تلفزه (منظومات وتقانات)
Television (Systems and Technology) -



التلفزة

محمد خالد شاهين

نشأة التلفزة وتطورهاالاستوديوهات التلفزيّة
نماذج التوزيع التلفزيّالتلفزة والمجتمع
التلفزة التماثليةالآفاق المستقبلية للتلفزة
التلفزة الرقمية 
 

التلفزةTelevision  منظومة إلكترونية لإرسال الصور والأصوات سلكياً أو لاسلكياً. وتُعرَّف أيضاً على أنها منظومة لإرسال صور مرئية وأصوات تجري إعادة إنتاجها على شاشات. وتُستخدَم التلفزة عادة لبث برامج تلفزية ترفيهية وإخبارية وتعليمية.

أما التلفاز - والمصطلح الإنكليزي المقابل له هو أيضاً Television- فهو جزء من منظومة التلفزة، والتي تشتمل أساساً على الكاميرا التي تحول الصورة والصوت إلى إشارة، وعلى المرسل التلفزيّ TV transmitter الذي يرسل الإشارة عبر الهواء (أو وسط آخر)، والمستقبل التلفزيّ الذي يلتقط الإشارة؛ ويحولها من جديد إلى صورة وصوت.

نشأة التلفزة وتطورها

لم تكن التلفزة نتيجة مخترع وحيد؛ إذ أسهم العديد من الأشخاص جماعياً أو إفرادياً في نشأتها وتطورها. وتعود بذور التلفزة إلى العام 1831 حين أجرى الفيزيائي والكيميائي الإنكليزي مايكل فارادي Michael Faraday والعالم الأمريكي جوزيف هنري Joseph Henry تجارب ناجحة على الكهرطيسية electromagnetism.

وشكلت أبحاثهما الأساس للاتصالات الكهربائية.

وفي العام 1862 اخترع الفيزيائي الإيطالي جيوفاني كازيلي Giovanni Caselli أول بانتلغراف pantelegraph، والاسم مشتق من دمج كلمتي بانتوغراف (المِنساخ) pantograph وتِلِغراف(المِبْرَقَة)؛ والذي يعدّ سلف آلة الفاَكْس fax machine. وكانت تُرسل الصور بوساطته باعتماد الكيمياء الحيوية electrochemistry– وهي فرع من الكيمياء يهتم بدراسة التغيرات الناجمة عن مرور تيار كهربائي أو بتوليد الكهرباء من الطاقة التي يحررها تفاعل كيميائي من مكان معين، ثم يُعاد إنتاجها في مكان آخر. وقد استُخدِم البانتلغراف تجارياً في الستينيات من القرن التاسع عشر كأول تجهيزة تسمح بإرسال كتابة يدوية وتواقيع ورسومات بأبعاد تصل إلى 15سم × 10سم. وباستخدام ميقاتيَّة (ساعة) ضابطة regulating clock ونواس pendulm لضمان أن بمقدور الجهاز صنع التيار لمغنطة منظماته regulators وقطعه، وكذلك لضمان المحافظة على التزامن بين إبرة (قلم) المسح في المرسل وإبرة المسح في المستقبل. وكان المستقبل يعيد إنتاج الصورة باستخدام ورق مصنوع من الفري سيانيد البوتاسيوم  potassium ferricyanide الذي يصبح قاتم اللون عند مرور تيار كهربائي عبره. وقد شاع استخدام البانتلغراف للتحقق من التواقيع في المعاملات المصرفية.

وفي العام 1873 أجرى مهندسا تلغراف إنكليزيان -هما جوزيف ماي Joseph May وويلوبي سميث Willoughby Smith- تجارب على السيلينيوم selenium والضوء؛ مما مهد الطريق للمخترعين اللاحقين لإيجاد طريقة لتحويل الصور إلى إشارات كهربائية.

وتمكن جورج أر كاري George R. Carey- بين عامي 1875 و1880- من بناء جهاز تلفزيون television set، ونجح في إرسال الصور على دارات منفصلة باستخدام دزينة من خلايا سيلينيوم ضوئية صغيرة. وفي العام 1884 اقترح بول نيبكو Paul Nipkow أول ماسح ميكانيكي؛ ونجح في إرسال صور عبر أسلاك باستخدام قرص معدني دوّار، أطلق عليه اسم المقراب الكهربائي electrical telescope، والذي يُعرَف الآن باسم قرص نيبكو Nipkow disk.

وفي العام 1897 اخترع الفيزيائي الألماني كارل فرديناند براون Karl Ferdinand Braun أول صمّام (أنبوب) أشعة مهبطيّة Cathode Ray Tube (CRT)؛ والذي شكّل الأساس للكاميرات والمستقبلات التلفزيّة الحديثة. وابتكر الأخوان أوغست ولوي لوميير Auguste and Louis Lumière تجهيزة أطلقا عليها اسم سينماتوغراف cinematograph؛ والتي كانت تعمل فعلياً ككاميرا وجهاز إسقاط وطابعة مجمّعة في تجهيزة واحدة. وفي العام 1906 طور لي ديفورست Lee de Forest - والذي يُعرَف ب أبو الراديو- الأوديون audion وهو صمّام خلائي vacuum tube قادر على تضخيم الإشارات، وقد كان جوهرياً في ثورة الإلكترونيات. وفي العام ذاته ابتكر العالم الروسي بوريس لفوفيتش روزنغ Boris Lvovich Rosing منظومة لضم صمّام الأشعة المهبطيّة مع قرص نيبكو؛ منشئاً بذلك أول منظومة تلفزة عاملة في العالم. وبحلول العام 1907 نجح في إرسال صور ظليّة silhouettes لأشكال بسيطة باستخدام جهاز دولاب مرايا مسح ميكانيكي ككَاميرا وصمام أشعة مهبطية كمستقبل.

وفي العام 1923 سجّل فلاديمير كوزما زوركين Vladimir Kosma Zworykin- والذي يُعرَف بأبي التلفزة - براءة اختراع لكاميرا تلفزيّة مُخزِّنة (إيكونوسكوب) iconoscope؛ مما سمح بتقسيم الصور إلكترونياً إلى مئات الآلاف من العناصر. وفي نهاية العام ذاته، أنتج صمّام إظهار صور (أو مستقبل تلفزيّ) أطلق عليه اسم أنبوب الصورة (كينسكوب) kinescope.

وفي العام 1925 أجرى المهندس الإسكتلندي جون لوجي بيرد John Logie Baird برهاناً عملياً لصور متلفزة؛ منفذاً وسيلة لإرسال صور حية ومتحركة ذات تدرج رمادي gray scale، وليس مجرّد صور ظليّة أو ثابتة. وفي نهاية ذلك العام أجرى أول عرض عموميّ لمنظومة تلفزيّة عاملة؛ وكان للصورة الممسوحة شاقولياً – باستخدام قرص مسح مضمَّن embedded مع حلزون مزدوج من العدسات- فقط 30 خطّاً، أي مايكاد يكفي لإعادة إنتاج وجه بشري قابل للتمييز. وفي العام ذاته حصل زوركين على أول براءة اختراع لتلفاز ملوّن.

وفي السابع من نيسان/أبريل 1927 أُرسِلت أول صور متحركة حيّة من العاصمة واشنطن إلى مدينة نيويورك. وأُسست في العام ذاته هيئة البث البريطانية (بي بي سي) British Broadcasting Corporation (BBC) ومنظومة البث الفونوغرافيّ كولومبيا Columbia، والتي عُرِفت لاحقاً باسم سي بي إس Columbia Broadcasting System (CBS)؛ وبذلك بدأ عصر التلفزة رسمياً.

وفي العام 1927 طور المخترع فيلو تايلور فارنزورث Philo Taylor Farnsworth أول منظومة تلفزة إلكترونية كليّاً في العالم؛ وأجرى عرضاً عموميّاً لها في العام 1928. وفي العام ذاته أنشأت شركة راديو أمريكا Radio Corporation of America (RCA) أول محطة تلفزة في العالم. وفي نهاية ذلك العام قامت شركة بيرد للتطوير التلفزيّ Baird Television Development Company (BTDC) ببث أول إشارة تلفزيّة عبر الأطلسي بين لندن ونيويورك. وفي العام 1936 دخل قرابة 200 جهاز تلفزيّ في الاستخدام عبر العالم.

وفي العام 1939 أجرى زوركين وشركة راديو أمريكا بثاً تجريبياً من مبنى إمباير ستيت Empire state.ونُفذ أول ربط تلفزيّ نظامي في عام 1941 بين مدينة مينيابوليس ومدينة ستيفنز بوينت (على مسافة 320 كم)؛ باستخدام منظومة الكبل المحوريّ "إل واحد"  coaxial cable system L1، والتي كان بمقدورها حمل 480 محادثة هاتفية أو برنامج تلفزيّ واحد.

وتوالت على مدى عقود الابتكارات والتطويرات في منظومات التلفزة، وكذلك في تقانات أجهزة التلفاز انطلاقاً من صمامات الأشعة المهبطية مروراً بمظاهير البلورات السائلة وصولاً إلى البلازما. ويُضاف إليها الابتكارات في التسجيل الفيديوي، وتحسين تقانات التلفزة الكبلية والساتلية.

وفي العام 1982 طور الاتحاد الدولي للاتصالات معيار فيديو عالمي متقدم للتلفزة الرقمية؛ مما سمح بتحويل الإشارات الفيديوية الملوّنة التماثلية كلها إلى دفق معطيات رقمي. وتمثل الهدف في تحقيق معيار للصور عالية الدقة قابلة للتسجيل والتحرير والنسخ. وفي منتصف الثمانينيات من القرن العشرين غدا مبدأ التلفزة الرقمية حقيقة.

وأدرك المطورون منذ البدايات أن معظم الصور تحتوي على معلومات ليس لها فائدة؛ لذا سعوا لحذف الكثير من الفائض في الصور عموماً والصور المتحركة خصوصاً؛ بهدف إنقاص عرض المجال اللازم لإرسال الإشارات الفيديوية. وقد جرى تأسيس فريق خبراء الصورة المتحركة Moving Pictures Expert Group (MPEG) في العام 1988 من قبل المنظمة العالمية للمعايير International Organization for Standardization (ISO) واللّجنة الكهرتقنيّة الدّوليّة International Electrotechnical Commission (IEC)؛ بهدف وضع معايير لترميز الصور المتحركة والأصوات المرتبطة بها. وفي أواخر القرن العشرين تقاطعت مسارات البث التلفزيّ والراديوي والخدمات الفيديوية بالاشتراك subscriptions (مثل المنظومات الكبليّة cable systems ومنظومات الدفع عند المشاهدة pay-preview)؛ مما سمح لتقانتي التلفزة والإنترنت معاً بصياغة شكل القرن العشرين.

وفي مطلع القرن الحادي والعشرين انخرطت صناعة التشبيك networking في عملية دمج تقانات الاتصالات الخَلَوِيّة والإنترنت والتلفزة والحواسيب والهواتف النقالة والثابتة؛ وكانت الإنترنت (الشابكة) في طريقها لتكون الشبكة المتقاربة  converged network المستقبلية التي تقدم جميع خدمات الاتصالات على منصة مشتركة. وقد اعتمد مشروع شراكة الجيل الثالث 3rd Generation Partnership Project (3GPP)-هيئة المعايير الرائدة في الصناعة اللاسلكية- المنظومة الفرعية متعددة الوسائط وفق بروتوكول الإنترنت Internet protocol Multimedia Subsystem (IMS) كمعيار. كما عُرِّفت التشوير signaling والبروتوكولات ذات الصلة التي تسمح للاتصالات اللاسلكية بالاندماج في الإنترنت. ثم وسّع معهد معايير الاتصالات الأوربي  European Telecommunications Standards Institute (ETSI)نطاق المنظومة الفرعية متعددة الوسائط القائمة على بروتوكول الإنترنت؛ لتشمل الشبكات الثابتة وأطلق على المعيار مسمى شبكات الجيل القادم Next Generation Networks (NGN)؛ والذي عُدّ الشبكة العميمة المستقبلية المعتمدة على بروتوكول الإنترنت. وقد استمر تطوير عائلة معايير شبكات الجيل القادم من قبل الاتحاد الدولي للاتصالات International Telecommunication Union (ITU) وفريق العمل الهندسي للإنترنت Internet Engineering Task Force (IETF)واتحاد حلول صناعة الاتصالات Alliance for Telecommunication Industry Solutions (ATIS)؛ لتوسيع معيار شبكات الجيل القادم ليشمل حقل التلفزة. كما كان لصعود التلفزة التفاعليّة interactive television آثار على صناعة البث؛ ونجم عن استخدام المعطيات الوصفية metadata وتقاناتها تحسين التفاعلية بين المستخدم والمحتوى؛ مما سمح بتحقيق ابتكارات في صناعة التلفزة ومنها نماذج التلفزة، المتمركزة حول المستخدم user-centric.

ومع التقارب الشبكيّ أضحى بالإمكان توصيل delivery التلفزة بوساطة أي تركيبة من الكَبْل، والخط الرقمي لمشترك Digital Subscriber Line (DSL)، وتوصيل الليف الضوئي إلى المنزل Fiber to the Home ، والشبكات اللاسلكية أو النقالة. وتقتضي هذه القدرات أن يكون ترميز الوسط وأنساق formats النقل قابلة للتكيّف مع أنواع التجهيزات المختلفة وإمكانات شبكات النفاذ المختلفة وعرض مجالها. وسمح بروز منظومات البيئة ecosystems لشبكات النفاذ والتجهيزات النهائية end-devices بإنشاء خدمات لتجربة التلفزة المترابطة هذه. وفّرت هذه المنظومات تجربة مشاهدة متعددة الشاشات multiscreen. وقد تغير استهلاك الفيديو جذرياً في الأعوام الأخيرة؛ إذ تُوصَل التلفزة متعددة الشاشات عبر شبكات نفاذ عريض المجال وشبكات واي فاي (الأمانة اللاسلكية)  Wireless Fidelity (WiFi)مدارة managed وغير مدارة ثلاثية التشغيل (صوت وفيديو ومعطيات) أو رباعية التشغيل (بإضافة الحركية).

نماذج التوزيع التلفزيّ

تغيرت نماذج التوزيع التلفزيّ TV distribution models على مدى قرن من الزمن. ويتوافر اليوم مجموعة من الطرائق لاستقبال المعلومات والبرامج الترفيهية والمعلومات المتلفزة. ومما لا شك فيه أن التلفزة الساتليّة تحظى بمكانة مرموقة بين تلك الطرائق. وللتوزيع التلفزيّ أشكال وأحجام متنوعة ومتعددة؛ إلا أنه ثمّة ثلاثة أنواع رئيسية من نماذج التوصيل delivery، هي: التوزيع الساتلي المباشر إلى المنازل، والشبكات الأرضية (مثل التوزيع الكبلي، والتوزيع وفق بروتوكول الإنترنت، والتوزيع الأرضي الرقمي)، والتوزيع فوق القمة.

1- التوزيع الساتلي المباشر إلى المنازل

يُعدّ التوزيع الساتلي المباشر إلى المنازل satellite Direct-to-Home (DTH) أحد أكثر أنواع التوزيع شيوعاً عبر العالم؛ والذي يُدَلّ عليه بالتلفزة الساتلية satellite TV. ويحقق التوزيع المباشر إلى المنازل توصيل الفيديو اعتماداً على الأمواج الراديوية التي تُستقبل بوساطة صحن استقبال ساتلي satellite dish، مثبّت عادة على سطح المنزل. ويسمح هذا النوع من التوزيع لجهات البث broadcasters بتوجيه حزم قنواتهم مباشرة إلى جهاز التلفاز لدى المشاهد؛ أي إن المشاهدين ليسوا بحاجة إلى ربط كبليّ منفصل للنفاذ إلى القنوات التلفزيّة. وللتلفزة الساتلية أفضليات كثيرة، من أهمها: الوصول الفريد؛ فمهما كانت درجة تطور البنية التحتية لبلد ما أو عدم تطورها، يمكن لجهات البث الوصول إلى المشاهدين جميعهم حتى في المناطق النائية وتقديم خدمة عبر أرجاء البلد عامّة. ومن ناحية أخرى فإن تكلفة الإرسال الساتلي تبقى ثابتة بصرف النظر عن عدد المشاهدين، بخلاف بعض نماذج التوزيع الأخرى. ومن الأفضليات الأخرى لمشاهديّ التوزيع المباشر إلى المنازل الجودة العليا للمحتوى؛ لأن الإشارة لا تخضع لشطر split عبر الكبل، وهو مُجدٍ اقتصادياً أكثر للمشاهدين الذين يرغبون باستقبال قنوات تلفزيّة مجانية من دون تكاليف شهرية دورية.

 وأخيراً فإن سلبيات نموذج التوزيع الساتل بالنسبة للمشاهدين على نحو كبير بالمنطقة التي يكونون فيها وبنماذج الأعمال السائدة. ففي بعض المناطق يمكن للمشاهدين النفاذ إلى آلاف القنوات التلفزيّة المجانية لقاء مجرد صحن استقبال ساتلي وجهاز استقبال منخفضي التكلفة.

2- الشبكات الأرضية

تستقبل الشبكات الأرضية terrestrial networks القنوات من رأسية شبكية network headend، وتعيد توزيع الإشارة التلفزيّة على المشاهدين؛ وغالباً ما تُرسَل القنوات إلى الرأسية بوساطة ساتل، وهو ما يُطلَق عليه التغذية الرأسية. ومن أنواع الشبكات الأرضية الرئيسية:

- الشبكة الكَبْليّة: مصطلح يُستخدَم لوصف توصيل الفيديو عبر ربط كبليّ محوريّ coaxial cable connection.

-  وفق بروتوكول الإنترنت Internet Protocol (IP): مصطلح يُستخدَم لوصف توصيل الفيديو على الإنترنت over-the-Internet بوساطة شبكة مُدارة من جانب القطاع الخاص.

- الشبكة الأرضية الرقمية digital terrestrial: وهو توصيل الفيديو بوساطة الأمواج الراديوية المستقبلة بوساطة جهاز استقبال رقمي أو عَبَّارة gateway تلفزيَة أو مولّف tuner متكامل مضمّن في جهاز التلفزة.

وفيما يخص جهات البث فإن المحدوديات الرئيسية تشتمل على الوصول ومتاحية المحتوى. إذ تعتمد الشبكات الأرضية بصورة شديدة على البنية التحتية المتوافرة في البلد؛ أي إنه في الغالب لا يمكن للخدمات الوصول إلى المناطق النائية التي تكون فيها البنية التحتية غير كافية أو أن نشرها بالغ التكلفة. ويمثل استخدام السواتل لإتمام الخدمة وسيلة تسمح لجهات البث بمواجهة هذا التحدي ورفع مدى الوصول إلى الحد الأقصى. إضافة إلى ذلك يمكن للكبل الأنبوبي للتوزيع الكبلي أو التوزيع وفق بروتوكول الإنترنت دعم عدد محدود من القنوات؛ أقل مما يدعمه خيار التوزيع المعتمد على السواتل. وفيما يخص المشاهدين في المناطق التي نُشِرت فيها شبكات توزيع كبليّة أو وفق بروتوكول الإنترنت أو أرضية؛ فإن النفاذ سهل وثمة دفق موثوق للمحتوى. بيد أن ذلك ليس متاحاً للجميع؛ خاصةً في المناطق التي لا تشملها التغطية. فمتاحية عرض المجال والمحتوى قد يخضعان لقيود بحسب مواقع المشاهدين.

3- التوزيع فوق القمة

يُستخدَم مصطلح فوق القمة Over-The-Top (OTT) لوصف تحميل الفيديو على الإنترنت العامة. ومعنى فوق القمة أن مزود المحتوى يعتلي قمة خدمات الإنترنت الموجودة. ويُقدَّم الفيديو أساساً بوساطة ربط إنترنت عالي السرعة عوضاً من الكِبال أو السواتل. بيد أن التوزيع فوق القمة لا يعني أنه مجاني؛ حيث إن المصطلح يشمل خدمات مثل نتفليكس Netflix، والفيديو الأساسي من أمازون Amazon Prime Video، وشباك التذاكر المنزلي (إتش بي أو) Home Box Office (HBO) وغيرها.

ويمكن النفاذ إلى محتوى فوق القمة مباشرة على حاسوب؛ إلا أنه غالباً ما يُشاهَد على تلفاز مُمَكَّن بالوب web-enabled أو بوساطة تجهيزة مُمكَّنة بالإنترنت؛ مثل تلفاز آبل Apple TV وغيرها مربوطة مع تلفاز تقليدي.

إن الأفضليات الرئيسية لفوق القمة من وجهة نظر المشاهدين هي: السعر المنخفض نسبيا،ً وميزة الخدمة عند الطلب. بيد أنه فيما يخصّ جهات البث فإن نموذج الدفع لكل مستخدم سيصل حتماً إلى نقطة تحول كلما كانت جهة المشاهدة أكثر نجاحاً مع منصتها. إذ تزداد تكاليف شبكات توصيل المحتوى Content Delivery Networks (CDN) خطياً بزيادة عدد المشاهدين؛ على نقيض الخدمات الساتلية التي لاتزداد فيها  التكاليف بزيادة عدد المشاهدين. أي إن التوزيع فوق القمة مكلف أكثر من التوزيع الساتلي عند مرحلة معيّنة.

وبالمقابل فإن المنافسة في مجال التوزيع فوق القمة شديدة، كما أن متاحية عرض المجال المحدودة تؤثر في جودة المحتوى، ويتسبب التلبث latency بتأخيرات زمنية عند بث الأحداث مباشرةً. لذا يحتاج المستخدمون إلى امتلاك ربط عريض المجال جيد لاستقبال البث، وهو ما لا يتوافر على نطاق واسع دوماً.

التلفزة التماثلية

بدأ البث التلفزيّ مع إشارات أحادية اللون monochrome، وهي تلك التي تتضمن فقط معلومات التزامن    synchronization  (sync) واللمعانية luminance، ويبيّن الشكل (1) إشارة فيديو أحادية اللون، وفيها يمثل المحور الشاقولي النصوع (شدة الإنارة) brightness بواحدة معهد مهندسي الراديو Institute of Radio Engineers (IRE) في حين يمثل المحور الأفقي الزمن. وتوافق القيمة 0 الأسود المطلق والقيمة 140 الأبيض الذروة (أو 714.29 ميلي فولط). وتمتد إشارات التزامن إلى ما دون الأسود المطلق وصولاً إلى القيمة 40.

الشكل (1) إشارة فيديو أحادية اللون.

ثم حلت مكانها إشارة اللّون المركَّبة في الخمسينيات من القرن العشرين، وهي ائتلاف combination لإشارات اللمعانية واللوّن، وما زال نسق البث التلفزيّ هو السائد. ويُشار إلى الإشارة المركَّبة باسم إشارة اللّون والفيديو والبياض والتزامن Colour, Video, Blank, and Sync  signal (CVBS) أو في بعض الأحيان بإشارة الفيديو الملوّن المُركَّبة Composite Color Video Signal (CCVS).

وتتضمن إشارة الفيديو الملوّن المركَّبة (الشكل 2) بصورة رئيسية ثلاثة مكوّنات:

- إشارة اللمعانية luminance (luma)، ويُرمَز إليها بالرمز Y، وتحتوي على معلومات الشدة intensity.

- إشارة اللَّون chrominance (chroma)، ويُرمَز إليها بالرمز C، وتحتوي على معلومات اللّون.

- إشارة التزامن synchronization (sync)، ويُرمَز إليها بالرمز S، وتتحكم بتردد الخط الأفقي.

الشكل (2) إشارة الفيديو الملوّن المركَّبة.

وثمة معياران رئيسيان فقط للتلفزة التماثلية عبر العالم، هما منظومة 625 خطّاً مع معدل إطار 50 هرتز، ومنظومة 525 خطّاً مع معدل إطار 60 هرتز.

وتُرسَل إشارة الفيديو الملوّن والطمس blanking المُركَّبة وفق أحد معايير الإرسال اللونية الآتية:

1- خطُّ طور بديل Phase Alternating Line (PAL): وهو معيار فيديو استُخدِم في الكثير من الدول الأوربية. وتتضمن الصورة وفق هذا المعيار 602 خط متضافر interlaced، ويجري إظهارها بمعدل 25 إطاراً في الثانية.

2- لجنة منظومة التلفزيون الوطنية National Television System Committee (NTSC): وقد صدر معيار منظومة التلفزة الملوّنة عن المجموعة ذاتها التي طورت معيار الأسود والأبيض black and white، وقد استُخدم في الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وكثير من البلدان الأخرى. وتتضمن الصورة وفق هذا المعيار 525 خطّاً متضافراً interlaced، وتُظهر إظهارها بمعدل 29.97 إطاراً في الثانية.

3- منظومة اللون التعاقبي مع الذاكرة Sequential Color With Memory (SECAM): وقد استُخدم هذا المعيار في الكثير من الدول الشرقية مثل الاتحاد السوفييتي (السابق) والصين وباكستان؛ إضافةً إلى فرنسا وقليل من الدول الأخرى. وتتضمن الصورة في هذا المعيار – كما في المعيار خط طور بديل- 625 خطاً متضافراً، ويجري إظهارها بمعدل 25 إطاراً في الثانية؛ إلا أن الطريقة التي تعالج فيها معلومات اللّون في معيار منظومة اللون التعاقبي مع الذاكرة غير متوافقة مع معيار نسق الفيديو خط طور بديل.

وتجدر الإشارة إلى أن الإرسال وفق المعايير الثلاثة ممكن في منظومات 625 خطاً ومنظومات 525 خطّاً على حد سواء؛ إلا أنه لم تُنفذ التراكيب الممكنة جميعها. وعلى الرغم من أن الاختلافات بين الطرائق المطبقة في البلدان المختلفة طفيفة؛ فإنها تسببت بتعدد المعايير غير المتوافقة. وتُرقم معايير التلفزة التماثلية أبجدياً من الحرف أيه A إلى الحرف زد Z؛ والتي تصف أساساً ترددات القنوات وعرض مجالها في النطاقين الأول والثالث من الترددات العالية جداً Very High Frequency (VHF)، والنطاقين الرابع والخامس من الترددات فائقة العلو Ultra High Frequency (UHF).

وفي الكاميرا التلفزيّة يجري تشريح slicing كل حقل إلى بنية من 625 أو 525 خطّاً. بيد أنه وبسبب زمن رجوع flyback الحزمة المحدود في المستقبل التلفزيّ؛ فإنه من الضروري استخدام مجال طمس  blankingعمودي وأفقي؛ وينجم عن ذلك أن الخطوط ليست جميعها مرئية. كما أنه في خط ما، ثمّة جزء معيّن مرئي فقط؛ ففي منظومة 625 خطّاً يُطمَس 50 خطاً ليكون عدد الخطوط المرئية 575، أما في منظومة 525 خطّاً فيُطمَس ليكون ما بين 38 و42 خطّاً. 

وفي المصفوفة في الكاميرا التلفزيّة يجري الحصول أولاً على إشارة اللمعانية (الإشارة Y أو إشارة الأسود والأبيض)، ثم تحويلها إلى إشارة ذات مدى جهد voltage range من صفر فولط (الموافقة لمستوى الأسود) إلى 700 ميلي فولط تقريباً (أبيض 100%). كما تنتج المصفوفة في الكاميرا التلفزيّة أيضاً إشارات فرق اللّون color difference من مخارج الأحمر Red (R) والأخضر Green (G) والأزرق Blue (B). وقد تقرر استخدام إشارات فرق اللّون؛ لأنه يجب إرسال إشارة اللمعانية Y على انفراد لأسباب مرتبطة بالتوافقية compatibility مع التلفزة الأسود والأبيض من جهة، وللمحافظة على عرض المجال بأفضل فاعلية من جهة أخرى. ونظراً لميْز اللّون color resolution المختزل للعين البشرية كان بالإمكان اختزال عرض مجال معلومات اللّون. وفي الواقع، فإن عرض مجال اللّون مختزل بشكل ملحوظ مقارنة مع إشارة اللمعانية: فعرض مجال اللمعانية يبدأ من القيمة 4.2 ميغاهرتز (للمعيار PAL M)، مروراً بالقيمة 5 ميغاهرتز (للمعيارين PAL B/G) وانتهاءاً بالقيمة 6 ميغاهرتز (للمعايير PAL D/K, L)؛ في حين أن عرض مجال اللّون هو 1.3 ميغاهرتز فقط في معظم الحالات.

وفي المبث (الاستوديو) studio تُستخدَم إشاراتا فرق اللّون U=B-Y و V=R-Y مباشرة. بيد أنه ولأسباب مرتبطة بالإرسال تُعدل الإشارتان U و V تعديلاً شعاعياً (تعديل IQ؛ حيث الرمز Iيدل على المركّبة المتفقة بالطور؛ والرمز Q يدل على المركّبة المتعامدة بالطور) على حامل فرعي subcarrier لوني في معياريّ خط طور بديل PAL ولجنة منظومة التلفزيون الوطنية NTSC. أما في معيار منظومة اللون التعاقبي مع الذاكرة؛ فتُرسل معلومات اللّون باعتماد التعديل الترددي. وتتمثل السمة المشتركة بين المعايير الثلاثة في أن معلومات اللّون تُعدَّل على حامل فرعي للون ذي تردد عالٍ، وتُوضَع عند النهاية العليا لمجال تردد الفيديو، وتجري ببساطة إضافتها إلى إشارة اللمعانية. وقد اختير تردد الحامل الفرعي للون بحيث يتسبب بتداخل طفيف مع قناة اللمعانية؛ لكن من المستحيل تفادي اللغط crosstalk بين اللمعانية واللّون. وغالباً ما تكون الآثار اللونيّة الجلية على النموذج المقلّم pinstriped pattern ناجمة عن هذا اللغط.

وفيما يخص مطاريف terminals الرؤية يمكن أن تكون مزودة بالواجهات الفيديوية الآتية:

- واجهة اللّون والفيديو والبياض والتزامن CVBS وواجهة إشارة الفيديو الملوّن المُركَّبة CCVS مع ممانعة كبل 75 أوم وجهد من الذروة للذروة 1 فولط (إشارة فيديو مع ترميز مركّب).

-  واجهة مكوّنات أحمر أخضر أزرق RGB (مِرْبَط connector من نوع  SCART أو Péritel).

- واجهة اللمعانية/اللّون Y/C (لمعانية ولون منفصلان لتفادي آثار اللّون التصالبي cross color أو اللمعانية التصالبية).

التلفزة الرقمية

اعتمدت معظم منظومات التلفزة الملوّنة على معيار دفق النقل transport stream لفريق خبراء الصورة المتحركة (MPEG)، واستخدمت مرمّز/مفكّك ترميز فيديوي H.262 أو MPEG-2 Part2. وتختلف المنظومتان فيما بينهما في تفاصيل كيفية تحويل دفق النقل إلى إشارة بث في النسق الفيديوي قبل الترميز (أو كبديل بعد الترميز)، وفي النسق الصوتي. بيد أن ذلك لم يمنع إنشاء معيار دولي يتضمن كلتا المنظومتين الرئيستين على الرغم من عدم توافقهما في كثير من الجوانب.

ومنظومتا البث الرقمي الرئيسيتان هما: منظومة لجنة منظومات التلفزة المتقدمة Advanced Television Systems Committee (ATSC)، والتي جرى تبنيها كمعيار في أمريكا الشمالية وبعض أجزاء من أمريكا الجنوبية وآسيا، ومنظومة البث الفيديوي الرقمي الأرضي Digital Video Broadcast – Terrestrial (DVB-T) المستخدمة في معظم بقية أنحاء العالم، والتي صُممِّت للتلاؤم النسقي format compatibility مع الخدمات الساتلية للبث المباشر المتوافرة في أوربا (التي تستخدم معيار البث الفيديوي الرقمي الساتلي DVB-S). كما يتوافر أيضاً النسخة DVB-C للتلفزة الكبليّة cable television. وعلى الرغم من أن المعيار ATSC يشتمل على دعم لمنظومات التلفزة الساتلية والكبلية، فإن مشغلي هذه المنظومات اختاروا تقانات أخرى وبصورة خاصة المنظومة DVB-S أو منظومات امتلاكيّة proprietary للتلفزة الساتليّة والتعديل التعامدي المطالي ذا 256 مستوى 256 Quadrature Amplitude Modulation (QAM) للتلفزة الكبليّة. وقد استخدمت اليابان منظومة ثالثة قريبة من المنظومة DVB-T، وهي منظومة البث الرقمي للخدمات المتكاملة Integrated Services Digital Broadcasting (ISDB)، وهي متوافقة مع المنظومة البرازيلية للتلفزة الرقمية Sistema Brasileiro de Televisão Digital (SBTVD) التي تستخدمها البرازيل. في حين استخدمت الصين منظومة رابعة، هي منظومة البث متعدد الوسائط الرقمي الأرضية/المحمولة باليد Digital Multimedia Broadcast-Terrestrial/Handheld (DMB-T/H)

1- معيار البث الفيديوي الرقمي الأرضي DVB-T:

وهو المعيار المعتمد في الاتحاد الأوربي والصادر في العام 1997 عن مشروع البث الفيديوي الرقمي DVB- وهي مؤسسة للمعايير في الاتحاد الأوربي أُسّست في العام 1993- وقد بدأ أول بث وفق هذا المعيار في السويد والمملكة المتحدة في العام 1998. ويُستخدَم التجميع (التضميم/التنضيد) المتعامد باقتسام التردد Orthogonal Frequency-Division Multiplexing (OFDM) في هذا المعيار كمخطط تعديل modulation scheme. والتجميع المتعامد باقتسام التردد هو تعديل رقمي يستخدم الكثير من الحوامل المعدلة رقمياً المتعامدة لإرسال المعطيات الرقمية، ويجعل من الممكن استخدام المجال الترددي بصورة فعالة جداً. وبما أن طول الرمز symbol length في هذا النمط من التعديل طويل جداً؛ فإنه أقل تأثراً بالقناة متعددة المسارات، ومن الممكن حماية رموز المعطيات من تداخل الرموز البيني InterSymbol Interference (ISI) بإضافة مجال حماية guard interval من دون فقد مهم بسرعة نقل المعطيات. ويوفر معيار البث الفيديوي الرقمي الأرضي خدمات بث متنوعة يجري الحصول عليها بتغيير موسطات (بارمترات) parameters المنظومة. إذ يسمح هذا المعيار بتجميع برامج متنوعة في إشارة التجميع المتعامد باقتسام التردد ضمن عرض مجال قدره 7.6 ميغاهرتز. ومن البرامج التي يمكن تجميعها: التلفزة بدقة معيارية Standard Definition Television (SDTV) والتلفزة عالية الدقة High Definition Television (HDTV) والتلفزة منخفضة الدقة Low Definition Television (LDTV) وقناة معطيات وغيرها.

2- معيار لجنة منظومات التلفزة المتقدمة ATSC:

بدأت الولايات المتحدة الأمريكية باستقراء الجيل القادم من البث التلفزيّ الرقمي والذي أُطلق عليه اسم التلفزة المتقدمة Advanced Television (ATV) من قبل لجنة منظومات التلفزة المتقدمة في العام 1987. وبعد اقتراح عدة منظومات والتراجع عنها اقترحت عام 1995 منظومة معيارية، هي التعديل بالمجال الجانبي المتبقي ثماني المستويات 8-level Vestigial Side Band (8VSB) بهدف تحسين جودة البث التلفزي. ويسمح تطبيق مخطط التعديل الرقمي هذا بتحقيق استخدام فعال لعرض المجال الترددي. ويشتمل معيار لجنة منظومات التلفزة المتقدمة على الكثير من الخدمات الأرضية الرقمية (فيديوية وسمعية ومعطياتية)؛ إذ يشتمل على 18 نسقاً تدعم من التلفزة بدقة معيارية إلى التلفزة عالية الدقة، ويمكن لكل مزود برامج اختيار أي نسق يرغب به. وقد جرى تبني معيار لجنة منظومات التلفزة المتقدمة في الكثير من الدول مثل الأرجنتين وكندا وتايوان وكوريا الجنوبية وغيرها.

3- معيار البث الرقمي الأرضي للخدمات المتكاملة ISDB-T:

في اليابان اقتُرح البث الرقمي الأرضي للخدمات المتكاملة كمعيار للبث التلفزيّ الرقمي في العام 1999؛ وقد بدأ العمل به في العام 2003. وتتكوّن منصة معيار البث الرقمي الأرضي للخدمات المتكاملة ISDB من ثلاثة أجزاء رئيسية، هي: البث الرقمي الساتلي Satellite Digital Broadcasting (ISDB-S)، والبث الرقمي الكبلي Cable Digital Broadcasting (ISDB-C) والبث الرقمي الأرضي Terrestrial Digital Broadcasting (ISDB-T). وتُكامل ضمن هذه المنظومات الخدمات الفيديوية والسمعية والمعطياتية في نسق فريق خبراء الصورة المتحركة MPEG المعياري. وقد تبنى معيار البث الرقمي الأرضي للخدمات المتكاملة التجميع المتعامد باقتسام التردد كطريقة تعديل، كما هي الحال في معيار البث الفيديوي الرقمي الأرضي. ويبلغ عرض مجال منظومة هذا المعيار 6 ميغاهرتز، ويجري تقديم ثلاثة أنماط (الأول والثاني والثالث) تبعاً لعدد الحوامل. وعدد الحوامل في النمط الأول هو 1405 حوامل، وهذا يقابل النمط 2K في معيار البث الفيديوي الرقمي الأرضي، أما عددها في النمط الثالث فهو 4992 حاملاً، وهذا يقابل النمط 8K في معيار البث الفيديوي الرقمي الأرضي. وأخيراً النمط الثاني حيث يبلغ عدد الحوامل 2809.

4- معيار البث متعدد الوسائط الرقمي الأرضي/المحمول باليد DMB-T/H:

هذا المعيار– الذي يُعرَف أيضاً باسم البث الأرضي الرقمي متعدد الوسائط  Digital Terrestrial Multimedia Broadcast (DTMB)- هو تقانة التلفزة النقالة الأرضية المستخدمة في الصين وهونغ كونغ.  ويختلف هذا المعيار عن معيار البث النقال متعدد الوسائط الصيني China Multimedia Mobile Broadcasting (CMMB)  الذي يعتمد تقانة ساتلية أرضية هجينة. وتعمل منظومة البث متعدد الوسائط الرقمي الأرضي/المحمول باليد على مجال الترددات فائقة العلو Ultra High Frequency (UHF) من 470 ميغاهرتز إلى 760 ميغاهرتز، وتستخدم مخططات تعديل وحيد الحامل وكذلك مخططات تعديل ثنائي الحامل، منها التجميع المتعامد باقتسام التردد المتزامن في نطاق زمنيّ Time Domain Synchronous Orthogonal Frequency Division Multiplexing (TDS-OFDM)، والتعديل الرقمي التعامدي بإزاحة الطور Quadrature Phase Shift Keying (QPSK)والتعديل التعامدي المطالي Quadrature Amplitude Modulation (QAM) متعدد المستويات (16 و 64). ويُزعَم أن مدى الاستقبال الأرضي في هذا المعيار أعلى من مدى الاستقبال في معيار البث الفيديوي الرقمي الأرضي  DVB-Tالمستخدم في أوربا بقرابة 10 كم؛ وأنه ليس ثمّة محدودية في الاستقبال من قبل المستخدمين النقالين mobile users بسرعات تصل إلى 200 كم/ثا.  

الاستوديوهات التلفزيّة

الاستوديو التلفزيّ television studio (أو استوديو الإنتاج التلفزيّ) هو غرفة إعداد set-up، يجري فيها إنتاج الفيديوهات من أجل البث الحي live، والتسجيل على كاسيت فيديوي شريطي videotape أو وسائط أخرى مثل  مِسْوَق (سواقة) ذي حالةٍ صُلبة  Solid-State Drive (SSD)، أو التقاط مشاهد مصوّرة حيّة. وتصميم الاستوديو يشبه استوديو الأفلام film studio ومستوحى منه؛ لكن مع بعض التعديلات لجعله ملائماً للمتطلبات الخاصة للإنتاج التلفزيّ. وللاستوديوهات التلفزيّة الاحترافية غرف منفصلة من أجل الحد من الضجيج وأسباب عملية أخرى. وهذه الغرف مرتبطة بوساطة تجهيزات اتصالات داخلية؛ كما يُوزَّع الكادر على مواقع العمل المختلفة.

وتتضمن معدّات البث التلفزيّ المستخدمة في تسجيل البرامج وبثها: مِكروفونات، ولوحة مزج mixing console، ومُشغلات players، وبكرات كاسيت، وحواسيب. ويُضاف إليها الكاميرات ومعدات الإنارة ومرقاب ومجهار ومربط ومكملات أخرى. ويُضاف إلى ذلك تجهيزات البث الاتصالاتية التي تختلف باختلاف المعيار المعتمد.

وتشتمل البنية التحتية للاستوديو التلفزيّ عادة على الغرف الآتية:

1-  طابق الاستوديو (البلاتو) studio floor: وهي المسرح الفعلي حيث تجري أعمال التسجيل والمشاهدة. ولطابق الاستوديو سمات ومرافق متعدّدة (الشكل 3)، منها: كاميرا فيديوية احترافية (أو أكثر) عادة ما تكون مثبتة على قاعدة ومزودة بمِكروفون ومجهار قابل للطي، ومعدّات إنارة مسرح ولوحات تحكم بالإضاءة المرتبطة بها، وعدة مراقيب monitors فيديوية من أجل التغذية الخلفية المرئية من غرفة التحكم بالإنتاج، وشبكة تخاطب عامة. ويُفضَّل على الغالب توافر اتصال مرئي مباشر عبر نافذة زجاجية بين مركز التحكم بالإنتاج وطابق الاستوديو. ويشرف مدير الطابق على إدارة المسرح في منطقة الاستوديو ونقل التعليمات والتوقيت ومعلومات أخرى من مدير محطة البث. ويقوم مشغل (أو أكثر) بتشغيل الكاميرات من بعد عادةً من مركز التحكم بالإنتاج بوساطة ذراع روبوتية.

الشكل (3) طابق الاستوديو.

2- غرفة التحكم بالإنتاج Production Control Room (PCR):

غرفة التحكم بالإنتاج (الشكل 4) هي مكان ضمن طابق الاستوديو تُركَّب فيه البرامج الصادرة. ويُطلَق على هذه الغرفة أحياناً اسم غرفة التحكم بالاستوديو. ومعظم التجهيزات في غرفة التحكم هي واجهات لمعدّات مثبتة على حامل rack-mounted في غرفة المعدّات المركزية.

الشكل (4) غرفة التحكم بالإنتاج.

3- غرفة المعدّات المركزية Central Apparatus Room (CAR):

تضم غرفة المعدّات المركزية (الشكل 5) المعدّات عالية الضجيج أو التي تصدر حرارة عالية؛ بحيث لا يمكن وضعها في غرفة التحكم بالإنتاج. ولأن معظم التَكْبيل cabling عالي الجودة مستخدم فقط بين التجهيزات في هذه الغرفة؛ لذا ينبغي الحرص على أن تكون أطوال الكبال المحورية أو الألياف البصرية أو الواجهات الرقمية التسلسلية Serial Digital Interfaces (SDIs) أو غيرها من الكبال المركَّبة محققة للمواصفات وقابلة للإدارة.

الشكل (5) غرفة المعدات المركزية.

4- غرفة التحكم الرئيسية Master Control Room (MCR):

غرفة التحكم الرئيسية هي القَبّ (المُجمِّع) hub التقني لعمليات البث؛ وهي شائعة الاستخدام في معظم محطات التلفزة الأرضية والشبكات التلفزية. وغرفة التحكم الرئيسية (الشكل 6) مختلفة عن غرفة التحكم بالإنتاج في الاستديوهات التلفزية التي يجري فيها تنسيق الابتدال switching من كاميرا إلى أخرى.

الشكل (6) غرفة التحكم الرئيسية.

أما غرفة التحكم بالإرسال Transmission Control Room (TCR) فغالباً ما تكون أصغر حجماً، وهي نموذج مصغر من محطة بث مركزية central casting. ويجري في غرفة التحكم الرئيسية لمحطة تلفزية التحكم بالإشارات على الهواء؛ ومن ذلك تشغيل البرامج التلفزية مسبَّقة التسجيل أو الإعلانات التجارية، والابتدال بين تغذية feed محلية أو شبكة تلفزية، وتسجيل تغذية ساتلية، ومراقبة المرسلات. ويمكن كحل بديل وضع هذه التجهيزات في غرف متجاورة ذات رفوف. وعندما يُبث برنامج ما بصورة حية ومباشرة، تنتقل الإشارة من غرفة التحكم بالإنتاج مروراً بغرفة التحكم الرئيسية وصولاً إلى المرسل.

الشكل (7) غرفة التحكم بالإرسال.

5- المرافق الأخرى:

ثمة مرافق facilities أخرى عادةً في الاستوديوهات التلفزية؛  لكنها لا تستلزم متطلبات تقنية خاصة، منها: غرف المكياج وغرف الملابس، ومناطق استراحة للكادر وللزوار، والتي يُطلَق عليها الغرفة الخضراء. 

التلفزة والمجتمع

للبث التلفزيّ أثر كبير في المجتمعات في جميع أرجاء العالم. وثمة أوجه كثيرة للتغييرات التي حملتها التلفزة على الحياة اليومية للأشخاص والبلدان على حد سواء.

1- المشاهدة خير دليل: حظيت استيقانية  authenticityالأخبار والمواد الإعلامية الأخرى التلفزية بقبول لدى الأشخاص لم تبلغه وسائل الاتصال الأخرى. فالأشخاص يحبون المشاهد المصورة للأخبار على الرغم من معرفتهم بها، وهذا ينسحب على المباريات الرياضية وغيرها من المعلومات.

2- التغييرات في المواقيت: يضبط الكثير من الأشخاص مواقيتهم timings اليومية تبعاً لبرامجهم المفضلة؛ فالطلاب يميلون إلى إنهاء واجباتهم المدرسية قبل موعد برنامجهم المفضل. ولقد فقد المثل السائد "النوم الباكر والاستيقاظ الباكر يجعلان الإنسان صحيحاً وميسوراً وحكيماً" معناه؛ إذ غدت مشاهدة التلفاز حتى وقت متأخر من الليل قاعدة متبعة في أغلب المنازل.

3- الموضة: ركزت المسرحيات والعروض المتلفزة طوال سنوات على إدخال ملابس جديدة عصرية؛ ولا سيّما لدى المراهقين. وقد انتشرت سريعاً تسريحات الشعر والملابس والمكياج حتى الإيماءات الجديدة بين الأشخاص بعد انتهاء عرض رائج أو مسلسل درامي بقليل.      

4- زيادة المعارف العامة: لكون التلفزة وسطاً قويّاً؛ فقد نجح في زيادة المعارف العامة في كثير من مسائل الحياة اليومية؛ فمشاهدة برنامج وثائقي عن الحياة البرية -ولو مصادفة- يجعل المرء أكثر اطلاعاً على جوانب متنوّعة من المنظومة البيئية والموطن البيئي.

5- التغييرات الثقافية: لعل التغيرات الثقافية التي كانت على مدى سنوات أكثر المجالات تأثراً بمشاهدة التلفاز. فبرامج الحوار والدراما المتلفزة أثرت بصورة كبيرة في عملية التفكير للكثيرين؛ لذا يسعى المثقفون على الدوام لإظهار ما بمقدورهم من ثقافة محلية عبر البث التلفزيّ حفاظاً على الهوية الثقافية لمنطقة (أو أمة) معيّنة. كما نُظِّمت حوارات كثيرة في أثر الثقافات الأخرى ولا سيّما الغربية في نمط حياة مجتمعات أخرى بوساطة البرامج المتلفزة.

6- التحول المؤسساتي: تتحمل التلفزة مسؤولية انحسار السينما والمسرح؛ إذ ولى الزمن الذي كان يجتمع فيه أفراد العائلة للذهاب إلى دور السينما أو المسارح. وغالباً ما يمنع بث دراما متلفزة أو عرض موسيقي أو مباراة رياضية أفراد العائلة والأصدقاء من الخروج من المنزل للترفيه؛ بسبب أن الترفيه في الزمن الحقيقي متوافر في المنزل، وفوق ذلك فهو ترفيه من دون تكلفة تقريباً. ففي الكثير من البلدان شهدت المسارح تراجعاً في أعمالها إلى درجة دفعت إلى هدم كثير من المسارح، وبناء مراكز تسوق مكانها.

7- الصحف: مع توافر آخر الأخبار على الشاشة الصغيرة ساعة بساعة يبدو أن الناس فقدت اهتمامها بتمضية الوقت في قراءة أعمدة طويلة بحثاً عن الأخبار في الصحف. وغدت التلفزة النمط الرائج لمعرفة آخر المستجدات الإخبارية. وقد شهدت غالبية الصحف تدهوراً كبيراً في التوزيع؛ فأحجمت عن المضي في مخططات التوسع المقترحة. ومن ناحية أخرى شهدت صناعة الطباعة والنشر-  ومنها الصحف والمجلات والكتب وغيرها - انخفاضاً كبيراً في العوائد؛ لأن معظم الموازنات الإعلانية لقطاع الشركات ولمنظمات الأعمال الإفرادية قد جرى تحويلها إلى التلفزة ذات المردود الأعلى مقارنة مع الحملات الإعلانية على الوسائط المطبوعة. 

8- السياسة: يهتم الكثير من السياسيين والأحزاب السياسية بشراء أزمنة بث تلفزيّ نظراً لقوة التلفزة وانتشارها الواسع؛ إذ يكفيهم مخاطبة الجماهير من أروقة جهات البث التلفزيّ عوضاً عن الخروج إلى الطرقات وتنظيم لقاءات عامة. ويبدو أن التلفزة قد غيرت البيئة السياسية تغييراً جذريّاً؛ إذ غدا بإمكان الناس مخاطبة ممثليهم والمرشحين مباشرة في أثناء مشاركتهم في الحوارات والندوات المتلفزة.

الآفاق المستقبلية للتلفزة

تحولت التجربة التلفزيّة إلى تجربة المشاهدة لكون الأخيرة أكثر شمولية من حيث التوسع؛ إذ تشمل التجهيزات النقالة والمترابطة، وخدمات الدفق الجديدة، والشاشات المتعددة. وستشهد التلفزة تغييرات متسارعة في شكل عالم الأعمال بفضل كل من مسارات العمل workflowsالمعتمدة على بروتوكول الإنترنت والسحابة، والذكاء الصنعي، والتحليلات المقودة بالمعطيات؛ لتعيد تشكيل إنشاء المحتوى. وبصرف النظر عن طريقة تعريف المحتوى وإنشائه واستهلاكه ستبقى على الدوام جودة المحتوى هي المؤثر الاجتماعي الذي يجذب مشاهدين تواقين لتجارب مشاهدة فريدة ووفق الطلب وأخاذة.

مراجع للاستزادة:

-  R. R. Gulati, Modern Television Practice: Transmission, Reception and Applications, New Academic Science, 2020.

- C. Johnson, Online TV, Routledge, 2019..

-  S. Mozar et al., Digital Television Fundamentals, IET, 2023.. 


- التصنيف : كهرباء وحاسوب - المجلد : المجلد العاشر، طبعة 2025، دمشق مشاركة :

بحث ضمن الموسوعة

من نحن ؟

الموسوعة إحدى المنارات التي يستهدي بها الطامحون إلى تثقيف العقل، والراغبون في الخروج من ظلمات الجهل الموسوعة وسيلة لا غنى عنها لاستقصاء المعارف وتحصيلها، ولاستجلاء غوامض المصطلحات ودقائق العلوم وحقائق المسميات وموسوعتنا العربية تضع بين يديك المادة العلمية الوافية معزَّزة بالخرائط والجداول والبيانات والمعادلات والأشكال والرسوم والصور الملونة التي تم تنضيدها وإخراجها وطبعها بأحدث الوسائل والأجهزة. تصدرها: هيئة عامة ذات طابع علمي وثقافي، ترتبط بوزير الثقافة تأسست عام 1981 ومركزها دمشق 1