تنتقل من أحد الجسمين إلى الجسم الآخر، محققة قانون انحفاظ الشحنة الكهربائية، وهو قانون عام، ولا يوجد أي برهان تجريبي يثبت ما يخالفه. ومن المعروف حالياً أن الإلكترونات هي التي تنتقل، وأن المادة غير المكهربة تكون متعادلة كهربائياً وتحمل- على مستوى الذرة- عدداً من الشحنات السالبة (الإلكترونات) مساوياً عدد الشحنات الموجبة (عدد البروتونات في نوى ذراتها). وبقي الاعتقاد أن شحنة الإلكترون هي أصغر شحنة كهربائية في الطبيعة- فسميت الشحنة العنصرية- منذ اكتشاف الفيزيائي البريطاني تومسون J.J. Thomson (1940-1856) الإلكترون عام 1897، والذي تبعه عام 1909اكتشاف الفيزيائي البريطاني روبرت ميليكان Robert Millikan (1868-1953) أن الشحنة الكهربائية مكمّاة، وتساوي مكررات صحيحة من شحنة الإلكترون
، أي
. لكن في ستينيات القرن العشرين اكتُشف أن البروتونات والنترونات مكونة من ستة أنواع مختلفة من الجسيمات تسمى الكواركات quarks، منها ما له شحنة كهربائية قدرها
من شحنة البروتون، والأخرى لها شحنة قدرها
من شحنة البروتون. ويتكون البروتون من ثلاثة كواركات مجموع شحنتها يساوي
، أما النترون فيتكون من ثلاثة كواركات مجموع شحنتها معدوم، وهذا ما يفسر كون النترونات متعادلة كهربائياً، ومن ثمَّ وجدت شحنات كسرية ليست أعداداً صحيحة فقط.
تصنف المواد وفقاً لناقليتها الكهربائية -أي قدرة الإلكترونات على الحركة ضمنها- إلى نواقل وعوازل. النواقل الكهربائية (مثل المعادن) مواد تحوي عند درجة حرارة الغرفة عدداً كبيراً نسبياً من الإلكترونات الحرة غير المرتبطة بذرات المادة، ويمكنها الحركة بحرية عشوائياً داخل المادة. أما العوازل الكهربائية (مثل الزجاج والمطاط) فتحوي عند درجة حرارة الغرفة عدداً قليلاً جداً من الإلكترونات الحرة، وتكون غالبية الإلكترونات فيها مرتبطة ارتباطاً قوياً بذراتها، ولا يمكنها الحركة بحرية داخل المادة. هذا يعني إمكان كهربة المادة العازلة بسهولة؛ لأن الشحنات التي تنتقل إليها تبقى متوضعة في الأماكن التي انتقلت إليها دون غيرها، ولكن عند كهربة النواقل الكهربائية فإن الشحنة المنقولة تتوزع بسرعةٍ على كامل سطح المادة.
يمكن كهربة المواد بإحدى ثلاث طرائق هي: التكهرب بالدلك أو الاحتكاك rubbing or friction، والتكهرب باللمس charging by conduction or contact، والتكهرب بالتأثير induction. فالتكهرب بالدلك هو واحد من أقدم طرائق التكهرب المعروفة منذ القرن السادس قبل الميلاد، إذتبين أن دلك قضيب من الكهرمان بالصوف يجعله قادراً على جذب قصاصات صغيرة من الورق إليه، وتبيّن بعدها وجود مواد أخرى تتمتع بهذه الخاصية، مثل دلك الزجاج بالحرير فيخسر الزجاج عدداً من إلكتروناته التي تنتقل إلى الحرير فيصبح الزجاج ذا شحنة موجبة والحرير ذا شحنة سالبة. يعتمد نوع الشحنة التي يحملها الجسم المدلوك على نوع مادته ومادة الجسم الذي دلك فيه، وقد صنفت الأجسام وفقاً لذلك في سلسلة تبين أن دلك جسمين من هذه السلسة يؤدي إلى تكهرب الجسم المتقدم في السلسلة إيجابياً، في حين يتكهرب المتأخر أو التالي سلبياً. تصنف بعض المواد في هذه السلسلة على النحو الآتي: الزجاج المصقول، الصوف، شعر الهرة، الحرير، الخشب، المعدن.
أما التكهرب باللمس فيحصل مباشرة عند تلامس جسم يحمل شحنة كهربائية مع جسمٍ آخر متعادل كهربائياً، فتنتقل كمية من الشحنة إلى الجسم المتعادل، ويتنافر الجسمان على الفور إذا كانا قادرين على الحركة. إن التكهرب باللمس يجعل الجسمين المتلامسين يحملان نوع الشحنة الكهربائية نفسه.
في حين تحدث عملية التكهرب بالتأثير عند تقريب جسم مشحون من جسم آخر ناقل غير مشحون ومتعادل كهربائياً من دون ملامسته. فعند تقريب قضيب من المطاط المشحون بشحنة سالبة من كرة معدنية معزولة عن الأرض وغير مشحونة، فإن الجهة القريبة من القضيب تظهر بشحنةٍ موجبة، وذلك لأن إلكترونات الكرة في المنطقة المجاورة للقضيب تخضع لقوة تنافر مع شحنات القضيب، وتبتعد إلى الجهة المقابلة للكرة. فإذا جرى توصيل الكرة بالأرض عن طريق سلك ناقل، مع بقاء قضيب المطاط في جوارها فإن عدداً من إلكترونات الكرة ينتقل إلى الأرض التي تُعد مخزناً كبيراً للإلكترونات، ويمكنها أن تعمل مانحاً أو آخذاً للإلكترونات من دون أن يؤثر ذلك في خصائصها الكهربائية. وعند قطع اتصال السلك الناقل بالأرض فإن الكرة الناقلة تكون قد احتوت عدداً أكبر من الشحنات الموجبة، وعند إبعاد قضيب المطاط تبقى الشحنة الموجبة على الكرة، وتتوزع على سطحها مباشرةً بسبب قوى التنافر، وتصبح الكرة مشحونة بشحنة موجبة، ويوضح الشكل (2) ذلك.
![]() |
(أ) تمتلك الكرة المتعادلة العدد نفسه من الشحنات الموجبة والسالبة. (ب) تبتعد الشحنات السالبة إلى الجهة الأبعد عن القضيب المشحون. (ج) تنتقل بعض إلكترونات الكرة إلى الأرض عند توصيلها بسلك ناقل. (د) يتوزع فائض الشحنات الموجبة على الكرة على نحوٍ غير منتظم بوجود القضيب. (هـ) الشحنة المحصلة على الكرة هي شحنة موجبة، وتتوزع بانتظامٍ عليها بعد إبعاد القضيب المشحون. الشكل (2) كهربة جسم معدني بالتأثير. |
تحصل في العوازل عملية مشابهة لعملية التكهرب بالتأثير في النواقل، لكن السلوك مختلف. ففي غالبية الجزيئات المتعادلة كهربائياً يتطابق مركز الشحنات الموجبة مع مركز الشحنات السالبة، ولكن عند تقريب جسم مشحون من هذه المواد العازلة ينزاح المركزان ضمن كل جزيء انزياحاً قليلاً مشكلاً ثنائي قطب، مما يؤدي إلى ظهور عدد أكبر من الشحنات المخالفة بالإشارة لشحنة الجسم المشحون على طرف الجزيء القريب، ويظهر عدد مساوٍ من النوع الآخر للشحنات على الطرف البعيد، يسمى هذا الأثر الاستقطاب polarization. يقود الاستقطاب إلى إحداث طبقة من الشحنات على سطح المادة العازلة، يفسر ذلك آلية جذب المشط اللدن لقصاصات الورق المتعادلة كهربائياً، وكذلك آلية التصاق البالون المنفوخ بعد دلكه بالجدار المتعادل كهربائياً كما هو مبين في الشكل (3).
![]() |
(أ) بالون مشحون بالدلك يلتصق بجدار عازل بسبب تحريضه للشحنات على سطح الجدار عن طريق استقطابها. (ب) قضيب مشحون يجذب قصاصات ورقية بالآلية نفسها. الشكل (3) |
تُعد العواصف الرعدية من أكثر المظاهر الواضحة لآثار الكهرباء الساكنة على كوكب الأرض، إذ تحمل بعض الغيوم العاصفة شحنة تقع بين 10 كولون و20 كولون لكل نوع من نوعي الشحنات التي تتكون بسبب الحركات داخلها، وتتجمع الشحنات السالبة في الأجزاء السفلية من الغيوم، في حين تتجمع الشحنات الموجبة في الأجزاء العلوية منها. تحرض الشحنات السالبة التي تحملها الأجزاء السفلية من الغيوم شحنات موجبة على سطح الأرض تحتها، وتكون كثافة الشحنة المتحرضة أكبر على الأجسام المرتفعة والحادة. إن بداية الصاعقة الضوئية من الغيوم إلى الأرض هي عملية انفراغ كهربائي غير مرئية تسمى المرشد المتدرج stepped leader الذي يبدأ في أسفل الغيوم ويتحرك بخطوات متقطعة، يبلغ طول كل منها قرابة 50 م، وتدوم قرابة 1 ميكرو ثانية. تتحرر الإلكترونات بسبب هذا الانفراغ من الجزء السفلي للغيوم وتنجذب باتجاه الأسفل إلى الشحنات المتحرضة الموجبة على سطح الأرض، وعندما يقترب المرشد المتدرج من سطح الأرض يحرض مزيداً من الشحنات الموجبة، وعلى ارتفاع يساوي قرابة 100 م تتحرك الشرارة من الأرض إلى الأعلى لملاقاته، وعندها يتوطد المسار الناقل، ويتدفق عدد كبير جداً من الإلكترونات من الغيوم إلى الأرض، وبالمقابل تتحرك الشحنات الموجبة من الأرض باتجاه الغيوم لتعادل تدفق الشحنة السالبة عند أسفل الغيوم. هذا هو الانفراغ الذي يشاهد من سطح الأرض، ويسمى الخطوة الراجعة return stroke، التي تدوم قرابة 100 مكرو ثانية، ولهذا تبدو على هيئة قناة ضوئية كاملة نحو الأعلى، كما في الشكل (4). إن قيمة التيار في الراجع تساوي قرابة 10 كيلو أمبير، وقد تصل إلى 200 كيلو أمبير، أما درجة الحرارة فيه فتصل إلى قرابة 29726.85 ْس (30000 كلفن). إن الزمن الذي يحدث خلاله البرق ليس كافياً كي يتمدد الهواء حجمياً، ولهذا يرتفع ضغطه إلى قرابة باسكال، مسبباً صدمة ضغط هي صوت الرعد. وقد يحدث انفراغ كهربائي بين الغيوم نفسها خلال حركتها عندما يتحقق فرق كمون كهربائي مناسب لذلك.
![]() |
الشكل (4) البرق: الانفراغ الكهربائي الذي يحصل خلال العواصف الرعدية بسبب فرق الكمون الكهربائي الكبير بين الغيوم الرعدية والأرض. |
تنقية الهواء وفصل العناصر
تُستعمل مرشحات ضبط التلوث الكهرساكنة في حماية البيئة وإزالة جسيمات الملوثات العالقة الصغيرة من غازات العوادم والمداخن الصناعية. ففي عملية التنقية، أو الترسيب يتدفق الغاز الملوث إلى داخل أسطوانة من أسفلها، ويجري شحن جسيمات الدخان الصغيرة عن طريق انفراغ كهربائي في الغاز، فيطبق فرق كمون مرتفع يقع بين 40 كيلو فولط و100 كيلو فولط بين جدران المدخنة الموصولة بالأرض وسلك ناقل يتدلى شاقولياً من أعلى المدخنة وفقاً لمركزها. يحافظ على الكمون الكهربائي للسلك سالباً بالنسبة إلى كمون الجدران، ولهذا يتجه الحقل الكهربائي باتجاه السلك. إن شدة الحقل الكهربائي بالقرب من السلك تكون كافية لإحداث الانفراغ الإكليلي corona dischargeحوله، ولهذا يحوي الغاز بالقرب من السلك إيونات موجبة وإلكترونات وإيونات سالبة. تتسارع هذه الإلكترونات والإيونات السالبة- بفعل الحقل الكهربائي- باتجاه الجدران الخارجية للمدخنة، وتتصادم مع جسيمات الغاز الملوث، وتصبح جسيمات الملوثات في غاز المدخنة -بسبب التصادم والأسر الإلكتروني- مشحونة بشحنة سالبة، وتنسحب باتجاه جدران المدخنة بفعل الحقل، كما هو مبين في الشكل (5). تتجمع هذه الملوثات في أسفل المدخنة عن طريق هزها في فترات توقفها عن العمل. أما الهواء الذي خضع للتنقية فيتدفق نظيفاً من أعلى المدخنة إلى الخارج. وتستعمل المرشحات الكهرساكنة أيضاً في المصانع على اختلاف أنواعها، وفي مصافي البترول والنشاطات الصناعية المختلفة التي ترافقها انبعاثات غازية مختلفة. يستخدم المبدأ نفسه أيضاً في تنقية الهواء الداخلي في المنشآت والمنازل.
![]() |
الشكل (5) رسم تخطيطي لمرسب كهرساكن. |
يعتمد الكثير من عمليات الفصل المستخدمة في الصناعة على استخدام الحقول الكهربائية الساكنة لتعقيم الأطعمة وتنقية الخامات الأولية وفصل النفايات التي يمكن إعادة تصنيعها، وفصل المنتجات وفقاً لحجمها أو وزنها. على سبيل المثال يمكن فصل الكوارتز عن الفسفات، والألماس عن السليكا، والذهب والتيتانيوم عن الرمال. أما في الصناعات الغذائية فتستخدم الكهرباء الساكنة في فصل براز القوارض عن فول الصويا والفول السوداني والكاكاو واللوز والبندق، وعن الحبوب مثل الشعير والأرز. تعتمد عمليات الفصل هذه على قوة الثقالة، أو قوة الطرد المركزي، مع قوة حقل كهربائي خارجي ينظمان مسار الجسيمات التي جرى شحنها باللمس أو الاحتكاك. فيجري فصل الأنواع المختلفة من الجسيمات عن طريق ضبط شدة القوى المؤثرة فيها وزمن تطبيقها، فتأخذ الجسيمات المختلفة مسارات مختلفة.
آلات النسخ
يُعد الإسقاط الكهرساكن المستخدم في النسخ الضوئي من التطبيقات التقانية المهمة للقوى الكهربائية الساكنة بين الأجسام المشحونة. تعتمد هذه التقانة على استخدام صفيحة مغطاة بغشاء رقيق من مادة حساسة ضوئياً photoconductorمثل السلينيوم أو أحد مركباته. والسلينيوم ناقل رديء بغياب الضوء، ولكنه يصبح ناقلاً جيداً عندما يتعرض للضوء. في الخطوة الأولى يجري شحن غشاء السلينيوم بغياب الضوء بشحنات كهربائية ساكنة موجبة على نحوٍ متساوٍ عن طريق زلقه باستعمال طبل أسطواني cylindrical drum أسفل أسلاك مشحونة بشحنات إيجابية (الشكل 6). وفي الخطوة الثانية يجري ضبط محرق صورة الورقة المراد تصويرها على الصفيحة المغشاة باستخدام عدسات مناسبة. ويصبح السلينيوم ناقلاً فقط في تلك المواضع التي تعرضت للضوء، أي الموافقة للمناطق البيضاء من الورقة، إذ ينتج الضوء في تلك المناطق من الناقل الضوئي حوامل شحنة موجبة حرة تتحرك إلى خارج الصفيحة من خلال التوصيلات المعدنية الواقعة على جوانبها. أما في المواضع الأخرى الموافقة للمساحات المظلمة من الورقة فإن الشحنات الموجبة تبقى مكانها، فيتكون على الصفيحة في هذه المرحلة صورة مطابقة للأصل على هيئة توزع سطحي للشحنات الموجبة. وفي الخطوة الثالثة يُذر المسحوق المشحون بشحنةٍ سالبة- وهو حبر التصوير toner - على سطح الصفيحة المغشاة، فيلتصق الحبر فوق مناطق سطح الصفيحة الحاوية شحنات موجبة فقط، أي على صورة التوزع السطحي للشحنات الموجبة، وتصبح الصورة مرئية. وفي الخطوة الرابعة يجعل الحبر على تلامس مع سطح ورقة بيضاء مشحونة بشحنة موجبة. وفي الخطوة الأخيرة يثبت الحبر على سطح الورقة عن طريق تبخيرة بإمرار الورقة من خلال أسطوانة صغيرة مسخنة إلى درجة حرارة مرتفعة، فتتشكل نسخة دائمة طبق الصورة الأصلية. تعمل الطابعات الليزرية وفق المبدأ المذكور آنفاً نفسه، لكنها تستخدم حزمة ضوء ليزري تسقط على المادة الناقلة ضوئياً، بدلاً من العدسات وضوء المصابيح.
![]() |
الشكل (6) استعمال التكهرب الساكن في النسخ. |
وتعتمد تقانة التصوير باستخدام كاميرا نبائط اقتران الشحنة charge-coupled device (CCD) camera شديدة الحساسية على الكهرباء الساكنة أيضاً.
في الطلاء
تستعمل قوى التجاذب الكهربائي في عملية الطلاء الكهرساكن المستخدم في صناعة السيارات والأدوات المنزلية الكهربائية، إذ يوصل الجسم المعدني المراد طلاؤه بالأرض، وتشحن قطيرات الدهان عند خروجها من فوهة المرذاذ، وعندما تقترب القطيرات المشحونة من الجسم المعدني تظهر عليه شحنات كهربائية متحرضة مختلفة بالإشارة، تقود إلى جذب القطرات إلى السطح والتصاقها بقوة. تقلل هذه العملية من احتمال حصول طبقات زائدة من الطلاء ناجمة عن جسيمات الدهان المتطايرة عرضياً في اتجاهات مختلفة، مما يؤدي إلى الحصول على طبقة طلاء منتظمة.
في مسرعات الجسيمات
من المعروف أنه عند وضع ناقل مشحون في تلامس داخل ناقل أجوف فإن شحنات الناقل المشحون جميعها تنتقل إلى الناقل الأجوف، ويمكن زيادة شحنات الناقل الأجوف وكمونه الكهربائي عن طريق تكرار عملية النقل من دون حدود، من حيث المبدأ. استعمل الفيزيائي الأمريكي روبرت فان دي غراف Robert J. Van de Graaff (1901-1967) هذا المبدأ عام 1929 لتصميم أول مولد عالي الفولطية (كهرساكن) high voltage generator، سمي مولد فان دي غراف. استعمل استعمالاً واسعاً في بحوث الفيزياء النووية في المسرعات. تنقل الشحنات على نحوٍ مستمرٍ إلى إلكترود ذي فولطية عالية، على شكل قبة معدنية جوفاء مثبتة إلى عمود معزول (الشكل 7). يجري شحن الحزام المتحرك عن طريق انفراغ إكليلي في نقطة أسفل المولد A، تقع بين إبر معدنية تشبه المشط والشبكة الموصولة بالأرض. ويحافظ على الإبر تحت كمون كهربائي موجب يصل قرابة فولط. تنقل الشحنات الموجبة الواقعة على الحزام المتحرك إلى القبة عن طريق مشط آخر من الإبر يقع أعلى المولد. إن الحقل الكهربائي داخل القبة المعدنية معدوم، لذا تنتقل الشحنات الموجبة الواقعة على الحزام بسهولةٍ إلى الناقل مهما كان كمونه. ويمكن عملياً زيادة الكمون الكهربائي للقبة حتى حدوث الانفراغ الكهربائي، كما يمكن زيادة كمون القبة بزيادة نصف قطرها ووضع الجملة كلها في حاوية مملوءة بغاز تحت ضغطٍ مرتفعٍ. تنتج مولدات فان دي غراف فروقاً في الكمون تصل إلى قرابة
فولط. فعند تسريع البروتونات باستعمال فروق كمون كهذه ستكتسب طاقة كافية لبدء التفاعلات النووية فيما بينها ومع نوى أهداف مختلفة.
![]() |
الشكل (7) رسم تخطيطي لمولد فان دي غراف. تتوضع الشحنات على الحزام المتحرك في النقطة A، وتنقل إلى الناقل الأجوف في النقطة B. |
في الطب
تُعد تقنيات الفحص باستخدام تقانة الصفيف المكروي لجزيئات الدنا DNA microarray technology من أدوات التشخيص الطبي الحديثة التي تعتمد على ميزات الكشف الكهرساكن. في البداية - استناداً إلى قوة الثقالة - يجري ترسيب مائع يحوي آلافاً من كرات السليكا المكروية المشحونة بشحنات سالبة على سطح صفيف مكروي من جزيئات DNA المهجنة. تجعل الركازة أو سطح خلفية الصفيف المكروي مشحونة بشحنة موجبة، ولهذا تنتشر كرات السليكا المكروية على كامل السطح وتلتصق عليه. لكن السطح يحوي على جزيئات DNA أحادية التهجين ذات شحنة سالبة وأخرى ثنائية التهجين وذات شحنة أكثر سلبية من تلك الأحادية. وبسبب تعادل القوى الكهرساكنة مع قوة الثقالة تطفو الكرات المكروية فوق سطح الركازة متكدسة باتجاه الأعلى متوازنة وفق ارتفاعها. تؤدي قوى التآثر الكهرساكنة على سطح الصفيف المكروي إلى تباين في كثافة الشحنة بالإمكان مراقبته بسهولةٍ. إذ تأخذ مناطق السطح الحاوية قطع DNAمظهراً شفافاً، وتربط بتهجينات نوعية يمكن عن طريقها إظهار المورثات والتغيرات الجينية والعوامل الممرضة.
في الصناعة الإلكترونية
تُستعمل تطبيقات التكهرب في الوقت الحاضر على نطاقٍ واسعٍ في تصنيع الجمل الإلكترونية الميكانيكية المكروية Micro-Electromechanical Systems (MEMS)، التي هي طريقة تقنية تُستعمل لابتكار نبائط أو جمل تكاملية دقيقة تجمع المكونات الإلكترونية والميكانيكية معاً. يجري تصنيع هذه الجمل كما تصنع الدارات التكاملية بالترسيب وتقنيات عمليات التنميش etching، وتقع أبعادها بين عدة أجزاء من مليون من المتر وعدة مليمترات. ولهذه النبائط القدرة على التحسس والضبط والتشغيل على الصعيد (المكروي) المجهري، مع توليد الآثار على الصعيد الجهري (الماكروي)، ولهذا فهي وسائط تقنية فعالة تربط بين عالم الإلكترونيات الرقمي والعالم الفيزيائي التماثلي الفعلي. تتطور هذه الجمل الإلكترونية الميكانيكية المكروية بسرعةٍ كبيرةٍ بسبب الحاجة الماسة إلى آليات تحويل الإشارات الفيزيائية إلى إشارات إلكترونية يمكن معالجتها في الجمل الإلكترونية، كما في المستشعرات، وكذلك آليات تحويل الإشارات الإلكترونية إلى إشارات فيزيائية، كما في المشغّلات الميكانيكية الكهرساكنة electrostatic actuators. إضافة إلى ذلك تحتاج بعض التطبيقات إلى ربط آليات التشغيل في تسلسل متعاقب، من مثل تحويل الإشارة الحرارية أولاً إلى إشارة ميكانيكية، ومن ثم تحويل هذه الإشارة إلى إشارة ضوئية، وأخيراً إلى إشارة إلكترونية. تجمع هذه الجمل المكروية -إلى جانب الإلكترونيات- آليات التحسس والتشغيل المكرويين في نبيطة واحدة مكروية الحجم، أو حتى أصغر من ذلك. لهذا تستخدم هذه النبائط في المجاوبات المكروية والمفاتيح المكروية والمرايا المكروية ومقاييس التسارع المكروية.
تعتمد هذه المشغلات المكروية الكهرساكنة على قوى التجاذب الكهرساكن بين صفيحتين مشحونتين بشحنتين متعاكستين. تُستخدم هذه المشغلات على نطاقٍ واسعٍ في الجمل الإلكترونية الميكانيكية المكروية بسبب السهولة النسبية لتصنيع فجوات مكانية متراصة من صفائح ناقلة على الجانبين المتقابلين. تتضمن المشغلات من نوع المحرك المشطي عدداً كبيراً من الأصابع الدقيقة المتشابكة التي يجري تشغيلها عن طريق تطبيق فولطية بينها. ولما كانت السعة تتعلق بالمساحة فإن هذا يؤدي إلى أنه كلما كان عدد الأصابع أكبر كانت القوة التي يمكن توليدها عن طريق هذا المشغل أكبر (الشكل 8).
![]() |
(أ) مشغل كهرساكن بمحرك مشطي. (ب) و(ج) بنية المحركات المشطية. الشكل (8) |
ثمة نوع من المحركات الدوارة الكهرساكنة تصنع من السليكون المتعدد البلورات أو أكاسيد السليكون. تعتمد هذه المحركات الدوارة على جزء مركزي دوار يتحرك بحرية داخل صفائح سعوية تحيط به، وبالإمكان التحكم بها في طور دقيق لتحريك الجزء الدوار (الشكل 9). تعتمد المحركات المتناغمة synchronized والمترنحة recessing على مبدأ دوران الجزء الدوار في حلقة الجزء الساكن الأكبر قليلاً، بحيث تترنح حول محور مركزي عندما تدور. توفر هذه المحركات تقليل الاحتكاك الانزلاقي وزيادة القوى الكهرساكنة. ولما كانت القوة الكهرساكنة تتناسب طرداً مع مربع الفولطية المطبقة؛ فإنه يتطلب نموذجياً عشرات إلى مئات من الفولط لتوليد قوة كبيرة نسبياً تصل إلى عدة أجزاء من ألف من النيوتن، تكفي للتحرك مسافة طويلة تبلغ آحاد المليمتر. وبسبب هذه القيمة الكبيرة للفولطية الدافعة لهذه المشغلات المكروية الكهرساكنة؛ فإنها لن تتلاءم مع دارات الرقائق الإلكترونية النموذجية والفولطية المطبقة عليها. يجري تطوير المشغلات المكروية الكهرساكنة لتصبح مشغلات بيكوية (مشغلات أبعاد بعض مكوناتها من مرتبة البيكومتر)، تتواءم مع ما يسمى تقانةالأقمار الصناعية البيكوية التي تسعى إلى تطوير أقمارٍ صناعية بحجم ديسيمتر مكعب واحد، من أجل إرسالها لدراسة الكواكب، مثل المريخ، واستكشاف الفضاء بين الكواكب.
![]() |
(أ) مشغل كهرساكن بمحرك دوار مترنح. (ب) و(ج) بنية المحركات الدوارة. الشكل (9) |
وثمة استعمالات أخرى للتكهرب السكوني إذ تعدّ قوى التجاذب الكهربائي المسؤولة عن سلوك أنواع كثيرة من المنتجات التجارية. وعلى سبيل المثال: تحتوي اللدائن التي تصنع منها العدسات اللاصقة على جزيئات تجذب إليها كهربائياً جزيئات البروتين الموجودة في دموع العين. تُمتص جزيئات البروتين وتُمسك عن طريق اللدائن، بحيث تصبح العدسة منغمسة في الدموع، ولا تبدو جسماً غريباً للعين. كما يستعمل العديد من مستحضرات التجميل كذلك القوى الكهربائية عن طريق مزج مواد قادرة على التجاذب كهربائياً مع الجلد أو الشعر، مما يجعل مواد التجميل الملونة ثابتة في مكانها عندما توضع.
مراجع للاستزادة: - Z. Gu, W. Wei, Electrification of Particulates in Industrial and Natural Multiphase Flows, Springer Nature Singapore 2017. - Raymond A. Serway, John W. Jewett, Jr., Physics for Scientists and Engineers with Modern Physics, Brooks/Cole, 2010. - Y. A. Liu, Physical Cleaning of Coal Present Developing Methods,CRC Press 2018.
|
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :