التماثل في الشكل (البلورات)
تماثل في شكل (بلورات)
isomorphism -
غالب سيدا
التماثل في الشكل وصناعة التعدين
التماثل في الشكل isomorphism (الإيزومورفيزم) مصطلح مؤلف بالإنكليزية من مقطعين هما iso- أصلها اليوناني isos بمعنى تماثل وmorph أصلها اليوناني morphē ويعني شكلاً. يختصر بعض الباحثين التعبير باللغة العربية بـ "التماكُل" وهو يضم الحروف الثلاثة من كلمة "التماثل" والحرف الأخير من كلمة "الشكل". ويعني عموماً في الجيولوجيا تماثل الشكل البلوري بين مركبين أو أكثر متباينة التركيب ولكن متشابهة في صيغتها الكيميائية شكلاً. ويُستعمَل هذا التعبير أيضاً في الرياضيات عندما يكون هناك تقابل عنصر بعنصر من زمرتين رياضيتين.
سبق أن استرعى انتباه الباحثين قديماً أن الكثير من المواد البلورية يمكن أن تشكل بلورات ذات تركيب انتقالي مع الاحتفاظ بالشكل البلوري لمُكَوِّناتها. نُشِرَت هذه المعلومة عام 1819 من قبل الكيميائي الألماني إيلهارد ميتشيرليك Eilhard Mitscherlich من خلال دراسته لمُرَكَّبَي زرنيخات الصوديوم المائية dodecahydratesodium arsenateNa2[H As O4].12 H2O وفسفات الصوديوم المائية dodecahydrate sodium phosphateNa2[H PO4].12 H2O؛ ووجد أن لهما شكلين بلوريين متماثلين وقابلين لأن يشكلا بلورات مختلطة فيما بينهما. سَمّى ميتشيرليك هذه الظاهرة عندها بالتماثل في الشكل "إيزومورفيزم". فيما بعد وبالتماهي مع المنظومات (أو الجُمَل) السائلة أصبحت تسميتها المحاليل الصلبة solid solutions، وفي علم الفلزات mineralogy سُميت البلورات الخليطة أو البلورات المتماثلة في الشكل "الإيزومورفية". تَبَيَّن بعد ذلك أن الكثير من الفلزات تحوي عادة شوائب زهيدة من عناصر كيميائية مختلفة تدخل بمنحى نظامي في البنية الداخلية الشبكية للفلز المُضيف. مثل هذه الشوائب سُمِّيَت بشوائب التماثل في الشكل.
سمحت الأبحاث والتجارب المخبرية بالتحديد الدقيق لظاهرة التماثل في الشكل فأصبحت تعني الإحلال المُتَبادَل للذرات والإيونات في عقد الشبكة البلورية لِفِلِزَّين أو أكثر من دون الخلل في بنيتها وأخذها جميعاً أشكالاً بلورية متماثلة. وبالنتيجة أصبح مفهوم التماثل في الشكل يضم مزيجاً من التماثل في الشكل وشوائب التماثل في الشكل.
يبدو إن أحد أسباب دخول شوائب التماثل في الشكل في الفلزات هو انخفاض تركيز عناصرها في الوسط الذي تتشكل فيه الفلزات، ومن ثم لا تُشَكِّل وسطاً مُشبَعاً، كما أن توزعها المتناثر بعيداً بعضها عن بعض لا يُمَكِّنها من تشكيل شبكة بلورية وإنتاج فلزات خاصة بها، لذا تكون مضطرة في ظروف ترموديناميكية مناسِبَة لأن تدخل في الشبكة البلورية لفلزات أخرى تسمح لها بالدخول.
تبدو الفلزات التي تكون على هيئة خليط متماثل في الشكل واسعة الانتشار في الطبيعة، وتشكل عادة سلاسل متماثلة بالشكل متصلة غير متقطعة من الطرف الواحد منها نحو الطرف الآخر حيث يتم المزج بين الطرفين بجميع النسب (عبر التبادل الذري أو الإيوني) وتأخذ الفلزات الناجمة عن هذا المزج أشكالاً بلورية متماثلة وتعود إلى المنظومة البلورية نفسها، ويدعى مثل هذا المزج بالتماثل في الشكل التام أو غير المحدود. بيد أن هناك سلاسل لا يتم فيها المزج إلا بنِسَبٍ محدودة ويدعى مثل هذا النوع التماثل في الشكل المتقطع أو غير التام أو غير المتصل.
أظهرت الدراسات أن تعقيد التركيب الكيميائي للفلز يعود إلى تطور اختلاط التماثل في الشكل، فقد ثبت أن هناك من الممكن توسيع عملية التبادل الإيزومورفي في المركبات الأكسيجينية بدءاً من الأكاسيد البسيطة مروراً بالمعقدة نحو السيليكات. مثلاً يمكن أن يحدث فيما بين فلز الكوروند(أو الكوروندوم)corundum Al2O3وفلز الهيماتيت hematite Fe2 O3 تبادل الألمنيوم والحديد فيما بينهما بنسب محددة فقط، تبلغ هذه النسبة في السبينل spinel Al2 O4 (Fe, Mg) والماغنيتيت magnetite (Fe Fe2 O4) نحو 15-20%. أما الغروسولار grossular Ca3 Al2 [SiO4]3 والأندراديت andradite Ca3Fe2[SiO4] فيمكنهما من تشكيل صف متصل أو سلسلة متصلة متماثلة في الشكل.
والمثال على الإيزومورفيزم التام المتصل يتمثل بمجموعة مهمة جداً تدعى بالبيلاجيوكلاز plagioclase؛ إذ إنها تشكل سلسلة إيزومورفية متصلة؛ الطرف الواحد منها هو الألبيت albite [Al Si3 O8]Na والطرف الثاني هو الأنورتيت anorthiteCa [Al2 Si2 O8]، ونتيجة التبادل الإيزومورفي فيما بين المُرَكِّبَة الألبيتية (Ab) والمُرَكِّبَة الأنورتيتية (An) تتشكل فلزات متباينة النسب بالمركبتين موضحة في الجدول (1):
الجدول (1) | ||||||||||||||
|
وقد لوحظ أن جميع بلورات فلزات سلسلة البلاجيوكلاز تنتمي إلى المنظومة البلورية ثلاثية الميل triclinic system وتأخذ شكلاً بلورياً خارجياً واحداً.
وقد ثبت نتيجة الدراسات الضوئية أن قيم قرائن الانكسار الرئيسة ng و nm و np وكذلك الكثافة تتدرج طرداً مع الانتقال من الأنوريت إلى الألبيت كما هو مبين في الجدول (2):
الجدول (2) | |||||||||||||||||||||||||||||||||||
|
ساد الاعتقاد سابقاً أن تحقيق التماثل في الشكل يتم فقط بين الذرات والإيونات المتساوية في قيم التكافؤ، بيد أنه تبين عن أن التبادل الإيزومورفي يمكن أن يحدث في العديد من الفلزات بين عناصر متباينة التكافؤ.
في الوقت الحاضر قُسِمَت الفلزات ذات الروابط الإيونية إلى فلزات متماثلة في الشكل متماثلة التكافؤ isovalent وإلى متباينة التكافؤ heterovalent بحيث يتم التبادل في المجموعة الأولى إيون مقابل إيون، مثل Rb+-K+، Sr2+ - Ca2+، Ga3+ - Al3+ ... إلخ، وفي المجموعة الثانية يتم التبادل الإيزومورفي بين عناصر متباينة التكافؤ مع تعويض الخلل الناجم عن تباين تكافؤ الإيونات على النحو المبين في الأمثلة التالية:
1- زوج من الإيونات مقابل زوج Si4+ + Na+- Al3++ ِCa2+ ، Al3+ + Li+--- 2 Mg2+ من دون أي تغيير في مقدار الوحدات البنائية للشبكة البلورية.
2- عدد الإيونات مقابل عدد غير مماثل مثل 2Al3+ -- 3Mg2+ ، Si4+ -- Na+ ، 2Na2 – Ca 2+ وفي هذه الحالات يتغير مقدار الوحدات البنائية في الشبكة البلورية. ولوحظ أن التبادل في حال التماثل في الشكل متباين التكافؤ يتم حدوثه عندما لا يتجاوز الفرق في تكافؤ الإيونات الشحنة الواحدة، وإذا ما كان الفرق أعلى من الشحنة الواحدة فإن التماثل في الشكل لايتم إلا بحدود ضيقة أو لا يحدث إطلاقاً.
وقد أوضح الجيوكيميائيون وخاصة العالم غولدشميدت V. I. Goldschmidtوفِرسمان A. F. Fersman، أنه بالإمكان تحديد التبادل الإيزومورفي isomorphic substitution من خلال خصائص الذرات والإيونات ونمط الترابط junction type. وقد كشف عالم الفلزات الروسي ڤيرنادسكي .V. I . Vernadsky مدى ارتباط التبادل في التماثل في الشكل بالعوامل الترموديناميكية (ضغط - درجة حرارة P T).
وتبين أنه في البنيات الإيونية النموذجية التي تشارك فيها الروابط التكافؤية بنسب زهيدة تأخذ قيم أنصاف أقطار الإيونات أهمية كبيرة، حيث يجب ألَّا يتعدى فارق أنصاف أقطار الإيونات المتبادلة نسبة 15% من نصف القطر الأصغر (في درجات من الحرارة بعيدة عن درجة الانصهار). وقد أظهرت الأبحاث أنه عند ارتفاع درجة الحرارة يتم التبادل الإيزومورفي ولو كان الفرق في قيم أنصاف أقطار الإيونات الداخلة في التبادل أعلى من 15%، وفي حال توفر شوائب إيزومورفية بمقادير طفيفة فإن نسبة أنصاف الأقطار توجد ضمن حدود عريضة.
أظهرت الدراسات التي تمت على فلزات من بعض المكامن المفيدة أنه لا توجد أحياناً في المحاليل أو المصاهير المشكلة للفلزات عناصر كافية لتشكيل هذا الفلز أو ذاك، عندها تستبدل بالعناصر غير المتوفرة شوائب موجودة في المصهور أو المحلول، وهذا يؤدي إلى ارتفاع محتوى العناصر الشائبة في العديد من الفلزات، ودعيت هذه الظاهرة بالإيزومورفيزم الاستعاضي compensational isomorphism. مثلاً فلز الأباتيت apatite المعروف بالصيغة Ca2 Ca3 (Cl, F, OH) [PO3] 3- عندما يتشكل في وسط يفتقر فيه إلى الكلسيوم بالمقدار الملائم للجذر [PO3] 3- فإنه يستعاض عن الكلسيوم Ca2 في تركيب الأباتيت الناشئ بدخول Sr2+ و TR3+ إيزومورفياً؛ مما يؤدي إلى تشكيل نوعين من الأباتيت هما: الأباتيت السترونسومي وأباتيت العناصر الترابية النادرة.
ذُكِر سابقاً أن ظاهرة الإيزومورفيزم تتطلب قبل كل شيء الإحلال المتبادَل بين الذرات والإيونات في البنية البلورية الشبكية، بيد أنه تُصادَف في الطبيعة حالات يتم فيها أفضلية إحلال ذرة واحدة أو إيون واحد محل ذرة أخرى أو إيون آخر في مركبيهما وليس العكس، مثل أن الباريوم barium والرصاص lead يفضلان الدخول في فلزات البوتاسيوم potassium أكثر من دخول البوتاسيوم في فلزات الباريوم والرصاص. كما أن المغنزيوم magnesiumيدخل بسهولة في فلزات الكلسيوم calciumأكثر من دخول الكلسيوم في مركبات المغنزيوم. وكذلك من الأسهل أن يحل الكلسيوم محل الصوديوم في مركباته من إحلال الصوديوم في مركبات الكلسيوم ... إلخ. وقد سمى العالِم فِرسمان هذا النوع من التماثل بالشكل بالتماثل المُوَجَّه directed isomorphism أو التماثل القطبي polar isomorphism، ووضع صفاً من أزواج العناصر المميزة والقابلة للدخول في النوع السابق من التماثل بالشكل كما في الشكل (1):
الشكل (1) |
فكل عنصر كيميائي في الصف العلوي يحل محل العنصر الواقع أسفله ولا يصح العكس؛ أي إن العناصر السفلى لا يحل كل منها محل العنصر الواقع فوقه. وقد دعى العالِم فِرسمان عناصر الصف العلوي ومشابهاتها بالعناصر النشطة من حيث الطاقة energetic elements. مثلاً يحل الكلسيوم محل عنصر من العناصر الترابية النادرة القريب منه في الحجم، في حين أن العملية العكسية تستلزم تركيزاً عالياً للكلسيوم وإلا فلن يكون الإحلال ممكناً أو له الحظ في النجاح.
يُشار إلى أن الفلزات الحاوية على شوائب إيزومورفية يمكن أن تتحرر منها في ظروف محددة. تُلاحَظ هذه الظاهرة تحت تأثير تغير القيم التكافؤية التي ينجم عنها تغير العديد من خصائص العناصر، تدعى هذه العملية بالتنظيف الذاتي self -cleaning، وتظهر خصوصاً عند تأكسُد الفلزات مما يؤدي إلى افتراق العناصر. ففي فلز الأوليـﭭين (Mg, Fe)2 [SiO4]مثلاً توجَد عادة شائبة مثل Mn2+، Ca2+، Ni2+ تحل محل المغنزيوم Mg2+ إيزومورفياً في الأعماق، وعند السطح تصبح تلك العناصر الشائبة على درجةٍ أعلى من الأكسدة وتتنحى عن الإحلال إيزومورفياً محل المغنزيوم ثنائي التكافؤ. وتشاهد الظاهرة نفسها على البلاتين الحر الذي يحتوي عادة في مكامنه العميقة على عناصر مثل الكلسيوم والنيكل والحديد والرصاص وغيرها التي عند تأكسدها على السطح تأخذ بالانفصال عنه. كما أن انفصال المكونات الإيزومورفية في الفلزات يمكن أن تحدث نتيجة إعادة التبلور أو الانحلال أو لأسباب أخرى.
يتم حدوث التماثل في الشكل في الطبيعة وفقاً لإحدى العمليات الآتية:
أ - من المصاهير اللابية lava melts المندسة في مستويات متباينة ضمن القشرة الأرضية والتي تأخذ بالتبرد البطيء تحت السطح بسرعات بطيئة متباينة تبعاً لمنسوب بعدها عن السطح.
ب - من المصاهير اللابية البركانية التي تتبرد بسرعة إما على سطح الأرض مباشرة وإما تحت مياه البحار والمحيطات.
ج - من المحاليل المائية الحارة hydrothermal solutions ذات المنشأ الماغمي التي تخترق الصخور الباردة عبر التشققات والتصدعات؛ مشكلة بتبردها عروقاً مكونة من فلزات عديدة ومتنوعة بحسب تنوع تراكيبها.
د - من الموائع- التي تضم الأبخرة والمواد الطيارة- التي ترافق عادة الثورات البركانية مشكلة غيوماً غنية بشتى الحموض التي تهطل نتيجة تبردها في الأجواء على شكل أمطار حامضية تتفاعل مع الصخور السطحية مشكلة فلزات جديدة. أما المواد الطيارة فتتبرد بسرعة مشكلة توضعات فلزية حول المخاريط وكذلك ضمن المسكوبات اللابية مثل الكبريت واللوسيت leucite وبعض الهاليدات halides والسلفيداتsulfides والزيوليتzeolite .
ه - من المحاليل المائية البحرية والبحيرية والجوفية التي تترسب منها بعض المركبات عندما تصبح فوق مشبعة تبعاً لتغير درجات حرارتها بتأثير عوامل ديناميكية وكيميائية عديدة.
بيد أن ظاهرة التماثل في الشكل دخلت حَيِّز التطبيق المخبري والمعملي على نحو واسع ومتطور منذ انتهاء الحرب العالمية الأولى حتى الآن، ومثلت جوهر صناعة التعدين ومحورها وازدهارها في تصنيع العديد من الخلائط والسبائك bullions (molds) والملاغِم المعدنيةmetallic amalgams ؛ ولا سيما في بداية القرن الحادي والعشرين مع ظهور تقنيات النانو.
يعتمد الإحلال في عملية التماثل في الشكل على البنية البلورية والفراغات فيها. مثلاً تُمَثَّل عادة بنيات المعادن الحرة- كالذهب والفضة والبلاتين والنحاس- على شكل منظومات متراصة من الكُرات التي تقابل إيونات النمعدن أو ذراته والتي تختلف حجومها تبعاً لاختلاف نوع المعدن؛ علماً أن كرات كل معدن تكون متماثلة الحجوم ومتجاورة بعضها مع بعض ومتراصة في الاتجاهات الثلاثة. ونتيجة لذلك يتشكل بين الكُرات نوعان من الفراغات: نوع أول محاط بأربع كُرات التي إذا ما تم الوصل بين مراكزها بخطوط مستقيمة تشكل رباعي وجوه، لذلك دُعِيَ هذا النوع من الفراغات المحاطة بأربع كُرات بالفراغات رباعية الوجوه tetrahedron (الشكل 2)، ونوع ثانٍ محاط بست كُرات (ثلاث في طبقة وثلاث في طبقة تدنوها أو تعلوها بزاوية 60° عن الأولى) وإذا ما وصل بين مراكزها بخطوط مستقيمة يُحصَلُ على شكل هندسي ثُماني الوجوه، لذا دُعِيَت مثل هذه الفراغات بالفراغات ثُمانِيَة الوجوه octahedron (الشكل 3). ويشير الحساب الإحصائي إلى أن عدد الفراغات ثمانية الوجوه في بنية المنظومة المتراصة الكُرات spheric compact packing structure يساوي عدد الكُرات المشارِكة فيها، وأن عدد الفراغات رباعية الوجوه يساوي ضعف عدد الكُرات في البنية. ولهذه النتيجة أهمية عالية في عمليات التماثل في الشكل كما سَيُرى لاحقاً.
![]() |
(أ) ارتصاف كرات إيونات المعادن على التناوب بعضها مع بعض في الطبقة الواحدة. (ب) وضعية الطبقة التالية فوق الأولى وتشكل الفراغات رباعية الوجوه (السوداء) وثمانية الوجوه (البيضاء).
الشكل (2) |
![]() |
(أ) موضع الفراغ رباعي الوجوه بين أربع كرات (في بنية المعادن). )ب) تشكل الفراغ ثُماني الوجوه بين ست كرات من كرات المنظومة المتراصة compact packing في بنيات المعادن.
الشكل (3)
|
كما أن الإيونات المُكَوِّنَة للمعادن ذات شحنات كهربائية موجبة ومتماثلة في المعدن الواحد ويسبح بينها غمامة إلكترونية سالبة تكافئ شحناتها الموجبة. ومن هنا جاء تماسك المعادن ومتانتها عامة وقابليتها للتَصَفُّح والترقق والتَسَلّك؛ لكون الغمامة الإلكترونية قابلة للحركة وتبقى مُلازمة ومحيطة بالكاتيونات (الشكل 4).
![]() |
الشكل (4) غمامة إلكترونية سالبة تحيط بإيونات المعدن الموجبة في مقطع لإحدى طبقات المنظومة المتراصة له.
|
أما فيما يتعلق بأملاح مختلف الحموض- إضافة إلى الأكاسيد والسلفيدات وغيرها- فإن منظومة الكُرات المُتَراصَّة تشكلها الأنيونات السالبة لكون حجومها عموماً أكبر من حجوم الكاتيونات المشاركة معها في بناء المركبات (الفلزات)، ومن ثمّ فهي المؤهلة لتماس بعضها مع بعض وتحقيق التراص المطلوب في البنية، أما الكاتيونات فَتُشْغِل إما الفراغات ثمانية الوجوه وإما الفراغات رباعية الوجوه وإما كلتيهما؛ علماً أن حجم الفراغات ثمانية الوجوه أكبر من حجم الفراغات رباعية الوجوه.
تمثل منظومات الكُرات المتراصة لِبُنيات الفلزات كافة، غير أن تراص الكُرات يمنع رؤية كيفية توزع الأنيونات والكاتيونات بينها فراغياً (عند تصويرها أو رسمها)، لذلك لجأ علماء البلورات والفلزات إلى تمثيل مراكزها بنقاط مختلفة الألوان (أو مختلفة الحجوم النسبية) والتوصيل بين الذرات المتماثلة منها بخطوط مستقيمة، وتتشكل نتيجة ذلك شبكة تتوضع في عُقَدٍ تقاطعها الذرات أو الإيونات المشاركة في البنية، وقد دُعِيَت مثل هذه البنيات بالشبكة البلورية الفراغية space lattice كما هو موضح في الشكلين (5 و 6).
![]() |
(أ) مكعبية ممركزة الوجوه (ب) مكعبية ممركزة الجسم (ج) سداسية. الشكل (5) الأنماط الرئيسة لبنيات المعادن الحرة، مُمَثَّلَة بشكل منظومات متراصة وشبكات فراغية. |
![]() |
الشكل (6) كيفية تمثيل بنيات الأملاح على شكل منظومات متراصة وشبكات بلورية مُوَضَّحَة من خلال تمثيل بنية ملح الطعام (الهاليت) NaCI.
|
التماثل في الشكل وصناعة التعدين
يُستَفاد من دراسة التماثل في الشكل في التعدين في تشكيل الخلائط والسبائك المعدنية، فيُصار إلى صهرها بنسب المعادن المطلوبة وتبريدها ببطء شديد حتى تتمكن الإيونات من تشكيل بنيتها البلورية للخليطة.
تدعى السبائك المعدنية عادة بالمحاليل الصلبة، ويتم الحصول على هذه المحاليل بالتبلور بدءاً من المحاليل بتفاعلات معينة، وكذلك بالانتثار عند التماس بالضغط بين معدنين أو أكثر وتشكيل ما يدعى بالمَلاغِم amalgams.
تتشكل الخلائط المعدنية (المحاليل الصلبة) المتماثلة في الشكل وفق طريقتين:
الطريقة الأولى: تتمبإحلال ذرات العنصر المُنحَل (الأقل نسبة) محل ذرات العنصر الحال (الأكثر نسبة) وذلك في أماكن عُقَد البنية البلورية الفراغية له (الشكل 7). ولتحقيق هذا الإحلال من الضروري توفر الشروط الآتية:
- أن تكون بنيات العناصر المخلوطة متماثلة وهي بشكل حر وتنتمي أشكالها البلورية إلى المنظومة البلورية نفسها.
- أن تكون العناصر المخلوطة متشابهة في خصائصها الكيميائية.
- ألا يزيد الفرق في حجوم ذراتها على 10 – 15 %.
- أن تكون قيم روابطها الكيميائية (تكافؤها الكيميائي) واحدة.
فإذا توفرت هذه الشروط فإنه يمكن تَشَكُّل سلسلة غير متقطعة من المحاليل الصلبة أو السبائك التي تتحقق فيها كل النسب الممكنة من العناصر المختلطة. من أمثلة الخلط بالإحلال غير المحدود يُذكَر محلول النحاس في الذهب والعكس الذهب في النحاس (Cu2+ - Au2+).
![]() |
أ - بنية النحاس الصافي (A) بحسب الوجه البلوري (100) ب - بنية المحلول الصلب المُذَهَّب (B) في النحاس (بطريقة الإحلال).
الشكل (7)
|
الطريقة الثانية: فيها تأخذ ذرات العنصر المنحل بملء الفراغات في البنية البلورية للعنصر الحال (الشكل 8)، ولكي يتم هذا النمط من المحاليل الصلبة يجب أن تكون ذرات العنصر المنحل صغيرة إلى حد يمكن أن تتسع لها الفراغات الموجودة في منظومة الكُرات المتراصة للعنصر الحالّ (رباعية الوجوه وثمانية الوجوه). من أمثلة الخلط متماثل الشكل بملء الفراغات ما يتم في الواقع صنعياً عند ملء ذرات الهدروجين والبور والكربون وعناصر أخرى ذات الحجوم الصغيرة للفراغات بين ذرات بعض المعادن. منها على سبيل المثال تشكل الحديد الصلب والفولاذ بدخول ذرات الكربون في بعض فراغات بنية الحديد (الشكل 8).
![]() |
الشكل (8) محلول صلب لذرات الكربون في فراغات بنية الحديد الممثلة على الشكل بحسب الوجه البلوري (100).
|
إن الارتباط القوي المُتَبادَل بين ذرات العنصر المنحل وذرات المعدن الحالّ يُكسِب السبيكة المعدنية عادة صفاتٍ فيزيائية خاصة مثل ارتفاع درجة الانصهار والتراص والتماسك والصلابة والقساوة كما هو موضح في الشكل (9) بالنسبة إلى القساوة، حيث يظهر الخلط بين ذرات الذهب والنحاس بنِسَبٍ مختلفة، ومن ثمّ فإن عملية التماثل في الشكل متواصلة غير متقطعة. كما يوضح الشكل أن الخلط غير النظامي وغير المتجانس لا يُكسِب السبيكة سوى ارتفاع محدود في القساوة، في حين تزداد القساوة بمقدار كبير كلما كان التبادل الإيزومورفي نظامياً ومتجانساً.
![]() |
الشكل (9) التبادل بالإحلال بين النحاس والذهب بنسب مختلفة ويعطي نماذج من الإحلال العشوائي وغير المُنتَظَم، والإحلال المتجانس والمنتظم.
|
يقابل "التماثل في الشكل" isomorphism تعبير مُعاكِس هو "تباين الشكل" (أو تعدد أشكال البلورات) polymorphism، وهو يشير إلى ظاهرة تباين في شكل العنصر نفسه أو المُرَكَّب الواحد.
مراجع للاستزادة: - محمد غالب سيدا، علم الفلزات (المينرالوجيا)، جامعة دمشق، 2003. - محمد غالب سيدا،ضوئيات البلورات وتطبيقاتها على المجهر الاستقطابي، جامعة دمشق، 2005. -L. Birkedal, K. Stovring, Realisability Semantic of Parametric Polymorphism, General References and Recursive Types, Structures in Computer. Cambridge University Press, 2010. - B. Rodrigues-Molina, etal., Conformational Polymorphism and Isomorphism of Molecular Rotors with Fluoroaromatic Rotators and Mestranol Stators, Crystal Growth. ACS publications, 2013.
|
- التصنيف : الكيمياء والفيزياء - النوع : الكيمياء والفيزياء - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :







