التلوث النفطي (معالجة-)
تلوث نفطي (معالجه)
Oil pollution treatment -
التلوث البحري
محمد منصور بكر
مصير النفط المنسكب في البيئة البحرية
أضرار التلوث بالنفط في البيئة البحرية
رصد نواتج التلوث النفطي في البيئة البحرية
مكافحة التلوث بالنفط في البيئة البحرية
الطرائق الحيوية للتخلص من التلوث النفطي
يرتبط التلوث النفطي Oil pollution ارتباطاً وثيقاً بالبيئة المائية بسبب أن تلك البيئة تشكل الموطن الأساسي -إن جاز التعبير- لهذا التلوث. ويُعدّ التسرب النفطي بمنزلة مسامير في نعش البيئة بسبب خطورة مشتقاته وسُميتها نتيجة لانبعاث الغازات عند تبخر جزيئات النفط المنسكب أو تحللّها، وكذلك لاحتواء النفط وخصوصاً الخام منه على غازات سامّة أخرى مثل كبريتيد الهدروجين وغيره. ويتميز التلوث النفطي بانتشاره السريع، فقد يصل إلى مسافة تبعد 700 كم عن منطقة تسربه. ويصدر هذا التلوث على نحو أساسي عن حوادث ناقلات النفط، وعن المصافي النفطية، كما أن الاستثمار في عرض البحر سواء في مرحلة التنقيب أم الإنتاج يُعد مصدراً إضافياً لذلك التلوث عن طريق التسرب، حيث تقدر كمية التسرب من البئر النظيفة بنحو 5 بالألف من كمية الإنتاج. كما يتسرب النفط أيضاً في أثناء تحميل الناقلات وتفريغها؛ إضافة إلى ما يسمى بمياه الصابورة (التوازن) التي ترميها السفن في مياه البحر. وتُقدَّر كمية النفط المتسربة سنوياً إلى البحار والمحيطات بنحو 10 ملايين طن. والأخطر في التلوث النفطي هو تلوُّث مياه الشرب بسبب عجز محطات التصفية عن معالجة المشتقات النفطية التي تصل إلى الأنهار، حيث تعجز مرشحات التصفية عن معالجة البقع الزيتية واستخلاصها من تلك المياه. إن الأسلوب الأمثل لمعالجة التلوث النفطي للبيئة البحرية يختلف من منطقة إلى أخرى ومن زمن إلى آخر، ويعتمد على عوامل كثيرة ومتداخلة. ويمكن في بعض الحالات الاستعانة بأكثر من طريقة أو أسلوب لمكافحة التلوث النفطي. وهناك طرائق كثيرة لمعالجة التسريبات والبقع النفطية والتي تقوم على تركها على حالها إذا حصلت في عرض البحر أو احتوائها أو إزالتها أو تشتيتها أو حرقها في حالة وجودها في المنطقة الشاطئية الغنية بالكائنات الحية وبالإنتاج البحري.
مصير النفط المنسكب في البيئة البحرية
يعتمد مصير بقعة النفط في البيئة البحرية على عوامل عديدة، أهمها الخصائص الفيزيائية والكيميائية للنفط المنسكب، والأحوال الجومائية السائدة (حالة البحر وأشعة الشمس ودرجة حرارة الهواء وخواص مياه البحر مثل الكثافة والتيارات والرسوبيات العالقة والحرارة).
ويمكن حصر العمليات الرئيسة التي تحكم مصير النفط المنسكب في البيئة البحرية وفق الآتي:
- الانتشار السطحي وتكوّن بقعة الزيت: يبدأ الانتشار بعد انسكاب النفط مباشرة في البيئة البحرية، ويجري الانتشار بفعل الجاذبية الأرضية والتوتر السطحي، فيزداد السطح، وتقل السماكة من 0.5 سم بعد ساعة إلى بضع مكرومترات بعد 3 ساعات. ويتوقف معدل الانتشار على قوة اندفاع النفط عند الانسكاب وسمك البقعة المتكونة، ونوع النفط المنسكب وخواصه وتركيبه الكيميائي، وحالة البحر، والأحوال الجوية السائدة؛ ومساحة سطح البحر الخالية من التلوث.
- الانجراف: تنجرف بقعة الزيت من المكان الذي تكونت فيه بتأثير الرياح والتيارات إلى أماكن أبعد، وتعتمد سرعة الانجراف على سمك بقعة النفط وعلى سرعتي الرياح والتيارات.
- التبخر: وهي أهم عملية لإزالة النفط من سطح البحر، وتزداد معدلات التبخر بزيادة مساحة الانتشار وقلة السماكة، حيث تتطاير المشتقات النفطية الخفيفة، وتختفي خلال بضعة أيام. يتوقف معدل البخر على كمية النفط المنسكب وتركيبه، وضغط بخار المركّبات الهدروكربونية، وسرعة الرياح، ودرجة حرارة كل من الماء والهواء وقوة الأمواج.
- الذوبان: تُعدّ انحلالية النفط في الماء ضعيفة جدّاً باستثناء بعض المركّبات ذات الأوزان الجزيئية الخفيفة والتي تشكل 0.02% فقط من وزن النفط المنسكب، وتنعدم إذا زاد عدد ذرات الكربون على 10. يتوقف معدل الانحلال أيضاً على: تركيب النفط المنسكب ومدى الانتشار وسرعته وحركة مياه البحر ونسبة التشتت.
- الاستحلاب مع الماء: تخلِط حركةُ المياه السطحية الماءَ السطحي مع بقعة الزيت، وتتكون حبيبات صغيرة جداً من النفط تكون معلقة، وقد تبقى لفترة طويلة، أو تلتصق مع حتات الرسوبيات العالقة، وتغوص في الماء، ويكون مصيرها إما التفكك وإمّا الوصول إلى القاع. إذا كانت كثافة النفط عالية؛ يتشكل مستحلب تزيد نسبة الماء فيه على 80%، ويسمى رغوة الشوكولاته. تتعلق سرعة تكون المستحلبات بـطريقة انسكاب النفط، ونوع النفط وتركيبه، وحالة البحر.
- الأكسدة الذاتية والضوئية: تجري تحت تأثير الأكسجين وأشعة الشمس، وتتوقف على: شدة فترات التشمس وطولها وحالة البحر والكثافة الضوئية للنفط وتركيبه الكيميائي حيث إن وجود عنصر الفاناديوم ينشط الأكسدة، والكبريت يثبطها.
- التحلل الحيوي بواسطة الكائنات الدقيقة: هو الوسيلة الرئيسة للتخلص من التلوث النفطي ذاتياً. ويشترك الكثير من الكائنات الدقيقة في عملية التفكيك.
- الاستهلاك الغذائي بواسطة العوالق البحرية: يمكن أن يصل النفط بصوره المختلفة (ذائب أو مشتت في عمود الماء، مدمص adsorption على أسطح الرسوبيات العالقة، كرات القار الصغيرة) إلى الكائنات البحرية. وتدخل المركّبات النفطية إلى أجسام الكائنات عن طريق الامتصاص من خلال أغشية الخلايا أو عن طريق الغلاصم، ومياه الشرب، والتغذية على كائنات تحتوي على مواد نفطية في أنسجتها. تتوزع الهدروكربونات النفطية عند دخولها إلى جسم الكائن الحي في أنسجته المختلفة وخاصة الكبد والأنسجة الدهنية.
- تكوّن كرات القار: تعرّف كرات القار بأنها كتل شبه صلبة أو صلبة من النفط الذي سبق تعرضه لتجوية weathering شديدة، وقد تكون مختلطة مع رسوبيات أو مخلفات بحرية. وتُلفى في جميع البحار وخاصة في الشواطئ الرملية. وأضرارها في البيئة البحرية هي الرائحة الكريهة والمظهر السيِّئ، وتلوث الشواطئ والأماكن السياحية، وإلحاق الضرر بالكائنات البحرية عامة والقاعية خاصة.
أضرار التلوث بالنفط في البيئة البحرية
1- التأثيرات الفيزيائية والكيميائية للتلوث البحري بالنفط ومشتقاته:
أ- تبادل الغازات بين سطح المياه والهواء الجوي: أثبتت الدراسات أن انتشار النفط على سطح الماء لا يمنع انحلال الأكسجين في المياه المفتوحة، ولكن يمكن أن يخف التبادل كثيراً في المياه المحصورة والراكدة.
ب- التأثيرات الحرارية: قد يؤدي انتشار بقع النفط لا سيما ذات الكثافة الضوئية العالية (أي ذات الألوان الداكنة) إلى امتصاص أشعة الشمس بكفاية أكبر؛ ومن ثمّ رفع درجة حرارة مياه البحر السطحية، وهذا يؤدي إلى خمول واضطراب في سلوك الكائنات البحرية الحساسة للتغيرات الحرارية، وتأثير حاد في الأرصفة المرجانية، وتقليل كمية الغازات المنحلة في المياه السطحية؛ ولا سيّما الأكسجين، وزيادة معدلات التنفس والاستقلاب.
جـ- امتصاص الملوثات وادمصاصها: تعمل بقع النفط الطافية كمذيبات عضوية جيدة تستخلص بعض الملوثات الأخرى كالمبيدات والمعادن الثقيلة من الهواء.
2- العوامل المحددة لتأثيرات التلوث النفطي في الكائنات البحرية: ويمكن إيجازها بكمية النفط التي يتعرض لها الكائن الحي ومدة بقائه في المنطقة الملوثة، ونوع النفط المنسكب وتركيبه الكيميائي، وصورة وجود النفط في البحر (ذائب، مدمص)، ونوع الكائن الذي يتعرض للتلوث وعمره؛ والوقت من العام وعلاقة ذلك مع دورة الحياة، ونوع التأثيرات التي يحدثها التلوث النفطي في الغذاء... وغيرها.
ويمكن تصنيف التأثيرات الرئيسة للنفط على الكائن الحي في تأثير مميت للكائن نتيجة سميّة النفط أو مشتقاته؛ وتأثير تحت مميت واضطراب في الأنشطة الفيزيولوجية والسلوكية للكائن؛ وتغيير الخواص الكيميائية للبيئة التي يعيش فيها الكائن.
ترجع السميّة المميتة لبعض المركّبات النفطية إلى تأثيرها في العمليات الفيزيولوجية الحيوية وتعطيل الأنشطة الخلوية وتمزيق جدران الخلايا في الكائن الحي. وغالباً ما تكون سمية المركّبات النفطية الذائبة أكبر من سمية النفط الخام. وتختلف التراكيز المميتة تبعاً لنوع الكائن، وهي تقع بين 0.1 و1 ppm (جزء بالمليون) عند اليرقات وبين5 و50 ppm عند الأسماك والرخويات ذات المصراعين، وتختلف بين 10 و100جزء ppm عند النباتات البحرية.
ومن أهم الكائنات التي تتأثر بالتلوث النفطي هي الطيور، حيث يموت منها الملايين سنوياً في العالم نتيجة حوادث التلوث. كما يؤثر على نحو أقل نسبياً في الثدييات والأسماك والعوالق والقاعيات وبعض البكتريا البحرية. ويمتد تأثير التلوث النفطي إلى البيئات البحرية المختلفة، حيث يكون تأثيره ضعيفاً في البحر المفتوح، ويعظم ذلك التأثير في مناطق الرصيف القاري والخلجان والشعاب المرجانية والمانغروف Mangrove. وهناك ما يسمى بمعامل قابلية الأنواع المختلفة من الشواطئ للتلوث بالنفط الذي يعتمد على التداخلات بين الشواطئ والعمليات الفيزيائية التي تحكم الترسب، ومدى الهلاك البيولوجي وثباتية النفط في البيئة البحرية.
3- تأثير التلوث بالنفط في الإنسان:
أ- احتمالات الإصابة بمرض السرطان : حيث تتصف بعض المركّبات الهدروكربونية العطرية بقدرتها على الإصابة بالسرطان مثل 3-4 بنزوبيرين، 1-2 بنزوإنثراسين.
ب- فقدان مصادر الغذاء.
جـ- التكاليف الاقتصادية للتلوث بالنفط ومنها تكاليف منع بقع الزيت وتنظيفها، وتكاليف وضع خطط طوارئ، وبرامج التدريب، وشراء الأجهزة، وتوظيف الأفراد، والأبحاث العلمية. وهناك خسائر اقتصادية مباشرة تنتج من تعطيل محطات توليد الطاقة ومصافي النفط ومحطات تحلية المياه والموانئ، ونقص في مصائد الأسماك، والسياحة.
رصد نواتج التلوث النفطي في البيئة البحرية
ويكون بـ:
أ- تقدير كميات القار الجانحة إلى الشواطئ الرملية: كرات القار أقل كثافة من الماء؛ لذلك تطفو على السطح فتجرفها الرياح والأمواج؛ لتتراكم على الشاطئ، ويؤدّي المد والجزر دوراً كبيراً في إعادة توزيعها. ويعتمد معدل تراكمها على الشواطئ الرملية على مستوى التلوث، والظروف الجومائية والبيئية السائدة، ودرجة انحدار الشاطئ.
ب - تقدير كميات القار الطافية على سطح ماء البحر باستخدام شبكة من نمط نيوستن (تشبه شبكة العوالق البحرية). يجري تسجيل الموقع والمساحة وكمية المياه التي جمعت منها، وتسجيل العينات وتوثيقها. ويمكن تعيين وزن القار في الشبكة بطريقة مباشرة أو بعد إضافة مذيب عضوي مثل رابع كلوريد الكربون.
جـ- رصد بقع الزيت الطافية على سطح المياه: تستخدم السفن والطائرات أو طريقة الاستشعار من بعد لرصد بقع الزيت الطافية. وثمة طرق مختلفة لهذا الرصد منها: العين المجردة، والتصوير الجوي بواسطة الطائرات، واستخدام مقياس كثافة الطاقة الإشعاعية للموجات القصيرة، وبعض أنظمة التلفاز. وتشتمل التقارير لهذا الغرض على تحديد المناطق الملوثة، وتقدير شدة التلوث، ووصف حركة البقع وتغيراتها الوقتية، إضافة إلى العوامل الجوية والظروف البيئية.
د- تعيين تركيز الهدروكربونات النفطية الذائبة والمنتشرة في مياه البحر: تعتمد الطريقة القياسية (IOC،1976) على التشابه الكبير بين أطياف تفلور المركّبات العضوية غير القطبية المستخلصة من مياه البحر والأطياف الخاصة بالنفط (تمتاز الأخيرة بأقصى إثارة عند طول الموجة 310 نانومتر وأقصى انبعاث 360 نانومتر).
هـ- تعيين تركيز الهدروكربونات النفطية الذائبة والمنتشرة في رواسب القاع: يشتملالعمل على جمع العينات، واستخلاص المركّبات النفطية من الرواسب (إما بالهضم مع هدروكسيد البوتاسيوم الكحولي وإمّا بالاستخلاص بمذيب عضوي مثل الهكسان أو غيره)، وتعيين المستخلص العضوي الكلي، وعملية التنقية، وعملية فصل المستخلص إلى مجموعات هدروكربونية (في البداية يجب فصل المركبات النفطية المشبعة عن غير المشبعة بواسطة الفصل بالاستشراب اللوني). يجري قياس المركّبات النفطية بعد عملية الفصل بعدة طرائق، منها الطريقة الوزنية، والفصل بالاستشراب اللوني السائل ثم الوزن، وقياس طيف الأشعة تحت الحمراء، وقياس الأشعة فوق البنفسجية، وقياس التفلور باستخدام الأشعة فوق البنفسجية، والفصل بالاستشراب اللوني الغازي، وطريقة الفصل بالاستشراب اللوني الغازي/السائل باستخدام الأعمدة الشعرية.
مكافحة التلوث بالنفط في البيئة البحرية
يعتمد القرار بوجوب المكافحة على ما يلي: تأثير النفط في الشواطئ، وفي المنشآت الاقتصادية، ومدى المد والجزر والأحوال الجومائية السائدة، ونوع الشاطئ، وكمية النفط ونوعها، والوقت من العام، وتوفر الأشخاص المدربين، وتأثيرات عمليات التنظيف في البيئة، وإمكان التخلص من الملوثات المجموعة، والتكاليف المتوقعة. ويستخدم لهذه الغاية وسائل يدوية، وميكانيكية، ومواد ماصة، ومشتتات. وهناك عدة عوامل تؤثر في تكاليف مكافحة النفط في البيئة البحرية؛ وهي طبيعة التسرب النفطي، ووسائل المكافحة المستخدمة، والأضرار البيئية الناتجة. ولإجراء عملية المكافحة لا بد من القيام بالخطوات التالية:
1 - تقييم حوادث الانسكاب النفطي والطرائق المختلفة لمواجهتها: تجري عن طريق:
أ- تعرّف تفاصيل حوادث الانسكاب وتحديد مصادر النفط المنسكب.
ب- تقليل انسكاب النفط إلى البيئة البحرية أو منعه؛ وذلك عن طريق تطوير الملاحة وتطبيق التكنولوجيا الحديثة في بناء الناقلات ووسائل النقل، إضافة إلى رفع كفاية العاملين. والمبادرة السريعة إلى إنقاذ الناقلات التي تتعرض للحوادث بهدف الحد من كمية النفط المتسربة منها، وأهم ما يجب عمله هو وقف تسرب النفط، وهذا يحتاج إلى متخصصين ومعدات متخصصة.
جـ- المتابعة الجوية لحوادث التسرب النفطي: تُعدّ المعلومات المتعلقة بحركة النفط المنسكب للبيئة البحرية مهمّة جدّاً عند تحديد أنسب الطرائق لمواجهة التسرب، ويكون الحصول على المعلومات من المشاهدة والتصوير والنماذج الرياضية وتقنية الاستشعار من بعد. والهدف من المتابعة الجوية هو تحديد موقع النفط المنسكب وحجمه وكميته، وتتبع مسار حركة بقعة الزيت والتغيرات التي تطرأ على مظهرها ولونها، والتنبؤ بالمناطق البحرية التي ستتعرض للخطر، ومتابعة عمليات مكافحة بقعة الزيت وتقييمها.
د- تقييم أضرار بقعة النفط في البيئة البحرية: هناك عدة عوامل يجب أخذها في الحسبان حين تقييم مخاطر بقعة الزيت، منها حجم النفط المنسكب وخصائصه الفيزيائية الكيميائية، والظروف البيئية والبحرية السائدة، ومكان وقوع الحادث بالنسبة إلى مصادر الثروة البحرية، ومسار بقعة الزيت وحركتها، والقيمة الاقتصادية للمناطق المعرضة للخطر (مصائد، أماكن وجود الطيور، محميات، ملاحات ومرجانيات، محطات توليد طاقة، محطات تحلية، أماكن سياحية، موانئ).
ه- الاختيارات المختلفة للتعامل مع حوادث الانسكاب النفطي: في أبسط الحالات لا يتخذ أي إجراء سوى رصد حركة بقعة النفط ومتابعتها، وذلك في حال اتجاهها نحو البحر المفتوح وبعدها عن مصادر الثروة، أو محاصرة النفط المنسكب وجمعه، وهذا هو الاختيار الأنسب لكونه ينظف البيئة وله فائدة اقتصادية متمثلة في قيمة النفط المجموع، أو استخدام المشتتات الكيميائية لتشتيت بقع النفط و تنظيف الشواطئ.
2- محاصرة النفط المنسكب في مياه البحر وتطويقه، ويكونبـ:
أ- استخدام الحواجز الطافية: تستخدم الحواجز الرأسية الطافية في حالات الانسكاب النفطي للحد من انتشار النفط المنسكب وتجميع النفط الطافي ومنعه من الوصول إلى الأماكن الحساسة. ويجب أن تتوفر في الحواجز الأفقية الطافية سهولة السيطرة عليها ونقلها وتخزينها، وهي غالباً تكون متوفرة على أسطح الناقلات، وتصنع من مواد خفيفة لها مقاومة عالية للظروف البيئية والجوية، ويجب رميها مباشرة بعد الانسكاب.
ب- استخدام الحواجز الرأسية الطافية: وهذه يمكن تقسيمها أربعة أنواع :
1- كتل طافية.
2- أنابيب أو وسائد تملأ بالهواء (الشكل 1).
![]() |
الشكل (1) أنماط مختلفة من الحواجز الطافية. |
3- حواجز سياجية أو ستائرية.
4- حواجز هوائية تتكون من فقاعات هواء.
وهناك أنواع أخرى ضيقة الاستعمال مثل: حواجز تتكون من شباك لمنع انتشار النفط اللزج، وحواجز مزودة بخراطيم لشفط النفط المنسكب، واستخدام بعض المواد الكيميائية ذات التوتر السطحي النشط؛ وهي تنتشر بسرعة وتحدث تأثيرات مضادة لانتشار النفط، ولكن يجب أن تكون تلك المواد غير منحلة في الماء وقليلة السميّة، واستخدام حواجز من الحصى أمام مآخذ محطات التحلية، وحواجز تصنع من مواد متوفرة محلياً (براميل، أكياس قش وتبن وغيرها).
تعتمد قدرة الحاجز الرأسي في محاصرة النفط على الشكل الهندسي للحاجز وحجمه ومرونته وقدرته على تحمل الأمواج. ولحساب القوة التي يؤثر بها تيار المياه السطحية في الجزء المنغمر من الحاجز الرأسي يمكن تطبيق المعادلة الآتية International Maritime Organization IMO)، 1988):
القوة 26× مساحة سطح الحاجز المنغمر تحت سطح الماء × سرعة تيار المياه.
ويمكن كذلك تقدير القوة التي تؤثر بها الرياح في الجزء المعرض للهواء من الحاجز الرأسي من المعادلة:
القوة 26× مساحة الجزء المعرض للهواء × ( سرعة الرياح/40).
جـ– كنس البقع النفطية بواسطة الحواجز الرأسية: تجري هذه العملية باستخدام وحدة بحرية واحدة أو وحدتين أو ثلاث وحدات:
- كنس النفط بوساطة وحدة بحرية واحدة: تزود الوحدة البحرية بذراع جانبيّة طويلة أو بذراعين من كل جانب واحد، وتعمل هذه الأذرع بمنزلة حواجز رأسية، ويتجمع النفط في جيب خاص بالحاجز الرأسي، ثم يشفط بواسطة مضخات.
- كنس بوساطة وحدتين بحريتين: يتكون من وحدتين بحريتين وحواجز رأسية من نوع خاص وكاشطة.
- كنس النفط الطافي بوساطة ثلاث وحدات بحرية: وفيها يجب مراعاة ارتفاع الموج واتجاه الرياح وكمية النفط المنتشر وسعة التخزين.
3– طرق جمع النفط المنتشر على سطح مياه البحر بعد تطويقه:
أ - استخدام الكاشطات oil skimmers: هناك نوعان رئيسيان، هما:
- كاشطات تعتمد في عملها على عملية شفط النفط، وتعتمد كفايتها على لزوجة النفط المنتشر وسمك بقعة النفط وحالة البحر (الشكل 2).
الشكل (2) أنماط متنوعة من الكاشطات المستخدمة لكشط النفط من الماء الملوث به.
· استخدام مواد محبة للزيوت: تستعمل المواد التي يمكنها الالتصاق بالنفط بهدف تجميعه (أقراص معدنية وأسطوانة دوارة وحزام دوار وحبال وألياف وفرشاة).
ب- استخدام المواد التي لها قابلية امتصاص النفط من ماء البحر: تتلخص برش البقع النفطية بمواد لها قابلية امتصاص النفط أو امتزازه حيث يجري جمع هذه المواد مع النفط الممتص وعصرها وتجفيفها أو حرقها، ويمكن أن تكون المواد غير عضوية (صوف زجاجي ومعدني وصخري) أو عضوية طبيعية (تبن، أعشاب بحرية، نشارة الخشب، ألياف النخيل وغيرها)، أو مواد عضوية تخليقية تحول النفط المنسكب إلى مادة هلامية لتقليل الانتشار وتسهيل عملية الجمع (الشكل 3).
![]() |
الشكل (3) استخدام مواد ماصة لجمع النفط المنسكب في البحر. |
الطرائق الحيوية للتخلص من التلوث النفطي
تعتمد طريقة المعالجة الحيوية على استخدام أنواع من الأحياء وخاصة البكتريا التي تمتلك القدرة على تفكيك الكثير من الملوثات والمركّبات النفطية إلى جزيئات أقل وزناً وتركيباً وخطورة، والتي تعتمد عليها بوصفها مصدراً للطاقة. وهناك العديد من العوامل التي تؤثر في البكتريا المهاجمة للمركّبات النفطية، من أهمها: سرعة الرياح والظروف الجوية، وحركة الأمواج والتيارات البحرية، ومصدر المركّب النفطي وبنيته، والأملاح المغذية، ومساحة السطح المعرض للتلوث. تفكِّك البكتريا الألكانات النظامية بسهولة أكبر بالمقارنة مع الفحوم الهدروجينية الأخرى، وترتب الفحوم الهدروجينية بحسب سهولة تفككها إلى: فحوم هدروجينية عطرية، وفحوم هدروجينية حلقية، وألكانات متفرعة، وألكانات نظامية.
تستطيع البكتريا المؤكسدة للمواد الهدروكربونية أن تهاجم قطرات الزيت في البقع النفطية، وتقوم بتحليل الغشاء الفاصل بين قطرات الزيت والماء، ولذلك فإنه كلما ازداد تحول المواد النفطية إلى قطرات دقيقة جدّا ًفي مياه البحر ازداد السطح المعرض لعملية التحلل الحيوي. أما الكرات القطرانية أو كرات القار فإنه من الصعب تحللها حيوياً.ويُعدّ الأكسجين عاملاً أساسيا ًفي عملية التحلل الحيوي، ولعل هذا ما يفسر عدم تحلل كرات القار في حال غيابه. ولكن للتحلل الحيوي مساوئ أيضاً، ومنها بطء فاعليته في حالة الكوارث النفطية الكبيرة، كما أن له آثاراً جانبية ضارة تتمثل في استهلاك كميات كبيرة من الأكسجين؛ وهذا يؤدي إلى اختناق الأحياء الموجودة تحت البقع النفطية.
السؤال الذي يطرح: لماذا لا تنجح البكتريا الموجودة في الطبيعة في تحليل طبقات النفط بسرعة كافية؟ المشكلة أنه تُلفى في الطبيعة بكتريا محللة للنفط؛ ولكنها تحتاج إلى عناصر كثيرة مثل المغنيزيوم والفسفور والآزوت (النتروجين). يُلفى المغنيزيوم في مياه البحر بكميات كافية، بيد أنّ الفسفور والآزوت يكونان بكميات محدودة. وقد اقترح الباحثون حلاً لهذا النقص بتطوير "سماد" يحتوي على مركّبات العنصرين؛ يلتصق هذا السماد بطبقة النفط الطافية على سطح الماء؛ ممّا يوفر للبكتريا المحللة العنصرين اللازمين لها. وقد وُجد أنّ بعض أنواع البكتريا المحللة للنفط لها القدرة على إنتاج مواد شبيهة بمواد التنظيف وإفرازها إلى البيئة، حيث تقوم هذه المواد ببعثرة زيت النفط على شكل قطرات صغيرة وكثيرة تنتشر في طبقة الماء، وتكوّن مستحلباً. هذه الحالة تجعل عملية تحليل النفط بواسطة البكتريا أكثر نجاعةً، وتؤدي إلى نمو سريع لتلك البكتريا في المناطق الملوّثة.
أصبحت التقانات الحيوية الحديثة التي تقوم على استخدام الإنزيمات والطرائق الاستقلابية في الأحياء الدقيقة طريقة واعدة في التفكك الحيوي، ووفر استخدام الاستقلاب المكروبي خياراً آمناً لمعالجة التلوث النفطي وإمكان التخلص من الملوثات البيئية عامّة.
يجري عزل الأحياء الدقيقة من معظم البيئات والأوساط المغذية الغنية مباشرة بتنميتها على أوساط تحوي مركّبات محددة تقوم بتفكيكها ومعالجتها حيوياً. ثمّة الكثير من تلك الأحياء (بكتريا، خمائر، فطور، طحالب دقيقة) التي تستهلك المركّبات النفطية بوصفها مصدراً للكربون والطاقة. ومن الأجناس البكترية المستخدمة Acinobacter، Pseudomonas، Achromobatcer،Nocardia، Arthobacter. ومن الخمائر Rhodotorula، Candida، Tropicales، ومن الفطور Pencillium وAspergillus. وقد حُدِّد نحو 200 مجموعة من الأحياء الدقيقة التي تتغذى على مكونات البقع النفطية، ويمكن تدجين هذه الأحياء في المختبرات تمهيداً لاستخدامها في المعالجة.
يعتمد تنوع المجموعة المكروبية حالياً على الطرائق المعتمدة كالتعديل المورثي وعزل عدد كبير من السلالات البكترية باستخدام الأوساط المغذية النوعية. وقد تبين أن المجموعة البكترية السالبة الغرام هي الأكثر انتشاراً، وأهمها الجنسان أسينيتوباكترAcinobacterوالزائفة الزنجارية Pseudomonas، حيث استطاعت السلالات التابعة لهما تفكيك الهدروكربونات النفطيّة بنسبة تراوحت بين 30 و80%.
وتُستخدم تقنيات مثل تفاعل البوليمراز المتسلسل للحمض النووي DNA Polymerase Chain Reaction (PCR) لتحديد الجينات المسؤولة عن تحليل الهدروكربونات، ويمكن نقل هذه الجينات إلى أنواع بكترية أخرى، مثل الإشريكية القولونية E.coli، لتعزيز قدرتها على تحليل الملوثات.وتعرف بكتريا الزائفة الكريهة Pseudomonas putida بقدرتها على تحليل مختلف النفايات الزيتية، بما في ذلك الفينول والإتلين غليكول، كما تُظهر انخفاضاً ملحوظاً في متطلبات الكربون الحيوي خلال هذه العملية. إذ يمكنها تحليل هذه المركبات بنسبة 85% مع خفض متطلبات الكربون الحيوي في الوقت ذاته بأكثر من 75%؛ هذه القدرة تجعل من الزائفة الكريهة كائناً حيوياً قيّماً لجهود المعالجة الحيوية، وخاصةً في البيئات الملوثة بالنفايات الزيتية.
تعد الإنزيمات من أهم المركّبات المسؤولة عن التفاعلات الاستقلابية المختلفة والتي يتأثر نشاطها بتركيز الإنزيم، وتركيز الركازة ونوعيتها ودرجة الحرارة ودرحة الحموضة والضوء والرطوبة والمثبطات والمنشطات. وأصبحت تستخدم كواشف تحليلية أو دلائل بيئية. وتُعدّ الأحياء الدقيقة من المصادر المفضلة للحصول على الإنزيمات بسبب سهولة استخلاصها وفعاليتها التفكيكية وزيادة الإنتاج. ويعتقد المختصون أنه سيكون لتركيب الإنزيمات وميكانيكيتها دور مهم في تحليل الملوثات البيئية نتيجة للتقدم في هندسة البروتين وتحميل الإنزيمات.
اكتشف حديثاً تقنية جديدة لمعالجة المخلفات النفطية العالقة بالتربة في مدة لا تتجاوز 42 يوماً، تعتمد هذه التقنية على استخدام المعالجة الحيوية بطريقة جديدة فاعلة باستعمال منتجات الأحياء الدقيقة، ويستعمل حالياً مستحضر حيوي أطلق عليه معالجة التحلل البيولوجي للزيت Oil Biodegradation Treatment (OBT) وذلك بعد أن أثبتت التجارب العلمية قدرته الهائلة على إزالة المخلفات النفطية من التربة والمياه في زمن قصير نسبياً؛ فضلاً عن كونه صديقاً للبيئة.
المعالجة والتخلص من المخلفات
تترك حوادث انسكاب النفط كميات هائلة من المخلفات وكذلك كميات كبيرة من الزيوت المختلطة بالماء، فيجب مراعاة تجميعها أولاً بأول وتوفير المرادم المؤقتة والمعدات اللازمة؛ ليتخلَّص منها بصورة سليمة بيئيا.ً وقد أدى التطور التكنولوجي الذي واكب صناعة النفط إلى بروز طرائق حديثة لمعالجة مخلفات الحفر البري والوحل خاصة، وذلك بجمع المخلفات ومزجها بمواد تعمل على تثبيتها كيميائياً وفيزيائياً؛ مما يقلل من آثارها.
مراجع للاستزادة: - أسامة أبو الذهب، رصد ومكافحة التلوث البحري بالنفط، مركز البحوث العلمية والتطبيقية، جامعة قطر، 1994. - كاظم المقدادي، حماية البيئة البحرية، مركز الكتاب الأكاديمي، الإمارات العربية المتحدة 2016. - P. Das et al., Advances in Oil-Water Separation: A Complete Guide for Physical, Chemical, and Biochemical Processes,Elsevier 2022. - M. Marghany, Automatic Detection Algorithms of Oil Spill in Radar Images,CRC Press 2019. |
- التصنيف : علوم البيئة والتنوع الحيوي - النوع : علوم البيئة والتنوع الحيوي - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :