تلوث بحار
-



تلوث البحار

 محمد منصور بكر

مصادر التلوث البحري

أنواع التلوث البحري والملوثات البحرية

 

عرّف مؤتمر منظمة الغذاء والزراعة للأمم المتحدة Food and Agriculture Organization of the United Nations (FAO)   عام 1970 التلوث البحري marine pollution بأنه "التلوث الناجم عن إدخال الإنسان إلى البيئة البحرية موادّ يمكن أن تسبب نتائج مؤذية، كالإضرار بالثروات الحيوية، وأخطاراً على صحة الإنسان، وإعاقة النشاطات البحرية، بما فيها صيد الأسماك، وإفساد مزايا البحر عوضاً عن استخدامها، والحد من الفرص في مجالات الترفيه". ولم يتغير هذا التعريف حتى عام 1991 غيراً واسعا إلى أن أقرت الأمم المتحدة عام 2015 سبعة عشر هدفاً للتنمية المستدامة، يتضمن الهدف الرابع عشر منها (SDG 14) Sustainable Development  Goal 14  "الحياة تحت الماء" والصياغة الرسمية هي: "الحفاظ على المحيطات والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام من أجل التنمية المستدامة". ويتضمن الهدف 10 غايات يجب تحقيقها بحلول عام 2030، ويتم قياس التقدم نحو كل هدف بمؤشر واحد لكل منها.

مصادر التلوث البحري

  تتنوع مصادر تلوث البيئة البحرية (الشكل 1)، ولعل أهمها:

1-   التلوث من مصادر برية: وتصنف وفق مبادئ مونتريال التوجيهية لحماية البيئة البحرية من المصادر البرية إلى:

أ‌-    المصادر الصناعية أو الزراعية الثابتة أو المتحركة على السواء، المقامة على الأرض، والتي تصل نفاياتها إلى البيئة البحرية عن طريقالهطل وعن طريق الجريان.

ب‌- الأنهار أو القنوات والمجاري تحت سطح الأرض.

ج‌-  الأنشطة البشرية الشاطئية ولا سيما الصرف الصحي.

د‌-   المصادر الجوية وذلك من خلال الأمطار الحامضية وما تحمله من ملوثات، وكذلك التفجيرات النووية.

الشكل (1) مصادر التلوث البحري مع نسبها المئوية.

2-  التلوث الناجم عن أنشطة استكشاف البحار واستغلالها وخاصة استخراج النفط.

 3-  إغراق النفايات وتصريفها في البحار، والإغراق يعني تصريفاً متعمداً للفضلات والمواد الأخرى في البحر من السفن أو الطائرات أو الأرصفة البحرية.

 4-  التلوث الناجم عن السفن وحركة الملاحة البحرية من خلال الكوارث النفطية البحرية، وغسيل صهاريج الناقلات وغيرها. 

أنواع التلوث البحري والملوثات البحرية

 يمكن أن يصنّف التلوث البحري كما يلي:

1-  التلوث البحري الكيميائي

 يعد تلوث المياه بالمواد الكيميائية أحد أهم المشكلات التي تواجه الإنسان، ويعود مصدره إلى الصناعات الكيميائية التي تنتج مواد صعبة التفكك وإعادة التدوير، على النقيض من المنتجات الطبيعية. تسبب هذه الملوثات أضراراً كبيرة من حيث التأثير في نمو معظم الكائنات البحرية وتكاثرها، مما يؤدي إلى خلل في توازن المنظومة البيئية البحرية. كما أن قسماً كبيراً منها ينتقل من خلال السلاسل الغذائية البحرية ويتراكم في أنسجة الكائنات الحية بالتراكم الحيوي bioaccumulation، وصولاً إلى الإنسان لكونه المستهلك النهائي، مما يؤدي إلى تسممه. وقد ازداد كثيراً عدد الملوثات الكيميائية الصناعية السامة وتجاوز 500 منتج. وتصنّف الملوثات الكيميائية إلى:

أ‌-    المبيدات:ومن أهمها الهدروكربونات الكلورية؛ وهي مركبات هدروكربونية تحتوي على الكلور، وتبلغ فترة نصف عمرها 10 سنوات، ومن أهمهامادتا  ثنائي الفينيل المتعدد الكلور(PCP) Polychlorinated biphenyl  ، وثنائي كلور فينيل ثلاثي كلور الإيتان (د.د.ت) ((DDT Dichlorodiphenyltrichloroethane اللتان تدخلان في تركيب مبيدات الحشرات والآفات الزراعية، وغيرها مما يستعمل في صناعة المواد اللدائنية (البوليمرات)، وفي تركيب العديد من الدهانات وحبر المطابع. وتكمن خطورة الهدروكربونات المكلورة في أنها غير منحلة في الماء، وتبقى في الطبقة السطحية لتمتصها الأحياء؛ كما أنها تجذب إليها النفط المتسرب وكرات القار tar balls التي تنتشر عليها بعض الأحياء المائية مثل الديدان والقريدس، وتتغذى بها الأسماك مما يؤدي إلى إصابتها بالتلوث.

تصل هذه المركبات إلى البحار نتيجة إلقاء الفضلات الصناعية السائلة مباشرة عن طريق الأنهار والصرف الصحي، أو عن طريق مياه الأمطار نتيجة تلوث الهواء. وتتصف مركبات  DDTو PCPبسُميتها الشديدة للبيئة وضعف تحللها، مما يبقيها في الماء عشرات السنين، وهذا يؤدي إلى تراكمها عبر السلسلة الغذائية البحرية (الشكل 2).

 

الشكل (2) انتقال المبيدات عبر السلسلة الغذائية.

توجد المركبات الهدروكربونية المكلورة في أجسام جميع الكائنات البحرية، وكذلك في المناطق البعيدة عن الأنشطة البشرية، كما في أنسجة بعض الطيور الشاطئية. وربما لا يكون تأثّر جميع الكائنات بهذه الملوثات بالسوية نفسها، فالتركيب الضوئي للعوالق النباتية يتأثر كثيراً بالتراكيز الضعيفة، ويُظهر القريدس حساسية عالية تؤدي إلى موته بتركيز لا يزيد على (0.01 ppm) جزء من المليون من DDT. كما تتأثر الرخويات من خلال اضطرابات سلوكية تمنعها من البحث عن غذائها، مع أنها قادرة على جمع تلك الملوثات وفرزها أسرع من الأسماك. وتعمل مبيدات الحشرات على تعويق نمو بيوض الأسماك، إذ يصل تركيز DDT في الأعضاء التناسلية لبعض الأجناس إلى أكثر من 10 أضعاف من تلك الموجودة في بقية الأنسجة، مما يؤدي إلى انخفاض معدلات الخصوبة.

ب‌-    المعادن الثقيلة: وهي العناصر التي تزيد كثافتها على خمسة أضعاف كثافة الماء، ولها تأثيرات سلبية في البيئة عند الإفراط في استخدامها، وتسيء إلى صحة الإنسان والحيوان والنبات. وتكمن خطورتها في انعدام تحللها في الطبيعة، وكذلك في تراكمها الحيوي في أنسجة الكائنات الحية وانتقالها عبر السلسلة الغذائية. إن بعض المعادن الثقيلة ضرورية للحياة بتراكيز طبيعية، فالزنك والنحاس والمنغنيز مواد ضرورية للإنسان والحيوان والنبات، والكوبالت والكروم ضروريان للحيوان، والألمنيوم للنبات، وتأتي ضرورتها من كونها تدخل في تركيب الإنزيمات وبعض البروتينات الأخرى التي تؤدي دوراً مهماً في بعض العمليات الاستقلابية، ولكنها تصبح سامة عند زيادة تراكيزها في الجسم. وهناك عناصر لا تمتلك أي وظيفة حيوية في الجسم وتسمى المعادن السامة، ومن أهمها الزئبق والرصاص والزرنيخ والكادميوم والفناديوم والبلوتونيوم والتيتانيوم واليورانيوم، وهذه المعادن تسبب تسمم الكائنات الحية عند تراكيز منخفضة. وتعد الأسماك اللاحمة والطيور التي تقع في قمة السلسلة الغذائية البحرية من أكثر الحيوانات تركيزاً للمعادن، إذ يصل إلى 100 ضعف أحياناً في سمك الرنجة والقرش.
والمعادن التالية ذات خطورة كبيرة:

 الزئبق Hg: يصل إلى البحار من النفايات الصناعية والزراعية البرية. ولعل أول كارثة بيئية ناجمة عن التلوث بالزئبق سجلت في اليابان عام 1953، إذ أدى مرض ميناماتا إلى موت العشرات، وأعاق المئات جسمانياً وعقلياً، كان سبب هذه الحادثة مخلفات مصنع ورق يستعمل الزئبق في مكافحة التعفن؛ إذ امتصت العوالق النباتية الزئبق الذي تراكم عبر السلسلة الغذائية في أنسجة الأسماك والطيور (الشكل 3) مؤدياً إلى احتواء لحوم الأسماك على تركيز مرتفع لألكيل الزئبق وصل إلى 6ppm  مقارنة بـ0.1   ppm في المياة البحرية غير الملوثة.

 

الشكل (3) ازدياد تراكيز المعادن الثقيلة عبر السلسلة الغذائية.

الرصاص Pb: ينجم التلوث بالرصاص عن مخلفات صناعية مختلفة (البطاريات ومجمعات الرصاص الكهربائية والطلاء والتغليف واللحام والمطاط والنفط)، وعن طريق الغلاف الجوي. يوجد الرصاص في جسم الإنسان بتراكيز ضعيفة؛ لهذا يجب التفريق بين امتصاص الجسم للرصاص والتسمم به. يتركز الرصاص في الأنسجة اللحمية للأسماك وللأحياء المائية، ومنها ينتقل إلـى الإنسان، مما يسبب حوادث تسمم وأضراراً جسمانية مختلفة.

الكروم Cr: أهم مركباته الكروم الثلاثي والكروم السداسي، والأخير أكثر سُمية للكائنات.ويلاحظ أن الكروم الثلاثي يكثر وجوده في الرسوبيات العضوية الجيدة التهوية بسبب مساهمتها في اختزال الكروم السداسي وتحويله إلى كروم ثلاثي. وتراوح درجة السُّمية عند الأسماك- التي هي أكثر حساسية للأخير- بين 0.2 و5 مكرو غرام/لتر.

النيكل Ni: يوجد بكميات كبيرة على سطح الأرض وفي البحار، كما أنه يدخل في تركيب الأنسجة البشرية والنباتية، ويوجد بنسب ضئيلة في تركيب النفط الخام، ويدخل في عملية هدرجة الزيوت. ولقد دلت الدراسات الحديثة على أنه من أسباب الإصابة بالسرطان.

الكادميوم:Cd  يستعمل الكادميوم في العديد من الصناعات، وتعد مخلفاته الصناعية التي تقدر بـ 7000 طن سنوياً مصدراً رئيسياً لتلوث البيئة؛ ومصادره الرئيسية هي الأسمدة الفسفاتية والفضلات المنزلية التي تفوق 10 أضعاف مصادره الطبيعية. ويصل إلى البحر مع الملوِّثات البرية، وتصل نسبة الحمولات الصناعية منه إلى 50%.

2-  التلوث الإشعاعي

 يوجد في البحار بعض العناصر المشعة بتراكيز طبيعية ولا سيما قرب الفوهات البركانية، وقد ازدادت كمياتها كثيراً بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت تسبب تهديداً كبيراً للبيئة. ومن أهم مصادر التلوث الإشعاعي البحري وأسبابه:

أ‌-    تساقط الغبار الذري الناجم عن التفجيرات النووية التي تجري في الجو أو في البحار.

ب‌- المياه المستخدمة في تبريد المفاعلات النووية والتي تلقى في الأنهار والبحار، أو نتيجة لأعطال دوائر التبريد فيها.

ج‌-   النفايات النووية التي تتسرب من خزانات الصواريخ والمركبات والأقمار الصناعية، ومن المفاعلات النووية.

د‌-    استخدام بعض المواد-في أثناء عمليات التنقيب واستخراج النفط والغاز من قاع البحر- التي تحتوي على الرصاص 210 والراديوم 226  والثوريوم 228 وكمية قليلة من التريتيوم 14.

عندما تدخل جزئيات مشعة المياه ينحل جزء منها فقط والباقي لا ينحل، ويتثبت على الجزيئات الصلبة العالقة في الماء تبعاً لألفتها، كخلايا العوالق النباتية الميتة وغيرها، والتي تميل إلى الترسب فيما بعد. وقد وُجد أن الأعشاب البحرية والطحالب القاعية -التي تعد أساس السلسلة الغذائية البحرية القاعية- قد تحتوي على كمية من الإشعاع أكبر بألف مرة من التي تحتوي عليها المياه المحيطة. وللتراكم الحيوي للمواد المشعة في أجسام الكائنات البحرية تأثيرات خطرة، إذ إن امتصاصها يضر بالعمليات الحيوية فتفككها يصدر موجات كهرطيسية من أشعة ألفا والأشعة السينية اللتين تؤثران في الجزيئات المركبة للمكونات الوظيفية والتركيبية للخلايا. وينتقل هذا التأثير إلى الإنسان عند استهلاكه للكائنات البحرية الملوثة إشعاعياً. ومن الآثار المبكرة للتلوث الإشعاعي في الإنسان ما يسمى المرض الإشعاعي radiation sickness  الذي تتمثّل أعراضة بالشعور بالغثيان وحدوث التقيؤ ونقص كريات الدم البيضاء. أما الآثار المتأخرة فهي الإصابة بالسرطان وإعتام عدسة العين وقصر العمر. وهناك الآثار الوراثية التي تتمثل بتلف في الخلايا التناسلية، وهذا يؤدي إلى مجموعة من الطفرات.

من أهم الحوادث النووية الخطرة التي أثرت في البيئة البحرية سقوط محرك نووي يحتوي 110 كغ من اليورانيوم المشع (235)  المخصَّب في المحيط الأطلسي عام 1983، وحادثة تشرنوبل عام 1986، التي خلّفت زيادة بنحو 100% من السيزيوم في الطبقة السطحية من مياه البحر الأسود بعد شهر من الحادثة، ووصلت آثاره حتى مناطق من البحر المتوسط. وتعد حادثة فوكوشيما عام 2011 في اليابان الأكبر والأخطر (27000 تيرا بيكريل من السيزيوم 137 بين آذار/مارس وتموز/يوليو 2011، إضافة إلى كمية من الزينون xenon واليود 131 والسيزيوم 134). وفي 27 آذار كانت كمية الإشعاع على عمق 300 م في عرض المحيط الهادئ أكثر بـ 1850 مرة من المستوى المسموح به. وفي عام 2013 وجد 74000 بيكريل/كغ في الأسماك، أي أكثر بـ 7500 مرة من الحد المسوح به في اليابان. ويتوقع أن تستمر تأثيرات ذلك الحادث عدة سنوات ولمسافات متزايدة، إذ وصلت آثاره إلى الشواطئ الغربية لأمريكا الشمالية بداية عام 2014. كانت نتيجة ذلك الحادث آلاف الضحايا، إضافة إلى التأثير الكبير في الثروة السمكية في المنطقة الملوثة، حيث تجاوزت مستويات السيزيوم المشع حد الأمان في 18 من أصل 94 نوعاً من الأسماك والرخويات المصطادة من شاطئ فوكوشيما؛ مما يدل على اختلاف تأثر الأنواع الحية بالإشعاع.

3-التلوث البحري بالنفط

حظي التلوث البحري بالنفط باهتمام متزايد في العقود الأخيرة ولا سيما بعد الكوارث الكبيرة التي تعرضت لها البحار نتيجة تسربه إلى مياه البحر بشكل عَرَضي أو بسبب حوادث. ويُقدّر متوسط كميات التلوث البحري بالنفط بنحو 1.6 مليون طن سنوياً، ويُعزى أكثر من 80% من الحوادث إلى تصرفات غير مسؤولة. وإضافة إلى أضراره المباشرة على الكائنات البحرية فإن خطورته تكمن في بعض مركباته السامة والمسرطنة، والتي تبقى في البيئة مدة طويلة من دون تحلل. ويصعب التحكم بمنع انتشار النفط والسيطرة عليه، لكونه خطراً عائماً تتحكم فيه الرياح والتيارات وتنقله إلى مناطق واسعة. وقد أدّت الزيادة المستمرة في الأنشطة البشرية إلى ظهور كميات متزايدة من الملوثات النفطية في البحار، خاصة أن معظم المصانع والمصافي تُقام متاخمة للشواطئ أو قريباً منها، وهذا يهدد وينذر بمشاكل بيئية خطرة تؤثر في التوازن البيئي في البحر واليابسة على حدٍّ سواء. 

يمكن إجمال أســباب التـلوّث البـحري  بالنفط بما يلي:

 - الحوادث التي تحدث في أثناء عمليات الحفر والتنقيب.

 - تسرب النفط إلى البحر في أثناء عمليات التحميل والتفريغ في الموانئ.

 - اشتعال النيران والحرائق بناقلات النفط البحرية.

 - تسرب النفط الخام بسبب حوادث التأكل.

 - الحوادث البحرية، وأهمها ارتطام الناقلات بالشعاب المرجانيةأو بعضها ببعض، وتتسبب بتسرب  مليوني طن سنوياً من النفط الخام إلى مياه البحار.

  - النقل البحري حيث تمخر البحر أكثر من 90000 سفينة ومركب، وتسبب تلوث الماء والهواء، وتستهلك 217 مليون طن من الفيول الثقيل الذي يسهم في تشكّل الأمطار الحمضية التي لها آثار خطرة على البر والبحر.

مصير النفط في البحر:

 تخضع الهدروكربونات عند وصولها إلى المياة البحرية لمجموعة تحولات كيميائية وحيوية تتوزع وفقاً لخصائصها الفيزيائية والكميائية، وتتوزع إلى ثلاثة أطوار:

1-  طور التبخر، ويضم الجزيئات ذات الوزن الجزيئي المنخفض ودرجات غليان منخفضة.

2-   طور الانحلال، ويضم جزيئات متوسطة الوزن الجزيئي وذات قطبية عالية نسبياً.

3-  طور الجزيئات الكبيرة غير المنحلة الذي يشكل طبقة زيتية غير منحلة.

 تؤدي تلك التحولات بما تحتوي عليه من أكسدة بيولوجية وكيميائية وامتزاز على سطوح الجزيئات العضوية وغير العضوية وترسيب وتبخر إلى تغيير في محتوى المياه من الهدروكربونات تبعاً للشروط المناخية والخصائص الهدرولوجية والحيوية للمياه.

 تأثــير تدفق النفط في مياه البحر:

أ‌-  يحتوي زيت النفط على العديد من المواد العضوية التي يعد الكثير منها ساماً، ومن أخطرها الفينولات phenols ومركبات الفينيل متعدد الكلور PCP .

ب‌-  يطفو النفط على سطح ماء البحر مكوناً طبقة رقيقة عازلة، ويغطي اللتر الواحد من النفط المتسرّب مساحة تزيد على 2400م2 من المياه السطحية فيمتنع التبادل الغازي بين الهواء والماء، ويمتنع انحلال أكسجين الجو في مياه البحر (الشكل 4).

 

الشكل (4) صورة لانتشار التلوث النفطي في البحار.

 

ج‌-  يمنع النفط وصول الضوء إلى الطحالب معوقاً عملية التركيب الضوئي التي تعد المصدر الرئيسي للأكسجين والتنقية الذاتية للماء؛ مما يؤدي إلى موت كثير من الكائنات البحرية واختلال في السلسلة الغذائية البحرية .

د‌- يحدث زيادة في قابلية أجسام الأحياء البحرية لتراكم السموم فيها، مثل المبيدات، فعندما تدخل المركبات النفطية أجسامها وتتراكم فيها تكوّن وسطاً جيداً لامتصاص المبيدات وإبقائها، وتكون النتيجة موتها، أو تكون وسطاً جيداً لنقل تلك السموم إلى الإنسان إذا كانت جزءاً من غذائه.

ه‌- يتسبب النفط المتسرب في تلويث الشواطئ نتيجة انتقاله إلى مسافات بعيدة بفعل التيارات البحرية، كما تتجمع بعض أجزائه على شكل كرات صغيرة سوداء (القار) فتعوق حركة الزوارق وعمليات الصيد، وتضر بالحياة القاعية وتُفسد جمال الشواطئ الرملية، وتتلف الشعاب المرجانية مؤثرة في السياحة في تلك المناطق.

و‌- يسمم النفط الأسماك والطيور، ويؤدي التصاقه بالأحياء كالطيور والأحياء القاعية إلى هلاكها. وقد توجد تأثيرات للهدروكربونات المشبعة في الأحياء الصغيرة لأنها تُحطم خلاياها، ومن ثم تموت في أطوارها الأولى.

ز- يحدّ  التلوث  البحريمن التنوع الحيوي للكائنات البحرية.

ح‌- للهدركربونات تأثيرات بعيدة المدى تتلخص بتشويش الإشارات الكيميائية التي تساعد الأحياء البحرية على التفتيش عن غذائها وفرائسها.

أهم حوادث التلوث البحري بالنفط:

يحصل عدد كبير من حوادث تسرب النفط سنوياً، ولكن زيادة الوعي البيئي والقوانين الصارمة التي وضعتها بعض الدول قللت عدد تلك الحوادث تدريجياً. فقد حدث 126 تسرباً نفطياً في عام 1975، سبعة منها تزيد على سبعة أطنان، وانخفض هذا العدد إلى 23 تسرباً نفطياً  في عام 1995. ومن أهم الحوادث النفطية ما حدث للناقلة "توري كانيون" عام 1967 جنوب غربي الساحل الإنكليزي حيث تسرب منها 9000 طن، مما أدى إلى موت ملايين الأسماك وآلاف الطيور. ومنها أيضاً انفجار بئر نفطية عام 1969 في سانتا بربارا (الولايات المتحدة الأمريكية) وتسرب منها 50000 برميل، وانتشر نفطها على مساحة 25 ميلاً مربعاً. وكذلك حادثة الناقلة  إكسون فالديز عام 1989 التي أدت إلى تسرب 22000 طن وخسائر هائلة في مزارع الأسماك والسياحة والحياة البرية، وموت ملايين الطيور والأسماك. وهناك أيضاً حادث ناقلة النفط ليمبورغ الفرنسية عام 2002 عند السواحل اليمنية مع تسرب 35000 طن من النفط.

حماية البيئة البحرية من التلوث البحري

استدعى تسرب كميات هائلة من النفط إلى البحار إلى عقد مؤتمرات دولية لمناقشة الكوارث النفطية، أسفرت عن المعاهدة الدولية لمنع التلوث من السفن عام 1973 التي تبناها مؤتمر المنظمة البحرية الدولية IMO  عام 1973، وجرى تعديلها عام 1978 في المؤتمر الدولي لسلامة الناقلات ومنع التلوث من السفن. وقد أقرّت المنظمة المعاهدة لتصبح على صورتها الحالية باسمالمعاهدة الدولية لمنع التلوث من السفن 1973 تحت  الرمز MARine POLlution (MARPOL 73/78) ، مع ملحقاتها التي تتعلق بما يلي:

- منع التلوث النفطي.

- منع التلوث بالمواد السامة السائلة.

- منع التلوث بالمواد الضارة المعبأة المحمولة بحراً.

- منع التلوث بالصرف الصحي ومخلفات السفن، ومنع تلوث الهواء من السفن.

ألزم اتفاق الأمم المتحدة المتعلق بقانون البحار الحكومات أخذ الاحتياطات لتوقع التلوث البحري من المصادر البرية وتخفيضه. وفي عام 1995 تعهدت 109 دول والمجلس الأوربي بحماية البيئة البحرية ضد الآثار البيئية السلبية للأنشطة البرية، وذلك باعتماد البرنامج العالمي للعمل على حماية الوسط البحري ضد الأنشطة البرية.

- خطة مكافحة التلوث على السفن التي دخلت فى حيز التنفيذ عام 1995 .

- اعتمدت المنظمة البحرية الدولية (IMO)  International Maritime Organization  عام 2008 مفتاحاً جديداً للحوادث البحرية .

 منع التلوث النفطي:

هناك العديد من الطرائق والأجهزة التي تساعد على منع تسرب النفط في أثناء عمليات التنقيب والنقل عبر البحر من موانئ الإنتاج نحو أسواق التخزين والاستهلاك،إذ إن معظم ناقلات النفط الحالية مبطّنة لتقليل احتمال تسرب النفط منها عند اصطدامها بالصخور. كما تحتفظ السفن بزيوت صيانتها كي لا ترمى في المحيط. ويتم التحكم في التلوث البحري ولا سيما النفطي من خلال:

 - تدوير الموادالتي تسبب تلوث البحار وإعادة استخدامها.

 - استخدام المكافحة الحيوية كالبكتريا في تفكيك  الملوثات النفطية.

 - استخدام الماصات - مثل الإسفنج - التي تمتص البترول في مواقع التلوث به.

 – استخدام المواد المُجمِّدة: وهي مواد كيميائية تتفاعل مع البترول وتحوله إلى مواد صلبة  كالمطاط؛ ويزال البترول المتجمد من الماء بواسطة شِباك أو كاشطات.

 – استخدام الحواجز الطافية لحجز البترول ومنع انتشاره وخاصة في المياه الهادئة (الشكل5).

 

أ‌-     جهاز كاشط للزيت السطحي، ب - فاصل زيت من نوع الأقراص الدوّارة (مُكنسة زيتية)، ج - حاجز مطاطي عائم يُستخدم لاحتواء البقع النفطية

الشكل (5) الوسائل المستخدمة في مكافحة التلوث النفطي.

 – استخدام المشتتات، وهي مواد كيميائة هلامية  تعمل على تكسير النفط وتشتيته إلى قطرات، وهي من أكثر الطرائق فاعلية في منع وصول التلوث النفطي إلى السواحل.

4-   التلوث العضوي والجرثومي

 تعد مخلفات الصرف الصحي وما تحمله من مواد عضوية وأملاح مختلفة المصدر الرئيس لهذا النوع من التلوث، وهو يحدث عن طريق:

1-   الصرف المباشر لمياه الصرف من دون أي معالجة، أو إسالته من محطات معالجة الصرف الصحي بإلقاء الفائض عن قدراتها الاستيعابية إلى البحر من دون معالجة.

2-  تصريف مياه الصرف المعالجة جزئياً (معالجة أولية).وينجم عن تفكك مخلفاته أملاح عديدة، أهمها أملاح الآزوت والفسفور، التي تسبب زيادة تركيزها في المياه ظاهرة الإثراء الغذائي eutrophication المسببة لتكاثر مفرط لأنواع من الطحالب البحرية الوحيدة الخلية، مما يؤدي إلى حدوث ظاهرة المد الأحمر red tide، وما ينجم عنها من إخلال في التوازن البيئي، وانخفاض تركيز الأكسجين المنحل في المياه، ونفوق كبير للأسماك والحيوانات البحرية والكائنات القاعية. وغالباً ما تكون تلك الأنواع من الطحالب سامة وتنتمي أساساً إلى العوالق النباتية من  ثنائيات السوط. كما تنتشر عند مناطق تصريف الصرف الصحي في البحر روائح كريهة نتيجة لنمو بكتريا لاهوائية وانبعاث غازات الميتان والكبريت، ويحدث تسمم للرخويات المستزرعة في تلك المناطق، وهذا يؤدي إلى انتقال السموم إلى الإنسان. كما أن للمنظفات   detergents  التي تتكون من مواد كيميائية مختلفة تأثيرات مختلفة في البيئة البحرية، وهي سامة عند تجاوز تركيزها في مياه البحر 0.1 مغ /ل بسبب خفض قوة التوتر السطحي ونقل المواد السامة إلى الكائنات البحرية، ولكن بعضاً منها كبلح البحر يبدي مقاومة كبيرة تصل حتى100مغ/ل. كما أن تلك المنظفات تحتوي غالباً على ثلاثي متعدد فسفات الصوديوم، مما يجعلها تسهم في ظاهرة الإثراء الغذائي.

5-التلوث بالمواد والمخلفات الصلبة

 وتتمثّل بما يلي:

أ‌- الردم الساحلي الذي قد يقضي على النظام البيئي البحري في المنطقة المردومة.

ب‌- المخلفات الشخصية والنفايات الملقاة من قبل بعض السكان المحليين.

ج‌- رمي معدات الصيد.

د‌-  مخلفات المشاريع التنموية على الساحل التي تقام من دون تقييم آثارها البيئيةوما قد يصاحبها من أضرار.

ج‌-  المخلفات اللدائنية (البوليمرية) التي تبلغ 8% من النفايات الصلبة البحرية، وتقدّر بملايين الأطنان (الشكل 6)، وهي من أخطر النفايات البحرية لكونها صعبة التفكك، إضافة إلى إمكان التهامها من قبل الكائنات البحرية مثل الدلافين والأسماك والسلاحف، مما يتسبب في انسداد أمعائها ونفوقها، وقد وجد أن جزيئات اللدائن تراكمت في العوالق الحيوانية بسبعة أضعاف تركيزها في الماء، ووجدت نسبة عالية منها في أمعاء الطيور البحرية، ويمكن من تلك البقايا التعرف على بعض الملوثات المقاومة مثل المبيدات والمواد المشعة والمعادن الثقيلة والهدروكربونات.

 

الشكل (6) صورة تعبيرية عن تلوث البحر بالبلاستيك.

6- التلوث الحراري

 وينجم أساساً عن مياه تبريد المحركات والمولِّدات في محطات التحلية والمشاريع الصناعية الشاطئية التي تستجر مياه البحر لتبريد محركاتها، وقد يصل الفارق بين حرارة المياه الخارجة من المنشآت والمياه المحيطة إلى أكثر من سبع درجات سلسيوس، فيسبب ذلك أضراراً  بالكائنات التي لا تتحمل تغيرات كبيرة في درجة الحرارة ولا سيما القاعية منها، وقد يؤدي إلى هلاكها، ومن ثم تخريب النظام البيئي في المنطقة. ويمكن تلافي الأضرار الناجمة عن هذا النوع من التلوث بعمل مناطق الخلط المناسبةحيث يتم تخفيض درجة حرارة المياه تدريجياً قبل إطلاقها مباشرة إلى البحر.

7-  الأنواع الغازية أو الدخيلة

يسمي بعض الباحثين دخول تلك الأنواع بالتلوث الوراثي؛ لأنه قد يقضي على الأنواع المحلية بما تحمله من مورثات لمصلحة الأنواع الدخيلة.وقد بدأت تلك الأنواع تسبب مشكلة بيئية كبيرة منذ العقدين الأخيرين. وكان الأساس في انتقال تلك الأنواع من أماكنها إلى أماكن جديدة هو هجرتها بعد فتح القنوات بين البحار كقناة السويس وقناة بنما وغيرهما، فبدأت بالتأقلم تدريجياً مع الموطن الجديد وأصبحت تنافس الأنواع المحلية ذات الإرث الوراثي الطويل. كما أن هناك طرقاً أخرى لانتقالها مثل مياه الصابورة -في سفن النقل- التي تحتوي على العوالق البحرية متمثلة بيرقات الكائنات القاعية وبيوض الأسماك ويرقاتها وغيرها، وكانت السبب في انتقال أنواع ضارة في كثير من الأحيان كقناديل البحر مثل النوع  Mnemiopsis leidyi  الذي أثّر كثيراً في الصيد البحري في البحر الأسود، بسبب انخفاض إنتاج سمك الأنشوفة فيه من 204000 طن عام 1984 إلى 200 طن فقط  عام 1993. وتقدر خسارة الولايات المتحدة من الأنواع الغازية بنحو 140 مليار دولار سنوياً. والطريقة الثالثة لدخول الكائنات الغازية هي الاستزراع البحري والمتاحف البحرية التي قد تعتمد على أجناس غريبة كجنس Caulerpa من الطحالب الخضراء الذي خرجت أبواغه من متحف موناكو للأحياء البحرية وامتد توزعه ليصل إلى الجزء الشرقي من البحر المتوسط (قبرص)، فأدى إلى اختفاء أنواع عديدة من الطحالب.

8-   التلوث الضوضائي

يمكن للحياة البحرية أن تتأثر بالتلوث الضوضائي نتيجة حركة السفن واستكشاف النفط واستخراجه ومراقبة الزلازل. وتتأثر الحيوانات البحرية مثل الثدييات البحرية بذلك التلوث من طريق الإخلال في التواصل فيما بينها، وفي تحديد طبيعة الأصوات الصادرة عن تلك الثدييات، وكذلك في الحصول على الفرائس. وقد زاد ذلك التلوث في البحار أكثر من 10 (ديسبل) بين 1950 و1975، وما زالت وتيرة الزيادة مستمرة، وأدى ذلك إلى زيادة نفوق مئات الحيتان والثدييات البحرية سنوياً نتيجة فقدان بوصلتها وارتمائها على الشواطئ.

تحمّض البحار

 ثمة تأثير غير مباشر ومهم جداً للتغير المناخي وزيادة مستويات  CO2 يتمثّل بزيادة مستوى حموضة ماء البحر، مما يؤثر في توزع الكائنات البحرية ونموها، ومن ثم في استدامة الصيد البحري.

 

مراجع للاستزادة:

-       C. L. J. Frid, B. A. Caswell, Marine Pollution,  OUP Oxford 2017.

-       J. S. Weis, ‎ Marine Pollution: What Everyone Needs to Know, Oxford University Press 2024.

 


- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1